تفسير قوله تعالى: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا الحكم بن أبي عمر بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أو ذكر لي: أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، فقال الله: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب} [سورة غافر:49 - 50] فسألوا يومًا واحدًا يخفف عنهم فيه العذاب، فرد عليهم: {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} فردت عليهم الخزنة: {قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكًا وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: {يا مالك ليقض علينا ربك}[سورة الزخرف:77] قال: سألوا الموت، فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يومًا، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: {إنكم ماكثون}، فلما سمعوا منه ما سمعوا وأيسوا مما قاله، قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلم فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر، قال: فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} [سورة إبراهيم: 21- 22]، أي من منجى، قال: فقام إبليس عند ذلك فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} يقول: بمغن عنكم شيئًا {وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: فلما سمعوا مقالتهم مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} [سورة غافر: 10-12] إلى قوله: {فهل إلى خروج من سبيل} قال: فرد عليهم: {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} قال فهذه واحدة، قال: فنودوا الثانية: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنا موقنون}[سورة السجدة: 12] قال: فرد عليهم {ولو شئنا لآتينا كل نفسٍ هداها} يقول: لو شئت لهديت الناس جميعًا فلم يختلف منهم أحدٌ {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا}، يقول: بما تركتم أن تعملوا لي ليومكم هذا، {إنا نسيناكم} إنا تركناكم، {وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} هذه اثنتان، قال: فنادوا الثالثة {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [سورة إبراهيم: 45- 46] فرد عليهم: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}، قال: هذه الثالثة، قال: ثم نادوا الرابعة: {ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل} [سورة فاطر: 37] قال: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: { ألم تكن ءاياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} [سورة المؤمنون: 105-108]، قال: فلما سمعوا صوته قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك: {غلبت علينا شقوتنا} أي الكتاب الذي كتب علينا، {وكنا قومًا ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون}فقال عند ذلك: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجه بعض، فأطبقت عليهم.
قال: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه ذكر له أن ذلك قوله: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [سورة المرسلات: 35- 36] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 590-592]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني مالك عن زيد بن أسلم في قول الله: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ}، قال زيد: إنهم صبروا مائة عامٍ، ثم بكوا مائة عامٍ، ثم قالوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ}). [الجامع في علوم القرآن: 2/136]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({لكم تبعًا} [إبراهيم: 21] : «واحدها تابعٌ مثل غيبٍ وغائبٍ»). [صحيح البخاري: 6/79]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لكم تبعًا واحدها تابعٌ مثل غيبٍ وغائبٍ هو قول أبي عبيدة أيضًا وغيب بفتح الغين المعجمة والتّحتانيّة بعدها موحّدةٌ). [فتح الباري: 8/377]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لكم تبعاً واحدها تابعٌ مثل غيبٍ وغائبٍ
أشار به إلى قوله تعالى: {إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء} (إبراهيم: 21) التبع جمع تابع كخدم جمع خادم ومثله البخاريّ بقوله مثل غيب بفتحتين جمع غائب وقيل معناه إنّا كنّا لكم ذوي تبع). [عمدة القاري: 19/3-4]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: ({إنا كنا لكم تبعًا}) قال أبو عبيدة: (واحدها تابع مثل غيب وغائب) وخدم وخادم أي يقول الضعفاء للذين استكبروا أي لرؤسائهم الذين استتبعوهم إنّا كنا لكم تبعًا في التكذيب للرسل والإعراض عنهم). [إرشاد الساري: 7/188]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبرزوا للّه جميعًا، فقال الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعًا، فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شيءٍ، قالوا لو هدانا اللّه لهديناكم، سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وبرزوا للّه جميعًا} وظهر هؤلاء الّذين كفروا به يوم القيامة من قبورهم فصاروا بالبراز من الأرض جميعًا، يعني كلّهم {فقال الضّعفاء للّذين استكبروا} يقول: فقال التّبّاع منهم للمتبوعين، وهم الّذين كانوا يستكبرون في الدّنيا عن إخلاص العبادة للّه واتّباع الرّسل الّذين أرسلوا إليهم: {إنّا كنّا لكم تبعًا} في الدّنيا.
والتّبع: جمع تابعٍ، كما الغيب جمع غائبٍ، وإنّما عنوا بقولهم: {إنّا كنّا لكم تبعًا} أنّهم كانوا أتباعهم في الدّنيا، يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر باللّه، وينتهون عمّا نهوهم عنه من اتّباع رسل اللّه، {فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شيءٍ} يعنون: فهل أنتم دافعون عنّا اليوم من عذاب اللّه من شيءٍ، وكان ابن جريجٍ يقول نحو ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {فقال الضّعفاء} قال: " الأتباع {للّذين استكبروا} قال: " للقادة "
قوله: {لو هدانا اللّه لهديناكم} يقول عزّ ذكره: قالت القادة على الكفر باللّه لتبّاعها: {لو هدانا اللّه} يعنون: لو بيّن لنا شيئًا ندفع به عذابه عنّا اليوم، {لهديناكم} لبيّنّا ذلك لكم حتّى تدفعوا العذاب عن أنفسكم، ولكنّا قد جزعنا من العذاب، فلم ينفعنا جزعنا منه وصبرنا عليه، {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} يعنون: ما لهم من مراغٍ يروغون عنه، يقال منه: حاص عن كذا إذا راغ عنه يحيص حيصًا وحيوصًا وحيصانًا
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحكم، عن عمر بن أبي ليلى، أحد بني عامرٍ، قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، يقول: " بلغني أو ذكر لي أنّ " أهل النّار قال بعضهم لبعضٍ: يا هؤلاء، إنّه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون، فهلمّ فلنصبر، فلعلّ الصّبر ينفعنا كما صبر أهل الدّنيا على طاعة اللّه فنفعهم الصّبر إذ صبروا قال: فاجمعوا رأيهم على الصّبر، قال: فتصبروا فطال صبرهم، ثمّ جزعوا فنادوا: {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} أي منجًى "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} قال: " إنّ " أهل النّار قال بعضهم لبعضٍ: تعالوا، فإنّما أدرك أهل الجنّة الجنّة ببكائهم وتضرّعهم إلى اللّه، فتعالوا نبكي ونتضرّع إلى اللّه قال: فبكوا، فلمّا رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا، فما أدرك أهل الجنّة الجنّة إلاّ بالصّبر، تعالوا نصبر فصبروا صبرًا لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك فعند ذلك قالوا {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} "). [جامع البيان: 13/625-628]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا} [إبراهيم: 21].
- عن كعب بن مالكٍ رفعه إلى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فيما أحسب - «في قوله تعالى: {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ} [إبراهيم: 21] قال: " يقول أهل النّار هلمّوا فلنصبر ". قال: " فصبروا خمسمائة عامٍ، فلمّا رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: هلمّوا فلنجزع ". قال: " فيبكون خمسمائة عامٍ، فلمّا رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيصٍ} [إبراهيم: 21]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه أنس بن أبي القاسم، هكذا هو في الطّبرانيّ، وقد ذكر الذّهبيّ في الميزان أنس بن القاسم وهو أنس بن أبي نميرٍ، ذكره ابن أبي حاتمٍ روى عن كعب الأحبار، وليس كذلك، وإنّما قال ابن أبي حاتمٍ: إنّه روى عن أبيّ بن كعبٍ روى عن الفريابيّ سمعت أبي يقول ذلك.
قلت: وليس كذلك؛ لأنّ محمّد بن يوسف الفريابيّ لم يرو عن أحدٍ من أصحاب أبيّ بن كعبٍ.
والصّواب ما هو في الطّبرانيّ، أنّه روى عن ابن كعب بن مالكٍ، وروى عنه الفريابيّ، واللّه أعلم. وقد ذكر ابن حبّان: أنسٌ أبو القاسم في هذه الطّبقة طبقة أتباع التّابعين - فاللّه أعلم - وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/43-44]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية - 21.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج - رضي الله عنه - في قوله: {فقال الضعفاء} قال: الأتباع {للذين استكبروا} قال: للقادة). [الدر المنثور: 8/505-506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم - رضي الله عنه - في قوله: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} قال: جزعوا مئة سنة وصبروا مئة سنة). [الدر المنثور: 8/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد - رضي الله عنه - في الآية قال: إن أهل النار قال بعضهم لبعض: تعالوا نبك ونتضرع إلى الله تعالى فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله، فبكوا فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا نصبر فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر، فصبروا صبرا لم ير مثله فلما ينفعهم ذلك، فعند ذلك قالوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}). [الدر المنثور: 8/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - رفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما أحسب في قوله: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} قال: يقول أهل النار: هلموا فلنصبر فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: هلموا فلنجزع، فيبكون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}). [الدر المنثور: 8/506]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا رشدين بن سعد، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زياد، عن دخين الحجري، عن عقبة بن عامر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الحديث، فيقول عيسى: أدلكم على النبي الأمي، فيأتوني، فيأذن الله لي أن أقوم، فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحدٌ حتى آتي ربي، فيشفعني، ويجعل لي نورًا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ثم يقول الكافر: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ فيقولون: ما هو غير إبليس، هو الذي أضلنا، فيأتونه، فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فقم أنت فاشفع لنا، فإنك أضللتنا، فيقوم فيثور من مجلسه أنتن ريح شمها أحد، ثم يعظم لجهنم، ويقول عند ذلك: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} الآية [سورة إبراهيم: 22] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 747-748]
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا الحكم بن أبي عمر بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أو ذكر لي: أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، فقال الله: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب} [سورة غافر:49 - 50] فسألوا يومًا واحدًا يخفف عنهم فيه العذاب، فرد عليهم: {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} فردت عليهم الخزنة: {قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكًا وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: {يا مالك ليقض علينا ربك}[سورة الزخرف:77] قال: سألوا الموت، فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يومًا، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: {إنكم ماكثون}، فلما سمعوا منه ما سمعوا وأيسوا مما قاله، قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلم فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر، قال: فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} [سورة إبراهيم: 21- 22]، أي من منجى، قال: فقام إبليس عند ذلك فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} يقول: بمغن عنكم شيئًا {وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: فلما سمعوا مقالتهم مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} [سورة غافر: 10-12] إلى قوله: {فهل إلى خروج من سبيل} قال: فرد عليهم: {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} قال فهذه واحدة، قال: فنودوا الثانية: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنا موقنون}[سورة السجدة: 12] قال: فرد عليهم {ولو شئنا لآتينا كل نفسٍ هداها} يقول: لو شئت لهديت الناس جميعًا فلم يختلف منهم أحدٌ {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا}، يقول: بما تركتم أن تعملوا لي ليومكم هذا، {إنا نسيناكم} إنا تركناكم، {وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} هذه اثنتان، قال: فنادوا الثالثة {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [سورة إبراهيم: 45- 46] فرد عليهم: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}، قال: هذه الثالثة، قال: ثم نادوا الرابعة: {ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل} [سورة فاطر: 37] قال: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: { ألم تكن ءاياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} [سورة المؤمنون: 105-108]، قال: فلما سمعوا صوته قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك: {غلبت علينا شقوتنا} أي الكتاب الذي كتب علينا، {وكنا قومًا ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون}فقال عند ذلك: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجه بعض، فأطبقت عليهم.
قال: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه ذكر له أن ذلك قوله: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [سورة المرسلات: 35- 36] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 590-592](م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة ما أنا بمصرخكم قال ما أنا بمغيثكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/341]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({بمصرخكم} [إبراهيم: 22] : «استصرخني استغاثني» ، {يستصرخه} [القصص: 18] : «من الصّراخ»). [صحيح البخاري: 6/79]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله بمصرخكم استصرخني استغاثني يستصرخه من الصّراخ سقط هذا لأبي ذرٍّ قال أبو عبيدة ما أنا بمصرخكم أي ما أنا بمغيثكم ويقال استصرخني فأصرخته أي استغاثني فأغثته). [فتح الباري: 8/377]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بمصرخكم استصرخني استغاثني يستصرخه من الصّراخ
أشار به إلى قوله: {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} (إبراهيم: 22) وهذا لم يثبت إلاّ في رواية أبي ذر، قوله: ما أنا بمصرخكم. أي: ما أنا بمغيثكم. قال أبو عبيدة، وقال الزّمخشريّ: ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي لا ينجي بعضنا بعضًا من عذاب الله ولا يغيثه، والإصراخ الإغاثة، وقرىء بمصرخي، بكسر الياء وهي ضعيفة. قلت: القراءة الصّحيحة فتح الياء وهو الأصل، وقرأ حمزة بكسر الياء، وقال الزّجاج: هي عند جميع النّحويين ضعيفة لا وجه لها إلاّ وجه ضعيف، وهو ما أجازه الفراء من الكسر على الأصل لالتقاء الساكنين.
قوله: (استصرخني) وقيل استصرخني فلان، أي: استغاثني، فأصرخته أي أغثته. قوله: (يستصرخه) معناه يصيح به، فلذا قال: (من الصّراخ) بالخاء المعجمة وهو الصّوت). [عمدة القاري: 19/4]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: ({ما أنا بمصرخكم}) يقال: (استصرخني) أي (استغاثني) فكان همزته للسلب أي أزال صراخي (يستصرخه من الصراخ) والمعنى ما أنا بمغيثكم من العذاب وسقط لأبي ذر قوله: بمصرخكم الخ). [إرشاد الساري: 7/188]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ، إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل، إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: وقال إبليس لمّا قضي الأمر، يعني لمّا أدخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار واستقرّ بكلّ فريقٍ منهم قرارهم: إنّ اللّه وعدكم أيّها الأتباع النّار، ووعدتكم النّصرة فأخلفتكم وعدي، ووفّى اللّه لكم بوعده {وما كان لي عليكم من سلطانٍ} يقول: وما كان لي عليكم فيما وعدتكم من النّصرة من حجّةٍ تثبت لي عليكم بصدق قولي؛ {إلاّ أن دعوتكم} وهذا الاستثناء المنقطع عن الأوّل كما تقول: ما ضربته إلاّ أنّه أحمق، ومعناه: ولكن دعوتكم {فاستجبتم لي} يقول: إلاّ أن دعوتكم إلى طاعتي ومعصية اللّه، فاستجبتم لدعائي {فلا تلوموني} على إجابتكم إيّاي ولوموا أنفسكم} عليها {ما أنا بمصرخكم} يقول: ما أنا بمغيثكم {وما أنتم بمصرخيّ} ولا أنتم بمغيثيّ من عذاب اللّه فمنجّيّ منه {إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} يقول: إنّي جحدت أن أكون شريكًا للّه فيما أشركتموني فيه من عبادتكم من قبل في الدّنيا {إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} يقول: إنّ الكافرين باللّه لهم عذابٌ أليمٌ من اللّه موجعٌ.
يقال: أصرخت الرّجل: إذا أغثته إصراخًا، وقد صرخ الصّارخ يصرخ، ويصرخ قليلةٌ وهو الصّريخ والصّراخ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، في هذه الآية: {ما أنا بمصرخكم، وما أنتم بمصرخيّ، إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: " خطيبان يقومان يوم القيامة: إبليس، وعيسى ابن مريم، فأمّا إبليس فيقوم في حزبه فيقول هذا القول، وأمّا عيسى عليه السّلام فيقول: {ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به، أن اعبدوا اللّه ربّي وربّكم، وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم، فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم، وأنت على كلّ شيءٍ شهيدٌ} "
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن الشّعبيّ قال: " يقوم خطيبان يوم القيامة: أحدهما عيسى، والآخر إبليس، فأمّا إبليس فيقوم في حزبه فيقول: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ} فتلا داود حتّى بلغ: {بما أشركتمون من قبل} فلا أدري أتمّ الآية أم لا؟ وأمّا عيسى عليه السّلام فيقال له: {أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه} فتلا حتّى بلغ: {إنّك أنت العزيز الحكيم} "
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ قال: حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عامرٍ قال: " يقوم خطيبان يوم القيامة على رءوس النّاس، يقول اللّه عزّ وجلّ: يا عيسى ابن مريم {أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه} إلى قوله: {هذا يومٌ ينفع الصّادقين صدقهم} قال: " ويقوم إبليس فيقول: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلاّ أن دعوتكم، فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ} ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثيّ "
- حدّثنا الحسين قال: حدّثنا سعيد بن منصورٍ قال: حدّثني خالدٌ، عن داود، عن الشّعبيّ في قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ} قال: " خطيبان يقومان يوم القيامة، فأمّا إبليس فيقول هذا، وأما عيسى فيقول: {ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به} "
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، قال: أخبرني عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن دخينٍ الحجريّ، عن عقبة بن عامرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ذكر الحديث قال: " يقول عيسى: ذلكم النّبيّ الأمّيّ فيأتونني، فيأذن اللّه لي أن أقوم فيثور من مجلسي من أطيب ريحٍ شمّها أحدٌ حتّى آتي ربّي، فيشفّعني، ويجعل لي نورًا إلى نورٍ من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ثمّ يقول الكافر: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فقم أنت فاشفع لنا، فإنّك أنت أضللتنا، فيقوم فيثور مجلسه أنتن ريحٍ شمّها أحدٌ، ثمّ يعظم لجهنم، ويقول عند ذلك: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ، ووعدتكم فأخلفتكم} الآية " "
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الحسن، في قوله: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ} قال: " إذا كان يوم القيامة، قام إبليس خطيبًا على منبرٍ من نارٍ، فقال: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {وما أنتم بمصرخيّ} قال: " بناصريّ؛ {إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: " بطاعتكم إيّاي في الدّنيا "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عمّن ذكره قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال في قوله: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ} قال: " قام إبليس يخطبهم فقال: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم} يقول: بمغنٍ عنكم شيئًا، {وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: " فلمّا سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قالا: فنودوا: {لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم} الآية "
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما أنا بمصرخكم، وما أنتم بمصرخيّ} ما أنا بمغيثكم، وما أنتم بمغيثيّ "
وقوله: {إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} يقول: عصيت اللّه قبلكم
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما أنا بمصرخكم، وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: " هذا قول إبليس يوم القيامة، يقول: ما أنتم بنافعيّ وما أنا بنافعكم، إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل قال: شركته: عبادته "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى،
- وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {بمصرخيّ} قال: " بمغيثيّ ".
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ قال: حدّثنا شبابة قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: " ما أنا بمنجيكم، وما أنتم بمنجيّ "
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ قال: " خطيب السّوء الصّادق إبليس، أفرأيتم صادقًا لم ينفعه صدقه {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطانٍ} أقهركم به، {إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي} قال: " أطعتموني، {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} حين أطعتموني، {ما أنا بمصرخكم} ما أنا بناصركم ولا مغيثكم، {وما أنتم بمصرخيّ}: وما أنتم بناصريّ ولا مغيثيّ لما بي، {إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل، إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} "
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن الحكم، عن عمرو بن أبي ليلى أحد بني عامرٍ قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، يقول: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر} قال: " قام إبليس عند ذلك، يعني حين قال أهل جهنّم: {سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} فخطب فقال: {إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ، ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم} يقول: بمغنٍ عنكم شيئًا، {وما أنتم بمصرخيّ، إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: " فلمّا سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: {لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم} "). [جامع البيان: 13/628-633]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ما أنا بمصرخكم أي بمغيثكم وما أنتم بمصرخي أي بمغيثي). [تفسير مجاهد: 334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية - 22
أخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر بسند ضعيف عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذاجمع الله الأولين والآخرين وقضى بينهم وفرغ من القضاء يقول المؤمنون: قد قضى بيننا ربنا وفرغ من القضاء فمن يشفع لنا إلى ربنا فيقولون: آدم خلقه الله بيده وكلمه، فيأتونه فيقولون: قد قضى ربنا وفرغ من القضاء قم أنت فاشفع إلى ربنا، فيقول: ائتوا نوحا فيأتون نوحا عليه السلام فيدلهم على إبراهيم عليه السلام فيأتون إبراهيم عليه السلام فيدلهم على موسى عليه السلام فيأتون موسى عليه السلام فيدلهم على عيسى عليه السلام فيأتون عيسى عليه السلام فيقول: أدلكم على العربي الأمي فيأتوني فيأذن الله لي أن أقوم إليه فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد قط، حتى آتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي، ويقول الكافرون عند ذلك: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ما هو إلا إبليس، فهو الذي أضلنا، فيأتون إبليس فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا، فيقوم إبليس فيثور مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط ثم يعظم لجهنم ويقول عند ذلك {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم}، الآية). [الدر المنثور: 8/506-507]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي - رضي الله عنه - في قوله: {وقال الشيطان لما قضي الأمر} الآية، قال إبليس يخطبهم فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم} يقول: بمغن عنهم شيئا {وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودوا (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) (سورة غافر 10) الآية). [الدر المنثور: 8/507-508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن - رضي الله عنه - قال إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيبا على منبر من نار فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق} إلى قوله: {وما أنتم بمصرخي} قال: بناصري {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: بطاعتكم إياي في الدنيا). [الدر المنثور: 8/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي - رضي الله عنه - في هذه الآية قال: خطيبان يقومان يوم القيامة إبليس وعيسى بن مريم فأما إبليس فيقوم في حزبه فيقول هذا القول.
وأمّا عيسى عليه السلام فيقول: (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)، (سورة المائدة آية 117) ). [الدر المنثور: 8/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن من الناس من يذلله الشيطان كما يذلل أحدكم قعوده من الأبل). [الدر المنثور: 8/508]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي اله عنه - في قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} قال: ما أنا بنافعكم وما أنتم بنافعي {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: شركة عبادته). [الدر المنثور: 8/508-509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: {ما أنا بمصرخكم} قال: ما أنا بمغيثكم). [الدر المنثور: 8/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله: {بمصرخي} قال: بمغيثي). [الدر المنثور: 8/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله: {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} يقول: عصيت الله فيكم). [الدر المنثور: 8/509]
تفسير قوله تعالى: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها بإذن ربّهم، تحيّتهم فيها سلامٌ (23) ألم تر كيف ضرب اللّه مثلاً كلمةً طيّبةً كشجرةٍ طيّبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السّماء (24) تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها، ويضرب اللّه الأمثال للنّاس لعلّهم يتذكّرون}.
يقول عزّ ذكره: وأدخل الّذين صدقوا اللّه ورسوله فأقرّوا بوحدانيّة اللّه وبرسالة رسله وأنّ ما جاءت به من عند اللّه حقٌّ، {وعملوا الصّالحات} يقول: وعملوا بطاعة اللّه فانتهوا إلى أمر اللّه ونهيه، {جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} بساتين تجري من تحتها الأنهار، {خالدين فيها} يقول: ماكثين فيها ابدا.{بإذن ربّهم} يقول: ادخلوها بأمر اللّه لهم بالدّخول {تحيّتهم فيها سلامٌ} وذلك إن شاء اللّه، كما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قوله: {تحيّتهم فيها سلامٌ} قال: " الملائكة يسلّمون عليهم في الجنّة "). [جامع البيان: 13/634]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا محمّد بن أحمد بن أنسٍ القرشيّ، ثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا عبد اللّه بن واقدٍ، حدّثني محمّد بن مالكٍ، عن البراء بن عازبٍ رضي اللّه عنه، " {تحيّتهم يوم يلقونه سلامٌ} [الأحزاب: 44] قال: يوم يلقون ملك الموت ليس من مؤمنٍ يقبض روحه إلّا سلّم عليه «هذا حديثٌ صحيحٌ الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/383]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية - 23.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج - رضي الله عنه - في قوله: {تحيتهم فيها سلام} قال: الملائكة يسلمون عليهم في الجنة). [الدر المنثور: 8/509]