(فصل ) "من" بالكسر و"من" و"من ذا"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل) و"من" وأما "من" يفتح "الميم"، فإنه اسم لمن يصلح أو يخاطب، وهو مبهم غير متمكن وهو مفرد اللفظ ويقع على الجماعة، وله خمسة أوجه:
أحدها: الشرط، كقوله تعالى: {من يعمل سوءً يجز به}.
الثاني: الاستفهام عن الأجناس الصالحة للخطاب، كقوله تعالى: {فمن ربكما يا موسى}، وقوله: {من بعثنا من مرقدنا}، وقد يشرب معنى النفي كقولك: "من" يفعل هذا "إلا" زيد، ومنه قوله تعالى: {ومن يغفر الذنوب إلا الله}، وقد يشرب معنى التحقير كقولك: "من" هذا؟، وقد يشرب معنى التهويل كقراءة ابن عباس رضي الله عنهما: {ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون}، بفتح "الميم" على لفظ الاستفهام، وذلك أنه سبحانه لما وصف العذاب بأنه مهين لشدته وفظاعته، وصف المعذب بأنه مفرط في عتوه وتجبره وإسرافه تهويلًا لعذابه وشأنه.
وتحكى بها الأعلام والنكرات في لغة أهل الحجاز إذا وقفت عليها ولم تتصل بحرف عطف إلا أنك إذا استفهمت بها عن نكرة قابلت الحركة في لفظ الذاكر بما يجانسها من حروف المد، فإذا قال: رأيت رجلًا، قلت: "مَنَا"؟ "بالألف"، وإن قال: جاءني رجلٌ قلت: "مَنُو"؟ وإن قال: مررت برجلٍ: قلت: "مَنِي"؟ وإن قال: رجلان، قلت: "منان"، وإن قال: رجلين، قلت: "مَنَيْنْ"؟ وكذلك تقول في الجمع: "مَنِينْ" "وَمَنُونْ"؟ وتقول في المؤنث: "مَنَهْ" "وَمنْتَانْ" و"مَنَاتْ".
ومنهم من لا يزيد إذا وقف على الأحرف الثلاثة سواء وَحدَّ أم ثَنَّى أم جمع أم أنَّثَ أم ذكَّر.
وإن استفهمت عن معرف "بالألف" و"اللام" فقال: رأيت الرجل قلت: "من" الرجلُ و"من" الرجلان، و"من" الرجالُ؟ بالرفع لا غير، وكذا إذا اتصل "من" بحرف عطف قلت: "فمن" زيدُ و"من" الزيدان و"من" الزيدون؟ وكذا إذا وصلت الكلام ولم تقف قلت: "من" زيدُ يا هذا وقد جاءت الحكاية في الوصل في الشعر.
قال شمر بن الحارث الضبي:
أتوا ناري فقلتُ منونَ أنتم ..... فقالوا الجن: قلت عموا ظلاما
وبنو تميم لا يرون الحكاية ويرفعون بعد "من" مطلقًا، اسمًا كان أو كنية أو غير ذلك.
الثالث: تكون موصولة، ومعناها الخبر، ومنه قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض}.
الرابع: تكون نكرة موصوفة، وتلزمها الصفة كقولك: رأيت "من" ظريفًا، ولهذا دخلت عليها "رب"، قال الشاعر:
رُب من أنضجت غيظًا قلبه ..... قد تمنى لي موتًا لم يُطع
وقال آخر:
يا رُب من يبغض أذوادنا ..... رُحن على بغضائه واغتدين
وقال الفرزدق:
إني وإياك إذ حلت بأرحلنا ..... كمن بواديه بعد المحل ممطور
أي: كشخص ممطور بواديه، ومن ذلك قول حسان أو كعب بن مالك:
فكفى بنا فضلًا على من غيرنا ..... حُب النبي محمدٍ إيانا
روي بخفض غير على النعت، وروي بالرفع والتقدير: على "من" هو غيرنا، فيحتمل أنها على حالها موصوفة، ويحتمل أنها موصولة بمعنى "الذي" ومنه قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} في قول جماعة، وقال آخرون: هي موصولة، وقال الزمخشري: إن قدرت "أل" في الناس للعهد فموصولة مثل قوله تعالى: {ومنهم الذين يؤذون النبي}، وإلا فموصوفة مثل قوله تعالى: {من المؤمنين رجالٌ}.
الخامس: زيادتها على القول بزيادة الأسماء، كما في مذهب الكوفيين، زعمه الكسائي، وأنشد عليه:
فكفى بنا فضلًا على من غيرنا ..... حُب النبي محمدٍ إيانا
على رواية الخفض، وقول عنترة:
يا شاة من قنص لمن حلت له
فيمن رواه بـ "من" دون "ما" وهو خلاف المشهور، وقول الآخر:
آل الزبير سنام المجد قد علمت ..... ذاك القبائل والأثرون من عددا
وأجاب مخالفوه على ذلك بأجوبة، فلا أطول بذكرها).[مصابيح المغاني: 465 - 469]