تفسير قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولم يروا أنّ اللّه الّذي خلق السّموات والأرض قادرٌ على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه فأبى الظّالمون إلاّ كفورًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: أو لم ينظر هؤلاء القائلون من المشركين {أئذا كنّا عظامًا ورفاتًا أئنّا لمبعوثون خلقًا جديدًا} بعيون قلوبهم، فيعلمون أنّ اللّه الّذي خلق السّموات والأرض، فابتدعها من غير شيءٍ، وأقامها بقدرته، قادرٌ بتلك القدرة على أن يخلق مثلهم أشكالهم وأمثالهم من الخلق بعد فنائهم، وقبل ذلك وأنّ من قدر على ذلك فلا يمتنع عليه إعادتهم خلقًا جديدًا، بعد أن يصيروا عظامًا ورفاتًا.
وقوله {وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه} يقول تعالى ذكره: وجعل اللّه لهؤلاء المشركين أجلاً لهلاكهم، ووقتًا لعذابهم لا ريب فيه. يقول: لا شكّ فيه أنّه آتيهم ذلك الأجل. {فأبى الظّالمون إلاّ كفورًا} يقول: فأبى الكافرون إلاّ جحودًا بحقيقة وعيده الّذي أوعدهم وتكذيبًا به). [جامع البيان: 15/97]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى خشية الإنفاق قال الفاقة). [تفسير عبد الرزاق: 1/390]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({خشية الإنفاق} [الإسراء: 100] : " أنفق الرّجل: أملق، ونفق الشّيء ذهب "، {قتورًا} [الإسراء: 100] : «مقتّرًا»). [صحيح البخاري: 6/84]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله خشية الإنفاق يقال أنفق الرّجل أملق ونفق الشّيء ذهب كذا ذكره هنا والّذي قاله أبو عبيدة في قوله ولا تقتلوا أولادكم من إملاق أي من ذهاب مالٍ يقال أملق فلانٌ ذهب ماله وفي قوله ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق أي فقرٍ وقوله نفق الشّيء ذهب هو بفتح الفاء ويجوز كسرها هو قول أبي عبيدة وروى بن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال خشية الإنفاق أي خشية أن ينفقوا فيفتقروا قوله قتورًا مقترًا هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (خشية الإنفاق أنفق الرّجل أملق ونفق الشّيء ذهب
أشار به إلى قوله تعالى: {إذا لامستكم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً} (الإسراء: 100) وفسّر الإنفاق الإملاق، وروى ابن أبي حاتم من طريق السّديّ، قال: خشية الإنفاق، أي: خشية أن تنفقوا فتفتقروا. قوله: (ونفق الشّيء ذهب) بفتح الفاء وقيل بكسرها، وكذا فسره أبو عبيدة، وأشار به أيضا إلى الفرق بين الثلاثي والمزيد من حيث المعنى، وفي هذه السّورة أيضا قوله: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} (الإسراء: 31) الإملاق الفقر وقد خبط بعضهم هنا خباطاً لا ينجلي، وقد طويت ذكره.
قتوراً مقتّراً
أشار به إلى قوله تعالى: {وكان الإنسان قتوراً} (الإسراء: 100) وقال: إن قتوراً الّذي على وزن: فعول، بمعنى: مقتراً، على وزن إسم الفاعل من الإقتار، ومعناه: بخيلًا ممسكاً، يقال: قتر يقتر قتراً وأقتر إقتاراً: إذا قصر في الإنفاق). [عمدة القاري: 19/24]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({خشية الإنفاق}) في قوله: {إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء: 100] يقال (أنفق الرجل) أي (أملق) والإملاق الفاقة (ونفق الشيء) بكسر الفاء مصححًا عليها في الفرع كأصله أي (ذهب) وفي حاشية موثوق بها في اليونينية نفق الشيء بفتح الفاء هي اللغة الفصحى ويقال بكسرها وليست بالعالية. وفي الصحاح أنفق الرجل أي افتقر وذهب ماله ومنه قوله تعالى: {إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق}.
({قتورًا}) في قوله تعالى: {وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء: 102] قال أبو عبيدة أي (مقترًا) من الإقتار أي بخيلًا يريد أن في طبعه ومنتهى نظره أن الأشياء تتناهى وتفنى فهو لو ملك خزائن رحمة الله لأمسك خشية الفقر). [إرشاد الساري: 7/203]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين: لو أنتم أيّها النّاس تملكون خزائن أملاك ربّي من الأموال، وعنى بالرّحمة في هذا الموضع: المال {إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} يقول: إذن لبخلتم به، فلم تجودوا بها على غيركم خشيةً من الإنفاق والإقتار، كما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} قال: الفقر.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {خشية الإنفاق} أي خشية الفاقة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
وقوله: {وكان الإنسان قتورًا} يقول: وكان الإنسان بخيلاً ممسكًا، كما؛
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وكان الإنسان قتورًا} يقول: بخيلاً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {وكان الإنسان قتورًا} قال: بخيلاً.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وكان الإنسان قتورًا} قال: بخيلاً ممسكًا.
وفي القتور في كلام العرب لغاتٌ أربع، يقال: قتر فلانٌ يقتر ويقتر، وقتّر يقتّر، وأقتر يقتر، ما قال أبو دوادٍ:
لا أعدّ الإقتار عدمًا ولكن = فقد من قد رزيته الإعدام). [جامع البيان: 15/98-99]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 100
أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {خزائن رحمة ربي} قال: الرزق). [الدر المنثور: 9/452-453]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {إذا لأمسكتم خشية الإنفاق} قال: إذن ما أطعمتم أحدا شيئا). [الدر المنثور: 9/453]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {خشية الإنفاق} قال: الفقر وفي قوله: {وكان الإنسان قتورا} قال: بخيلا). [الدر المنثور: 9/453]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {خشية الإنفاق} قال: خشية الفاقة {وكان الإنسان قتورا} قال: بخيلا ممسكا). [الدر المنثور: 9/453]