قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ( (فصل) "كي": تأتي على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون اسمًا مختصرًا من "كيف" كما تقدم.
ثانيها: أن تكون حرف جر ومعناها التعليل وإنما تجر ثلاثة أشياء:
أحدها: "ما" الاستفهامية، يقولون: إذا سألوا عن علة الشيء "كيمه"، والأكثر أن يقولوا في سؤالهم "لمه" و«وعند الكوفيين» إنها منصوبة بفعل مضمر كأنك قلت: "كي" تفعل ماذا؟
ثانيها: "ما" المصدرية وصلتها، كقول الشاعر:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما .... يُراد الفتى كيما يضر وينفع
أي: للضرر والنفع، قاله الأخفش.
ثالثها: "أن" المصدرية وصلتها، مضمرة نحو: جئت "كي" تكرمني، إذا قدرت "أن" بعدها، ويجوز تقديرها بعدها؛ بدليل ظهورها في الضرورة، قال جميل:
فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا .... لسانك كيما أن تغر وتخدعا
والأولى في التقدير: أن تقدر "كي" مصدرية بمنزلة "أن" معنى وعملًا فتقدر "اللام" قبلها بدليل كثرة ظهورها كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا}.
وهذا هو الوجه الثالث وتتعين "كي" للمصدر إن سبقتها "اللام" نحو: {لكيلا تأسوا}، وللجر إن تأخرت كقول الشاعر:
كي لتقضيني رقية ما .... وعدتني غير مختلس
فيجب حينئذٍ إضمار "أن" بعدها.
وقول الله سبحانه: {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم} وقول الشاعر:
أردتُ لكيما أن تطير بقربتي .... وتتركها شنًّا ببيداء بلقع
يحتمل الجارة والمصدرية.
وعن الأخفش أن "كي" جارة دائمًا، وأن النصب "بأن" ظاهرة أو مضمرة.
ويرده نحو: {لكيلا تأسوا} فإن زعم أن "كي" تأكيد "للام" كقول الشاعر:
.... ولا للمابهم أبدًا دواءُ ....
رد بأن الفصيح المقيس لا يخرج على الشاذ.
وعن الكوفيين أنها ناصبة دائمًا، ويرده قولهم: "كيمه" كما يقولون: "لمه".
وقول حاتم:
وأوقدت نارًا كي ليبصر ضوءها .... وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله
لأن "لام" الجر لا تفصل بين الفعل وناصبة). [مصابيح المغاني: 358 - 362]