تفسير قوله تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل من ربّ السّموات والأرض قل اللّه، قل أفاتّخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، قل هل يستوي الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظّلمات والنّور، أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، قل اللّه خالق كلّ شيءٍ، وهو الواحد القهّار}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين باللّه: من ربّ السّموات والأرض ومدبّرها، فإنّهم سيقولون اللّه، وأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول: اللّه، فقال له: قل يا محمّد: ربّها الّذي خلقها وأنشأها، هو الّذي لا تصلح العبادة إلاّ له، وهو اللّه، ثمّ قال: فإذا أجابوك بذلك فقل لهم: أفاتّخذتم من دون ربّ السّموات والأرض أولياء لا تملك لأنفسها نفعًا تجلبه إلى نفسها، ولا ضرًّا تدفعه عنها، وهي إذ لم تملك ذلك لأنفسها، فمن ملكه لغيرها أبعد، فعبدتموها وتركتم عبادة من بيده النّفع، والضّر، والحياة، والموت، وتدبير الأشياء كلّها، ثمّ ضرب لهم جلّ ثناؤه مثلاً، فقال: {قل هل يستوي الأعمى والبصير}
القول في تأويل قوله تعالى: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهّار}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذين عبدوا من دون اللّه الّذي بيده نفعهم وضرّهم ما لا ينفع ولا يضرّ: هل يستوي الأعمى الّذي لا يبصر شيئًا، ولا يهتدي لمحجّةٍ يسلكها إلاّ بأن يهدى، والبصير الّذي يهدي الأعمى لمحجّة الطّريق الّذي لا يبصر؟ إنّهما لا شكّ لغير مستويين يقول: فكذلك لا يستوي المؤمن الّذي يبصر الحقّ فيتّبعه، ويعرف الهدى فيسلكه؛ وأنتم أيّها المشركون الّذين لا تعرفون حقًّا، ولا تبصرون رشدًا
وقوله: {أم هل تستوي الظّلمات والنّور} يقول تعالى ذكره: وهل تستوي الظّلمات الّتي لا ترى فيها المحجّة فتسلك ولا يرى فيها السّبيل فيركب، والنّور الّذي يبصر به الأشياء ويجلو ضوءه الظّلام؟ يقول: إنّ هذين لا شكّ لغير مستويين، فكذلك الكفر باللّه، إنّما صاحبه منه في حيرةٍ يضرب أبدًا في غمرةٍ لا يرجع منه إلى حقيقةٍ، والإيمان باللّه صاحبه منه في ضياءٍ يعمل على علمٍ بربّه، ومعرفةٍ منه بأنّ له مثيبًا يثيبه على إحسانه، ومعاقبًا يعاقبه على إساءته، ورازقًا يرزقه، ونافعًا ينفعه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظّلمات والنّور} أمّا الأعمى والبصير فالكافر والمؤمن؛ وأمّا الظّلمات والنّور فالهدى والضّلالة.
وقوله: {أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين: أخلق أوثانكم الّتي اتّخذتموها أولياء من دون اللّه كخلق اللّه، فاشتبه عليكم أمرها فيما خلقت وخلق اللّه، فجعلتموها له شركاء من أجل ذلك، أم إنّما بكم الجهل والذّهاب عن الصّواب؟ فإنّه لا يشكل على ذي عقلٍ أنّ عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع من الفعل جهلٌ، وأنّ العبادة إنّما تصلح للّذي يرجى نفعه، ويخشى ضرّه، كما أنّ ذلك غير مشكلٍ خطؤه وجهل فاعله، كذلك لا يشكل جهل من أشرك في عبادة من يرزقه ويكفله ويمونه من لا يقدر له على ضررٍ ولا نفعٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه} حملهم ذلك على أن شكّوا في الأوثان.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} خلقوا كخلقه، فحملهم ذلك على أن شكّوا في الأوثان.
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ قال: حدّثنا شبابة قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن كثيرٍ: سمعت مجاهدًا، يقول: {أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} ضربت مثلاً
وقوله: {قل اللّه خالق كلّ شيءٍ} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء المشركين إذا أقرّوا لك أنّ أوثانهم الّتي أشركوها في عبادة اللّه لا تخلق شيئًا، فاللّه خالقكم وخالق أوثانكم وخلق كلّ شيءٍ، فما وجه إشراككم ما لا تخلق ولا تضرّ
وقوله: {وهو الواحد القهّار} يقول: وهو الفرد الّذي لا ثاني له، القهّار الّذي يستحقّ الألوهة والعبادة، لا الأصنام والأوثان الّتي لا تضرّ ولا تنفع). [جامع البيان: 13/493-496]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم يقول حملهم ذلك على أن يشكوا في الأوثان). [تفسير مجاهد: 327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 16
أخرج ابن مردويه عن أنس - رضي الله عنه - قال: قالوا يا رسول الله إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره فنخاف أن يكون ذلك النفاق، قال: كيف أنتم وربكم قالوا: الله ربنا في السر والعلانية، قال: كيف أنتم ونبيكم قالوا: أنت نبينا في السر والعلانية، قال: ليس ذاكم بالنفاق). [الدر المنثور: 8/416]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله {هل يستوي الأعمى والبصير} قال: المؤمن والكافر). [الدر المنثور: 8/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد - رضي الله عنه - {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} قال: أما الأعمى والبصير فالكافر والمؤمن.
وأمّا الظلمات والنور فالهدى والضلال). [الدر المنثور: 8/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} قال: {خلقوا كخلقه} فحملهم ذلك على أن شكوا في الأوثان). [الدر المنثور: 8/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه} قال: ضربت مثلا). [الدر المنثور: 8/417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن جريج - رضي الله عنه - في قوله تعالى {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه} قال: فأخبرني ليث بن أبي سليم عن ابن محمد عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر إما حضر ذلك حذيفة من النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وإما حدثه إياه أبو بكر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، قال أبو بكر: يا رسول الله وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله أو ما دعي مع الله، قال: ثكلتك أمك، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ألا أخبرك بقول يذهب صغاره وكباره أو قال: لصغيره وكبيره قال: بلى، قال: تقول كل يوم ثلاث مرات، اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم، والشرك أن تقول أعطاني الله وفلان والند أن يقول الإنسان: لولا فلان قتلني فلان). [الدر المنثور: 8/417-418]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا بكر للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل فقال أبو بكر - رضي الله عنه - وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب قليله وكثيره قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم). [الدر المنثور: 8/418]
تفسير قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فسالت أودية بقدرها قال الكبير بقدره والصغير بقدره). [تفسير عبد الرزاق: 1/334]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فاحتمل السيل زبدا رابيا قال ربا فوق الماء الزبد قال ومما يوقدون عليه في النار قال هو الذهب إذا أدخل النار بقي صفوه وذهب ما كان من كدر فهذا مثل ضربه الله للحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء قال يتعلق بالشجر فلا يكون شيئا فهذا مثل الباطل وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض فهذا يخرج البنات وهو مثل الحق). [تفسير عبد الرزاق: 1/334-335]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى أو متاع زبد مثله قال المتاع الصفر والحديد). [تفسير عبد الرزاق: 1/335]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({رابيًا} [الرعد: 17] : «من ربا يربو» ، {أو متاعٍ زبدٌ مثله} [الرعد: 17] : «المتاع ما تمتّعت به» ، {جفاءً} [الرعد: 17] : «يقال أجفأت القدر، إذا غلت فعلاها الزّبد، ثمّ تسكن فيذهب الزّبد بلا منفعةٍ، فكذلك يميّز الحقّ من الباطل»). [صحيح البخاري: 6/78]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله رابيًا من ربا يربو قال أبو عبيدة في قوله فاحتمل السّيل زبدا رابيا من ربا يربو أي ينتفخ وسيأتي تفسير قتادة قريبًا قوله أو متاعٍ زبدٌ مثله المتاع ما تمتّعت به هو قول أبي عبيدة أيضًا وسيأتي تفسير مجاهدٍ لذلك قريبًا قوله جفاءً يقال أجفأت القدر إذا غلت فعلاها الزّبد ثمّ تسكن فيذهب الزّبد بلا منفعةٍ فكذلك يميّز الحقّ من الباطل قال أبو عبيدة في قوله فأمّا الزّبد فيذهب جفاء قال أبو عمرو بن العلاء يقال أجفأت القدر وذلك إذا غلت وانتصب زبدها فإذا سكنت لم يبق منه شيءٌ ونقل الطّبريّ عن بعض أهل اللّغة من البصريّين أنّ معنى قوله فيذهب جفاء تنشفه الأرض يقال جفا الوادي وأجفى في معنى نشف وقرأ رؤبة بن العجّاج فيذهب جفالًا باللّام بدل الهمزة وهي من أجفلت الرّيح الغيم إذا قطعته). [فتح الباري: 8/372-373]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (رابيا من ربا يربو
أشار به إلى قوله عز وجل: {أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السّيل زبدا رابيا} (الرّعد: 17) وأشار بقوله: (رابيا) إلى أن اشتقاق رابيا: من ربًّا يربو من باب فعل يفعل أي: انتفخ. قاله أبو عبيدة، وفي التّفسير: رابيا عاليا مرتفعا فوق الماء.
أو متاعٍ زبدٌ والمتاع ما تمتّعت به
أشار به إلى قوله تعالى: {وممّا توقدون عليه في النّار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله} (الرّعد: 17) وفسّر بقوله: (والمتاع ما تمتعت به) قوله: (ابتغاء حلية) أي: لأجل ابتغاء أي طلب حلية، أي: زينة أو متاع، وأردبه جواهر الأرض من الذّهب والفضّة والحديد والصفر والنحاس والرصاص يذاب فتتخذ منه الأشياء ممّا ينتفع به من الحليّ والأواني وغيرهما. قوله: (زبد مثله) أي: له زبد إذا أذيب مثل الحق والزبد الّذي لا يبقى ولا ينتفع به مثل الباطل.
جفاءً أجفأت القدر إذا غلت فعلاها الزّبد ثمّ تسكن فيذهب الزّبد بلا منفعةٍ فكذلك يميّز الحقّ من الباطل
أشار به إلى قوله تعالى: {فأما الزّبد فيذهب جفاء} وفشر الجفاء بقوله: (أجفأت القدر) إلى آخره، وقال أبو عمرو بن العلاء: يقال: أجفأت القدر، وذلك إذا غلت وانصب زبدها، فإذا سكنت لم يبق منه شيءٍ، ونقل الطّبريّ عن بعض أهل اللّغة أن معنى قوله: (فيذهب جفاء) تنشفه الأرض، يقال: جفأ الوادي وأجفأ بمعنى نشف قوله: (فكذلك يميّز الحق من الباطل) في الحقيقة إشارة إلى قوله تعالى في أثناء الآيات المذكورة كذلك يضرب الله الحق والباطل. وأوضح ذلك بقوله: (فأما الزّبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض) ومعنى قول البخاريّ: فكذلك، أي: فكما ميز الله الزّبد الّذي يبقى من الّذي لا يبقى ولا ينتفع به، ميز الحق الّذي يبقى ويستمر من الباطل الّذي لا أصل له ولا يبقى). [عمدة القاري: 18/310-311]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {فاحتمل السيل زبدًا} ({رابيًا}) [الرعد: 17] (من ربا يربو) أي إذا زاد وقال الزجاج: طافيًا فوق الماء والزبد وضر الغليان وخبثه أو ما يحمله السيل من غثاء ونحوه.
({أو متاع زبد} مثله المتاع ما تمتعت به) كالأواني وآلات الحرث والحرب.
({جفاء}) قال أبو عمرو بن العلاء (أجفأت القدر) ولأبي ذر يقال أجفأت القدر (إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك يميز الحق من الباطل) وذلك أن هذا الكلام ضربه للحق وأهله الشامل للقرآن وغيره والباطل وحزبه فقوله: {أنزل من السماء ماء} مثل للقرآن والأودية مثل للقولب أي أنزل القرآن فاحتملت منه القلوب على قدر اليقين فالقلب الذي يأخذ منه ما ينتفع به فيحفظه ويتدبره تظهر عليه ثمرته ولا يخفى أن بين القلوب في ذلك تفاوتًا عظيمًا وقوله: {وأما الزبد} فهو مثل الباطل في قلة نفعه وسرعة زواله). [إرشاد الساري: 7/184]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({فسالت أوديةٌ بقدرها} [الرعد: 17] : «تملأ بطن كلّ وادٍ» {زبدًا رابيًا} [الرعد: 17] : «الزّبد زبد السّيل» . {زبدٌ مثله} [الرعد: 17] : «خبث الحديد والحلية»). [صحيح البخاري: 6/79]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فسالت أوديةٌ بقدرها تملأ بطن كلّ وادٍ زبدًا رابيًا الزّبد السّيل زبدٌ مثله خبث الحديد والحلية وصله الفريابيّ أيضًا عن مجاهدٍ في قوله زبدًا رابيا قال الزّبد السّيل وفي قوله زبدٌ مثله قال خبث الحلية والحديد وأخرجه الطّبريّ من وجهين عن بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله فسالت أودية بقدرها قال بملئها فاحتمل السّيل زبدا رابيا قال الزّبد السّيل وممّا توقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبد مثله قال خبث الحديد والحلية فأمّا الزّبد فيذهب جفاء قال جمودًا في الأرض وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض قال الماء وهما مثلان للحقّ والباطل وأخرجه من طريقين عن بن عبّاسٍ نحوه ووجه المماثلة في قوله زبدٌ مثله أنّ كلًّا من الزّبدين ناشئٌ عن الأكدار ومن طريق سعيدٍ عن قتادة في قوله بقدرها قال الصّغير بصغره والكبير بكبره وفي قوله رابيًا أي عاليًا وفي قوله ابتغاء حلية الذّهب والفضّة وفي قوله أو متاعٌ الحديد والصّفر الّذي ينتفع به والجفاء ما يتعلّق بالشّجر وهي ثلاثة أمثالٍ ضربها اللّه في مثلٍ واحدٍ يقول كما اضمحلّ هذا الزّبد فصار لا ينتفع به كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وأخرجت نباتها كذلك يبقى الحقّ لأهله ونظيره بقاء خالص الذّهب والفضّة إذا دخل النّار وذهب خبثه وبقي صفوه كذلك يبقى الحقّ لأهله ويذهب الباطل تنبيهٌ وقع للأكثر يملأ بطن وادٍ وفي رواية الأصيليّ يملأ كلّ واحدٍ وهو أشبه ويروي ماء بطن واد). [فتح الباري: 8/374]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {متجاورات} طيبها وخبيثها السباخ {صنوان} النخلتان أو أكثر في أصل واحد {وغير صنوان} وحدها {بماء واحد} كصالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد {السّحاب الثقال} الّذي فيه الماء {كباسط كفيه إلى الماء} يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا {فسالت أودية بقدرها} تملأ بطن كل واد {زبدا رابيا} زبد السّيل {زبد مثله} خبث الحديد والحلية
قال الفريابيّ ثنا ورقاء ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 4 الرّعد {قطع متجاورات} قال طيبها عذبها وخبيثها السباخ
وفي قوله
الرّعد {صنوان} النخلتان وأكثر في أصل واحد {وغير صنوان} وحدها {يسقى بماء واحد} قال بماء السّماء كمثل صالح بني آدم وخبيثهم وأبوهم واحد
وبه في قوله
- الرّعد {وينشئ السّحاب الثقال} قال السّحاب الّذي فيه المطر
وبه في قوله
- الرّعد {والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلّا كباسط كفيه إلى الماء} قال يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده ولا يأتيه أبدا
وفي قوله
- الرّعد {أنزل من السّماء ماء فسالت أودية بقدرها} قال بمثلها.
وفي قوله
- الرّعد {زبدا رابيا} قال الزّبد السّيل.
وفي قوله
- الرّعد {زبد مثله} قال خبث الحلية والحديد). [تغليق التعليق: 4/230-231]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (سالت أوديةٌ بقدرها تملأ بطن وادٍ
أشار به إلى قوله عز وجل: {أنزل من السّماء فسالت أودية بقدرها} (الرّعد: 17) يعني: أنزل الله من السّماء ماء يعني المطر، فسالت من ذلك الماء بقدرها، الكبير بقدره والصّغير بقدره، والأودية جمع وادٍ وهو كل مفرج بين جبلين يجتمع إليه ماء المطر، قيل: والقدر مبلغ الشّيء، والمعنى: بقدرها من الماء وإن اتّسع كثر. قوله: (بطن واد) هكذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصليّ: (تملأ كل واحد بحسبه) ، وفي التفاسير المذكورة اختلاف كثير بالتقديم والتّأخير والزّيادة والنّقصان). [عمدة القاري: 18/311]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({سالت}) ولأبي ذر: فسالت ({أودية بقدرها} تملأ بطن واد) ولأبي ذر كل واد بحسبه فهذا كبير يسع كثيرًا من الماء وهذا صغير يسع بقدره ({زبدًا رابيًا} زبد السيل): ولأبي ذر الزبد زبد السيل ولأبي ذر زبد مثله أي ومما توقدون عليه من الذهب والفضة والحديد وغيرهما زبد مثل زبد الماء هو (خبث الحديد والحلية) وقوله زبد مثله ثابت لأبي ذر وسبق ما في ذلك من البحث قريبًا). [إرشاد الساري: 7/185]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله، كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل، فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً، وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب اللّه الأمثال}
قال أبو جعفرٍ: وهذا مثلٌ ضربه اللّه للحقّ والباطل، والإيمان به والكفر، يقول تعالى ذكره: مثل الحقّ في ثباته والباطل في اضمحلاله مثل ماءٍ أنزله اللّه من السّماء إلى الأرض {فسالت أوديةٌ بقدرها} يقول: فاحتملته الأودية بملئها، الكبير بكبره، والصّغير بصغره، {فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا}
يقول: فاحتمل السّيل الّذي حدث عن ذلك الماء الّذي أنزله اللّه من السّماء زبدًا عاليًا فوق السّيل، فهذا أحد مثلي الحقّ والباطل، فالحقّ هو الماء الباقي الّذي أنزله اللّه من السّماء، والزّبد الّذي لا ينتفع به هو الباطل.
والمثل الآخر: {وممّا توقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ} يقول جلّ ثناؤه: ومثلٌ آخر للحقّ والباطل، مثل فضّةٍ أو ذهبٍ يوقد عليها النّاس في النّار طلب حليةٍ يتّخذونها أو متاعٍ، وذلك من النّحاس والرّصاص والحديد، يوقد عليه ليتّخذ منه متاعٌ ينتفع به، {زبدٌ مثله}. يقول تعالى ذكره: وممّا يوقدون عليه من هذه الأشياء زبدٌ مثله، بمعنى: مثل زبد السّيل، لا ينتفع به ويذهب باطلاً، كما لا ينتفع بزبد السّيل ويذهب باطلاً.
ورفع {الزّبد} بقوله: {وممّا توقدون عليه في النّار} ومعنى الكلام: وممّا يوقدون عليه في النّار زبدٌ مثل زبد السّيل في بطول زبده، وبقاء خالص الذّهب والفضّة.
يقول اللّه تعالى: {كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل} يقول: كما مثّل اللّه الإيمان والكفر في بطول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة اللّه بالباقي النّافع من ماء السّيل وخالص الذّهب والفضّة، كذلك يمثّل اللّه الحقّ والباطل {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} يقول: فأمّا الزّبد الّذي علا السّيل، والذّهب والفضّة والنّحاس والرّصاص عند الوقود عليها، فيذهب بدفع الرّياح وقذف الماء به وتعلّقه بالأشجار وجوانب الوادي {وأمّا ما ينفع النّاس} من الماء والذّهب والفضّة والرّصاص والنّحاس، فالماء يمكث في الأرض فتشربه، والذّهب والفضّة تمكث للنّاس {كذلك يضرب اللّه الأمثال} يقول: كما مثّل هذا المثل للإيمان والكفر، كذلك يمثّل الأمثال.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها} فهذا مثلٌ ضربه اللّه احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكّها، فأمّا الشّكّ فلا ينفع معه العمل، وأمّا اليقين فينفع اللّه به أهله، وهو قوله: {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} وهو الشّكّ، {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} وهو اليقين، كما يجعل الحليّ في النّار، فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النّار، فكذلك يقبل اللّه اليقين ويترك الشّكّ
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاس قوله: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} يقول: احتمل السّيل ما في الوادي من عودٍ، ودمنةٍ، {وممّا يوقدون عليه في النّار} فهو الذّهب، والفضّة، والحلية، والمتاع، والنّحاس، والحديد، وللنّحاس والحديد خبثٌ، فجعل اللّه مثل خبثه كزبد الماء، ف {أمّا ما ينفع النّاس} فالذّهب والفضّة، وأمّا ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت، فجعل ذلك مثل العمل الصّالح يبقى لأهله، والعمل السّيّئ يضمحلّ عن أهله، كما يذهب هذا الزّبد، فكذلك الهدى والحقّ جاء من عند اللّه، فمن عمل بالحقّ كان له وبقي كما يبقى ما ينفع النّاس في الأرض، وكذلك الحديد لا يستطاع أن يجعل منه سكّينٌ ولا سيفٌ حتّى يدخل في النّار فتأكل خبثه، فيخرج جيّده فينتفع به، فكذلك يضمحلّ الباطل إذا كان يوم القيامة وأقيم النّاس، وعرضت الأعمال، فيزيغ الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحقّ بالحقّ، ثمّ قال: {وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله}
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ} إلى: {أو متاعٍ زبدٌ مثله} فقال: ابتغاء حليةٍ الذّهب والفضّة، أو متاعٍ الصّفر والحديد قال: كما أوقد على الذّهب والفضّة والصّفر والحديد فخلص خالصه، قال: {كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} كذلك بقاء الحقّ لأهله فانتفعوا به
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الزّعفرانيّ، قال: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها} قال: ما أطاقت ملأها {فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} قال: انقضى الكلام، ثمّ استقبل فقال: وممّا توقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله قال: المتاع: الحديد والنّحاس والرّصاص وأشباهه زبدٌ مثله، قال: خبث ذلك مثل زبد السّيل قال: {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} قال: فذلك مثل الحقّ والباطل.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ أنّه سمعه يقول: فذكر نحوه
وزاد فيه: قال: قال ابن جريجٍ: قوله: {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} قال: جمودًا في الأرض، {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} يعني الماء، وهما مثلان: مثل الحقّ والباطل
- حدّثنا الحسن قال: حدّثنا شبابة قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {زبدًا رابيًا} السّيل مثل خبث الحديد والحلية، {فيذهب جفاءً} جمودًا في الأرض، {وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله} الحديد والنّحاس والرّصاص وأشباهه وقوله: {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} إنّما هما مثلان للحقّ والباطل
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.
- قال: وحدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: {فسالت أوديةٌ بقدرها} قال: بملئها، {فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} قال: الزّبد: السّيل {ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله} قال: خبث الحديد والحلية، {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} قال: جمودًا في الأرض، {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} قال: الماء وهما مثلان للحقّ والباطل
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها} الصّغير بصغره، والكبير بكبره، {فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} أي عاليًا، {وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله، كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل، فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} والجفاء: ما يتعلّق بالشّجر، {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} هذه ثلاثة أمثالٍ ضربها اللّه في مثلٍ واحدٍ، يقول: كما اضمحلّ هذا الزّبد فصار جفاءً لا ينتفع به ولا ترجى بركته، كذلك يضمحلّ الباطل عن أهله كما اضمحلّ هذا الزّبد، وكما مكث هذا الماء في الأرض، فأمرعت هذه الأرض، وأخرجت نباتها، كذلك يبقى الحقّ لأهله كما بقي هذا الماء في الأرض، فأخرج اللّه به ما أخرج من النّبات قوله: {وممّا يوقدون عليه في النّار} الآية، كما يبقى خالص الذّهب والفضّة، حين أدخل النّار وذهب خبثه، كذلك يبقى الحقّ لأهله قوله: {أو متاعٍ زبدٌ مثله} يقول: هذا الحديد والصّفر الّذي ينتفع به، فيه منافع: يقول: كما يبقى خالص هذا الحديد وهذا الصّفر حين أدخل النّار وذهب خبثه، كذلك يبقى الحقّ لأهله كما بقي خالصهما.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فسالت أوديةٌ بقدرها} الكبير بقدره والصّغير بقدره {زبدًا رابيًا} قال: ربا فوق الماء الزّبد {وممّا يوقدون عليه في النّار} قال: هو الذّهب إذا أدخل النّار بقي صفوه، ونفي ما كان من كدره وهذا مثلٌ ضربه اللّه للحقّ والباطل، {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً} يتعلّق بالشّجر فلا يكون شيئًا هذا مثل الباطل، {وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض} وهذا يخرج النّبات، وهو مثل الحقّ {أو متاعٍ زبدٌ مثله} قال: المتاع: الصّفر والحديد
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا هوذة بن خليفة، قال: حدّثنا عوفٌ، قال: بلغني في قوله: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها} قال: إنّما هو مثلٌ ضربه اللّه للحقّ والباطل، {فسالت أوديةٌ بقدرها} الصّغير على قدره، والكبير على قدره، وما بينهما على قدره {فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} يقول: عظيمًا، وحيث استقرّ الماء يذهب الزّبد جفاءً فتطير به الرّيح، فلا يكون شيئًا، ويبقى صريح الماء الّذي ينفع النّاس منه شرابهم ونباتهم ومنفعتهم {أو متاعٍ زبدٌ مثله} ومثل الزّبد كلّ شيءٍ يوقد عليه في النّار الذّهب والفضّة والنّحاس والحديد فيذهب خبثه ويبقى ما ينفع في أيديهم، والخبث والزّبد مثل الباطل، والّذي ينفع النّاس ممّا تحصّل في أيديهم ممّا ينفعهم المال الّذي في أيديهم
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله} قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه للحقّ والباطل فقرأ: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبدًا رابيًا} هذا الزّبد لا ينفع، {أو متاعٍ زبدٌ مثله} هذا لا ينفع أيضًا، قال: وبقي الماء في الأرض فنفع النّاس، وبقي الحليّ الّذي صلح من هذا، فانتفع النّاس به {فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال} وقال: هذا مثلٌ ضربه اللّه للحقّ والباطل
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {أوديةٌ بقدرها} قال: الصّغير بصغره، والكبير بكبره
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، ضرب اللّه مثلاً للحقّ والباطل فضرب مثل الحقّ كمثل السّيل الّذي يمكث في الأرض، وضرب مثل الباطل كمثل الزّبد الّذي لا ينفع النّاس.
وعنى بقوله {رابيًا}: عاليًا منتفخًا، من قولهم: ربا الشّيء يربو ربوًّا فهو رابٍ، ومنه قيل للنشز من الأرض كهيئة الأكمة: رابيةً، ومنه قول اللّه تعالى: {اهتزّت وربت}.
وقيل للنّحاس والرّصاص والحديد في هذا الموضع: المتاع، لأنّه يستمتع به، وكلّ ما يتمتّع به النّاس فهو متاعٌ، كما قال الشّاعر:
تمتّع يا مشعّث إنّ شيئًا = سبقت به الممات هو المتاع
وأمّا الجفاء، فإنّي حدّثت، عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى قال: قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: قد أجفأت القدر، وذلك إذا غلت فانصبّ زبدها، أو سكنت فلا يبقى منه شيءٌ.
وقد زعم بعض أهل العربيّة من أهل البصرة أنّ معنى قوله: {فيذهب جفاءً} تنشفه الأرض، وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى في معنى نشف، وانجفى الوادي: إذا جاء بذلك الغثاء، وغثى الوادي فهو يغثى غثيًا وغثيانًا وذكر عن العرب أنّها تقول: جفأت القدر أجفؤها: إذا أخرجت جفاءها، وهو الزّبد الّذي يعلوها، وأجفأتها إجفاءً لغةً قال: وقالوا: جفأت الرّجل جفًا: صرعته.
وقيل: {فيذهب جفاءً} بمعنى جفئًا، لأنّه مصدرٌ من قول القائل: جفأ الوادي غثاءه، فخرج مخرج الاسم وهو مصدرٌ، كذلك تفعل العرب في مصدر كلّ ما كان من فعل شيءٍ اجتمع بعضه إلى بعضٍ كالقماش والدّقاق والحطام والغثاء، تخرجه على مذهب الاسم، كما فعلت ذلك في قولهم: أعطيته عطاءً، بمعنى الإعطاء، ولو أريد من القماش المصدر على الصّحّة لقيل: قد قمشته قمشًا). [جامع البيان: 13/496-504]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها يعني ملأها ما أطاقت فاحتمل السيل زبدا رابيا والزبد الذي في السيل ثم استقبل فقال ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع فالمتاع الحديد والنحاس والرصاص وأما زبد مثله فخبث ذلك وهو مثله مثل الزبد فيذهب فأما الزبد فيذهب جفاء يقول يذهب جمودا في الأرض وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض يعني الماء وهما مثلان للحق والباطل). [تفسير مجاهد: 327-328]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 17 - 18.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله {أنزل من السماء ماء} الآية قال: هذا مثل ضربه الله تعالى احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها فأما الشك فما ينفع معه العمل.
وأمّا اليقين فينفع الله به أهله، وهو قوله {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} وهو اليقين كما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه به ويترك خبيثه في النار كذلك يقبل الله تعالى اليقين ويترك الشك). [الدر المنثور: 8/418-419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله {فسالت أودية بقدرها} قال: الصغير قدر صغيره، والكبير قدر كبيره). [الدر المنثور: 8/419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما – في الآية قال: هذا مثل ضربه الله تعالى بين الحق والباطل يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة ومما توقدون عليه في النار فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع النحاس والحديد وللنحاس والحديد خبث فجعل الله تعالى مثل خبثه كمثل زبد الماء فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة.
وأمّا ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت، فجعل ذلك مثل العمل الصالح الذي يبقى لأهله، والعمل السيء يضمحل من محله فما يذهب هذا الزبد فذلك الهدى والحق جاء من عند الله تعالى فمن عمل بالحق كان له، وما بقي كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض، وكذلك الحديد لا يستطيع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل النار فتأكل خبثه فيخرج جيده فينتفع به كذلك يضمحل الباطل وإذا كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال فيرفع الباطل ويهلك وينتفع أهل الحق بالحق). [الدر المنثور: 8/419-420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح من طريق مرة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله {فسالت أودية بقدرها} الآية، قال: فمر السيل على رأسه من التراب والغثاء حتى استقر في القرار وعليه الزبد فضربته الريح فذهب الزبد جفاء إلى جوانبه فيبس فلم ينفع أحدا وبقي الماء الذي ينتفع به الناس فشربوا منه وسقوا أنعامهم، فكما ذهب الزبد فلم ينفع فكذلك الباطل يضمحل يوم القيامة فلا ينفع أهله وكما نفع الماء فكذلك ينفع الحق أهله، هذا مثل ضربه الله). [الدر المنثور: 8/420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء - رضي الله عنه - في قوله {أنزل من السماء ماء} قال: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر {فسالت أودية بقدرها} حتى جرى الوادي وامتلأ بقدر ما يحمل {فاحتمل السيل زبدا رابيا} قال: زبد الماء، {ومما يوقدون عليه في النار} قال: زبد ما توقدون عليه من ذلك حلية وما سقط فهو مثل زبد الماء وهو مثل ضرب للحق والباطل، فأما خبث الحديد والذهب وزبد الماء فهو الباطل وما تصنعوا من الحلية والماء والحديد فمثل الحق). [الدر المنثور: 8/420-421]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء - رضي الله عنه - قال: ضرب الله تعالى مثل الحق والباطل، فضرب مثل الحق السيل الذي يمكث في الأرض فينتفع الناس به، ومثل الباطل مثل الزبد الذي لا ينفع الناس، ومثل الحق مثل الحلي الذي يجعل في النار فما خلص منه انتفع به أهله، وما خبث منه فهو مثل الباطل علم أن لا ينفع الزبد وخبث الحلي أهله فكذلك الباطل لا ينفع أهله). [الدر المنثور: 8/421]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن ابي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} قال: الصغير بصغره والكبير بكبره {فاحتمل السيل زبدا رابيا} قال: عاليا {ومما يوقدون} إلى قوله {فيذهب جفاء} والجفاء ما يتعلق بالشجر {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} هذه ثلاثة أمثال ضربها الله تعالى في مثل واحد يقول: كما اضمحل هذا الزبد فصار جفاء لا ينتفع به ولا يرجى بركته كذلك يضمحل الباطل عن أهله، وكما مكث هذا الماء في الأرض فأمرعت وربت بركته وأخرجت نباتها كذلك يبقى الحق لأهله، وقوله {ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية} كما يبقى خالص هذا الذهب والفضة حين أدخل النار كذلك فيذهب خبثه كذلك يبقى الحق لأهله، وكما اضمحل خبث هذا الذهب والفضة حين أدخل في النار كذلك يضمحل الباطل عن أهله، وقوله {أو متاع زبد مثله} يقول: هذا الحديد وهذا الصفر حين دخل النار وذهبت بخبثه كذلك يبقى الحق لأهله كما بقي خالصهما). [الدر المنثور: 8/421-422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {فسالت أودية بقدرها} قال: الكبير بقدره والصغير بقدره {زبدا رابيا} قال: ربا فوق الماء الزبد {ومما يوقدون عليه في النار} قال: هو الذهب إذا أدخل النار بقي صفوه وذهب ما كان فيه من كدر، وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل {فأما الزبد فيذهب جفاء} يتعلق بالشجر ولا يكون شيئا هذا مثل الباطل {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} هذا يخرج النبات وهذا مثل الحق {أو متاع زبد مثله} قال: المتاع الصفر والحديد). [الدر المنثور: 8/422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} قال: بملئها ما أطاقت {فاحتمل السيل زبدا رابيا} قال: انقضى الكلام ثم استقبل فقال {ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله} قال: المتاع الحديد والنحاس والرصاص وأشباهه {زبد مثله} قال: خبث ذلك الحديد والحلية مثل زبد السيل {وأما ما ينفع الناس} من الماء {فيمكث في الأرض} وأما الزبد {فيذهب جفاء} قال: جمودا في الأرض قال فكذلك مثل الحق والباطل). [الدر المنثور: 8/422-423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله {أنزل من السماء ماء} الآية، قال: ابتغاء حلية الذهب والفضة أو متاع الصفر والحديد، قال: كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد فخلص خالصه كذلك بقي الحق لأهله فانتفعوا به). [الدر المنثور: 8/423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن عيينة - رضي الله عنه - في قوله {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} قال: أنزل من السماء قرآنا فاحتمله عقول الرجال). [الدر المنثور: 8/423]
تفسير قوله تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت: 227هـ): ( [الآية (18) : قوله تعالى: {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم... } إلى قوله تعالى: {أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عون بن موسى، قال: سمعت فرقد السّبخيّ يقول: {سوء الحساب} : أن لا يتجاوز له عن شيء.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، عن رجلٍ، عن إبراهيم، قال: {سوء الحساب} : أن يأخذ عبده بالحقّ). [سنن سعيد بن منصور: 5/433-434]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({المهاد} [الرعد: 18] : «الفراش»). [صحيح البخاري: 6/78]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله المهاد الفراش ثبت هذا لغير أبي ذرٍّ وهو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/373]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (المهاد الفراش
أشار به إلى قوله تعالى: {ومأواهم جهنّم وبئس المهاد} (الرّعد: 18) وفسره بقوله: (الفراش) ولم يثبت هذا إلاّ في غير رواية أبي ذر). [عمدة القاري: 18/311]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({المهاد}) في قوله: {ومأواهم جهنم وبئس المهاد} [الرعد: 18] هو (الفراش) وهذا ساقط لأبي ذر ثابت لغيره). [إرشاد الساري: 7/184]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {وبئس المهاد} قال: بئس ما مهدوه لأنفسهم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 72] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم مّا في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنّم وبئس المهاد}.
يقول تعالى ذكره: أمّا الّذين استجابوا للّه فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به، وأطاعوه فاتّبعوا رسوله، وصدّقوه فيما جاءهم به من عند اللّه، فإنّ لهم الحسنى وهي الجنّة، كذلك؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {للّذين استجابوا لربّهم الحسنى} وهي الجنّة
وقوله: {والّذين لم يستجيبوا له لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه لافتدوا به}. يقول تعالى ذكره: وأمّا الّذين لم يستجيبوا له حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيّته، ولم يطيعوه فيما أمرهم به، ولم يتّبعوا رسوله فيصدّقوه فيما جاءهم به من عند ربّهم، فلو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا من شيءٍ ومثله معه ملكًا لهم ثمّ مثل ذلك وقبل ذلك منهم بدلاً من العذاب الّذي أعدّه اللّه لهم في نار جهنّم وعوضًا لافتدوا به أنفسهم منه.
يقول اللّه: {أولئك لهم سوء الحساب} يقول: هؤلاء الّذين لم يستجيبوا للّه لهم سوء الحساب: يقول: لهم عند اللّه أن يأخذهم بذنوبهم كلّها، فلا يغفر لهم منها شيئًا، ولكن يعذّبهم على جميعها، كما؛
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عونٌ، عن فرقدٍ السّبخيّ، قال: قال لنا شهر بن حوشبٍ: {سوء الحساب} أن لا يتجاوز له عن شيءٍ.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثني الحجّاج بن أبي عثمان قال: حدّثني فرقدٌ السّبخيّ قال: قال إبراهيم النّخعيّ: يا فرقد أتدري ما سوء الحساب؟ قلت: لا، قال: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كلّه، لا يغفر له منه شيءٌ
وقوله: {ومأواهم جهنّم} يقول: ومسكنهم الّذي يسكنونه يوم القيامة جهنّم {وبئس المهاد} يقول: وبئس الفراش والوطاء جهنّم، الّتي هي مأواهم يوم القيامة). [جامع البيان: 13/504-506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله {للذين استجابوا لربهم الحسنى} قال: الحياة والرزق). [الدر المنثور: 8/423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله {للذين استجابوا لربهم الحسنى} قال: هي الجنة). [الدر المنثور: 8/423]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن فرقد السبخي - رضي الله عنه - قال: قال لي شهر بن حوشب - رضي الله عنه - {سوء الحساب} أن لا يتجاوز له عن شيء). [الدر المنثور: 8/423-424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير وأبو الشيخ عن فرقد السبخي - رضي الله عنه - قال: قال لي إبراهيم النخعي - رضي الله عنه -: يا فرقد أتدري ما سوء الحساب قلت: لا، قال: هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيء). [الدر المنثور: 8/424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن - رضي الله عنه - قال: {سوء الحساب} أن يؤخذ العبد بذنوبه كلها ولا يغفر له منها ذنب). [الدر المنثور: 8/424]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي الجوزاء - رضي الله عنه - في الآية قال {سوء الحساب} المناقشة في الأعمال). [الدر المنثور: 8/424]