قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الرابع: الحروف الرباعية، ولما كان بعضها حرفًا محضًا وبعضها مشتركًا بين الأسماء والحروف وبعضها بين الكلم الثلاث كان هذا الباب ثلاثة أنواع أيضًا). [جواهر الأدب: 190]
النوع الأول الحروف المحضة
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (النوع الأول الحروف المحضة: وهي اثنا عشر حرفًا: "ألا" و"إلا" و"هلا" و"لولا" و"لما" و"أما" و"إمَّا" و"حتى" و"كان" و"كلا" و"لكن" مخففة و"لعل"، وعقدنا للبحث عنها فصولًا). [جواهر الأدب: 190]
الفصل الثاني: «"ألا" و"هلا" و"لولا" و"لوما"»
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الثاني: من النوع الأول وهو نوع الرباعية المحضة «"ألا" و"هلا" و"لولا" و"لوما"» كلها أحرف محضة هاملة، وهي إن دخلت على الفعل الماضي أفادت التوبيخ واللوم على تركه، ولا تكون في الماضي للحث والتحضيض، اللهم إلا أن يراد تدارك ما فات بفعل مثله خلافًا لسيبويه، فإنه قال: هي للتحضيض مطلقًا، أما المضارع فظاهر، وأم الماضي فلئلا يفوته مثله، والصحيح ما ذكرناه؛ لأن الموبخ قد لا يلاحظ المثلية بل مجرد التوبيخ على ما مضى، وإن دخلت على المضارع أفادت الحث والتحضيض، فهي فيه بمعنى الأمر، ويؤيد ما قلنا تصريح ابن الحاجب في شرح المفصل بقوله: هذه الحروف تفيد معنى الأمر إذا وقع بعدها المضارع، والإنكار والتوبيخ إذا وقع بعدها الماضي.
قال الرضي: وقلما تستعمل في المضارع أيضًا إلا في موضع التوبيخ واللوم على ما كان يجب أن يفعله المخاطب قبل أن يطلب منه.
قلت: وإن كان مثله مستلزمًا للحث والتحضيض إلا أن ما قاله حسن، وإن خلت هذه الأحرف عن هذا فهي لمحض العرض "كألا" المخففة، و"لو" المتضمنة معنى التمني، ويتعين لها الصدر لدلالتها على نوع من الكلام كالنفي والاستفهام، وعلم مما تقرر سبب اختصاصها بالفعل لترتب المقصود من وضعها له عليه كالشرط ولزومها له، أما اللفظ نحو: "ألا" أكرمت زيدًا، و"هلا" تقوم، أو تقديرًا والاسم الذي يليها إمَّا منصوب به كقول جرير:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم .... بني ضوطرا لولا الكمى المقنعا
أي: "لولا" تعدون، فالناصب المقدر بخلاف "ما" إذا كان ظرفًا، كقوله تعالى: {ولوا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله}، فإن الناصب هو المذكور بعده لاتساعهم في الظروف، أو مرفوع وهو فاعل المقدر، كقولك: "هلا" زيد قام، أي: "هلا" قام زيد، ويجب حذفه حينئذٍ كما في قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك}، فلو دخلت على الاسمية كقوله:
يقولون ليلى أرسلت بشفاعة .... إلي فهلا نفس ليلى شفيعها
كانت لمجرد التمني، والجمهور حكموا ببساطة الكلمات، وبعضهم حكم بتركبها، "فلولا" من "لو" و"لا" و"لوما" من "لو" و"ما"، و"هلا" من "هل" و"لا"، قال بعضهم: هي "هل" الاستفهامية و"لا" النافية، فتولد من الاستفهام والنفي التحضيض.
وقيل: بل من هل التي للث.
قلت: يضعفه عدم الاكتفاء بها دون "لا" مع أنه أولى بل واجب؛ لأن "لا" حينئذ تنفي الحث فيفوت الغرض، و"ألا" من "أن" و"لا"، فقلبت "النون" "لامًا" وأغمت، وقال الكسائي: أصل "ألا" "هلا"، قلبت "الهاء" "همزة" إذا تقرر هذا، فاعلم أن "لولا" "كلوما" كما يستعملان في الحث والتوبيخ، كذلك قد يستعملان في امتناع الشيء لوجود غيره، وتسمى حينئذٍ امتناعية، وهي مخصوصة بالجملة الاسمية، قالوا: وإنما لم تعمل لعدم استقلالها بالجملة الاسمية، كلامًا إذا تفتقر إلى الجواب ثم إنها حيث اختصت بالاسمية وكان جوابها لازمًا فمتى ذر أرشد إلى أن امتناعه كان لوجود ما يليها، أعني: المبتدأ، ولهذا كثر حذف الخبر بعدها إذا كان الكون المطلق كقولك: "لولا" زيد لكان كذا، معناه: أنه امتنع الكون الثاني بحصول الوجود الأول، فافهم الكلام ما حذف منه، ووقع جواب "لولا" في المكان الذي كان للخبر، فصار الحذف واجبًا، هذا إذا كان الخبر عامًا، أما إذا كان خاصًا لا يدل الوجود المطلق عليه، فإنه لا يجب حذفه بل لا يجوز إلا إذا دل دليل عليه، كقوله عليه السلام: «لولا قومك حديثو عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم»، فإنه واجب ذكره، وكذا قولك: "لولا" زيد خاصمنا "ما" قتل، و"لولا" عمرو سالمنا "ما" سلم، فلو قام الدليل جاز الأمر أن كقولك: "لولا" أنصار زيد حموه "لم" ينج منا.
قال في الأغراب: وهذا مذهب الرماني وابن الشجري والشلوبين وصاحب التسهيل.
وقل الفراء: إن "لولا" هي الرافعة للاسم الواقع بعدها وردوه بأنه ليس لنا عامل يرفع ولا ينصب، وقال بعض الكوفيين: المرتفع بعدها بفعل لازم إضماره، وردوه بأنه ليس لنا عامل يلزم أن يضمر بعده فعل.
قال ابن مالك رحمه الله: وفي هذين المذهبين أبحاث لعدم النظير، فلا تقبل، وايضًا فإن المبتدأ أصل المرفوعات، فإذا وجد ما يمكن تقديره به لا يعدل عنه إلا غيره، وأيضًا فإنه إذا حكم عليه بالابتداء كان المحذوف الجزء الآخر وهو أليق بالحذف بخلاف الفاعلية فإنه يلزم حذف الجزء الأول، وهو أبعد.
قال والدي رحمه الله: وإذا ورد بعد "لولا" فعل فيحتاج إلى توجيهه بما لا ينافي الابتداء، كقوله:
فلولا يحسبون الحلم عجزا ..... لما عدم المسيئون احتمالي
فيوجه بأن "أن" المصدرية مقدرة فيه، أي: "فلولا" أن يحسبوا كقولهم: تسمع، بالمعيدي خير من "أن" تراه، أي: "إن" تسمع بمعنى سماعك، وربما دخلت "لولا" على "لا" التي تنفي بمعنى "لم"، فتصير "لولا" بمعنى "لو" "لم"، فيلزم الفعل بعدها، فيتوهم أنها "لولا" هذه، وليست إياها، وعلى هذا التقدير إذا وقع بعدها مضمر فقياسه أن يكون صيغة مرفوع منفصل، كقوله تعالى: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}، وروى سيبويه: ومن العرب من يقول: "لولاي" و"لولانا" إلى "لولاهن"، وأنشد:
وكم موطن لولاي طحت كما هوى .... بإجرامه من قلة النيق منهوي
وأنشد الفراء:
أيطمع فينا من أراق دماءنا ..... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن
قلت: وهذا مما يبطل إنكار المبرد أن هذا لم يوجد في كلام من يحتج بكلامه، واختلفوا في هذه "الياء" وأخواتها، فقال سيبويه: هي مجرورة.
قال الزمخشري: وقد حكاه عن الخليل ويونس و"لولا" مع المكنى حال ليس لها مع المظهر كما أن للدن مع غدوة حالًا، ليس لها مع غيرها.
قال ابن مالك رحمه الله: وفيه مع شذوذه وفاء بحقها حيث كانت لاختصاصها بالأسماء يجب لها الجر فيها؛ لأنها تصير عاملة، والأصل أن تعمل العمل المختص بالأسماء، وهو الجر، ولكن منع من ذلك شبهها بحروف الشرط لربط جملة بجملة، وأرادوا التنبيه على وجوب العمل في الأصل، فجروا بها المضمر المضاف إليه، ومذهب الأخفش وجماعة أن "الياء" وأخواتها بعد "لولا" في موضع رفع نيابة عن ضمائر الرفع المنفصلة، وذلك كثير نحو: "ما" أنا كانت، وضربتك أنت، ومررت بك أنت، والصحيح الأول، وإن كان هذا الأشبه بالقياس، والله أعلم). [جواهر الأدب: 193 - 196]