اعلم أن "التاء" لا تكون في كلام العرب إلا مفردةً، ولا تتركب مع غيرها من الحروف، وهي تنقسم قسمين: قسم أصل وقسم بدل من أصل.
القسم التي هي أصل لها في كلام العرب أربعة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون للمضارعة في الفعل، ومعنى المضارعة المشابهة وقد تقدم معناها وبيانها في باب "الهمزة"، إلا أن الذي يجب أن تعلم هنا أن "التاء" تدل في الفعل المضارع على الواحد المخاطب، نحو: أنت تقوم، والمخاطبة نحو: أنت تقومين يا هند، والمخاطبين مذكورين نحو: أنت تقوم، والمخاطبة نحو: أنت تقومين يا هند، والمخاطبين مذكرين نحو: أنتما يا زيدان تقومان، أو مؤنثين نحو: أنتما يا هندان تقومان، والجماعة المذكورين المخاطبين نحو: أنتم يا زيدون تقومون، أو المؤنثين المخاطبين، نحو: أنتن يا هندات تقمن، والغائبة نحو: هي تقوم، والغائبتين نحو: الهندان تقومان، قال الله تعالى في الذكر: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ}، وقال:{لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، وقال: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، وقال: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، وقال: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، وقال الزاجر:
يا بنة عما لا تلومي واهجعي .... .... .... .... ....
وقال الشاعر:
تقول سليمى لا تعرض لتلفةٍ .... وليلك عن ليلٍ الصعاليك نائم
واعلم أن هذه "التاء" كان ينبغي أن يقال فيها: بدل من "الواو" لأن "الواو" أخت "الياء" و"الألف" اللتين هما حرفا المضارعة، لأن الجميع حروف علة تُزادُ وتنقص وتغيرُ بالقلب والبدل، إلا أن "الواو" لما لم توجد في الفعل المضارع لمعنى المضارعة، كما وجدت "الواو" في تصرف «أولج» حين قالوا: أولج يده في كذا وأتلج، فلم يُحكم على "التاء" المذكورة بالبدل، ولكن يقال: إنها عوضت من "الواو"؛ لأن محل هذا الموضع "الواو"، إلا أنها لما وقعت أولًا لم يُحكم بها لأن "الواو" لا تُزادُ، فهي تشبه "الواو" في غير هذا الموضع في البدل منها، وكأنها هنا بدل وليست ببدل، ولكن [حلت] محل "الواو" في جريانها مجرى "الياء" في هذا الموضع، ولزمت هنا لأنها أولى فهي أقوى من "الواو" لأن "التاء" لا تغير ولا تبدل ولا تتعرض لذلك تعرض "الواو" فاعلمه.
الموضع الثاني: أن تكون للتأنيث وهي له على ثلاثة أقسام: قسم تكون له في الاسم، وقسم تكون له في الفعل، وقسم تكون له في الحرف.
[فالقسم الذي في الاسم تكون في المفرد والجمع]
القسم الذي في المفرد تكون فيه أبدًا آخرًا لمعان:
أحدها: الفرق إما بين المذكر والمؤنث في الاسم، نحو: امرئ وامرأة، أو في الصفة نحو: قائم وقائمة، وإما بين المفرد واسم الجمع نحو: وردة وورد، وإما بين اسم الجمع والمفرد، وذلك [نحو]: كمؤ وكمأة لا غير، وإما بين المفرد والجمع نحو: بقَّال وبقَّالة.
والثاني: التوكيد في الصفة للمبالغة، نحو: نسابة للعالم بالنسب، وفي الجمع كذلك نحو: حجارة وجالة، وفي التأنيث كذلك نحو: شاة وبقرة.
والثالث: النسب مفردًا نحو: المهالبة في المنسوبين للمهلب فهم في معنى المهلبين، ومع العجمة نحو: السبابجة في المنسوبين إلى «سبج» وهذا أعجمي في معنى «سبجين».
والرابع: العجمة وحدها نحو: «موازجة».
والخامس: تأنيث اللفظ فقط نحو: غرفة وبسطة.
والسادس: العوض إما من "فاء" اللفظة، نحو: وعد عدة وزن زنة، والأصل: وعد ووزن، وإما من عينها نحو: أعاد إعادة وأجاد إجادة، والأصل: إعوادًا وأجوادًا، وأما من "ياء" الجمع نحو: فرازنة، والأصل: فرازين جمع فرزان، وإما من "ياء" الإضافة نحو قوله تعالى: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ}، لأنها لا تجمع معها في هذه المواضع.
والسابع: الإقحام، كقول الشاعر:
كليني لهم يا أميمة ناصب .... وليلٍ أقاسيه بطئ الكواكب
بفتح "التاء" في «أميمة» لأنها قد حذفت من المؤنث في الترخيم، فليست من الأقسام المذكورة، ولكن ليعلم أنها اسم مؤنث مرخم، والإقحام هنا إنما هو الزيادة، وإن كان في غير هذا الموضع الإدخال بين شيئين متلازمين، على أن سيبويه – رحمه الله – جعل الإقحام هنا "للتاء" بين الحرف الذي قبلها وحركته، وهذا توهم بعيد، لأن الحرف لا يُتصور دخوله بين حركةٍ وحرفٍ إذ لا إلحاق فيها في حال تحريكه، فلا يُحتمل دخول شيء بينهما، وتحقيق القول ليس هذا موضعه.
وزاد بعض النحويين في معاني "التاء" المذكورة «التحديد» في العدد نحو قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } وهذا راجع إلى تأنيث اللفظ كشاة، ويتصور معه التحديد في العدد فليس تدخل له "التاءُ" وحده.
فإذا ثبتت هذه المعاني في "التاء" المذكورة فاعلم أن الكوفيين يزعمون أنها "هاء" في الأصل؛ لأن الوقف عليها "فاء"، وليس ذلك بصحيحٍ، لأن الوقف عارضٌ واللفظة "تاء"، وهو الأصل، فلا يعدل عن الأصل إلا بدليلٍ قاطع.
والدليل على أن الوقف لا يُعتد به أنهم يشددون المخفف فيه كقوله:
ببازلٍ وجناء أو عيهل
وقوله:
ضخمٌ يحب الخلق الأضخما
فإذا صاروا إلى الأصل خففوا، وهو الأصل، مع أن العرب قد وقفت على هذه "التاء" على الأصل من غير بدلٍ إلى"الهاء"، قال الراجز:
بل جوز تيهاء كظهر الجحفت
وقال آخر:
الله نجاك بكفي مسلمت .... من بعد ما وبعد ما وبعد مت
صارت نفوس القوم عند الغلصمت .... وكادت الحرة أن تُدعى أمت
كما أنه قد جعلوا "التاء" المذكورة "هاءً" إجراءً للوصل مجرى الوقف في العدد، فقالوا: ثلاثة أربعة، وليس في ذلك حجة للكوفيين لقلته، كما أنهم أجروا "هاء" الوقف مجرى "هاء" التأنيث، قال الشاعر:
العاطفونة حين ما من عاطفٍ .... والمسبغون يدًا إذا ما أنعموا
وقد تُسكن تلك "التاء" كقوله في الأبيات: «وبعدمت»، لأن الأصل بعد "ما"، ثم أبدل من "الألف" "تاء" في الوقف، كما قال الآخر:
قد وردت من أمكنه .... من ها هنا ومن هُنه
إن لم تروها فمه؟
أراد: فما تصنع؟ ثم وقف بعد حذف «تصنع» فقال: «فما»، ثم أبدل الألف "هاءً" في الوقف فقال: فمه، فأجراها الآخر مجرى "تاء" التأنيث تشبيهًا بها، فقال: «بعدمت»، كما قال: «مسلمت».
وأما «أخت، وبنت، وهنت» فذهب الأكثرون إلى أنها عوضٌ من "لام" الكلمة لأنها "واو" أو "ياء" في الأصل، فأصلها: أخوةٌ وهنوة وبنوة، وأعلوها بالحذف كما أعلوا مذكرها، وكذلك كلتا وثنتان، لأن أصلهما: كلتوا ومن ثنيت.
وذهب بعضهم إلى أنها علامة تأنيث كما تقدم في المعاني المذكورة، والصحيح أنها عوض من "لام" الكلمة التي هي "واو" في الأصل كما تقدم، ولكن مع ذلك تدل على التأنيث بلفظها، ويخرج من مذهب سيبويه القولان، وظاهرُ مذهبه أنها بدل ودالة على التأنيث، وهذا نصه في بابٍ من أبواب ما لا ينصرف.
ويدل على أنها بدل أن ما قبلها ساكن، ولا يكون ما قبل "تاء" التأنيث إلا متحركًا ويدل في «كلتا» [على] أن "تاءها" بدلٌ أن "تاء" التأنيث لا تكون قبل الآخر، إنما تكون أبدًا آخرًا مع أنه ليس في الكلام وزنٌ «فعتل»، ولكل واحدٍ من هذه الألفاظ تعليل مستقصى في أبواب التصريف يطول ذكره في هذا الكتاب.
والقسم الذي تكون له "التاء" في الجمع قد تكون في مذكره نحو: حمامات وسرادفات وتكون في مؤنثه نحو: هندات وفاطمات وحبليات وصحراوات، وهي دالة على التأنيث والجمع فلذلك تجمع معها في الجمع "تاء" أخرى فيقال: فاطمات.
وتكونُ هذه "التاء" في الجمع دالة على السلامة فيه، وعلى أن الجمع للقلة من العشرة فما دونها، إلا أن قام دليل على الكثرة أو قرينةُ كلام، وتكون حركة إعراب الاسم الذي هي فيه بالكسرة في حال النصب والخفض، والضمة في حال الرفع، نحو: جاء الهندات، ورأيت الهندات، ومررتُ بالهندات، وإنما ذلك يحمل النصب على الخفض فيه كما حُمل في مذكره في قولهم: رأيت الزيدين ومررتُ بالزيدين، وقد تقدم الكلام فيه في باب "الألف"، والمذكر أصل للمؤنث فعومل في ذلك معاملته.
ولا تكون هذه "التاء" مفتوحة في النصب إلا شاذًا كقوله:
.... .... .... .... .... ثُباتًا عليها ذُلها واكتئابها
وأما تنوينها ففيه كلام سيذكر في باب "النون" إن شاء الله تعالى.
والقسم الذي تكون له في الفعل، تكون فيه إذا كان ماضيًا لفظًا سواء كان في المعنى مستقبلًا أو لم يكن، نحو: قامت هند أمس، وإن قامت هند غدًا قمت، وهي حرف تقدمت على الاسم المؤنث أو تأخرت عنه، نحو: هند قامت، وقامت هند، فأما مع تقديم الاسم فبين، وأما مع تأخيره عنه فيدل على حرفيتها كون ضمير التثنية وهو "الألف" يبرز معها، نحو: الهندان قامتا: فيجتمع مع الضمير، ولو كانت اسمًا ما اجتمع ضميران، وذلك في كلام العرب، وأصلها أن تكون ساكنةً ولا تكون متحركة إلا بالفتح مع "الألف" خاصة لأجلها، وبالكسر إذا التقت مع ساكن آخر على أصل التقاء الساكنين، وتكون أبدًا مع التأخير عن الاسم في الفعل لازمةً ثابتةً على كل حال إلا في الضرورة كقوله:
فلا مزنة أودقت ودقها .... ولا أرض أبقل إبقالها
والأصل: «أبقلت»، وليس من لغة هذا الشاعر النقلُ فيثبت "التاء" وبكسرها ويصح الوزن.
وأما إذا تقدمت على الاسم المؤنث فلا يخلو أن يكون حقيقيًا أو لا يكون، فإن كان حقيقيًا نحو: «المرأة» فلا يخلو أن يُفصل بينها وبينه أو لا يفصل، فإن فُصل فلا يخلو أن يفصل بـ "إلا" أو غيرها.
فإن فُصل بـ "إلا" لم تثبت، نحو «ما قام "إلا" امرأةٌ»؛ لأن المعنى: «ما قام أحد "إلا" امرأة»، وإن فصل بغير "إلا" فالأحسن الإثبات نحو: «قامت يوم الجمعة امرأة»، ويجوز حذفها، [و] من كلامهم: حضر القاضي اليوم امرأةٌ، مهما طال الفاصل كان الحذف أحسن.
وإن لم تفصل فهي ثابتة لازمة، نحو: قالت امرأة، فأما قولهم: «قال فلانة» فشاذ لا يقاسُ عليه.
فإن كان غير حقيقي نحو: ثمرة وشمس، فإن فصلت بـ "إلا" فالحذفُ ليس "إلا"، كما ذكر في الحقيقي، وإن فصلت بغيرها فكذلك.
وإن لم تفصل جاز الحذف والإثبات، لأن التذكير والتأنيث لا يتحققان "إلا" بالفروج فتقول: طلع الشمسُ وطلعت الشمسُ، قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} قال العربي: «جاءته كتابي فاحتقرها»، لأن الوعظة عظة والكتاب صحيفة، هذا حكم المؤنث المفرد، وتثنيته وجمعه مثله فقس عليه.
فأما قول الشاعر:
عشية قام النائحات وشققت .... جيوب بأيدي مأتمٍ وخدود
فهو على تقدير جمع النساء النائحات، فلذلك حذف "التاء" مع عدم الفصل في [المؤنث] الحقيقي، والجمع لفظه مذكر وإن كان مؤنثًا في المعنى، فيذكر ويؤنث مراعاةً للفظه تارةً وللمعنى أخرى، وحكم جمع التكسير واسم الجمع المؤنث حكم جمع المذكر السالم كما ذكر.
وأما ضمير الجمع المكسر المؤنث فلا يذكر إلا شاذًا، كقوله عليه السلام: «خير نساءٍ ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحنْاهُ على ولدٍ في صغره وأرعاهُ على زوجٍ في ذات يده».
وأما جمع المذكر المكسر، فإذا تقدم الفعل عليه جاز فيه التذكير والتأنيث للأفراد والجماعة، قال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}، وهو الكثير، ويجوز الحذف وإن كان مسلمًا فالتذكير
الشائع المطرد نحو قوله تعالى: {قَالَ الْكَافِرُونَ}، {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا}، وتجوز "التاء" مراعاةً للجماعة وهو قليل، منه قول الشاعر:
قالت بنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ .... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام
وأما ضميره فإن كن مسلمًا أو مكسرًا حقيقيًا يعقل فإنه يثبت جمعًا، وكذلك في التثنية نحو: الزيدون خرجوا، والرجال خرجوا، والرجلان خرجا، وإن كان مكسرًا لا يعقل كان مفردًا "بالتاء"، و"النون" التي لجماعة المؤنث نحو: «الأصنام عُبدت» و«عبدن»، هذا إن كان للقلة فإن كان للكثرة فالأصح إثبات "التاء" نحو: «الجزوع انكسرت» ويجوز: انكسرن، وأما إفراده وتذكيره فلا يجوز إلا نادرًا كقوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ}، وكذلك إفراد ضمير التثنية لا يجوز إلا شاذًا كقول الشاعر:
وميةُ أحسنُ الثقلين وجهًا .... وسالفةً وأحسنه قذالا
وما عدا ذلك فلا تدخل "التاء" فيه إلا إن كان مضافًا إلى مؤنثٍ بينه وبينه مناسبة في بعضيةٍ أو غيرها، فإنه يُعامل معاملته في التأنيث كقولهم: «قطعت بعض أصابعه»، وقول الشاعر:
لما أتى خبرُ الزبير تواضعت .... سورُ المدينة والجبالُ الخُشعُ
وقال آخر في الضمير:
وما حُبُّ الديار لشغفن قلبي .... ولكن حب من سكن الديارا
القسم الذي تكون له في الحروف هو ثلاثة ألفاظٍ: أحدها "رب" في قولهم: ربما فعلت، والثاني "ثم" في قولهم: ثمت قمت، كما قال الشاعر:
بثمت لا تجزونني عند ذاكُمُ .... ولكن سيجزيني الإله فيُعقبا
والثالث: "لات" في نحو قولك: «"لات" حين خروج»، و«"لات" حين زوال»، ومنه قوله تعالى: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}، وقول الشاعر:
طلبوا صلحنا ولات أوانٍ .... فأجبنا أن ليس حين أوان
وقولُ الآخر:
لات هنا ذكرى جُبيرةَ أو من .... جاء منها بطائف الأهوال
و «هنا» في البيت بمعنى الحين.
ولا تكون "التاء" في هذه المواضع الثلاثة إلا مفتوحةً في الأصل، فإذا وقفت سكنت لا غير، وإنما ذلك الفرق بين الاسم والفعل والحروف، إذ هو أضعف منهما، لأنها إذا حركت قوت الحرف، وكانت بالفتح تخفيفًا، وهي لتأنيث الكلمة لا غير، لا على معاني التأنيث المذكورة قبلُ، ولـ "رُب" و"ثُم" و"لات" أحكامٌ ستبينُ في أبوابها إن شاء الله.
الموضع الثالث: من مواضع "التاء" أن تكون للخطاب خاصة مجردة من الاسمية، وذلك في أنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتن المذكورة في باب الفصل من باب "الهمزة" المذكورة، وإنما حكمنا عليها أنها للخطاب خاصة لأنه قد ثبت أصلها وهو «أنا» ضميرًا للمتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا، فلما صرنا إلى الخطاب وقع الالتباس بينه وبين المتكلم فجعلت "التاءُ" لذلك، وأما "الميم" في: أنتما وأنتم، و"النون" في: أنتن فزائدتان على "التاء" وستبينان في بابهما.
وفتحت هذه "التاء" في التذكير لأنه قبل المؤنث وثانٍ على المتكلم فأعطي ثاني الحركات وهي الفتحةُ إذ هي بعد الضمة، وكُسرت في المؤنث لأنه الثاني عن المذكر والثالث عن المتكلم، فأعطي الكسرة التي هي في الدرجة الثالثة من الضمة وهي من "الياء" المنسفلة في المخرج.
ولما كانت التثنية والجمع أكثر من الواحد المذكر أو المؤنث أعطيتهما [زوائد] لثقلهما وثقلها لنوع من المعادلة، وفرَّق بين التثنية والجمع "بالميم" و"الألف"، و"الميم" و"الواو"، و"الميم" للتعظيم والتكثير، و"الألف" للتثنية، و"الواو" للجمع، و"النون" لجمع المؤنث.
الموضع الرابع: أن تكون زائدةً في صيغة اللفظة [إما] في أولها دلالة على أن الفضل للاثنين فما زاد، نحو: تفاعل كتضارب وتقاتل، أو للاستعمال كتعارج وتغامى، وفي «تفعل» للاستعمال أيضًا نحو: تعلم وتحمل وتلقى، وإما ثانية في «افتعل» للطلب كاكتسب، وإما ثالثة فيه في «استفعل» كذلك، [نحو]: استخرج واستدل واستكبر، وقد تأتي في «افتعل» و«استفعل» لغير ذلك، اكتفينا بشيء منها فافهم والله الموفق.
القسم الثاني التي هي بدلٌ من أصل لها في الكلام موضعان:
الموضع الأول: أن تكون بدلًا من "واو" القسم للقسم نحو قولك: تالله لأخرجن، والأصل: والله لأخرجن، قال الله عز وجل: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} و{تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} و{تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}، وقال الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيدٍ .... بمشمخر به الظيان والآس
وإنما حكمنا على هذه "التاء" أن تكون بدلًا من "الواو" دون "الباء" التي هي فيه أصلٌ من حروف القسم [و] دون أن تكون أصلًا بنفسها لثلاثة أوجه:
أحدها: أنا رأيناها لا تدخل إلا في اسم الله خاصة دون غيره من الأسماء المعظمة، إلا ما حكى الأخفش من دخولها على «رب الكعبة» في قولهم: لرب الكعبة، وذلك شاذ، ولما رأينا "الواو" تدخل على اسم الله وغيره من الظواهر رأينا "الباء" تدخل على كل مقسم به من الظواهر والمضمرات كما تقدم في بابها علمنا أن "للتاء" مرتبةً ثالثةً ضعفت بها عن أن تكون مثلها، فعلمنا أنها ثالثة عن "الباء" ثانيةٌ عن "الواو" في الاستعمال فأجريت مجرى "الباء" في الخفض، وأجريت "الواو" مجراها في ذلك، و"الواو" ثانية عن "الباء"، لأنها من الشفتين مثلها، و"التاءُ" ثانية عن "الواو" لأنها بدل منها في بعض المواضع نحو: أولج وأتلج ....، واتعد واتزن في اوتعد واوتزن على الوجوب، وهذا هو الوجه الثاني.
الثالث: أن "الواو" مفتوحة و"التاء" مفتوحة و"الباء" مكسورة، فهي أقرب إلى "الواو" بهذا الشبه منها إلى "الباء"، فحكمنا أنها ثانية عنها ومبدلة منها، و"التاء" في باب القسم تلزم الخفض كما لزمته "الباء" و"الواو".
الموضع الثاني: أن تكون بدلًا من "همزة" الوصل الداخلة على «الآن» نحو قولهم فيما حكى أبو زيد حسبك تلان، يريد الآن، وقول الشاعر:
.... .... .... .... .... وصلينا كما زعمت تلانا
يريد: الآن، وقال بعض النحويين: إنها زيدت في «حين» أولًا لأنه أوان كـ «الآن» وأنشدوا:
العاطفونة حين ما من عاطفٍ .... والمسبغون يدًا إذا ما أنعموا
وكذلك قالوا في قوله تعالى: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} وشبهه في الأبيات المتقدمة الذكر في الباب.
والصحيح عندي أن "التاء" زائدة على "لا" وعلى «العاطفون» لما ذكر في أول هذا الباب وفي أثنائه، ولأنه لم توجد «تحين» في غير هذين الموضعين، ووجدت "لات" مع غير الحين، وإجراء "هاء" الوقف مجرى "هاء" التأنيث، كما ذكر داخل الباب، فاعلمه). [رصف المباني: 158 - 173]