تفسير قوله تعالى: (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ونبّئهم عن ضيف إبراهيم (51) إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا، قال إنّا منكم وجلون (52) قالوا لا توجل، إنّا نبشّرك بغلامٍ عليمٍ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وأخبر عبادي يا محمّد عن ضيف إبراهيم، يعني الملائكة الّذين دخلوا على إبراهيم خليل الرّحمن حين أرسلهم ربّهم إلى قوم لوطٍ ليهلكوهم). [جامع البيان: 14/82]
تفسير قوله تعالى: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({فقالوا سلامًا} يقول: فقال الضّيف لإبراهيم: سلامًا {قال إنّا منكم وجلون} يقول: قال إبراهيم: إنّا منكم خائفون.
وقد بيّنّا وجه النّصب في قوله: {سلامًا} وسبب وجل إبراهيم من ضيفه واختلاف المختلفين، ودلّلنا على الصّحيح من القول فيه فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأمّا قوله: {قالوا سلامًا} وهو يعني به الضّيف، فجمع الخبر عنهم وهم في لفظٍ واحدٍ، فإنّ الضّيف اسمٌ للواحد والاثنين والجمع مثل الوزن والقطر والعدل، فلذلك جمع خبره وهو لفظٌ واحدٌ). [جامع البيان: 14/82-83]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({توجل} [الحجر: 53] : «تخف»). [صحيح البخاري: 6/80]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لا توجل لا تخف دابر آخر تقدّم شرح الأوّل في قصّة إبراهيم وشرح الثّاني في قصّة لوطٍ من أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/380]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (توجل تخف
أشار به إلى قوله تعالى: {قالوا لا توجل إنّا نبشرك بغلام عليم} (الحجر: 53) وفسّر: توجل، بقوله: (تخف) وأصله لا توجل، وتفسيره: لا تخف، واشتقاقه من الوجل وهو الخوف. قوله: (قالوا) أي: قالت الملائكة لإبراهيم عليه السّلام {لا توجل} . إنّما قالوا ذلك حين دخلوا على إبراهيم، قال إبراهيم عليه السّلام: {إنّا منكم وجلون} أي: خائفون، ثمّ يشروه بغلام أتاه إيّاه على كبره وكبر امرأته وأراد بالغلام إسحاق. قوله: (عليم) ، أي: عليم بالدّين، وقيل: بالحكمة، وهذا الّذي ذكره البخاريّ لم يثبت في رواية أبي ذر). [عمدة القاري: 19/8]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (لا ({توجل}) أي لا (تخف) وكان خوفه من توقع مكروه حيث دخلوا بغير إذن في غير وقت الدخول). [إرشاد الساري: 7/192]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قالوا لا توجل} يقول: قال الضّيف لإبراهيم: {لا توجل}، لا تخف {إنّا نبشّرك بغلامٍ عليمٍ} ). [جامع البيان: 14/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 51 – 77
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة {قالوا لا توجل} قالوا لا تخف). [الدر المنثور: 8/632]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أبشّرتموني على أن مسّني الكبر، فبم تبشّرون}.
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة الّذين بشّروه بغلامٍ عليمٍ: {أبشّرتموني على أن مسّني الكبر، فبم تبشّرون} يقول: فبأيّ شيءٍ تبشّرون.
وكان مجاهدٌ يقول في ذلك ما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحرث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا اسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {قال أبشّرتموني على أن مسّني الكبر فبم تبشّرون} قال: " عجب من كبره وكبر امرأته ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال {على أن مسّني الكبر} ومعناه: لأن مسّني الكبر وبأن مسّني الكبر، وهو نحو قوله: {حقيقٌ على أن لا أقول على اللّه إلاّ الحقّ} بمعنى: بأن لا أقول، ويمثّله في الكلام: أتيتك أنّك تعطي، فلم أجدك تعطي). [جامع البيان: 14/83-84]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أبشرتموني على أن أمسي الكبر قال عجب من كبره وكبر امرأته). [تفسير مجاهد: 341-342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {فبم تبشرون} قال: عجب من كبره وكبر امرأته). [الدر المنثور: 8/632]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا بشّرناك بالحقّ فلا تكن من القانطين (55) قال ومن يقنط من رحمة ربّه إلاّ الضّالّون}.
يقول تعالى ذكره: قال ضيف إبراهيم له: بشّرناك بحقٍّ يقينٍ، وعلمٍ منّا بأنّ اللّه قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الّذين يقنطون من فضل اللّه فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشّرناك به واقبل البشرى.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {من القانطين} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {من القانطين} بالألف، وذكر عن يحيى بن وثّاب أنّه كان يقرأ ذلك: ( القنطين ).
والصّواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجّة على ذلك وشذوذ ما خالفه). [جامع البيان: 14/84]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {من القانطين} قال: الآيسين). [الدر المنثور: 8/632]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قال ومن يقنط من رحمة ربّه إلاّ الضّالّون}. يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للضّيف: ومن يأيس من رحمة اللّه إلاّ القوم الّذين قد أخطئوا سبيل الصّواب وتركوا قصد السّبيل في تركهم رجاء اللّه، ولا يخيب من رجاه، فضلّوا بذلك عن دين اللّه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ومن يقنط} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والكوفة: {ومن يقنط} بفتح النّون، إلاّ الأعمش، والكسائيّ فإنّهما كسرا النّون من يقنط.
فأمّا الّذين فتحوا النّون منه ممّن ذكرنا فإنّهم قرءوا: {من بعد ما قنطوا} بفتح القاف والنّون، وأمّا الأعمش فكان يقرأ ذلك: " من بعد ما قنطوا " بكسر النّون وكان الكسائيّ يقرؤه بفتح النّون، وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ الحرفين جميعًا على النّحو الّذي ذكرنا من قراءة الكسائيّ.
وأولى القراءات في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ: {من بعد ما قنطوا} بفتح النّون، " ومن يقنط " بكسر النّون، لإجماع الحجّة من القرّاء على فتحها في قوله: {من بعد ما قنطوا}، فكسرها في ( ومن يقنط ) أولى إذا كان مجمعًا على فتحها في " قنط " لأنّ فعل إذا كانت عين الفعل منها مفتوحةٌ ولم تكن من الحروف السّتّة الّتي هي حروف الحلق، فإنّها تكون في " يفعل " مكسورةً أو مضمومةً، فأمّا الفتح فلا يعرف أتى ذلك في كلام العرب). [جامع البيان: 14/85]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر من طريق الأعمش عن يحيى أنه قرأها فلا تكن من القنطين بغير ألف، قال: وقرأ {ومن يقنط من رحمة ربه} مفتوحة النون). [الدر المنثور: 8/632]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال: من ذهب يقنط الناس من رحمة الله أو يقنط نفسه قفد أخطأ ثم نزع بهذه الآية {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} ). [الدر المنثور: 8/632-633]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ومن يقنط من رحمة ربه} قال: من ييأس من رحمة ربه). [الدر المنثور: 8/633]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأحمد في الزهد عن موسى بن علي عن أبيه قال: بلغني أن نوحا عليه السلام قال لابنه سام: يا بني لا تدخلن القبر وفي قلبك مثقال ذرة من الشرك بالله فإنه من يأت الله عز وجل مشركا فلا حجة له، ويا بني لا تدخل القبر وفي قلبك مثقال ذرة من الكبر فإن الكبر رداء الله فمن ينازع الله رداءه يغضب الله عليه، ويا بني لا تدخلن القبر وفي قلبك مثقال ذرة من القنوط فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا ضال). [الدر المنثور: 8/633]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفاجر الراجي لرحمة الله أقرب من العابد القنط). [الدر المنثور: 8/633]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فما خطبكم أيّها المرسلون (57) قالوا إنّا أرسلنا إلى قومٍ مّجرمين (58) إلاّ آل لوطٍ إنّا لمنجّوهم أجمعين (59) إلاّ امرأته قدّرنا إنّها لمن الغابرين}.
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم؟ ما أمركم أيّها المرسلون؟ قالت الملائكة له: {إنّا أرسلنا إلى قومٍ مجرمين} يقول: إلى قومٍ قد اكتسبوا الكفر باللّه). [جامع البيان: 14/86]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فما خطبكم أيّها المرسلون (57) قالوا إنّا أرسلنا إلى قومٍ مّجرمين (58) إلاّ آل لوطٍ إنّا لمنجّوهم أجمعين (59) إلاّ امرأته قدّرنا إنّها لمن الغابرين}.
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم؟ ما أمركم أيّها المرسلون؟ قالت الملائكة له: {إنّا أرسلنا إلى قومٍ مجرمين} يقول: إلى قومٍ قد اكتسبوا الكفر باللّه). [جامع البيان: 14/86] (م)
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({إلاّ آل لوطٍ} يقول: إلاّ أتباع لوطٍ على ما هو عليه من الدّين، فإنّا لن نهلكهم، بل ننجيهم من العذاب الّذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوطٍ. سوى امرأة لوطٍ {قدّرنا إنّها لمن الغابرين}. يقول: قضى اللّه فيها إنّها لمن الباقين، ثمّ هي مهلكةٌ بعد، وقد بيّنّا الغابر فيما مضى بشواهده). [جامع البيان: 14/86]
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({إلاّ آل لوطٍ} يقول: إلاّ أتباع لوطٍ على ما هو عليه من الدّين، فإنّا لن نهلكهم، بل ننجيهم من العذاب الّذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوطٍ. سوى امرأة لوطٍ {قدّرنا إنّها لمن الغابرين}. يقول: قضى اللّه فيها إنّها لمن الباقين، ثمّ هي مهلكةٌ بعد، وقد بيّنّا الغابر فيما مضى بشواهده). [جامع البيان: 14/86] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن ابي حاتم عن إبراهيم النخعي قال: بيني وبين القدرية هذه الآية {إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين} ). [الدر المنثور: 8/634]