قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("بلى"
حرف ثلاثي الوضع، و"الألف" من أصل الكملة، وليس أصلها "بل" التي للعطف، فدخلت "الألف" للإيجاب، أو للإضراب والرد، أو للتأنيث، "كالتاء" في ربت وثمت، خلافاً لزاعمي ذلك. وهي حرف جواب.
وهي مختصة بالنفي، فلا تقع إلا بعد نفي في اللفظ، أو في المعنى.
وتكون رداً له، سواء اقترنت به أداة استفهام أو لا.
وقد وقعت جواباً للاستفهام، في نحو: هل يستطيع زيد مقاومتي؟ فيقول:"بلى". إذا كان منكراً لمقاومته. ومنه قول الجحاف بن حكيم: بلى، سوف نبكيهم، بكل مهند ... ونبكي عميراً، بالرماح، الخوطر
جواباً، لقول الأخطل له:
ألا، فسل الجحاف: هل هو ثائر ... بقتلي، أصيبت، من نمير بن عامر؟
ولا تقول لمن قال قام زيد: "بلى". لأنه موصع "نعم"، لا موضع"بلى"، لأن "بلى" إيجاب لنفي مجرد، كقولك "بلى"، لمن قال ما قام زيد. أو مقرون باستفهام حقيقة، نحو: أليس زيد بقائم؟ فتقول: "بلى". أو للتقرير، كقوله تعالى: {ألست بربكم؟ قالوا: بلى}. أجرت العرب التقرير مجرى النفي. ولذلك قال ابن عباس: لو قالوا: "نعم" لكفروا. لأن "نعم" لتصديق المخبر في الإيجاب والنفي. فإذا قال: ليس لك عندي وديعة، فقلت "نعم"، كان تصديقاً له. وإن قلت "بلى"، كان إيجاباً لما نفى.
قال ابن مالك: وقد توافقها "نعم" بعد المقرون، يعني بعد النفي المفرون بالاستفهام، كقول جحدر:
أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا، فذاك بنا تداني
نعم، وترى الهلال، كما أراه ... ويعلوها النهار، كما علاني
وقول الأنصار للنبي، صلى الله عليه وسلم ألستم ترون ذلك؟ قالوا "نعم". ويؤول قول الأنصار على أن ذلك لأمن اللبس، وقول جحدر على أن "نعم" جواب المقدر في نفسه، من اعتقاده أن الليل يجمعه وأم عمرو، أو يكون جواباً لما بعده، فقدم عليه. قال الشيخ أبو حيان: والأولى، عندي، أن يكون جواباً لقوله فذاك بنا تداني.
وقال بعضهم: يجوز أن يؤتي "بنعم"، بعد التقرير، تصديقاً له، لأن معناه الإيجاب. وإنما يمتنع، إذا جعلت جواباً. قال: ولا يكون الشاعر، في قوله "نعم"، بعد قوله "أليس"، مخالفاً لابن عباس، رضي الله عنهما، فيما قاله من ذلك، لأنه لم يتوارد معه على معنى واحد فإن الذي منعه إنما منعه، على أن "نعم" جواب، وإذا كانت جواباً إنما تكون تصديقاً لما بعد "ألف" الاستفهام. والذي أجزناه إنما أجزناه، على أن تكون غير جواب. وإنما "نعم" فيه على وجه التصديق، لمعنى الاستفهام الذي هو تقرير. واعترض هذا القائل، بأن ما ذهب إليه لا دليل عليه. والله أعلم). [الجنى الداني:420 - 424]