(فصل)
"إيْ"، و"أيْ" بالكسر والفتح والسكون فيهما، و"أيّ" بالفتح والتشديد
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (وأما "أي" بفتح "الهمزة" وتشديد "الياء" وقد تخفف كقول الشاعر:
تنظرت نصرًا والسماكين أيهما .... علي من الغيث استهلت مواطره
فإنها اسم يأتي على ثمانية أوجه:
الأول: الجزاء كقوله تعالى: {أيما الرجلين قضيت فلا عدوان علي}، وقوله تعالى: {أيًا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وهي معربة على هذا الوجه.
والوجه الثاني: الاستفهام الحقيقي عن تميز أحد الأمرين المتشاركين وتكون ملازمة للإضافة كقوله تعالى: {أيكم زادته هذه إيمانًا}، وهي في هذا الوجه لا يعمل فيها إلا ما بعدها لأن لها صدر الكلام كقوله تعالى: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} ونصبها بينقلبون لا بالفعل المتقدم.
قال الله تعالى: {لنعلم أي الحزبين أحصى} فرفع ولا يقع قبلها في هذا الوجه من الأفعال إلا أفعال الشك واليقين نحو: علمت وظننت مما يجوز الغاؤه.
وهي معربة أيضًا فإن استفهمت بها عن نكرة أعربتها بإعراب الاسم الذي هو استثبات عنه وتحكي كلامه في الرفع والنصب والجر والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، كما تقول في من، فإذا قيل لك: مربي رجل قلت: "أي":يا فتى، في الوصل وتشير إلى الإعراب في الوقف وكذلك تفعل في الجر، فإن قال: رأيت رجلًا قلت: "أيًّا" يا فتى تعرب وتنون إذا وصت، وتقف على "الألف" فتقول: "أيًّا"، وإذا قال: جاءني رجال ورأيت رجالًا ومررت بالرجال، "أيون"، و"أيين" في النصب والجر.
وكذلك تفعل في المثنى والمؤنث فإذا قال: جاءني رجلان، ورأيت رجلين وامرأة قلت: "أيان"، و"أيين" في النصب والجر، و"أية" يا هذا.
ويجوز لك إفراده على كل حال وأن تقول: "أيَّا" لمن قال رأيت رجلين أو امرأتين أو رجالًا ونساء.
وإن استفهمت بها عن معرفة رفعت "أيّا" لا غير على كل حال.
وإذا أضيفت إلى المعرفة فإنها سؤال عن الاسم وكانت بعض المعرفة، فلا تضاف إلا إلى معرفة تتبعض ويكون جوابها بالتعيين كقولك: "أي" الرجلين أخوك و"أي" الرجال قام، فالجواب أن تقول: زيد أو عمرو، ولا يجوز أن تقول: "أي" زيد قام، لأن زيدًا لا يتبعض.
وأما قولهم: "أي" و"أيُّك" كان شرًا فأخزاه الله فكقولك: أخزى الله الكاذب مني ومنك والمعنى: "أيُّنا".
وإذا أضيفت إلى النكرة فإن "أيَّا" سؤال عن الصفة وتلك الصفة تأتي على عدد النكرة كلها فالجواب على عدد النكرة كلها لا على التعيين كقولك: "أيُّ" رجل أخوك فالجواب: قصير أو طويل، وتقول: "أيُّ" رجلين أخواك و"أيُّ" رجلين قاما؟ فالجواب أن تقولُ: طويلان أو قصيران.
الثالث: الاستفهام التوبيخي: ولم أر أحدًا ذكره لكنه ظاهر كقوله تعالى: {فبأي حديثٍ بعده يؤمنون}، وإن سُمي هذا المعنى بالاستبعاد كان حسنًا.
الرابع: الاستفهام الإنكاري: ولم أر أحدًا ذكره أيضًا كقول الشاعر:
فاذهب فأيُّ فتى في الناس أحرزه.... من حتفه ظلم ذي غيٍّ ولا جبلُ
الخامس: تكون موصولة بمعنى "الذي" ومعناها الخبر وأنكر هذا ثعلب ويرده قول الشاعر:
إذا ما لقيت بني مالك .... فسلم على أيهم أفضل
وهي معربة عند أكثر النحاة وخالفهم سيبويه وقال: هي مبنية على الضم إذا أضيفت وحذف صدر الصلة كما في البيت وهو مروي بالضم، وكقوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا} على قراءة الرفع، وأما إذا لم تضف أو لم يحذف صدر صلتها فوافق الأكثرين في إعرابها.
وقال الكوفيون وغيره من البصريين هي في الآية استفهامية "لا" موصولة لأن الموصولة لا تكون عندهم إلا معربة، والبيت مروي عندهم بالخفض أيضًا.
وحكى بعض النحويين المتأخرين لغة ثالثة وهي البناء على الضم في حال الرفع والنصب دون حال الخفض.
فالحاصل فيها إذا أضيفت ولم يكن بعدها كلمة هو ثلاث لغات:البناء مطلقًا، وهو مذهب سيبويه، والإعراب بالحركات مطلقًا وهو مذهب غيره، والبناء في حال الرفع والنصب فقط.
السادس: تكون صفة دالة على معنى الكمال فتقع صفة للنكرة نحو: زيد رجل "أي" رجل، و"أيما" رجل، و"ما" زائدة أي كامل في صفات الرجال.
فإذا وقعت صفة فإن أضيفت إلى مشتق كانت للمدح بالمشتق منه خاصة، كقولك: مررت بعالم "أيّ" عالم، فالثناء عليه بالمدح خاصة، وإن أضيفت إلى غير المشتق كانت للمدح بكل صفة يمكن أن يثنى بها كقولك: مررت برجلٍ "أيّ" رجل، فالثناء عليه بكل ما مدح به الرجال.
السابع: التعجب، كقولك: "أيّ" رجل زيد، قال جميل بثينة:
بثين الزمي لا إن لا إن لزمته .... على كثرة الواشين أي معون
الثامن: أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه "أل" نحو: يا "أيها" الرجل.
"فأي" اسم مبهم مفرد مبني على الضم وها حرف تنبيه وهي عوض مما كانت "أي" تضاف إليه، وترفع الرجل لأنه صفة "أي".
وزعم الأخفش أن هذه أيضًا موصولة حذف صدر صلتها، والمعنى: "يا" من هو الرجل، وأنكر كونها وصلة.
ورد قوله بأنه لا يعرف عائد يجب حذفه.
التاسع: ذكره الأخفش كونها نكرة موصوفة نحو: مررت "بأيَّ" معجب لك، كما تقول بما معجب لك.
قال ابن هشام: وهذا غير مسموع). [مصابيح المغاني: 188 - 193]