#76
|
|||
|
|||
![]() مصحف عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه |
#77
|
|||
|
|||
![]() الباب الحادي عشر: جواب ما أشكل من الروايات والمسائل في شأن جمع القرآن ما يثار من الأسئلة في جمع القرآن على نوعين: قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (ما يثار من الأسئلة في جمع القرآن على نوعين: النوع الأول: إشكالات تعرض لبعض طلاب العلم والباحثين في مسائل جمع القرآن. والنوع الآخر: شبهات يثيرها الطاعنون في جمع القرآن من الزنادقة والمستشرقين وطوائف من غلاة المبتدعة. وقد تثار المسألة الواحدة من الفريقين؛ ويقصد بها الفريق الأول البحث عما يزيل الإشكال مع إيمانهم بالقرآن، ويقينهم بصحّة جمعه وحفظه، ويقصد بها الفريق الآخر الطمعَ في العثور على ما يُصدّق ظنّهم من الطعن في صحّة جمع القرآن وحفظه. ومعرفة طالب العلم بأجوبة هذه المسائل، وما يزيل الإشكالات ويكشف الشبهات من مهمّات ما ينبغي أن يُعتنى به في هذا الباب، وفقه الدروس المتقدّمة مما يعين على جواب كثير من الإشكالات، وكشف الشبهات. وليُعلم أنّ حصر الإشكالات غير ممكن لاختلاف الناس في الفهم والإدراك، حتى إنّ منهم من يستشكل الواضحات، ويفترض المحال من الافتراضات، ولذلك سيكون الحديثُ في هذا الباب مقصوراً على المشهور مما أثير من تلك الإشكالات ليعرف طالب العلم اللبيب طرق العلماء في كشف الشبهات وإزالة الإشكالات، ويتبيّن الأصول التي بنوا عليها أجوبتهم، حتى يستعين بذلك على معرفة الجواب عما فاتني ذكره وما يستجدّ من الإشكالات. وقد تأمّلت الأسئلة التي أثيرت في باب جمع القرآن فوجدت أشهرها وأكثرها تداولاً في كتب علوم القرآن ثمانية أسئلة: السؤال الأول: ما سبب عدم جمع القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟ السؤال الثاني: كيف يوثق بأنّ ما جُمع من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال قد تمّ به جمع القرآن؛ وما ضمانة عدم الزيادة عليه؟ السؤال الثالث: كيف لم توجد آخر براءة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري؟ السؤال الرابع: ما الجواب عما روي عن عثمان رضي الله عنه مما يفهم منه الاجتهاد في ترتيب الآيات؟ السؤال الخامس: ما الجواب عن الخبر المروي عن زيد بن ثابت أنه قال في آخر آيتين من سورة التوبة: (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة)؟ السؤال السادس: ما جواب ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: «إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها»؟ السؤال السابع: ما جواب ما روي عن عائشة رضي الله عنها في تلحين كتَّاب المصاحف وتخطئتهم؟ السؤال الثامن: ما جواب ما روي عن ابن عبّاس في تخطئة بعض كتّاب المصاحف؟). [جمع القرآن:261 - 263] |
#78
|
|||
|
|||
![]() السؤال الأول: ما سبب عدم جمع القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟ |
#79
|
|||
|
|||
![]() السؤال الثاني: كيف يوثق بأنّ ما جُمع في عهد أبي بكر من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال قد تمّ به جمع القرآن؛ وما ضمانة عدم الزيادة عليه؟ |
#80
|
|||
|
|||
![]() السؤال الثالث: كيف لم توجد آخر براءة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري وقد صحّ أنّ بعض الصحابة رضي الله عنهم كان قد جمع القرآن؟ |
#81
|
|||
|
|||
![]() السؤال الرابع: ما الجواب عما روي عن عثمان رضي الله عنه مما يفهم منه الاجتهاد في ترتيب الآيات؟ |
#82
|
|||
|
|||
![]() السؤال الخامس: ما الجواب عن خبر (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة)؟ |
#83
|
|||
|
|||
![]() س6: ما جواب ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: «إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها»؟
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (س6: ما جواب ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: «إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها»؟ الجواب: أن هذا الخبر لا يصحّ عن عثمان فهو معلول الإسناد منكر المتن، وقد وجهه بعض أهل العلم توجيهات لا نكارة فيها. وأصل هذا الخبر ما رواه عمران بن داوود القطان عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن عبد الله بن فطيمة، عن يحيى بن يعمر، قال: قال عثمان رضي الله عنه: «إن في القرآن لحناً ستقيمه العرب بألسنتها» أخرجه عمر بن شبّة وابن أبي داوود وأبو عمرو الداني. قال ابن أبي داوود: (هذا عبد الله بن فطيمة أحد كتاب المصاحف). قلت: يريد أنه ممن كان يكتب المصاحف، لا أنه من كتّاب المصاحف العثمانية لأنه لم يدرك زمن الجمع العثماني. وقوله: (إن في القرآن لحناً) المراد بالقرآن هنا المصحف المكتوب لا القرآن المتلوّ، للاتفاق المتيقّن على أنّ القرآن في الذروة العليا من الفصاحة لا لحن فيه بوجه من الوجوه. وإطلاق لفظ القرآن على المصحف وارد في النصوص، ومنه حديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدوّ. وقال عمر بن شبّة: حدثنا علي بن أبي هاشم، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز القرشي، قال: (لما فرغ من المصحف أتي به عثمان رضي الله عنه فقال: «قد أحسنتم وأجملتم، أرى شيئا من لحن سنقيمه بألسنتنا». ورواه ابن أبي داوود من طريق المؤمل بن هشام ويحيى بن آدم عن إسماعيل ابن علية به إلا أنه قال: «قد أحسنتم وأجملتم، أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها». وروى ابن أبي داوود عن أبي حاتم السجستاني قال: حدثنا عبيد بن عقيل ، عن هارون ، عن الزبير بن الخريت ، عن عكرمة الطائي قال: لما أتي عثمان رضي الله عنه بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن فقال : « لو كان المملي من هذيل ، والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا ». هارون هو ابن موسى الأعور النحوي صاحب القراءات. وهذا الخبر وإن تعددت طرقه في ظاهر الأمر إلا أنه ضعيف جداً لا يصحّ عن عثمان. فأما الإسناد الأول فمعلّ بثلاث علل: إحداها: عنعنة قتادة وقد عرف بالتدليس. والثانية: رواية يحيى بن يعمر عن عثمان مرسلة، ولذلك حكم عليه البخاري بالانقطاع. قال البخاري في التاريخ الكبير: (عبد الله بن فطيمة عن يحيى بن يعمر، روى قتادة عن نصر بن عاصم، منقطع). والعلة الثالثة: جهالة حال عبد الله بن فطيمة. والإسناد الثاني معلّ بثلاث علل أيضاً: إحداها: أن عبد الأعلى لم يدرك عثمان بن عفان. والثانية: أن الحارث بن عبد الرحمن متكلّم فيه، قال أبو حاتم: ليس بالقويّ. والثالثة: اضطراب الرواة في ألفاظه بين (سنقيمه بألستنا) و(ستقيمه العرب بألسنتها). والإسناد الثالث ضعيف جداً، عكرمة الطائي مجهول الحال، ولم يدرك عثمان. فهذا الخبر من جهة الإسناد لا يصحّ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه. وللعلماء في ردّه وتوجيهه أقوال: أ. فأنكره جماعة من العلماء إنكاراً شديداً، وطعنوا في إسناده. وممن أنكره: ابن الأنباري، وأبو عمرو الداني، ومكيّ بن أبي طالب القيسي، وابن تيمية، وابن عاشور. قال أبو عمرو الداني: (هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة، ولا يصح به دليل من جهتين: أحدهما: أنه مع تخليط في إسناده واضطراب في ألفاظه مرسل لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئاً ولا رأياه. وأيضاً: فإنَّ ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه لما فيه من الطعن عليه مع محلّه من الدين ومكانه من الإسلام وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة واهتباله بما فيه الصلاح للأمة؛ فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء الأبرار نظراً لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم، ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ممن لا شكَّ أنّه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده!! هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله، ولا يحل لأحد أن يعتقده).ا.هـ - وقال مكيّ بن أبي طالب في تفسيره: (روي أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما قالا: إن في الكتاب غلطاً ستقيمه العرب بألسنتها. وعنهما: إن في الكتاب لحناً ستقيمه العرب بألسنتها. وهذا القول قد طُعن فيه، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا على صحة ما بين اللوحين؛ فلا يمكن أن يجتمعوا على غلط)ا.هـ. - وقال ابن تيمية: (المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة وهذا معروف مشهور، وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ: إنه غلط من الكاتب أو نقل ذلك عن عثمان؛ فإن هذا ممتنع لوجوه. منها: تعدد المصاحف واجتماع جماعة على كل مصحف ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرءون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم والإنسان إذا نسخ مصحفا غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقلَّ منهم، ولو قُدِّرَ أنَّ الصحيفة كان فيها لحن؛ فقد كتب منها جماعةٌ لا يكتبون إلا بلسان قريش ولم يكن لحناً فامتنعوا أن يكتبوه إلا بلسان قريش؛ فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا: {إن هذان} وهم يعلمون أن ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم أو: {المقيمين الصلاة} وهم يعلمون أن ذلك لحن كما زعم بعضهم. قال الزجاج في قوله: {المقيمين الصلاة} قول من قال: إنه خطأ - بعيد جدا؛ لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والقدوة فكيف يتركون شيئا يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم. وقال ابن الأنباري: حديث عثمان لا يصح لأنه غير متصل ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده)ا.هـ. ب. ومن العلماء من وجّهه توجيهاً لا نكارة فيه، واختلفوا في توجيهاتهم على أقوال: 1. فذهب الإمام المقرئ أبو الحسين ابن المنادي(ت:336هـ) إلى أنّ المراد باللحن ظاهر رسم الكلمات التي تنطق على غير ما تكتب به ظاهراً، وأن هذا اللحن مأمون بإقامة القراء له بألسنتهم حتى تشتهر القراءة الصحيحة ويُعرف معنى الرسم. فقال فيما نقله عنه أبو عمرو الداني في المحكم: (في المصاحف العتق {أوليئهم من الإنس} و{ليوحون إلى أوليئهم} و{إن أوليئه إلا المتقون}) ثم قال: (وهذا عندنا مما نظر إليه عثمان رحمه الله فقال: "أرى في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها" فأوجب ذلك من القول أنّ من الخط المكتوب ما لا تجوز به القراءة من وجه الاعراب، وأن حكمه أن يترك على ما خط ويطلق للقارئين أن يقرؤوا بغير الذي يرونه مرسوماً)ا.هـ. قال أبو عمرو الداني: (وغير جائز عندنا أن يرى عثمان رضي الله عنه شيئا في المصحف يخالف رسم الكتابة مما لا وجه له فيها بحيلة؛ فيتركه على حاله، ويقرّه في مكانه، ويقول: إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها" إذ لو كان ذلك جائزا لم يكن للكتابة معنى، ولا كان فيها فائدة، بل كانت تكون وبالاً لاشتغال القلوب بها)ا.هـ. وقال أبو عمرو الداني (ت:444هـ) في المقنع: (فإن قال: فما وجه ذلك عندك لو صحّ عن عثمان رضي الله عنه؟ قلت: وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم، إذ كان كثير منه لو تُلي على رسمه لا نقلب بذلك معنى التلاوة وتغيرت ألفاظها، ألا ترى قوله: {أولاأذبحنّه} و{لأاوضعوا} و{من نبأي المرسلين} و{سأوريكم} و{الربوا} وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه، لو تلاه تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخطّ لصيّر الإيجاب للنفي، ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله؛ فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه، مع كون رسم ذلك كذلك جائزاً مستعملاً؛ فأعلَمَ عثمانُ رضي الله عنه إذ وقف على ذلك أنّ من فاته تمييز ذلك وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده؛ سيأخذ ذلك عن العرب إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم فيعرّفونه بحقيقة تلاوته، ويدلونه على صواب رسمه؛ فهذا وجهه عندي، والله أعلم)ا.هـ. قوله: (أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم) هكذا وردت العبارة في المطبوع، ولعلها انقلبت على الناسخ؛ إلا إذا كان المراد: التلاوة التي عمدتها مجرّد النظر في الرسم. 2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومما يبين كذب ذلك: أن عثمان - لو قُدِّرَ ذلك فيه - فإنما رأى ذلك في نسخة واحدة؛ فأمّا أن تكون جميع المصاحف اتفقت على الغلط، وعثمان قد رآه في جميعها وسكت؛ فهذا ممتنع عادة وشرعاً من الذين كتبوا ومن عثمان، ثم من المسلمين الذين وصلت إليهم المصاحف ورأوا ما فيها وهم يحفظون القرآن ويعلمون أنّ فيه لحناً لا يجوز في اللغة فضلاً عن التلاوة، وكلهم يقرّ هذا المنكر لا يغيره أحد؛ فهذا مما يعلم بطلانه عادة، ويُعلم من دين القوم الذين لا يجتمعون على ضلالة؛ بل يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر أن يدعوا في كتاب الله منكراً لا يغيرّه أحدٌ منهم مع أنهم لا غرض لأحدٍ منهم في ذلك، ولو قيل لعثمان: مُرِ الكاتبَ أن يغيره لكان تغييره من أسهل الأشياء عليه؛ فهذا ونحوه مما يوجب القطع بخطأ من زعم أنَّ في المصحف لحناً أو غلطاً وإن نُقل ذلك عن بعض الناس ممن ليس قوله حجة؛ فالخطأ جائزٌ عليه فيما قاله؛ بخلاف الذين نقلوا ما في المصحف وكتبوه وقرأوه؛ فإنَّ الغلط ممتنع عليهم في ذلك)ا.هـ. 2. وقال السيوطي في الاقتراح: (وأحسن ما يقال في أثر عثمان رضي الله عنه بعد تضعيفه بالاضطراب الواقع في إسناده والانقطاع: أنه وقع في روايته تحريف؛ فإن ابن أشته أخرجه في كتاب (المصاحف) من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: "لما فرغ من المصحف أتي به عثمان؛ فنظر فيه فقال: أحسنتم وأجملتم , أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا". فهذا الأثر لا إشكال فيه فكأنه لما عرض عليه عند الفراغ من كتابته رأى فيه شيئا غير لسان قريش كما وقع لهم في (التابوت) و (التابوه)؛ فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش، ثم وفى بذلك كما ورد من طريق آخر أوردتها في كتاب (الإتقان). ولعل من روى ذلك الأثر حرفه، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان فلزم ما لزم من الإشكال). قلت: رواية ابن أشته موافقة لرواية عمر بن شبّة وقد تقدّم ذكرها، ولا إشكال فيها لإنّ إقامة قراء الصحابة للمرسوم بألسنتهم كافٍ في معرفة النطق الصحيح للرسم، والأصل في القراءة والإقراء التلقّي من أفواه القرّاء. ومما تقدّم يتبيّن خطأ من حمل قول عثمان رضي الله عنه - فيما روي عنه - على ما يسمّى بمشكل الإعراب عند النحويين، إذ ما يذكرونه في مشكل الإعراب من القراءات المتواترة لا يصحّ أن يوصف باللحن، ولم يرده عثمان بحال. قال ابن عاشور: (وعن بعض المتأولين أن نصب {والصابرين} وقع خطأ من كتاب المصاحف وأنه مما أراده عثمان رضي الله عنه فيما نقل عنه أنه قال بعد أن قرأ المصحف الذي كتبوه: «إني أجد به لحناً ستقيمه العرب بألسنتها». وهذا متقوَّل على عثمان، ولو صح لكان يريد باللحن ما في رسم المصاحف من إشارات مثل كتابة الألف في صورة الياء إشارة إلى الإمالة ولم يكن اللحن يطلق على الخطأ)ا.هـ). [جمع القرآن:273 - 281] |
#84
|
|||
|
|||
![]() س7: ما جواب ما روي عن عائشة رضي الله عنها في تلحين كتَّاب المصاحف وتخطئتهم؟ |
#85
|
|||
|
|||
![]() س8: ما جواب ما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما في تخطئة بعض كتّاب المصاحف؟ قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (س8: ما جواب ما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما في تخطئة بعض كتّاب المصاحف؟ الجواب: أن ابن عباس رضي الله عنهما قد رويت عنه آثار في تخطئة بعض كتّاب المصاحف لكن عامّتها معلولة، ومن أشهر ما روي عنه في ذلك: 1. ما رواه ابن جرير في تفسيره قال: (حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخِرِّيت أو يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأها: [أَفَلَمْ يَتَبيَّنِ الَّذِينَ آمنُوا] قال: كتب الكاتب الأخرى وهو ناعسٌ). القاسم هو أبو عبيد ابن سلام صاحب كتاب فضائل القرآن، وأحمد بن يوسف هو التغلبي تلميذه أبي عبيد. وهذا الخبر أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن من غير زيادة "كتب الكاتب الأخرى وهو ناعس" فقال: حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ «أفلم يتبين الذين آمنوا». فهذه الزيادة مع زيادة الشكّ في الإسناد إنما ظهرت في تفسير ابن جرير من طريق أحمد بن يوسف. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وروى الطبري وعبد بن حميد بإسناد صحيح كلهم من رجال البخاري عن ابن عباس أنه كان يقرأها: [أفلم يتبين] ويقول : "كتبها الكاتب وهو ناعس"). ولم أقف على إسناد عبد بن حميد؛ فقد يكون له علّة كما في الزيادة التي ذكرها ابن جرير، وقد تكون روايته خالية من تلك الزيادة، ويكون ذكره إنما هو لأجل أنه أخرج أصل الأثر. لكن مما يعني طالب العلم في هذه المسألة تلخيص مواقف العلماء من هذا الأثر، وهي على أربعة مواقف: الموقف الأول: موقف من بادر إلى إنكار أن يصدر مثل هذا القول من ابن عباس مع علمه بجمع القرآن واجتهاد كتّاب المصاحف العثمانية في التوثّق والاحتياط لصحّة كتابة المصاحف. وممن وقف هذا الموقف: ابن الأنباري، والزمخشري، وأبو حيان وجماعة من المفسّرين. - قال الزمخشري: (هذا ونحوه مما لا يُصَدَّقُ في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام؟!! وكان متقلبا في أيدى أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه والله فرية ما فيها مرية)ا.هـ. واحتجّ ابن الأنباري على بطلان هذا الأثر بما صحّ عن ابن عباس من القراءة الموافقة للجماعة؛ فكيف يقرأ بما يراه خطأ أم كيف ينكر ما يقرأ به !! - قال ابن الأنباري فيما نقله عنه القرطبي: (رُوي عن عكرمة عن ابن أبي نجيح أنه قرأ: [أفلم يتبين الذين آمنوا] وبها احتج من زعم أنَّه الصواب في التلاوة، وهو باطل عن بن عباس، لأن مجاهدا وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس)ا.هـ. - وقال أبو حيان الأندلسي: (وأما قول من قال: "إنما كتبه الكاتب وهو ناعس فسوَّى أسنان السين"؛ فقول زنديق ملحد). وزيادة "فسوَّى أسنان السين" إنما أصلها تفسير من بعض المفسّرين لتوضيح ما نُسب إلى ابن عباس. قال الواحدي في البسيط: (ما روي أن ابن عباس كان يقرأ: [أفلم يتبيّن الذين آمنوا]، فقيل له: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} فقال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس" يريد أنه كان في الخط بتاءين، فزاد الكاتب سِنة واحدة فصار {ييئس} فقرئ ييس)ا.هـ. ثم كثر تداول هذا الشرح بالمعنى حتى أدرجه بعضهم في أصل الأثر. والموقف الثاني: موقف من صحّح هذه الزيادة، وتوقّف في توجيهها، وأشهر من وقف هذا الموقف الحافظ ابن حجر رحمه الله؛ فقال في فتح الباري منكراً على من بادر إلى الإنكار: (وأما ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتد إنكار جماعة ممن لا علم له بالرجال صحَّتَه، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته إلى أن قال: "وهي والله فِرْيَةٌ ما فيها مِرْيَة" وتبعه جماعة بعده، والله المستعان، وقد جاء عن بن عباس نحو ذلك في قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} قال: "ووصى التزقت الواو في الصاد" أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه، وهذه الأشياء وإن كان غيرها المعتمد، لكن تكذيب المنقول بعد صحته ليس من دأب أهل التحصيل؛ فليُنظر في تأويله بما يليق به)ا.هـ والموقف الثالث: موقف من التمس العذر لابن عباس وجوَّز عليه الخطأ في قوله هذا كما أخطأ غيره في مسائل، إذ العصمة لم تثبت لأحد من أفراد الصحابة وإنما هي لجماعتهم. ومن أشهر من وقف هذا الموقف وأبان عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. - قال ابن تيمية: (المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة وهذا معروف مشهور وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ: إنه غلط من الكاتب أو نقل ذلك عن عثمان؛ فإن هذا ممتنع لوجوه. منها: تعدد المصاحف واجتماع جماعة على كل مصحف ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرءون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم والإنسان إذا نسخ مصحفا غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقلَّ منهم...) إلى أن قال: ( فهذا ونحوه مما يوجب القطع بخطأ من زعم أن في المصحف لحنا أو غلطاً، وإن نقل ذلك عن بعض الناس ممن ليس قوله حجة؛ فالخطأ جائزٌ عليه فيما قاله؛ بخلاف الذين نقلوا ما في المصحف وكتبوه وقرأوه؛ فإن الغلط ممتنع عليهم في ذلك). وهذا الموقف قد تقدّم نظيره فيما روي عن ابن مسعود في المعوذتين. والموقف الرابع: موقف من وجَّهوا هذا الأثر إلى ما لا نكارة فيه مع التسليم بأنّ الرسم المعتمد في المصحف أصحّ وأولى، ومن أشهر من وقف هذا الموقف أبو بكر ابن أشته (ت:360هـ) فيما نقله عنه السيوطي في الإتقان بعد أن روى آثاراً منسوبة إلى ابن عباس في تخطئة بعض كُتّاب المصاح. قال السيوطي: (وقد أجاب ابن أشته عن هذه الآثار كلها بأن المراد أخطئوا في الاختيار، وما هو الأولى لجمع الناس عليه من الأحرف السبعة، لا أنَّ الذي كتب خطأ خارج عن القرآن)ا.هـ. فتكون تخطئته تخطئة اختيار لا تخطئة قراءة. وتلخيص الجواب عن هذه المسألة في مقامين: المقام الأول: كون ابن عباس يقرأ [أفلم يتبيّن] ، وهذا لا إشكال فيه، لأنّ اختلاف قراءات الصحابة قبل الجمع العثماني وبعده صحيح مأثور، وإن كان لا يُقرأ إلا بما وافق الرسم العثماني، وإنما ينقله بعض أهل العلم لما فيه من علم في التفسير والأحكام واللغة، ولهذا نظائر. وقد صحّت القراءتين عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما صحّ عن غيره أحرف أخرى. والمقام الآخر: ما روي عن ابن عباس أنه قال: ( كتب الكاتب الأخرى وهو ناعسٌ). وفي النفس من ثبوت هذه العبارة عن ابن عباس شيء، لأن الإسناد وإن كان رجاله ثقات إلا أنّه مظنّة للعلّة القادحة، وما كان ترك أبي عبيد ذكرَ هذه العبارة في كتابه مع روايته لأصل هذا الخبر إلا لأنها زيدت عليه، أو لعلّة أوجبت عليه الإضراب عنها. ولو قدّر أنّ ابن عباس قالها فالأقرب أن يقال: إنّ ابن عباس كان على علمٍ بالقراءتين، وكان يرجّح اختيار قراءة [أفلم يتبيّن]، ويظنّ أنها هي المعتمدة في المصاحف؛ فإنّ ابن عبّاس كان قد جمع القرآن في صدره قبل الجمع العثماني بزمن، فلمّا بلغه أنها كتبت في مصحف {أفلم ييئس} أنكر على الكاتب في ذلك المصحف، وغاب عنه أنها كتبت كذلك في جميع المصاحف. فتكون تخطئته متجّهة إلى مصحف واحد فلا يجوز أن يحمّل قوله ما لا يحتمل من القول بتخطئة جميع كتاب المصاحف، إذْ لو تبيّن ذلك أحد لم يتجاسر على إنكاره فكيف بمن في مثل علم ابن عباس وعقله. 2. وروى ابن جرير من طرق عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} قال: (إنما هي خطأ من الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا)، وفي رواية: (إنما هي [حتى تستأذنوا]، ولكنها سقط من الكاتب). ورجاله أئمة ثقات، وقد اختلف في ألفاظه وإسناده وأعلَّ بإدراج المقطوع في الموقوف. فرواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق هشيم: نا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: [لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها] وقال: "إنما هو وهمٌ من الكُتَّاب"). ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار والحاكم في المستدرك من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان، عن شعبة، عن جعفر بن إياس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} قال: «أخطأ الكاتب، [حتى تستأذنوا]». بذكر مجاهد بدل سعيد بن جبير، وقد رواه البيهقي من هذا الطريق بذكر سعيد بن جبير، وهو الصواب. وهذا الأثر مما اختلف فيه أهل العلم. - فصحح ابن حجر إسناده في فتح الباري. - وقال ابن كثير: (هذا غريب جدا عن ابن عباس). - وأعلّه القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي (ت:282هـ) بأن تخطئة الكاتب إنما هي من قول سعيد بن جبير؛ نقل ذلك عنه ابن بطّال في شرح صحيح البخاري، وقال بموجب ذلك مكيّ بن أبي طالب في الهداية. - ومن أهل العلم من قصر القول على إنكار متنه؛ لأنَّ نكارة المتن دليل على علّة في الإسناد أو خطأ من نسب إليه ذلك القول في اجتهاده. ولا خلاف في أنّ القول بتخطئة كتّاب المصاحف العثمانية قول منكر غير مقبول، وأنّ الإجماع على كتابة هذه الآية بهذه القراءة في جميع المصاحف واشتهارها بين المسلمين وقراءة القراء بها ينفي احتمال خطأ الكُتَّاب. - قال مكي بن أبي طالب: (وعن ابن جبير أنه قال: أخطأ الكاتب إنما هو [حتى تستأذنوا] وهذا القول منكر عند أهل العلم، لأن الله قد حفظ كتابه من الخطأ). - وقال البيهقي في شعب الإيمان: (وهذا الذي رواه شعبة واختلف عليه في إسناده، ورواه أبو بشر واختلف عليه في إسناده من أخبار الآحاد، ورواية إبراهيم، عن ابن مسعود منقطعة، والقراءة العامة ثبت نقلها بالتواتر فهي أولى، ويحتمل أن تكون تلك القراءة الأولى، ثم صارت القراءة إلى ما عليه العامة، ونحن لا نزعم أن شيئا مما وقع عليه الإجماع، أو نقل متواترا أنه خطأ، وكيف يجوز أن يقال ذلك وله وجه يصح، وإليه ذهبت العامة؟!!). - وقال محمد الأمين الشنقيطي: (ما يروى عن ابن عباس وغيره من أن أصل الآية: [حتى تستأذنوا] وأن الكاتبين غلطوا في كتابتهم، فكتبوا تستأنسوا غلطا بدل تستأذنوا لا يعول عليه، ولا يمكن أن يصح عن ابن عباس، وإن صحح سنده عنه بعض أهل العلم. ولو فرضنا صحَّته فهو من القراءات التي نسخت وتركت، ولعل القارئ بها لم يطلع على ذلك؛ لأن جميع الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعوا على كتابة {تستأنسوا} في جميع نُسَخِ المصحف العثماني، وعلى تلاوتها بلفظ: {تستأنسوا} ومضى على ذلك إجماع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في مصاحفهم وتلاوتهم من غير نكير، والقرآن العظيم تولى الله تعالى حفظه من التبديل والتغيير، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال فيه: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، وقال تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه} الآية)ا.هـ والخلاصة أنّ قراءة {حتى تستأذنوا} ثابتة عن ابن عباس، ورويت عن غيره من الصحابة، لكن القول بتخطئة كتّاب المصاحف فيه ما سبق من العلّة. وعلى فرض ثبوت هذه التخطئة عن ابن عباس فالقول فيها نظير ما سبق في آية الرعد، من أنّ التخطئة كانت عن اجتهاد، ومتجهة إلى المصحف المسؤول عنه. وقد صحّت القراءة الأخرى عن ابن عباس من طريق ابن كثير المكي عن مجاهد عن ابن عباس، ومن طرق أخرى. 3. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، ثنا نصر بن علي، أخبرني أبي، عن شبل بن عباد، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس: ( {الله نور السماوات والأرض مثل نوره} قال: هي خطأ من الكاتب، هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة قال: [مثل نور المؤمن كمشكاة]). رجاله ثقات، لكنّه غريب في جميع طبقات الإسناد، وعطاء هو ابن أبي رباح. وهذه القراءة صحيحة عن أبيّ بن كعب، وهي من الأحرف التي تركت القراءة بها؛ فهي إما منسوخة وإما متروكة بالجمع العثماني. قال هشام بن عمار: (حدثنا سعيد، ثنا زكريا، عن عامر قال: (في قراءة لأبي بن كعب: [مثل نور المؤمن كمشكاة]). عامر هو الشعبي. وقد رَوى أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن عن حجاج بن أرطأة عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يقرؤها: [مثل نور المؤمن كمشكاة فيها مصباح]. ولعله إنما قرأها هكذا بالحرف الأول تفسيراً؛ لأن مجاهداً لم يكن ليخفى عليه إجماع الصحابة على ترك الإقراء بما خالف المصاحف العثمانية، وقد قرأ ابنُ كثير المكي على مجاهد ما يوافق قراءة العامة. والمقصود أنّ هذا الأثر إن ثبت عن ابن عباس فهو محمول على ما تقدّم شرحه. قال الحافظ ابن حجر: (أخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس (كان يقرأ [حتى تستأذنوا] ويقول أخطأ الكاتب) وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب. - ومن طريق مغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال: (في مصحف بن مسعود [حتى تستأذنوا]). - وأخرج سعيد بن منصور من طريق مغيرة عن إبراهيم: (في مصحف عبد الله: [حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا])وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن عباس واستشكله، وكذا طعن في صحته جماعة ممن بعده. وأُجيبَ بأنَّ ابن عباس بناها على قراءته التي تلقَّاها عن أبيَ بن كعب، وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع الاتفاق على عدم الخروج عما يوافقه، وكأنَّ قراءة أبي من الاحرف التي تركت القراءة بها كما تقدم تقريره في فضائل القرآن. وقال البيهقي: (يُحتمَل أن يكون ذلك كان في القراءة الأولى ثم نسخت تلاوته) يعني ولم يطلع بن عباس على ذلك)ا.هـ. وقال الشيخ المحقق عبد الرحمن المعلّمي: (العلماء يعرفون أنَّ في لغة العرب اتساعًا تضيق عنه قواعد النحو أو تكاد، حتى إن في القرآن مواضع يصعب تطبيقها على تلك القواعد، كقوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} وقوله: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ، وقوله: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} ، وقوله: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ} وغير هذا، حتى ألَّف بعض أهل العلم في مشكل إعراب القرآن خاصة، ولولا العلم اليقيني بأنه يستحيل أن يكون في القرآن لحن لَجَزم كثير من المتقيّدين بقواعد النّحاة بأن كثيرًا من تلك المواضع لحن. بل قد روي عن بعض المتقدمين أنه زعم أن الكاتب أخطأ! وأُجيب عن ذلك بما هو معروف، ومما يُجاب به عن ذلك: أن القائل بأنه خطأ غَفَل عن تقدير معنويّ يصحّ به ذلك اللفظ، أو جَهِل لغة قبيلة من العرب غير قبيلته، ثم ظن أن القائل له: "هي في المصحف كذا" إنما عني مصحفًا خاصًّا لا المصحف الإمام، أو لم يكن قد بلغه العناية التي قِيمَ بها في المصحف الإمام. ولا مانع أن يخفى التواتر عن رجل، كما يقال: إنه خفي على ابن مسعود في شأن المعوّذتين).ا.هـ. 4. وروى فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أنزل الله عز وجل هذا الحرف على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم [ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه] فلصقت إحدى الواوين بالأخرى فقرأ لنا: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد). فكان ميمون يقول: (إن على تفسيره لنورا؛ قال الله عزَّ وجلَّ: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا}). رواه ابن منيع كما في المطالب العالية، وذكر السيوطي أنّ أبا عبيد وابن المنذر وابن مردويه أخرجوه، ولعله فيما فُقِدَ من كتبهم. وهذا الإسناد ضعيف جداً لا يصحّ عن ابن عباس؛ فالفرات بن السائب الجزري متروك الحديث، قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: (كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي بالمعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه، ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاختبار)ا.هـ. وأما قوله: (ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد) فهذا من الكذب البيّن على ابن عباس، وذلك أنّ القضاء على نوعين:
وقد روى ابن جرير نحو هذا الخبر في تفسيره عن الضحاك بن مزاحم الهلالي من طريق هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: [وَوَصَّى رَبُّكَ] وقال: (إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافا). وهذا الخبر لا يصحّ عن الضحاك؛ فأبو إسحاق الكوفي متروك الحديث، قال فيه أبو زرعة: (واهي الحديث)، وقال أبو حاتم: (ليس بشيء)، وقال يحيى بن معين: (أبو إسحاق الكوفي الذي يروي عنه هشيم، هو عبد الله بن ميسرة، وهو ضعيف الحديث). وقد صحت القراءة عن ابن عباس رضي الله عنهما بما يوافق قراءة العامّة، ولا ننكر أن يكون هذا الحرف (ووصّى ربّك) قد قرىء به قبل الجمع العثماني، لكنه على فرض ثبوته مما أجمعوا على ترك الإقراء به، والذي لا يقبل هو الطعن في القراءة المتواترة. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث، قال: ثني ابن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً؛ فقال: هذا على قراءة أبيّ بن كعب، قال أبو كريب: قال يحيى: رأيت المصحف عند نُصير فيه: «ووصى ربّك» يعني: وقضى ربك). رجاله ثقات لكنّه مختصر، وقد قطّعه ابن جرير في تفسيره، ولم أقف على أصله. والخلاصة أنّ القدح في قراءة (وقضى ربّك) لا يصحّ عن ابن عبّاس، وأما قراءة [ووصّى ربّك] فمروية من طرق معلولة عن أبيّ وابن عباس وابن مسعود؛ وقد تقدّم ما روي عن ابن عباس وأبيّ، وأما ابن مسعود فرويت عنه من طريقين فيهما انقطاع: - رواها عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة قال: (في حرف ابن مسعود: [ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه]). وقتادة لم يدرك ابن مسعود. - ورواها الطبراني من طريق يحي الحمّاني عن وكيع عن سفيان عن الأعمش، قال: ( كان عبد الله بن مسعود يقرأ: [ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه]). يحيى الحماني مختلف فيه، تركه أحمد بن حنبل واتّهمه، ووثقه يحيى بن معين، والأعمش لم يدرك ابن مسعود). [جمع القرآن:287 - 300] |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|