تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلاً، إنّما عند اللّه هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (95) ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ، ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيّها النّاس وعقودكم الّتي عاقدتموها من عاقدتم مؤكّديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضًا من الدّنيا قليلاً، ولكن أوفوا بعهد اللّه الّذي أمركم بالوفاء به يثبكم اللّه على الوفاء به، فإنّ ما عند اللّه من الثّواب لكم على الوفاء بذلك هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون فضل ما بين العوضين اللّذين أحدهما الثّمن القليل الّذي تشترون بنقض عهد اللّه في الدّنيا، والآخر الثّواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به). [جامع البيان: 14/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال: ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا يعني بعد ما أبرمته {تتخذون أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم} يعني بين أهل العهد يعني مكرا أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد {أن تكون أمة هي أربى من أمة} يعني أكثر {إنما يبلوكم الله به} يعني بالكثرة {وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} يعني المسلمة والمشركة {أمة واحدة} يعني ملة الإسلام وحدها {ولكن يضل من يشاء} يعني عن دينه وهم المشركون {ويهدي من يشاء} يعني المسلمين {ولتسألن} يوم القيامة {عما كنتم تعملون} ثم ضرب مثلا آخر للناقض العهد فقال: {ولا تتخذوا أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها} يقول: إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله} يعني العقوبة {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} يعني عرضا من الدنيا يسيرا {إنما عند الله} يعني الثواب {هو خير لكم} يعني أفضل لكم من العاجل {ما عندكم ينفد} يعني ما عندكم من الأموال يفنى {وما عند الله باق} يعني وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول عن أهله وليجزين {الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم). [الدر المنثور: 9/107-109] (م)
تفسير قوله تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمّ بيّن تعالى ذكره فرق ما بين العوضين وفضل ما بين الثّوابين، فقال: ما عندكم أيّها النّاس ممّا تتملّكونه في الدّنيا وإن كثر فنافدٌ فانٍ، وما عند اللّه لمن أوفى بعهده وأطاعه من الخيرات باقٍ غير فانٍ، فلما عنده فاعملوا، وعلى الباقي الّذي لا يفنى فاحرصوا.
وقوله: {ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}. يقول تعالى ذكره: وليثيبنّ اللّه الّذين صبروا على طاعتهم إيّاه في السّرّاء والضّرّاء، ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها ومسارعتهم في رضاه، بأحسن ما كانوا يعملون من الأعمال دون أسوئها، وليغفرنّ اللّه لهم سيّئها بفضله). [جامع البيان: 14/349-350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال: ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا يعني بعد ما أبرمته {تتخذون أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم} يعني بين أهل العهد يعني مكرا أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد {أن تكون أمة هي أربى من أمة} يعني أكثر {إنما يبلوكم الله به} يعني بالكثرة {وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} يعني المسلمة والمشركة {أمة واحدة} يعني ملة الإسلام وحدها {ولكن يضل من يشاء} يعني عن دينه وهم المشركون {ويهدي من يشاء} يعني المسلمين {ولتسألن} يوم القيامة {عما كنتم تعملون} ثم ضرب مثلا آخر للناقض العهد فقال: {ولا تتخذوا أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها} يقول: إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله} يعني العقوبة {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} يعني عرضا من الدنيا يسيرا {إنما عند الله} يعني الثواب {هو خير لكم} يعني أفضل لكم من العاجل {ما عندكم ينفد} يعني ما عندكم من الأموال يفنى {وما عند الله باق} يعني وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول عن أهله وليجزين {الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم). [الدر المنثور: 9/107-109] (م)
تفسير قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن إسماعيل بن سميع عن أبي الربيع عن ابن عباس في قوله تعالى فلنحيينه حياة طيبة قال الرزق الطيب في الدنيا ولنجزينهم أجرهم في الآخرة). [تفسير عبد الرزاق: 1/360]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن سميعٍ عن أبي الرّبيع عن ابن عباس في قوله: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} قال: الرزق الطيب [الآية: 97]). [تفسير الثوري: 166]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن سميعٍ عن أبي الرّبيع عن ابن عباس في قوله: {لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} قال: في الآخرة [الآية: 97]). [تفسير الثوري: 166-167]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ، فلنحيينّه حياةً طيّبةً، ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: من عمل بطاعة اللّه، وأوفى بعهود اللّه إذا عاهد من ذكرٍ أو أنثى من بني آدم {وهو مؤمنٌ} يقول: وهو مصدّقٌ بثواب اللّه الّذي وعد أهل طاعته على الطّاعة، وبوعيد أهل معصيته على المعصية، {فلنحيينّه حياةً طيّبةً}.
واختلف أهل التّأويل في الّذي عنى اللّه بالحياة الطّيّبة الّتي وعد هؤلاء القوم أن يحييهموها، فقال بعضهم: عنى أنّه يحييهم في الدّنيا ما عاشوا فيها بالرّزق الحلال
ذكر من قال ذلك
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " الحياة الطّيّبة: الرّزق الحلال في الدّنيا ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي مالكٍ وأبي الرّبيع، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي الرّبيع، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ، فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " الرّزق الحسن في الدّنيا "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي الرّبيع، عن ابن عبّاسٍ: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " الرّزق الطّيّب في الدّنيا "
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الفضل بن دكينٍ قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي الرّبيع، عن ابن عبّاسٍ: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " الرّزق الطّيّب في الدّنيا "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: " {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً} يعني في الدّنيا "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن مطرّفٍ، عن الضّحّاك: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " الرّزق الطّيّب الحلال "
- حدّثني عبد الأعلى بن واصلٍ، قال: حدّثنا عون بن سلاّمٍ القرشيّ، قال: أخبرنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " يأكل حلالاً ويلبس حلالاً ".
وقال آخرون: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} بأن نرزقه القناعة
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن المنهال بن خليفة، عن أبي خزيمة سليمان التّمّار، عمّن ذكره، عن عليٍّ: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " القنوع "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو عصامٍ، عن أبي سعيدٍ، عن الحسن البصريّ، قال: " الحياة الطّيّبة: القناعة ".
وقال آخرون: بل يعني بالحياة الطّيّبة الحياة مؤمنًا باللّه عاملاً بطاعته
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} يقول: " من عمل عملاً صالحًا وهو مؤمنٌ في فاقةٍ أو ميسرةٍ، فحياته طيّبةٌ، ومن أعرض عن ذكر اللّه، فلم يؤمن، ولم يعمل صالحًا، عيشته ضنك لا خير فيها ".
وقال آخرون: الحياة الطّيّبة السّعادة
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " السّعادة ".
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الحياة في الجنّة
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، عن عوفٍ، عن الحسن: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " لا تطيب لأحدٍ حياةٌ دون الجنّة "
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عوفٍ، عن الحسن: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " ما تطيب الحياة لأحدٍ إلاّ في الجنّة "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً} فإنّ اللّه لا يشاء عملاً إلاّ في إخلاصٍ، ويوجب لمن عمل ذلك في إيمانٍ، قال اللّه تعالى: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} وهي الجنّة "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " الآخرة، يحييهم حياةً طيّبةً في الآخرة "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً} قال: " الحياة الطّيّبة في الآخرة هي الجنّة، تلك الحياة الطّيّبة، قال: {ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} وقال: ألا تراه يقول: {يا ليتني قدّمت لحياتي}، قال: هذه آخرته، وقرأ أيضًا: {وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان}، قال: الآخرة دار حياةٍ لأهل النّار وأهل الجنّة، ليس فيها موتٌ لأحدٍ من الفريقين "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} قال: " الإيمان: الإخلاص للّه وحده، فبيّن أنّه لا يقبل عملاً إلاّ بالإخلاص له ".
وأولى الأقوال بالصّواب قول من قال: تأويل ذلك: فلنحيينّه حياةً طيّبةً بالقناعة، وذلك أنّ من قنّعه اللّه بما قسم له من رزقٍ لم يكثرفي الدّنيا تعبه، ولم يعظم فيها نصبه، ولم يتكدّر فيها عيشه باتّباعه نفسه ما فاته، منها وحرصه على ما لعلّه لا يدركه فيها.
وإنّما قلت ذلك أولى التّأويلات في ذلك بالآية، لأنّ اللّه تعالى ذكره أوعد قومًا قبلها على معصيتهم إيّاه إن عصوه أذاقهم السّوء في الدّنيا والعذاب في الآخرة، فقال تعالى: {ولا تتّخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها، وتذوقوا السّوء بما صددتم عن سبيل اللّه} فهذا لهم في الدّنيا، ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ، فهذا لهم في الآخرة ثمّ أتبع ذلك ما لمن أوفى بعهد اللّه وأطاعه فقال تعالى: ما عندكم في الدّنيا ينفد، وما عند اللّه باقٍ، فالّذي بين هذه السّيّئة بحكمته أراد أن يعقّب ذلك الوعد لأهل طاعته بالإحسان في الدّنيا، والغفران في الآخرة، وكذلك فعل تعالى ذكره.
وأمّا القول الّذي روي عن ابن عبّاسٍ أنّه الرّزق الحلال، فهو محتملٌ أن يكون معناه الّذي قلنا في ذلك، من أنّه تعالى يقنعه في الدّنيا بالّذي يرزقه من الحلال وإن قلّ، فلا تدعوه نفسه إلى الكثير منه من غير حلّه، لا أنّه يرزقه الكثير من الحلال، وذلك أنّ أكثر العاملين للّه تعالى بما يرضاه من الأعمال لم نرهم رزقوا الرّزق الكثير من الحلال في الدّنيا، ووجدنا ضيق العيش عليهم أغلب من السّعة.
وقوله: {ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فذلك لا شكّ أنّه في الآخرة، وكذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} قال: " إذا صاروا إلى اللّه جزاهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي مالكٍ، وأبي الرّبيع، عن ابن عبّاسٍ، مثله
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي الرّبيع، عن ابن عبّاسٍ: {ولنجزينّهم أجرهم} قال: " في الآخرة ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي الرّبيع، عن ابن عبّاسٍ مثله
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} يقول: " يجزيهم أجرهم في الآخرة بأحسن ما كانوا يعملون ".
وقيل: إنّ هذه الآية نزلت بسبب قومٍ من أهل مللٍ شتّى تفاخروا، فقال أهل كلّ ملّةٍ منها: نحن أفضل، فبيّن اللّه لهم أفضل أهل الملل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قال: " جلس ناسٌ من أهل الأوثان، وأهل التّوراة، وأهل الإنجيل، فقال هؤلاء: نحن أفضل وقال هؤلاء: نحن أفضل فأنزل اللّه تعالى: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ، فلنحيينّه حياةً طيّبةً، ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} "). [جامع البيان: 14/350-356]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ يعقوب بن يوسف القزوينيّ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {فلنحيينّه حياةً طيّبةً} [النحل: 97] قال: القنوع قال: وكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يدعو ويقول: «اللّهمّ قنّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف عليّ كلّ غائبةٍ لي بخيرٍ» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه). [المستدرك: 2/388]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 97.
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هذه الآية {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} قال: الحياة الطيبة الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا، وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل). [الدر المنثور: 9/109]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: الحياة الطيبة الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل). [الدر المنثور: 9/109]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: يأكل حلالا ويشرب حلالا ويلبس حلالا). [الدر المنثور: 9/109]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حياة طيبة} قال: الكسب الطيب والعمل الصالح). [الدر المنثور: 9/110]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حياة طيبة} قال: السعادة). [الدر المنثور: 9/110]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: القنوع، قال: وكان رسول الله يدعو: اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير). [الدر المنثور: 9/110]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج وكيع في الغرر عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {فلنحيينه حياة طيبة} قال: القناعة). [الدر المنثور: 9/110]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج وكيع، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله: القناعة مال لا ينفد وكنز لا يفنى "). [الدر المنثور: 9/110]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن الحسن في قوله: (فلنحيينه حياة طيبة) . قال: لنرزقنه قناعة يجد لذتها في قلبه). [الدر المنثور: 9/111]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج مسلم عن ابن عمرو أن رسول الله قال: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه). [الدر المنثور: 9/111]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي والنسائي عن فضاة بن عبيد أنه سمع رسول الله يقول: قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به). [الدر المنثور: 9/111]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج وكيع في الغرر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله: القناعة مال لا ينفد). [الدر المنثور: 9/111]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {حياة طيبة} قال: ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة). [الدر المنثور: 9/111]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج العسكري في الأمثال عن سعيد بن جبير: (فلنحيينه حياة طيبة) . قال: لا تحوجه إلى أحد). [الدر المنثور: 9/111]
تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم} [النحل: 98] : «هذا مقدّمٌ ومؤخّرٌ، وذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة، ومعناها الاعتصام باللّه»). [صحيح البخاري: 6/82]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم هذا مقدّمٌ ومؤخّرٌ وذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة المراد بالغير أبو عبيدة فإنّ هذا كلامه بعينه وقرّره غيره فقال إذا وصله بين الكلامين والتّقدير فإذا أخذت في القراءة فاستعذ وقيل هو على أصله لكن فيه إضمار أي إذا أردت القراءة لأنّ الفعل يوجد عند القصد من غير فاصلٍ وقد أخذ بظاهر الآية بن سيرين ونقل عن أبي هريرة وعن مالكٍ وهو مذهب حمزة الزّيّات فكانوا يستعيذون بعد القراءة وبه قال داود الظّاهريّ قوله ومعناها أي معنى الاستعاذة الاعتصام باللّه هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/385]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه} (النّحل: 98) هذا مقدّمٌ ومؤخرٌ وذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة ومعناها الاعتصام باللّه
أي: قال غير مجاهد في قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه} إن فيه التّقديم والتّأخير، وذلك أن الاستعاذة تكون قبل القراءة، والتّقدير: فإذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ باللّه، هذا على قول الجمهور حتّى قال صاحب (التّوضيح) : هذا إجماع إلاّ ما روي عن أبي هريرة وداود ومالك أنهم قالوا: إن الاستعاذة بعد القراءة، أخذا بظاهر القرآن، وقد أبعد بعضهم هذا في موضعين. الأول: في قوله: المراد بالغير أبو عبيدة، فإن هذا كلامه بعينه وهذا فيه خبط. والثّاني: في قوله: والتّقدير فإذا أخذت في القراءة فاستعذ، وقيل: هو على أصله لكن فيه إضمار، أي: إذا أردت القراءة، وهذا يكاد أن يكون أقوى خبطاً من الأول على ما لا يخفى على من يتأمّل فيه. قوله: (ومعناها) ، أي: معنى الاستعاذة (الاعتصام باللّه) ). [عمدة القاري: 19/15]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال غيره): أي غير مجاهد في وقوله تعالى: ({فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله}) زاد أبو ذر: {من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]. (هذا مقدم ومؤخر وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة).
وهذا قاله أبو عبيدة. وقال ابن عطية: فإذا وصلة بين الكلامين والعرب تستعملها في مثل هذا وتقدير الآية فإذا أخذت في قراءة القرآن فاستعذ.
وقال في الأنوار كالكشاف: أي فإذا أردت قراءة القرآن فأضمر الإرادة. قال الزمخشري: لأن الفعل يوجد عند القصد والإرادة من غير فاصل وعلى حسبه فكان منه بسبب قوي وملابسة ظاهرة، وهذا مذهب الجمهور من القراء وغيرهم.
قال الشيخ بهاء الدين السبكي: في شرح التلخيص وعليه سؤال وهو أن الإرادة إن أخذت مطلقًا لزم استحباب الاستعاذة بمجرد ذلك وإن أخذت الإرادة بشرط اتصالها بالقراءة استحال تحقق العلم بوقوعها ويمتنع حينئذ استحباب الاستعاذة قبل القراءة.
قال في المصابيح: بقي عليه قسم آخر باختياره يزول الإشكال وذلك أنا لا نأخذ الإرادة مطلقًا ولا نشترط اتصالها بالقراءة وإنما نأخذها مقيدة بأن لا يعن له صارف عن القراءة فلا يلزم حينئذ استحباب الاستعاذة بعد طروء العزم على عدم القراءة ولا يلزم أيضًا استحالة تحقق العلم بوقوعها فزال الإشكال ولله الحمد.
(ومعناها) أي الاستعاذة (الاعتصام بالله) من وساوس الشيطان، والجمهور على أن الأمر بها للاستحباب والخطاب للرسول، والمراد منه الكل لأن الرسول إذا كان محتاجًا للاستعاذة عند القراءة فغيره أولى). [إرشاد الساري: 7/196]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم (98) إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون (99) إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه والّذين هم به مشركون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وإذا كنت يا محمّد قارئًا القرآن، فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم.
وكان بعض أهل العربيّة يزعم أنّه من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، وكأنّ معنى الكلام عنده: وإذا استعذت باللّه من الشّيطان الرّجيم فاقرأ القرآن، ولا وجه لما قال من ذلك، لأنّ ذلك لو كان كذلك لكان متى استعاذ مستعيذٌ من الشّيطان الرّجيم لزمه أن يقرأ القرآن، ولكنّ معناه ما وصفناه.
وليس قوله: {فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم} بالأمر اللاّزم، وإنّما هو إعلامٌ وندبٌ، وذلك أنّه لا خلاف بين الجميع أنّ من قرأ القرآن ولم يستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم قبل قراءته أو بعدها أنّه لم يضيّع فرضًا واجبًا. وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك نحو الّذي قلنا
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم} قال: " فهذا دليلٌ من اللّه تعالى دلّ عباده عليه "). [جامع البيان: 14/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 98.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} قال: هذا دليل من الله دل عليه عباده). [الدر المنثور: 9/112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن المنذر عن عطاء قال: الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها من أجل قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} ). [الدر المنثور: 9/112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في "سننه" عن جبير بن مطعم: أن النّبيّ لما دخل في الصلاة كبر ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). [الدر المنثور: 9/112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). [الدر المنثور: 9/112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي سعيد قال: كان رسول الله إذا قام من الليل فاستفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا غيرك ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم). [الدر المنثور: 9/112]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها في ذكر الأفك قالت: جلس رسول الله وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم (إن الذين جاؤوا بالأفك عصبة منكم) (النور آية 11) الآيات). [الدر المنثور: 9/113]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا قوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} فإنّه يعني بذلك: أنّ الشّيطان ليست له حجّةٌ على الّذين آمنوا باللّه ورسوله، وعملوا بما أمر اللّه به، وانتهوا عمّا نهاهم اللّه عنه {وعلى ربّهم يتوكّلون} يقول: وعلى ربّهم يتوكّلون فيما نابهم من مهمّات أمورهم). [جامع البيان: 14/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 99 - 100.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} قال: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم). [الدر المنثور: 9/113]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه} يقول: إنّما حجّته على الّذين يعبدونه، {والّذين هم به مشركون} يقول: والّذين هم باللّه مشركون.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّما سلطانه} قال: " حجّته "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه} قال: " يطيعونه ".
واختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي من أجله لم يسلّط فيه الشّيطان على المؤمن، فقال بعضهم بما؛
- حدّثت عن زافر بن سليمان، عن سفيان في قوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} قال: " ليس له سلطانٌ على أن يحملهم على ذنبٍ لا يغفر ".
وقال آخرون: هو الاستعاذة، فإنّه إذا استعاذ باللّه منع منه ولم يسلّط عليه، واستشهد لصحّة قوله ذلك بقول اللّه تعالى: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}، وقد ذكرنا الرّواية بذلك في سورة الحجر
وقال آخرون في ذلك، بما
- حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} إلى قوله: {والّذين هم به مشركون} يقال: إنّ عدوّ اللّه إبليس قال: {لأغوينّهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين}، فهؤلاء الّذين لم يجعل للشّيطان عليهم سبيلٌ، وإنّما سلطانه على قومٍ اتّخذوه وليًّا، وأشركوه في أعمالهم "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} يقول: " السّلطان على من تولّى الشّيطان، وعمل بمعصية اللّه "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه} يقول: " الّذين يطيعونه ويعبدونه ".
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب، قول من قال: معناه: إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا فاستعاذوا باللّه منه، بما ندب اللّه تعالى ذكره من الاستعاذة، {وعلى ربّهم يتوكّلون} على ما عرض لهم من خطراته ووساوسه.
وإنّما قلنا ذلك أولى التّأويلات بالآية، لأنّ اللّه تعالى ذكره أتبع هذا القول: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم} وقال في موضعٍ آخر: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه، إنّه سميعٌ عليمٌ}، فكان بيّنًا بذلك أنّه إنّما ندب عباده إلى الاستعاذة منه في هذه الأحوال ليعيذهم من سلطانه.
وأمّا قوله: {والّذين هم به مشركون} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم فيه بما قلنا إنّ معناه: والّذين هم باللّه مشركون
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {والّذين هم به مشركون} قال: " يعدلون بربّ العالمين "
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {والّذين هم به مشركون} قال: " يعدلون باللّه "
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك يقول: في قوله: " {والّذين هم به مشركون} عدلوا إبليس بربّهم، فإنّهم باللّه مشركون ".
وقال آخرون: معنى ذلك: والّذين هم به مشركون، أشركوا الشّيطان في أعمالهم
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {والّذين هم به مشركون} أشركوه في أعمالهم ".
والقول الأوّل، أعنّي قول مجاهدٍ أولى القولين في ذلك بالصّواب، وذلك أنّ الّذين يتولّون الشّيطان إنّما يشركونه باللّه في عبادتهم، وذبائحهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، لا أنّهم يشركون بالشّيطان، ولو كان معنى الكلام ما قاله الرّبيع، لكان التّنزيل: الّذين هم مشركوه، ولم يكن في الكلام " به "، فكان يكون لو كان التّنزيل كذلك: والّذين هم مشركوه في أعمالهم، إلاّ أن يوجّه موجّهٌ معنى الكلام إلى أنّ القوم كانوا يدينون بألوهة الشّيطان ويشركون اللّه به في عبادتهم إيّاه، فيصحّ حينئذٍ معنى الكلام، ويخرج عمّا جاء التّنزيل به في سائر القرآن، وذلك أنّ اللّه تعالى وصف المشركين في سائر سور القرآن أنّهم أشركوا باللّه ما لم ينزّل به عليهم سلطانًا، وقال في كلّ موضعٍ تقدّم إليهم بالزّجر عن ذلك: لا تشركوا باللّه شيئًا، ولم نجد في شيءٍ من التّنزيل: لا تشركوا اللّه بشيءٍ، ولا في شيءٍ من القرآن خبرًا من اللّه عنهم أنّهم أشركوا اللّه بشيءٍ فيجوز لنا توجيه معنى قوله: {والّذين هم به مشركون} إلى والّذين هم بالشّيطان مشركو اللّه فبيّن إذًا إذ كان ذلك كذلك أنّ الهاء في قوله: {والّذين هم به} عائدةٌ على " الرّبّ " في قوله: {وعلى ربّهم يتوكّلون}). [جامع البيان: 14/358-362]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والذين هم به مشركون قال يعدلون بالله عز وجل). [تفسير مجاهد: 351]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إنما سلطانه حجته). [تفسير مجاهد: 352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} قال: حجته على الذين يتولونه {والذين هم به مشركون} قال: يعدلونه برب العالمين). [الدر المنثور: 9/113]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} يقول: سلطان الشيطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله). [الدر المنثور: 9/113]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال: إن عدو الله إبليس حين غلبت عليه الشقاوة قال: (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) (ص آية 82 - 83) فهؤلاء الذين لم يجعل للشيطان عليهم سبيل وإنما سلطانه على قوم اتخذوه وليا فأشركوه في أعمالهم). [الدر المنثور: 9/113-114]