قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "الرّاء" "رُبّ"
"رب" حرف جر خلافًا للكوفيين في دعوى اسميته وقولهم إنّه أخبر عنه في قوله:
(إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عارا عليك ورب قتل عار)
ممنوع بل عار خبر لمحذوف والجملة صفة للمجرور أو خبر للمجرور إذ هو في موضع مبتدأ كما سيأتي وليس معناها التقليل دائما خلافًا للأكثرين ولا التكثير دائما خلافًا لابن درستويه وجماعة بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا فمن الأول {ربما يود الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} وفي الحديث يا "رب" كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة.
وسمع أعرابي يقول بعد انقضاء رمضان يا "رب" صائمة لن يصومه ويا "رب" قائمة لن يقومه وهو ممّا تمسك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرّد بمعنى الماضي وقال الشّاعر:
(فيا رب يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنّها خطّ تمثال)
وقال آخر:
(ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات)
ووجه الدّليل أن الآية والحديث والمثال مسوقة للتخويف والبيتين مسوقان للافتخار ولا يناسب واحدًا منهما التقليل
ومن الثّاني قول أبي طالب في النّبي صلى الله عليه وسلم:
(وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل)
وقول الآخر:
(ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان)
(وذي شامة غراء في حر وجهه ... مجللة لا تنقضي لأوان)
(ويكمل في تسع وخمس شبابه ... ويهرم في سبع معًا وثمان)
أراد عيسى وآدم عليهما السّلام والقمر.
ونظير "رب" في إفادة التكثير "كم" الخبرية.
وفي إفادته تارة وإفادة التقليل أخرى قد على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في حرف "القاف" وصيغ التصغير تقول "حجير" و"رجيل" فتكون للتقليل وقال:
(فويق جبيل شامخ لن تناله ... بقنته حتّى تكل وتعملا)
وقال لبيد رضي الله عنه:
(وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل)
إلّا أن الغالب في "قد" والتصغير إفادتهما التقليل و"رب" بالعكس وتنفرد "رب" بوجوب تصديرها ووجوب تنكير مجرورها ونعته إن كان ظاهرا وإفراده وتذكيره وتمييزه بما يطابق المعنى إن كان ضميرا وغلبة حذف معداها ومضيه وإعمالها محذوفة بعد "الفاء" كثيرا وبعد "الواو" أكثر وبعد "بل" قليلا وبدونهن أقل كقوله:
(فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ... )
وقوله:
(وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... )
وقوله:
( ... بل بلد ذي صعد وآكام)
وقوله:
(رسم دار وقفت في طلله ... )
وبأنها زائدة في الإعراب دون المعنى فمحل مجرورها في نحو "رب" رجل صالح عندي رفع على الابتدائية وفي نحو "رب" رجل صالح لقيت نصب على المفعولية وفي نحو "رب" رجل صالح لقيته رفع أو نصب كما في قولك هذا لقيته ويجوز مراعاة محله كثيرا وإن لم يجز نحو مررت بزيد وعمرا إلّا قليلا قال:
(وسن كسنيق سناء وسنما ... ذعرت بمدلاح الهجير نهوض)
فعطف سنما على محل سنّ
والمعنى ذعرت بهذا الفرس ثورا وبقرة عظيمة وسنيق اسم جبل بعينه وسناء ارتفاعا
وزعم الزّجاج وموافقوه أن مجرورها لا يكون إلّا في محل نصب والصّواب ما قدمناه وإذا زيدت ما بعدها فالغالب أن تكفها عن العمل وأن تهيئها للدخول على الجمل الفعلية وأن يكون الفعل ماضيا لفظا ومعنى كقوله:
(ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات)
ومن أعمالها قوله:
(ربما ضربة بسيف صقيل ... بين بصرى وطعنة نجلاء)
ومن دخولها على الاسمية قول أبي دؤاد:
(ربما الجامل الموبل فيهم ... وعناجيج بينهنّ المهار)
وقيل لا تدخل المكفوفة على الاسمية أصلا وإن ما في البيت نكرة موصوفة والجامل خبر لهو محذوفا والجملة صفة لما ومن دخولها على الفعل المستقبل قوله تعالى {ربما يود الّذين كفروا} وقيل هو مؤول بالماضي على حد قوله تعالى {ونفخ في الصّور} وفيه تكلّف لاقتضائه أن الفعل المستقبل عبر به عن ماض متجوز به عن المستقبل والدّليل على صحة استقبال ما بعدها قوله: (فإن أهلك فرب فتى سيبكي ... عليّ مهذب رخص البنان)
وقوله:
(يا رب قائلة غدا ... يا لهف أم معاوية)
وفي"رب" ستّ عشرة لغة ضم "الرّاء" وفتحها وكلاهما مع التّشديد والتّخفيف والأوجه الأربعة مع "تاء" التّأنيث ساكنة أو محركة ومع التجرد منها فهذه اثنتا عشرة والضّم والفتح مع إسكان "الباء" وضم الحرفين مع التّشديد ومع التّخفيف). [مغني اللبيب: 2 / 317 - 337]