تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين} [يوسف: 7]
- حدّثني محمّدٌ، أخبرنا عبدة، عن عبيد اللّه، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: سئل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أيّ النّاس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند اللّه أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: «فأكرم النّاس يوسف نبيّ اللّه ابن نبيّ اللّه، ابن نبيّ اللّه ابن خليل اللّه» ، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فعن معادن العرب تسألوني» قالوا: نعم، قال: «فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا» تابعه أبو أسامة، عن عبيد اللّه). [صحيح البخاري: 6/76]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين)
ذكر بن جريرٍ وغيره أسماء إخوة يوسف وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وريالون ويشجر ودانٌ ونيال وجادٌ وأشر وبنيامين وأكبرهم أوّلهم ثمّ ذكر المصنّف فيه حديث أبي هريرة سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي النّاس أكرم الحديث وقد تقدّم شرحه مستوفًى في أحاديث الأنبياء ومحمّد في أول الإسناد هو بن سلّامٍ كما تقدّم مصرّحًا به في أحاديث الأنبياء وعبدة هو بن سليمان وعبيد اللّه هو العمريّ وفي الجمع بين قول يعقوب وكذلك يجتبيك ربك وبين قوله وأخاف أن يأكله الذّئب غموضٌ لأنّه جزم بالاجتباء وظاهره فيما يستقبل فكيف يخاف عليه أن يهلك قبل ذلك وأجيب بأجوبة أحدها لا يلزم من جواز أكل الذّئب له أكل جميعه بحيث يموت ثانيها أراد بذلك دفع إخوته عن التّوجّه به فخاطبهم بما جرت عادتهم لا على ما هو في معتقده ثالثها أن قوله يجتبيك لفظه لفظ خبرٌ ومعناه الدّعاء كما يقال فلانٌ يرحمه اللّه فلا ينافي وقوع هلاكه قبل ذلك رابعها أنّ الاجتباء الّذي ذكر يعقوب أنّه سيحصل له كان حصل قبل أن يسأل إخوته أباهم أن يوجّهه معهم بدليل قوله بعد أن ألقوه في الجبّ وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ولا بعد في أن يؤتى النّبوّة في ذلك السّنّ فقد قال في قصّة يحيى وآتيناه الحكم صبيا ولا اختصاص لذلك بيحيى فقد قال عيسى وهو في المهد إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيا وإذا حصل الاجتباء الموعود به لم يمتنع عليه الهلاك خامسها أنّ يعقوب أخبر بالاجتباء مستندًا إلى ما أوحى إليه به والخبر يجوز أن يدخله النّسخ عند قومٍ فيكون هذا من أمثلته وإنّما قال وأخاف أن يأكله الذّئب تجويزًا لا وقوعًا وقريبٌ منه أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرنا بأشياء من علامات السّاعة كالدّجّال ونزول عيسى وطلوع الشّمس من المغرب ومع ذلك فأنّه خرج لمّا كسفت الشّمس يجرّ رداءه فزعًا يخشى أن تكون السّاعة وقوله تابعه أبو أسامة عن عبيد اللّه وصله المؤلّف في أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/362]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله باب {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} 7 يوسف
- حدثني محمّد أنا عبدة عن عبيدالله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أي النّاس أكرم قال أكرمهم عند الله أتقاهم الحديث
تابعه أبو أسامة عن عبيدالله
قلت أسنده في أحاديث الأنبياء من حديث أبي أسامة). [تغليق التعليق: 4/229]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين} (يوسف: 7)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {لقد كان في يوسف} الآية. وهذا مكرر لأن هذه التّرجمة بعينها مع الحديث الّذي لها قد مضيا في كتاب الأنبياء، وفي حال الإسناد وبعض المتن تغاير على ما يأتي.
- حدّثني محمّدٌ أخبرنا عبدة عن عبيد الله عن سعيدٍ بن أبي سعيدٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أكرم قال أكرمهم عند الله أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم النّاس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هاذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني قالوا نعم قال فخياركم في الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ مع بعض التعسف من حيث أن في الآية سؤالاً عن يوسف الّذي هو أكرم النّاس من حيث النّسب، وفي الحديث أخبر، صلى الله عليه وسلم، عن صفته تلك. وإنّما قلنا إنّه أكرم النّاس من حيث النّسب لأنّه نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، ولم يتّفق هذا لأحد غيره، ومحمّد هو ابن سلام، وعبدة ضد الحرّة ابن سليمان، وعبيد الله هو المعروف بالعمري، وسعيد بن أبي سعيد المقبري واسم أبيه كيسان؟ قوله: (عن معادن العرب) أي: أصولهم الّتي يلبسون إليها ويتفاخرون بها وشبهوا بالمعادن لما فيه من الاستعدادات المتفاوتة. قوله: (فقهوا) بضم القاف وكسرها.
تابعه أبو أسامة عن عبيد الله
يعني: تابع عبدة أبو أسامة حمّاد بن أسامة عن عبيد الله العمريّ، وقد وصل البخاريّ هذه المتابعة في كتاب الأنبياء عليهم السّلام). [عمدة القاري: 18/304]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين} [يوسف: 7]
(باب قوله) جل وعز ({لقد كان في يوسف وإخوته}) قيل: هم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوى وربالون ويشجر ودنية ودان ونفتالي وجاد وآشر والسبعة الأوّلون كانوا من ليا بنت خالة يعقوب والأربعة الآخرون من سريتين زلفة وبلهة، فلما توفيت ليا تزوّج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف ولم يقم دليل على نبوّة أخوة يوسف، وذكر بعضهم أنه أوحي إليهم بعد ذلك ولم يذكر مستندًا سوى قوله تعالى: {قولوا آمنًا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} [البقرة: 136] وهذا لا ينهض أن يكون دليلاً لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب ففيه أنه تعالى أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالاً لأنهم كثيرون، ولكن لم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم بل ظاهر ما في هذه السورة من أحوالهم وأفعالهم يدل على أنهم لم يكونوا أنبياء على ما لا يخفى أي في قصصهم وحديثهم ({وآيات}) علامات ودلائل على قدرة الله وحكمته في كل شيء ولأبي ذر آية بالتوحيد على إرادة الجنس وهي قراءة ابن كثير ({للسائلين}) [يوسف: 7] عن قصتهم أو على نبوّة محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- وثبت لفظ باب قوله لأبي ذر عن المستملي وسقط لغيره.
- حدّثني محمّدٌ أخبرنا، عبدة عن عبيد اللّه، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أيّ النّاس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند اللّه أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: «فأكرم النّاس يوسف نبيّ اللّه ابن نبيّ اللّه ابن نبيّ اللّه ابن خليل اللّه» قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: «فعن معادن العرب تسألوني؟» قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهليّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا». تابعه أبو أسامة عن عبيد اللّه.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة وبعد الدال المفتوحة هاء تأنيث ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا وهو العمري ولغير أبي ذر عبد الله بفتح العين (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: سئل رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- أي الناس أكرم؟ قال):
(أكرمهم عند الله أتقاهم) قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] (قالوا ليس عن هذا نسألك؟ قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله) فضيلة خاصة بيوسف عليه الصلاة والسلام لم يشركه فيها أحد ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل من غيره مطلقًا (قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فعن معادن العرب) أي عن أصول العرب التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها (تسألوني) ولأبي ذر: تسألونني بنونين (قالوا: نعم) وإنما جعل الأنساب معادن لما فيها من الاستعدادات المتفاوتة فمنها قابلة لفيض الله تعالى على مراتب المعدنيات ومنها غير قابلة له وشبههم بالمعادن لأنها أوعية للعلوم كما أن المعادن أوعية للجواهر (قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف ولأبي ذر فقهوا بكسرها فالوضيع العالم خير من الشريف الجاهل، ولذا قيد بقوله إذا فقهوا (تابعه) أي تابع عبدة (أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين العمري وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في أحاديث الأنبياء). [إرشاد الساري: 7/174]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته}
- أخبرنا عمرو بن عليٍّ، ومحمّد بن المثنّى، عن يحيى، حدّثنا عبيد الله، حدّثني سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول الله، من أكرم النّاس؟ قال: «أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فعن معادن العرب تسألوني، فإنّ خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». قال أبو عبد الرّحمن: خالفه محمّد بن بشرٍ
- أخبرنا أحمد بن سليمان، حدّثنا محمّد بن بشرٍ، حدّثنا عبيد الله، عن سعيدٍ، عن أبي هريرة، مثله). [السنن الكبرى للنسائي: 10/131-132]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين}.
يقول تعالى ذكره: {لقد كان في يوسف وإخوته} الأحد عشر {آياتٌ} يعني عبر، وذكر {للسّائلين} يعني السّائلين عن أخبارهم وقصصهم. وإنّما أراد جلّ ثناؤه بذلك نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، وذلك أنّه يقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى إنّما أنزل هذه السّورة على نبيّه يعلمه فيها ما لقي يوسف من إخوته، وإدانيه من الحسد، مع تكرمة اللّه إيّاه، تسليةً له بذلك ممّا يلقى من إدانيه وأقاربه من مشركي قريشٍ كذلك كان ابن إسحاق يقول:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إنّما قصّ اللّه تبارك وتعالى على محمّدٍ خبر يوسف، وبغي إخوته عليه وحسدهم إيّاه حين ذكر رؤياه لمّا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بغي قومه وحسده حين أكرمه اللّه عزّ وجلّ بنبوّته ليأتسّى به.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {آياتٌ للسّائلين} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار آياتٌ على الجماع.
وروي عن مجاهدٍ وابن كثيرٍ أنّهما قرأا ذلك على التّوحيد.
والّذي هو أولى القراءتين بالصّواب قراءة من قرأ ذلك على الجماع، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه). [جامع البيان: 13/17]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين (7)
قوله تعالى: لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين
- ذكر، عن يحيى بن راشدٍ، ثنا صفوان بن عيسى، ثنا عثمان بن سعدٍ، عن الحسن: لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين قال: عبرٌ.
قوله تعالى: للسّائلين
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قوله: لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسّائلين يقول: من سأل، عن ذلك فهو هكذا ما قصّ اللّه عليكم وأنبأكم به). [تفسير القرآن العظيم: 7/2104]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 7.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله {لقد كان في يوسف وإخوته آيات} قال عبرة). [الدر المنثور: 8/185]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} يقول: من سأل عن ذلك فهو كذا ما قص الله عليكم وأنبأكم به). [الدر المنثور: 8/185]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} قال: من كان سائلا عن يوسف وإخوته فهذا نبؤهم). [الدر المنثور: 8/186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق رضي الله عنه قال: إنما قص الله على محمد صلى الله عليه وسلم خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه، لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي قومه عليه وحسدهم إياه حين أكرمه الله بنبوته ليتأسى به). [الدر المنثور: 8/186]
تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبةٌ إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبينٍ}.
يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف {ليوسف وأخوه} من أمّه {أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبةٌ} يقولون: ونحن جماعةٌ ذوو عددٍ أحد عشر رجلاً.
والعصبة من النّاس هم عشرةٌ فصاعدًا، قيل إلى خمسة عشر فصاعدًا عشرٌ، ليس لها واحدٌ من لفظها، كالنّفر والرّهط.
{إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبينٍ} يعنون: إنّ أبانا يعقوب لفي خطأٍ من فعله في إيثاره يوسف وأخاه من أمّه علينا بالمحبّة، ويعني بالمبينٍ أنّه خطأٌ، يبيّن عن نفسه أنّه خطأٌ لمن تأمّله ونظر إليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا} قال: يعنون بنيامين. قال: وكانوا عشرةً
- قال: حدّثنا عمرو بن محمّدٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، {إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبينٍ} قال: في ضلالٍ من أمرنا
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ونحن عصبةٌ} قال: العصبة: الجماعة). [جامع البيان: 13/18-19]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا ونحن عصبةٌ إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبينٍ (8)
قوله تعالى: إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منا
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبّ إلى أبينا منّا وأخوه: بنيامين.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى الدّامغانيّ، ثنا عمرو بن حمران، عن سعيدٍ، عن قتادة: إذ قالوا ليوسف وأخوه يعني: بنيامين، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه.
قوله تعالى: ونحن عصبة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قوله: ونحن عصبةٌ قال: العصبة، ما بين العشرة إلى الأربعين، وروي، عن أبي المليح مثل ذلك.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ ونحن عصبةٌ قال: كانوا عشرةً.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سلمة بن الفضل، ثنا حجّاجٌ، عن الحكم قال: العصبة: أربعون رجلا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سعيد بن الرّبيع، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: قلت: كم العصبة؟ قال: ستّةٌ أو سبعةٌ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه تعالى: ونحن عصبةٌ قال: العصبة: الجماعة.
قوله تعالى: إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبينٍ
- حدّثنا عبد اللّه، ثنا الحسين، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ إنّ أبانا لفي ضلالٍ مبينٍ قالوا في ضلالٍ من أمرنا). [تفسير القرآن العظيم: 7/2104-2105]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 8 - 9.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان يعقوب عليه السلام نازلا بالشام وكان ليس له هم إلا يوسف وأخوه بنيامين فحسده إخوته مما رأوا من حب أبيه له، ورأى يوسف عليه السلام في النوم رؤيا أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له فحدث أباه بها فقال له يعقوب عليه السلام: {يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} فبلغ إخوة يوسف الرؤيا فحسدوه فقالوا {ليوسف وأخوه} بنيامين {أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة} - كانوا عشرة - {إن أبانا لفي ضلال مبين} قالوا: في ضلال من أمرنا، {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين} يقول: تتوبون مما صنعتم به، {قال قائل منهم} وهو يهوذا {لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين}، فلما أجمعوا أمرهم على ذلك أتوا أباهم فقالوا له {يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف} قال: لن أرسله معكم إني {وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون} فأرسله معهم فأخرجوه وبه عليه كرامة، فلما برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة فجعل يضربه أحدهم فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء، فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه، فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب، فقالوا له: أدع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يؤنسوك، قال: فإني لم أر شيئا، فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه فلم يضره ثم أوى إلى صخرة في البئر فقام عليها فجعل يبكي فناداه إخوته فظن أنها رقة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فقام يهوذا فمنعهم وقال: قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه فكان يهوذا يأتيه بالطعام، ثم إنهم رجعوا إلى أبيهم فأخذوا جديا من الغنم فذبحوه ونضحوا دمه على القميص ثم أقبلوا إلى أبيهم عشاء يبكون فلما سمع أصواتهم فزع وقال: يا بني ما لكم هل أصابكم في غنمكم شيء، قالوا: لا، قال: فما فعل يوسف: {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا} يعني بمصدق لنا {ولو كنا صادقين} فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته ثم قال: أين القميص ثم جاؤوا بقميصه وعليه دم كذب فأخذ القميص وطرحه على وجهه ثم بكى حتى خضب وجهه من دم القميص ثم قال: إن هذا الذئب يا بني لرحيم فكيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه، وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه فتعلق يوسف عليه السلام بالحبل فخرج فلما رآه صاحب الدلو دعا رجلا من أصحابه يقال له بشراي فقال: يا بشراي هذا غلام، فسمع به إخوة يوسف عليه السلام فجاؤوا فقالوا: هذا عبد لنا آبق ورطنوا له بلسانهم فقالوا: لئن أنكرت أنك عبد لنا لنقتلنك أترانا نرجع بك إلى يعقوب عليه السلام وقد أخبرناه أن الذئب قد أكلك، قال: يا إخوتاه ارجعوا بي إلى أبي يعقوب فأنا أضمن لكم رضاه ولا أذكر لكم هذا أبدا، فأبوا فقال الغلام: أنا عبد لهم، فلما اشتراه الرجلان فرقا من الرفقة أن يقولا اشتريناه فيسألونهما الشركة فيه فقالا: نقول إن سألونا ما هذا نقول هذه بضاعة استبضعناها من البئر، فذلك قوله {وأسروه بضاعة} {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة} - وكانت عشرين درهما - وكانوا في يوسف من الزاهدين، فانطلقوا به إلى مصر فاشتراه العزيز - ملك مصر - فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} فأحبته امرأته فقالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك،، قال: هو أول ما يتناثر من جسدي، قال: يا يوسف ما أحسن عينيك قال: هما أول ما يسيلان إلى الأرض من جسدي، قالت: يا يوسف ما أحسن وجهك قال: هو للتراب يأكله {وقالت هيت لك} قال هلم لك - وهي بالقبطية - قال معاذ الله إنه ربي قال: سيدي أحسن مثواي فلا أخونه في أهله، فلم تزل به حتى أطمعها فهمت به وهم بها فدخلا البيت {وغلقت الأبواب} فذهب ليحل سراويله فإذا هو بصورة يعقوب عليه السلام قائما في البيت قد عض على أصبعه يقول: يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك مثل الطير في جو السماء لا يطاق ومثلك إذا وقعت عليها مثله إذا مات فوقع على الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ومثلك مثل الثور الصعب الذي لم يعمل عليه ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات فدخل الماء في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، فربط سراويله وذهب ليخرج فأدركته فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته حتى أخرجته منه وسقط وطرحه يوسف واشتد نحو الباب وألفيا سيدها جالسا عند الباب هو، وابن عم المرأة فلما رأته المرأة {قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} إنه راودني عن نفسي فدفعته عني فشققت قميصه، فقال يوسف: لا بل هي راودتني عن نفسي فأبيت وفررت منها فأدركتني فأخذت بقميصي فشقته علي، فقال ابن عمها: في القميص تبيان الأمر انظروا إن كان القميص قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما أتي بالقميص وجده قد قد من دبر فقال {إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك} يقول: لا تعودي لذنبك، {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا} والشغاف جلدة على القلب يقال لها لسان القلب يقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب - فلما سمعت بمكرهن - يقول بقولهن - أرسلت إليهن واعتدت لهن متكأ يتكئن عليه وآتت كل واحدة منهن سكينا وأترجا تأكله وقالت ليوسف: اخرج عليهن، فلما خرج ورأى النسوة يوسف أعظمنه وجعلن يحززن أيديهن وهم يحسبن أنهن يقطعن الأترج ويقلن {حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} قالت: {فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} بعدما كان حل سراويله ثم لا أدري ما بدا له، قال يوسف {رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} من الزنا، ثم إن المرأة قالت لزوجها: إن العبد العبراني قد فضحني في الناس إنه يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري فإما أن تأذن لي فأخرج فاعتذر كما يعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فذلك قوله {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} وهو شق القميص وقطع الأيدي {ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان} غضب الملك على خبازه أنه يريد أن يسمه فحبسه وحبس الساقي وظن أنه مالأه على السم، فلما دخل يوسف عليه السلام السجن قال: إني أعبر الأحلام، قال أحد الفتيين: هلم فلنجرب هذا العبد العبراني فتراءيا من غير أن يكونا رأيا شيئا ولكنهما خرصا فعبر لهما يوسف خرصهما فقال الساقي: رأيتني أعصر خمرا، وقال الخباز: رأيتني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، قال يوسف عليه السلام: لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة ثم قال: {يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا} فيعاد على مكانه {وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه} ففزعا وقالا: والله ما رأينا شيئا، قال يوسف عليه السلام: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} إن هذا كائن لا بد منه وقال يوسف عليه السلام للساقي: {اذكرني عند ربك}، ثم إن الله أرى الملك رؤيا في منامه هالته فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر يأكلهن سبع يابسات فجمع السحرة والكهنة والعافة - وهم القافة - والحاذة - وهم الذين يزجرون الطير - فقصها عليهم فقالوا: أضعاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، {وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكن السجن في المدينة فانطلق الساقي إلى يوسف عليه السلام فقال {أفتنا في سبع بقرات} إلى قوله {لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون} تأويلها {قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله} قال هو أبقى له {إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون} قال: مما ترفعون {ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} قال: العنب فلما أتى الملك الرسول وأخبره قال: {ائتوني به فلما جاءه الرسول} فأمره أن يخرج إلى الملك أبى يوسف وقال: {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن}، قال السدي: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه ما زالت في نفس العزيز منه حاجة يقول هذا الذي راود امرأته، قال الملك ائتوني بهن {قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء} ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه ودخل معها البيت وحل سراويله ثم شده بعد ذلك ولا تدري ما بدا له، فقالت امرأة العزيز {الآن حصحص الحق} قال تبين، {أنا راودته عن نفسه} قال يوسف - وقد جيء به - ذلك ليعلم العزيز {أني لم أخنه بالغيب} في أهله {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين}، فقالت امرأة العزيز: يا يوسف ولا حين حللت السراويل قال يوسف عليه السلام: {وما أبرئ نفسي}، فلما وجد الملك له عذرا قال: {ائتوني به أستخلصه لنفسي} فأستعمله على مصر فكان صاحب أمرها هو الذي يلي البيع والأمر فأصاب الأرض الجوع وأصاب بلاد يعقوب التي كان فيها فبعث بنيه إلى مصر وأمسك بينامين أخا يوسف فلما دخلوا على يوسف {فعرفهم وهم له منكرون} فلما نظر إليهم أخذهم وأدخلهم الدار - دار الملك - وقال لهم: أخبروني ما أمركم فإني أنكر شأنكم، قالوا: نحن من أرض الشام، قال: فما جاء بكم قالوا: نمتار طعاما، قال: كذبتم أنتم عيون كم أنتم قالوا نحن عشرة، قال أنتم عشرة آلاف كل رجل منكم أمير ألف فأخبروني خبركم، قالوا: إنا أخوة بنو رجل صديق وإنا كنا اثني عشر فكان يحب أخا لنا وإنه ذهب معنا إلى البرية فهلك منا وكان أحبنا إلى أبينا، قال: فإلى من يسكن أبوكم بعده، قالوا إلى أخ له أصغر منه، قال: كيف تحدثوني أن أباكم صديق وهو يحب الصغير منكم دون الكبير ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون} قال: فإني أخشى أن لا تأتوني به فضعوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا، فارتهن شمعون عنده فقال لفتيته وهو يكيل لهم: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون إلي، فلما رجع القوم إلى أبيهم كلموه فقالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة لو كان رجلا منا من بني يعقوب ما أكرمنا كرامته وإنه ارتهن شمعون وقال: ائتوني بأخيكم هذا الذي عطف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك حتى أنظر إليه فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي أبدا، فقال لهم يعقوب عليه السلام: إذا أتيتم ملك مصر فأقرؤوه مني السلام وقولوا: إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا ولما فتحوا رحالهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم أتوا أباهم {قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا}، فقال أبوه حين رأى ذلك: {لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم}، فحلفوا له {فلما آتوه موثقهم} قال يعقوب: {الله على ما نقول وكيل}، ورهب عليهم أن يصيبهم العين إن دخلوا مصر فيقال هؤلاء لرجل واحد قال: {يا بني لا تدخلوا من باب واحد} - يقول من طريق واحد - فلما دخلوا على يوسف عرف أخاه فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل أتاهم بمثل قال: لينم كل أخوين منكم على مثال حتى بقي الغلام وحده فقال يوسف عليه السلام: هذا ينام معي على فراشي فبات مع يوسف فجعل يشم ريحه ويضمه إليه حتى أصبح وجعل يقول روبيل: ما رأينا رجلا مثل هذا إن نحن نجونا منه، {فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه} والأخ لا يشعر فلما ارتحلوا {أذن مؤذن} قبل أن يرتحل العير: {أيتها العير إنكم لسارقون} فانقطعت ظهورهم {وأقبلوا عليهم} يقولون: {ماذا تفقدون} إلى قوله {فما جزاؤه} {قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه} يقول تأخذونه فهو لكم {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه} فلما بقي رحل أخيه الغلام قال: ما كان هذا الغلام ليأخذها، قالوا والله لا يترك حتى تنظروا في رحله ونذهب وقد طابت نفوسكم فأدخل يده في رحله فاستخرجها من رحل أخيه، يقول الله {كذلك كدنا ليوسف} يقول صنعنا ليوسف {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} يقول في حكم الملك {إلا أن يشاء الله} ولكن صنعنا لشأنهم قالوا فهذا جزاؤه، قال: فلما استخرجها من رحل الغلام انقطعت ظهورهم وهلكوا وقالوا: ما يزال لنا منكم بلاء يا بني راحيل حتى أخذت هذا الصواع، قال بنيامين: بنو راحيل لا يزل لنا منكم بلاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية وما وضع هذا الصواع في رحلي إلا الذي وضع الدراهم في رحالكم قالوا لا تذكر الدراهم فتؤخذ بها فوقعوا فيه وشتموه فلما أدخلوهم على يوسف دعا بالصواع ثم نقر فيه ثم أدناه من أذنه ثم قال: إن صواعي هذا يخبرني أنكم كنتم اثني عشر أخا وإنكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه، فلما سمعها بنيامين قام فسجد ليوسف وقال: أيها الملك سل صواعك هذا أحي أخي ذاك أم لا فنقرها يوسف ثم قال: نعم هو حي وسوف تراه، قال: اصنع بي ما شئت فإنه أعلم بي، فدخل يوسف عليه السلام فبكى ثم توضأ ثم خرج، فقال بنيامين: أيها الملك إني أراك تضرب بصواعك الحق فسله من صاحبه فنقر فيه ثم قال: إن صواعي هذا غضبان يقول: كيف تسألني من صاحبي وقد رأيت مع من كنت وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا فغضب روبيل فقام فقال: أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة لا تبقى امرأة حامل بمصر إلا طرحت ما في بطنها وقامت كل شعرة من جسد روبيل فخرجت من ثيابه فقال يوسف لابنه مرة: مر إلى جنب روبيل فمسه فمسه فذهب غضبه فقال روبيل: من هذا، إن في هذه البلاد لبزرا من بزر يعقوب، قال يوسف عليه السلام: ومن يعقوب فغضب روبيل فقال: أيها الملك لا تذكرن يعقوب فإنه بشرى لله ابن ذبيح الله ابن خليل الله فقال يوسف عليه السلام: أنت إذا كنت صادقا فإذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليه مني السلام وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف حتى يعلم أبوكم أن في الأرض صديقين مثله، فلما أيسوا منه). [الدر المنثور: 8/186-197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج لهم شمعون وكان قد ارتهنه خلوا بينهم نجيا يتناجون بينهم قال كبيرهم - وهو روبيل ولم يكن بأكبرهم سنا ولكن كان كبيرهم في العلم -: {ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين} فأقام روبيل بمصر وأقبل التسعة إلى يعقوب عليه السلام فأخبروه الخبر فبكى وقال: يا بني ما تذهبون من مرو إلا نقصتم واحدا، ذهبتم فنقصتم يوسف ثم ذهبتم الثانية فنقصتم شمعون ثم ذهبتم الثالثة فنقصتم بنيامين وروبيل {فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} من الغيظ، {قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين} الميتين، {قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون}، قال: أتى يوسف جبريل عليه السلام وهو في السجن فسلم عليه وجاءه في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح نقي الثياب فقال له يوسف: أيها الملك الحسن الوجه الكريم على ربه الطيب ريحه حدثني كيف يعقوب قال حزن عليك حزنا شديدا، قال فما بلغ من حزنه قال حزن سبعين مثكلة، قال فما بلغ من أجره قال أجر سبعين شهيدا، قال يوسف عليه السلام: فإلى من أوى بعدي قال إلى أخيك بينامين، قال فتراني ألقاه قال نعم، فبكى يوسف عليه السلام لما لقي أبوه بعده ثم قال: ما أبالي بما لقيت إن الله أرانيه، قال: فلما أخبروه بدعاء الملك أحست نفس يعقوب وقال: ما يكون في الأرض صديق إلا ابني فطمع وقال: لعله يوسف، قال: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه} بمصر {ولا تيأسوا من روح الله}، قال: من فرج الله أن يرد يوسف فلما رجعوا إليه {قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل} بها كما كنت تعطينا بالدراهم الجيدة {وتصدق علينا} تفضل ما بين الجياد والرديئة، قال لهم يوسف - ورحمهم عند ذلك -: {ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي}، فاعتذروا إليه {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم} لا أذكر لكم ذنبكم {يغفر الله لكم}، ثم قال ما فعل أبي بعدي قالوا عمي من الحزن، فقال {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين}، فقال يهوذا أنا ذهبت بالقميص إلى يعقوب عليه السلام وهو متلطخ بالدماء وقلت: إن يوسف قد أكله الذئب وأنا أذهب بالقميص وأخبره أن يوسف عليه السلام حي فأفرحه كما أحزنته، فهو كان البشير، فلما {فصلت العير} من مصر منطلقة إلى الشام وجد يعقوب عليه السلام ريح يوسف عليه السلام فقال لبني بنيه: {إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون}، قال له بنو بنيه {تالله إنك لفي ضلالك القديم} من شأن يوسف {فلما أن جاء البشير} وهو يهوذا ألقى القميص على وجهه {فارتد بصيرا}، قال لبنيه {ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون} ثم حملوا أهلهم وعيالهم فلما بلغوا مصر كلم يوسف عليه السلام الملك الذي فوقه فخرج هو والملك يتلقونهم فلما لقيهم قال: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}، فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه أباه وخالته ورفعهما {على العرش}، قال: السرير فلما حضر يعقوب الموت أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم، فمات فنفح فيه المر ثم حمله إلى الشام وقال يوسف عليه السلام {رب قد آتيتني من الملك} إلى قوله {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}، قال ابن عباس رضي الله عنهما هذا أول نبي سأل الله الموت وأخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم مفرقا في السورة). [الدر المنثور: 8/197-200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير ثنا وكيع ثنا عمرو بن محمد العبقري عن أسباط عن السدي وقال ابن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا الحسين بن علي ثنا عامر بن الفرات عن أسباط عن السدي به). [الدر المنثور: 8/200-201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله في قوله {إذ قالوا ليوسف وأخوه} يعني بينامين وهو أخو يوسف لأبيه وأمه، وفي قوله {ونحن عصبة} قال العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين). [الدر المنثور: 8/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {ونحن عصبة} قال: العصبة الجماعة، وفي قوله {إن أبانا لفي ضلال مبين} قال: لفي خطأ من رأيه). [الدر المنثور: 8/201]
تفسير قوله تعالى: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين}.
يقول جلّ ثناؤه: قال إخوة يوسف بعضهم لبعضٍ: اقتلوا يوسف أو اطرحوه في أرضٍ من الأرض، يعنون مكانًا من الأرض. {يخل لكم وجه أبيكم} يعنون: يخل لكم وجه أبيكم من شغله بيوسف، فإنّه قد شغله عنّا وصرف وجهه عنّا إليه. {وتكونوا من بعده قومًا صالحين} يعنون أنّهم يتوبون من قتلهم يوسف، وذنبهم الّذي يركبونه فيه، فيكونون بتوبتهم من قتله من بعد هلاك يوسف قومًا صالحين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمرو بن محمّدٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين} قال: تتوبون ممّا صنعتم، أو من صنيعكم). [جامع البيان: 13/19]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين (9)
قوله تعالى: اقتلوا يوسف أو اطرحوه
- حدّثنا عبد اللّه، ثنا الحسين، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ في قوله: اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين يقول: تتوبون ممّا صنعتم به). [تفسير القرآن العظيم: 7/2105]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى لا تقتلوا يوسف قال كان أكبر إخوته وكان ابن خالة يوسف فنهاهم عن قتله). [تفسير عبد الرزاق: 1/317]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى غيابت الجب قال بئر بيت المقدس بئر في بعض نواحيها). [تفسير عبد الرزاق: 1/318]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها (وألقوه في غيابات الجبّ) [الآية: 10]). [تفسير الثوري: 137]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {غيابةٌ} [يوسف: 10] : «كلّ شيءٍ غيّب عنك شيئًا فهو غيابةٌ، والجبّ الرّكيّة الّتي لم تطو»). [صحيح البخاري: 6/75]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله غيابة الجبّ كلّ شيءٍ غيّب عنك فهو غيابةٌ والجبّ الرّكيّة الّتي لم تطو كذا وقع لأبي ذر فأوهم أنه من كلام بن عبّاسٍ لعطفه عليه وليس كذلك وإنّما هو كلام أبي عبيدة كما سأذكره ووقع في رواية غير أبي ذرٍّ وقال غيره غيابة إلخ وهذا هو الصّواب). [فتح الباري: 8/360]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره غيابة الجبّ كلّ شيءٍ غيّب عنك شيئا فهو غيابةٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {والقوه في غيابة الحبّ يلتقطه بعض السيارة} (يوسف: 10) ظاهر الكلام أن قوله: (وقال غيره) غير ابن عبّاس لأنّه عطف عليه، وقال بعضهم: ليس من كلام ابن عبّاس وإنّما هو كلام أبي عبيدة. قلت: لا مانع أن يكون قول أبي عبيدة من قول ابن عبّاس. قوله: (كل شيء) ، مبتدأ وقوله: (غيب عنك) في محل الجرّ لأنّه صفة لشيء (وشيأ) مفعول غيب. قوله: (فهو غيابة) جملة إسمية وقعت خبر المبتدأ. أو المبتدأ إذا تضمن معنى الشّرط تدخل الفاء في خبره. قوله: (غيابة الجب) ، قال الثّعلبيّ: أي: قعر الجب وظلمته حيث يغيب خبره، وقال قتادة: أسفله وأصله من الغيبوبة.
والجبّ الرّكية الّتي لم تطو
أي: الجب المذكور في قوله: (غيابة الجب) هو البئر الّتي لم تطو، وكذلك القليب، قال الجوهري: القليب البئر قبل أن تطوى، وسميت جبا من أجل أنّها قطعت قطعا ولم يحدث فيها غير القطع من الطي وما أشبهه). [عمدة القاري: 18/300]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال غيره): أي غير ابن عباس في قوله تعالى: {وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] (غيابة) بالرفع (كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح (غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب (فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره (والجب) بالجيم (الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون. وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب). [إرشاد الساري: 7/174]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السّيّارة إن كنتم فاعلين}.
يقول تعالى ذكره: قال قائلٌ من إخوة يوسف: {لا تقتلوا يوسف}.
وقيل إنّ قائل ذلك روبيل كان ابن خالة يوسف
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {لا تقتلوا يوسف} ذكر لنا أنّه روبيل كان أكبر القوم، وهو ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {اقتلوا يوسف}. إلى قوله: {إن كنتم فاعلين} قال: ذكر لي واللّه أعلم أنّ الّذي قال ذلك منهم روبيل الأكبر من بني يعقوب، وكان أقصدهم فيه رأيًا
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {لا تقتلوا يوسف} قال: كان أكبر إخوته، وكان ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله.
وقيل: كان قائل ذلك منهم شمعون
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف} قال: هو شمعون
وقوله: {وألقوه في غيابت الجبّ} يقول: وألقوه في قعر الجبّ حيث يغيب خبره.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة: ( غيابات الجبّ ) على الجماع. وقرأ ذلك عامّة قرّاء سائر الأمصار: {غيابت الجبّ} بتوحيد الغيابة. وقراءة ذلك بالتّوحيد أحبّ إليّ والجبّ: بئرٌ. وقيل: إنّه اسم بئرٍ ببيت المقدس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {في غيابت الجبّ} قال: بئرٌ ببيت المقدس
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {غيابة الجبّ} قال: بئرٌ ببيت المقدس.
والغيابة: كلّ شيءٍ غيّب شيئًا فهو غيابة، والجبّ: البئر غير المطويّة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {في غيابت الجبّ} في بعض نواحيها: في أسفلها
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وألقوه في غيابت الجبّ} يقول: في بعض نواحيها.
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، عن سعيدٍ، عن قتادة، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {وألقوه في غيابت الجبّ} قال: قالها كبيرهم الّذي تخلّف. قال: والجبّ: بئرٌ بالشّام
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وألقوه في غيابت الجبّ} يعني: الرّكيّة
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: الجبّ: البئر
وقوله: {يلتقطه بعض السّيّارة} يقول: يأخذه بعض مارّة الطّريق من المسافرين. {إن كنتم فاعلين} يقول: إن كنتم فاعلين ما أقول لكم. فذكر أنّه التقطه بعض الأعراب
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {يلتقطه بعض السّيّارة} قال: التقطه ناسٌ من الأعراب.
وذكر عن الحسن البصريّ أنّه قرأ: تلتقطه بعض السّيّارة بالتّاء.
- حدّثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: ثني حجّاجٌ، عن هارون، عن مطرٍ الورّاق، عن الحسن.
كأنّ الحسن ذهب في تأنيثه بعض السّيّارة إلى أنّ فعل بعضها فعلها، والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن مضاف إلى مؤنّث يكون الخبر عن بعضه خبرًا عن جميعه، وذلك كقول الشّاعر:
أرى مرّ السّنين أخذن منّي = كما أخذ السّرار من الهلال
فقال: أخذن منّي، وقد ابتدأ الخبر عن المرّ، إذ كان الخبر عن المرّ خبرًا عن السّنين، وكما قال الآخر:
إذا مات منهم سيّدٌ قام سيّدٌ = فدانت له أهل القرى والكنائس
فقال: دانت له، والخبر عن أهل القرى، لأنّ الخبر عنهم كالخبر عن القرى. ومن قال ذلك، لم يقل: فدانت له غلام هندٍ، لأنّ الغلام لو ألقي من الكلام لم تدل هندٌ عليه، كما يدلّ الخبر عن القرية على أهلها. وذلك أنّه لو قيل: فدانت له القرى، كان معلومًا أنّه خبرٌ عن أهلها، وكذلك بعض السّيّارة، لو ألقي البعض، فقيل: تلتقطه السّيّارة، علم أنّه خبرٌ عن البعض أو الكلّ، ودلّ عليه الخبر عن السّيّارة). [جامع البيان: 13/20-24]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجبّ يلتقطه بعض السّيّارة إن كنتم فاعلين (10)
قوله تعالى: قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة، قوله: قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف قال: كنّا نحدّث أنّه روبيل، وهو أكبر إخوته وهو ابن خالة يوسف.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عبد اللّه، ثنا الحسين، أنا عامرٌ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف وهو: يهوذا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ قال أبي: وفي كتاب غيري، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف قال: هو شمعون.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة بن الفضل، قال قال محمّد بن إسحاق: قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف فذكروا واللّه أعلم أنّ الّذي قال ذلك منهم روبيل الأكبر من بني يعقوب، وكان أقصدهم فيه رأيًا.
وكلٌّ قد عظم فيه جرمه، وكان أيسرهم جرمًا، وكفى بجرمه جرمًا لما اجتمعوا عليه من قطيعة الرّحم، وعقوق الوالد وقلّة الرّأفة بالصّغير الضّرع، الّذي لا ذنب له وبالكبير الفاني ذي الحقّ والحرمة والفضل عليهم، وخطره عند اللّه مع حقّ الوالد على ولده- ليفرقوا بينه وبين ولده وحبيبه على كبر سنّه، ورقّة عظمه، مع مكانه من اللّه وبين من أحبّه طفلا صغيرًا على ضعف قوّته، وصغر سنّه وحاجته إلى لطف والده، وسكونه إليه يغفر اللّه لهم، وهو أرحم الرّاحمين، فقد احتملوا أمرًا عظيمًا.
قوله تعالى: وألقوه في غيابت الجبّ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثنا أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ في قوله: قال قائلٌ منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجبّ يعني: الركية.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو الجماهر، أنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة، قوله: وألقوه في غيابت الجبّ: في بعض نواحيه أسفله.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله: في غيابت الجبّ قال: بئرٌ ببيت المقدس.
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن زيدٍ قال: الجبّ الّذي جعل فيه يوسف بحذاء طبريّة بينه وبينها أميالٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: كان يوسف في الجبّ ثلاثة أيّامٍ.
قوله تعالى: يلتقطه بعض السيارة.....). [تفسير القرآن العظيم: 7/2106-2107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 10.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف} قال: كنا نحدث أنه روبيل وهو أكبر إخوته وهو ابن خالة يوسف). [الدر المنثور: 8/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف} قال: هو شمعون). [الدر المنثور: 8/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ان عباس رضي الله عنهما في قوله {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب} قال: قاله كبيرهم الذي تخلف، قال: والجب بئر بالشام {يلتقطه بعض السيارة} قال: التقطه ناس من الأعراب). [الدر المنثور: 8/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وألقوه في غيابة الجب} يعني الركية). [الدر المنثور: 8/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال: الجب البئر). [الدر المنثور: 8/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وألقوه في غيابة الجب} قال: هي بئر ببيت المقدس، يقول في بعض نواحيها). [الدر المنثور: 8/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال: الجب الذي جعل فيه يوسف عليه السلام بحذاء طبرية بينه وبينها أميال). [الدر المنثور: 8/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ تلتقطه بعض السيارة بالتاء). [الدر المنثور: 8/202]