قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (عند عند: اسم للحضور الحسي نحو {فلمّا رآه مستقرًّا عنده} والمعنوي نحو {قال الّذي عنده علم من الكتاب} وللقرب كذلك نحو {عند سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى} ونحو {وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار}
وكسر فائها أكثر من ضمها وفتحها ولا تقع إلّا ظرفا أو مجرورة بمن وقول العامّة ذهبت إلى عنده لحن وقول بعض المولدين
(كل عند لك عندي ... لا يساوي نصف عند)
قال الحريري لحن وليس كذلك بل كل كلمة ذكرت مرادا بها لفظها فسائغ أن تتصرف تصرف الأسماء وأن تعرب ويحكى أصلها
تنبيهان
الأول قولنا عند اسم للحضور موافق لعبارة ابن مالك والصّواب اسم لمكان الحضور فإنّها ظرف لا مصدر وتأتي أيضا لزمانه نحو الصّبر عند الصدمة الأولى وجئتك عند طلوع الشّمس
الثّاني تعاقب عند كلمتان
لدى مطلقًا نحو {لدى الحناجر} {لدى الباب} {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}
ولدن إذا كان المحل محل ابتداء غاية نحو جئت من لدنه وقد
اجتمعتا في قوله تعالى {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} ولو جيء بعند فيهما أو بلدن لصحّ ولكن ترك دفعا للتكرار وإنّما حسن تكرار لدى في {وما كنت لديهم} لتباعد ما بينهما ولا تصلح لدن هنا لأنّه ليس محل ابتداء
ويفترقن من وجه ثان وهو أن لا لدن تكون إلّا فضلة بخلافهما بدليل {ولدينا كتاب ينطق بالحقّ} {وعندنا كتاب حفيظ}
وثالث وهو أن جرها بمن أكثر من نصبها حتّى إنّها لم تجيء في التّنزيل منصوبة وجر عند كثير وجر لدى ممتنع
ورابع وهو أنّهما معربان وهي مبنيّة في لغة الأكثرين
وخامس وهو أنّها قد تضاف للجملة كقوله
( ... لدن شب حتّى شاب سود الذوائب)
وسادس وهو أنّها قد لا تضاف وذلك أنهم حكوا في غدوة الواقعة بعدها الجرّ بالإضافة والنّصب على التّمييز
والرّفع بإضمار كان تامّة
ثمّ اعلم أن عند أمكن من لدى من وجهين
أحدهما أنّها تكون ظرفا للأعيان والمعاني تقول هذا القول عندي صواب وعند فلان علم به ويمتنع ذلك في لدى ذكره ابن الشجري في أماليه ومبرمان في حواشيه
والثّاني أنّك تقول عندي مال وإن كان غائبا ولا تقول لدي مال إلّا إذا كان حاضرا قاله الحريري وأبو هلال العسكري وابن الشجري وزعم المعري أنه لا فرق بين لدى وعند وقول غيره أولى
وقد أغناني هذا البحث عن عقد فصل للدن ولـ لدى في باب اللّام). [مغني اللبيب: 2 / 440 - 449]