تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر بن سليمان في قوله تعالى يوم تأتى كل نفس تجدل عن نفسها قال سمعت علي بن زيد بن جدعان يحدث عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال أنا كعب أن عمر قال له يا كعب خوفنا قال قلت يا أمير المؤمنين أليس فيكم كتاب الله وسنة رسول الله والحكمة قال بلى ولكن خوفنا قال قلت يا أمير المؤمنين اعمل عمل رجل لو وافيت يوم القيامة بعمل سبعين نبيا لازدريت عملك مما ترى قال فأطرق عمر مليا ثم أفاق ثم قال زد يا كعب قال قلت يا أمير المؤمنين لو فتح قدر منخر ثور من جهنم بالمشرق ورجل بالمغرب لغلي دماغه حتى يسيل من شدة حرها قال فأطرق مليا ثم أفاق فقال زد يا كعب قال قلت يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر يوم القيامة زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مصطفى إلا خر جاثيا على ركبتيه حتى إن إبراهيم خليل الله ليخر جاثيا لركبتيه يقول لا أسألك إلا نفسي قال فأطرق عمر مليا ثم أفاق قال قلت يا أمير المؤمنين أليس هذا في كتاب الله قال كيف قال قلت يوم تأتي كل نفس تجدل عن نفسها الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/363-364]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها، وتوفّى كلّ نفسٍ ما عملت وهم لا يظلمون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ {يوم تأتي كلّ نفسٍ} تخاصم عن نفسها، وتحتجّ عنها بما أسلفت في الدّنيا من خيرٍ أو شرٍّ، أو إيمانٍ أو كفرٍ {وتوفّى كلّ نفسٍ ما عملت} في الدّنيا من طاعةٍ ومعصيةٍ {وهم لا يظلمون} يقول: وهم لا يفعل بهم إلاّ ما يستحقّونه ويستوجبونه بما قدّموه من خيرٍ أو شرٍّ، فلا يجزى المحسن إلاّ بالإحسان، ولا المسيء إلاّ بالّذي أسلف من الإساءة، لا يعاقب محسنٌ، ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسيءٌ إلاّ ثواب عمله.
واختلف أهل العربيّة في السّبب الّذي من أجله قيل " تجادل " فأنّث الكلّ.
فقال بعض نحويّي البصرة: قيل ذلك لأنّ معنى كلّ نفسٍ: كلّ إنسانٍ، وأنّث لأنّ النّفس تذكّر وتؤنّث، يقال: ما جاءني نفسٌ واحدٌ وواحدةٌ,وكان بعض أهل العربيّة يرى هذا القول من قائله غلطًا ويقول: " كلّ " إذا أضيفت إلى نكرةٍ واحدةٍ خرج الفعل على قدر النّكرة: كلّ امرأةٍ قائمةٌ، وكلّ رجلٍ قائمٌ، وكلّ امرأتين قائمتان، وكلّ رجلين قائمان، وكلّ نساءٍ قائماتٌ، وكلّ رجالٍ قائمون، فيخرج على عدد النّكرة وتأنيثها وتذكيرها، ولا حاجة به إلى تأنيث النّفس وتذكيرها). [جامع البيان: 14/381-382]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 111.
أخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب قال: كنت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: خوفنا يا كعب فقلت: يا أمير المؤمنين أوليس فيكم كتاب الله وحكمة رسوله قال: بلى ولكن خوفنا قلت: يا أمير المؤمنين لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيا لازدريت عملك مما ترى، قال: زدنا، قلت: يا أمير المؤمنين لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلا دماغه حتى يسيل من حرها، قال: زدنا، قلت: يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر زفرة يوم القيامة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبيته حتى أن إبراهيم خليله ليخر جاثيا على ركبتيه فيقول: رب نفسي، نفسي، لا أسألك اليوم إلا نفسي فأطرق عمر مليا، قلت: يا أمير المؤمنين أوليس تجدون هذا في كتاب الله قال: كيف قلت: قول الله في هذه الآية {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون}). [الدر المنثور: 9/126-127]
تفسير قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حيوة بن شريح عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: {الغاسق إذا وقب} الشمس إذا غربت، والقرية التي قال الله في كتابه: {كانت حاضرة البحر}، طبرية، والقرية التي قال الله: {إذا أرسلنا إليهم اثنين} أنطاكية، والقرية التي قال الله: {كانت آمنة مطمئنة}، قال: هي يثرب). [الجامع في علوم القرآن: 1/15] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى قرية كانت آمنة مطمئنة قال هي مكة). [تفسير عبد الرزاق: 1/360]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وضرب اللّه مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكانٍ، فكفرت بأنعم اللّه، فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}.
يقول اللّه تعالى ذكره ومثّل اللّه مثلاً لمكّة الّتي سكّانها أهل الشّرك باللّه هي القرية الّتي كانت آمنةً مطمئنّةً وكان أمنها أنّ العرب كانت تتعادى ويقتل بعضها بعضًا ويسبي بعضها بعضًا، وأهل مكّة لا يغار عليهم، ولا يحاربون في بلدهم، فذلك كان أمنها وقوله: {مطمئنّةً} يعني: قارّةٌ بأهلها، لا يحتاج أهلها إلى النّجع كما كان سكّان البوادي يحتاجون إليها {يأتيها رزقها رغدًا} يقول: يأتي أهلها معايشهم واسعةٌ كثيرةٌ، وقوله: {من كلّ مكانٍ} يعني: من كلّ فجٍّ من فجاج هذه القرية، ومن كلّ ناحيةٍ فيها.
وبنحو الّذي قلنا في أنّ القرية الّتي ذكرت في هذا الموضع أريد بها مكّة قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: " {وضرب اللّه مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكانٍ} يعني: مكّة "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً} قال: " مكّة ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وضرب اللّه مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً} قال: " ذكر لنا أنّها مكّة "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {قريةً كانت آمنةً} قال: " هي مكّة "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وضرب اللّه مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً} إلى آخر الآية، قال: " هذه مكّة ".
وقال آخرون: بل القرية الّتي ذكر اللّه في هذا الموضع مدينة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم
ذكر من قال ذلك
- حدّثني ابن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن شريحٍ، أنّ عبد الكريم بن الحارث الحضرميّ حدّثه أنّه سمع مشرح بن هاعان، يقول: سمعت سليم بن عترٍ، يقول: " صدرنا من الحجّ مع حفصة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعثمان محصورٌ بالمدينة، فكانت تسأل عنه ما فعل، حتّى رأت راكبين، فأرسلت إليهما تسألهما، فقالا: قتل، فقالت حفصة: والّذي نفسي بيده، إنّها القرية، تعني المدينة الّتي قال اللّه تعالى: {وضرب اللّه مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكانٍ فكفرت بأنعم اللّه} قرأها قال أبو شريحٍ: وأخبرني عبيد اللّه بن المغيرة عمّن حدّثه، أنّه كان يقول: إنّها المدينة "
وقوله: {فكفرت بأنعم اللّه} يقول: فكفر أهل هذه القرية بأنعم اللّه الّتي أنعم عليها.
واختلف أهل العربيّة في واحد " الأنعم "، فقال بعض نحويّي البصرة: جمع النّعمة على أنعمٍ، كما قال اللّه: {حتّى إذا بلغ أشدّه}، فزعم أنّه جمع الشّدّة وقال آخر منهم الواحد نعم، وقال: يقال: أيّام طعمٍ ونعمٍ: أي نعيمٍ، قال: فيجوز أن يكون معناها: فكفرت بنعيم اللّه لها واستشهد على ذلك بقول الشّاعر:
وعندي قروض الخير والشّرّ كلّه = فبؤسٌ بذي بؤسٍ ونعمٌ بأنعم
وكان بعض أهل الكوفة يقول: أنعمٌ: جمع نعماء، مثل بأساء وأبؤس، وضرّاء وأضرّ، فأمّا الأشدّ فإنّه زعم أنّه جمع شدٍّ
وقوله: {فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف} يقول تعالى ذكره: فأذاق اللّه أهل هذه القرية لباس الجوع، وذلك جوعٌ خالط أذاه أجسامهم، فجعل اللّه تعالى ذكره ذلك لمخالطته أجسامهم بمنزلة اللّباس لها وذلك أنّهم سلّط عليهم الجوع سنين متواليةً بدعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى أكلوا العلهز والجيف.
قال أبو جعفرٍ: والعلهز: الوبر يعجن بالدّم والقراد يأكلونه، وأمّا الخوف فإنّ ذلك كان خوفهم من سرايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّتي كانت تطيف بهم.
وقوله: {بما كانوا يصنعون} يقول: بما كانوا يصنعون من الكفر بأنعم اللّه، ويجحدون آياته، ويكذّبون رسوله وقال: {بما كانوا يصنعون} وقد جرى الكلام من ابتداء الآية إلى هذا الموضع على وجه الخبر عن القرية، لأنّ الخبر وإن كان جرى في الكلام عن القرية استغناءً بذكرها عن ذكر أهلها لمعرفة السّامعين بالمراد منها، فإنّ المراد أهلها، فلذلك قيل: {بما كانوا يصنعون} فردّ الخبر إلى أهل القرية، وذلك نظير قوله: {فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون} ولم يقل قائلةً، وقد قال قبله: {فجاءها بأسنا}، لأنّه رجع بالخبر إلى الإخبار عن أهل القرية، ونظائر ذلك في القرآن كثيرةٌ). [جامع البيان: 14/382-386]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قرية كانت آمنة مطمئنة يعني مكة). [تفسير مجاهد: 354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 112 – 114
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة} الآية، قال: يعني مكة). [الدر المنثور: 9/127]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه في قوله: {وضرب الله مثلا قرية} قال: هي مكة ألا ترى أنه قال: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه} ). [الدر المنثور: 9/127]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قرية كانت آمنة} قال: مكة، ألا ترى إلى قوله: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب} قال: أخذهم الله بالجوع والخوف والقتل الشديد). [الدر المنثور: 9/127]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} قال: فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل، وفي قوله: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه} قال: أي والله يعرفون نسبه وأمره). [الدر المنثور: 9/127-128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سليم بن عمر قال: صحبت حفصة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهي خارجة من مكة إلى المدينة فأخبرت أن عثمان قد قتل فرجعت، وقالت: ارجعوا بي فوالذي نفسي بيده إنها للقرية التي قال الله: {قرية كانت آمنة مطمئنة} إلى آخر الآية). [الدر المنثور: 9/128]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب، قال: القرية التي قال الله: {كانت آمنة مطمئنة} هي يثرب). [الدر المنثور: 9/128]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد جاءهم رسولٌ منهم فكذّبوه، فأخذهم العذاب وهم ظالمون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد جاء أهل هذه القرية الّتي وصف اللّه صفتها في هذه الآية الّتي قبل هذه الآية {رسولٌ منهم} يقول: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم، يقول: من أنفسهم يعرفونه ويعرفون نسبه وصدق لهجته، يدعوهم إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ {فكذّبوه} ولم يقبلوا منه ما جاءهم به من عند اللّه. {فأخذهم العذاب} وذلك لباس الجوع والخوف مكان الأمن والطّمأنينة والرّزق الواسع الّذي كان قبل ذلك يرزقونه، وقتلٌ بالسّيف {وهم ظالمون} يقول: وهم مشركون، وذلك أنّه قتل عظماؤهم يوم بدرٍ بالسّيف على الشّرك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولقد جاءهم رسولٌ منهم} إي واللّه، يعرفون نسبه وأمره {فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}، فأخذهم اللّه بالجوع، والخوف، والقتل "). [جامع البيان: 14/386-387]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} قال: فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل، وفي قوله: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه} قال: أي والله يعرفون نسبه وأمره). [الدر المنثور: 9/127-128] (م)
تفسير قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالاً طيّبًا، واشكروا نعمة اللّه إن كنتم إيّاه تعبدون}.
يقول تعالى ذكره: فكلوا أيّها النّاس ممّا رزقكم اللّه من بهائم الأنعام الّتي أحلّها لكم حلالاً طيّبًا مذكّاةً غير محرّمةٍ عليكم {واشكروا نعمة اللّه} يقول: واشكروا اللّه على نعمه الّتي أنعم بها عليكم في تحليله ما أحلّ لكم من ذلك، وعلى غير ذلك من نعمه {إن كنتم إيّاه تعبدون} يقول: إن كنتم تعبدون اللّه، فتطيعونه فيما يأمركم وينهاكم.
وكان بعضهم يقول: إنّما عنى بقوله: {فكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالاً طيّبًا} طعامًا كان بعث به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين من قومه في سنيّ الجدب والقحط رقّةً عليهم، فقال اللّه تعالى للمشركين: فكلوا ممّا رزقكم اللّه من هذا الّذي بعث به إليكم حلالاً طيّبًا، وذلك تأويلٌ بعيدٌ ممّا يدلّ عليه ظاهر التّنزيل، وذلك أنّ اللّه تعالى قد أتبع ذلك بقوله: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم} الآية والّتي بعدها، فبيّن بذلك أنّ قوله: {فكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالاً طيّبًا} إعلامٌ من اللّه عباده أنّ ما كان المشركون يحرّمونه من البحائر والسّوائب والوصائل وغير ذلك ممّا قد بيّنّا قبل فيما مضى لا معنى له، إذ كان ذلك من خطوات الشّيطان، فإنّ كلّ ذلك حلالٌ لم يحرّم اللّه منه شيئًا). [جامع البيان: 14/387-388]