العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الإسراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 08:25 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة الإسراء [ من الآية (53) إلى الآية (57) ]

{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 08:28 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وقل يا محمّد لعبادي يقل بعضهم لبعضٍ الّتي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة. كما:
- حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: حدّثنا النّضر، قال: أخبرنا المبارك، عن الحسن، في هذه الآية {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن} قال: الّتي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله يقول له: يرحمك اللّه يغفر اللّه لك.
وقوله: {إنّ الشّيطان ينزغ بينهم} يقول: إنّ الشّيطان يسوء محاورة بعضهم بعضًا ينزغ بينهم، يقول: يفسد بينهم، يهيّج بينهم الشّرّ {إنّ الشّيطان كان للإنسان عدوًّا مبينًا} يقول: إنّ الشّيطان كان لآدم وذرّيّته عدوًّا، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد، وغروره إيّاه حتّى أخرجه من الجنّة). [جامع البيان: 14/623-624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين رضي الله عنه في قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} قال: لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 9/377]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} قال: يعفوا عن السيئة). [الدر المنثور: 9/377]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} قال: لا يقول له مثل ما يقول بل يقول له: يرحمك الله يغفر الله لك). [الدر المنثور: 9/377]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: نزغ الشيطان تحريشه). [الدر المنثور: 9/377]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من نار). [الدر المنثور: 9/377]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} قال: عادوه فإنه يحق على كل مسلم عداوته وعداوته أن تعاديه بطاعة الله). [الدر المنثور: 9/378]

تفسير قوله تعالى: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ربّكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذّبكم وما أرسلناك عليهم وكيلاً}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريشٍ الّذين قالوا {أئذا كنّا عظامًا ورفاتًا أئنّا لمبعوثون خلقًا جديدًا} {ربّكم} أيّها القوم {أعلم بكم إن يشأ يرحمكم} فيتوب عليكم برحمته، حتّى تنيبوا عمّا أنتم عليه من الكفر به وباليوم الآخر {وإن يشأ يعذّبكم} بأن يخذلكم عن الإيمان، فتموتوا على شرككم، فيعذّبكم يوم القيامة بكفركم به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن عبد الملك بن جريجٍ، قوله: {ربّكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم} قال: فتؤمنوا {أو إن يشأ يعذّبكم} فتموتوا على الشّرك كما أنتم.
وقوله: {وما أرسلناك عليهم وكيلاً} يقول لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وما أرسلناك يا محمّد على من أرسلناك إليه لتدعوه إلى طاعتنا ربًّا ولا رقيبًا، إنّما أرسلناك إليهم لتبلّغهم رسالاتنا وبأيدينا صرفهم وتدبيرهم، فإن شئنا رحمناهم، وإن شئنا عذّبناهم). [جامع البيان: 14/624-625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 54.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم} قال: فتؤمنوا وإن يشأ يعذبكم فتموتوا على الشرك كما أنتم). [الدر المنثور: 9/378]

تفسير قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وآتينا داود زبورًا}
- حدّثني إسحاق بن نصرٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن همّام بن منبّهٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خفّف على داود القراءة، فكان يأمر بدابّته لتسرج، فكان يقرأ قبل أن يفرغ - يعني - القرآن»). [صحيح البخاري: 6/85]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وآتينا داود زبورا)
ذكر فيه حديث أبي هريرة خفّف على داود القرآن ووقع في رواية لأبي ذرٍّ القراءة والمراد بالقرآن مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمّة وقد تقدّم إشباع القول فيه في ترجمة داود عليه السّلام من أحاديث الأنبياء قوله باب قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه الآية كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره إلى تحويلًا قوله يحيى هو القطّان وسفيان هو الثّوريّ وسليمان هو الأعمش وإبراهيم هو النّخعيّ وأبو معمرٍ هو عبد اللّه الأزديّ وعبد الله هو بن مسعودٍ قوله عن عبد اللّه إلى ربّهم الوسيلة قال كان ناسٌ في رواية النّسائيّ من هذا الوجه عن عبد اللّه في قوله أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة قال كان ناسٌ إلخ والمراد بالوسيلة القربة أخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة وأخرجه الطّبريّ من طريق أخرى عن قتادة ومن طريق بن عبّاسٍ أيضًا قوله فأسلم الجنّ وتمسّك هؤلاء بدينهم أي استمرّ الإنس الّذين كانوا يعبدون الجنّ على عبادة الجنّ والجنّ لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا وهم الّذين صاروا يبتغون إلى ربّهم الوسيلة وروى الطّبريّ من وجهٍ آخر عن بن مسعودٍ فزاد فيه والإنس الّذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية وأمّا ما أخرجه الطّبريّ من وجهٍ آخر عن بن مسعودٍ قال كان قبائل العرب يعبدون صنفًا من الملائكة يقال لهم الجنّ ويقولون هم بنات اللّه فنزلت هذه الآية فإن ثبت فهو محمولٌ على أنّها نزلت في الفريقين وإلّا فالسّياق يدلّ على أنّهم قبل الإسلام كانوا راضين بعبادتهم وليست هذه من صفات الملائكة وفي رواية سعيد بن منصورٍ عن بن مسعودٍ في حديث الباب فعيّرهم اللّه بذلك وكذا ما أخرجه من طريق أخرى ضعيفةٍ عن بن عبّاسٍ أنّ المراد من كان يعبد الملائكة والمسيح وعزيرا تنبيه استشكل بن التّين قوله ناسًا من الجنّ من حيث إنّ النّاس ضدّ الجنّ وأجيب بأنّه على قول من قال إنّه من ناسٍ إذا تحرّك أو ذكر للتّقابل حيث قال ناسٌ من الإنس وناسًا من الجنّ ويا ليت شعري على من يعترض قوله زاد الأشجعيّ هو عبيد اللّه بن عبيد الرّحمن بالتّصغير فيهما قوله عن سفيان عن الأعمش قل ادعوا الّذين زعمتم أي روى الحديث بإسناده
وزاد في أوّله من أوّل الآية الّتي قبلها وروى الطّبريّ من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ في قوله قل ادعوا الّذين زعمتم إلى آخر الآية قال كان أهل الشّرك يقولون نعبد الملائكة وهم الّذين يدعون). [فتح الباري: 8/397-398]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {وآتينا داود زبوراً} (النّساء: 163 والإسراء: 55)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وآتينا داود زبوراً} قال الرّبيع بن أنس: الزبور هذا ثناء على الله ودعاء وتسبيح، وقال قتادة، كنّا نتحدث أنه دعاء علمه الله داود وتحميد وتمجيد لله ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود.
- حدّثني إسحاق بن نصرٍ حدّثنا عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن همّامٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال خفّف على داود القراءة فكان يأمر بدابّته لتسرج فكان يقرأ قبل أن يفرغ يعني القرآن.
(انظر الحديث 2073 وطرفه) .
مطابقته للتّرجمة في قوله: (القراءة) لأن معناه: قراءة الزبور، وهذه رواية أبي ذر وفي رواية غيره: القرآن. قال الكرماني: المراد منه التّوراة والزّبور وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي القرآن قرآنًا لأنّه جمع الأمر والنّهي وغيرهما انتهى. قلت: قوله: لأنّه جمع الأمر والنّهي، لا يتأتّى في الزبور لأنّه كان قصصاً وأمثالاً ومواعظ، ولم يكن الأمر والنّهي إلاّ في التّوراة.
والحديث مضى في أحاديث الأنبياء في: باب قول الله تعالى: {وآتينا داود زبوراً} يأتم منه.
قوله: (خفف) على صيغة المجهول من التّخفيف. قوله: (لتسرج) أي: لأن تسرج من الإسراج وهو شدّ الدّابّة بالسرج. قوله: (قبل أن يفرغ) أي: من الإسراج، وفيه أن الله تعالى يطوي الزّمان لمن شاء من عباده كما يطوي المكان). [عمدة القاري: 19/28]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {وآتينا داود زبورًا} [الإسراء: 55]
(باب قوله) تعالى: {وآتينا داود زبورًا} [الإسراء: 55] كتابًا مزبورًا أي مكتوبًا أو هو اسم للكتاب الذي أنزل عليه وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام بل كلها تسبيح وتقديس وتحميد وثناء على الله عز وجل ومواعظ، ونكره هنا لدلالته على التبعيض أي زبورًا من الزبر أو زبورًا فيه ذكر النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فأطلق على القطعة منه زبور كما يطلق على بعض القرآن، وفيه تنبيه على وجه تفضيل نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو أنه خاتم النبيين وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور وسقط قوله لغير أبي ذر.
- حدّثني إسحاق بن نصرٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق عن معمرٍ، عن همّامٍ بن منبّهٍ، عن
أبي هريرة، - رضي الله عنه - عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «خفّف على داود القراءة فكان يأمر بدابّته لتسرج فكان يقرأ قبل أن يفرغ» يعني: القرآن.
وبه قال: (حدّثنا) لغير أبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم ونسبه إلى جده لشهرته به السعديّ المروزيّ وقيل البخاري قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بفتح الموحدة المشددة وسقط لغير أبي ذر ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال):
(خفف) بضم الخاء وتشديد الفاء مكسورة مبنيًا للمفعول (على داود) عليه السلام (القراءة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي القرآن وقد يطلق على القراءة والأصل فيه الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته وسمي القرآن قرآنًا لأنه جمع الأمر والنهي وغيرهما وقيل المراد الزبور والتوراة وكان الزبور ليس فيه أحكام كما مرّ بل كان اعتمادهم في الأحكام على التوراة كما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وقرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحي إليه وإنما سماه قرآنًا للإشارة إلى وقوع المعجزة به كوقوع المعجزة بالقرآن فالمراد به مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة (فكان يأمر بدابته لتسرج) بالإفراد وفي أحاديث الأنبياء بدوابه بالجمع فالإفراد على الجنس أو ما يختص بركوبه وبالجمع ما يضاف إليها مما يركبه أتباعه (فكان) داود (يقرأ قبل أن يفرغ) الذي يسرج من الإسراج (يعني القرآن) وفيه أن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير فمن ذلك أن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعًا بالنهار، وقد أنبئت عن الشيخ أبي الطاهر المقدسي أنه يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة، وهذا الرجل قد رأيته بحانوته بسوق القماش في الأرض المقدسة سنة سبع وستين وثمانمائة وقرأت في الإرشاد أن الشيخ نجم الدين الأصبهاني رأى رجلًا من اليمن بالطواف ختم في شوط أو في أسبوع شك وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني والمدد الرحماني.
وهذا الحديث قد مرّ في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام). [إرشاد الساري: 7/207-208]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب قوله: {وآتينا داود زبوراً}
قوله: (يعني القرآن) وقرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحي إليه، ويدل هذا على أن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير، فمن ذلك أن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل، وأربعاً بالنهار، وقد أنئبت عن الشيخ أبي طاهر المقدسي أنه يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة، وهذا الرجل قد رأيته بحانوته بسوق القماش في الأرض المقدسة سنة سبع وستين وثمانمائة اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/57]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وربّك أعلم بمن في السّموات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ وآتينا داود زبورًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وربّك يا محمّد أعلم بمن في السّماوات والأرض وما يصلحهم فإنّه هو خالقهم ورازقهم ومدبّرهم، وهو أعلم بمن هو أهلٌ للتّوبة والرّحمة، ومن هو أهلٌ للعذاب، أهدى للحقّ من سبق له منّي الرّحمة والسّعادة، وأضلّ من سبق له منّي الشّقاء والخذلان، يقول: فلا يكبرنّ ذلك عليك، فإنّ ذلك من فعلي بهم كتفضيلي بعض النّبيّين على بعضٍ، بإرسال بعضهم إلى بعض الخلق، وبعضهم إلى الجميع، ورفعي بعضهم على بعضٍ درجاتٍ. كما:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وربّك أعلم بمن في السّموات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ} اتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً، وكلّم موسى تكليمًا، وجعل اللّه عيسى كمثل آدم خلقه من ترابٍ، ثمّ قال له كن فكان، وهو عبد اللّه ورسوله، من كلمة اللّه وروحه، وآتى سليمان ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وآتى داود زبورًا، كنّا نحدّث أنه دعاءً علمه داود، تحميدٌ وتمجيدٌ، ليس فيه حلالٌ ولا حرامٌ، ولا فرائض ولا حدودٌ، وغفر لمحمّدٍ ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ} قال: كلّم اللّه موسى وأرسل محمّدًا إلى النّاس كافّةً). [جامع البيان: 14/625-626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 55.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} قال: اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فكان وهو عبد الله ورسوله من كلمة الله وروحه وآتى سليمان ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبورا وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر). [الدر المنثور: 9/378]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض} قال: كلم الله موسى وأرسل محمدا إلى الناس كافة). [الدر المنثور: 9/378-379]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وآتينا داود زبورا} قال: كنا نحدث أنه دعاء علمه داود وتحميد أو تمجيد الله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود). [الدر المنثور: 9/379]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال: الزبور ثناء على الله ودعاء وتسبيح). [الدر المنثور: 9/379]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الرحمن بن مردويه قال: في زبور آل داود ثلاثة أحرف: طوبى لرجل لا يسلك سبيل الخطائين وطوبى لمن لم يأتمر بأمر الظالمين وطوبى من لم يجالس البطالين). [الدر المنثور: 9/379]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: في أول شيء من مزامير داود عليه السلام: طوبى لرجل لا يسلك طريق الخطائين ولم يجالس البطالين ويستقيم على عبادة ربه عز وجل فمثله كمثل شجرة نابتة على ساقية لا يزال فيها الماء يفضل ثمرها في زمان الثمار ولا تزال خضراء في غير زمان الثمار). [الدر المنثور: 9/379-380]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: قرأت في بعض زبور داود عليه السلام تساقطت القرى وأبطل ذكرهم وأنا دائم الدهر مقعد كرسي للقضاء). [الدر المنثور: 9/380]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن وهب رضي الله عنه قال: وجدت في كتاب داود عليه السلام أن الله تبارك وتعالى يقول: بعزتي وجلالي إنه من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت عن شيء أريد ترددي عن موت المؤمن قد علمت أنه يكره الموت ولا بد له منه وأنا أكره أن أسوءه قال: وقرأت في كتاب آخر: إن الله تبارك وتعالى يقول: كفاني لعبدي مالا إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني واستجبت له من قبل أن يدعوني فإني أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه قال: وقرأت في كتاب آخر: إن الله عز وجل يقول: بعزتي إنه من اعتصم بي وإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصمني بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه). [الدر المنثور: 9/380-381]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: في حكمة آل داود وحق على العاقل أن لا يشتغل عن أربع ساعات: ساعة يناجي ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل فإنه هذه الساعات: عون على هذه الساعات وإجماع للقلوب وحق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث: زاد لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم). [الدر المنثور: 9/381]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خالد الربعي رضي الله عنه قال: وجدت فاتحة الزبور الذي يقال له: زبور داود عليه السلام أن رأس الحكمة خشية الله تعالى). [الدر المنثور: 9/381]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن أيوب الفلسطيني رضي الله عنه قال: مكتوب في مزامير داود - عليه السلام - أتدري لمن أغفر قال: لمن يا رب قال: للذي إذا أذنب ذنبا ارتعدت لذلك مفاصله فذلك الذي آمر ملائكتي أن لا يكتبوا عليه ذلك الذنب). [الدر المنثور: 9/381-382]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: مكتوب في الزبور بطلت الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين يهلك الله عز وجل كل ذي شفين مختلفتين، قال: ومكتوب في الزبور بنار المنافق تحترق المدينة). [الدر المنثور: 9/382]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: مكتوب في الزبور - وهو أول الزبور - طوبى لمن لم يسلك سبيل الأئمة ولم يجالس الخطائين ولم يفيء في هم المستهزئين ولكن همه سنة الله عز وجل وإياها يتعلم بالليل والنهار مثله مثل شجرة تنبت على شط تؤتي ثمرتها في حينها ولا يتناثر من ورقها شيء وكل عمل بأمري ليس ذلك مثل عمل المنافقين). [الدر المنثور: 9/382]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: قرأت في الزبور بكبر المنافق يحترق المسكين). [الدر المنثور: 9/382]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: قرأت في آخر زبور داود - عليه الصلاة والسلام - ثلاثين سطرا يا داود هل تدري أي المؤمنين أحب إلي أن أطيل حياته الذي قال لا إله إلا الله أقشعر جلده وإني أكره لذلك الموت كما تكره الوالدة لولدها ولا بد له منه إني أريد أن أسره في دار سوى هذه الدار فإن نعيمها بلاء ورخاءها شدة فيها عدو لا يألوهم خبالا يجري منه مجرى الدم من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة). [الدر المنثور: 9/382-383]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن مالك بن المغول قال: في زبور داود مكتوب إني أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فأيما قوم كانوا على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة وأيما قوم كانوا على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة لا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولا تتوبوا إليهم توبوا إلي أعطف قلوبكم عليكم). [الدر المنثور: 9/383]

تفسير قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمرٍ قال: كان أناسٌ يعبدون الجنّ فأسلم أولئك وبقي هؤلاء على عبادتهم فنزلت {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلا أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} [الآية: 56].
سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم مثله). [تفسير الثوري: 174]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلًا} [الإسراء: 56]
- حدّثني عمرو بن عليٍّ، حدّثنا يحيى، حدّثنا سفيان، حدّثني سليمان، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه {إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] قال: «كان ناسٌ من الإنس يعبدون ناسًا من الجنّ، فأسلم الجنّ وتمسّك هؤلاء بدينهم» زاد الأشجعيّ، عن سفيان، عن الأعمش: {قل ادعوا الّذين زعمتم} [الإسراء: 56]). [صحيح البخاري: 6/85-86]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلاً} (الإسراء: 56)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {قل ادعوا الّذين} الآية، كذا سيق في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه} الآية. قوله: (زعمتم من دونه) أي: زعمتم أنّها آلهة من دون الله. قوله: (فلا يملكون كشف الضّر عنكم) قيل: هو ما أصابهم من القحط سبع سنين. قوله: (ولا تحويلاً) أي: ولا يملكون تحويلاً عليكم إلى غيركم.
- حدّثني عمرو بن عليٍّ حدثنا يحيى حدّثنا سفيان حدثني سليمان عن إبراهيم عن أبي معمرٍ عن عبد الله {إلى ربّهم الوسيلة} (الإسراء: 57) قال كان ناسٌ من الإنس يعبدون ناسا من الجنّ فأسلم الجنّ وتمسّك هؤلاء بدينهم زاد الأشجعي عن سفيان عن الأعمش: {قل ادعوا الّذين زعمتم} (الإسراء: 56) .
(انظر الحديث: 4174 طرفه في: 5174) .
مطابقته للتّرجمة في زيادة الأشجعيّ. وعمرو بن عليّ بن بحر أبو حفص الباهليّ البصريّ الصّيرفي وهو شيخ مسلم أيضا، ويحيى هو ابن سعيد القطّان، وسفيان هو الثّوريّ، وإبراهيم النّخعيّ، وأبو معمر هو عبد الله بن سخبرة الأزديّ الكوفي، وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه.
والحديث أخرجه البخاريّ أيضا هنا عن بشر بن خالد. وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن بشر بن خالد به وعن غيره. وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن عمرو بن عليّ به وعن غيره.
قوله: {إلى ربهم الوسيلة} (الإسراء: 57) فيه حذف تقديره: عن عبد الله، قال: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} قال: كان ناس من الإنس إلى آخره، وهكذا في رواية مسلم، غير أن في قوله: كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجنّ فأسلم النّفر من الجنّ واستمسك الإنس بعبادتهم، فنزلت: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} انتهى. والمراد بالوسيلة القربة. وقال الكرماني: النّاس هم الإنس ضد الجنّ قال تعالى: {شياطين الإنس والجنّ} (الأنعام: 112) فكيف قال: ناسا من الإنس وناساً من الجنّ؟ قلت: المراد من لفظ: ناس، طائفة، والنّاس قد يكون من الإنس والجنّ. قلت: في كلامه الأول نظر، والوجه كلامه الثّاني، وكذا قال الجوهري: والنّاس قد يكون الإنس ومن الجنّ وأصله أناس فخفف. انتهى قوله: (وتمسك هؤلاء بدينهم) أي: استمرّ الإنس الّذين كانوا يعبدون الجنّ على عبادة الجنّ، والجنّ لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا وهم الّذين صاروا {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} . قوله: (زاد الأشجعيّ) هو عبيد الله بن عبيد الرّحمن بالتّصغير فيهما الكوفي مات سنة اثنتين وثمانين ومائة، أراد أنه زاد في روايته عن سفيان الثّوريّ عن سليمان الأعمش، وروى ابن مردويه هذه الزّيادة عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم: حدثنا إبراهيم بن محمّد حدثنا عبد الجبّار بن العلا عن يحيى حدثنا سفيان فذكره بزيادة. قوله: (فأسلم الجنّ) من غير أن يعلم الإنسيون، فنزلت: {أولئك الّذين يدعون} انتهى. قلت: حاصل الكلام أن طريق يحيى عن سفيان ابن عبد الله لما قرأ: {إلى ربه الوسيلة} قال: كان ناس ... وطريق الأشجعيّ عن سفيان أنه زاد في القراءة، وقرأ: {ادعو الّذين زعمتم} أيضا إلى آخر الآيتين، ثمّ قال: كان ناس). [عمدة القاري: 19/28-29]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلًا} [الإسراء: 56]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({قل ادعوا الذين زعمتم}) أي زعمتموهم آلهة فمفعولا الزعم حذفًا اختصارًا ({من دونه}) كالملائكة والمسيح وعزير ({فلا يملكون}) فلا يستطيعون ({كشف الضرّ عنكم}) كالمرض والفقر والقحط ({ولا تحويلًا}) [الإسراء: 56] أي ولا أن يحوّلوه إلى غيركم وسقط قوله فلا يملكون الخ. لأبي ذر وقال بعد قوله: ({من دونه}) الآية.
- حدّثني عمرو بن عليٍّ، حدّثنا يحيى حدّثنا سفيان، حدّثني سليمان، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ عن عبد اللّه {إلى ربّهم الوسيلة} قال: كان ناسٌ من الإنس يعبدون ناسًا من الجنّ فأسلم الجنّ وتمسّك هؤلاء بدينهم زاد الأشجعيّ عن سفيان عن الأعمش {قل ادعوا الّذين زعمتم}. [الحديث 4714 - أطرافه في: 4715].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) هو الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي (عن عبد الله) هو ابن سعود -رضي الله عنه- أنه قال في قوله تعالى: ({إلى ربهم}) فيه حذف بينه في رواية النسائي من هذا الوجه فقال عن عبد الله في قوله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم} (الوسيلة) [الإسراء: 57] أي القربة كما أخرجه عبد الرزاق عن قتادة (قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن) استشكله السفاقسي من حيث إن الناس ضد الجن. وأجيب: بأنه على قول من قال إنه من ناس إذا تحرّك. وقال الجوهري في صحاحه: والناس قد يكون من الإنس والجن فهو صريح في استعمال ذلك، ولئن سلمنا أن الجن لا يسمون ناسًا فهذا يكون من المشاكلة نحو تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك على ما تقرر في علم البديع. (فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء) الإنس العابدون (بدينهم) ولم يتابعوا المعبودين في إسلامهم والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا. وزاد الطبري من وجه آخر عن ابن مسعود والإنس الذن كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم (زاد الأشجعي) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالجيم والعين المهملة عبيد الله مصغرًا الكوفي المتوفى في سنة ثنتين وثمانين ومائة في روايته (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان ({قل ادعوا الذين زعمتم}) وبهذه الزيادة تقع المطابقة بين الحديث والترجمة). [إرشاد الساري: 7/208]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلاً}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لمشركي قومك الّذين يعبدون من دون اللّه من خلقه: ادعوا أيّها القوم الّذين زعمتم أنّهم أربابٌ وآلهةٌ من دونه عند ضرٍّ ينزل بكم، فانظروا هل يقدرون على دفع ذلك عنكم، أو تحويله عنكم إلى غيركم، فتدعوهم آلهةً، فإنّهم لا يقدرون على ذلك، ولا يملكونه، وإنّما يملكه ويقدر عليه خالقكم وخالقهم.
وقيل: إنّ الّذين أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول لهم هذا القول كانوا يعبدون الملائكة وعزيرًا والمسيح، وبعضهم كانوا يعبدون نفرًا من الجنّ
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلاً} قال: كان أهل الشّرك يقولون: نعبد الملائكة وعزيرًا، وهم الّذين يدعون، يعني الملائكة والمسيح وعزيرًا). [جامع البيان: 14/626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 56 - 57.
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم فأنزل الله {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} كلاهما بالياء). [الدر المنثور: 9/383-384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون بذلك). [الدر المنثور: 9/384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كانت قبائل من العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن ويقولون هم بنات الله فأنزل الله {أولئك الذين يدعون} الآية). [الدر المنثور: 9/384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية، قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرا). [الدر المنثور: 9/384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فلا يملكون كشف الضر عنكم} قال: عيسى وأمه وعزير). [الدر المنثور: 9/384]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني شبيب بن سعيد عن شعبة عن سليمان عن أبي معمر أنه قال [في هذه (؟)] الآية: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب}، كانوا [ ....... ] يعبدون من الجن فأسلموا، وقال شعبة عن المغيرة عن إبراهيم [ ....... ] قال: هي الملائكة؛ وقال عن ابن عباس: عيسى [وا .......... .). [الجامع في علوم القرآن: 2/23]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ([........ ] عن أبي صالح عن ابن عباس: عيسى [ .......). [الجامع في علوم القرآن: 2/24]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة قال: قال ابن مسعود هم قوم عبدوا الجن فأسلم أولئك الجن قال الله أولئك الذين يدعون يبتغون). [تفسير عبد الرزاق: 1/379]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله الوسيلة قال القربة والزلفة). [تفسير عبد الرزاق: 1/379]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر قال: قال عبد الله بن مسعود كان ناس يعبدون نفرا من الجن فأسلم أولئك الجنيون وثبت الإنس على عبادتهم فقال أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/379-380]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] الآية
- حدّثنا بشر بن خالدٍ، أخبرنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، في هذه الآية: {الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] قال: «كان ناسٌ من الجنّ يعبدون فأسلموا»). [صحيح البخاري: 6/86]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة الآية)
ذكر فيه الحديث قبله من وجهٍ آخر عن الأعمش مختصرًا ومفعول يدعون محذوفٌ تقديره أولئك الّذين يدعونهم آلهةً يبتغون إلى ربهم الوسيلة وقرأ بن مسعودٍ تدعون بالمثنّاة الفوقانيّة على أنّ الخطاب للكفّار وهو واضح وقوله أيهم أقرب معناه يبتغون من هو أقرب منهم إلى ربّهم وقال أبو البقاء مبتدأٌ والخبر أقرب وهو استفهامٌ في موضع نصب يدعون ويجوز أن يكون بمعنى الّذين وهو بدلٌ من الضّمير في يدعون كذا قال وكأنّه ذهب إلى أنّ فاعل يدعون ويبتغون واحدٌ واللّه اعلم). [فتح الباري: 8/398]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- حدثني عمرو بن علّي ثنا يحيى ثنا سفيان حدثني سليمان عن إبراهيم عن ابن معمر عن عبد الله {إلى ربهم الوسيلة} قال كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجنّ فأسلم الجنّ وتمسك هؤلاء بدينهم
زاد الأشجعيّ عن سفيان عن الأعمش {قل ادعوا الّذين زعمتم}
أخبرنا أبو محمّد عبد الرّحيم الحمويّ إجازة مشافهة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي الحسن المحمودي أنا السلفي أنا أبو الحسن العلاف أنا أبو الحسن علّي بن أحمد المقرئ أنا أبو بكر جعفر بن محمّد بن الحجّاج الموصلي أنا أبو علّي نصر بن عبد الملك العجليّ ثنا إبراهيم بن أبي اللّيث ثنا عبيدالله بن عبيد الرّحمن الأشجعيّ ثنا سفيان به). [تغليق التعليق: 4/242]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} الآية)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {أولئك الّذين يدعون} الآية. قوله: {يدعون} مفعوله محذوف تقديره: أولئك الّذين يدعونهم آلهة يبتغون إلى ربهم الوسيلة، أي: الزلفة والقربة أيهم أقرب. وعن ابن عبّاس ومجاهد وأكثر العلماء هم: عيسى وأمه وعزير والملائكة والشّمس والقمر والنجوم.
- حدّثنا بشحر بن خالدٍ أخبرنا محمّد بن جعفرٍ عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن أبي معمرٍ عن عبد الله رضي الله عنه في هاذه الآية: {الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: ناسٌ من الجنّ يعبدون فأسلموا.
(انظر الحديث 4714) .
هذا طريق آخر في الحديث المذكور قبله أورده مختصرا عن بشر بن خالد إلى آخره. قوله: (يعبدون) ، بضم الياء على صيغة المجهول، والله أعلم). [عمدة القاري: 19/29]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57]
(باب قوله) تعالى: (أولئك) الأنبياء كعيسى ({الذين يدعون}) أي يدعونهم المشركون لكشف ضرّهم أو يدعونهم آلهة فأولئك مبتدأ والموصول نعت أو بيان أو بدل والمراد باسم الإشارة الأنبياء الذين عبدوا من دون الله وبالواو العباد لهم ومفعولًا يدعون محذوفان كالعائد على الموصول والخبر جملة ({يبتغون إلى ربهم الوسيلة}) القربة بالطاعة أو الخبر نفس الموصول ويبتغون حال من فاعل يدعون أو بدل منه (الآية) وسقط لغير أبي ذر باب قوله.
- حدّثنا بشر بن خالدٍ، أخبرنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه -رضي الله عنه- في هذه الآية {الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال ناسٌ من الجنّ: يعبدون فأسلموا.
وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بموحدة مكسورة فشين معجمة ساكنة أبو محمد الفرائضي العسكري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) الملقب بغندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها موحدة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه قال: (في هذه الآية {الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} قال): ولأبي ذر عن المستملي كان (ناس من الجن يعبدون) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كانوا يعبدون (فأسلموا) وهذا طريق آخر للحديث السابق ذكره مختصرًا). [إرشاد الساري: 7/208]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلًا}
- أخبرنا محمّد بن منصورٍ، حدّثنا سفيان، حدّثنا سليمان، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد الله، قال: " كان نفرٌ من الإنس يعبدون الجنّ، فأسلم الجنّ وثبت الإنس على عبادتهم، فأنزل الله عزّ وجلّ {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57]
- أخبرنا محمّد بن العلاء، حدّثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد الله، {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] قال: " كان قومٌ من الإنس يعبدون قومًا من الجنّ فأسلموا، وبقي الّذين كانوا يعبدونهم على عبادتهم، فقال: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/150-151]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إنّ عذاب ربّك كان محذورًا}.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين يدعوهم هؤلاء المشركون أربابًا {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} يقول: يبتغي المدّعون أربابًا إلى ربّهم القربة والزّلفة، لأنّهم أهل إيمانٍ به، والمشركون باللّه يعبدونهم من دون اللّه {أيّهم أقرب} أيّهم بصالح عمله واجتهاده في عبادته أقرب عنده زلفةً {ويرجون} بأفعالهم تلك {رحمته ويخافون} بخلافهم أمره {عذابه إنّ عذاب ربّك} يا محمّد {كان محذورًا} متّقًى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل، غير أنّهم اختلفوا في المدعوّين، فقال بعضهم: هم نفرٌ من الجنّ
ذكر من قال ذلك
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: كان ناسٌ من الإنس يعبدون قومًا من الجنّ، فأسلم الجنّ وبقي الإنس على كفرهم، فأنزل اللّه تعالى {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} يعني الجنّ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو النّعمان الحكم بن عبد اللّه العجليّ، قال: حدّثنا شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، قال: قال عبد اللّه في هذه الآية {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب} قال: قبيلٌ من الجنّ كانوا يعبدون فأسلموا
- حدّثني عبد الوارث بن عبد الصّمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني الحسين، عن قتادة، عن معبد بن عبد اللّه الزّمّانيّ، عن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن ابن مسعودٍ، في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: نزلت في نفرٍ من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجنّ، فأسلم الجنّيّون، والإنس الّذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم، فأنزلت {الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب}
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن حديث عمّه عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: نزلت هذه الآية في نفرٍ من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجنّ، فأسلم الجنّيّون والنّفر من العرب لا يشعرون بذلك.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قومٌ عبدوا الجنّ، فأسلم أولئك الجنّ، فقال اللّه تعالى ذكره: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة}
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: كان نفرٌ من الإنس يعبدون نفرًا من الجنّ، فأسلم النّفر من الجنّ واستمسك الإنس بعبادتهم، فقال {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة}
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن الأعمش، عن إبراهيم عن أبي معمرٍ، قال: قال عبد اللّه: كان ناسٌ يعبدون نفرًا من الجنّ، فأسلم أولئك الجنّيّون، وثبتت الإنس على عبادتهم، فقال اللّه تبارك وتعالى: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة}.
- حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب} قال كان أناسٌ من أهل الجاهليّة يعبدون نفرًا من الجنّ، فلمّا بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أسلموا جميعًا، فكانوا يبتغون أيّهم أقرب.
وقال آخرون: بل هم الملائكة
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا يحيى بن السّكن، قال: أخبرنا أبو العوّام، قال: أخبرنا قتادة، عن عبد اللّه بن معبدٍ الزّمّانيّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: كان قبائل من العرب يعبدون صنفًا من الملائكة يقال لهم الجنّ، ويقولون: هم بنات اللّه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {أولئك الّذين يدعون} معشر العرب {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة}
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: الّذين يدعون الملائكة تبتغي إلى ربّها الوسيلة {أيّهم أقرب ويرجون رحمته} حتّى بلغ {إنّ عذاب ربّك كان محذورًا} قال: وهؤلاء الّذين عبدوا الملائكة من المشركين.
وقال آخرون: بل هم عزيرٌ وعيسى وأمّه
ذكر من قال ذلك
- حدّثني يحيى بن جعفرٍ، قال: أخبرنا يحيى بن السّكن، قال: أخبرنا شعبة، عن إسماعيل السّدّيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: عيسى وأمّه وعزيرٌ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو النّعمان الحكم بن عبد اللّه العجليّ، قال: حدّثنا شعبة، عن إسماعيل السّدّيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: عيسى ابن مريم وأمّه وعزيرٌ في هذه الآية {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة}
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: عيسى ابن مريم وعزيرٌ والملائكة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: هو عزيرٌ والمسيح والشّمس والقمر.
وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية قول عبد اللّه بن مسعودٍ الّذي روّيناه، عن أبي معمرٍ عنه، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن الّذين يدعوهم المشركون آلهةً أنّهم يبتغون إلى ربّهم الوسيلة في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعلومٌ أنّ عزيرًا لم يكن موجودًا على عهد نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام فيبتغي إلى ربّه الوسيلة وأنّ عيسى قد كان رفع، وإنّما يبتغي إلى ربّه الوسيلة من كان موجودًا حيًّا يعمل بطاعة اللّه، ويتقرّب إليه بالصّالح من الأعمال. فأمّا من كان لا سبيل له إلى العمل، فبم يبتغي إلى ربّه الوسيلة. فإذا كان لا معنى لهذا القول، فلا قول في ذلك إلاّ قول من قال ما اخترنا فيه من التّأويل، أو قول من قال: هم الملائكة، وهما قولان يحتملهما ظاهر التّنزيل.
وأمّا الوسيلة، فقد بيّنّا أنّها القربة والزّلفة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: الوسيلة: القربة
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة الوسيلة، قال: القربة والزّلفة). [جامع البيان: 14/627-632]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة يقول عيسى وعزير والملائكة يقول إن هؤلاء يبتغون إلى ربهم الوسيلة). [تفسير مجاهد: 364]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا محمّد بن عليّ بن دحيمٍ الشّيبانيّ، بالكوفة، ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: " كان نفرٌ من الإنس يعبدون نفرًا من الجنّ فأسلم النّفر من الجنّ وتمسّك الإنسيّون بعبادتهم فأنزل اللّه عزّ وجلّ {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلًا أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] «كلاهما بالياء» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/394]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: في قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} [الإسراء: 57] قال: كان نفرٌ من الإنس يعبدون نفراً من الجن، فأسلم النّفر من الجنّ، فاستمسك الآخرون بعبادتهم، فنزلت {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} أخرجه البخاري ومسلم.
[شرح الغريب]
(يبتغون إلى ربهم الوسيلة) الوسيلة: ما يتوسل به إلى الشيء، أي: يطلبون القربة إلى الله تعالى). [جامع الأصول: 2/212-213]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أولئك الذين يدعون} قال: هم عيسى وعزير والشمس والقمر). [الدر المنثور: 9/385]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي، وابن مردويه واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله لي الوسيلة قالوا: وما الوسيلة قال: القرب من الله ثم قرأ {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} ). [الدر المنثور: 9/385]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 08:33 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن} [الإسراء: 53] أن يأمرهم بما أمرهم اللّه به، وينهاهم عمّا نهاهم اللّه عنه.
{إنّ الشّيطان ينزغ بينهم} [الإسراء: 53] يفسد بينهم.
{إنّ الشّيطان كان للإنسان عدوًّا مبينًا} [الإسراء: 53] بيّن العداوة). [تفسير القرآن العظيم: 1/142]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {إنّ الشّيطان ينزغ بينهم} أي يفسد ويهيج، وبعضهم يكسر زاي ينزع). [مجاز القرآن: 1/383]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقل لّعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنّ الشّيطان ينزغ بينهم إنّ الشّيطان كان للإنسان عدوّاً مّبيناً}
وقال: {وقل لّعبادي يقولوا الّتي هي أحسن} فجعله جوابا للأمر). [معاني القرآن: 2/72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم} أي يفسد ويهيج). [معاني القرآن: 4/165]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ربّكم أعلم بكم} [الإسراء: 54]، يعني: بأعمالكم، يعني: المشركين.
{إن يشأ يرحمكم} [الإسراء: 54] يتوب عليكم، فيمنّ عليكم بالإيمان.
{أو إن يشأ يعذّبكم} [الإسراء: 54] بإقامتكم على الشّرك.
{وما أرسلناك عليهم وكيلا} [الإسراء: 54] حفيظًا لأعمالهم حتّى نجازيهم بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/142]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما أرسلناك عليهم وكيلاً...}
يقول: حافظاً وربّا). [معاني القرآن: 2/125]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وربّك أعلم بمن في السّموات والأرض} [الإسراء: 55].
قوله: {وربّك أعلم بمن في السّموات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ} [الإسراء: 55] تفسير الحسن فيما قال: كلّم بعضهم، واتّخذ بعضهم خليلا، وأعطى بعضهم إحياء الموتى.
{وآتينا داود زبورًا} [الإسراء: 55] اسم الكتاب الّذي أعطاه: الزّبور.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: كنّا نحدّث أنّه دعاءٌ علّمه اللّه داود، تحميدٌ وتمجيدٌ للّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/142]
ليس فيه حلالٌ ولا حرامٌ ولا فرائض ولا حدودٌ.
- إبراهيم بن محمّدٍ، عن عمرو بن يحيى، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تخيّروا بين الأنبياء».
- أبو الأشهب والمبارك، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/143]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {زبوراً...}

... وحدثني أبو بكر قال كان عاصم يقرأ {زبوراً} بالفتح في كلّ القرآن. وقرأ حمزة بالضمّ). [معاني القرآن: 2/125]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ربّك أعلم بمن في السّماوات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعض وآتينا داوود زبورا}
معنى ذكر داود ههنا أن اللّه - جل ثناؤه - أعلم أنه قد فضل بعض النبيين على بعض، أي فلا ينكروا تفضيل محمد - صلى الله عليه وسلم - وإعطاءه القرآن،
فقد أعطى الله داود الزبور). [معاني القرآن: 3/245]


تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه} [الإسراء: 56]، يعني: الأوثان.
{فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا} [الإسراء: 56] يملكون {تحويلا} [الإسراء: 56] لما نزل بكم من الضّرّ، أن يحوّلوا ذلك الضّرّ إلى غيره أهون منه). [تفسير القرآن العظيم: 1/143]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {الضر} فالفقر والضر: الضرر؛ وقد فسرناها مع الضراء؛ بما فيها). [معاني القرآن لقطرب: 837]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلا }
أي ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهتكم.
وجاء في التفسير أشياء في هذه الآية، منها أنه قيل: قل ادعوا العزير وعيسى لأن النصارى واليهود زعموا أن هؤلاء آلهتهم، فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - أنهم لا يملكون كشف ضر عنهم ولا تحويلا من واحد إلى آخر، وقيل إنه يعنى به الملائكة لأن منهم من كان يعبد الملائكة.
وقيل إن قوما من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجنّ، فأسلم أولئك النفر من الجن ولم يعلم بهم من كان يعبدهم، فقيل فادعوا هؤلاء فإنهم لا يملكون ضرا ولا نفعا).
[معاني القرآن: 3/246-245]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] القربة {أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه} [الإسراء: 57] النّار.
{إنّ عذاب ربّك كان محذورًا} [الإسراء: 57] يحذره المؤمنون.
- سعيدٌ، عن قتادة، عن عبد اللّه بن عتبة، أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: نزلت في نفرٍ من العرب كانوا يعبدون نفرًا من الجنّ، فأسلم الجنّيّون، ولم يعلم بذلك النّفر من العرب.
قال اللّه: {أولئك الّذين يدعون} [الإسراء: 57]، يعني: الجنّيّين الّذين يعبدهم هؤلاء، {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} [الإسراء: 57] إلى آخر الآية.
وتفسير الحسن: أنّهم الملائكة، وعيسى يقول: أولئك الّذين يعبد المشركون والصّابئون والنّصارى؛ لأنّ المشركين قد كانوا يعبدون الملائكة، والصّابئين يعبدونهم، والنّصارى تعبد عيسى.
قال: فالملائكة وعيسى الّذين يعبد هؤلاء يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب.
قال: {ويرجون رحمته} [الإسراء: 57]، يعني: جنّته.
{ويخافون عذابه} [الإسراء: 57] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/143]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة...}

يعني الجنّ الذين كانت خزاعة تعبدهم. فقال الله عز وجل: {أولئك} يعني الجنّ الذين (يدعونهم) يبتغون إلى الله.
فـ {يدعون} فعل للذين يعبدونهم. و{يبتغون} فعل للجنّ به ارتفعوا). [معاني القرآن: 2/125]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {أولئك الذين يدعون} بالياء، وهي قراءة أبي عمرو.
وابن مسعود "تدعون يبتغون".
وقتادة "تدعون" أيضًا بالتاء). [معاني القرآن لقطرب: 827]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {الوسيلة} فهي الطلبة والسؤل.
وقال لبيد:
[معاني القرآن لقطرب: 837]
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم = بلى كل ذي لب إلى الله واسل
فصيرها فاعلاً). [معاني القرآن لقطرب: 838]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أولئك الّذين يدعون} يعني الذين يعبدون من دونه ويدعونهم آلهة، يعني الملائكة، وكانوا يعبدونها.
{يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} أي القلابة). [تفسير غريب القرآن: 257]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إنّ عذاب ربّك كان محذورا }
بالياء والتاء.
{أولئك} رفع بالابتداء، و {الذين} رفع صفة لهم، و {يبتغون} خبر الابتداء، المعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة، والوسيلة والسّؤال، والسّؤل والطلبة، في معنى واحد.
{أيّهم أقرب}.
إن شئت " أيّهم " كان رفعا بالابتداء، والخبر (أقرب)، ويكون المعنى يطلبون إلى ربهم الوسيلة - ينظرون أيهم أقرب إليه فيتوسلون به.
فإن قال قائل: فالذي أنكر عليهم هو التوسل بغير عبادة اللّه إلى اللّه، لأنهم قالوا: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى}، فالفرق بين المتوسلين إلى اللّه بمحبّة أنبيائه وملائكته وصالحي عباده أنهم يتوسلون بهم موحّدين اللّه عزّ وجلّ، لا يجعلون له شريكا في العبادة، والكفار يتوسلون بعبادة غير اللّه، فجعلوا الكفر وسيلتهم.
ويجوز أن يكون {أيّهم أقرب} بدلا من الواو في (يبتغون) فالمعنى يبتغي أيهم هو أقرب الوسيلة إلى اللّه، أي يتقرب إليه بالعمل الصالح.
{ويرجون رحمته ويخافون عذابه}أي الذين يزعمون أنهم آلهة يرجون ويخافون). [معاني القرآن: 3/246]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة}
وقرأ عبد الله بن مسعود {أولئك الذين تدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة}
قال هؤلاء من العرب عبدوا أناسا من الجن فأسلم الجنيون ولم يعلم الذين عبدوهم
وروى شعبة عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} قال عيسى وعزير وقيل الملائكة الذين عبدوهم قوم من العرب). [معاني القرآن: 4/166-165]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فأولئك الذين يدعون} يعني الملائكة الذين يعبدون، هؤلاء {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} أي القربة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 137]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 09:22 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الأفعال التي تنجزم لدخول معنى الجزاء فيها
وتلك الأفعال جواب ما كان أمراً أو نهياً أو استخباراً، وذلك قولك: ائت زيداً يكرمك، ولا تأت زيداً يكن خيراً لك، وأين بيتك أزرك?.
وإنما انجزمت بمعنى الجزاء؛ لأنك إذا قلت: ائتني أكرمك، فإنما المعنى: ائتني فإن تأتني أكرمك؛ لأن الإكرام إنما يجب بالإتيان. وكذلك: لا تقم يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإن لم تقم يكن خيراً لك. وأين بيتك أزرك? إنما معناه: إن تعلمني أزرك.
وقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم} ثم ذكرها فقال: {تؤمنون بالله} فلما انقضى ذكرها قال: {يغفر لكم}؛ لأنه جواب لهل.
وكذلك أعطني أكرمك. وتقول: ائتني أشكرك، والتفسير واحد. ولو قلت: لا تعص الله يدخلك الجنة كان جيداً؛ لأنك إنما أضمرت مثل ما أظهرت. فكأنك قلت: فإنك إن لا تعصه يدخلك الجنة، واعتبره بالفعل الذي يظهر في معناه؛ ألا ترى أنك لو وضعت فعلاً بغير نهي في موضع لا تعص الله لكان أطع الله.
ولو قلت: لا تعص الله يدخلك النار كان محالاً؛ لأن معناه: أطع الله. وقولك: أطع الله يدخلك النار محال.
وكذلك: لا تدن من الأسد يأكلك لا يجوز؛ لأنك إذا قلت: لا تدن فإنما تريد: تباعد، ولو قلت: تباعد من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأن تباعده منه لا يوجب أكله إياه. ولكن لو رفعت كان جيداً. تريد فإنه مما يأكلك.
وأما قوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} وما أشبهه، فليس يقولوا جواباً لقل. ولكن المعنى والله أعلم: قل لعبادي: قولوا يقولوا.
وكذلك {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} وإنما هو: قل لهم يفعلوا يفعلوا). [المقتضب: 2/80-82] (م)

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) }

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) }

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 11:34 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 11:35 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 11:37 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}. اختلف النحويون في قوله سبحانه: "يقولوا"، فمذهب سيبويه أنه جواب شرط مقدر، تقديره: "وقل لعبادي، إنك إن تقل لهم يقولوا"، وهذا على أصله في أن الأمر لا يجاب، وإنما يجاب معه شرط مقدر، ومذهب الأخفش: أن الأمر يجاب، وأن قوله تعالى هاهنا: "يقولوا" إنما هو جواب "قل".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا يصح المعنى على هذا بأن يجعل "قل" مختصة بهذه الألفاظ، على معنى أن
[المحرر الوجيز: 5/494]
يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا التي هي أحسن"، وإنما يصح بأن يكون "قل" أمرا بالمحاورة في هذا المعنى بما أمكن من الألفاظ، كأنه قال: "بين لعبادي"، فيكون ثمرة ذلك القول والبيان قولهم التي هي أحسن، وهذا المعنى يجوزه مذهب سيبويه الذي قدمنا. ومذهب أبي العباس أن "يقولوا" جواب لأمر محذوف، تقديره: "وقل لعبادي قولوا التي هي أحسن يقولوا" فحذف وطوي الكلام. ومذهب الزجاج أن "يقولوا" جزم بالأمر، بتقدير: "قل لعبادي ليقولوا"، فحذفت اللام لتقدم الأمر، وحكى أبو علي في "الحليتات" في تضاعيف كلامه: أن مذهب أبي عثمان المازني في "يقولوا" أنه فعل مبني; لأنه مضارع حل محل المبني الذي هو فعل الأمر; لأن المعنى: "قل لعبادي: قولوا".
واختلف الناس في التي هي أحسن -فقالت فرقة: هي "لا إله إلا الله"، ويلزم -على هذا- أن يكون قوله تعالى: {لعبادي} يريد به جميع الخلق; لأن جميعهم مدعو إلى "لا إله إلا الله"، ويجيء قوله سبحانه بعد ذلك: {إن الشيطان ينزغ بينهم} غير مناسب للمعنى إلا على تكره، بأن يجعل "بينهم" بمعنى "خلالهم وأثناءهم"، ويجعل "النزع" بمعنى الوسوسة والإضلال. وقال الجمهور: التي هي أحسن هي المحاورة الحسنى، بحسب المعنى معنى، قال الحسن: "يقول: يغفر الله لك، يرحمك الله".
وقوله تعالى: "لعبادي" خاص بالمؤمنين، فكأن الآية بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم، "وكونوا عباد الله إخوانا"، ثم اختلفوا -فقالت فرقة: أمر الله المؤمنين فيما بينهم بحسن الأدب، وخفض الجناح، وإلانة القول، واطراح نزغات الشيطان. وقالت فرقة: إنما أمر الله تبارك وتعالى في هذه الآية المؤمنين بإلانة القول للمشركين بمكة، أيام المهادنة.
وسبب الآية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه بعض الكفرة، فسبه عمر وهم
[المحرر الوجيز: 5/495]
بقتله، فكاد أن يثير فتنة، فنزلت الآية، وهي منسوخة بآية السيف.
وقرأ الجمهور: "ينزغ" بفتح الزاي، وقرأ طلحة بن مصرف: "ينزغ" بكسر الزاي، على الأصل، قال أبو حاتم: "لعلها لغة، والقراءة بالفتح". ومعنى النزغ حركة الشيطان بسرعة ليوجب فسادا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزغ الشيطان في يده"، فهذا يخرج اللفظة عن الوسوسة، وعداوة الشيطان البينة هي قصته مع آدم عليه السلام فيما بعد). [المحرر الوجيز: 5/496]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ربكم أعلم بكم} الآية. هذه الآية تقوي أن التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة، وذلك أن هذه المخاطبة في قوله سبحانه: {ربكم أعلم بكم} هي لكفار مكة، بدليل قوله تعالى: {وما أرسلناك عليهم وكيلا}، فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين، ثم قال للكفار: {إنه أعلم بهم}، ورجاهم وخوفهم، ومعنى "يرحمكم" بالتوبة عليكم من الكفر، قاله ابن جريج وغيره. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنما عليك البلاغ، ولست بوكيل على إيمانهم ولا بد، فتتناسب الآيات بهذا التأويل). [المحرر الوجيز: 5/496]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال تبارك وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وربك أعلم بمن في السماوات والأرض} وهو الذي فضل بعض الأنبياء على بعض بحسب علمه فيهم، فهذه إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وإلى استبعاد قريش أن يكون الرسول بشرا، والمعنى: لا تنكروا أمر محمد وأن أوتي قرآنا، فقد فضل النبيون، وأوتي داود زبورا، فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
وتفضيل بعض الرسل هو إما بهذا الإخبار المجمل دون أن يسمى المفضول، وعلى هذا يتجه لنا أن نقول: محمد أفضل البشر، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن تعيين أحد منهم في قصة موسى ويونس، وإما أن يكون التفضيل مقسما بينهم:
[المحرر الوجيز: 5/496]
أعطي هذا التكليم، وأعطيت هذه الخلة، ومحمد الخمس، وعيسى الإحياء، فكلهم مفضول في وجه، فاضل على الإطلاق.
وقوله تعالى: {بمن في السماوات}. الباء متعلقة بفعل تقديره: "علم بمن في السماوات"، ذهب إلى هذا أبو علي؛ لأنه لو علقها بـ "أعلم" لاقتضى أنه ليس بأعلم بغير ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا لا يلزم، ويصح تعلقها بـ "أعلم"، ولا يلتفت لدليل الخطاب.
وقرأ الجمهور: "زبورا" بفتح الزاي، وهو فعول بمعنى مفعول، وهو قليل، لم تجيء إلا في قروع وركوب وحلوب، وقرأ حمزة، ويحيى، والأعمش: "زبورا" بضم الزاي، وله وجهان: أحدهما أن يكون جمع زبور بحذف الزائد، كما قالوا في جمع طريق: طروق، والآخر أن يكون جمع زبر، كأن ما جاء به داود جزئ أجزاء، كل جزء منها زبر، سمي بمصدر زبر يزبر، ثم جمع تلك الأجزاء على زبور، فكأنه قال: "آتينا داود كتابا"، ويحتمل أن يكون جمع "زبر" الذي هو العقل وسداد النظر، لأن داود أوتي من المواعظ والوصايا كثيرا، ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر كتاب مسلم: "وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له"، قال قتادة: زبور داود مواعظ وحكم ودعاء، ليس فيه حلال ولا حرام). [المحرر الوجيز: 5/497]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}
الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم في هذه الآية ليسوا عبدة الأصنام، وإنما هم عبدة من يعقل، واختلف في ذلك -فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي في عبدة العزير والمسيح وأمه ونحوهم، وقال ابن عباس أيضا: هي في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزيز والمسيح وأمه ونحوهم، وقال ابن عباس أيضا، وابن مسعود: هي في عبدة الملائكة، وقال ابن مسعود أيضا: هي في عبدة شياطين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم أولئك الشياطين، وبقي عبدتهم يعبدونهم، فنزلت الآية في ذلك].
فمعنى الآية: قل لهؤلاء الكفرة: ادعوا عند الشدائد والضر هؤلاء المعبودين، فإنهم لا يملكون كشفه ولا تحويله عنكم). [المحرر الوجيز: 5/498]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبرهم -على قراءة ابن مسعود، وقتادة:
[المحرر الوجيز: 5/498]
"تدعون" بالتاء-، أو أخبر النبي صلى الله عليه وسلم -على قراءة الجمهور: "يدعون" بالياء من تحت- أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب إلى الله والتزلف إليه، وأن هذه حقيقة حالهم، وقرأ ابن مسعود: "إلى ربك". والضمير في "ربهم" للمتبعين أو للجميع.
و"الوسيلة" هي القربة وسبب الوصول إلى البغية، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لأمر ما، وقال عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله لي الوسيلة ... الحديث". و"أيهم" ابتداء، و"أقرب" خبره، و"أولئك" يراد به المعبودون. وهو ابتداء خبره "يبتغون" والضمير في "يدعون" للكفار، وفي "يبتغون" للمعبودين، والتقدير: نظرهم ووكدهم أيهم أقرب، وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث الراية بخيبر: "فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها"، أي: يتبارون في طلب القرب، وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله.
[المحرر الوجيز: 5/499]
وقال ابن فورك، وغيره: إن الكلام من قوله تبارك وتعالى: {أولئك الذين يدعون} راجع إلى النبيين المتقدم ذكرهم، و"يدعون" -على هذا- من الدعاء بمعنى الطلبة إلى الله تعالى، والضمائر لهم في "يدعون" وفي "يبتغون". وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 5/500]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:02 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:06 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنّ الشّيطان ينزغ بينهم إنّ الشّيطان كان للإنسان عدوًّا مبينًا (53)}.
يأمر تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأمر عباد اللّه المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطّيّبة؛ فإنّه إذ لم يفعلوا ذلك، نزغ الشّيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشّرّ والمخاصمة والمقاتلة، فإنّ الشّيطان عدوٌّ لآدم وذرّيّته من حين امتنع من السّجود لآدم، فعداوته ظاهرةٌ بيّنةٌ؛ ولهذا نهى أن يشير الرّجل إلى أخيه المسلم بحديدةٍ، فإنّ الشّيطان ينزغ في يده، أي: فربّما أصابه بها.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن همّامٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يشيرنّ أحدكم إلى أخيه بالسّلاح، فإنّه لا يدري أحدكم لعلّ الشّيطان أن ينزع في يده، فيقع في حفرةٍ من نارٍ.
أخرجاه من حديث عبد الرّزّاق.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد، أنبأنا عليّ بن زيدٍ، عن الحسن قال: حدّثني رجلٌ من بني سليط قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في أزفلة من النّاس، فسمعته يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، التّقوى هاهنا -[قال حمّادٌ: وقال بيده إلى صدره -ماتواد رجلان في اللّه فتفرّق بينهما إلّا بحدثٍ يحدثه أحدهما] والمحدث شر، والمحدث شرٌّ، والمحدث شرٌّ").[تفسير القرآن العظيم: 5/ 86-87]

تفسير قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ربّكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذّبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا (54) وربّك أعلم بمن في السّماوات والأرض ولقد فضّلنا بعض النّبيّين على بعضٍ وآتينا داود زبورًا (55)}.
يقول اللّه تعالى: {ربّكم أعلم بكم} أيّها النّاس، من يستحقّ منكم الهداية ومن لا يستحقّ {إن يشأ يرحمكم} بأن يوفّقكم لطاعته والإنابة إليه {أو إن يشأ يعذّبكم وما أرسلناك} [يا محمّد] {عليهم وكيلا} أي: إنّما أرسلناك نذيرًا، فمن أطاعك دخل الجنّة، ومن عصاك دخل النّار). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 87]

تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وربّك أعلم بمن في السّماوات والأرض} أي: بمراتبهم في الطّاعة والمعصية {ولقد فضّلنا بعض النّبيّين}، كما قال: {تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعضٍ منهم من كلّم اللّه ورفع بعضهم درجاتٍ} [البقرة: 253].
وهذا لا ينافي ما [ثبت] في الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لا تفضّلوا بين الأنبياء" ؛ فإنّ المراد من ذلك هو التّفضيل بمجرّد التّشهّي والعصبيّة، لا بمقتضى الدّليل، [فإنّه إذا دلّ الدّليل] على شيءٍ وجب اتّباعه، ولا خلاف أنّ الرّسل أفضل من بقيّة الأنبياء، وأنّ أولي العزم منهم أفضلهم، وهم الخمسة المذكورون نصًّا في آيتين من القرآن في سورة الأحزاب: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} [الأحزاب: 7]
وفي الشّورى [في قوله]: {شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحًا والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه} [الشّورى: 13]. ولا خلاف أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أفضلهم، ثمّ بعده إبراهيم، ثمّ موسى على المشهور، وقد بسطنا هذا بدلائله في غير هذا الموضع، واللّه الموفّق.
وقوله: {وآتينا داود زبورًا} تنبيهٌ على فضله وشرفه.
قال البخاريّ: حدّثنا إسحاق بن نصرٍ، أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن همّام، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدابّته لتسرج، فكان يقرأ قبل أن يفرغ". يعني القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 87-88]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلا (56) أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إنّ عذاب ربّك كان محذورًا (57)}.
يقول تعالى: {قل} يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذين عبدوا غير اللّه: {ادعوا الّذين زعمتم من دونه} من الأصنام والأنداد، فارغبوا إليهم، فإنّهم " لا يملكون كشف الضّرّ عنكم" أي: بالكلّيّة، {ولا تحويلا} أي: أن يحوّلوه إلى غيركم.
والمعنى: أنّ الّذي يقدر على ذلك هو اللّه وحده لا شريك له الّذي له الخلق والأمر.
قال العوفي، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضّرّ عنكم ولا تحويلا} قال: كان أهل الشّرك يقولون: نعبد الملائكة والمسيح وعزيرًا، وهم الّذين يدعون، يعني الملائكة والمسيح وعزيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 88]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب}. روى البخاريّ، من حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد اللّه في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: ناسٌ من الجنّ، كانوا يعبدون، فأسلموا. وفي روايةٍ قال: كان ناسٌ من الإنس، يعبدون ناسًا من الجنّ، فأسلم الجنّ وتمسّك هؤلاء بدينهم.
وقال قتادة، عن معبد بن عبد اللّه الزّمّاني، عن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن ابن مسعودٍ في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة} قال: نزلت في نفرٍ من العرب، كانوا يعبدون نفرًا من الجنّ، فأسلم الجنّيّون، والإنس الّذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم، فنزلت هذه الآية.
وفي روايةٍ عن ابن مسعودٍ: كانوا يعبدون صنفًا من الملائكة يقال لهم: الجنّ، فذكره.
وقال السّدّيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب} قال: عيسى وأمّه، وعزير.
وقال مغيرة، عن إبراهيم: كان ابن عبّاسٍ يقول في هذه الآية: هم عيسى، وعزير، والشّمس، والقمر.
وقال مجاهدٌ: عيسى، والعزير، والملائكة.
واختار ابن جريرٍ قول ابن مسعودٍ؛ لقوله: {يبتغون إلى ربّهم الوسيلة}، وهذا لا يعبّر به عن الماضي، فلا يدخل فيه عيسى والعزير. قال: والوسيلة هي القربة، كما قال قتادة؛ ولهذا قال: {أيّهم أقرب}
وقوله: {ويرجون رحمته ويخافون عذابه}: لا تتمّ العبادة إلّا بالخوف والرّجاء، فبالخوف ينكفّ عن المناهي، وبالرّجاء ينبعث على الطّاعات.
وقوله: {إنّ عذاب ربّك كان محذورًا} أي: ينبغي أن يحذّر منه، ويخاف من وقوعه وحصوله، عياذًا باللّه منه).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 88-89]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة