تفسير قوله تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرًا للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةً ولدار الآخرة خيرٌ ولنعم دار المتّقين}.
يقول تعالى ذكره: وقيل للفريق الآخر الّذين هم أهل إيمانٍ وتقوى للّه: {ماذا أنزل ربّكم، قالوا خيرًا} يقول: قالوا: أنزل خيرًا.
وكان بعض أهل العربيّة من الكوفيّين يقول: إنّما اختلف الإعراب في قوله: {قالوا أساطير الأوّلين} وقوله: {خيرًا} والمسألة قبل الجوابين كليهما واحدةٌ، وهي قوله: {ماذا أنزل ربّكم} لأنّ الكفّار جحدوا التّنزيل، فقالوا حين سمعوه: أساطير الأوّلين، أي هذا الّذي جئت به أساطير الأوّلين ولم ينزّل اللّه منه شيئًا، وأمّا المؤمنون فصدّقوا التّنزيل، فقالوا: خيرًا، بمعنى أنّه أنزل خيرًا، فانتصب بوقوع الفعل من اللّه على الخير، فلهذا افترقا، ثمّ ابتدأ الخبر، فقال: {للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةً} وقد بيّنّا القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته
وقوله: {للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةً} يقول تعالى ذكره: للّذين آمنوا باللّه في هذه الدّنيا ورسوله، وأطاعوه فيها، ودعوا عباد اللّه إلى الإيمان والعمل بما أمر اللّه به {حسنةً} يقول: كرامةً من اللّه.
{ولدار الآخرة خيرٌ} يقول: ولدار الآخرة خيرٌ لهم من دار الدّنيا، وكرامة اللّه الّتي أعدّها لهم فيها أعظم من كرامته الّتي عجّلها لهم في الدّنيا.
{ولنعم دار المتّقين} يقول: ولنعم دار الّذين خافوا اللّه في الدّنيا فاتّقوا عقابه بأداء فرائضه، وتجنّب معاصيه، دار الآخرة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم، قالوا خيرًا، للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةً} وهؤلاء مؤمنون، فيقال لهم: {ماذا أنزل ربّكم} فيقولون {خيرًا، للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةً} أي آمنوا باللّه وأمروا بطاعة اللّه، وحثّوا أهل طاعة اللّه على الخير ودعوهم إليه "). [جامع البيان: 14/209-211]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 30 - 31.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وقيل للذين اتقوا} قال: هؤلاء المؤمنون يقال لهم: {ماذا أنزل ربكم} فيقولون {خيرا للذين أحسنوا} أي آمنوا بالله وكتبه وأمروا بطاعته وحثوا عباد الله على الخير ودعوهم إليه). [الدر المنثور: 9/43-44]
تفسير قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {جنّات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتّقين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {جنّات عدنٍ} بساتين للمقام، وقد بيّنّا اختلاف أهل التّأويل في معنى عدنٍ فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
{يدخلونها} يقول: يدخلون جنّات عدنٍ وفي رفع " جنّات " أوجهٍ ثلاثٌ: أحدها: أن يكون مرفوعًا على الابتداء، والآخر: بالعائد من الذّكر في قوله: " يدخلونها "، والثّالث: على أن يكون خبرًا لنعم، فيكون المعنى إذا جعلت خبرًا لنعم: ولنعم دار المتّقين جنّات عدنٍ، ويكون " يدخلونها " في موضع حالٍ، كما يقال: نعم الدّار دارٌ تسكنها أنت، وقد يجوز أن يكون إذا كان الكلام بهذا التّأويل " يدخلونها " من صلة " جنّات عدنٍ "
وقوله: {تجري من تحتها الأنهار}.
يقول: تجري من تحت أشجارها الأنهار {لهم فيها ما يشاءون} يقول: للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا في جنّات عدنٍ ما يشاءون ممّا تشتهي أنفسهم وتلذّ أعينهم. {كذلك يجزي اللّه المتّقين} يقول: كما يجزي اللّه هؤلاء الّذين أحسنوا في هذه الدّنيا بما وصف لكم أيّها النّاس أنّه جزاهم به في الدّنيا والآخرة، كذلك يجزي الّذين اتّقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه). [جامع البيان: 14/211-212]
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا حيوة، قال: أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال له: السلام عليك ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، ثم نزع بهذه الآية: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم} [سورة النحل: 32] ). [الزهد لابن المبارك: 2/286]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون}.
يقول تعالى ذكره: كذلك يجزي اللّه المتّقين الّذين تقبض أرواحهم ملائكة اللّه، وهم طيّبون بتطييب اللّه إيّاهم بنظافة الإيمان، وطهر الإسلام، في حال حياتهم وحال مماتهم، كما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، وحدّثني المثنّى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين} قال: " أحياءً وأمواتًا، قدّر اللّه ذلك لهم ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله
وقوله: {يقولون سلامٌ عليكم} يعني جلّ ثناؤه أنّ الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتّقين، وهي تقول لهم: سلامٌ عليكم، صيروا إلى الجنّة، بشارةً من اللّه تبشّرهم بها الملائكة، كما؛
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، أنّه سمع محمّد بن كعبٍ القرظيّ، يقول: " إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملكٌ فقال: السّلام عليك وليّ اللّه، اللّه يقرأ عليك السّلام، ثمّ نزع بهذه الآية: {الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين} إلى آخر الآية "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فسلامٌ لك من أصحاب اليمين}، قال: " الملائكة يأتونه بالسّلام من قبل اللّه، وتخبره أنّه من أصحاب اليمين "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا الأشيبّ أبو عليٍّ، عن أبي رجاءٍ، عن محمّد بن مالكٍ، عن البراء، قال: قوله: {سلامٌ قولاً من ربٍّ رحيمٍ}، قال: " يسلّم عليه عند الموت "
وقوله: {بما كنتم تعملون} يقول: بما كنتم تصيبون في الدّنيا أيّام حياتكم فيها طاعة اللّه طلب مرضاته). [جامع البيان: 14/212-214]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 32.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} قال: أحياء وأمواتا قدر الله ذلك لهم ). [الدر المنثور: 9/44]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مالك، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وأبو القاسم بن منده في كتاب الأحوال والبيهقي في شعب الإيمان عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا استقافت نفس العبد المؤمن جاءه الملك فقال: السلام عليك يا ولي الله الله يقرأ عليك السلام، ثم نزع بهذه الآية {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم} ). [الدر المنثور: 9/44]