تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلاً}.
يقول تعالى ذكره: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي آتيناك من العلم الّذي أوحينا إليك من هذا القرآن لنذهبنّ به، فلا تعلمه، ثمّ لا تجد لنفسك بما نفعل بك من ذلك وكيلاً، يعني: قيّمًا يقوم لك، فيمنعنا من فعل ذلك بك، ولا ناصرًا ينصرك، فيحول بيننا وبين ما نريد بك.
قالا: وكان عبد اللّه بن مسعودٍ يتأوّل معنى ذهاب اللّه عزّ وجلّ به رفعه من صدور قارئيه.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن شداد بن معقلٍ، قال: قلت لعبد اللّه، وذكر أنّه يسرى على القرآن: كيف وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا؟ قال: يسرى عليه ليلاً، فلا يبقى منه في مصحفٍ ولا في صدر رجلٍ، ثمّ قرأ عبد اللّه: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن يحيى، عن المسيّب بن رافعٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: تطرق النّاس ريحٌ حمراء من نحو الشّام، فلا يبقى في مصحف رجلٍ ولا قلبه آيةٌ. قال رجلٌ: يا أبا عبد الرّحمن، إنّي قد جمعت القرآن، قال: لا يبقى في صدرك منه شيءٌ. ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك}). [جامع البيان: 15/73-74]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك} [الإسراء: 86].
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: لينزعنّ هذا القرآن من بين أظهركم، قال: يا أبا عبد الرّحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسري على القرآن ليلًا فلا يبقى في قلب عبدٍ ولا في مصحفه منه شيءٌ، ويصبح النّاس فقراء كالبهائم، ثمّ قرأ عبد اللّه: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلًا} [الإسراء: 86].
رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح غير شدّاد بن معقلٍ وهو ثقةٌ). [مجمع الزوائد: 7/51-52]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 86 – 87
أخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس قال: لما قدم وفد اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبيت اللعن: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، إنما يقال هذا للملك ولست ملكا، أنا محمد بن عبد الله، فقالوا: إنا لا ندعوك باسمك، قال: فأنا أبو القاسم، فقالوا: يا أبا القاسم إنا قد خبأنا لك خبيئا، فقال: سبحان الله، إنما يفعل هذا بالكاهن والكاهن والمتكهن والكهانة في النار، فقال له أحدهم: فمن يشهد لك أنك رسول الله فضرب بيده إلى حفنة حصا فأخذها فقال: هذا يشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبحن في يده فقلن: نشهد أنك رسول الله، فقالوا له: أسمعنا بعض ما أنزل عليك، فقرأ (والصافات صفا) حتى انتهى إلى قوله: (فأتبعه شهاب ثاقب) (الصافات الآية 1 - 10) فإنه لساكن ما ينبض منه عرق وإن دموعه لتسبقه إلى لحيته فقالوا له: إنا نراك تبكي، أمن خوف الذي بعثك تبكي قال: بل من خوف الذي بعثني ابكي إنه بعثني على طريق مثل حد السيف إن زغت عنه هلكت، ثم قرأ {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} ). [الدر المنثور: 9/436-437]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن سيرفع، قيل: كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف، قال: يسرى عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلا رفعت فتصبحون وليس فيكم منه شيء، ثم قرأ {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} ). [الدر المنثور: 9/437]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليسرين على القرآن في ليلة فلا يترك آية في مصحف أحد إلا رفعت). [الدر المنثور: 9/438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يسر ى على القرآن ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء). [الدر المنثور: 9/438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع، قالوا: هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الناس، قال: يعدى ليلا فيرفع من صدورهم فيصبحون فيقولون: لكأنا كنا نعلم شيئا ثم يقعون في الشعر). [الدر المنثور: 9/438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك، ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ويبقى الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آبائنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها). [الدر المنثور: 9/438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب في تاريخه عن حذيفة رضي الله عنه قال: يوشك أن يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب ويقرأ الناس القرآن لا يجدون له حلاوة فيبيتون ليلة فيصبحون وقد أسري بالقرآن وما قبله من كتاب حتى ينتزع من قلب شيخ كبير وعجوز كبير فلا يعرفون وقت صلاة ولا صيام ولا نسك، حتى يقول القائل منهم: إنا سمعنا الناس يقولون: لا إله إلا الله فنحن نقول لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 9/439]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي داود، وابن أبي حاتم عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال: يسرى على القران في ليلة فيقوم المتهجدون في ساعاتهم فلا يقدرون على شيء فيفزعون إلى مصاحفهم فلا يقدرون عليها فيخرج بعضهم إلى بعض فيلتقون فيخبر بعضهم بعضا بما قد لقوا). [الدر المنثور: 9/439]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الناس زمان يرسل إلى القرآن ويرفع من الأرض). [الدر المنثور: 9/439]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث نزل له دوي حول العرش كدوي النحل يقول: أتلى ولا يعمل بي). [الدر المنثور: 9/439]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج محمد بن نصر عن الليث بن سعد رضي الله عنه قال: إنما يرفع القرآن حين يقبل الناس على الكتب ويكبون عليها ويتركون القرآن). [الدر المنثور: 9/440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطيعوني ما دمت بين أظهركم فإن ذهبت فعليكم بكتاب الله، أحلوا حلاله وحرموا حرامه فإنه سيأتي على الناس زمان يسرى على القرآن في ليلة فينسخ من القلوب والمصاحف). [الدر المنثور: 9/440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: يسرى على كتاب الله فيرفع إلى السماء فلا يبقى على الأرض من القرآن ولا من التوراة والإنجيل والزبور فينزع من قلوب الرجال فيصبحون في الصلاة لا يدرون ما هم فيه). [الدر المنثور: 9/440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه والديلمي عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسرى على كتاب الله ليلا فيصبح الناس ليس في الأرض ولا في جوف مسلم منه آية). [الدر المنثور: 9/440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يرفع الذكر والقرآن). [الدر المنثور: 9/441]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنها قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس ما هذه الكتب التي بلغني أنكم تكتبونها مع كتاب الله يوشك أن يغضب الله لكتابه فيسرى عليه ليلا لا يترك في قلب ولا ورق منه حرفا إلا ذهب به، فقيل: يا رسول الله فكيف بالمؤمنين والمؤمنات قال: من أراد الله به خيرا أبقى في قلبه لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 9/441]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: يسرى على القرآن في جوف الليل يجيء جبريل عليه السلام فيذهب به ثم قرأ {ولئن شئنا لنذهبن} الآية). [الدر المنثور: 9/441]
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلاّ رحمةً من ربّك إنّ فضله كان عليك كبيرًا}.
يقول عزّ وجلّ: {ولئن شئنا لنذهبنّ} يا محمّد {بالّذي أوحينا إليك} ولكنّه لا يشاء ذلك، رحمةً من ربّك وتفضّلاً منه عليك {إنّ فضله كان عليك كبيرًا} باصطفائه إيّاك لرسالته، وإنزاله عليك كتابه، وسائر نعمه عليك الّتي لا تحصى). [جامع البيان: 15/75]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا}.
يقول جلّ ثناؤه: قل يا محمّد للّذين قالوا لك: إنّا نأتي بمثل هذا القرآن: لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله، لا يأتون أبدًا بمثله، ولو كان بعضهم لبعضٍ عونًا وظهرًا.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسبب قومٍ من اليهود جادلوه في القرآن، وسألوه أن يأتيهم بآيةٍ غيره شاهدةٍ له على نبوّته، لأنّ مثل هذا القرآن بهم قدرةٌ على أن يأتوا به.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محمود بن سيحان، ونعمان بن أضان، وبحريّ بن عمرٍو، وعزيز بن أبي عزيزٍ، وسلاّم بن مشكمٍ، فقالوا: أخبرنا يا محمّد بهذا الّذي جئت به حقٌّ من عند اللّه عزّ وجلّ، فإنّا لا نراه متناسقًا كما تناسق التّوراة، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أما واللّه إنّكم لتعرفون أنّه من عند اللّه تجدونه مكتوبًا عندكم، ولو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثله ما جاءوا به " فقالوا عند ذلك، وهم جميعًا: فنحاصٌ، وعبد اللّه بن صوريا، وكنانة بن أبي الحقيق، وأشيع، وكعب بن أسدٍ، وشمويل بن زيدٍ، وجبل بن عمرٍو: يا محمّد ما يعلّمك هذا إنسٌ ولا جانٌّ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم " أما واللّه إنّكم لتعلمون أنّه من عند اللّه وأنى رسول الله تجدونه مكتوبًا عندكم في التّوراة والإنجيل " فقالوا: يا محمّد، إنّ اللّه يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء، ويقدر منه على ما أراد، فأنزل علينا كتابًا نقرؤه ونعرفه، وإلاّ جئناك بمثل ما تأتي به، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم وفيما قالوا: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله {لئن اجتمعت الإنس والجنّ}.. إلى قوله {ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا} قال: معينًا، قال: يقول: لو برزت الجنّ وأعانهم الإنس، فتظاهروا لم يأتوا بمثل هذا القرآن.
وقوله عزّ وجلّ {لا يأتون بمثله} رفعٌ، وهو جوابٌ لقوله " لئن "، لأنّ العرب إذا أجابت لئن بلا رفعوا ما بعدها، لأنّ " لئن " كاليمين وجواب اليمين بلا مرفوعٌ، وربّما جزم لأنّ لئن إن الّتي يجاب بها زيدت عليه لامٌ، كما قال الأعشى:
لئن منيت بنا عن غبّ معركةٍ = لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل). [جامع البيان: 15/75-77]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 88 - 89.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان ونعيمان بن أصي ومجزئ بن عمر وسلام بن مشكم فقالوا: يا محمد هذا الذي جئت به حق من عند الله فإنا لا نراه متناسقا كما تتناسق التوراة، فقال لهم: أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله قالوا: إنا نجيئك بمثل ما أتي به، فأنزل الله {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} الآية). [الدر المنثور: 9/441-442]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن} الآية، قال: يقول: لو برزت الجن وأعانهم الإنس فتظاهروا لم يأتوا هذا القرآن). [الدر المنثور: 9/442]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({صرّفنا} [الإسراء: 89] : «وجّهنا»). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله صرّفنا وجّهنا قال أبو عبيدة في قوله ولقد صرّفنا للنّاس في هذا القرآن أي وجهنا وبينا). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (صرّفنا وجّهنا
أشار به إلى قوله تعالى: {ولقد صرفنا للنّاس في هذا القرآن} (الإسراء: 89) وفسره بقوله: وجهنا، وكذا فسره أبو عبيدة ويقال: أي وبينا من الأمثال وغيرها ممّا يوجب الاعتبار به). [عمدة القاري: 19/24]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({صرّفنا}) للناس قال أبو عبيدة أي (وجهنا) وبيّنّا وفي مفعوله وجهان:
أحدهما؛ أنه مذكور وفي مزيدة أي ولقد صرفنا هذا القرآن.
والثاني؛ أنه محذوف أي ولقد صرفنا أمثاله ومواعظه وقصصه وأخباره وأوامره). [إرشاد الساري: 7/202]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد صرّفنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثلٍ فأبى أكثر النّاس إلاّ كفورًا}.
يقول تعالى ذكره: ولقد بيّنّا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثلٍ احتجاجًا بذلك كلّه عليهم، وتذكيرًا لهم، وتنبيهًا على الحقّ ليتّبعوه ويعملوا به {فأبى أكثر النّاس إلاّ كفورًا} يقول: فأبى أكثر النّاس إلاّ جحودًا للحقٍّ، وإنكارًا لحجج اللّه وأدلّته). [جامع البيان: 15/77]