قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("عسى" ذهب النحويين إلى أنه حرف. ونقله بعضهم عن ابن السراج. وحكاه أبو عمر الزاهد، عن ثعلب. وذهب الجمهور إلى أنه فعل، وهو الصحيح. والدليل على فعليته اتصال ضمائر الرفع البارزة به، نحو: "عسيت"، و"عسيتهم"، ولحاق "تاء" التأنيث له، نحو: "عست" هند أن تقوم.
وهو فعل لا يتصرف، يرد للرجاء والإشفاق. وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً، وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً، وهو شر لكم}. وعملها، في الأصل، عمل "كان". إلا أن خبرها التزم كونه فعلاً مضارعاً، والأكثر اقترانه "بأن". وقد تحذف، كقوله الشاعر:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج، قريب
وجمهور البصريين على أن حذف "أن" من خبر "عسى" ضرورة.
وظاهر كلام سيبويه أنه لا يختص بالشعر.
وقد ندر وقوع خبرها مفرداً، في قول الزباء "عسى" الغوير أبؤساً، وقول الشاعر:
أكثرت في العذل، ملحاً، دائماً ... لا تكثرن، إني عسيت صائماً.
واعلم أن "عسى" لها أحوال:
الأول: أن يكون خبرها فعلاً مضارعاً مجرداً من "أن". وهو قليل، كما سبق. ولا إشكال في أن الفعل خبرها، وهي عاملة عمل "كان".
الثاني: أن يكون خبرها فعلاً مضارعاً مقروناً "بأن" وهذا هو الكثير. واختلف، في إعرابه، على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أن "عسى" عاملة عمل "كان" أيضاً، و"أن" والفعل في موضع خبرها. قال ابن عصفور: وهو الصحيح، لأن العرب لما نطقوا به،
على الأصل، نطقوا به اسم فاعل، كما تقدم في المثل، والبيت.
وثانيها: أن "عسى"، في ذلك، ليست عاملة عمل "كان". بل المرفوع بها فاعل، و"أن" والفعل في موضع نصب على المفعولية، والفعل مضمن معنى: قارب. فإذا قلت: "عسى" زيد أن يقوم، فالتقدير: قارب زيد القيام. أو يكون "أن" والفعل منصوباً، على إسقاط الخافض. وهذا مذهب سيبويه، والمبرد. ووجهه أن "أن" والفعل مقدر بالمصدر، والمصدر لا يكون خبراً عن الجثة. وأجيب عنه بأن المصدر قد يخبر به، على سبيل المبالغة.
وثالثها: أن "أن" والفعل بدل اشتمال من فاعل "عسى". وهو مذهب الكوفيين. قال صاحب البسيط: وأظم قولهم مبنياً على أن هذه الأفعال ليست ناقصة. فيكون المعنى عندهم: قرب قيام زيد. ثم قدمت الاسم، وأخرت المصدر، فقلت: قرب زيد قيامه. ثم جعلته "بأن" والفعل. ويحتج، على هذا، بقولهم: "عسى" أن يقوم زيد، وأن هذا هو الأصل، وهي تامة. ثم إن تقدم الاسم فهو على البدل، حملاً لها على طريقة واحدة.
ورد ما ذهب إليه الكوفيون، بوجهين:
أحدهما أنه إبدال قبل تمام الكلام.
والآخر أنه لازم، والبدل لا يكون لازماً.
واختار ابن مالك في شرح التسهيل أن "عسى" في ذلك ناقصة، والمرفوع اسمها، و"أن" والفعل بدل اشتمال سد مسد جزأي الإسناد. ونظره بقراءة حمزة [ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم] بالخطاب، على أن يكون "أنما" بدلاً من الذين، وسد مسد المفعولين.
الثالث: أن يسند إلى "أن" والفعل، فلا يحتاج حينئذ إلى خبر. ومقتضى كلام بعض النحويين أنها تكون، إذ ذاك، تامة كما تكون كان تامة. وقال ابن مالك: الوجه عندي أن تجعل "عسى" ناقصة أبداً. فإذا أسندت إلى "أن" والفعل وجهت بما وجه به وقوع "حسب" عليهما، في نحو {أحسب الناس أن يتركوا}. فكما لم تخرج "حسب" بهذا عن أصلها، لا تخرج "عسى" عن أصلها، بمثل {وعسى أن تكرهوا}. بل يقال في الموضعين: سدت "أن" والفعل مسد الجزين.
الرابع: أن يتصل "بعسى" الضمير الموضوع للنصب، نحو: "عساني"، و"عساك"، و"عساه". ومنه قول الشاعر:
ولي نفس أقول لها، إذا ما ... تنازعني: لعلي، أو عساني
وقول الآخر:
يا أبنا، علك، أو عساكا
وهذا من المواضع المشكلة، لأن حق الضمير المتصل "بعسى" أن يكون بصيغة المرفوع، كما ورد في القرآن، نحو {فهل عسيتم}، لأنها ترفع الاسم. فإذا ورد بصيغة المنصوب احتاج إلى توجيه. وفي ذلك ثلاثة مذاهب:
أحدها مذهب سيبويه: وهو أن "عسى"، في ذلك، محمولة على "لعل" في العمل. "فالياء" وأخواتها في موضع نصب اسماً لها، و"أن" والفعل في موضع رفع خبراً لها.
وثانيها مذهب المبرد: أن "عسى" باقية على أصلها، ولكن انعكس الإسناد، فجعل المخبر عنه خبراً. "فالياء" في موضع نصب خبراً "لعسى" تقدم، و"أن" والفعل في موضع رفع اسماً لها.
وثالثها مذهب الأخفش: أن "عسى" باقية على رفعها الاسم، ونصبها الخبر، ولكن ضمير النصب، الذي هو "الياء" وأخواتها، وضع موضع المرفوع. فهو نائب عنه، و"أن" والفعل في موضع نصب خبراً لها، كما "كان".
ورابعها مذهب السيرافي: أن "عسى" في قولهم: "عساك"، و"عساني"، حرف عامل عمل "لعل". وضعف "بأن"، فيه اشتراك فعل وحرف في لفظ واحد.
واختار ابن مالك. ورحمه الله، مذهب الأخفش، لسلامته من عدم النظير. إذ ليس فيه إلا نيابة ضمير، غير موضوع للرفع، عن موضوع له. وذلك موجود، كقول الراجز:
يا بن الزبير، طالما عصيكا ... وطالما عنيتكما إليكا
ولأن نيابة المرفوع موجودة، في نحو: ما أنا كأنت. ولأن العرب قد تقتصر على "عساك" ونحوه. فلو كان في موضع نصب لزم الاستغناء بفعل ومنصوبه، ولا نظير لذلك. ولأن قول سيبويه يلزم منه حمل فعل على حرف، في العمل، ولا نظير لذلك. انتهى ما ذكره ابن مالك مختصراً.
وقال غيره: مذهب سيبويه هو الصحيح. ويبطل مذهب الأخفش تصريحهم بالاسم، موضع "أن" والفعل، في مثل هذا التركيب مرفوعاً، كقوله:
فقلت: عساها نار كأس، وعلها ... تشكى، فأتي نحوها، فأعودها
وأما ما ذكره ابن مالك، من نيابة "الكاف" عن "التاء" في عصيكا، فليس كذلك. بل "الكاف" فيه بدل من "التاء"، كما نص عليه أبو علي وغيره. وهو شاذ. ولو كان ضمير نصب لم يسكن آخر الفعل، لأجله، كما لم يسكن في عساكا. وأما النيابة في نحو ما أنا كأنت فذلك لعلة أن "الكاف" لا تدخل على الضمير المجرور، فاحتيج للنيابة. وأما علة الاقتصار على المنصوب فالحمل على "لعل".
قلت: ذكر الفارسي في التذكرة أن قوله:
يا أبتا، علك، أو عساكا
على حد إني "عسيت" صائماً، في أن الفاعل مضمر في الفعل، و"الكاف" هو الخبر، كما أن صائماً هو الخبر، وإن خالفه في أنه معرفة وصائماً نكرة. وهذا تخريج غريب. والكلام على هذه المسألة يستدعي بسطاً، لا يليق بهذا الكتاب. فليقتصر على هذا القدر. فإن فيه كفاية. والله سبحانه أعلم). [الجنى الداني:461 - 470]