تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بظلمهم ما ترك عليها من دابّةٍ، ولكن يؤخّرهم إلى أجلٍ مسمًّى، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون}.
يقول تعالى ذكره: {ولو يؤاخذ اللّه} عصاة بني آدم بمعاصيهم، {ما ترك عليها} يعني على الأرض {من دابّةٍ} تدبّ عليها {ولكن يؤخّرهم} يقول: ولكن بحلمه يؤخّر هؤلاء الظّلمة فلا يعاجلهم بالعقوبة، {إلى أجلٍ مسمًّى} يقول: إلى وقتهم الّذي وقّت لهم {فإذا جاء أجلهم} يقول: فإذا جاء الوقت الّذي وقّت لهلاكهم، {لا يستأخرون} عن الهلاك ساعةً فيمهلون، {ولا يستقدمون} قبله حتّى يستوفوا آجالهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: " كاد الجعل أن يعذّب بذنب بني آدم وقرأ: {لو يؤاخذ اللّه النّاس بظلمهم ما ترك عليها من دابّةٍ} "
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا إسماعيل بن حكيمٍ الخزاعيّ، قال: حدّثنا محمّد بن جابرٍ الحنفيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، قال: سمع أبو هريرة رجلاً وهو يقول: إنّ الظّالم لا يضرّ إلاّ نفسه، قال: فالتفت إليه، فقال: " بلى، واللّه إنّ الحبارى لتموت في وكرها هزالاً بظلم الظّالم "
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا أبو عبيدة الحدّاد، قال: حدّثنا قرّة بن خالدٍ السّدوسيّ، عن الزّبير بن عديٍّ، قال: قال ابن مسعودٍ: " خطيئة ابن آدم قتلت الجعل "
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد اللّه: " كاد الجعل أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم "
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال اللّه: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون} قال: " نرى أنّه إذا حضر أجله فلا يؤخّر ساعةً، ولا يقدّم، ما لم يحضر أجله، فإنّ اللّه يؤخّر ما شاء، ويقدّم ما شاء "). [جامع البيان: 14/259-261]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 61 - 67
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} قال: ما سقاهم المطر). [الدر المنثور: 9/64-65]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول: إذا قحط المطر لم يبق في الأرض دابة إلا ماتت). [الدر المنثور: 9/65]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} قال: قد فعل الله ذلك في زمان نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلا ما حملت سفينة نوح). [الدر المنثور: 9/65]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره ثم قال: أي والله، ومن غرق قوم نوح عليه السلام). [الدر المنثور: 9/65]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة) ). [الدر المنثور: 9/65-66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات عن أنس بن مالك قال: كاد الضب أن يموت في جحره هولا من ظلم ابن آدم). [الدر المنثور: 9/66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال أبو هريرة: بلى، والله إن الحبارى لتموت هزلا وكرها من ظلم الظالم). [الدر المنثور: 9/66]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: لو أن الله يؤاخذني وعيسى ابن مريم بذنونبا وفي لفظ: بما جنت هاتان - الإبهام والتي تليها - لعذبنا ما يظلمنا شيئا). [الدر المنثور: 9/66]
تفسير قوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة أن لهم النار وأنهم مفرطون قال قد فرطوا في النار أي معجلون). [تفسير عبد الرزاق: 1/357]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى أن لهم الحسنى قال الغلمان). [تفسير عبد الرزاق: 1/357]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ {لا جرم أنّ لهم النّار وأنّهم مفرطون} قال: منسيّون مضيّعون). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 407]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({مفرطون} [النحل: 62] : «منسيّون»). [صحيح البخاري: 6/82]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله مفرطون منسيون وصله الطّبريّ من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله لا جرم أن لهم النّار وأنّهم مفرطون قال منسيّون ومن طريق سعيد بن جبيرٍ قال مفرطون أي متروكون في النّار منسيّون فيها ومن طريق سعيد عن قتادة قال معجّلون قال الطّبريّ ذهب قتادة إلى أنّه من قولهم أفرطنا فلانًا إذا قدّموه فهو مفرطٌ ومنه أنا فرطكم على الحوض قلت وهذا كلّه على قراءة الجمهور بتخفيف الرّاء وفتحها وقرأها نافعٌ بكسرها وهو من الإفراط وقرأها أبو جعفر بن القعقاع بفتح الفاء وتشديد الرّاء مكسورةٍ أي مقصّرون في أداء الواجب مبالغون في الإساءة). [فتح الباري: 8/385]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه وقال مجاهد {تميد} تكفأ {مفرطون} منسيون
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 15 النّحل {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} قال تكفأ
وبه في قوله 62 النّحل {لا جرم أن لهم النّار وأنّهم مفرطون} قال منسيون). [تغليق التعليق: 4/235] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مفرطون منسيّون
أشار به إلى قوله عز وجل: {أن لهم النّار وإنّهم مفرطون} (النّحل: 62) وفسّر مفرطون بقوله: (منسيون) وكذا رواه الطّبريّ عن محمّد بن عمرو عن أبي عاصم: حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وروى من طريق سعيد بن جبير، قال: مفرطون، أي: متركون في النّار منسيون فيها، وقرأ الجمهور بتخفيف الرّاء وفتحها، وقرأها نافع بكسرها، وهو من الإفراط، وقرأها أبو جعفر بن القعقاع بكسر الرّاء المشدّدة أي: مقصرون في أداء الواجب مبالغون في الإساءة). [عمدة القاري: 19/15]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({مفرطون}) قال مجاهد: فيما وصله الطبري (منسيون) فيها). [إرشاد الساري: 7/196]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويجعلون للّه ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى لا جرم أنّ لهم النّار وأنّهم مّفرّطون}.
يقول تعالى ذكره: ويجعل هؤلاء المشركون للّه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات {وتصف ألسنتهم الكذب} يقول: وتقول ألسنتهم الكذب وتفتريه {أنّ لهم الحسنى} فأنّ في موضع نصبٍ، لأنّها ترجمةٌ عن الكذب وتأويل الكلام: ويجعلون للّه ما يكرهونه لأنفسهم، ويزعمون أنّ لهم الحسنى الّذي يكرهونه لأنفسهم، البنات يجعلونهنّ للّه تعالى، وزعموا أنّ الملائكة بنات اللّه، وأمّا الحسنى الّتي جعلوها لأنفسهم: فالذّكور من الأولاد، وذلك أنّهم كانوا يئدون الإناث من أولادهم ويستبقون الذّكور منهم، ويقولون: لنا الذّكور وللّه البنات، وهو نحو قوله: {ويجعلون للّه البنات سبحانه ولهم ما يشتهون}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، وحدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى} قال: " قول قريشٍ: لنا البنون وللّه البنات ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله إلاّ أنّه، قال: قول كفّار قريشٍ
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {ويجعلون للّه ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب} أي يتكلّمون بأنّ لهم الحسنى، أي الغلمان "
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أنّ لهم الحسنى،} قال: " الغلمان "
وقوله: {لا جرم أنّ لهم النّار وأنّهم مّفرطون} يقول تعالى ذكره: حقًّا واجبًا أنّ لهؤلاء القائلين للّه البنات، الجاعلين له ما يكرهونه لأنفسهم، ولأنفسهم الحسنى عند اللّه يوم القيامة، النّار.
وقد بيّنّا تأويل قول اللّه: {لا جرم} في غير موضعٍ من كتابنا هذا بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وروي عن ابن عبّاسٍ في ذلك، ما؛
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، " قوله: {لا جرم} يقول: بلى "
وقوله: {لا جرم} كان بعض أهل العربيّة يقول: لم تنصب جرم ب " لا " كما نصبت الميم من قول: لا غلام لك، قال: ولكنّها نصبت لأنّها فعلٌ ماضٍ، مثل قول القائل: قعد فلانٌ وجلس، والكلام: لا ردّ لكلامهم أي ليس الأمر هكذا، جرم: كسب، مثل قوله: لا أقسم، ونحو ذلك.
وكان بعضهم يقول: نصب " جرم " ب " لا "، وإنّما بمعنى: لا بدّ، ولا محالة، ولكنّها كثرت في الكلام حتّى صارت بمنزلة " حقًّا "
وقوله: {وأنّهم مفرطون} يقول تعالى ذكره: وأنّهم مخلّفون متروكون في النّار، منسيّون فيها.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال أكثرهم بنحو ما قلنا في ذلك
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في هذه الآية: {لا جرم أنّ لهم النّار وأنّهم مفرطون} قال: " منسيّون مضيّعون ".
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ قال: أخبرنا سعيدٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا بهز بن أسدٍ، عن شعبة قال: أخبرني أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {لا جرم أنّ لهم النّار وأنّهم مفرطون} قال: " متروكون في النّار، منسيّون فيها ".
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ قال: حصينٌ أخبرنا، عن سعيد بن جبيرٍ، بمثله.
- حدّثني المثنّى قال: أخبرنا الحجّاج بن المنهال قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ بمثله
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وأنّهم مفرطون} قال: " منسيّون ".
- حدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى قال: أخبرنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، وحدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبدة، وأبو معاوية، وأبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {وأنّهم مفرطون} قال: " متروكون في النّار "
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن القاسم، عن مجاهدٍ: {مّفرطون} قال: " منسيّون "
- حدّثني عبد الوارث بن عبد الصّمد، قال: حدّثني أبي، عن الحسين، عن قتادة: " {وأنّهم مفرطون} يقول: مضاعون "
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا بدل، قال: حدّثنا عبّاد بن راشدٍ، قال: سمعت داود بن أبي هندٍ، في قول اللّه: {وأنّهم مفرطون} قال: " منسيّون في النّار ".
وقال آخرون: معنى ذلك معجّلون إلى النّار مقدّمون إليها وذهبوا في ذلك إلى قول العرب: أفرطنا فلانًا في طلب الماء، إذا قدّموه لإصلاح الدّلاء والأرشية وتسوية ما يحتاجون إليه عند ورودهم عليه، فهو مفرطٌ، فأمّا المتقدّم نفسه فهو فارطٌ، يقال: قد فرط فلانٌ أصحابه يفرطهم فرطًا وفروطًا: إذا تقدّمهم وجمع فارطٍ فرّاطٌ، ومنه قول القطاميّ:
واستعجلونا وكانوا من صحابتنا = كما تعجّل فرّاطٌ لورّاد
ومنه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " أنا فرطكم على الحوض ": أي متقدّمكم إليه وسابقكم " حتّى تردوه "
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: " {وأنّهم مفرطون} يقول: معجّلون إلى النّار "
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وأنّهم مفرطون} قال: " قد أفرطوا في النّار، أي معجّلون ".
وقال آخرون معنى ذلك: مبعدون في النّار
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أشعث السّمّان، عن الرّبيع، عن أبي بشرٍ، عن سعيدٍ: {وأنّهم مفرطون} قال: " مخسئون مبعدون "
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب القول الّذي اخترناه، وذلك أنّ الإفراط الّذي هو بمعنى التّقديم، إنّما يقال في من قدم مقدمًا لإصلاح ما يقدم إليه إلى وقت ورود من قدّمه عليه، وليس بمقدّم من قدّم إلى النّار من أهلها لإصلاح شيءٍ فيها لواردٍ يرد عليها فيها فيوافقه مصلحًا، وإنّما تقدّم من قدّم إليها لعذابٍ يعجّل له، فإذا كان ذلك معنى الإفراط الّذي هو تأويل التّعجيل ففسد أن يكون له وجهٌ في الصّحّة، صحّ المعنى الآخر وهو الإفراط الّذي بمعنى التّخليف والتّرك، وذلك أن يحكى عن العرب: ما أفرطت ورائي أحدًا: أي ما خلّفته، وما فرّطته: أي لم أخلّفه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المصرين الكوفة والبصرة: {وأنّهم مفرطون} بتخفيف الرّاء وفتحها، على معنى ما لم يسمّ فاعله، من أفرط فهو مفرطٌ، وقد بيّنت اختلاف قرأة ذلك كذلك في التّأويل.
وقرأه أبو جعفرٍ القارئ: ( وأنّهم مفرّطون ) بكسر الرّاء وتشديدها، بتأويل: أنّهم مفرّطون في أداء الواجب الّذي كان للّه عليهم في الدّنيا، من طاعته وحقوقه، مضيّعو ذلك، من قول اللّه تعالى: {يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه}.
وقرأ نافع بن أبي نعيمٍ: ( وأنّهم مفرطون ) بكسر الرّاء وتخفيفها.
حدّثني بذلك يونس، عن ورشٍ، عنه. بتأويل: أنّهم مفرطون في الذّنوب والمعاصي، مسرفون على أنفسهم مكثرون منها، من قولهم: أفرط فلانٌ في القول: إذا تجاوز حدّه، وأسرف فيه.
والّذي هو أولى القراءات في ذلك بالصّواب قراءة الّذين ذكرنا قراءتهم من أهل العراق لموافقتها تأويل أهل التّأويل الّذي ذكرنا قبل، وخروج القراءات الأخرى عن تأويلهم). [جامع البيان: 14/261-267]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وتصف ألسنتهم الكذب تقول ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى يقول كفار قريش لنا البنون ولله البنات). [تفسير مجاهد: 348]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأنهم مفرطون قال منسيون في النار). [تفسير مجاهد: 348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ويجعلون لله ما يكرهون} قال: يقول: تجعلون لي البنات وتكرهون ذلك لأنفسكم). [الدر المنثور: 9/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ويجعلون لله ما يكرهون} قال: وهن الجواري). [الدر المنثور: 9/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى} قال: قول كفار قريش لنا البنون ولله البنات). [الدر المنثور: 9/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وتصف ألسنتهم الكذب} أي يتكلمون بأن {لهم الحسنى} الغلمان). [الدر المنثور: 9/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: مسيئون). [الدر المنثور: 9/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: متروكون في النار ينسون فيها أبدا). [الدر المنثور: 9/67-68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: قد فرطوا في النار أي معجلين). [الدر المنثور: 9/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: معجل بهم إلى النار). [الدر المنثور: 9/68]
تفسير قوله تعالى: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تاللّه لقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك فزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فهو وليّهم اليوم ولهم عذابٌ أليمٌ}.
يقول تعالى ذكره مقسمًا بنفسه عزّ وجلّ لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واللّه يا محمّد لقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلى أممها بمثل ما أرسلناك إلى أمّتك، من الدّعاء إلى التّوحيد للّه، وإخلاص العبادة له، والإذعان له بالطّاعة، وخلع الأنداد والآلهة. {فزيّن لهم الشّيطان أعمالهم} يقول: فحسّن لهم الشّيطان ما كانوا عليه من الكفر باللّه وعبادة الأوثان مقيمين، حتّى كذّبوا رسلهم، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من عند ربّهم. {فهو وليّهم اليوم} يقول: فالشّيطان ناصرهم اليوم في الدّنيا، وبئس النّاصر. {ولهم عذابٌ أليمٌ} في الآخرة عند ورودهم على ربّهم، فلا ينفعهم حينئذٍ ولاية الشّيطان، ولا هي نفعتهم في الدّنيا بل ضرّتهم فيها وهي لهم في الآخرة أضرّ). [جامع البيان: 14/267-268]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه، وهدًى ورحمةً لقومٍ يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وما أنزلنا يا محمّد عليك كتابنا وبعثناك رسولاً إلى خلقنا إلاّ لتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من دين اللّه، فتعرّفهم الصّواب منه، والحقّ من الباطل، وتقيم عليهم بالصّواب منه حجّة اللّه الّتي بعثك بها.
وقوله: {وهدًى ورحمةً لقومٍ يؤمنون} يقول: وهدًى بيانًا من الضّلالة، يعني بذلك الكتاب، {ورحمةً لقومٍ يؤمنون} به، فيصدّقون بما فيه، ويقرّون بما تضمّن من أمر اللّه ونهيه، ويعملون به.
وعطف بالهدى على موضع " ليبيّن "، لأنّ موضعها نصبٌ، وإنّما معنى الكلام: وما أنزلنا عليك الكتاب إلاّ بيانًا للنّاس فيما اختلفوا فيه هدًى ورحمةً). [جامع البيان: 14/268-269]