العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم اللغة > جمهرة معاني الحرف وأسماء الأفعال والضمائر والظروف > جمهرة معاني الحروف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 01:20 AM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي حرف الباء


عناصر الموضوع:
-
شرح أبي بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ)
-شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ)
- شرح أبي الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ)
- شرح أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ)
- شرح أحمد بن عبد النور المالقي(ت:702ه)
- شرح إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ)
- شرح الحسن بن قاسم المرادي(ت:749ه)
- شرح عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري(ت:761ه)

-شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)
- شرح ابن نور الدين الموزعي(ت: 825هـ)
- شرح عبد الله بن محمد البيتوشي(ت:1211ه)

- شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)
- شرح محمدعبد الخالق عضيمة(ت:1404ه)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:18 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (تَفْسِيرُ البَاءَاتِ
وهي أربع:
1- "الباء" الزائدة.
2- و"باء" التعجب.
3- و"باء" الإقحام.
4- و"باء" السنخ). [المحلى: 302]

1- الباء الزائدة
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): ("فالباء" الزائدة في صدر الكلام حرف خفض، نحو: مررتُ بزيدٍ). [المحلى: 303]
2- باء التعجب
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"باء" التعجب، نحو: أكرم بزيدٍ، أي: "ما" أكرمه). [المحلى: 303]
3- باء الإقحام
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ):(و"باء" الإقحام مثل قول الله تعالى: {وزوجناهم بحورٍ عين}، معناه: حورًا عينًا، وقوله: {تنبت بالدهن}، أي: تنبت الدهن، وقوله: {اقرأ باسم ربك} ). [المحلى: 303]
4- باء السنخ
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"باء" السنخ مثل: بحرٌ وبرٌ وبابٌ). [المحلى: 303]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:19 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


"الباء"
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ( "الباء" تكون للإلصاق، كقولك: مررت بزيد، وقد تقع مكان "من"، كقوله تعالى: {يشرب بها عباد اللّه}، تكون بمعنى يشرب "منها" وبمعنى يشربها.
قال الهذليّ وذكر السّحاب:
شربن بمــــــــــــاء البحر ثمّ ترفّعت ... متى لججٍ خضرٍ لهــــــــــــــــــــــنّ نئيج
أي: شربن "من" ماء البحر.
وقال عنترة:
شربت بماء الدحرضين فأصبحت ... زوراء تنفر عن حياض الديلم ).
[حروف المعاني والصفات: 47 - 48]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:21 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


"الباء"
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (ومنها "الباء"
ولها ستة مواضع:
تكون مكان
"ما" قال الله تعالى: {يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا}، أي: يشرب منها.
وقال عنترة:
شربت بماء الدحر ضين فأصبحت ..... زوراء تنفر عن حياض الديلم
أي: شربت "من" ماء الدحرضين.
وقال آخر:
شربن بماء البحر ثم ترفعت
أي: شربن "من" ماء البحر.
وتكون مكان
"عن" قال الله تعالى: {سأل سائل بعذابٍ واقعٍ}، أي: "عن" عذابٍ واقعٍ، وقال: {فاسأل به خبيرًا}، أي: "عنه".
وقال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ..... بصيرٌ بأدواء النساء طبيب
أي: فإن تسألوني "عن" النساء، وقال عنترة:
هلا سألت الخيل يابنة مالك ..... إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
أراد:"عما" لم تعلمي.
وقال الجعدي:
سألتني بأناسٍ هلكوا ..... شرب الدهر عليهم وأكل
أي: "عن" أناس، وقال النابغة الذبياني:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ..... بذي الجليل على مستأنسٍ وحد
أي: وقد زال النهار "عنا"، يعني: غابت الشمس.
وتكون مكان
"على" قال عمرو:
بودك ما قومي على ما تركتهم ..... سليمي إذا هبت شمالٌ وريحها
أي: "على" ودك قومي، و"ما" زائدة.
وتكون مكان
"في" قال الشاعر:
إن الرزية لا رزية مثلها ..... أخواي إذ قتلا بيومٍ واحدٍ
أراد: في يومٍ واحدٍ، فوضع "الباء" في موضع "في" ومنه قوله تعالى: {السماء منفطر به}، أي: "فيه"، يعني: يوم القيامة.
وتكون مكان
"مع" قال الشاعر وذكر فرسًا.
داويته بالمحض حتى شتى .....يجتذب الآري بالمرود
أي: "مع" المرود، و«المرود»: الوتد.
وتكون بمعنى:
"من أجل" قال لبيد:
غلبٍ تشذر بالذحول كأنها ..... جن البدي رواسيا أقدامها
أي: "من أجل" الذحول). [الأزهية: 283 - 287]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:22 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

"الباء"
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ): (باب "الباء"
قال أبو زكريّا:
"الباء"حرف جر يدخل على الاسم فيجره وهي تجيء في عدّة معان:
منها: أن تكون للإلصاق. كقولك: مسحت يدي بالمنديل.
ومنها: أن تكون للاستعانة، كقولك: كتبت بالقلم، وضربت بالسّيف. وتصحب الأثمان، كقولك: اشتريت بدرهم، وبعت بدينار.
وتكون: للقسم. كقولك: باللّه.
وتكون بمعنى: "في"، كقولك: زيد بالبصرة.
وتكون: زائدة. كقولك: ليس زيد بمنطلق.
وقال ابن قتيبة: تكون
"الباء" بمعنى "من"، تقول العرب: شربت بماء كذا، أي "من" ماء كذا.
قال عنترة: -
شربت بماء الدحرضين فأصبحت... زوراء تنفر عن حياض الديلم
وتكون"الباء" بمعنى: "عن". قال علقمة بن عبدة: -
فإن تســـــــــــــــــألوني بالنساء فإنني... بصير بأدواء النّســـــــــــــــــاء طبيب
وقال ابن أحمر: -
تســــــــــــــــائل يا ابن أحمر من رآه... أعــــــــــــــــارت عينه أم لم تعــــــــــــــــارا

وذكر بعض المفسّرين أن "الباء" في القرآن على اثني عشر وجها: -
أحدها: صلة في الكلام: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: {فامسحوا بوجوهكم}، وفي المائدة: {وامسحوا برؤوسكم}، وفي المؤمنين: {تنبت بالدهن}.
والثّاني: بمعنى "من"، ومنه قوله تعالى في هل أتى: {عينا يشرب بها عباد الله}، وفي المطففين: {عينا يشرب بها المقربون}.
والثّالث: بمعنى "اللّام"، ومنه قوله تعالى في البقرة: (وإذ فرقنا بكم البحر}، وفي الدّخان: {ما خلقناهما إلّا بالحقّ}.
والرّابع: بمعنى "مع"، ومنه قوله تعالى في الذاريات: {فتولّى بركنه}، أي "مع" جنده.
والخامس: بمعنى "في"، ومنه قوله تعالى في آل عمران: {بيدك الخير}.
والسّادس: بمعنى "عن"، ومنه قوله تعالى في البقرة: {وتقطعت بهم الأسباب}، وفي الفرقان: {فسئل به خبيرا}.
والسّابع: (بمعنى "بعد")، ومنه قوله تعالى في آل عمران: {فأثابكم غما بغم}.
والثّامن: بمعنى "عند"، ومنه قوله تعالى في آل عمران: {والمستغفرين بالأسحار}.
والتّاسع: بمعنى "إلى"، ومنه قوله تعالى في الأعراف: {ما سبقكم بها من أحد من العالمين}.
والعاشر: بمعنى "على"، ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: {لو تسوى بهم الأرض}.
والحادي عشر: بمعنى المصاحبة، ومنه قوله تعالى في المائدة: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}.

والثّاني عشر: (بمعنى السّبب، ومنه قوله تعالى في البقرة: {وتقطعت بهم الأسباب}، ومنه قوله تعالى: {والّذين هم به مشركون}، أي: "من أجله"). [نزهة الأعين النواظر: 208 - 211]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:24 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب "الباء"
باب "الباء" المفردة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "الباء"
اعلم أن "الباء" تكون في كلام العرب مفردةً ومركبةً مع غيرها من الحروف.

باب "الباء" المفردة
اعلم أن"الباء" المفردة لا تكون في كلام العرب إلا جارة لا غير، تخفض ما بعدها على كل حال، وهي على ثلاثة أقسامٍ: قسمٌ لا يمكن أن تكون زائدةً قطعًا، وقسم لا تكون إلا زائدةً قطعًا، وقسم يحتمل أن تكون زائدةً وأن لا تكون.
ونعني بالزائد الذي دخوله كخروجه، لأن النحويين جرت عادتهم أن يسموا
"الباء" و"الكاف" و"اللام" زوائد وإن كانت لا يجوز أن يستقل الكلام دونها لئلا يُظن أنها من نفس الكلمة لكونها متصلة بما بعدها بعض كلمةٍ "كالباء" من بيت، و"الكاف" من كلام، و"اللام" من لبد، و"التاء" من تميم، فهذا إطلاقٌ.
ويطلقون الزائد على ما يستقيم الكلام دونه كما في قوله تعالى: {فبما نقضهم} و{فبما رحمةٍ}.
ويطلقون الزائد على ما يصل العامل إلى ما بعده ولا يمنعه من ذلك، وإن كان معنى لا يصح الكلام دونه، وذلك كـ
"لا"في نحو قوله تعالى: {وحسبوا ألا تكون فتنة}، بنصب «تكون» وكـ "لا" الواقعة بين الجار والمجرور في نحو قولهم: «جئت "بلا" زادٍ»، فالزائد الذي عنيت هو الأول الذي يستقيم الكلام مع عدمه كاستقامته معه دون الإطلاقين الأخيرين.
القسم الأول: الذي لا يمكن أن تكون فيه زائدةً، لها فيه اثنا عشر معنى.
المعنى الأول: أن تكون للتعدية، فإذا كان الفعل لا يتعدى فأدخلتها صار يتعدَّى نحو قوله: قام زيدٌ، فهذا لا يتعدى، ثم تقول: «قام زيد بعمرو» فيصير يتعدَّى، قال الله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}، ومعناها معنى "همزة" التعدية، والتضعيف بمعناها إذا قلت: أقمت زيدًا وقومته، وقد ذكر في باب "الهمزة"، فمعنى قوله تعالى: {لذهب بسمعهم} لأذهب سمعهم.
المعنى الثاني: أن تكون للاستعانة نحو قولك: كتبت بالقلم، وضربت بالسوط، والمعنى أن الكتب وقع منك بآلةٍ وهو القلم، والضرب وقع بآلة وهو السوط، فهما المعنيان [الداخلان] على الفعلين، قال الشاعر:
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
فأدخل "الباء" في السيف لهذا المعنى، وذلك في القلم وشبهه.
المعنى الثالث: أن تكون للإلصاق، نحو مررت بزيدٍ وقدته بعصاه، وجذبته بشعره، معنى ذلك كله أنك ألصقت المرور بزيدٍ والقود بالعصا والجذب بالشعر، ومنه: وصلتُ هذا بهذا، أي ألصقته به، فالإلصاقُ يكونُ لفظيًا ومعنويًا، كما مثل، قال الله تعالى: {وإذا مروا بهم يتغامزون}، وقال: {ليكفروا بما آتيناهم}، وقال: {وقد كفروا به من قبل} وهذا المعنى في كلام العرب في
"الباء" أكثرُ من غيره فيها، حتى إن بعض النحويين قد ردوا أكثر معاني"الباء" إليه، وإن كان على بُعدٍ، والصحيح التنويع كما ذُكر ويُذكر.
المعنى الرابع: المصاحبة وهي التي تعطي معنى
"مع" نحو قولك: جئت به، وجاء البردُ والطيالسة، قال الله تعالى: {فأتبعهم فرعون بجنوده}، أي: "مع" جنوده.
المعنى الخامس: السؤال، فتكون بمعنى
"عن" نحو: «سألتك بزيدٍ» أي"عنه" ، قال تعالى: {سأل سائلٌ بعذابٍ واقع}، أي: "عن" عذاب، وقال الشاعر:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ..... بصير بأدواء النساء طبيبُ
أي: "عن" النساء.
المعنى السادس: السبب، نحو قولك: ضربتك بمخالفتك، وأحسنتُ إليك بإكرامك، قال الله تعالى: {فكلًا أخذنا بذنبه}، وقال: {فأخذهم الله بذنوبهم}، وقال: {فأهلكناهم بذنوبهم}، معنى ذلك كله بسبب.
المعنى السابع: معنى التعجب، نحو قولك: أحسن بعمروٍ، وأكرم به، ومعنى ذلك: ما أحسنه وما أكرمه، أي: هو حسنٌ جدًا وكريمٌ
جدًا، قال الله تعالى: {أسمع بهم وأبصر} و{أبصر به وأسمع}، المعنى: هؤلاء ممن يتعجبُ منهم أو هذا ممن يتعجب منه، إذ لا يصح التعجب من الله تعالى لإحاطة علمه بالكلي والجزئي على ما هو عليه سبحانه، والتعجب لا يكون إلا مما خفي سببه، ولا يصح أن تكون هذا
"الباء" زائدةً لئلا يفسد معناها ويخرج الكلام عن التعجب، وإن كان ما بعدها في موضع فاعلٍ عند قومٍ وفي موضع مفعولٍ عند آخرين.
المعنى الثامن: الظرفية، فتكون بمعنى
"في" نحو قولك: زيدٌ بالبصرة وعبد الله بالكوفة، قال الله تعالى: {أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} أي: "في" مصر، وقال الشاعر:
بها العين والآرام يمشين خلفةً ..... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
أي: "فيها"، وقال آخر:
أذو زوجةٍ بالمصر أم ذو خصومةٍ ..... .... .... .... ....
أي: "في" المصر.
المعنى التاسع: معنى الحال، كقولك: خرج زيدٌ بثيابه، أي: وثيابه عليه، أي: وهذه حاله، قال الشاعر:
ومستنةٍ كاستنان الخرو ..... ف قد قطع الحبل بالمرود
أي: والمرود "فيه" ، أي: هذه حاله.
المعنى العاشر: أن تكون للعوض كقولك: بعتُ هذا بهذا، وأعطيت ذاك بذاك، قال الله تعالى: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين}، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... هذا بذاك ولا عتبٌ على الزمن
أي: عوض جنتيهم، وعوض ذلك.
المعنى الحادي عشر: أن تكون للقسم، كقولك: بالله لتخرجن، وبك لأفعلن، قال الشاعر:
بالله ربك إن أتيت فقل له ..... هذا ابنُ هرمة واقفًا بالباب
ويشاب هذا بسؤال، وقال آخر:
رأى برقًا فأوضع فوق بكرٍ ..... فلا بك ما أسال ولا أغاما
وقال آخر:
ألا نادت أمامةُ باحتمال ..... لتقتلني فلا بك ما أبالي
المعنى في الأبيات: وحق الله وحقك.
فأما
"الباء" في قولهم: «طفتُ بالبيت» وقوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} في الآية، فذهب بعضهم إلى أن "الباء" في ذلك للتبعيض ولذلك أجاز أصحاب.
مالك المسح في الوضوء ببعض الرأس، وانتهى الخلاف بينهم في التبعيض إلى إجازة قدر الأنملة من الرأس في المسح، والصحيح أن
"الباء" في ذلك كله للإلصاق، كما تقدم في المعنى الثالث، وإنما التبعيض الذي يمكن في التمثيل في الآية على المجاز، لا أصل "للباء" فيه، فهو مثل قولك: ضربتُ زيدًا، وأنت تريد بعضه، بإطلاق اللفظ مجازًا.
المعنى الثاني عشر: التشبيه كقولك: لقيت به الأسد وواجهتُ به الهلال، كأنك قلت: لقيته فكأني لقيت الأسد، وواجهته فكأني واجهتُ الهلال، قال العجاج:
لاقوا به الحجاج والإصحارا ..... به ابنُ أجلى وافق الإسفارا
كأنه قال: وجدوا به ابن أجلى، فاعلمه.

القسم الثاني الذي لا تكون فيه إلا زائدة، لها ستة مواضع:
الموضع الأول: المبتدأ إذا كان «حسب»، كقولك: «بحسبك أن تقوم»، أي: حسبك، قال الشاعر.
بحسبك في القوم أن يعلموا ..... بأنك فيهم غني مُضر
وقال آخر:
بحسبك أن قد سُدت أخزم كلها ..... لكل أناسٍ سادةٌ ودعائمُ
أي: حسبك علمهم، وحسبك سيادتك.
الموضع الثاني: خبر "ليس"، نحو قولك: "ليس" زيد بقائمٍ، قال الله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده}، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
الموضع الثالث: خبر "ما" نحو قولك: "ما" زيدٌ بقائمٍ، قال الله تعالى: {وما هم بمؤمنين} {وما ربك بظلامٍ للعبيد}، وقال الشاعر:
ما أنت بالحكم التُرضى حُكومته ..... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
وسواءٌ كانت "ما" حجازيةً أو تميمة "الباء" داخلةٌ في خبرها زائدةٌ.
الموضع الرابع: فاعل "كفى"، كقولك: كفى بك شاهدًا، قال الله تعالى: {وكفى بالله شهيدا}، {وكفى بالله وكيلا}.
ولا تدخل هذه
"الباء" في فاعل "كفى"، إلا إذا كانت غير متعدية بمعنى: «اكتفى»، فإن كانت متعدية إلى مفعولين فلا تدخل "الباءُ" في فاعلها كقوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال} و{إنا كفيناك المستهزئين}، ومنه قول العربي: يا إياك قد كفيتك، والمفعول الثاني هنا محذوفٌ اقتصارًا.
الموضع الخامس: مفعول "كفى" عند بعضهم في الضرورة كقول الشاعر:
فكفى بنا فضلًا على من غيرنا ..... حُب النبي محمدٍ إيانا
وابنُ أبي العافية الإشبيلي المتأخر بجعل "الباء" في البيت داخلة على فاعل "كفى" كما في الموضع الرابع، ويجعل «حب النبي» بدل اشتمال من الضمير على الموضع، لأن الضمير مخفوضٌ لفظًا مرفوعٌ معنًى وهو حسنٌ، وعليه حمل بعضُ المتأخرين بيت المتنبي:
كفى بجسمي نحولًا أنني رجلٌ ..... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
الموضع السادس: الفاعل في الضرورة، كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ..... بما لاقت لبونُ بني زياد
أي: ألم يأتيك خبرٌ بما لاقت، كما قالوا: «قد كان "من" مطر»، أي نازلٌ "من" مطر أو شبهه، والأخفش يجعلُ "من"هنا زائدةً وكلاهما ضعيف، ويروى، «ألا هل أتاك» و«ألم يأتك» بغير "ياء".
ومثل زيادتها في الفاعل للضرورة زيادتها في خبر الابتداء كقوله:
ما أنت من بيتٍ يلذُّ دخوله ..... وظلك لو يُسطاع بالبارد السهل
وقال الآخر:
.... .... .... .... ..... فمنعكها بشيءٍ يُستطاع
أي: شيءٌ، ويحتمل أن يكون الخبرُ محذوفًا أقيم الجار والمجرور مقامه، كأنه قال: فمنعكها كائنٌ أو حادثٌ أو مستقرٌ، وهو أجود من الزيادة لكون بالجار والمجرور يقعان خبرًا للمبتدأ قياسًا.
وأما قوله: {أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن [بقادر]}، فذكر أبو الحسين ابن عصفور الإشبيلي أن ذلك من الشاذ، وفيه عندي تسويغٌ لدخول
"الباء" الزائدة لتصدير الكلام بالنفي، و"الباء" في تمامه فائدته، فكانت كأنها في خبر "ما" إذ "ألم" نفي كما أن"ما" نفي.

القسم الثالث: الذي يحتمل أن تكون زائدة وألا تكون، ما عدا ما ذكرنا من القسمين نحو قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}، فيحتمل أن تكون "الباء" زائدة، ويكون التقدير: تنبت الدهن، أي: تخرجه، ويحتمل أن تكون "الباءُ" "باء" الحال كأنه قال: تنبتُ شجرها والدهن فيها، فتكون من المعاني التي ذكرنا أولًا، وكذلك قول الشاعر:
شربت بماء الدحر ضين فأصبحت ..... زوراء تنفرُ عن حياض الديلم
وقول الآخر:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ..... متى لجج خضرٍ لهن نئيج
إن جعلنا "الباء" زائدة في البيتين كان الماء مفعولًا لشربت أو لشربن، وإن كانت غير زائدة فهي الظرفية أو التي للإلصاق التي فيها معنى التبعيض، كما تقدم، فقس على هذه الثلاثة الأقسام ما يردُ عليك من "الباء" في كلام العرب تجده واحدًا منها إن شاء الله.
واعلم أن
"الباء" وسائر حروف الخفض لابد أن تكون متعلقة بفعل أو ما فيه معنى الفعل أو رائحة الفعل، لأن الجار والمجرور في موضع معمول مستدع لواحد من ذلك.
إلا أن حقيقة المتعلق إنما هي في غير الزائد، وأما الزائد فبعضهم يجعله متعلقًا وبعضهم لا يجعله متعلقًا، وبعضهم يجعله متعلقًا إن كان في الكلام فعل أو معناه كـ
"ليس" وإن لم يكن كـ "ما" الحجازية فلا يجعله متعلقًا وهو الصحيح لأن عمله تشبيهًا بغير الزائد إذ لا حاجة إليه فكان ينبغي أن لا يعمل، فإذا عمل وكان في الكلام ما يتعلق [به] كان الشبه لغير الزائد من جهتين، نحو: «"ما" جاء "من" أحد»، وإن كان لا شيء له يتعلق به كان الشبه لغير الزائد من جهةٍ واحدٍ وهو العمل فقط، فتعلق الزائد لا ضرورة له كغير الزائد، إذ لا حاجة إليه لازمة، فاعلمه). [رصف المباني: 142 - 152]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:25 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

"الباء"
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها "الباء": وتكون زائدةً، وغير زائدةٍ.
فغير الزائدة:
للإلصاق، وهو أصلها، ولا يفارقها، ولم يذكر سيبويه غيره.
وللاستعانة، نحو: كتبت بالقلم.
وللمصاحبة: خرج زيدٌ بثيابه، ويكنّى عنها أيضاً
"بباء"الحال.
وللسّبب، كقوله تعالى: {فبظلمٍ}.
وللقسم، نحو: بالله.
وللظرفيّة، نحو: زيدٌ بالبصرة.
وللتعدية، نحو: ذهبت بزيد، ومعناها معنى "الهمزة" خلافاً للمبّرد.
وزاد بعضهم للبدل، كقوله:
فليت لي بهم قوماً.
وللمقابلة، نحو: اشتريت الفرس بألفٍ.
ولموافقة "عن"، كقوله تعالى: {فاسأل به خبيراً}.
و"على"، كقوله: {من إن تأمنه بقنطارٍ}.
و"من" التبعيضيّة، وذكره الفارسيّ والأصمعيّ، وشاهده:
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت
متى لججٍ خضرٍ لهنّ نئيج


والزائدة:
لازمة، في فاعل فعل التعجّب، نحو: أحسن بزيدٍ.
وغير لازمة: بقياسٍ في خبر "ما"، و"ليس"، وفاعل "كفى"، ومفعوله، نحو: "فكفى" بنا فضلاً، و"حسبك" مبتدأ، نحو: "بحسبك" زيدٌ.
وبغير قياسٍ فيما عدا ذلك، كقوله:
.........................
فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب

وظاهر كلام ابن مالك، أنّها تنقاس أيضاً في النواسخ المنفيّة، نحو:
.................... لم أكن
بأعجلهم....................
وأطلق ابن أبي الربيع في زيادتها في الفاعل، والمفعول، والمبتدأ، والخبر).[التحفة الوفية: ؟؟]

التعليل
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها التعليل:
وحروفه: "اللام"، نحو: {ليحكم}، و
"من"، نحو: قمت "من أجل" عمرٍو، و"الباء"، كقوله تعالى: {فبظلمٍ}، و"كي"، نحو: جئت "كي" أكرمك، و"حتى"، نحو: وثبت "حتّى" آخذ بيده، و"في"، كما روي أنّ امرأة دخلت النار "في" هرّةٍ، أي: بسبب هرّة). [التحفة الوفية: ؟؟]

حروف الزيادة

قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها الزيادة:
وحروفها: "إن"، و"أن"، و"ما"، و"من"، و"الباء"، و"اللام"، نحو: ما "إن" زيدٌ قائمٌ، وكقوله عزّ وجلّ: {فلمّا أن جاء البشير}، {ما منعك أن لا تسجد}، {فبما نقضهم}، {مالكم من إلهٍ غيره}، {وما ربّك بغافلٍ}، [إلا أنّهم ليأكلون] بفتح "أنّ"). [التحفة الوفية: ؟؟]

التعدية
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها التعدية: وحرفاه: "الهمزة"، و"الباء"، نحو: أقمت زيداً، ومررت به). [التحفة الوفية: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:27 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("الباء"
حرف مختص بالاسم، ملازم لعمل الجر. وهي ضربان زائدة، وغير زائدة.
فأما غير الزائدة فقد ذكر النحويون لها ثلاثة عشر معنى:
الأول: الإلصاق: وهو أصل معانيها. ولم يذكر لها سيبويه غيره. قال: إنما هي للإلصاق والاختلاط. ثم قال: فما اتسع من هذا، في الكلام، فهذا أصله. قيل: وهو معنى لا يفارقها.
والإلصاق ضربان: حقيقي نحو: أمسكت الحبل بيدي. قال ابن جني: أي: ألصقتها به. ومجازي، نحو: مررت بزيد.
قال الزمخشري: المعنى: التصق مروري بموضع يقرب منه. قلت: وذكر ابن مالك أن "الباء" في نحو: مررت بزيد، بمعنى "على"، بدليل {وإنكم لتمرون عليهم}. وحكاه عن الأخفش.
الثاني: التعدية: و"باء" التعدية هي القائمة مقام "الهمزة"، في إيصال معنى اللازم إلى المفعول به. نحو {ذهب الله بنورهم}، و {لذهب بسمعهم}. وقد وردت مع المتعدي في قولهم: صككت الحجر بالحجر، ودفعت بعض الناس ببعض. فلذلك قيل: الصواب قول بعضهم: هي الداخلة على الفاعل، فتصيره مفعولاً. ليشمل المتعدي واللازم. فإن قيل: هذه العبارة أيضاً لا تشمل المثالين، لأن "الباء" فيهما هي الداخلة على ما كان مفعولاً. إذ الأصل: صك الحجر الحجر، ودفع بعض الناس بعضاً! قلت: ليس كذلك، بل هي شاملة لهما. و"الباء" فيهما داخلة على ما كان فاعلاً، لا مفعولاً، والأصل: صك الحجر الحجر، ودفع بعض الناس بعض. بتقديم المفعول، لأن المعنى أن المتكلم صير البعض، الذي دخلت عليه "الباء"، دافعاً للبعض المجرد منها.
ومذهب الجمهور أن "باء" التعدية بمعنى "همزة" التعدية، لا تقتضي مشاركة الفاعل للمفعول. وذهب المبرد والسهيلي إلى أن "باء" التعدية، تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في الفعل، بخلاف "الهمزة". قال السهيلي: إذا قلت: قعدت به، فلا بد من مشاركة، ولو باليد. ورد عليهما بقوله تعالى: {ذهب الله بنورهم}، لأن الله، تعالى، لا يوصف بالذهاب مع النور. وأجيب بأنه يجوز أن يكون، تعالى، وصف نفسه بالذهاب، على معنى: يليق به، كما وصف نفسه بالمجيء، في قوله {وجاء ربك}. وهذا ظاهر البعد. ويؤيد أن "باء" التعدية بمعنى "الهمزة" قراءة اليماني {أذهب الله نورهم}.
الثالث: الاستعانة: و"باء" الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل. نحو: كتبت بالقلم، وضربت بالسيف. ومنه في أشهر الوجهين {بسم الله الرحمن الرحيم}.
ولم يذكر في التسهيل "باء" الاستعانة، وأدرجها في "باء" السبيبة، وقال في شرحه: "باء" السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازاً. نحو {فأخرج به من الثمرات}، فلو قصد إسناد الإخراج إلى "الهاء" لحسن، ولكنه مجاز. قال: ومنه: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين. فإنه يقال: كتب القلم، وقطعت السكين. والنحويون يعبرون عن هذه "الباء" بالاستعانة. وآثرت على ذلك التعبير بالسببية، من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله، تعالى. فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة لا يجوز.
الرابع: التعليل: قال ابن مالك: هي التي تصلح غالباً في موضعها "اللام". كقوله تعالى: {إنكم ظلمتم أنفسكم، باتخاذكم العجل}، {فبظلم، من الذين هادوا، حرمنا}، {فكلا أخذنا بذنبه}. واحتزر بقوله غالباً من قول العرب: غضبت لفلان، إذا غضبت "من أجله" وهو حي. وغضبت "به"، إذا غضبت "من أجله" وهو ميت.
ولم يذكر الأكثرون "باء" التعليل، استغناء "بباء" السببية، لأن التعليل والسبب عندهم واحد. ولذلك مثلوا "باء" السببية بهذه المثل التي مثل بها ابن مالك للتعليل.
الخامس: المصاحبة: ولها علامتان: إحداهما أن يحسن في موضعها "مع". والأخرى أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال، كقوله تعالى: {قد جاءكم الرسول بالحق} أي: "مع" الحق، أو محقاً. و{يا نوح اهبط بسلام} أي: "مع" سلام، أو مسلماً عليك. ولصلاحية وقوع الحال موقعها، سماها كثير من النحويين "باء" الحال.
السادس: الظرفية: وعلامتها أن يحسن في موضعها "في". نحو {ولقد نصركم الله ببدر}، {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل}. وهي كثيرة في الكلام.
السابع: البدل: وعلامتها أن يحسن في موضعها بدل. كقول الحماسي:
فليت لي، بهم قوماً، إذا ركبوا ... شنوا الإغارة، فرساناً، وركبانإ
وفي الحديث ما يسرني بها حمر النعم أي: بدلها.
الثامن: المقابلة: قال ابن مالك: هي "الباء" الداخلة على الأثمان والأعواض. نحو: اشتريت الفرس بألف، وكافأت الإحسان بضعف. وقد تسمى "باء" العوض.
ولم يذكر أكثرهم هذين المعنيين، أعني: البدل والمقابلة. وقال بعض النحويين: زاد بعض المتأخرين في معاني "الباء" أنها تجيء للبدل والعوض، نحو: هذا بذاك، أي: هذا بدل من ذلك وعوض منه. قال: والصحيح أن معناها السبب؛ ألا ترى أن التقدير: هذا مستحق بذاك، أي بسببه.
التاسع: المجاوزة: وعبر بعضهم عن هذا بموافقة "عن". وذلك كثير بعد السؤال. نحو {فاسأل به خبيراً}، و {سأل سائل بعذاب واقع}. وقال علقمة:
فإن تسألوني، بالنساء، فإنني ... خبير، بأدواء النساء، طبيب
وقليل بعد غيره، نحو {ويوم تشقق السماء بالغمام} أي: و"عن" أيمانهم. كذا قال الأخفش. قلت: أما كونها بمعنى "عن" بعد السؤال فهو منقول عن الكوفيين، وتأوله الشلوبين على أن "الباء" في ذلك سببية، أي: فاسأل بسببه. وقال بعضهم: هو من باب التضمين، أي: فاعتن به، أو فاهتم به.
العاشر: الاستعلاء: وعبر بعضهم عنه بموافقة "على". وذكروا لذلك أمثلة منها قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار} أي: "على" قنطار، كما قال {هل آمنكم عليه}. ومنها {وإذا مروا بهم} أي: "عليهم"، كما قال {وإنكم لتمرون عليهم}. ومنه قول الشاعر:
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت، عليه، الثعالب
الحادي عشر: التبعيض: وعبر بعضهم عن هذا بموافقة "من"، يعني التبعيضية، وفي هذا المعنى خلاف، وممن ذكره الأصمعي، والفارسي في التذكرة. ونقل عن الكوفيين، وقال به القتبي وابن مالك. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {يشرب بها عباد الله} أي: "منها". وقول الشاعر:
شربن بماء البحر، ثم ترفعت ... متى لجج، خضر، لهن نئيج
وبقول الآخر:
فلثمت فاها، آخذاً بقرونها ... شرب النزيف، ببرد ماء الحشرج
وجعل قوم من ذلك "الباء" في قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم}. وجعلها قوم زائدة. وجعلها قوم للإلصاق على الأصل. وقال بعضهم: إنها "باء" الاستعانة، فإن مسح يتعدى إلى مفعول بنفسه، وهو المزال عنه، وإلى آخر بحرف الجر، وهو المزيل. فيكون تقدير الآية: فامسحوا أيديكم برؤوسكم.
ولم ترد "باء" التبعيض عند مثبتيها إلا مع الفعل المتعدي. وقد أنكر قوم، منهم ابن جني، ورود "باء" التبعيض، وتأولوا ما استدل به مثبتو ذلك، على التضمين. قال ابن مالك: والأجود تضمين شربن معنى: روين. وجعل الزمخشري "الباء" في الآية "كالباء" في: شربت الماء بالعسل. والمعنى: يشرب بها عباد الله الخمر.
واعترض بعضهم كلام ابن جني، وقال: شهادة على النفي، وهي غير مقبولة. وأجيب بأن الشهادة على النفي ثلاثة أقسام:
معلومة نحو: إن العرب لم تنصب الفاعل.
وظنية عن استقراء صحيح نحو: ليس في كلام العرب اسم متمكن، آخره "واو" لازمة، قبلها ضمة.
وشائعة غير منحصرة نحو: لم يطلق زيد امرأته، من غير دليل، فهذا هو المردود. وكلام ابن جني من الثاني، لأنه شديد الاطلاع على لسان العرب.
الثاني عشر: القسم: نحو: بالله لأفعلن. وهي أصل حروف القسم، ولذلك فضلت سائر حروفه بثلاثة أمور،
أحدها أنها لا يجب حذف الفعل معها، بل يجوز إظهاره. نحو: أقسم بالله.
والثاني أنها تدخل على المضمر. نحو: بك لأفعلن.
والثالث أنها تستعمل في الطلب وغيره، بخلاف سائر حروفه. فإن الفعل معها لا يظهر، ولا تجر المضمر، ولا تستعمل في الطلب. وزاد بعضهم رابعاً، وهو أن "الباء" تكون جارة في القسم وغيره، بخلاف "واو" القسم وتائه، فإنهما لا تجران إلا في القسم. قلت: ويشاركها في هذا بعض حروف القسم "كاللام".
الثالث عشر: أن تكون بمعنى "إلى" نحو قوله تعالى: {وقد أحسن بي} أي: "إلى". وأول على تضمين أحسن معنى: لطف.

تنبيه
رد كثير من المحققين، سائر معاني "الباء" إلى معنى الإلصاق، كما ذكر سيبوبه. وجعلوه معنى لا يفارقها، وقد ينجر معه معان أخر. واستبعد بعضهم ذلك، وقال: الصحيح التنويع. وما تقدم من نيابة "الباء" عن غيرها من حروف الجر هو جار على مذهب الكوفيين، ومن وافقهم، في أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض. ومذهب البصريين إبقاء الحرف على موضوعه الأول، إما بتأويل يقبله اللفظ، أو تضمين الفعل معنى فعل آخر، يتعدى بذلك الحرف. وما لا يمكن فيه ذلك فهو من وضع أحد الحرفين موضع الآخر على سبيل الشذوذ.
وذكر صاحب رصف المباني في معاني "الباء" ثلاثة معان، لا تحقيق في ذكرها. وهي: السؤال نحو {سأل سائل بعذاب واقع}. والتعجب نحو: أحسن بزيد. قال: ولا يصح أن تكون هذه "الباء" زائدة، لئلا يفسد معناها، ويخرج الكلام عن التعجب. والتشبيه نحو: لقيت به الأسد، وواجهت به الهلال.
قلت: أما "الباء" التي بعد السؤال فهي بمعنى "عن" عند قوم، وللسببية عند آخرين، كما تقدم. والسؤال مستفاد من الفعل، لا منها.
وأما "باء" التعجب ففيها مذهبان:
أشهرهما أنها زائدة، وهذا مذهب أكثر النحويين. ثم اختلف هؤلاء، فذهب سيبويه، وجمهور البصريين، إلى أنها زائدة مع الفاعل، مثلها في {كفى بالله شهيداً}. وذهب الفراء والزجاج، ومن قال بقولهما، إلى أنها زائدة مع المفعول، وجعلوا فاعل أحسن ضمير المخاطب. وكذلك قال ابن كيسان، لكنه جعل الفاعل ضمير الحسن، كأنه قال: أحسن يا حسن بزيد، أي: دم به.
والمذهب الثاني أنها للتعدية، وليست بزائدة، و"الهمزة" في أحسن للصيرورة، وهو أمر للسبب، أو للشخص، على ما تقدم من القولين. وأجاز الزمخشري في مفصله أن تكون للتعدية. وليس هذا موضع بسط الكلام على هذه المسألة. وقد بسطته في غيره.
وأما "الباء" في: لقيت به الأسد، وواجهت به الهلال، فهي عند التحقيق "باء" السببية، والمعنى: لقيت بسبب لقيه الأسد، وواجهت بسبب مواجهته الهلال. وهي "كالباء" في قولهم: لئن سألت فلاناً لتسألن به البحر. وهذا من باب التجريج. وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر، مثله فيها، مبالغة في كمالها فيه. وهو من أبواب علم البديع.

وأما "الباء" الزائدة فتكون في ستة مواضع:
الأول: الفاعل. وزيادتها معه ثلاثة أضرب: لازمة، وجائزة في الاختيار، وواردة في الاضطرار.
فاللازمة في فاعل أفعل في التعجب، على مذهب سيبويه وجمهور البصريين. وهي لازمة أيضاً على مذهب من جعلها زائدة مع
المفعول. ولا يجوز حذفها على المذهبين إلا مع"أن"و "أن"، كقول الشاعر:
وقال نبي المسلمين: تقدموا ... وأحبب إلينا أن نكون المقدما
وفي كلام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه أعزز علي، أبا اليقظان، أن أراك صريعاً مجدلاً، خلافاً لصاحب النهاية في قوله: إن حذف "الباء" من: "أن"، و"أن"، في التعجب لا يجوز. قال ابن مالك: ولو اضطر شاعر إلى حذف "الباء" المصاحبة غير أن لزمه أن يرفع، وعلى قول الفراء يلزمه النصب.
والجائزة في الاختيار في فاعل "كفى" بمعنى: "حسب". نحو {كفى بالله شهيداً}، قال أبو جعفر بن الزبير: فإن كان بمعنى وقى لم تزد في فاعله، نحو {وكفى الله المؤمنين القتال}. وأجاز ابن السراج في {كفى بالله} وجهاً آخر، وهو أن يكون فاعله ضمير المصدر المفهوم من "كفى" أي: "كفى" هو، أي: الاكتفاء. ورد بأن "الباء" على هذا ليس لها في اللفظ ما تتعلق به إلا الضمير، والمصدر لا يعمل مضمراً. قلت: وقد ذهب بعضهم إلى جوار إعماله مضمراً، وهو مذهب الكوفيين. وأجاز ابن جني والرماني أن يعمل في المجرور. وحكي عن الفارسي.
والواردة في الاضطرار في أبيات محفوظة، منها قول الشاعر:
ألم يأتيك، والأنباء تنمي، ... بما لاقت لبون، بني زياد
وقول الآخر:
ألا، هل أتاها، والحوادث جمة، ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
وقول الآخر:
مهما لي: الليلة، مهما ليه ... أودى بنعلي، وسرباليه
وفي بعض هذه الأبيات احتمال.
الثاني: المفعول، وزيادتها معه غير مقيسة، مع كثرتها. نحو: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، {وهزي إليك بجذع النخلة}، و {فليمدد بسبب}، {ومن يرد فيه بإلحاد}. قال ابن مالك: وكثرت زيادتها في مفعول عرف وشبهه، وقلت زيادتها في مفعول ذي مفعولين، كقول حسان:
تبلت فؤادك، في المنام، خريدة ... تسقي الضجيع، ببارد، بسام
ومن شواهد زيادتها مع المفعول قول الشاعر:
نحن، بني ضبة، أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف، ونرجو بالفرج
أي: نرجو الفرج. وأبيات أخر، لا فائدة في التطويل بإنشادها، لشهرتها في كتب النحو. وفي بعضها احتمال.
والمختار أن ما أمكن تخريجه، على غير الزيادة، لا يحكم عليه بالزيادة، وتخريج كثير من هذه الشواهد ممكن، على التضمين، أو حذف المفعول. وقد خرج عليهما قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فقيل: لا تلقوا مضمن معنى: لا تفضوا. وقيل: حذف المفعول و"الباء" للسببية، أي: لا تلقوا أنفسكم بسبب أيديكم، كما تقول: لا تفسد حالك برأيك. قاله المبرد.
واختلف في زيادتها في مفعول"كفى" في قوله:
فكفى بنا، فضلاً على من غيرنا ... حب النبي، محمد، إيانا
فقيل: هي في البيت زائدة مع المفعول. ورده ابن أبي العافية، وقال: هي داخلة على فاعل "كفى"، وحب النبي بدل اشتمال من الضمير على الموضع. وعلى هذا حمل بعضهم قول أبي الطيب:
كفى بجسمي، نحولاً، أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
الثالث: المبتدأ، نحو بحسبك زيد. بهذا مثل الزمخشري وغيره. ومثله ابن مالك بقوله: بحسبك حديث. وقال في بحسبك زيد: الأجود أن يكون زيد مبتدأ، وبحسبك خبر مقدم. فإن حسباً من الأسماء التي لا تعرفها الإضافة. قال ابن يعيش: ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف. قلت: جعل بعض المتأخرين "الباء" في قولهم: كيف بك، وكيف بنا، زائدة مع المبتدأ، والأصل: كيف أنت، وكيف نحن.
الرابع: الخبر. وزيادتها في الخبر ضربان: مقيسة، وغير مقيسة.
فالمقيسة في خبر "ليس" و"ما" أختها نحو {أليس الله بكاف عبده}، {وما ربك بظلام للعبيد}. وفي زيادتها بعد ما التميمية خلاف. منع الفارسي والزمخشري. والصحيح الجواز، لسماعه في أشعار بني تميم. وقد وردت زيادتها في خبر "لا" أخت "ليس"، كقول سواد بن قارب:
وكن لي شفيعاً، يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلاً، عن سواد بن قارب
وفي خبر فعل ناسخ منفي، كقول الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم، إذ أجشع القوم أعجل
وظاهر كلام بعضهم أن هذا يجوز القياس عليه.
وغير المقيسة في مواضع كثيرة. كزيادتها بعد "هل" في قوله:
ألا، هل أخو عيش، لذيذ، بدائم وندرت زيادتها في الخبر الموجب
كقول الشاعر:
فلا تطمع، أبيت اللعن، فيها ... ومنعكها بشيء يستطاع
وفيه احتمال. وقال الأخفش: إن "الباء" زائدة في قوله تعالى: {جزاء سيئة بمثلها}. والأولى أن يكون الجار والمجرور خبراً، و"الباء" متعلقة بالاستقرار.
الخامس: النفس والعين في باب التوكيد. يقال: جاء زيد بنفسه، وبعينه. والأصل: جاء زيد نفسه وعينه.
السادس: الحال المنفية، لأنها شبيهة بالخبر. ذكر هذا ابن مالك، واستدل بقول الشاعر:
فما رجعت، بخائبة، ركاب ... حكيم بن المسيب منتهاها
وقول الآخر:
كائن دعيت إلى بأساء، داهمة ... فما انبعثت بمزؤود، ولا وكل
واعترض بأنه لا حجة في البيتين، لجواز كون "الباء" فيهما "باء" الحال، والمعنى: فما رجعت خائبة، وفما انبعثت بشخص مزؤود. يعني بذلك نفسه، ويكون من باب التجريد.
فهذا تمام الكلام على "باء" الجر. وقد كنت نظمت معانيها في هذين البيتين:
بالباء ألصق، واستعن، أو عد، أو ... أقسم، وبعض، أو فزد، أو علل
وأتت بمعنى مع، وفي، وعلى، وعن ... وبها فعوض، إن تشا، أو أبدل).
[الجنى الداني:36 - 56]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:29 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "الباء"
"الباء" المفردة
"الباء" المفردة: حرف جر لأربعة عشر معنى:
أولها الإلصاق: قيل وهو معنى لا يفارقها فلهذا اقتصر عليه سيبويه:
ثمّ الإلصاق حقيقيّ: كـ أمسكت بزيد إذا قبضت على شيء من جسمه أو على ما يحبسه من يد أو ثوب ونحوه، ولو قلت أمسكته احتمل ذلك وأن تكون منعته من التّصرّف.
ومجازي: نحو مررت بزيد، أي: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد، وعن الأخفش أن المعنى مررت على زيد، بدليل: {وإنّكم لتمرون عليهم مصبحين}.
وأقول إن كلا من الإلصاق والاستعلاء إنّما يكون حقيقيًّا إذا كان مفضيا إلى نفس المجرور كـ أمسكت بزيد وصعدت على السّطح، فإن أفضى إلى ما يقرب منه فمجاز كـ مررت بزيد في تأويل الجماعة، وكقوله:
... وبات على النّار الندى والمحلق
فإذا استوى التقديران في المجازية فالأكثر استعمالا أولى بالتخريج عليه، كـ مررت بزيد ومررت عليه، وإن كان قد جاء كما في: {لتمرون
عليهم}،{يمرون عليها}.
ولقد أمر على اللّئيم يسبني ...
إلّا أن مررت به أكثر فكان أولى بتقديره أصلا، ويتخرّج على هذا الخلاف خلاف في المقدر في قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا ...
أهو "الباء" أم "على"

الثّاني التّعدية:
وتسمى "باء" النّقل أيضا وهي المعاقبة "للهمزة" في تصيير الفاعل مفعولا، وأكثر ما تعدي الفعل القاصر تقول في ذهب زيد ذهبت بزيد وأذهبته، ومنه: {ذهب الله بنورهم}، وقرئ (أذهب الله نورهم) وهي بمعنى القراءة المشهورة.
وقول المبرد والسهيلي إن بين التعديتين فرقا، وإنّك إذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا له في الذّهاب مردود بالآية.
وأما قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}، فيحتمل أن الفاعل ضمير البرق، ولأن "الهمزة" و"الباء" متعاقبتان لم يجز أقمت بزيد، وأما {تنبت بالدهن} فيمن ضم أوله وكسر ثالثه، فخرج على زيادة "الباء" أو "على" أنّها للمصاحبة، فالظرف حال من الفاعل، أي: مصاحبة للدهن أو المفعول، أي: تنبت الثّمر مصاحبا للدهن أو أن أنبت يأتي بمعنى نبت، كقول زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لها حتّى إذا أنبت البقل
ومن ورودها مع المتعدّي قوله تعالى: {دفع الله النّاس بعضهم ببعض}، و: صككت الحجر بالحجر والأصل دفع بعض النّاس بعضًا وصك الحجر الحجر.

الثّالث الاستعانة:
وهي الدّاخلة على آلة الفعل، نحو: كتبت بالقلم ونجرت بالقدوم، قيل ومنه البسملة لأن الفعل لا يتأتّى على الوجه الأكمل إلّا بها.

الرّابع السّببيّة:
نحو: {إنّكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل}،{فكلا أخذنا بذنبه}، ومنه: لقيت بزيد الأسد، أي: بسبب لقائي إيّاه، وقوله:
قد سقيت آبالهم بالنّار ...
أي: أنّها بسبب"ما"، وسمت به من أسماء أصحابها يخلى بينها وبين الماء.

الخامس المصاحبة:
نحو: {اهبط بسلام}، أي: "معه"، {وقد دخلوا بالكفر} الآية، وقد اختلف في "الباء" من قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك} فقيل للمصاحبة، والحمد مضاف إلى المفعول، أي: فسبحه حامدا له، أي: نزهه عمّا لا يليق به، وأثبت له ما يليق به، وقيل للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل، أي: سبحه بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تنزيه بمحمود ألا ترى أن تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصّفات
واختلف في سبحانك اللّهمّ وبحمدك، فقيل جملة واحدة على أن "الواو" زائدة، وقيل جملتان على أنّها عاطفة ومتعلق "الباء" محذوف، أي: وبحمدك سبحتك، وقال الخطابيّ: المعنى وبمعونتك الّتي هي نعمة توجب عليّ حمدك سبحتك لا بحولي وقوتي، يريد أنه ممّا أقيم فيه المسبّب مقام السّبب.
وقال ابن الشجري في: {فتستجيبون بحمده} هو كقولك أجبته بالتّلبية، أي: فتجيبونه بالثناء إذ الحمد الثّناء أو "الباء" للمصاحبة متعلقة بحال محذوفة أي معلنين بحمده والوجهان في {فسبح بحمد ربك}.

والسّادس الظّرفيّة:
نحو: {ولقد نصركم الله ببدر}،{نجيناهم بسحر}.

والسّابع البدل:
كقول الحماسي:
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانًا وركبانا
وانتصاب الإغارة على أنه مفعول لأجله.

والثّامن المقابلة:
وهي الدّاخلة على الأعواض، نحو: اشتريته بألف وكافأت إحسانه بضعف، وقولهم هذا بذاك، ومنه: {ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون}،
وإنّما لم نقدرها "باء" السّببيّة كما قالت المعتزلة، وكما قال الجميع في لن يدخل أحدكم الجنّة بعمله؛ لأن المعطي بعوض قد يعطي مجّانا، وأما المسبّب فلا يوجد بدون السّبب، وقد تبين أنه لا تعارض بين الحديث والآية لاختلاف محملي "الباءين" جمعا بين الأدلّة.

والتّاسع المجاوزة:
"كعن"، فقيل تختص بالسؤال نحو: {فاسأل به خبيرا} بدليل {يسألون عن أنبائكم}، وقيل لا تختص به بدليل قوله تعالى: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}،{ويوم تشقق السّماء بالغمام}.
وجعل الزّمخشريّ هذه "الباء" بمنزلتها في شققت السنام بالشفرة على أن الغمام جعل كالآلة الّتي يشق بها، قال ونظيره: {السّماء منفطر به}، وتأول البصريون {فاسأل به خبيرا} على أن "الباء" للسّببيّة، وزعموا أنّها لا تكون بمعنى عن أصلا، وفيه بعد لأنّه لا يقتضي قولك سألت بسببه أن المجرور هو المسؤول عنه.

العاشر الاستعلاء:
نحو: {من إن تأمنه بقنطار} الآية بدليل {هل آمنكم عليه إلّا كما أمنتكم على أخيه من قبل}، ونحو: {وإذا مروا بهم يتغامزون} بدليل {وإنّكم لتمرون عليهم}، وقد مضى البحث فيه، وقوله:
أرب يبول الثعلبان برأسه ...
بدليل تمامه:
... لقد هان من بالت عليه الثعالب
الحادي عشر التّبعيض:
أثبت ذلك الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك قيل والكوفيون وجعلوا منه: {عينا يشرب بها عباد الله}.
وقوله:
شربن بماء البحر ثمّ ترفعت ... متى لجج خضر لهنّ نئيج
وقوله:
... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
قيل ومنه: {وامسحوا برؤوسكم}، والظّاهر أن "الباء" فيهنّ للإلصاق، وقيل هي في آية الوضوء للاستعانة، وإن في الكلام حذفا وقلبًا فإن مسح يتعدّى إلى المزال عنه بنفسه، وإلى المزيل "بالباء"، فالأصل امسحوا رؤوسكم بالماء، ونظيره بيت الكتاب:
كنواح ريش حمامة نجدية ... ومسحت باللثتين عصف الإثمد
يقول إن لثاتك تضرب إلى سمرة مسحتها بمسحوق الإثمد فقلب معمولي مسح، وقيل في شربن إنّه ضمن معنى روين، ويصح ذلك في {يشرب بها} ونحوه، وقال الزّمخشريّ في: {يشرب بها}، المعنى: يشرب بها الخمر، كما تقول شربت الماء بالعسل.

الثّاني عشر القسم:
وهو أصل أحرفه، ولذلك خصت بجواز ذكر الفعل معها، نحو: أقسم باللّه لتفعلن، ودخولها على الضّمير، نحو: بك لأفعلنّ، واستعمالها في القسم الاستعطافي، نحو: باللّه هل قام زيد؟ أي: أسألك باللّه مستحلفا.

الثّالث عشر الغاية:
نحو: {وقد أحسن بي}، أي: إليّ، وقيل ضمن أحسن معنى لطف.

الرّابع عشر التوكيد:
وهي الزّائدة، وزيادتها في ستّة مواضع:
أحدها الفاعل: وزيادتها فيه واجبة وغالبة وضرورة.
فالواجبة: في نحو أحسن بزيد في قول الجمهور إن الأصل أحسن زيد بمعنى صار ذا حسن، ثمّ غيرت صيغة الخبر إلى الطّلب وزيدت "الباء" إصلاحا للفظ، وأما إذا قيل بأنّه أمر لفظا ومعنى وإن فيه ضمير المخاطب مستترا "فالباء" معدية مثلها في امرر بزيد.
والغالبة: في فاعل كفى، نحو: {كفى باللّه شهيدا}، وقال الزّجاج دخلت لتضمن "كفى" معنى اكتف وهو من الحسن بمكان، ويصححه قولهم أتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه، أي: ليتق وليفعل بدليل جزم يثب، ويوجبه قولهم كفى بهند بترك "التّاء"، فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب، بدليل: {وما تسقط من ورقة}،{وما تخرج من ثمرات}.
فإن عورض بقولك أحسن بهند، "فالتّاء" لا تلحق صيغ الأمر وإن كان معناها الخبر، وقال ابن السراج الفاعل ضمير الاكتفاء، وصحّة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر، وهو قول الفارسي والرماني أجازا مروري بزيد حسن، وهو بعمرو قبيح.
وأجاز الكوفيّون إعماله في الظّرف وغيره، ومنع جمهور البصريين إعماله مطلقًا، قالوا: ومن مجيء فاعل كفى هذه مجردا عن "الباء" قول سحيم:
... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
ووجه ذلك على ما اخترناه أنه لم يستعمل كفى هنا بمعنى اكتف، ولا تزاد "الباء" في فاعل "كفى" الّتي بمعنى أجزأ وأغنى، ولا الّتي بمعنى وقى، والأولى متعدية لواحد، كقوله:
قليل منك يكفيني ولكن ... قليلك لا يقال له قليل
والثّانية متعدية: لاثنين كقوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال}،{فسيكفيكهم الله}، ووقع في شعر المتنبي زيادة "الباء" في فاعل كفى المتعدية لواحد قال:
كفى ثعلا فخرا بأنك منهم ... ودهر لأن أمسيت من أهله أهل
ولم أر من انتقد عليه ذلك فهذا إمّا لسهو عن شرط الزّيادة، أو لجعلهم هذه الزّيادة من قبيل الضّرورة كما سيأتي، أو لتقدير الفاعل غير مجرور "بالباء".
وثعل رهط الممدوح وهم بطن من طيئ وصرفه للضّرورة إذ فيه العدل، والعلمية كعمر ودهر مرفوع عند ابن جني بتقدير وليفخر دهر، وأهل صفة له بمعنى مستحقّ، و"اللاّم" متعلقة بأهل.
وجوز ابن الشجري في دهر ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون مبتدأ حذف خبره، أي: يفتخر بك، وصحّ الابتداء بالنكرة لأنّه قد وصف بأهل.
والثّاني: كونه معطوفًا على فاعل كفى، أي: انهم فخروا بكونه منهم، وفخروا بزمانه لنضارة أيّامه، وهذا وجه لا حذف فيه.
والثّالث: أن تجره بعد أن ترفع فخرا على تقدير كونه فاعل كفى، و"الباء" متعلقة بفخر لا زائدة، وحينئذٍ تجر الدّهر بالعطف، وتقدر أهلا خبرا لهو محذوفا، وزعم المعري أن الصّواب نصب دهر بالعطف على ثعلا، أي: و"كفى" دهرا هو أهل؛ لأن أمسيت من أهله أنه أهل لكونك من أهله، ولا يخفى ما فيه التعسف، وشرحه أنه عطف على المفعول المتقدّم، وهو ثعلا، والفاعل المتأخر وهو أنّك منهم منصوبًا ومرفوعًا، وهما دهرا، وأن ومعمولاها وما تعلق بخبرها ثمّ حذف المرفوع المعطوف اكتفاء بدلالة المعنى.
وزعم الربعي أن النصب بالعطف على اسم "أن"، و"أن" أهل عطف على خبرها، ولا معنى للبيت على تقديره،
والضرورة كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
وقوله:
مهما لي اللّيلة مهما ليه ... أودى بنعلي وسرباليه
وقال ابن الضائع في الأول: إن "الباء" متعلقة بتنمي، وإن فاعل يأتي مضمر، فالمسألة من باب الإعمال.
وقال ابن الحاجب في الثّاني: "الباء" معدية، كما تقول: ذهب بنعلي، ولم يتعرّض لشرح الفاعل، وعلام يعود إذا قدر ضميرا في أودى،
ويصح أن يكون التّقدير أودى هو، أي: مود، أي: ذهب ذاهب، كما جاء في الحديث: ((لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))، أي: ولا يشرب هو، أي: الشّارب إذ ليس المراد، ولا يشرب الزّاني، والثّاني ممّا تزاد فيه "الباء" المفعول، نحو: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة}،{وهزي إليك بجذع النّخلة}،{فليمدد بسبب إلى السّماء}،{ومن يرد فيه بإلحاد}،{فطفق مسحا بالسوق}، أي: يمسح السّوق مسحا، ويجوز أن يكون صفة، أي: مسحا واقعا بالسوق.
وقوله:
... نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج
الشّاهد في الثّانية "فأما" الأولى فللاستعانة، وقوله:
... سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وقيل ضمن تلقوا معنى تفضوا، ويريد معنى يهم، ونرجو معنى نطمع، ويقرأن معنى يرقين، ويتبركن، وأنه يقال قرأت بالسورة على هذا المعنى، ولا يقال قرأت بكتابك لفوات معنى التّبرّك فيه قاله السّهيلي، وقيل المراد لا تلقوا أنفسكم إلى التّهلكة بأيديكم، فحذف المفعول به، و"الباء" للآلة، كما في قولك كتبت بالقلم، أو المراد بسبب أيديكم، كما يقال لا تفسد أمرك برأيك، وكثرت زيادتها في مفعول عرفت ونحوه، وقلت في مفعول ما يتعدّى إلى اثنين، كقولك:
تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تسقي الضجيع ببارد بسام
وقد زيدت في مفعول كفى المتعدية لواحد، ومنه الحديث: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع)).
وقوله:
فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حب النّبي محمّد إيانا
وقيل إنّما هي في البيت زائدة في الفاعل، وحب بدل اشتمال على المحل.
وقال المتنبي:
كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني
والثّالث المبتدأ:
وذلك في قولهم: بحسبك درهم، وخرجت فإذا بزيد، وكيف بك إذا كان كذا، ومنه عند سيبويه: {بأيكم المفتون}، وقال أبو الحسن: بأيكم متعلق باستقرار محذوف مخبر به عن المفتون، ثمّ اختلف فقيل المفتون مصدر بمعنى الفتنة، وقيل "الباء" ظرفية، أي: في أي طائفة منكم المفتون؟

تنبيه
من الغريب أنّها زيدت فيما أصله المبتدأ، وهو اسم ليس بشرط أن يتأخّر إلى موضع الخبر، كقراءة بعضهم: {ليس البر أن تولّوا} بنصب البر، وقوله:
أليس عجيبا بأن الفتى ... يصاب ببعض الاذى في يديه
والرّابع الخبر:
وهو ضربان غير موجب فينقاس، نحو: ليس زيد بقائم، {وما الله بغافل}، وقولهم: لا خير بخير بعده النّار إذا لم تحمل على الظّرفيّة، وموجب فيتوقّف على السماع، وهو قول الأخفش ومن تابعه، وجعلوا منه قوله تعالى: {جزاء سيّئة بمثلها}.
وقول الحماسي:
... ومنعكها بشيء يستطاع

والأولى تعليق {بمثلها} باستقرار محذوف هو الخبر وبشيء بمنعكها، والمعنى: ومنعكها بشيء ما يستطاع.
وقال ابن مالك: في بحسبك زيد، إن زيدا مبتدأ مؤخر لأنّه وحسبك نكرة.
والخامس الحال المنفيّ عاملها، كقوله:
فما رجعت بخائبة ركاب ... حكيم بن المسيب منتهاها
وقوله:
... فما انبعثت بمزؤود ولا وكل
ذكر ذلك ابن مالك وخالفه أبو حيّان، وخرج البيتين على أن التّقدير بحاجة خائبة وبشخص مزؤود، أي: مذعور، ويريد بالمزؤود نفسه على حد قولهم رأيت منه أسدا.
وهذا التّخريج ظاهر في البيت الأول دون الثّاني؛ لأن صفات الذّم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها، ولهذا قيل في: {وما ربك بظلام للعبيد}، إن فعالا ليس للمبالغة وإنما هو للنسب.
كقوله:
... وليس بذي سيف وليس بنبالٍ
أي: و"ما" ربك بذي ظلم؛ لأن الله تعالى لا يظلم النّاس شيئا، ولا يقال لقيت منه أسدا أو بحرا أو نحو ذلك إلّا عند قصد المبالغة في الوصف بالإقدام أو الكرم.
والسّادس التوكيد بالنّفس والعين: وجعل منه بعضهم قوله تعالى: {يتربّصن بأنفسهنّ}، وفيه نظر إذا حق الضّمير المرفوع المتّصل المؤكّد بالنّفس أو بالعين أن يؤكد أولا بالمنفصل كـ: قمتم أنتم أنفسكم، ولأن التوكيد هنا ضائع، إذ المأمورات بالتربص لا يذهب الوهم إلى أن المأمور غيرهنّ، بخلاف قولك زارني الخليفة نفسه، وإنّما ذكر الأنفس هنا لزيادة البعث على التّربّص لإشعاره بما يستنكفن منه من طموح أنفسهنّ إلى الرّجال.

تنبيه
مذهب البصريين أن أحرف الجرّ لا ينوب بعضها عن بعض، بقياس كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم إمّا مؤول تأويلا يقبله اللّفظ كما قيل في: {ولأصلبنكم في جذوع النّخل}، إن "في" ليست بمعنى "على"، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشّيء، وإمّا على تضمين الفعل معنى فعل يتعدّى بذلك الحرف كما ضمن بعضهم شربن في قوله:
شربن بماء البحر ...
معنى روين وأحسن في: {وقد أحسن بي} معنى لطف، وإمّا على شذوذ إنابة كلمة عن أخرى، وهذا الأخير هو مجمل الباب كله عند أكثر الكوفيّين وبعض المتأخّرين، ولا يجعلون ذلك شاذا ومذهبهم أقل تعسفا). [مغني اللبيب: 2 / 115 - 181]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:31 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)

الباب الأول
ضبط حروف المعاني الأحادية

قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الأول من الأبواب الخمسة التي تذكر في ضبط حروف المعاني، وتذكر فيه الحروف الأحادية، وهي التي وردت على حرفٍ واحد فقط، وهو البسيط الحقيقي في هذه الصناعة، وقد يطلق على المفرد الغير المركب من لفظين: "كان"، و"إذن"، "على رأي"، وجملة ما ورد من حروف المعاني أحادية، ثلاثة عشر حرفًا، وهي قسمان؛ لأن الحرف إما أن يكون محضًا بمعنى أنه لا يقع إلا حرفًا، أو مشاركًا نوعًا آخر أي من الأفعال والأسماء أو كلتيهما، فانحصرت في قسمين:
محضة: وهي ستة أحرف: "الهمزة"، و"الباء"، و"السين"، و"الفاء"، و"اللام"، و"الميم".
ومشاركة للاسم: وهي سبعة: "الألف"، و"التاء"، و"الكاف"، و"النون"، و"الهاء"، و"الواو"، و"الياء".
فإن قيل: إن بعض النحاة قد عدوا "الهمزة" و"الفاء" مما اشترك فيه الحرف والفعل، فإن كلًا منهما كما يكون حرفًا "كهمزة" الاستفهام و"كالفاء" العاطفة، كذلك يكون فعلًا، وقد عدوا "اللام" مع الحرف والفعل، ومع الاسم أخرى كما في المعرفة الموصولة نحو: الضارب والمضروب، فكيف عدتهن في الحروف المحضة.
فالجواب: أنا إنما نعتبر المشاركة بين الحرف وغيره من الأسماء والأفعال، أو بينهما معًا، إذا كان ذلك بحسب الوضع، وأما مشاركة الأحرف الثلاثة للفعل فإنما حصل بواسطة ما عرض لهن، ولذلك أنكر المحققون على من عد على مما اشترك فيه الأنواع الثلاثة أيضًا، وقالوا: إنه غلط؛ لأن على إذا كانت حرفًا واسمًا كانت "ألفها" أصلية، وإذا كانت فعلًا كانت "الألف" منقلبة عن "واو"، فلا مشاركة للفعل معهما أبدًا، وأما عدا "اللام" اسمًا فهو جهل، فإنما يراد به "ال" الموصولة، والتعبير عنها "باللام" غلط، بل قد أنكروا على من قال "الألف" و"اللام" أيضًا، فكما لا يعبر عن هل الاستفهامية "بالهاء" و"اللام"، فكذا لا يعبر عن الموصولة "بالألف" و"اللام"، وكأنما عنى هذا القائل ما نقل عن سيبويه أن "همزة" ال للوصل، ولذلك تطرح درجًا فاطرحها لفظًا وهو سهو، فإن سيبويه سمى هذه الكلمة "أل" وعدها في الحروف الثنائية، ومذهب الخليل أنها "همزة" أصلية، وحذفها وصلًا لطلب التخفيف لكثرة الاستعمال وهو الأرجح، وبعضهم يجعل "أل" حرفًا في كل مواقعها ويمنع وقوعها اسمًا، وجعل الموصولة باسم الفاعل واسم المفعول حرفًا، كما سيأتي في فصله، فكيف يجوز مع هذا كلى الإطلاق على "اللام" وحدها، وهل هذا إلا غلطٌ صريح). [جواهر الأدب: 5 - 6]

الفصل الثاني: في ثاني الحروف الأحادية محضة وهو "الباء"
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الثاني: في ثاني الحروف الأحادية محضة وهو "الباء"، وهي من حروف الشفهية الثلاثة، أعني: "الباء" و"الواو" و"الميم" والشفة هي آخر المخارج التي للحروف الستة عشر على قول الأكثرين، والأربعة عشر على قول بعضهم، وذهب بعضهم إلى أن "الواو" ليس شفهيًا؛ لأن الشفتين لا يضمان عند خروجه، قيل: ولكون "الباء" ليست من حروف الزيادة العشرة لا تقع بعضًا أبدًا، وإنما تكون مستقلة، أي حرف معنى، ولا تكون إلا محضة أي: لازمة للحرفية، لا تشارك شيئًا من الأسماء والأفعال، وهي من الحروف العامة؛ لأنها من حروف الجر، وعملت هذه الحروف، لأنه وجد فيها شرطا الأعمال، وهما الاختصاص بما دخلا عليه، وعدم كونها كجزء من المختص به والمختص بالأسماء هو الجر، وأورد على هذا "إن" وأخواتها، فإنها اختصت بالأسماء، وعملت نصبًا ورفعًا ولم تعمل جرًا، وأجيب بأنه منع من حملها على الأصل مشابهتها الخاصة بالأفعال المتعدية العامة رفعًا ونصبًا، فأعملت عملها، وقيل: إن "ما" دخلت عليه حروف الجر قد يكون قبل مرفوعًا نحو: "ما" جاءني "من" أحد، وقد يكون منصوبًا نحو: عرفت به، فعملت عملًا لا يوجد إلا عند وجودها، ولا يفقد إلا عند عدمها ليعرف تأثره بها، ولا يكون موجودًا عند عدمها.
وقيل: إنها لما كانت تزاد في الفاعل تارة وفي المفعول أخرى وجب أن يكون أثرها متوسطًا بين أثريهما، فعملت الجر المتوسط بين ثقل أثر الفاعل وهو الرفع، وخفة أثر المفعول وهو النصب، وبقيت "الباء" لأنه مستحقها بالجر فيه لا سيما ويه أحادية، وحركت لأنها قد تقع في أول الكلام، ولا يبتدأ بالساكن، وكانت مكسورة لتناسب حركتها عملها، ولم يكسروا "الكاف"، وإن عمل الجر قالوا؛ لأنه لم يلازم الحرفية لوقوعه اسمًا، وفيه نظر، وحكى أبو الفتح أن أصل حركتها مع الظاهر الفتح عند بعضهم، والأصل في معانيها الإلصاق إمّا حقيقة نحو: ألصقت هذا بهذا، وإمَّا مجازًا نحو: مررت بزيد، أي: ألصقت مروري بالمكان الذي يقرب من مكانه، ومنه بسم الله، وكذا قولهم: حملته بطراز مدح، ومنه استعمالها في باب القسم، وهي قولك: أقسمت بالله، والاستعطاف نحو: بحياتك أخبري، وسمى الاسفرائيني "الباء" الواقعة في مثل هذه الأمثلة مكملة للفعل، وقد استعملت لمعان أخرى، لكن الإلصاق ملاحظ فيها.
أولها: للتعدية مؤدية معنى "همزة" النقل، كقوله تعالى: {ذهب الله بنورهم}، وقد يكون الفعل قبلها لازمًا كهذا المثال، ومتعديا نحو: صككت الحج بالحجر، أصله: صك الحجر الحجر، قيل: ولا تقع "باء" التعديَّة مع مجرورها ظرفًا مستقرًا مطلقًا، وكذا المكملة، وأجاز الإسفرائيني كونها مستقرة في الأخبار نحو الذي به ضعف، قال القالي: وفيه نظر؛ لأنه إذا جاز: أبه داء، والظرف مستقر، فكذلك يجوز: هل به داء، وإن أراد أنه لا يكون مستقرًا إلا أن يكون خبرًا للمبتدأ، فبقوله: إلا أن يكون الكلام خبرًا يأباه، واعلم أن الفرق بين المكملة والمعدية أن الفعل إن اقتضى بنفسه متعلقًا "فالباء" مكملة له كالقسم والابتداء والمرور لاقتضائها مقسمًا به، ومبتدأ به، ومرورًا به، وإن لم تقتض متعلقًا بنفسه بل بعروض إرادة الفعل وإيصال أثره إلى شيء آخر لم يحصل قبل، نحو: خرجت، فإنه دل على خروجك ولم يتقض مخرجًا، فإذا أردت النقل أتيت "بالباء" لفائدة محدودة لا يقتضيها الفعل نفسه، ولهذا كانت "الباء" في مررت بزيدٍ، والمرور بمعنى الرجوع معدية، وإذا لم يكن بمعناه مكملة، ويوضح الفرق بينهما قوله:
ديار التي كادت ونحن على منى ..... تحل بنا لولا نجاء الركائب
إن جعل تحل بمعنى المخامرة والملابسة، "فالباء" معدية، وإن جعل بمعنى النزول فمكملة.
وثانيها: للسببية، وهو الموضع الذي يجوز أن يجعل المجرور فيه فاعلًا للفعل، كقولك: كتبت بالقلم، إذ يجوز أن يقال: كتب القلم، وكان القدماء يسمونها "باء" الاستعانة، ورأى المحققون أنها قد تستعمل فيما يعزى إلى الله سبحانه، ولا يجوز إطلاق لفظ الاستعانة عليه فسموها سببية.
وثالثها: للتعليل، وهو كل مكان يحسن في مكانها "اللام" غالبًا، كقوله تعالى: {ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل}، أي: لاتخاذكم، قالوا: وقولنا غالبًا احتراز عن مثل قولهم: غضبت بزيد،؛ إذ "الباء" فيه للتعليل، ولا يجوز تقديرها "باللام"، قالوا: لأنه إذا قيل: لأجله يكون مع موته، نصوا: لا يقال: غضبت له إلا بعد موته. فقولنا غالبًا للاحتراز به عن مثل هذه الصورة النادرة.
ورابعها: للمصاحبة، وهي التي تقدر بمع، ويقدر الجار والمجرور حالًا، كقوله تعالى: {قد جاءكم الرسول بالحق}، أي: "مع" الحق، ومعناه: محقًا، ومثله قولك: بعته الفرس أو وهبته بسرجه، أي: "مع" سرجه، معناه: مسروجًا، قيل: ولا تكون إلا مستقرة.
قال الإسفرائيني: ولا صادر للإلغاء، وهو الوجه عندي.
وخامسها: للظرفية، وهي الداخلة على اسم من ظروف المكان، كقوله تعالى: {إنك بالواد المقدس طوى}، أو ظرف الزمان، كقوله تعالى: {نجيناهم بسحر}، وتعرف بأن يحسن أن يقدر بموضعها لفظة في.
وسادسها: للبدل، وهي التي يجوز أن يعوض عنها لفظ بدل، كقول رافع ابن خديج وكان قد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة، ولم يدرك معه يوم بدر بالمدينة، فلما قيل له في ذلك قال: «ما يسرني أن شهدت بدرًا بالعقبة» أي: بدلًا من العقبة؛ لأنه كان يفضل ليلة العقبة على يوم بدر، ومنه قول الحماسي:
فليت لي بهم قومًا إذا ربكوا ..... شنو الأغارة فرسانًا وركبانا
تمنى أن يكون له بدل قومه قوم أقوياء يمنعون عنه من يظلمه.
وسابعها: للمقابلة، وهي التي تدخل على الأثمان والأعواض، كقولك: بعت هذا بهذا، أي قابلته به، وبعضهم يسميها "باء" العوض، وبعضهم لم يفرق بينهما وبين البدلية.
وثامنها: للتجريد، وهي التي تثبت لمدخولها صفة عظيمة إمَّا مدحًا أو ذمًا، نحو: لقيت بزيد بحرًا، وبعمرو أسدًا، وبخالد سفيهًا، ومنه قولي:
لقيت به يوم العريكة فارسًا ..... على أدهم كالليل صبحه الفجر
كأن "الباء" تجرد مصحوبها عن غير هذه الصفة مثبتة له إياها، كأنه منطبع ومنجبل عليها، أي ليست صفته إلا البحرية في الجود والفروسية في الشجاعة، تنبيه على أن "الباء" قد تفيد غير ما ذكرناه، وذلك على وجهين؛ لأنها إمَّا أن تفيد معنى شيء من الكلمات فتصير نائبة عنها، وإمَّا أن تكون زائدة فلنذكرهما في حالين:
الحال الأول: في إفادتها معنى شيء من الكلمات، فقد جاءت بمعنى من كقوله: شربن بماء البحر.
وقوله: شرب النزيف ببرد ماء الحشرج، يعزى إلى الفارسي أنها بمعنى من، قال أبو حيان: وهو مذهب كوفي، وتبعهم عليه الأصمعي، وبمعنى عن، وتكون عند وقوعها بعد السؤال، وقيل: إنه مذهب كوفي أيضًا، وقد حمل عليه الأخفش قوله تعالى: {فاسأل به خبيرًا}، أي "عنه"، ومنه قوله:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ..... عليم بأدواء النساء خبير
أي: "عن" النساء، وقد ورد من غير مصاحبة السؤال، وعليه حمل صاحب التسهيل، قوله تعالى: {ويوم تشقق السماء بالغمام}، أي: "عن" الغمام، ومنه قوله عز وجل: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}، أي: "عن" أيامانهم.
وبمعنى: "على" ، وحملوا عليه قوله تعالى: {ومن الناس من إن تأمنه بقنطار}، أي:"على" قنطار قالوا: ومنه قولهم: مررت به، أي: "عليه"، كقوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين}، وقيل: إن "الباء" تأتي بمعنى "من أجل" أيضًا، كقولهم: عاقبته بذنبه، أي: "من أجل"ذنبه، قلت: وجعلها للتعليل ظاهر في هذا، فلا حاجة إلى هذا التعسف.

الحال الثانية: أن تكون زائدة، وتنحصر في الجملة الاسمية أو الفعلية أو غيرهما، فهي ثلاثة أقسام:
الأول: الزيادة في الجملة الفعلية، فتارة تزاد في الفاعل، ووردت في صورتين إحداهما فاعل "كفى"، كقوله تعالى: {وكفى بالله شهيدًا}، أي: "كفى" الله، واشترطوا في زيادة "الباء" في فاعل "كفى" أن تكون بمعنى "حسب": أما لو كانت بمعنى و"في"، كقوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال}، صارت كغيرها من الأفعال، فلا يزاد في الفاعل شيء.
الثانية: سماعية، كقول الشاعر:
ألم يأتيك والأبناء تنمي ..... بما لاقت لبون بني زياد
وتارة تزاد في المفعول، ومنها ما كثرت فيه الزيادة نحو: عرفته، وعرفت به، ونقل عن الفراء قال: تقول العرب هزه وهز به، وخذ الحطام وبالحطام، وأخذ رأسه، وبرأسه، ومده، ومد به، ومنه: ما لم تكثر فيه، كقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، وقوله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة}، قلت: جعل هذه من الأكثري الزيادة أولى، وكقوله: ضمنت برزق عيالنا أرماحنا.
ومذهب ابن جني أنها زائدة في قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} لأن الفعل يتعدى إلى مجرورها بنفسه وعند غيره من الأئمة، منهم الشافعي رضي الله عنه أنها تبعيضية، أي: بعض رؤوسكم، قال ابن جني: أهل اللغة لا يعرفون هذا المعنى، وإنما يورده الفقهاء.
والثاني: في الجملة الاسمية: إمَّا في المبتدأ، وكثرت زيادتها في حسب بمعنى "كفى"، كقولك: "بحسبك" درهم، أي: كفايتك درهم، وإمَّا في الخبر فإنه قياسي، وهو في غير الموجب استفهامًا "كان"، نحو: هل زيد بقائم، وقوله: ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم.
ويختص بالاستفهام بهل فلا يقال: أزيدٌ بقائم، أو نفيًا بليس، كقوله تعالى: {أليس الله بكاف عبده}، وكثرت زيادتها فيه، حتى عطف الشاعر على الخبر، وهو منصوب مجرور التوهم الزيادة في قوله:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ..... ولا سابق شيئًا إذا كان جائيًا
أو بما أشبه ليس نفيًا نحو: لا رجل بأفضل منك، قيل: وكذلك إذا نفى بلا التبرئة نحو: لا خير بخير بعده النار، قال الرضي: والأولى جعلها في هذه المثال بمعنى "في"، وكذلك تدخل في خبر "ما" في لغة من لا يعملها، كقول الفرزدق وهو تميمي: لعمرك "ما"مغن تبارك حقه.
وكقول الآخر مع زيادة "إن":
لعمرك ما إن أبو مالك ..... بواه ولا بشديد قواه
وقول بعضهم: "ما" زيد بشيء "إلا" شيء "لا" يعبأ به، مع نقض عملها "بإلا"، وكذلك تزاد إذا كان النفي "بأن"، كقولهم: "إن" زيد بقائم، صرَّح به في الأغراب، ومنعه الرضي، قال: ولم يسمع في النفي "بأن"، وقد دخلت زائدة في الكلام المؤول بالنفي سماعًا لا قياسًا، كقوله تعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموت}، لتأوله بمثل: أوليس الله، وحكم الفراء بزيادتها في الخبر المثبت دون تأويل في بمثلها من قوله تعالى: {وجزاء سيئة سية بمثلها}، أي: مثلها.
والثالث: الزيادة فيما عدا الجملتين، وذلك في أماكن:
منها: في فاعل أفعل للتعجب في قولك: أفضل "به"، وفعل أيضًا كقوله: رحب بالزور.
ومنها: دخولها على الحال، واشترطوا كونها منفية لشبهها بالخبر، كقول الشاعر:
وما رجعت بخائبة ركاب ..... حكيم بن المسيب منتهاها
ومنها: دخولها على خبر "إن"، كقولك: فإنك مما أحدثت بمجرور.
ومنها: دخولها على خبر "كان"، كقوله:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ..... بأعجلهم إذا جشع القوم أعجل.
ومنها: ما وقع خبرًا عن فعل من أفعال القلوب، كقوله: فلما دعاني لم يجدني بقعدد.
وأكثر ما يرد في أخبار منسوخ الابتداء إذا كان منفيًا، وقد وردت في خبر "لكن"، وهو مثبت في قوله:
ولكن أمرًا لو فعلت بهين.

تنبيه: لا يخفى أنه يمكن رد بعض معاني "الباء" الأصول إلى بعض بتأويل، وكذا رد بعض الزائدة إلى الأصول المتقدمة بما يثبت بدليل، ولكن حكينا ههنا ما عليه الأكثرون، وما هو أوضح في الجلالة والبيان، وإعراضًا عن التكلفات التي لا ينتج النزاع فيها طائلًا، ويكون حاصل المشاقة فيها باطلًا، وكذلك يمكن أيضًا ورود زيادتها في كثير من المواطن غير ما ذكرناه، ويكون معرفة أكثرها مفهومًا مما آثرناه، والله أعلم).[جواهر الأدب: 15 - 21]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:33 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "الباء" وما أوله "الباء"
"الباء"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب "الباء" وما أوله "الباء"
أما "الباء" فتأتي على ثمانية عشر وجهًا.
الأول: الإلصاق، قيل: وهو معنى لا يفارقها ولهذا اقتصر عليه سيبويه، وذلك مثل قولك: مسحت يدي بالأرض، وأمسكت بيد زيد، وهذا إلصاق حقيقي، وأكثر أهل العلم يقولون في: مررت بزيد إنها للإلصاق كأنه التصق المرور بمكان يقرب من زيد، وهذا إلصاق مجازي.
وعن الأخفش أن المعنى مررت على زيد، واستدل بقوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل}
قال ابن هشام: والمختار أن مجاز الإلصاق ومجاز الاستعلاء مستعملان فحيث تعين أحدهما حمل عليه، وإذا استوى التقديران فالأكثر استعمالًا أولى بالتخريج عليه، ومررت عليه وإن كان قد جاء في {لتمرون عليهم} وفي {يمرون عليها} وفي قول الشاعر:
= ولقد أمر على اللئيم يسبني =
إلا أن مررت به أكثر استعمالًا، فكان تقدير الجماعة أولى.

الثاني: الاستعانة وبعضهم يسميه الاعتمال وهي الداخلة على آلة الفعل نحو: كتبت بالقلم وضربت بالسيف وبفلان أصبت الغرض – قيل: ومنه "باء" التسمية لأن الفعل لا يتأتى على الوجه الأكمل إلا بها وذكر ناس أن هذه والتي قبلها سواء.

الثالث: التعدية للفعل وتسمى"باء" النقل أيضًا، وهي المعاقبة "للهمزة" في تصيير الفاعل مفعولًا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر تقول: في ذهب زيد ذهبت بزيد، وأذهبته، ومنه {ذهب الله بنورهم} وقرئ: (أذهب الله نورهم).
قال ابن هشام: وقول المبرد والسهيلي أن بين التعديتين فرقًا وأنك إذا قلت: ذهبت بزيد كنت مصاحبًا له في الذهاب مردود بالآية.
وأما ورودها مع المتعدي فلقول الله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} والأصل دفع بعض الناس بعضًا.

الرابع: التسبيب والتعليل، كقوله تعالى: {إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل} وقوله تعالى: {فكلًّا أخذنا بذنبه} قال لبيد:
= غلب تشذر بالذحول =
وأما قوله تعالى: {وكانوا بشركائهم كافرين} فإنه يحتمل أن يكون المعاني كفروا بها وتبرأوا منها، ويحتمل أن تكون "باء" السبب كأنه قال وكانوا من أجل شركائهم.
وغاير ابن مالك بين العلية والسببية والفرق بينهما أن العلة موجبة لمعلولها والسببية أمارة على مسببها غير موجبة له، وهذا كقول المعتزلة:
الأعمال علة الجزاء ثوابًا وعقابًا ولا يتخلف الجزاء عن علته.
وأهل السنة يقولون: هي أسباب لمسبباتها فيجوز أن تتخلف، لكنه جعل السببية والاستعانة بمعنى واحد فقال بعد تمثيله بقوله: كتبت بالقلم.
والنحويون يعبرون عن هذه
"الباء" بالاستعانة وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله فإن استعمال السببية فيها يجوز واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز.

الخامس: المصاحبة "كمع" قال المثقب العبدي يصف فرسًا:
داويته بالمحض حتى شتا ..... يجتذب الآري بالمرود
أي "مع" المرود، والمرود الوتد، ومنه قول الله جل جلاله: {اهبط بسلامٍ منا} أي: "مع" سلام، وقوله تعالى: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به}.
وقد اختلف أهل العلم في
"الباء" من قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك}، فقيل: للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول أي سبحه حامدًا له، وقيل: للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبحه بما حمد به نفسه؛ إذ ليس كل تنزيه بمحمود كتسبيح المعتزلة الذي اقتضى تعطيل كثير من الصفات.
واختلف أيضًا في: سبحانك اللهم وبحمدك، فقيل: إنها جملة واحدة و
"الواو" زائدة، وقيل جملتان و"الواو" عاطفة ومتعلق "الباء" محذوف تقديره: وبحمدك سبحتك.
وقال الخطابي: المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب على حمدك سبحتك لا بحولي وقوتي فتكون سببية على هذا القول وأقيم المسبب مقام السبب.

السادس: الظرفية كـ "في" قال الشاعر:
إن الرزية لا رزية مثلها ..... أخواي إذ قتلا بيومٍ واحد
وقول الآخر:
= ما بُكاء الكبير بالأطلال =
ومنه قوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدرٍ}، وقوله تعالى: {نجيناهم بسحرٍ}، وقوله تعالى: {السماء منفطرٌ به}، أي: "فيه".

السابع: المقابلة وهي الداخلة على الأثمان والأعواض، كاشتريته بألف، وكافأت احسانه بضعف.
وقولهم:
= هذا بذاك ولا عتب على الزمن =
ومنه قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} وإنما لم يقدروها بالعلية حذرًا من مقالة المعتزلة: إن الطاعات توجب دخول الجنة فإن المعلل لا يتخلف عن علته بخلاف المعوض فإنه قد يتخلف عن سببه.
واستشكل الفارسي دخول
"الباء" على الآيات في قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا}، لأن "الباء" دخلت على الثمن دون الثمن فلابد من أن تضمر ذا ثمن حتى لا يكون الثمن هو المشتري، قال بعضهم: وعلى رأي الفراء لا يحتاج إلى إضمار؛ لأنه قال: إذا كان المتقابلان في العقود نقدين جاز دخول "الباء" على كل واحدٍ منهما، وكذلك إذا كانا معنيين نحو: {اشتروا الضلالة بالهدى}.

الثامن: البدل، كقول الشاعر:
فليت لي بهم قومًا إذ ركبوا ..... شنوا الإغارة فرسانًا وركبانًا.
هكذا ذكره ابن هشام وغيره، ولم يظهر لي فرق بين المقابلة والمبادلة.

التاسع: المجاوزة كـ "عن" فقيل تختص بالسؤال كقوله تعالى: {فاسأل به خبيرًا}، وقوله تعالى: {سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ} بدليل قوله تعالى: {يسألون عن أنبائكم}، وكقول الشاعر وهو علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ..... بصيرٌ بأدواء النساء طبيب
وكقول عنترة:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك ..... إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
أراد:"عما" لا تعلمين، وكقول الجعدي:
ســــــــألتني بأنــــــــــــــــاسٍ هلكـــــــــــوا ..... شرب الدهر عليهم وأكــــــــــــــــــــل
وقال الكوفيون: لا تختص بالسؤال؛ بدليل قوله تعالى: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم}، وقوله تعالى: {يوم تشقق السماء بالغمام}.
وكقول النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ..... بذي الجليل على مستأنس وحد
أي: وقد زال النهار "عنا"، يعني: غابت الشمس.

العاشر: الاستعلاء كـ "على" كقوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤده إليك} الآية؛ بدليل قوله تعالى: {هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} قال الشاعر:
أرب يبول الثعلبان برأسه ..... لقد ذل من بالت عليه الثعالب

الحادي عشر: التبعيض كـ "من" أثبت ذلك الأصمعي والفارسي، وابن فارس وابن مالك، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه قوله تعالى: {عينًا يشرب بها عباد الله} قال عنترة:
شربت بماء الدحرضين فأصبحت ..... زوراء تنفر عن حياض الديلم
وقال آخر:
شربن بمــــــــــــاء البحر ثم ترفعت ..... متى لجج خُضــــــــــــــــــــرٍ لهن نئيج
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فلثمت فاها آخذًا بقرونها ..... شرب النزيف ببرد مـــــــــــــاء الحشرج
قيل: ومنه قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم}، قال ابن هشام: والظاهر أن "الباء" للإلصاق، وقيل: هي في آية الوضوء للاستعانة، وإن في الكلام حذفا وقلبا فإن «مسح» يتعدى إلى المزال عنه بنفسه أو إلى المزيل"بالباء" فالأصل: امسحوا رؤوسكم بالماء، ونظيره قول الشاعر:
كنواح ريش حمامةٍ نجدية ..... ومسحت باللثتين عصف الإثمد
يقول: إن لثاتك تضرب إلى السمرة فكأنك مسحتها بمسحوق الأثمد فقلب معمولي مسح، وقيل في «شربن» إنه ضمن معنى روين.
وقال الزمخشري: في {يشرب بها} المعنى يشرب بها الخمر كما تقول: شربت الماء بالعسل.

الثاني عشر: القسم وهي أصل حروفه ولذلك خصت بدخولها على المضمر نحو: بك لأفعلن، واستعمالها في القسم الاستعطافي نحو: بالله هل قام زيد، أي: أسألك بالله مستحلفًا.

الثالث عشر: الغاية، كقول الله سبحانه: {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن}، أي: أحسن إلي، وقيل: إنه ضمن معنى لطف.

الرابع عشر: التوكيد بزيادتها، كقول الله سبحانه: {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدًا}، وقوله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة}، وقوله تعالى: {وما الله بغافلٍ عما تعملون}، وقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلمٍ}، وقول الشاعر:
= سود المحاجر لا يقرأن بالسور =
وقول الشنفري:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ..... بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجلُ
وقول الآخر:
ولكن أجرًا لو فعلت بهين ..... وهل ينكر المعروف في الناس والأجرُ
وقول امرئ القيس:
فإن تنأ عنها حقبةً لا تلاقها ..... فإنك مما أحدثت بالمجرب

الخامس عشر: التشبيه "كالكاف"، قال امرؤ القيس:
فإن تنأ عنها حقبةً لا تلاقها ..... فإنك مما أحدثت بالمجرب
بكسر "الراء" كالمجرب، وقال آخر:
إنني والله فاقبل حلفي ..... بأبيل كلما صلى وصام
معناه: كأبيل وهو الراهب وبمنزلته في الدين والتقوى.

السادس عشر: تكون بمعنى "حيث"، كقوله تعالى: {فلا تحسبنهم بمفازةٍ من العذاب}، أي: "بحيث" يفوزون، وكقول امرئ القيس:
= فإنك مما أحدثت بالمجرب =
على الرواية بفتح "الراء" والمعنى بموضع التجريب).[مصابيح المغاني: 194 - 206]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:35 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن محمد بن إسماعيل الكردي البيتوشي (ت: 1211هـ): (
والباء بمعنى عن ومع، من، في على .... إلا والاُلَى اخصص بتالي سألا
جربت من أوثقني أسيـــــــــــــــــــــــــــرًا
.... لا فك لي فاســـــــــــــــــــــأل به خبيرا
لله يا مُعمل هذي الوجنــــــــــــــــــــــا
.... نحوهم اهبط بسلامٍ منــــــــــــــــــــــــــــــــــا
قالت دموعي إذا أتاني يسري
.... طيف حبيبي اشرب بماء البحر
وما بكا الكبير بالأطـــــــــــــــــلال
.... مرت بها ســــــــوالف الأحــــــــــــوال
وكيف لا أبكي وقد أحسن بي
.... دمعي إذ خفف بعض اللهب
وبدلًا تأتي وزدهــــــــــــــــــــــا واجبة
.... في فاعل ولاضطرار غـــــــــــــــــــتالبة
وليت لي بهــــــــــذه العُـــــــــــــــــــــتذال
.... في لـــــــوعتي من رق أو أوى لي
لي قمرٌ مــــــــــــــا إن له من مُشبه
.... أحسن به أحسن به أحسن به
أما أتـــــــــــــــــــــاكم والعلوم تنمي
.... بمــــــــــــــــــــــــــا لقيت بعدكم من سقم
كفى بدمعي شاهدًا في كمدي
.... وضعف جسمي ونفــــــــــــاد الجلد
وربمـــــــا تزيدهـــــــــــــا عن بــــــــــــــــــــــاء
.... تحذفهــــــــــــــا من الكلام الجــــــــــــــائي
أبلغ بمن ولعت إن جئت اللوى
.... إن الهوى من النوى قلبي شوى
كذاك في المفعول أيضًــــــا وجدا
.... زيادة البـــــاء كما في المبتــــــــــــــــــــــدا
نــأوي إلى الصبر ونرجو بالفرج
.... في صد قومٍ سلبوا منــــــــــا المهج
فراق يومٍ هــــــــــــــاج قلبي الشقي
.... فكيف بي شهرين إن لم نلتــــــــــــق
ليس عجيبًا يــــــــــــــا فتى بـــــــــــــــــــأني
.... أموت وجــــــــــــــدًا إذ تنـــــــــــــــاءىعني
كذاك في الأخبار والحــــــال التي
.... عاملهـــــــــــــــــــــــــا أورد غير مُثبت
ما أنــــــــــــــــا بالغادر في هـــــــــــــــواه
.... ولو ألاقي فوق مــــــا ألقـــــــــــــــــــــــاه
عصت دموعي يا عذولي هون
.... ولا تقل منعكهـــــــــــــــــــــــــا بهيــــــــــن
مهما قصدنا داره في نـــــــــــــــــائبة
.... ما رجعت ركابنا بخائبــــــــــــــــــــــــة
وفتحة البــــــــــــــــاء أتت مع مظهر
.... عن بعضهم وهكذا مع مضمر
وسيبويـــــــــــــــه ردَّ للإلصــــــــــــــــــــــــــاق .... كل معانيها على الإطـــــــــــــــــــــــــلاق).
[كفاية المعاني: 245 - 247]


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 19 ذو الحجة 1438هـ/10-09-2017م, 09:36 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)

(حرف "الباء")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "الباء")
"الباء" المفردة حرف جر، وتأتي لأربعة عشر معنى:
أولها: الإلصاق، قيل: وهو معنى لا يفارقها، فلهذا اقتصر عليه سيبويه وهو حقيقي، كأمسكت بزيد إذا قبضت على شيء من جسمه أو ثوبه، ومجازي نحو: مررت بزيد، أي: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد.
الثاني: التعدية، وتسمى
"باء" النقل أيضًا، وهي المعادلة "للهمزة" في تصيير الفاعل مفعولًا، وأكثر ما تعدى الفعل القاصر تقول في ذهب زيد: ذهبت بزيد وأذهبته، ومنه: {ذهب الله بنورهم}، وقرئ: (أذهب الله نورهم)، فأما {تنبت بالدهن} من قوله تعالى: {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن} في من ضم أوله، فيخرج على زيادة "الباء" أو على أنها للمصاحبة أي: تنبت الثمر مصاحبًا للدهن، أو أن أنبت يأتي بمعنى نبت.
الثالث: الاستعانة، وهي الداخلة على آلة الفعل نحو: كتبت بالقلم، ونجرت بالقدوم، قيل: ومنه
"باء" البسملة، وعن الزمخشري: أنها للملابسة كما في: دخلت عليه بثياب السفر.
الرابع: السببية نحو: {إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل}، {فكلًا أخذنا بذنبه}، ومنه: لقيت بزيد الأسد، أي: بسبب لقائي إياه.
الخامس: المقابلة، وهي الداخلة على الإعراض، كاشتريته بألف، وقولهم: هذا بذاك، ومنه: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}.
السادس: المصاحبة نحو: {اهبط بسلام}، أي: معه.
السابع: الظرفية نحو: {نجيناهم بسحر}.
الثامن: البدل، كقول الحماسي:
فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ..... شنوا الإغارة فرسانًا وركبانًا.
التاسع: المجاوزة "كعن"، فقيل: تختص بالسؤال نحو: {فاسأل به خبيرًا}، بدليل: {يسألون عن أنبائكم}، وقيل: لا تختص به؛ بدليل: {ويوم تشقق السماء بالغمام}، أي: "عن" الغمام، وتأول البصريون، {فاسأل به خبيرًا} على أن "الباء" للسببية، وزعموا أنها لا تكون بمعنى "عن" أصلًا، وفيه بعد.
العاشر: مرادفة
"على" نحو: {من إن تأمنه بقنطار}؛ بدليل: {هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه}، وكقول الشاعر:
ارب يبول الثعلبان برأسه ..... لقد ذل من بالت عليه الثعالب
الحادي عشر: مرادفه "من" أثبت ذلك الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك، قيل: والكوفيون، وجعلوا منه: {عينًا يشرب بها المقربون}، أي: "منها"، وقول الشاعر:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ..... متى لحج خضر لهن نئيج
أي: "من" "باء" البحر، وقوله: متى، بمعنى: من يصف السحائب بأنها تشرب "من" ماء البحر ثم ترتفع، وتمر مرًا سريعًا مع صوت، وقال الزمخشري في {يشرب بها}: المعنى: يشرب بها الخمر، كما تقول: شربت الماء بالعسل.
الثاني عشر: القسم وهي أصل أحرفه، ولذلك اختصت بجواز ذكر الفعل معها، نحو: أقسم بالله لأفعلن، ودخولها على الضمير نحو: بك لأفعلن، بخلاف "الواو" و"التاء"، وقد يكون القسم للاستعطاف نحو: بالله هل قام زيد، أي: أسأله بالله مستحلفًا.
الثالث عشر: مرادفة
"إلى" نحو: {وقد أحسن بي}، أي: "إلى"، وقيل: ضمن أحسن معين لطف.
الرابع عشر: التوكيد، وهي الزائدة، وزيادتها في ستة مواضع:
أحدها:
"في" نحو: أحسن بزيد "في" قول الجمهور، ونحو: {كفى بالله شهيدًا}، {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، {وهزي إليك بجذع النخلة}، وبحسبك درهم، وخرجت وإذا بزيد، وكيف بك إذا كان كذا، وليس زيد بقائم، وما عمرو بكاتب.
وذكر أبو البقاء أن
"الباء" تأتي بمعنى "حيث"، كما في قوله تعالى: {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب}، قال: أي: "بحيث" يفوزون.

(تنبيه): مذهب البصريين: أن حروف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس، كما أن أحرف الجزم والنصب كذلك، وما أوهم ذلك فهو عندهم مؤول تأويلًا يقبله اللفظ كما قيل في: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} إن "في" ليست بمعنى: "على"، ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيء، وأما "على" تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف كما ضمن بعضهم: شربن في قوله: شربن بماء البحر، معنى: روين، {وقد أحسن بي}، معنى: لطف، وإما على شذوذ إنابته كلمة عن الأخرى، وهذا الأخير محمل الباب كله عند الكوفيين وبعض المتأخرين، ولا يجعلون ذلك شاذًا، ومذهبهم أقل تعسفًا.
قال الشارح: وعلى كلامهم فلا استعارة في الحروف أصلًا ولا تضمين؛ لأن الحرف عندهم له معان عديدة موضوعة له في الأصل، فاستعماله في كل واحدٍ منها حقيقة، وهذا ميل من المصنف لمذهب الكوفيين، وجنوح عن مذهب البصريين.
بئس: بئس فعل جامد، وضع للذم، نحو: بئس الشراب، {فلبس مثوى المتكبرين}، وقد يضمر فاعله ويفسر بنكرة بعده منصوبة على التمييز نحو: {بئس للظالمين بدلًا}، وستعاد في نعم.
بتة: قال في القاموس: لا أفعله البتة، لكل أمر لا رجعة فيه.
وعبارة المصباح، ويقال لما لا رجعة فيه: لا أفعله "بتة".
وعبارة الصحاح: ولا أفعله
"بتة"، ولا أفعله "البته"، لكل أمر لا رجعة فيه، ونصبه على المصدر.
وعبارة الكليات: وقولهم
"البتة": أي: بت هذا القول "بتة" ليس فيه تردد، بحيث أجزم مرة وأرجع أخرى، وهو مصدر منصوب على المصدرية بفعل مقدر، أي: بت، ثم أدخل "الألف" و"اللام" للجنس، والمسموع قطع "همزته" على غير القياس، وقل تنكيرها، وحكم سيبويه في كتابه بأن "اللام" فيها لازمة. قلت: استعملها بعضهم في الإثبات، منهم صاحب القاموس في ق ت ر.
بجل: على وجهين: حرف بمعنى
"نعم"، واسم وهو على وجهين: اسم فعل بمعنى يكفي، واسم مرادف لحسب، ويقال على الأول: بجلني، وهو نادر، وعلى الثاني بجلى.
بخ: قال في الصحاح:
"بخ" كلمة تقال عند المدح والرضى بالشيء، وتكرر للمبالغة، فيقال: "بخ بخ"، فإن وصلت خفضت ونونت فقلت: "بخ بخ"، وربما شددت بالاسم و"بخبخت" الرجل إذا قلت له ذلك، قال الحجاج الأعشى همدان في قوله:
بين الأشج وبين قيس باذخ بخبخ لوالده وللمولود
والله لا بخبخت بعدها.

بدبد: بمعنى"بخ بخ" ولا بد ستذكر في "لا".
بس: قال الإمام السيوطي في المزهر في كتاب "العين": "بس" بمعنى "حسب".
قال الزيدي في استدراكه:
"بس" بمعنى: "حسب" غير عربية، وفي كتاب المشاكهة العامة، تقول لحديث يستطال "بس" و"البس" الخلط.
وعن أبي مالك
"البس" القطع، ولو قالوا للمحدث "بسا"كان جيدًا، أي: "بس" كلامك "بساً "، وأنشد:
يحدثنا عبيد ما لقينا ..... فبسك يا عبيد من الكلام
بعد: من الظروف الزمانية والمكانية، وقولهم: "بعد" الخطبة، و"بعد"بالضم أو الرفع مع التنوين أو الفتح على تقدير المضاف إليه، أي: وأحضر "بعد" الخطبة ما سيأتي، و"الواو" للاستئناف.
وتجئ
"بعد" بمعنى "قبل"، نحو: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر}، وبمعنى "ما"، يقال: فلان كريم وهو "بعد" هذا أديب، وعليه بتأول: {عتل بعد ذلك زنيم}، {والأرض بعد ذلك زنيم}، كذا في الكليات، قلت: ومن غريب استعمال "بعد" أن يكون الفعل بعدها متوقعًا نحو لم يأت "بعد"، فإن المعنى أنه سيأتي فهي تشبه "لما"، ولعلها هنا بمعنى: "قبل" التي ذكرها أبو البقاء والسر في مجيئها بهذا المعنى، ملموح في لفظة وراء فغنها تأتي بمعنى خلف وأمام ومن هذا القبيل استعمال لفظة كل بمعنى بعض، وتقول: تعلم زيد العلم وهو غلام "بعد" أو وهو "بعد" غلام.
بل: حرف إضراب فإنها تلتها جملة كان معنى الإضراب للأبطال نحو: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا}، {سبحانه بل عباد مكرمون}، أي:
"بل" هم عباد.
أو للانتقال من غرض إلى آخر نحو: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا}، وهي في ذلك كله حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح خلافًا لابن مالك وولده من أنها عطفت جملة على جملة.
ومن دخولها على الجملة قوله:
"بل" بلد ملء الفجاج قتمه، إذ التقدير: "بل" رب بلد موصوف بهذا الوصف قطعت ووهم بعضهم فزعم أنها تستعمل جارة، والصحيح أن الجر برب محذوفة. وإن تلاها مفرد فهي عاطفة ثم إن تقدمها أمر أو إيجاب كأضرب زيدًا "بل" عمرًا، وقام زيد "بل" عمرو، فهي لجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بسيء، وإنما يكون إثبات الحكم لما بعدها وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حالته، وجعل ضد ذلك لما بعدها نحو: ما قام زيد "بل" عمرو، ولا يقم زيد "بل" عمرو. وأجاز المبرد وعبد الوارث أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها، وعلى قولهما فيصح: ما زيد قائمًا "بل" قاعدًا، و"بل" قاعد، ويختلف المعنى هنا، فإذا قلت: "بل" قاعدًا بالنصب كان المعنى: "بل" ما زيد قاعدًا، فتنقل النفي لما بعدها ويصير نفي القيام مسكوتًا عنه، وإن قلت: "بل" قاعدًا بالرفع كان قاعد خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: "بل" هو قاعد، فالقعود مثبت، فقد ثبت الضد لما بعدها، وإذا علمت أن قوله: "بل" قاعد على معنى: "بل" هو قائم، فقد دخلت على الجملة لا على مفرد، فليست عاطفة "بل" حرف ابتداء، وإنما احتيج لتقدير المبتدأ؛ لأن ما لا تعمل في الإيجاب، ومنع الكوفيون أن يعطف بها بعد غير النفي والأمر وشبهه كالنهي.
وتزاد
"لا" قبلها لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب، كقوله:
وجهك البدر لا بل الشمس لو لم ..... يقض للشمس كسفة أو أفول
ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي، قال الشارح: ما ذكره المصنف من أن لا تزاد قبل "بل" لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب محل نظر "بل" هي لنفي الإيجاب، فقد قال الرضي: وإذا ضممت لا إلا "بل" بعد الإيجاب نحو: قام زيد لا "بل" قام عمرو، وأضرب زيدًا لا "بل" عمرا، فمعنى لا يرجع إلى ذلك الإيجاب، والأمر الذي تقدم "لا" إلى ما بعد "بل" ففي قولك: "لا" "بل" عمرو ونفيت القيام عن زيد وأثبته لعمرو، ولو لم تجيء "بلا" لكان قيام زيد في حكم المسكوت عنه، يحتمل أن يثبت، وأن لا يثبت فتكون "لا" هنا غير زائدة "بل" أتى بها لتأسيس معنى لم يكن قبل وجودها، وقال أبو البقاء: وقد تكون "بل" بمعنى "إن"، كما في قوله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق}، وقد تكون بمعنى: "هل"، كقوله تعالى: {بل ادارك علمهم في الآخرة}.
بله: على ثلاثة أوجه: اسم لدع، ومصدر بمعنى الترك، واسم مرادف لكيف وما بعدها منصوب على الأول، ومخفوض على الثاني، ومرفوع على الثالث، وفتحها بناء على الأول والثالث، وإعراب على الثاني، وقد روى بالأوجه الثلاثة قوله:
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ..... بله الأكف كأنها لم تخلق
ومن الغريب أن في البخاري في تفسير ألم السجدة يقول الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ذخرًا من "بله"ما اطلعتم عليه، فاستعملت معربة مجرورة "بمن"، وفسرها بعضهم "بغير".
بلى: حرف جواب أصلي
"الألف"، وقال جماعة: الأصل "بل"، و"الألف" زائدة، وتختص بالنفي لإفادة إبطاله سواء كان مجردًا نحو: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن}، أو كان مقرونًا بالاستفهام الحقيقي نحو: أليس زيد بقائم، فتقول "بلى"، أو التوبيخي نحو: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى}، أي: "بلى" نسمع ذلك، فأبطلت نفي عدم السماع، أو التقريري، وهو الذي يطلب به تقرير المخاطب، وحمله على الإقرار بما بعده نحو: {ألم يأتكم نذير قالوا بلى}، ونحو: {ألست بربكم قالوا بلى}، قال ابن عباس وغيره: لو قالوا نعم: كفروا؛ لأن نعم تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب، ووقع في كتب الحديث ما يقتضي أنه يجاب بها للاستفهام المجرد عن النفي وهو إيجاب، ففي صحيح البخاري في كتاب الإيمان أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة، قالوا: بلى»، وفي صحيح مسلم في باب الهبة: «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء، قال: بلى» وفيه أيضًا أنه قال: «أنت الذي لقيتني بمكة فقال له المجيب: بلى»، وأصل أنت: أأنت، حذفت منه "همزة" الاستفهام، وهذا الذي ذكره قليل، وستعاد في نعم.
به به: تقال عند استعظام الشيء، ومثله "بخ بخ"، كما مر.
بيد: ويقال: "ميد" "بالميم"، وهو اسم ملازم للإضافة إلى أن وصلتها.
قال الشارح: دعوى الاسمية والإضافة لا دليل عليها، ولو قال حرف استثناء "كإلا" لم يعد، وأما استعماله مع "أن" وصلتها فهو المشهور، وقد استعمل على خلاف ذلك، ففي بعض طرق الحديث: «نحن الآخرون السابقون بيد كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا»، وخرج على أن الأصل
"بيد" أن كل أمة، وهذا الحذف في "أن" نادر "اه" ولها معنيان.
أحدهما: "غير"، يقال: أنه كثير المال
"بيد" أنه بخيل وبعضهم فسرها "بعلى".
والثاني: أن تكون بمعنى "من أجل"، ومنه الحديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش»، وأنشد أبو عبيدة على مجيئها بمعنى:
"من أجل" قوله:
عمدًا فعلت ذاك بيد أني ..... أخاف إن هلكت أن ترني
وقوله ترني من الرنين.
بين: معنى وسط تقول: جلست "بين" القوم، كما تقول: وسط القوم بالتخفيف، وهو ظرف، وإن جعلته اسمًا أعربته، تقول: {لقد تقطع بينكم}، أي: وصلكم، وتقول: لقيته بعيدات
"بين" إذا لقيته بعد حين، ثم أمسكت عنه ثم أتيته، وهذا الشيء "بين" بين أي: "بين" الجيد والرديء، وهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا، وبنيا على الفتح، وبينهما "بون" بعيد و"بين" بعيد أي: فضل ومزية، و"الواو" أفصح.
قال الحريري في درة الغواص: ويقولون المال
"بين" زيد و"بين" عمرو، وبتكرير لفظة "بين" فيوهمون فيه، والصواب أن يقال: "بين" زيد وعمرو، قال العلامة الخفاجي: قال ابن بري: إعادة "بين" جائزة على جهة التأكيد وهو كثير في كلام العرب، كقول الأعشى:
بين الأشج وبين قيس باذخ ..... بخبخ لوالده وللمولود
وقال عدي بن يزيد: "بين" النهار و"بين" الليل قد فصلا. وقال الحريري: أيضًا ويقولون "بينا" زيد قائم إذ جاء عمرو، فيتلقون "بينا" "بإذ"، والمسموع عن العرب "بينا" زيد قائم جاء عمرو بلا "إذ"؛ لأن المعنى "بين" أثناء الزمان، جاء عمرو، قال الشارح: وهذا أيضًا غير مسلم، قال نجم الأئمة الرضي، قد تقع "إذا" و"إذ" جواب "بينا" و"بينما"، وكلتاهما للمفاجأة والأغلب مجيئ "إذا" في جواب "بينا" كقوله:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا .....إذا نحن فيهم سوقة نتكفف
ولا يجيء بعد "إذ" إلا الماضي، وبعد "إذا" إلا الاسمية، والأصل تركهما في جواب "بينا" و"بينما" لكثرة مجيء جوابهما بدونهما، والكثرة لا تدل على أن المكثور غير فصيح، بل تدل على أن الأكثر أفصح. وفي الحديث: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتانا رجل » ، وفي كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه: «بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته»، وقال الشارح أيضًا في موضع آخر: واختار المحققون من أهل العربية أن العرب تقول: سرت ما "بين" ذبالة، فالثعلبية بمعنى "إلى" الثعلبية، "فالفاء" بمعنى "إلى"، وهو معنى آخر غير المعنى المقصود بقولهم: ما "بين" كذا وكذا). [غنية الطالب: 169 - 177]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة