العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الفرقان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 11:47 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي تفسير سورة الفرقان [ من الآية (21) إلى الآية (24) ]

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 رجب 1434هـ/27-05-2013م, 06:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) )

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {وعتوا} [الفرقان: 21] : طغوا وقال ابن عيينة: {عاتيةٍ} [الحاقة: 6] : «عتت عن الخزّان»). [صحيح البخاري: 6/109]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقال مجاهدٌ عتوا طغوا وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله وعتوا عتوا كبيرا قال طغوا). [فتح الباري: 8/491]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عيينة عاتيةٌ عتت على الخزّان كذا في تفسيره وهذا في سورة الحاقّة وإنّما ذكره هنا استطرادًا لما ذكر قوله عتوا وقد تقدّم ذكر هذا في قصّة هودٍ من أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/492]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {عتوا} طغوا وقال ابن عيينة {عاتية} عتت على الخزّان
أما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 166 الأعراف {فلمّا عتوا} قال طغوا
و أما قول ابن عيينة فتقدم في أحاديث الأنبياء). [تغليق التعليق: 4/272]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ وعتوا طغوا
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيرا} (الفرقان: 21) وقال: يعني عتوا طغوا، أخرجه ورقاء في (تفسيره) عن ابن أبي نجيح عنه.
وقال ابن عيينة: عاتيةٍ عتت على الخزّان
أي: قال سفيان بن عيينة في قوله تعالى: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} (الحاقة: 6) هذه في سورة الحاقة، ذكرها هنا استطرادًا لقوله: وعتوا، قوله: (صرصر) هو الشّديد الصّوت، وقيل: الرّيح الباردة من الصر فتحرق من شدّة بردها. قوله: (عاتبة) ، شديدة العصف، وقال سفيان في تفسير عاتية: عتت على خزانها فخرجت بلا كيل ولا وزن، والخزان، بضم الخاء وتشديد الزّاي: جمع خازن، وأريد به خزان الرّيح الّذين لا يرسلون شيئا من الرّيح إلاّ بإذن الله بمقدار معلوم، ووقع في هذا التفاسير في النّسخ تقديم وتأخير وزيادة ونقصان). [عمدة القاري: 19/94-95]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما أخرجه ورقاء في تفسيره ({وعتوا}) أي (طغوا) وعتوّهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به.
(وقال ابن عيينة) سفيان في قوله تعالى بسورة الحاقة مما ذكره المؤلّف استطرادًا على عادته في مثله ({عاتية}) من قوله: {فأهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: 6] (عتت عن الخزان) الذين هم على الريح فخرجت بلا كيل ولا وزن وفي نسخة وقال ابن عباس بدل ابن عيينة ووقع في هذه التفاسير تقديم وتأخير في بعض النسخ). [إرشاد الساري: 7/273]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (عتت) أي: عصت على الخزان). [حاشية السندي على البخاري: 3/62]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا}.
يقول تعالى ذكره: وقال المشركون الّذين لا يخافون لقاءنا، ولا يخشون عقابنا هلاّ أنزل اللّه علينا ملائكته، فتخبرنا أنّ محمّدًا محقٌّ فيما يقول أنّه محقٍّ، وأنّ ما جاءنا به صدقٌ، أو نرى ربّنا فيخبرنا بذلك، كما قال جلّ ثناؤه مخبرًا عنهم: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} ثمّ قال بعد: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} يقول اللّه: لقد استكبر قائلو هذه المقالة في أنفسهم وتعظّموا، {وعتوا عتوًّا كبيرًا} يقول: وتجاوزوا في الاستكبار بقيلهم ذلك حدّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال كفّار قريشٍ: {لولا أنزل علينا الملائكة} فيخبرونا أنّ محمّدًا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقد استكبروا {وعتوا عتوًّا كبيرًا} قال: شدّة الكفر.
وقال: {وعتوا عتوًّا} لأنّ عتا من ذوات الواو، فأخرج مصدره على الأصل بالواو. وقيل في سورة مريم: {وقد بلغت من الكبر عتيًّا} وإنّما قيل ذلك كذلك لموافقة المصادر في هذا الوجه جمع الأسماء كقولهم: قعد قعودًا، وهم قومٌ قعودٌ، فلمّا كان ذلك كذلك، وكان العاتي يجمع عتيًّا بناءً على الواحد، جعل مصدره أحيانًا موافقًا لجمعه، وأحيانًا مردودًا إلى أصله). [جامع البيان: 17/426-427]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا (21)
قوله تعالى: وقال الّذين لا يرجون لقاءنا
- ذكر، عن محمّد بن مرزوقٍ، ثنا عبيد بن عقيلٍ، ثنا جرير بن حازمٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ في قوله: وقال الّذين لا يرجون لقاءنا قال: لا يبالون وأنشدني جرير ابن حازمٍ قول خبيبٍ:
لعمرك ما أرجوك إذا كنت مسلمًا = على أيّ حالٍ كان في اللّه مصرعي.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: لولا أنزل علينا الملائكة أي فنراهم عيانًا أو نرى ربّنا.
قوله تعالى: لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ أنبأ الحسين بن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة قال: العتو في كتاب اللّه التّجبّر). [تفسير القرآن العظيم: 8/2676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} قال: هذا قول كفار قريش {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} فيخبرنا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 11/152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير في قوله {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} قال لا يسألون). [الدر المنثور: 11/152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {لولا أنزل علينا الملائكة} أي نراهم عيانا). [الدر المنثور: 11/152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وعتوا عتوا كبيرا} قال: شدة الكفر). [الدر المنثور: 11/152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال العتو في كتاب الله التجبر). [الدر المنثور: 11/152]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن و قتادة في قوله تعالى حجرا محجورا قال هي كلمة كانت العرب تقولها كان الرجل إذا نزلت به شديدة قال حجرا محجورا يقول حراما محرما). [تفسير عبد الرزاق: 2/67]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين، ويقولون حجرًا محجورًا}.
يقول تعالى ذكره: يوم يرى هؤلاء الّذين قالوا: {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا} بتصديق محمّدٍ الملائكة، فلا بشرى لهم يومئذٍ بخيرٍ {يقولون حجرًا محجورًا} يعني أنّ الملائكة يقولون للمجرمين حجرًا محجورًا، حرامًا عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من اللّه، ومن الحجر قول المتلمّس:
حنّت إلى نخلة القصوى فقلت لها = حجرٌ حرامٌ ألا تلك الدّهاريس
ومنه قولهم: حجر القاضي على فلانٍ، وحجر فلانٌ على أهله ومنه، حجر الكعبة، لأنّه لا يدخل إليه في الطّواف، وإنّما يطاف من ورائه، ومنه قول الآخر:
فهممت أن ألقي إليها محجرًا = فلمثلها يلقى إليه المحجر
أي: مثلها يركب منه المحرم.
واختلف أهل التّأويل في المخبر عنهم بقوله {ويقولون حجرًا محجورًا} ومن قائلوه؟ فقال بعضهم: قائلو ذلك الملائكة للمجرمين نحو الّذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، وسأله، رجلٌ عن قول اللّه: {ويقولون حجرًا محجورًا} قال: تقول الملائكة: حرامًا محرّمًا أن تكون لكم البشرى.
- حدّثني عبد الوارث بن عبد الصّمد، قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن الحسن، عن قتادة: {ويقولون حجرًا محجورًا} قال: هي كلمةٌ كانت العرب تقولها، كان الرّجل إذا نزل به شديدة قال: حجرًا، يقول: حرامًا محرّمًا.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا}: لمّا جاءت زلازل السّاعة، فكان من زلازلها أنّ السّماء انشقّت {فهي يومئذٍ واهيةٌ، والملك على أرجائها} على شفة كلّ شيءٍ تشقّقٌ من السّماء، فذلك قول: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون} يعني: الملائكة تقول للمجرمين: حرامًا محرّمًا أيّها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يوم يرون الملائكة} قال: يوم القيامة {ويقولون حجرًا محجورًا} قال: عوذًا معاذًا.
- حدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله، وزاد فيه: الملائكة تقوله.
وقال آخرون: ذلك خبرٌ من اللّه عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم قال: حدّثني الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريج: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا} قال ابن جريجٍ: كانت العرب إذا كرهوا شيئًا قالوا: حجرًا، فقالوا حين عاينوا الملائكة.
قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: {حجرًا} عوذًا، يستعيذون من الملائكة.
قال أبو جعفرٍ: وإنّما اخترنا القول الّذي اخترنا في تأويل ذلك من أجل أنّ الحجر هو الحرام، فمعلومٌ أنّ الملائكة هي الّتي تخبر أهل الكفر أنّ البشرى عليهم حرامٌ. وأمّا الاستعاذة فإنّها الاستجارة، وليست بتحريمٍ، ومعلومٌ أنّ الكفّار لا يقولون للملائكة حرامٌ عليكم، فيوجّه الكلام إلى أنّ ذلك خبرٌ عن قيل المجرمين للملائكة). [جامع البيان: 17/427-430]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا (22)
قوله تعالى: يوم يرون الملائكة
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يوم يرون الملائكة قال: يوم القيامة.
قوله تعالى: لا بشرى يومئذٍ للمجرمين
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة قوله: لا بشرى يومئذٍ للمجرمين قال: إذا كان يوم القيامة تلقى المؤمن بالبشرى فإذا رأى ذلك الكفّار قالوا للملائكة بشّرونا، قالوا: حجرًا محجورًا قال: حرامًا محرّمًا أن نتلقّاكم بالبشرى.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر العدنيّ ثنا سفيان، عن فطرٍ، عن مجاهدٍ: لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا قال: تقول الملائكة: حرامًا محرّمًا أن تكون البشرى اليوم إلا للمؤمنين.
قوله تعالى: ويقولون حجرًا محجورًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا موسى بن قيسٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ: ويقولون حجرًا محجورًا قال: حرامًا محرّمًا أن نبشّركم بما نبشّر به المتّقين.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة: ويقولون حجرًا محجورًا قال: حرامًا محرّمًا.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا محمّد بن عبيدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: ويقولون حجرًا محجورًا قال: تقول لهم الملائكة حرامًا أن تكون لكم البشرى.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ، عن عبيدٍ، عن الضّحّاك قوله: لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا لمّا جاءت زلازل السّاعة فكان من زلازلها أنّ السّماء انشقّت فهي يومئذٍ واهيةٌ والملك على أرجائها على شقّة كلّ شيءٍ يشّقّق من السّماء فذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين حرامًا محرّمًا أيّها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حيث رأيتمونا-
وروى، عن مجاهدٍ والحسن وعطاءٍ الخراسانيّ وخصيفٍ أنّه حرامًا محرّمًا.
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم ابن أبان، عن عكرمة في قوله: ويقولون حجرًا محجورًا قال يقولون يوم القيامة إنّا لا نصل إلى شيءٍ من الخير.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: حجرًا محجورًا عوذًا معاذ اللّه الملائكة تقوله.
- أخبرنا الطّهرانيّ فيما كتب إليّ أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن الحسن وقتادة في قوله: حجرًا محجورا قال: هي كلمةٌ كانت العرب تقولها كان الرّجل إذا نزلت به شديدةٌ قال: حجرًا محجورًا يقول: حرامًا محرّمًا). [تفسير القرآن العظيم: 8/2676-2678]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يوم يرون الملائكة يعني يوم القيامة). [تفسير مجاهد: 449]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل حجرا محجورا يعني عوذا معاذا الملائكة تقوله). [تفسير مجاهد: 449]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال مسدّدٌ: ثنا هشيمٌ، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن "في قوله عزّ وجلّ: (حجراً محجوراً) قال: كانت المرأة إذا رأت شيئًا تكرهه قالت: حجرًا"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/249]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال مسدّدٌ: حدثنا هشيمٌ، عن يونس، عن الحسن: {حجرًا محجورًا} قال: كانت المرأة إذا رأت شيئًا تكرهه، قالت: حجرًا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/75]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا.
أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {يوم يرون الملائكة} قال: يوم القيامة). [الدر المنثور: 11/152]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله {لا بشرى يومئذ للمجرمين} قال: إذا كان يوم القيامة يلقى المؤمن بالبشرى فإذا رأى ذلك الكفار قالوا للملائكة: بشرونا قالوا: حجرا محجورا، حراما محرما أن نتلقاكم بالبشرى). [الدر المنثور: 11/152-153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ويقولون حجرا محجورا} قال: عوذا معاذا الملائكة تقوله، وفي لفظ قال: حراما محرما أن تكون البشرى اليوم إلا للمؤمنين). [الدر المنثور: 11/153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {ويقولون حجرا محجورا} قال: تقول الملائكة: حراما محرما على الكفار البشرى يوم القيامة). [الدر المنثور: 11/153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الضحاك {ويقولون حجرا محجورا} قال: تقول الملائكة: حراما محرما على الكفار البشرى حين رأيتمونا). [الدر المنثور: 11/153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري {ويقولون حجرا محجورا} قال: حراما محرما أن نبشركم بما نبشر به المتقين). [الدر المنثور: 11/153]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة في قوله {ويقولون حجرا محجورا} قال: هي كلمة كانت العرب تقولها، كان الرجل إذا نزلت به شدة قال: حجرا محجورا حراما محرما). [الدر المنثور: 11/154]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كانت المرأة إذا رأت الشيء تكرهه تقول: حجر من هذا). [الدر المنثور: 11/154]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: لما جاءت زلازل الساعة فكان من زلازلها أن السماء انشقت فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها: على سعة كل شيء تشقق، فهي من السماء فذلك قوله {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا} حراما محرما أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا). [الدر المنثور: 11/154]

تفسير قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عاصم بن حكيم، عن أبي شريح عن [عـ (؟) .. ... .. ]
...
وإن الهباء الرماد). [الجامع في علوم القرآن: 1/4] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ أنّه بلغه عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول: الهباء هو الغبار). [الجامع في علوم القرآن: 1/4]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله فجعلنه هباء منثورا قال أما رأيت شيئا يدخل البيت من الشمس يدخله من الكوة فهو الهباء). [تفسير عبد الرزاق: 2/67]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة هباء منثورا قال هو ما تذري الريح من حطام هذا الشجر). [تفسير عبد الرزاق: 2/67]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} قال: عمدنا إلى ما عملوا من عملٍ من خيرٍ فلم نقبل منهم [الآية: 23]). [تفسير الثوري: 226]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن الحرث عن عليّ في قوله: {هباءً منثورا} قال: الشّعاع الّذي يخرج من الكوة [الآية: 23]). [تفسير الثوري: 226]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {هباءً منثورًا} [الفرقان: 23] : «ما تسفي به الرّيح»). [صحيح البخاري: 6/109]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقال ابن عبّاس هباء منثورا ما يسفى به الرّيح وصله بن جرير من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ مثله وزاد في آخره ويبثّه ولابن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال وقال أبو عبيدة في قوله هباء منثورا هو الّذي يدخل البيت من الكوّة يدخل مثل الغبار مع الشّمس وليس له مسٌّ ولا يرى في الظل وروى بن أبي حاتمٍ من طريق الحسن البصريّ نحوه وزاد لو ذهب أحدكم يقبض عليه لم يستطع ومن طريق الحارث عن عليٍّ في قوله هباءً منثورًا قال ما ينثر من الكوة). [فتح الباري: 8/490]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس {هباء منثورا} ما تسفي به الرّيح {مد الظل} ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس {ساكنا} دائما {عليه دليلا} طلوع الشّمس {خلفه} من فاته من اللّيل عمل أدركه بالنّهار أو فاته بالنّهار أدركه باللّيل
قال ابن جرير ثنا القاسم ثنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس قوله 23 الفرقان {هباء منثورا} قال ما يسفي الرّيح ويبثه
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علّي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس قوله {هباء منثورا} يقول الماء المهراق). [تغليق التعليق: 4/270] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: هباءً منثوراً ما تسفي به الرّيح
أي: قال عبد الله بن عبّاس في تفسير: هباءً. منثوراً. في قوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنا هباء منثوراً} (الفرقان: 23) ما تسفي به الرّيح أي تذريه وترميه، ووصله ابن المنذر من حديث عطاء عن ابن عبّاس بلفظ: ما تسفي به الرّيح وتثبته، وقال الثّعلبيّ: هباءً منثوراً، أي: باطلا لا ثواب له لأنهم لم يعملوه لله، وإنّما عملوه للشّيطان. واختلف المفسّرون في الهباء فقال مجاهد وعكرمة والحسن: هو الّذي يرى في الكوى من شعاع الشّمس كالغبار ولا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل، وقال ابن زيد: هو الغبار، وقال مقاتل: هو ما يسطع من حوافر الدّوابّ، ويقال: الهباء جمع هباة، والمنثور المتفرق). [عمدة القاري: 19/93]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن جرير في قوله: ({هباء منثورًا}) هو (ما تسفي به الريح). وتذريه من التراب والهباء والهبوة التراب الدتيق قاله ابن عرفة. وقال الخليل والزجاج: هو مثل الغبار الداخل في الكوة يتراءى مع ضوء الشمس فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل ومنثورًا صفته شبه به عملهم المحيط في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتشاره بحيث لا يمكن نظمه فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك. وقال الزمخشري: أو مفعول ثالث لجعلناه لم جعلناه جامعًا لحقارة الهباء والتناثر كقوله: {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65] أي جامعين للمسخ والخسء وسقط للأصيلي لفظ به من قوله تسفي به الريح). [إرشاد الساري: 7/271]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (ما تسفي به الريح) وهو بمعنى ما قاله غير معناه ما يرى في الكوى التي عليها الشمس). [حاشية السندي على البخاري: 3/62]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا (23) أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مّستقرًّا وأحسن مقيلاً}.
يقول تعالى ذكره: {وقدمنا} وعمدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون {من عملٍ}، ومنه قول الرّاجز:
وقدم الخوارج الضّلاّل = إلى عباد ربّهم وقالوا
إنّ دماءكم لنا حلال
يعني بقوله قدم: عمد.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وقدمنا} قال: عمدنا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقوله: {فجعلناه هباءً منثورًا} يقول: فجعلناه باطلاً، لأنّهم لم يعملوه للّه، وإنّما عملوه للشّيطان.
والهباء: هو الّذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشّمس من كوّةٍ، يحسبه النّاظر غبارًا، ليس بشيءٍ، تقبض عليه الأيدي ولا تمسّه، ولا يرى ذلك في الظّلّ.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الّذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، أنّه قال في هذه الآية: {هباءً منثورًا} قال: الغبار الّذي يكون في الشّمس.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا} قال: الشّعاع في كوّة أحدهم، إن ذهب يقبض عليه لم يستطع.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {هباءً منثورًا} قال: شعاع الشّمس من الكوّة.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن في قوله: {هباءً منثورًا} قال: ما رأيت شيئًا يدخل البيت من الشّمس تدخله من الكوّة، فهو الهباء.
وقال آخرون: بل هو ما تسفيه الرّياح من التّراب، وتذروه من حطام الأشجار، ونحو ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هباءً منثورًا} قال: ما تسفي الرّيح وتبثّه.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {هباءً منثورًا} قال: هو ما تذرو الرّيح من حطام هذا الشّجر.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن يزيد في قوله: {هباءً منثورًا} قال: الهباء: الغبار.
وقال آخرون: هو الماء المهراق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هباءً منثورًا} يقال: الماء المهراق). [جامع البيان: 17/430-433]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وقدمنا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وقدمنا عمدنا- وروى، عن السّدّيّ وسفيان الثّوريّ مثل ذلك.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسن بن عليّ بن مهران، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ يقول: عمدنا وبعضهم يقول: أتينا عليه.
قوله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى أنبأ سفيان ، عن عيسى، عن قيس بن سعدٍ، عن مجاهدٍ قوله: وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ قال: قدمنا إلى ما عملوا من خيرٍ لا يتقبّل منهم.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عبيد اللّه الرّازيّ قال: سمعت ابن المبارك يقول: في قوله: وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا قال: كلّ عملٍ صالحٍ لا يراد به وجه اللّه.
قوله تعالى: فجعلناه هباء منثورا
[الوجه الأول]
- حدّثني أبي ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ رضي اللّه عنه هباء منثورا قال: ينتثر من الكوة: وهباء منبثًّا قال: رهج الدّوابّ.
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا مسدّدٌ، ثنا أبو الأحوص، ثنا أبو إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ في قوله: هباءً منثورًا قال: الهباء رهج الدّوابّ- وروى، عن ابن عبّاس في بعض الرّوايات وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم والضّحّاك نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا مسدّدٌ، ثنا محمّد بن جابرٍ، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن عقيلٍ الجزريّ، عن عليٍّ رضي الله عنه في قوله: هباءٍ منثورًا قال: شعاع الشّمس إذا دخل في الكوّة- وروى عن ابن عبّاسٍ في بعض الرّوايات ومجاهدٍ وأبي مالكٍ وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ والضحاك في أحد الرّوايات نحو ذلك
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن: وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا قال: الشّعاع في كوّة أحدكم لو ذهب يقبض عليه لم يستطع.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: هباءً منثورا يقول: الماء المهراق.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا نصر بن عليٍّ أخبرني أبي، عن خالد بن قيسٍ، عن قتادة في قوله: هباءً منثورًا قال: أما رأيت يبس الشّجر إذا ذرته الرّيح فهو ذلك يعني الورق.
والوجه الخامس:
- ذكر، عن ابن وهبٍ أخبرني عاصم بن حكيمٍ، عن أبي سريعٍ الطّائيّ، عن عبيد بن تعلى قال: وإنّ الهباء الرّماد). [تفسير القرآن العظيم: 8/2678-2680]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقدمنا إلى ما عملوا يقول وعمدنا). [تفسير مجاهد: 449]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد هباء منثورا قال هو شعاع الشمس من الكوة). [تفسير مجاهد: 449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا.
أخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} قال: قدمنا إلى ما عملوا من خير ممن لا يتقبل منه في الدنيا). [الدر المنثور: 11/154-155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله {هباء منثورا} قال: الهباء: شعاع الشمس الذي يخرج من الكوة). [الدر المنثور: 11/155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: الهباء: ريح الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء فجعل الله أعمالهم كذلك). [الدر المنثور: 11/155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منها الشرر فإذا وقع لم يكن شيئا). [الدر المنثور: 11/155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {هباء منثورا} قال: الماء المهراق). [الدر المنثور: 11/155]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {هباء منثورا} قال: الشعاع في كوة أحدهم، لو ذهبت تقبض عليه لم تستطع). [الدر المنثور: 11/156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {هباء منثورا} قال: شعاع الشمس من الكوة). [الدر المنثور: 11/156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة {هباء منثورا} قال: شعاع الشمس الذي في الكوة). [الدر المنثور: 11/156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك وعامر في الهباء المنثور: شعاع الشمس). [الدر المنثور: 11/156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {هباء منثورا} قال: الغبار). [الدر المنثور: 11/156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {هباء منثورا} قال: هو ما تذروه الرياح من حطام هذا الشجر). [الدر المنثور: 11/156]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن معلى بن عبيدة قال: الهباء: الرماد). [الدر المنثور: 11/157]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سمويه في فوائده عن سالم مولى أبي حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجاء يوم القيامة بقوم معهم حسنات مثال جبال تهامة حتى إذا جيء بهم جعل الله تعالى أعمالهم هباء ثم قذفهم في النار قال سالم: بأبي وأمي يا رسول الله حل لنا هؤلاء القوم قال: كانوا يصلون ويصومون ويأخذون سنة من الليل ولكن كانوا إذا عرض عليهم شيء من الحرام وثبوا عليه فادحض الله تعالى أعمالهم). [الدر المنثور: 11/157]

تفسير قوله تعالى: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ميسرة بن حبيبٍ النّهديّ عن المنهال بن عمرٍو عن أبي عبيدة قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: لا ينتصف النّهار حتّى يقيل أهل الجنّة وأهل النّار ثمّ قرأ {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} ثمّ قرأ {إنّ مرجعهم لإلى الجحيم} [الآية: 24]). [تفسير الثوري: 226]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله جلّ ثناؤه: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً} يقول تعالى ذكره: أهل الجنّة يوم القيامة خيرٌ مستقرًّا، وهو الموضع الّذي يستقرّون فيه من منازلهم في الجنّة من مستقرّ هؤلاء المشركين الّذين يفتخرون بأموالهم وما أوتوا من عرض هذه الدّنيا في الدّنيا، وأحسن منهم فيها مقيلاً.
فإن قال قائلٌ: وهل في الجنّة قائلةٌ؟ فيقال {وأحسن مقيلاً} فيها؟
قيل: معنى ذلك وأحسن فيها قرارًا في أوقات قائلتهم في الدّنيا، وذلك أنّه ذكر أنّ أهل الجنّة لا يمرّ بهم في الآخرة إلاّ قدر ميقات النّهار من أوّله إلى وقت القائلة، حتّى يسكنوا مساكنهم في الجنّة، فذلك معنى قوله: {وأحسن مقيلاً}.
ذكر الرّواية عمّن قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً} يقول: قالوا في الغرف في الجنّة، وكان حسابهم أن عرضوا على ربّهم عرضةً واحدةً، وذلك الحساب اليسير، وهو مثل قوله: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا. وينقلب إلى أهله مسرورًا}.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً} قال: كانوا يرون أنّه يفرغ من حساب النّاس يوم القيامة في نصف النّهار، فيقيل هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً} قال: لم ينتصف النّهار حتّى يقضي اللّه بينهم، فيقيل أهل الجنّة في الجنّة، وأهل النّار في النّار. قال: وفي قراءة ابن مسعودٍ: (ثمّ إنّ مقيلهم لإلى الجحيم).
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً} قال: قال ابن عبّاسٍ: كان الحساب من ذلك في أوّله، وقال القوم حين قالوا في منازلهم من الجنّة، وقرأ: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أنّ سعيدًا الصّوّاف حدّثه أنّه بلغه: أنّ يوم القيامة يقضي على المؤمنين حتّى يكون كما بين العصر إلى غروب الشّمس، وأنّهم يقيلون في رياض الجنّة حتّى يفرغ من النّاس، فذلك قول اللّه: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً}.
قال أبو جعفرٍ: وإنّما قلنا: معنى ذلك خيرٌ مستقرًّا في الجنّة منهم في الدّنيا، لأنّ اللّه تعالى ذكره عمّ بقوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلاً} جميع أحوال الجنّة في الآخرة أنّها خيرٌ في الاستقرار فيها والقائلة من جميع أحوال أهل النّار، ولم يخصّ بذلك أنّه خيرٌ من أحوالهم في النّار دون الدّنيا، ولا في الدّنيا دون الآخرة، فالواجب أن يعمّ كما عمّ ربّنا جلّ ثناؤه، فيقال: أصحاب الجنّة يوم القيامة خيرٌ مستقرًّا في الجنّة من أهل النّار في الدّنيا والآخرة، وأحسن منهم مقيلاً، وإذا كان ذلك معناه، صحّ فساد قول من توهّم أنّ تفضيل أهل الجنّة بقول اللّه: {خيرٌ مستقرًّا} على غير الوجه المعروف من كلام النّاس بينهم في قولهم: هذا خيرٌ من هذا، وهذا أحسن من هذا). [جامع البيان: 17/433-436]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلًا (24)
قوله تعالى: أصحاب الجنّة
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلمٍ أنبأ فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّ أوّل زمرةٍ تدخل الجنّة يوم القيامة وجوههم على مثل صورة القمر ليلة البدر والزّمرة الثّانية على لون أحسن كوكبٍ درّيٍّ في السّماء.
قوله تعالى: يومئذٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: يومئذٍ يعنى يوم القيامة.
قوله تعالى: خيرٌ مستقرًّا
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل حدّثني يحيى بن الضّريس قال: سمعت أبي حمزة بن إسماعيل، ثنا أبو سنانٍ في قوله: خيرٌ مستقرًّا قال: المستقرّ الجنّة والمقيل دونهما.
قوله تعالى: وأحسن مقيلا
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان ، عن ميسرة، عن المنهال، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعودٍ في قول اللّه: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا قال: لا ينتصف النّهار حتّى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثمّ قرأ: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا ثمّ إنّ مقيلهم لإلى الجحيم.
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن يونس الرّمليّ، ثنا داود بن الجرّاح، عن نهشلٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا قال: إنّما هي ضحوةٌ فيقيل أولياء اللّه على الأسرّة مع الحور العين ويقيل أعداء اللّه مع الشياطين المقرنين.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا قال: يفرغ اللّه من حساب النّاس نصف النّهار فيقيل أهل الجنّة في الجنّة وأهل النّار في النّار فيقول اللّه يومئذٍ (أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا).
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عبد اللّه بن ميسرة، ثنا رجلٌ قد سمّاه قال: عكرمة: إنّي لأعرف السّاعة الّتي يدخل فيها أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار السّاعة الّتي تكون في الدّنيا ارتفاع الضّحى الأكبر إذا انقلب النّاس إلى أهليهم للقيلولة فينصرف أهل النّار إلى النّار، وأمّا أهل الجنّة فينطلق بهم إلى الجنّة فكانت قيلولتهم في الجنّة وأطعموا كبد حوتٍ فأشبعهم ذلك كلّهم. فذلك قوله: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي حدّثني أبي عن أبيه في قوله: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا قالوا في الغرف من الجنّة وكان حسابهم أن عرضوا على ربّهم عرضةً واحدةً وذلك الحساب اليسير وهو مثل قوله: فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا وينقلب إلى أهله مسرورًا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا أي مأوًى ومنزلا.
- قال قتادة حدّث صفوان بن محرزٍ أنه قال: يجئ يوم القيامة برجلين كان أحدهما ملكًا في الدّنيا إلى الحمرة والبياض فيحاسب فإذا عبدٌ لم يعمل خيرًا فيؤمر به إلى النّار والآخر صاحب كساءٍ في الدّنيا فيحاسب فيقول: يا ربّ ما أعطيتني من شيءٍ فتحاسبني به فيقول صدق عبدي فأرسلوه فيؤمر به إلى الجنّة ثمّ يتركان ما شاء اللّه ثمّ يدعى صاحب النّار فإذا هو مثل الحممة السّوداء فيقال له كيف وجدت؟
فيقول: شرّ مقيلٍ فيقال له: عد ثمّ يدعى بصاحب الجنّة فإذا هو مثل القمر ليلة البدر فيقال له: كيف وجدت؟ فيقول ربّ: خير مقيل، فيقال له: عد). [تفسير القرآن العظيم: 8/2680-2681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا.
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} قال: أحسن منزلا وخير مأوى). [الدر المنثور: 11/157]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وأحسن مقيلا} قال: مصيرا). [الدر المنثور: 11/157-158]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {خير مستقرا وأحسن مقيلا} قال: في الغرف من الجنة، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة وذلك الحساب اليسير وذلك مثل قوله {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا} ). [الدر المنثور: 11/158]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقبل هؤلاء وهؤلاء، ثم قرأ {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} وقرأ (ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم) ). [الدر المنثور: 11/158]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما هي ضحوة فيقيل أولياء الله على الاسرة مع الحور العين ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين). [الدر المنثور: 11/158]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار فذلك قوله {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} ). [الدر المنثور: 11/159]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن سعيد بن الصواف قال: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس وإنهم ليقيلون في رياض الجنة حين يفرغ الناس من الحساب، وذلك قوله {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} ). [الدر المنثور: 11/159]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} أي مأوى ومنزلا قال قتادة: حدث صفوان ابن محرز قال: إنه ليجاء يوم القيامة برجلين، كان أحدهما ملكا في الدنيا فيحاسب فإذا عبد لم يعمل خيرا فيؤمر به إلى النار، والآخر كان صاحب كساه في الدنيا فيحاسب فيقول: يا رب ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به فيقول: صدق عبدي فارسلوه فيؤمر به إلى الجنة ثم يتركان ما شاء الله ثم يدعى صاحب النار فإذا هو مثل الحممة السوداء فيقال له: كيف وجدت مقيلك فيقول: شر مقيل، فيقال له: عد، ثم يدعى صاحب الجنة فإذا هو مثل القمر ليلة البدر فيقال له: كيف وجدت مقيلك فيقول رب خير مقيل فيقال: عد). [الدر المنثور: 11/159-160]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: اني لاعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الاكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة، فينصرف أهل النار إلى النار وأما أهل الجنة فينطلق بهم الجنة فكانت قيلولتهم في الجنة وأطعموا كبد الحوت فاشبعهم كلهم فذلك قوله {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا} ). [الدر المنثور: 11/160]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن عكرمة أنه سئل عن يوم القيامة أمن الدنيا هو أم من الآخرة فقال: صدر ذلك اليوم من الدنيا وآخرة من الآخرة). [الدر المنثور: 11/160-161]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 رجب 1434هـ/5-06-2013م, 02:12 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا} [الفرقان: 21] وهم المشركون لا يقرّون بالبعث.
{لولا} [الفرقان: 21] هلا.
{أنزل علينا الملائكة} [الفرقان: 21] فيشهدوا أنّك رسول اللّه يا محمّد.
{أو نرى ربّنا} [الفرقان: 21] معاينةً فيخبرنا أنّك رسوله.
قال اللّه: {لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا} [الفرقان: 21] وعصوا عصيانًا كبيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/475]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لا يرجون لقاءنا...}

لا يخافون لقاءنا وهي لغة تهاميّة: يضعون الرجاء في موضع الخوف إذا كان معه جحدٌ. من ذلك قوله: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً} أي لا تخافون له عظمةً. وأنشدني بعضهم:
لا ترتجي حين تلاقي الذائدا=أسبعةً لاقت معاً أم واحداً
يريد: لا تخاف ولا تبالي. وقال لآخر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها =وحالفها في بيت نوب عوامل
يقال:نوب ونوب. ويقال: أوب وأوب من الرجوع ... والنوب ذكر النحل.
وقوله: {وعتوا عتوّاً كبيراً} جاء العتوّ بالواو لأنه مصدر مصرّح. وقال في مريم {أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّاً} فمن جعله بالواو كان مصدراً محضا. ومن جعله بالياء قال: عات وعتي فلمّا جمعوا بنى جمعهم على واحدهم. وجاز أن يكون المصدر بالياء أيضاً لأن المصدر والأسماء تتّفق في هذا المعنى: ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعوداً. فلمّا استويا ها هنا في القعود لم يبالوا أن يستويا في العتو والعتيّ). [معاني القرآن: 2/265]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" وقال الذّين لا يرجون لقاءنا " مجازه لا يخافون ولا يخشون. وقال أبو ذؤيب:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها=وحالفها في بيت نوب عوامل
ويروى خالفها بالخاء). [مجاز القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا} أي لا يخافون). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا}
معنى {لولا} هلّا.
{أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا}.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ الذين لا يوقنون بالبعث، ولا يرجون الثواب على الأعمال عند لقاء الله طلبوا من الآيات ما لم يأت أمة من الأمم.
فأعلم الله عزّ وجلّ أنهم قد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا، ويجوز عتوا كثيرا بالثاء، والعتو في اللغة المجاوزة في القدر في الظلم.
وأعلم الله - عزّ وجلّ - أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة، وأن الله قد حرمهم البشرى في ذلك الوقت فقال:
{يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا}. [معاني القرآن: 4/63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم خبر أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يقترحون من الآيات ما لم يعطه أحد فقال جل وعز: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا}
والعتو التجاوز فيما لا ينبغي). [معاني القرآن: 5/17-16]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا}: أي لا يخافون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {يوم يرون الملائكة} [الفرقان: 22] وهذا عند الموت.
{لا بشرى يومئذٍ للمجرمين} [الفرقان: 22] للمشركين، لا بشرى لهم يومئذٍ بالجنّة.
وذلك أنّ المؤمنين تبشّرهم الملائكة عند الموت بالجنّة.
قال: {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة} [فصلت: 30] عند الموت {ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون} [فصلت: 30] وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: {يوم يرون الملائكة} [الفرقان: 22] يوم القيامة.
قال: {ويقولون حجرًا محجورًا} [الفرقان: 22] سعيدٌ عن قتادة قال: حرامًا محرّمًا على الكافر البشرى يومئذٍ.
المعلّى بن هلالٍ، عن إدريس، عن عطيّة العوفيّ قال: {حجرًا محجورًا} [الفرقان: 22] قال:
[تفسير القرآن العظيم: 1/475]
حرامًا محرّمًا.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: هو كقوله للشّيء: معاذ اللّه، أي أن يكون لهم البشرى بالجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ...}

اليوم ليس بصلة للبشرى فيكون نصبه بها. ولكنك مضمر للفاء؛ كقيلك في الكلام: أمّا اليوم فلا مال. فإذا ألقيت الفاء فأنت مضمر لمثل اليوم بعد لا. ومثله في الكلام: عندنا لا مال إن أردت لا مال عندنا فقدّمت (عندنا) لم يجز. وإن أضمرت (عندنا) ثانية بعد (لا مال) صلح؛ ألا ترى أنّك لا تقول: زيدا لا ضارب (يا هذا) كما تقول: لا ضارب زيداً.
وقوله: {ويقولون حجراً مّحجوراً} حراماً محرّماً أن يكون لهم البشرى. والحجر: الحرام، كما تقول: حجر التاجر على غلامه، وحجر على أهله. وأنشدني بعضهم:
فهممت أن ألقى إليها محجراً =ولمثلها يلقى إليه المحجر
... ألقى وإلقى من لقيت أي مثلها يركب منه المحرّم). [معاني القرآن: 2/266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويقولون حجراً محجوراً} أي حراما محرماً،
قال المتلمس:
حنّت إلى النّخلة القصوى فقلت لها=حجرٌ حرامٌ ألا تلك الدّهاريس
وفي آية أخرى " لذي حجرٍ " أي لذي عقل ولب، ومن الحرام سمي حجر الكعبة، والأنثى من الخيل يقال لها حجرٌ). [مجاز القرآن: 2/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ويقولون حجرا محجورا}: قالوا: تقول الملائكة: حراما محرما عليكم أن تدخلوا الجنة.
والحجر ها هنا الحرام، والحجر من الخيل الأنثى. والحجر ما حجرت عليه وبه سمي حجر البيت. والحجر أيضا العقل). [غريب القرآن وتفسيره: 276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويقولون حجراً محجوراً} أي: حراما محرّما أن تكون لهم بشرى.
وإنما قيل للحرام حجر: لأنه حجر عليه بالتحريم. يقال: حجرت حجرا. واسم ما حجرت عليه: حجر). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا}
{يوم يرون} منصوب على وجهين:
أحدهما على معنى لا بشرى تكون للمجرمين يوم يرون الملائكة.
و {يومئذ} هو مؤكد " ليوم يرون الملائكة "، ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله " لا بشرى " لأن ما اتصل بلا لا يعمل فيما قبلها.
ولكن لمّا قيل لا بشرى للمجرمين بيّن في أي يوم ذلك، فكأنه قيل يجمعون البشرى يوم يرون الملائكة، وهو يوم القيامة.
{ويقولون حجرا محجورا} وقرئت " حجرا " بضم الحاء " والمعنى وتقول الملائكة حجرا محجورا.
أي حراما محرما عليهم البشرى، وأصل الحجر في اللغة ما حجرت عليه أي ما منعت من أن يوصل إليه، وكل ما منعت منه فقد حجرت عليه،
وكذلك حجر القضاة على الأيتام إنما هو منع إياهم عن التصرف في أموالهم.
وكذلك الحجرة التي ينزلها الناس هو ما حوّطوا عليه.
ويجوز أن يكون " يوم " منصوبا على معنى اذكر يوم يرون الملائكة.
ثم أخبر فقال: (لا بشرى يومئذ للمجرمين) والمجرمون الذين اجترموا الذّنوب، وهم في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر باللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 4/64-63]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا}
روى عطية عن أبي سعيد الخدري حجرا محجورا قال حراما محرما
قال الضحاك أي تقول لهم الملائكة حراما عليكم محرما أن تكون لكم البشرى اليوم يعني الكفار
قال أبو جعفر والمعنى حراما عليكم البشرى ومن هذا حجر القاضي إنما هو منعه ومن هذا حجر الإنسان).[معاني القرآن: 5/17]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حجرا محجورا} أي: حراما محرما، أي: منعا منعا). [ياقوتة الصراط: 382]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حِجْرًا مَّحْجُورًا}: أي حراما محرما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حِجْرًا}: حراماً
{مَّحْجُورًا}: محرماً). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقدمنا} [الفرقان: 23] أي: وعمدنا في تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه.
{إلى ما عملوا من عملٍ} [الفرقان: 23] أي حسنٍ، يعني المشركين.
{فجعلناه} [الفرقان: 23] في الآخرة.
{هباءً منثورًا} [الفرقان: 23] وهو الّذي يتناثر من الغبار الّذي يكون من أثر حوافر الدّوابّ إذا سارت.
والآية الأخرى: {فكانت هباءً منبثًّا} [الواقعة: 6] وهو الّذي يدخل البيت من الكوّة من شعاع الشّمس.
وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: {هباءً منثورًا} [الفرقان: 23] هو عنده هذا). [تفسير القرآن العظيم: 1/476]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ...}

عمدنا بفتح العين: {فجعلناه هباء مّنثوراً} أي باطلا، والهباء ممدود غير مهموزٍ في الأصل يصغر هبيّ كما يصغر الكساء كسيّ. وجفاء الوادي مهموز في الأصل إن صغّرته قلت هذا جفيء. مثل جفيع ويقاس على هذين كلّ ممدود من الهمز ومن الياء ومن الواو). [معاني القرآن: 2/266]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ} مجازه وعمدنا إلى ما عملوا، قال:
فقدم الخوارج الضّلاّل=إلى عباد ربّهم فقالوا
إنّ دماءكم لنا حلال مثل الغبار إذا طلعت فيه الشمس وليس له مسٌ ولا يرى في الظل). [مجاز القرآن: 2/74-73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل}: أي عمدنا.
{هباء منثورا}: قالوا شعاع الشمس الذي يخرج من الكوة). [غريب القرآن وتفسيره: 277-276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ} أي عمدنا إليه، {فجعلناه هباءً منثوراً}. وأصل «الهباء المنثور»: ما رأيته في الكوة،
مثل الغبار، من الشمس. واحدها: هباءة و«الهباء المنبث»: وأسطع من سنابك الخيل وهو من «الهبوة» والهبوة: الغبار). [تفسير غريب القرآن: 312]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قول الله عز وجل: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}
والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة.
والنّقير: النّقرة في ظهرها.
ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.
وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا
وكذلك قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} وهو (الفوقة) التي فيها النّواة. يريد ما يملكون شيئا.
ومنه قوله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي قصدنا لأعمالهم وعمدنا لها.
والأصلُ أنَّ مَن أرادَ القُدوم إلى موضع عَمَدَ له وَقَصَدَه.
والهباء المنثور: ما رأيته في شُعَاعِ الشَّمس الداخلِ من كُوَّةِ البيتِ.
والهباء المنبثُّ: ما سَطَعَ مِن سَنابكِ الخيلِ.
وإنما أراد أنّا أبطلناه كما أنَّ هذا مُبطَلُ لا يُلْمَسُ ولا يُنْتَفَعُ بهِ). [تأويل مشكل القرآن: 138] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}
معنى قدمنا عمدنا وقصدنا كما تقول: قام فلان يشتم فلانا، تريد قصد إلى شتم فلان، ولا تريد قام من القيام على الرجلين.
(فجعلناه هباء منثورا) " الهباء " ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشمس شبيها بالغبار.
وتأويله أن اللّه عزّ وجلّ أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل}
قال مجاهد وقدمنا أي عمدنا
قال أبو جعفر وأصل هذا أن القادم إلى الموضع يعمد له ويقصد إليه
ثم قال جل وعز: {فجعلناه هباء منثورا}
روى أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال الهباء المنثور شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة
قال أبو جعفر وهباء جمع هباءة فيقال لما يكون من شعاع الشمس
وهو شبيه بالغبار هباء منثور ويقال لما يطير من تحت سنابك الخيل هباء منبث وأصله من أهبأ التراب إهباء إذا أثاره كما قيل منينا كأنه أهباء). [معاني القرآن: 5/19-18]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (وقدمنا) أي: وقصدنا). [ياقوتة الصراط: 383]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الهباء المنثور): ما رأيته في ضوء الكوة مثل الغبار في الشمس. والهباء المنبث: ما طلع في سنابك الخيل من الغبار).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَقَدِمْنَا}: عمدنا). [العمدة في غريب القرآن: 222]

تفسير قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أصحاب الجنّة} [الفرقان: 24] أهل الجنّة.
{يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا} [الفرقان: 24] من مستقرّ المشركين.
{وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] منهم.
قوله: {خيرٌ مستقرًّا} [الفرقان: 24] منزلا، الجنّة يستقرّون فيها لا يخرجون منها.
ومستقرّ المشركين جهنّم لا يخرجون منها.
قال: {وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] قال قتادة: {خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] قال: مأوًى ومنزلا.
حدّثني صفوان بن محرزٍ قال: يجاء يوم القيامة برجلين كان أحدهما ملكًا في الدّنيا، إلى الحمرة والبياض، فيحاسب، فإذا عبدٌ لم يعمل خيرًا فيؤمر به إلى النّار، والآخر كان مسكينًا، أو كما قال، في الدّنيا فيحاسب فيقول: يا ربّ، ما أعطيتني من شيءٍ فتحاسبني به، فيقول: صدق عبدي، فأرسلوه، فيؤمر به إلى الجنّة.
ثمّ يتركان ما شاء اللّه.
ثمّ يدعى بصاحب النّار فإذا هو مثل الحممة السّوداء.
فيقال له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: ربّ شرّ مقيلٍ.
فيقال له: عد.
ثمّ
[تفسير القرآن العظيم: 1/476]
يدعى صاحب الجنّة فإذا هو مثل القمر ليلة البدر.
فيقال له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: ربّ خير مقيلٍ.
فيقال له: عد.
- الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه: " يخرج بعد ما يستقرّ أهل الجنّة في الجنّة وأهل النّار في النّار رجلٌ من النّار ورجلٌ من الجنّة فيستنطق اللّه الرّجل الّذي يخرج من الجنّة فيقول له: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: يا ربّ خير مقيلٍ وخير مصيرٍ صار إليه العبد.
فيقول له ربّه: إنّ لك عندي الزّيادة والكرامة، فارجع.
ويسأل الّذي يخرج من النّار: كيف وجدت مقيلك؟ فيقول: يا ربّ شرّ مقيلٍ ومصيرٍ صار إليه العبد.
ثمّ يقول: يا ربّ يا ربّ.
فيقول له ربّه: ما تعطيني إن أخرجتك؟ فيقول: يا ربّ أعطيك ما سألتني.
فيقول: فإنّي أسألك ملء الأرض ذهبًا، فيقول: يا ربّ، لا أقدر عليه، لو قدرت عليه أعطيتك.
فيقول له: كذبت وعزّتي، قد سألتك ما هو أهون من ذلك فلم تعطنيه.
سألتك أن تسألني فأعطيك، وتدعوني فأستجيب لك، وتستغفرني فأغفر لك ".
- وحدّثني أبانٌ العطّار أنّ ابن عبّاسٍ قال: من لم يقل في الجنّة يومئذٍ فليس من أهلها.
قال يحيى: وبلغني أنّ ابن عبّاسٍ قال: إنّي لأعلم أيّ ساعةٍ يدخل أهل الجنّة الجنّة قبل نصف النّهار حين يشتهون الغداء). [تفسير القرآن العظيم: 1/477]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مّستقرّاً وأحسن مقيلاً...}

قال: بعض المحدّثين يرون أنه يفرغ من حساب الناس في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار. فذلك قوله: {خيرٌ مّستقرّاً وأحسن مقيلاً} وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا: هذا أحمق الرّجلين ولا أعقل الرجلين، ويقولون لا نقول: هذا أعقل الرجلين إلا لعاقلين تفضّل أحدهما على صاحبه. وقد سمعت قول الله {خيرٌ مّستقرّاً} فجعل أهل الجنة خيراً مستقراً من أهل النار، وليس في مستقرّ أهل النار شيء من الخير فاعرف ذلك من خطائهم). [معاني القرآن: 2/267-266]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم اللّه عزّ وجلّ فضل أهل الجنة على أهل النار فقال:
{أصحاب الجنّة يومئذ خير مستقرّا وأحسن مقيلا}
والمقيل المقام وقت القائلة، وقيل هو النوم نصف النهار، وجاء في التفسير أن أهل الجنّة يصيرون إلى أهليهم في الجنة وقت نصف النّهار). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}
قال أبو جعفر القول في هذا كالقول في قوله تعالى: {أذلك خير أم جنة الخلد}
والفراء يذهب إلى أنه ليس في هذا سؤال البتة
ثم قال جل وعز: {وأحسن مقيلا}
قال قتادة أي مأوى ومنزلا
قال أبو جعفر المقيل في اللغة هو المقام وقت القيلولة خاصة فقيل إن أهل الجنة ينصرفون إلى نسائهم مقدار وقت نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ذلك الوقت). [معاني القرآن: 5/20-19]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 رجب 1434هـ/5-06-2013م, 02:15 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما ما كان من الياء فجارٍ في البابين جميعا - فُعّل - وفُعّال - على الأصل.
تقول: قوم بُيّعٌ، وبُيّاعٌ، يكون إلا ذلك.
وكذلك إن بنيت واحدا من الواو على فُعّل لم يجز القلب، لأن الوجه فيما اعتلت لامه فكانت واوا الثبات في الواحد، نحو قولك: عتا يعتو عتوّا. قال الله عز وجل: {وعتوا عتوّاً كبيراً}.
فالواحد إذا كان الواو فيه عينا لازم لموضعه، وذلك قولك: رجل قُوّل، كما تقول: رجل حُوّل قُلّب، لا يكون إلا ذلك). [المقتضب: 1/266-267]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (
وكل خليل راءني فهو قائل = من أجلك هذا هامة اليوم أو غد
...
وقوله: "راءَني" يريد "رآني"، ولكنه قلب؛ فأخر الهمزة. ونظير هذا من الكلام قسيٌّ وإنما الأصل قؤوسٌ ولما أخرَ الواوين أبدل منهما، ياءين، كما يجب في الجمع، وتقول: دلو ودلويٌّ، وعاتٍ وعتيٌّ، وإن شئت قلت: عتي ودليُّ، من أجدل الياء، فإن كان فعولٌ لواحدٍ قلت: عتو. ويجوز القلبُ، والوجه في الواحد إثبات الواوِ، كما تقولُ: مغزوٌّ ومدعوٌّ ويجوز مغزيٌّ وفي القرآن {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} وقال: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} وقال: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} والأصل مرضوةٌ لأنه من الواو، من الرضوان. ومن القلب قولهم طأمن ثم قالوا: اطمأن، فأخروا الهمزة وقدموا الميم، ومثل هذا كثيرٌ جدًا). [الكامل: 2/807]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ونظير سبحان الله في البناء من المصادر والمجرى لا في المعنى غفران لأنّ بعض العرب يقول غفرانك لا كفرانك يريد استغفاراً لا كفراً. ومثل هذا
قوله جلّ ثناؤه: {ويقولون حجرا محجورا} أي حراماً محرّما يريد به البراءة من الأمر ويبعد عن نفسه أمراً فكأنه قال أحرم ذلك حراماً محرّما). [الكتاب: 1/325-326]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والحجر مصدر حجرت عليه حجرا والحجر حجر الإنسان وقد يقال بكسر الحاء وحجر قصبة اليمامة والحجر العقل قال الله عز وجل: {هل في ذلك قسم لذي حجر} والحجر الحرام قال الله عز وجل: {ويقولون حجرا محجورا} أي حراما محرما والحجر الفرس الأنثى والحجر حجر الكعبة والحجر ديار ثمود قال الله جل ثناؤه: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} ). [إصلاح المنطق: 17]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وحَجْر الإنسان وحِجْره ويقرأ {حِجْرا محجورا} و(حَجْرا محجورا) ). [إصلاح المنطق: 31]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما جرى مجرى المصادر وليس بمتصرف من فعل
فمن ذلك: سبحان الله، ومعاذ الله، وقولهم: أفةً، وتفةً، وويلا لزيد، وويحا له، وسلامٌ على زيد، وويلٌ لزيد، وويحٌ له، وتربا له. كل هذا معناه في النصب واحدٌ، ومعناه في الرفع واحد. ومنه ما لا يلزمه إلا النصب، ومنه ما لا يجوز فيه إلا الرفع لعلل نذكرها إن شاء الله. ومنه قولك: مرحبا، وأهلاً وسهلاً، وويلةً، وعولةً. فأما قولهم: سبحان الله فتأويله: براءة الله من السوء، وهو في موضع المصدر، وليس منه فعل. فإنما حده الإضافة إلى الله - عز وجل - وهو معرفة. وتقديره، إذا مثلته فعلاً: تسبيحاً لله. فإن حذفت المضاف إليه من سبحان لم ينصرف؛ لأنه معرفة، وإنما نكرته بالإضافة؛ ليكون معرفة بالمضاف إليه. فأما قول الشاعر:
سبحانه ثم سبحاناً نعوذ بـه = وقبلنا سبح الجودي والجمد
في رواية: نعوذ به. فإنما نون مضطراً، ولو لم يضطر لكان كقول الآخر:
أقول لما جاءني فخـره = سبحان من علقمة الفاخر
فهذا في موضع: براءةً منه. ومعاذ الله كذلك لا يكون إلا مضافاً. وتقديره تقدير: عياذ الله، أي: عذت بالله عياذاً. فهذا موضع هذا. ومثل ذلك: حجرة،إنما معناه: حراماً. فهو في موضعه لو تكلمي به. فمن ذلك قول الله عز وجل: {حجراً محجوراً} أي: حراماً محرماً. وأما قولهم: مرحباً وأهلاً، فهو في موضع قولهم: رحبت بلادك رحبا، وأهلت أهلا، ومعناه: الدعاء. يقول: صادفت هذا. ولو قلت: حجرٌ، ومرحبٌ، لصلح، تريد: أمرك هذا. وأما سبحان وما كان مثله مما لا يكون إلا مضافاً، فلا يصلح فيه إلا النصب. وهذا البيت ينشد على وجهين: على الرفع والنصب وهو:
وبالسهب ميمون النقـيبة قـولـه = لملتمس المعروف: أهلٌ ومرحب
وقال الآخر:
إذا جئت بواباً له قال: مرحبـاً = ألا مرحبٌ واديك غير مضيق
فأما قولهم: سلاماً، وسلامٌ يا فتى، فإن معناه: المبارأة والمتاركة. فمن قال: لا تكن من فلان إلا سلامٌ بسلام فمعناه: لا تكن إلا وأمرك وأمره المتاركة والمبارأة، وإنما رفعت؛ لأنك جعلته ابتداءً وخبراً في موضع خبر كان. ولو نصبته كان جيداً بالغاً. فمن ذلك قوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} تأويله: المتاركة، أي: لا خير بيننا وبينكم ولا شر). [المقتضب: 3/217-219]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

واضح اللون كالمجرة لا يعـ = ـدم يوما من الأهابي مورا
...
والأهابي: الغبار،
الواحد إهباء. ويقال: رأيت إهباء منكرا، وهو ثوران الغبار، وهي الهبوة والهبوات؛ وقد أهبى الظليم إذا اغبر). [شرح ديوان كعب بن زهير: 158-159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرماد: باطل من الكلام والعلم، لا ينتفع به؛ وكذلك السراب والهباء: يقول الله عز وجل في الرماد: {كرماد اشتدت به الريح} وقال في السراب: {يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا}.
وقال في الهباء: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} ). [تعبير الرؤيا: 168-169] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومن الأضداد أيضا قول العرب: زيد أعقل الرجلين، إذا كانا عاقلين؛ إلا أن أحدهما أكثر عقلا من الآخر، وزيد أعقل الرجلين إذا كان أحدهما عاقلا والآخر أحمق، فأما المعنى الأول فلا يحتاج فيه إلى شاهد لشهرته عند عوام الناس وخواصهم، وأنا المعنى الآخر فشاهده قول الله عز وجل: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}.
قال الفراء: قال بعض المشيخة: يروى أنه يفرغ من حساب الناس في النصف من ذلك اليوم، ثم يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
قال الفراء: وأصحاب الكلام إذا اجتمع لهم عاقل وأحمق لم يقولوا: هذا أعقل الرجلين؛ إلا أن يكون الرجلان عاقلين؛ أحدهما أزيد عقلا من الآخر، قال: فقول الله عز وجل: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا}، يدلك
على خطئهم؛ لأن أهل النار ليس في مستقرهم من الخير شيء.
وقال غير الفراء: معنى الآية التشبيه والتمثيل، وذلك أن الكفار كانوا يناظرون المسلمين، فيقول بعضهم: حظنا من الآخرة مثل حظكم؛ ونحن نصير منها إلى مثل ما يصير إلى صلحاؤكم من الكرامة والزلفى والغبطة، الدليل على هذا قوله عز ذكره: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} إلى قوله: {ويأتينا فردا}، فنزول هذه الآيات في خباب والعاص بن وائل، قال خباب: كنت قينا في الجاهلية، فاجتمعت لي على العاص بن وائل دراهم، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد عليه السلام، فقلت: لا أكفر به، حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لمبعوث؟ قلت: نعم، قال: فسيكون لي ثم منزل ومال، فأقضيك دراهمك، فأنزل الله عز وجل هذا فيه، وقال: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا} أي قد ادعوا –أعني الكفار- أن لهم في الجنة مقيلا ومستقرا، فمستقر المؤمنين خير من مستقرهم في حقيقة الأمر على دعواهم وظنهم، لا أن الله عز وجل ثبت أن للكفار في الجنة مستقرا.
وفي المسألة جواب ثالث؛ وهو أصحاب الجنة: لو كان لأصحاب النار وأصحابها مستقر فيه خير، لكان مستقر أصحاب الجنة خيرا منه لاتصال نعيمهم؛ ولانقطاع الراحة التي يجدها أهل النار في النار إن كانت؛ وهي مما لا يكون، فجرى مجرى قول العرب: ما لفلان عيب إلا السخاء، أي من السخاء عيبه فلا عيب له.
وقد خرج بعضهم قول الله عز وجل: {ليس لهم طعام إلا من ضريع}، من هذا المعنى فقال: التأويل: من الضريع طعامه فلا طعام له. ومنه قول العرب: ما لفلان راحة إلا السير والعمل؛ أي من هذان راحته فهو غير مستريح). [كتاب الأضداد: 316-318]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 03:16 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 03:17 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 03:19 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر عن مقالة الكفار: {لولا أنزل علينا الملائكة} الآية، وقوله تعالى: "يرجون"، قال أبو عبيدة وقوم: معناه: يخافون، والشاهد لذلك قول الهذلي:
[المحرر الوجيز: 6/428]
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يظهر لي أن الرجاء في الآية والبيت على بابه؛ لأن خوف لقاء الله تعالى مقترن أبدا برجائه، فإذا نفي الرجاء عن أحد فإنما أخبر عنه أنه مكذب بالبعث لنفي الخوف والرجاء، وفي ذكر الكفار بنفي الرجاء تنبيه على غبطة ما فاتهم من رجاء الله تعالى. وأما بيت الشعر المذكور فمعناه عندي: لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها، فهو لذلك يوفي على الصبر ويجد في شغله.
ولما تمنت كفار قريش رؤية ربهم أخبر تعالى عنهم أنهم عظموا أنفسهم، وسألوا ما ليسوا له بأهل، و"عتوا" معناه: صعبوا على الحق واشتدوا، ويقال: عتي وعتو، عتو على الأصل، وعتي لاستثقال الضم على الواو فقلبت ياء ثم كسر ما قبلها طلبا للتناسب). [المحرر الوجيز: 6/429]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا}
المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا: لولا أنزل علينا الملائكة إنما هو يوم
[المحرر الوجيز: 6/429]
القيامة، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل، فاختصرناه لذلك. ومعنى الآية: إن هؤلاء الذين تمنوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله تعالى في ذلك فإنهم يوم يرون الملائكة هو شر لهم، ولا بشرى لهم، بل لهم الخسار ولقاء المكروه، ويومئذ لا خير ولا بشرى؛ لأن الظروف تكون إخبارا عن المصادر. الضمير في قوله: "ويقولون"، قال الحسن، وقتادة، والضحاك، ومجاهد: هو "للملائكة"، المعنى: ويقول الملائكة للمجرمين: حجرا محجورا عليكم البشرى، أي: حراما محرما، ومنه قول جرير بن عبد المسيح:
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس
وقال مجاهد أيضا، وابن جريج: إن الضمير في قوله: "ويقولون" هو للكفار المجرمين، قال ابن جريج: كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا: حجرا، قال مجاهد: حجرا: عوذا، يستعيذون بالملائكة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يكون المعنى: ويقولون: حرام محرم علينا العفو، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة عند العرب، يقولها من خاف آخر في الحرم، أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدم، أي: هذا الذي حنت إليه ممنوع.
[المحرر الوجيز: 6/430]
وقرأ الحسن، وأبو رجاء: "حجرا" بضم الحاء، والناس على كسرها). [المحرر الوجيز: 6/431]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عما يأتي قضاؤه وفعله فقال حكاية عن يوم القيامة: "وقدمنا"، أي: قصد حكمنا وإنفاذنا، ونحو هذا من الألفاظ اللائقة، وقيل: هو قدوم الملائكة أسنده إليه لأنه عن أمره، وحسنت لفظة "قدمنا" لأن القادم على شيء مكروه لم يقرره ولا أمر به مغير له ومذهب، وأما قول الراجز:
وقدم الخوارج الضلال ... إلى عباد ربنا فقالوا
إن دماءكم لنا حلال
فالقدوم على بابه.
ومعنى الآية: وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئا؛ إذ لا نية معها، فجعلناها على ما تستحق لا تعد شيئا، وصيرناها هباء منثورا، أي: شيئا لا تحصيل له، والهباء: هي الأجرام المستدقة الشائعة في الهواء التي لا يدركها حس إلا حين تدخل الشمس على مكان ضيق يحيط به الظل كالكوة ونحوها، فيظهر حينئذ فيما قابل الشمس أشياء تغيب وتظهر، فذلك هو الهباء، ووصفه في هذه الآية بـ "منثور"، ووصفه في غيرها بـ "منبث"، فقالت فرقة: هما سواء، وقالت فرقة: المنبث أرق وأدق من المنثور؛ لأن المنثور يقتضي أن غيره نثره، كسنابك الخيل والرياح أو هدم حائط ونحو ذلك، والمنبث كأنه انبث من رقته، وقال غيرهما: الهباء المنثور هو ما تسفي به الرياح وتبثه، وروي عنه أنه قال: الهباء الماء المهراق، والأول أصح، والعرب تقول: هبات الغبار ونحوه إذا بثته، قال الشاعر:
فترى خلفها من الرجع والوقـ ... ـع منينا كأنه أهبا
[المحرر الوجيز: 6/431]
ومعنى هذه الآية: جعلنا أعمالهم لا حكم لها ولا منزلة). [المحرر الوجيز: 6/432]

تفسير قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر عز وجل أن مستقر أهل الجنة خير من مستقر أهل النار، وجاءت "خير" ها هنا للتفضيل بين شيئين لا شركة بينهما، قال الزجاج وغيره: إنه لما اشتركا في أن هذا مستقر وهذا مستقر فضل الاستقرار الواحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويظهر لي أن هذه الألفاظ التي فيها عموم ما، ويتوجه حكمها من جهات شتى، نحو قولك: أحب، وأحسن، وخير، وشر، يسوغ أن يجاء بها بين شيئين لا شركة بينهما، فتقول: السعد في الدنيا أحب إلي من الشقاء، أي: قد يوجد بوجه ما من يستحب الشقاء كالمتعبد والمغتاظ، وكذلك في غيرها، فإذا كانت "أفعل" في معنى بين أن الواحد من الشيئين لا حظ له فيه بوجه فسد الإخبار بالتفضيل به، كقولك: الماء أبرد من النار، ومن هذا أنك تقول في ياقوتة ومدرة -وتشير إلى المدرة-: هذه خير وأحسن وأحب وأفضل من هذه، ولو قلت: هذه ألمع وأشد شراقة من هذه، لكان فاسدا.
وقوله: "مقيلا"، ذهب ابن عباس رضي الله عنهما، والنخعي، وابن جريج إلى أن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار ومقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فالمقيل من القائلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن اللفظة إنما تضمنت تفضيل الجنة جملة وحسن هوائها، والعرب تفضل البلاد بحسن المقيل؛ لأن وقت القيلولة يبدو فساد هواء البلاد، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسنا جاز الفضل، ومن ذلك قول الأسود بن يعفر الإيادي:
[المحرر الوجيز: 6/432]
أرض تخيرها لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أم دؤاد). [المحرر الوجيز: 6/433]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:26 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا (21) يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا (22) وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا (23) أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلًا (24) }
يقول تعالى مخبرًا عن تعنّت الكفّار في كفرهم، وعنادهم في قولهم: {لولا أنزل علينا الملائكة} أي: بالرّسالة كما نزّل على الأنبياء، كما أخبر عنهم تعالى في الآية الأخرى: {قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه} [الأنعام: 124]، ويحتمل أن يكون مرادهم هاهنا: {لولا أنزل علينا الملائكة} فنراهم عيانًا، فيخبرونا أنّ محمّدًا رسول اللّه، كقولهم: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا} [الإسراء: 92]. وقد تقدّم تفسيرها في سورة "سبحان"؛ ولهذا قال: {أو نرى ربّنا} ولهذا قال اللّه تعالى: {لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا}. وقد قال [اللّه] تعالى: {ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون} [الأنعام: 111]). [تفسير ابن كثير: 6/ 101]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا} أي: هم لا يرون الملائكة في يوم خيرٍ لهم، بل يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ لهم، وذلك يصدق على وقت الاحتضار حين تبشّرهم الملائكة بالنّار، وغضب الجبّار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه: اخرجي أيّتها النّفس الخبيثة في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سموم وحميم، وظلّ من يحمومٍ. فتأبى الخروج وتتفرّق في البدن، فيضربونه، كما قال اللّه تعالى: {ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} [الأنفال: 50]. وقال: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم} أي: بالضّرب، {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام: 93]؛ ولهذا قال في هذه الآية الكريمة: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين}، وهذا بخلاف حال المؤمنين في وقت احتضارهم، فإنّهم يبشّرون بالخيرات، وحصول المسرّات. قال اللّه تعالى: {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدّنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون نزلًا من غفورٍ رحيمٍ} [فصّلت: 30 -31].
وفي الحديث الصّحيح عن البراء بن عازبٍ: أنّ الملائكة تقول لروح المؤمن: "اخرجي أيّتها النّفس الطّيّبة في الجسد الطّيّب، كنت تعمرينه، اخرجي إلى روحٍ وريحانٍ وربٍّ غير غضبان". وقد تقدّم الحديث في سورة "إبراهيم" عند قوله تعالى: {يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة ويضلّ اللّه الظّالمين ويفعل اللّه ما يشاء} [إبراهيم: 27].
وقال آخرون: بل المراد بقوله: {يوم يرون الملائكة} يعني: يوم القيامة. قاله مجاهدٌ، والضّحّاك؛ وغيرهما.
ولا منافاة بين هذا وبين ما تقدّم، فإنّ الملائكة في هذين اليومين يوم الممات ويوم المعاد تتجلّى للمؤمنين وللكافرين، فتبشّر المؤمنين بالرّحمة والرّضوان، وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران، فلا بشرى يومئذٍ للمجرمين.
{ويقولون حجرًا محجورًا} أي: وتقول الملائكة للكافرين حرام محرّمٌ عليكم الفلّاح اليوم.
وأصل "الحجر": المنع، ومنه يقال: حجر القاضي على فلانٍ، إذا منعه التّصرّف إمّا لسفه، أو فلس، أو صغرٍ، أو نحو ذلك. ومنه سمّي "الحجر" عند البيت الحرام؛ لأنّه يمنع الطوّاف أن يطوفوا فيه، وإنّما يطاف من ورائه. ومنه يقال للعقل "حجرٌ" ؛ لأنّه يمنع صاحبه عن تعاطي ما لا يليق.
والغرض أنّ الضّمير في قوله: {ويقولون} عائدٌ على الملائكة. هذا قول مجاهدٍ، وعكرمة، والضّحّاك، والحسن، وقتادة، وعطيّة العوفيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، وخصيف، وغير واحدٍ. واختاره ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا موسى -يعني ابن قيسٍ -عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ: {ويقولون حجرًا محجورًا} قال: حرامًا محرّما أن يبشّر بما يبشّر به المتّقون.
وقد حكى ابن جريرٍ، عن ابن جريج أنّه قال: ذلك من كلام المشركين: {يوم يرون الملائكة}، [أي: يتعوّذون من الملائكة؛ وذلك أنّ العرب كانوا إذا نزل بأحدهم نازلةً أو شدّةً] يقولون: {حجرًا محجورًا}.
وهذا القول -وإن كان له مأخذٌ ووجهٌ -ولكنّه بالنّسبة إلى السّياق في الآية بعيدٌ، لا سيّما قد نصّ الجمهور على خلافه. ولكن قد روى ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ؛ أنّه قال في قوله: {حجرًا محجورًا} أي: عوذًا معاذًا. فيحتمل أنّه أراد ما ذكره ابن جريجٍ. ولكن في رواية ابن أبي حاتمٍ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أنّه قال: {حجرًا محجورًا} [أي]: عوذًا معاذًا، الملائكة تقوله. فاللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 101-103]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا}، وهذا يوم القيامة، حين يحاسب اللّه العباد على ما عملوه من خيرٍ وشرٍّ، فأخبر أنّه لا يتحصّل لهؤلاء المشركين من الأعمال -الّتي ظنّوا أنّها منجاةٌ لهم -شيءٌ؛ وذلك لأنّها فقدت الشّرط الشّرعيّ، إمّا الإخلاص فيها، وإمّا المتابعة لشرع اللّه. فكلّ عملٍ لا يكون خالصًا وعلى الشّريعة المرضيّة، فهو باطلٌ. فأعمال الكفّار لا تخلو من واحدٍ من هذين، وقد تجمعهما معًا، فتكون أبعد من القبول حينئذٍ؛ ولهذا قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا}.
قال مجاهدٌ، والثّوريّ: {وقدمنا} أي: عمدنا.
وقال السّدّيّ: (قدمنا): عمدنا. وبعضهم يقول: أتينا عليه.
وقوله: {فجعلناه هباءً منثورًا} قال سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، في قوله: {[فجعلناه] هباءً منثورًا}، قال: شعاع الشّمس إذا دخل في الكوّة. وكذا روي من غير هذا الوجه عن عليٍّ. وروي مثله عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والسّدّي، والضّحّاك، وغيرهم. وكذا قال الحسن البصريّ: هو الشّعاع في كوّة أحدهم، ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {هباءً منثورًا} قال: هو الماء المهراق.
وقال أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ: {هباءً منثورًا} قال: الهباء رهج الدّوابّ. وروي مثله عن ابن عبّاسٍ أيضًا، والضّحّاك، وقاله عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وقال قتادة في قوله: {هباءً منثورًا} قال: أما رأيت يبيس الشّجر إذا ذرته الرّيح؟ فهو ذلك الورق.
وقال عبد اللّه بن وهبٍ: أخبرني عاصم بن حكيمٍ، عن أبي سريعٍ الطّائيّ، عن يعلى بن عبيدٍ قال: وإنّ الهباء الرّماد.
وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الآية، وذلك أنّهم عملوا أعمالًا اعتقدوا أنّها شيءٌ، فلمّا عرضت على الملك الحكيم العدل الّذي لا يجور ولا يظلم أحدًا، إذا إنّها لا شيء بالكلّيّة. وشبّهت في ذلك بالشّيء التّافه الحقير المتفرّق، الّذي لا يقدر منه صاحبه على شيءٍ بالكلّيّة، كما قال اللّه تعالى: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ لا يقدرون ممّا كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضّلال البعيد} [إبراهيم: 18] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا} [البقرة: 264] وقال تعالى: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا} [النّور: 39] وتقدّم الكلام على تفسير ذلك، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير ابن كثير: 6/ 103-104]

تفسير قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} أي: يوم القيامة {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون} [الحشر: 20]؛ وذلك لأنّ أهل الجنّة يصيرون إلى الدّرجات العاليات، والغرفات الآمنات، فهم في مقامٍ أمينٍ، حسن المنظر، طيّب المقام، {خالدين فيها حسنت مستقرًّا ومقامًا} [الفرقان: 76]، وأهل النّار يصيرون إلى الدّركات السّافلات، والحسرات المتتابعات، وأنواع العذاب والعقوبات، {إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا} [الفرقان: 66] أي: بئس المنزل منظرًا وبئس المقيل مقامًا؛ ولهذا قال: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} أي: بما عملوه من الأعمال المتقبّلة، نالوا ما نالوا، وصاروا إلى ما صاروا إليه، بخلاف أهل النّار فإنّه ليس لهم عملٌ واحدٌ يقتضي لهم دخول الجنّة والنّجاة من النّار، فنبّه -تعالى -بحال السّعداء على حال الأشقياء، وأنّه لا خير عندهم بالكلّيّة، فقال: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا}.
قال الضّحّاك: عن ابن عبّاسٍ: إنّما هي ضحوةٌ، فيقيل أولياء اللّه على الأسرّة مع الحور العين، ويقيل أعداء اللّه مع الشّياطين مقرّنين.
وقال سعيد بن جبيرٍ: يفرغ اللّه من الحساب نصف النّهار، فيقيل أهل الجنّة في الجنّة، وأهل النّار في النّار، قال اللّه تعالى: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا}.
وقال عكرمة: إنّي لأعرف السّاعة الّتي يدخل فيها أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار: هي السّاعة الّتي تكون في الدّنيا عند ارتفاع الضّحى الأكبر، إذا انقلب النّاس إلى أهليهم للقيلولة، فينصرف أهل النّار إلى النّار، وأمّا أهل [الجنّة فينطلق بهم إلى] الجنّة، فكانت قيلولتهم [في الجنّة] وأطعموا كبد حوتٍ، فأشبعهم [ذلك] كلّهم، وذلك قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا}.
وقال سفيان، عن ميسرة، عن المنهال، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه قال: لا ينتصف النّهار حتّى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثمّ قرأ: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} وقرأ {ثمّ إنّ مرجعهم لإلى الجحيم} [الصافات: 68].
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} قال: قالوا في الغرف من الجنّة، وكان حسابهم أن عرضوا على ربّهم عرضةً واحدةً، وذلك الحساب اليسير، وهو مثل قوله تعالى: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا * وينقلب إلى أهله مسرورًا} [الانشقاق: 7-9].
وقال قتادة في قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} أي: مأوًى ومنزلًا قال قتادة: وحدّث صفوان بن محرز أنّه قال: يجاء يوم القيامة برجلين، أحدهما كان ملكًا في الدّنيا إلى الحمرة والبياض فيحاسب، فإذا عبدٌ، لم يعمل خيرًا فيؤمر به إلى النّار. والآخر كان صاحب كساءٍ في الدّنيا، فيحاسب فيقول: يا ربّ، ما أعطيتني من شيءٍ فتحاسبني به. فيقول: صدق عبدي، فأرسلوه. فيؤمر به إلى الجنّة، ثمّ يتركان ما شاء اللّه. ثمّ يدعى صاحب النّار، فإذا هو مثل الحممة السّوداء، فيقال له: كيف وجدت؟ فيقول: شرّ مقيل. فيقال له: عد ثمّ يدعى بصاحب الجنّة، فإذا هو مثل القمر ليلة البدر، فيقال له: كيف وجدت؟ فيقول: ربّ، خير مقيل. فيقال له: عد. رواها ابن أبي حاتمٍ كلّها.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أنبأنا ابن وهبٍ، أنبأنا عمرو بن الحارث، أنّ سعيدًا الصوّاف حدّثه، أنّه بلغه: أنّ يوم القيامة يقصر على المؤمن حتّى يكون كما بين العصر إلى غروب الشّمس، وأنّهم ليقيلون في رياض الجنّة حتّى يفرغ من النّاس، وذلك قوله تعالى: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 104-105]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة