قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (الفصل الثاني: في "الهمزة" ومعانيها ومواضعها في كلام العرب
مفردة ومركبةً مع غيرها من الحروف
أما المفردة فقسمان: قسمٌ أصل وقسم بدل من أصل.
القسم التي هي أصل لها في الكلام ثلاثة عشر موضعًا:
الموضع الأول: أن تكون للتوصل إلى النطق بالساكن في ابتداء الكلمة، واختلف فيها: هل يقال لها "همزة" أو "ألف"؟ فبعضهم يسميها "ألفًا" مراعاة لأصلها من السكون الذي هو مد صوت، وبعضهم يسميها "همزة" مراعاة للنطق بها وهو الأبين، ولكلا الوجهين نظر، والأحسن أن تسمى بما هي عليه في النطق، لأن ذلك هو معنى "الهمزة".
وكان الوجه فيها أن يقال لها: "همزةُ" إيصال لا وصل؛ لأنها لا تصل، ولكن توصل الناطق إلى النطق بالساكن بعدها، ولكن قيل: "همزة" وصل على غير مصدر أو وصل، كما قال الله تعالى: {أنبتكم من الأرض نباتا}، وعلى المصدر يكون «إنباتا»، وقال الشاعر:
.... .... .... .... .... ولو شئنا تعاودنا عِوادا
وكان القياس على المصدر: تعاودًا ومعاودةً، وذلك جائزٌ كثير.
فإذا ثبت هذا فإن محالها في الكلام ثلاثة محال، الأول: اسم، الثاني: الفعل، الثالث: الحرف.
وأما الاسم فقسمان:
قسمٌ هو أسماء معلومة لا تتعدى، وذلك: اسم واست واثنان وابنم وامرؤ وايمن الله في القسم، وما له في ذلك مؤنث أو مثنى.
وقسمٌ هو أسماء مصادر، لكن فعل كانت في ماضيه "همزة الوصل" وهي عشرة مصادر لعشرة أفعال، وذلك: انفعال كانطلاق، وافتعال كاكتساب، وافعنلال كاقعنساس، وافعلال كاقشعرار، وافعيعال كاغديدان، وافعلال كاحمرار، وافعيلال كاحميرار، أفعوال كاعلواط، واستفعال كاستخراج، وافعنلاء كاسلنقاء.
وأما الفعل فقسمان:
قسمٌ هو أفعال تلك المصادر العشرة المذكورة، وذلك عشرة أمثلة: انفعل كانطلق، وافتعل كاكتسب، وافعنلل كاقعنسس، وافعلل كاقشعر، وافعوعل كاغدودن، وافعل كاحمر، وافعال كاحمار، وافعلول كاعلوط، واستفعل كاستخرج، وافعنلى كاسلنقى.
وقسمٌ هو فعل الأمر من الأفعال العشرة المذكورة كانطلق، وكذلك باقيها
من كل فعل سكن ثانيه في المضارع ولم تحذف منه "همزة"، ولم يكن أخذ وأكل وأمر، وذلك نحو: اضرب من ضرب يضرب، واعلم من علم يعلم، واشرف من شرفه يشرف، فإن كان قد حذفت "همزته" في المضارع رُدت في الأمر نحو: أكرم من أكرم يكرم، لأن الأصل في المضارع: يؤكرم، لكن لما كانوا يستثقلون اجتماعهما مع "همزة" المتكلم فيه فحذفوها فقالوا: أكرم، ثم أجريت "الواو" و"التاء" و"النون" التي للمضارعة في حذف "الهمزة" معها مجرى ما فيه "همزة" المتكلم؛ لأن الباب في أنها للمضارعة واحد.
وأما أخذ وأكل وأمر فإن الأمر من هذه دون "همزة": خذ، كل، مُر، وهذه هي اللغة المشهورة فيها.
وحكى ابن جني أن من العرب من يقول: أؤمر، أؤخذ، أؤكل، كسائر الأفعال التي يُسكن ثانيها فيي المضارع، والأفصح في أمر: «أمر»: مُر، قال الله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة}، وقد جاء في الخبر: «مروهم بالصلاة لسبع».
وأما الحروف فهي "لام" التعريف خاصة، نحو: الرجل والغلام، وحكي عن الخليل أنها "همزة قطع"، والكلام معه يُذكر في فصل "أل"إن شاء الله.
فجميع هذه الخمسة المواضع تسقط فيها "الألف" في الدرج وتثبت في الابتداء.
ولا تثبت في الدرج إلا في الضرورة، كقوله:
ألا لا أرى اثنين أحسن شيمة .....على حدثان الدهر مني ومن جمل
وقال آخر:
.... .... .... .... .... وكل اثنين إلى افتراق
وقال آخر:
لتسمعن وشيكًا في ديارهم .... ألله أكبر يا ثارات عُثمانا
وقال آخر:
عجل لنا هذا وألحقنا بذال .... الشحم إنا قد مللناه بجل
وأما قولهم: «يا الله» بقطع "ألف الوصل"، فإنما ذلك لأن "الألف" و"اللام" صارتا منه كأنها من نفس الكلمة، أو هي عوض من "همزة" «إلاه»؛ لأنها لا تجتمع معها إلا في الضرورة، مع أن هذا الاسم ...، فجعلوا ذلك مزية على غيره من الأسماء.
وهذه "الهمزة" التي للوصل تكون أبدًا مكسورة على أصل التقاء الساكنين سواء كان ثالث الفعل مفتوحًا أو مكسورًا، نحو: اعلم واضرب، ويجوز ضمها، إلا أنه إذا كان ثالث الكلمة مضمومًا ضمًا لازمًا نحو: «اقتل» تتبع "الهمزة" الثالث.
فإن كان الضم غير لازم لم تضم، وبقيت "الهمزة" مكسورة نحو: امشوا واقضوا، لأن الأصل: امشيوا واقضيوا، فحذفت "الياء" استثقالًا، وتبع ما قبل "الواو" "الواو".
ما أنه إذا كان الكسر عارضًا وكان الضم الأصل بقيت "همزة" الوصل مضمومة نحو: ادعي يا هد، لأن الوصل أدعوي، فاستثقلت الضمة مع كسر "الواو"، فأتبع ما قبلها كسرة، وقلبت "الواو" "ياءً" تخفيفًا.
ولا تكون "همزة الوصل" مفتوحة إلا في موضعين: أحدهما: ايمن الله، والآخر: "ألف" "لام" التعريف، وإنما ذلك لأن «ايمن» لفظ غير متصرف لا يكون إلا في القسم، والفراء يجعله جمع «يمين»، فتكون "الهمزة" عنده "همزة" قطع وهو فاسد، لأن تلك "الألف" تسقط في الدرج كسائر "ألفات" الوصل كما قال الشاعر:
فقال فريق القوم لما نشدتهم ..... نعم وفريق: ليمن الله ما ندري
ولأنهم قد قالوا فيه: ايمن الله بكسر "الهمزة" على الأصل، و"ألف" الجمع لا تكسر، لا يقال في أفلس: إفلس، ولا في أعبُد، إعبُد، ولأنهم قد تصرفوا فيه باللغات في الحذف، فقالوا: ايم الله وايم الله، وم الله وم الله وم الله، والتصرفُ في الحذف بابه المفردات، إذ هي المستعملة أصلًا فخففت، فلما كان غير متصرف عن القسم نقل ففتحت "همزته" تخفيفًا.
وأما "ألف لام التعريف" فلما كانت "اللام" معها حرفًا، وكان أيضًا غير متصرف وليس بأصل في الكلام لمعنى في نفسه، ثقل أيضًا فخفف بفتح "همزته" فاعلم.
وما عدا هذه المواضع الخمسة من الاسم والفعل والحرف "فالهمزة" في أوله "همزة" قطع تثبت درجًا وابتداءً، ولا يجوز حذفها إلا في ضرورة الشعر كقوله:
ويلمها في هواء الجو طالبة ..... ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبُ
وقال آخر:
يابا المغيرة رب أمرٍ معضلٍ ..... فرجته بالمكر مني والدها
أو في نادر كلام، كما قرأ بعضهم: «إنها لحدى الكبر» فأسقط "الهمزة" تخفيفًا، ولا يقاس عليه.
أما قوله تعالى: {لكنا هو الله رب}، فقال فيه بعضهم: الأصل فيه: لكن أنا، ثم نقلت فتحة "همزة" «أنا» إلى "النون" قبلها فصار: لاكننا، فأدغم تخفيفًا، وكذلك قال بعضهم في قول الشاعر:
ألا ياسنا برقٍ على قُلل الحمى ..... لهنك من برقٍ علي كريم
إن الأصل فيه: لله إنك، ودخله الحذف حتى صار إلى ما ترى، وهذا كله متكلفٌ وشذوذ، وإنما "الألف" في «لاكنا» إشباع، وهو في الكلام قليلٌ، و«لهنك» أصله: «لإنك»، وأبدلت "الهمزة" "هاءً"، كما قالوا: هرحت الماشية وإياك في: أرحتُ الماشية وإياك.
الموضع الثاني: أن تكون للاستفهام، وتدخل على الجملة الاسمية والفعلية، كقولك: أزيدٌ قائم؟ وأقام زيد؟ وتكون معادلة لـ «أم» تارة، وغير
معادلة، فإذا كانت معادلة كان [معنى] الكلام إذا قلت: أقام زيد أم قعد: أي الفعلين فعل؟ وإذا قلت: أزيد قام أم عمرو: أيهما قام؟ وإن كررت في الفعل أو جمعت كان المعنى: أي الأفعال، أو أيهم، وسيزاد هذا بيانًا في فصل «أم».
وإذا لم تعادل لم تحتج إلى «أم» كما مثل أولًا، قال الله تعالى: {أأنتم أشد رهبة}، وقال: {أتقولون على الله ما لا تعلمون}.
ويجوز حذف هذه "الهمزة" إذا فهم المعنى ودل عليه قرينة الكلام، كقولك: زيد قام أم عمرو؟ تريد: أزيدٌ، قال الشاعر:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريًا .... بسبعٍ رمين الجمر أم بثمانٍ
أراد: أبسبعٍ، وقال آخر:
تروح من الحي أم تبتكر ......... .... .... ....
الموضع الثالث: أن تكون للإيجاب وتحقيق الكلام، وفيه معنى الاستخبار كقوله تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها}، والمعنى: ستجعل فيها، ومنه قول الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا ..... وأندى العالمين بطون راح
والمعنى: أنتم خير من ركب المطايا. فلفظ هذا النوع يعطي معنى الاستخبار والمعنى على الإيجاب، والتحقيق على ما ذكرت لك، وبه يحصل معنى المدح فاعلمه.
الموضع الرابع: أن تكون للتسوية، وصورتها في الكلام صورة الاستفهامية المعادلة، إلا أن هذه تتقدمها التسوية كقولك: «سواءٌ عليَّ أقمت أم قعدت» و«أرضيت أم سخطت»، قال الله عز وجل: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، و{سواء علينا أجزعنا أم صبرنا}، وقال الشاعر:
سواءٌ عليه أي حين أتيته ..... أساعة نحسٍ تتقى أَمْ بأسعد
الموضع الخامس: أن تكون للتقرير مجردًا من معنى الاستفهام، كقولك: "أ" أنت رأيتني أقوم، ومعناه: أقرر بك معرفتي، والفرق بينه وبين الاستفهام أن الاستفهام ممن لا يعلم لمن يعلم، أو يتوهم منه العلم ليتعلم، والتقرير ممن يعلم لمن يعلم ليثبته على فعله فيكون جزاءً، أو يتحقق أنه فعله عن قصدٍ، ومن الأول
قوله تعالى: {أأنت قلت للناس اتخذوني} و{ألم نربك فينا وليدًا}، و{ألست بربكم}.
الموضع السادس: أن تكون للتوبيخ مجردًا من التقرير تارة ومصاحبًا له أخرى، فمن الأولى قوله تعالى: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا}، ومن الثاني قوله تعالى: {ألم نربك فينا وليدًا}، وقول الشاعر:
ألم أك جاركم ويكون بيني ..... وبينكم المودة والإخاءُ
الموضع السابع: أن تكون للمضارعة في الفعل المبهم وهو الذي يحتمل الحال والاستقبال، نحو أضرب وأخرج للمتكلم وحده، مذكرًا كان أو مؤنثًا، وإنما قيل لها "همزة" مضارعة؛ لأن، الفعل إذا دخلت عليه صار يضارع بها الأسماء، أي يشابهها، والمشابهة تكون للأسماء من جهتين:
إحداهما: أن الفعل يدخله من الإبهام والتخصيص ما يدخل الاسم، وذلك أن الإبهام في الفعل هو احتماله الحال والاستقبال على السواء عند قومٍ، وهو عند قومٍ أظهر في الحال، وعند قومٍ أظهر في الاستقبال، وقومٌ ينكرون الحال فيه، ولكل طائفة حُجة، الكلام فيها يطول، والصحيح احتماله الحال والاستقبال، هل على السواء أو على الاختلاف؟، ليس هذا موضع تحقيقه، وتخصيصه هو أن يخلص لأحد الزمانين بقرينةٍ تدل على ذلك، فإذا قلت:«يُضرب» احتمل الحال والاستقبال، فإذا قلت: «يضرب الآن» تخلص للحال، وإذا قلت: «يضرب غدًا» تخلص للاستقبال.
وأما إبهام الاسم فهو أنه يقع في أصوله على ما دخل تحت جنسه، نحو: رجل وفرس وثوب وشبه ذلك، وتخصيصه "بالألف" و"اللام" والإضافة، نحو: الرجل ورجلكم، والغلام وغلامكم، هذه احدى الجهتين.
وأما الجهة الأخرى: فهي أن الفعل يشبه الاسم إذا كان مثل: «فاعل» في عدد الحروف والحركات والسكنات، كضارب ويضرب، فضارب من أربعة أحرفٍ ويضرب مثله، وأول ضارب متحرك وثانيه ساكنٌ وثالثه متحركٌ ورابعه كذلك، ويضربُ مثله أربعة أحرف في ذلك، وهذه الجهة ضعيفة لا تستتب في كل فعلٍ واسم، إنما هي في بعض الأسماء والأفعال، والأولى مستتبة فعليها المعول، والذي صير الفعل له هو "همزة" المضارعة وسائر حروفها من "الياء" و"التاء" و"النون"، وستذكر في مواضعها بحول الله.
الموضع الثامن: أن تكون للتعدية خاصة، وذلك إذا كان الفعل ثلاثيًا لا يتعدى لو نطق به، فنقدر أن "الهمزة" فيه زائدةٌ، كقولك: «ألقيت ما في يدي»، وقال تعالى: {وألق ما في يمينك}، وقال الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى .... .... .... .... ....
كان الأصل في هذا الفعل أن يقال فيه: «ألقيت ما في يمين»، إلا أنه لم ينطق به إلا "بالهمزة"، وحكمنا أن "الهمزة" زائدة لأنه من اللقاء، فالأصل: "اللام" و"القاف" و"الياء"، فعلمنا بذلك أنه لا معنى لدخول "الهمزة" وزيادتها إلا تعدية الفعل الثلاثي الذي لم يستعمل النطق به وحده للمفعول.
وهذه "الهمزة" تُعدي ما لا يتعدى إلى واحدٍ نحو ما ذكر، وما يتعدى إلى واحد إلى اثنين، نحو ألفيت زيدًا قائمًا، ومنه:
فألفيته غير مستعتب .....ولا ذاكر الله إلا قليلا
وما يتعدى إلى اثنين إلى ثلاثةٍ كقولك: أعلمتُ زيدًا عمرًا قائمًا ومنه:
أنبئت عمرًا غير شاكر نعمتي ..... .... .... .... ....
الموضع التاسع: أن تكون للنقل خاصة، ومعنى ذلك أنها تنقل الفعل من الثلاثي إلى الرباعي، فإن كان متعديًا في أصله بقي كذلك بعد النقل، "فالهمزة" لا تفيد فيه شيئًا سوى النقل خاصة، وقد ينطق بثلاثية وقد لا ينطق، نحو: أشكل الأمر، فهذا لا ينطق بثلاثية، وإن كان الأصل من حيث إن حروفه أصول، ووزن أشكل: أفعل، "فالهمزة" زائدة لمجرد النقل، وتقول: لاح البرق وألاح، فهذا ينطق بثلاثية قبل "الهمزة"، وهو غير متعدٍ، وتدخل "الهمزة" عليه فيبقى كذلك، فيعلم أن "الهمزة" لا معنى لها فيه إلا مجرد النقل خاصةً.
وسواءٌ كان الفعل غير متعدٍ كما ذكر أو متعديًا كقوله: وقفت الدابة وأوقفتها ومهرت المرأة وأمهرتها وسقيته وأسقيته، فهذا يستعمل بغير "الهمزة" متعديًا، و"بالهمزة" كذلك، فعلم أن "الهمزة" ليس لها معنى إلا مجرد النقل خاصة، قال الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده}، وقال الشاعر:
سريت بهم حتى تكل مطيهم..... .... .... .... ....
وقال آخر:
سقى قومي بني بكرٍ وأسقى ..... نميرًا والقبائل من هلال
فجمع بين اللغتين.
الموضع العاشر: أن تكون للتعدية والنقل معًا، وذلك أكثر من أن يحصى، وذلك إذا كان الفعل في أصله ثلاثيًا لا يتعدى فيصير "بالهمزة" رباعيًا يتعدى، ويكون متعديًا إلى واحدٍ فيصير إلى اثنين، ويكون إلى اثنين فيصير إلى ثلاثة، وذلك نحو: قام زيد وأقمت زيدًا، وكرم زيد وأكرمته، وعطى زيدٌ الكأس وأعطيتها عمرا، وعلمت زيدًا منطلقًا وأعلمت عمرًا زيدًا منطلقًا، قال الله تعالى: {وأترفناهم في الحياة الدنيا}، والأصل: ترفوا، و{فأتبعنا بعضهم بعضًا}، والأصل تبع بعضهم بعضًا، وعليه: {فمن تبع هداي}، وقال الشاعر:
فأتبعتهم طرفي وقد حال دونهم ..... غوارب رملٍ ذي ألاء وشبرقِ
وقال آخر:
فأتبعتهم فيلقًا كالسرا ..... ب جأواء تُتبع شُخبًا ثعولا
فجمع بينهما.
واعلم أن هذه "الهمزة" تقوم مقام "الباء" في التعدية ولا تجمع معها، ويجري مجراهما التضعيف، وذلك أنك تقول: قام زيدٌ، فلا يتعدى ثم تقول: أقمت زيدًا، فيصير يتعدى "بالهمزة" كما ذكر، فإذا أدخلت بعد الفعل "الباء" بهذا المعنى سقطت "الهمزة"، فتقول: قمت بزيدٍ، وإذا ضعفت الفعل بهذا المعنى سقطت "الهمزة"، فتقول: قوّمت زيدًا.
وقد يخرج التضعيف إلى معنى تكثير الفعل خاصة نحو: كسرتُ الإناء ودققت الحب، كما تخرج "الهمزة" إلى معانٍ أخر، وكذلك "الباء"، وستذكر بحول الله.
الموضع الحادي عشر: أن تكون للنداء كـ "يا" وتستعمل في نداء القريب المصغي إليك، وتمد إذا بعد، فتقول: أزيد، وأعمرو، وأخالد، قال الشاعر:
أعبدًا حل في شعبي غريبًا ..... ألؤما لا أبالك واغة ابا
وقال آخر:
أحار ترى برقا أريك وميضه ..... .... .... .... ....
و:
أفاطم مهلًا بعض هذا التدلل ..... .... .... .... ....
وقال آخر:
أزهير إن يشب القذال فإنه .....رب هيضل مرس لففت بهيضل
وهي أقل استعمالًا من "يا" لأنها أكثر منها حروفًا وأكثر مدًا، ولذلك لا تحذف كما تحذف "يا" لأنها لا دلالة لحذفها على قربٍ، بخلاف "يا" فإنها مستعملة لما حُذفت أو ظهرت، فاعلم.
الموضع الثاني عشر: أن تكون معاقبة لحرف القسم مقصورة وممدودة نحو قولهم: الله لأفعلن وآلله لأفعلن، وينبغي أن تكون عوضًا من "باء" القسم وحدها، معاقبة لها خاصة من بين سائر حروف القسم لأنها الأصل فيه وفي غيره، ومن جعلها عوضًا من حروف القسم مطلقًا فغالطٌ، لأن غيرها من الحروف لا تتصرف كتصرفها، إذ هي في القسم وفي غيره، وفي كل مقسم به من ظاهر ومضمر بخلاف "التاء" و"الواو" و"من" و"اللام" اللازمة للتعجب فيه فهي أم الباب، فلذلك ينبغي أن تكون "الهمزة" عوضًا منها لا غير.
الموضع الثالث عشر: أن تكون للإنكار في أول الكلمة، وذلك إذا أنكرت كلام غيرك أو أنكرت رأيه، فتقول في نحو جاء زيد: أزيد نيه، ورأيت زيدًا: أزيد نيه، ومررت بزيدٍ: أزيد نيه برفع "الدال" ونصبها وجرها وذلك في المعرب؛ لأن "النون" من "نيه" هو التنوين، و"الياء" إشباع لحركة "النون"، وبيان الإنكار، و"الهاء" لبيان المد والوقف.
ومن العرب من يزيد بعد تمام الاسم: "إن" ويلحقها "الياء" بعد ذلك لبيان الإنكار، ويلحقها "الهاء" للوقف، فيقول: أزيدُ إنيه، وأزيدًا إنيه، و"الياء" بعد "النون" في الحالين لبيان الإنكار مع "الهمزة" فاعلم.
القسم التي هي بدل من أصل.
اعلم أن هذه "الهمزة" تنقسم ثلاثة أقسام: قسمٌ بدلٌ من "ألفٍ"، وقسم بدل من "واو"، وقسم بدل من "ياء".
فالقسم التي هي بدل من "ألف" لها في كلام العرب خمسة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون بدلًا من "ألف التأنيث" وهي المقصورة ولا يكون ذلك إلا في الوقف خاصة، فتقول في رأيت سلمى وحبلى وضيزى: سلمًا وجلًا وضيزًا، حكى ذلك سيبويه عن العرب، وهل يقاس على ذلك أو لا؟ الظاهر عندي أنه موقوف على السماع لقلته ولا يقاس إلا على الكثير.
الموضع الثاني: أن تكون بدلًا من "الألف" المبينة للتأنيث في الضمائر المتقدمة في فصل "الألف"، وذلك أيضًا في الوقف خاصة، وهو موقوف أيضًا على السماع لشذوذه، وذلك أن من العرب من يقول في «هو يضربها» إذا وقف: يضربها، فيبدل من "الألف" "همزة" لأنها هي في المعنى، كما تقدم في أول هذا المقصود الذي نحن بسبيله.
الموضع الثالث: أن تكون بدلًا من "الألف" المبدلة من التنوين نحو: رأيت فرسًا، وحكى سيبويه عن العرب: رأيت رجلًا، ولا يكون ذلك أيضًا إلا في الوقف خاصة وهو قليل أيضًا.
وقلنا في جميع هذه المواضع الثلاثة المتقدمة إن "الهمزة" فيها بدل من "ألف"، ولم نقل إنها أصل لكثرة "الألف" وقلة"الهمزة"، والمطرد الكثير هو الأصل دون القليل، وإن كان في بعض المواضع قد يكثر الفرع ويقل استعمال الأصل ويطرح، وسيرد عليك منه أشياء في داخل الكتاب إن شاء الله، لكن ذلك لقيام الدليل على القلة والطرح، فاعلمه.
الموضع الرابع: أن تبدل من "ألف" التأنيث الممدودة قياسًا، وذلك في نحو: حمراء وصفراء وخنفساه، وشبه ذلك. وكان الأصل في هذه الأمثلة وأشباهها مما فيه "همزة"التأنيث ممدودة أن تكون "الألف" فيها واحدةً، إلا أنهم أرادوا أن يبنوها بناءً آخر غير بناء المقصورة، فزادوا عليها "ألفًا" أخرى، فاجتمعتا ساكنتين فحركت الثانية منهما لأنها المقصورة في الدلالة على التأنيث، إذ قد صارت الأولى كأنها "ألف" مد كالتي في «سربال»، و«زلزال»، ولما كانت الكلمة المؤنثة معربة جرت "الهمزة" بوجوه الإعراب، إذ هي مقطع جارٍ كسائر حروف الصحة.
ولا يجوز أن يُدعى أن "الهمزة" منها أصل في نفسها غير بدل، بدليل أنهم قالوا في صحراء في الجمع: صحراوات، وفي النسب: صحراوي، فلو كانت "الهمزة" أصلًا لبقيت في تصريف الكلمة "كالهمزة"من «قراء» لأنك تقول: قرأت وأقرأ ومقرئ وشبه ذلك، وهذه دلالة في التصريف تدل على أصالة الكلمة أو انقلاب ما فيها أو زيادته من دلائل التصريف.
وتكون هذه "الهمزة" في الثلاثي من الأسماء مفردًا نحو: صحراء، ومصدرًا نحو: السراء والضراء، وصفة نحو: امرأة خنساء وديمة هطلاء، واسم جمع نحو القصباء والحلفاء، وتلحق ما هو على بناء فعلاء نحو: ناقة عشراء، وامرأة نفساء، وعلى فعلاء كسيراء، وهو في المزيد على الثلاثة: فعلياء كـ كبرياء، وفاعلاء كـ قاصعاء، وفاعولاء كـ عاشوراء، وفاعلاء كـ براكاء، وفعولاء كبروكاء، وفَعللاء كعَقرباء، وفُعللاء كخنفساء، وفِعلاءكزمكاء الطائر، وفعلياءكزكرياء، وكل هذه مفردات.
وتلحق الجمع على أفعلاء كأنبياء، وعلى فُعلاء كعلماء.
الموضع الخامس: أن تكون بدلًا من "ألف" الإلحاق وهي المشبهة "بهمزة" التأنيث، كما كان ذلك في المقصورة، وذلك في نحو علباء وقرفاء الملحقين بسرداح وفسطاط، والحكم فيها في العمل كالحكم في "همزة" التأنيث سواء، إلا أن الفرق بينهما أن "الهمزة" في الفصل قبل هذا لمجرد التأنيث، وهي هاهنا لمجرد الإلحاق، إلا أنها مشبهة لها في الزيادة، وهو مصروف لا غير، لأنه مذكر بخلاف معزى وعلقى، فإنهما مؤنثان، فلذلك منعناهما وأمثالهما الصرف، فاعلمه.
وقد أبدلت"الهمزة" من "ألف" المد في نفس الكلمة وهو موقوف على السماع، فمن ما جاء منه: الخأتم في الخاتم، والعألم في العالم، وهي لغة العجاج قال: فخندف هامة هذا العألم
وقرأ بعضهم: «عليهم ولا الضألين»، "بهمزة" متحركة لالتقاء الساكنين هي وما بعدها، و«ولا جأن».
كذلك، وعليه قوله:
.... .... .... .... ..... حتى ابيأض ملببه
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... وأما بيضها فادهأمت
وهذا أكثر من الأول لأجل التقاء الساكنين، وأقل من الأول قوله:
بالخير خيراتٍ وإن شرَّا فأا ..... ولا أريد الشر إلا أن تأا
أراد: «فشر» و«تشاء» فحذف أكثر الكلمة اختصارًا وإيجازًا للعلم بذلك، وأبقى بعضهادلالة على المراد، وجعل "الألف" للوقف والإطلاق، ثم "همزتها" ليتم وزن البيت وهو نادر جدًا، وكل ذلك موقوف على السماع فاعرفه.
والقسم التي هي بدلٌ من "واو" لها موضعٌ واحد: أن تكون بدلًا من "واو" وهو في المفرد إذا جمع، نحو : «حلائب» جمع حلوبة، و«ركائب» جمع ركوبة، وكان الأصل: «حلاؤب» و«ركاوب» إلا أنها لما اجتمعت ساكنة مع "ألف" الجمع ولا أصل لها في الحركة فتحرك، فأبدلت "همزة"، لأن "الهمزة" تقبل الحركة ولزمت ذلك.
والقسم التي هي بدلٌ من "الياء" لها أيضًا موضعٌ واحد: أن تكون أيضًا بدلًا منها، وذلك في «فعيلة» إذا جمع على «فعائل»، نحو: كتيبة وكتائب وصحيفة وصحائف، وكان الأصل أن تثبت في الجمع فيقال: كتايب وصحايف، إلا أنها لما اجتمعت ساكنة مع "ألف" الجمع ولم تتحرك في الأصل أبدلت"همزة" كما فعل "بالواو" في الموضع قبلُ، ولزمت كلزومها.
وأما المركبة فتكون مع "الجيم" و"اللام": "أجل"، ومع "الذال": "إذ"، ومع "الذال" و"الألف": "إذا"، ومع "الذال" و"النون": "إذن"، ومع "اللام": "أل"، ومع "اللام" مخففة مفتوحة و"الألف": "ألا"، ومكسورة: "إلى"، ومشددة مفتوحة: "ألا"، ومكسورة: "إلا"، ومع "الميم": "أم"، ومع "الميم" و"الألف": "أما"، ومع "الميم" مشددة و"الألف": "أما"، ومكسورة: "إما"، ومع "النون" خفيفة مكسورة: "إن"، ومفتوحة: "أن"، ومشددة مكسورة: "إن"، ومشددة مفتوحة: "أن"، ومع "الألف" في باب الفصل: "أنا"، ومع "التاء": "أنت"، ومع "التاء" و"الميم": "أنتم"، ومع "الميم" و"الألف": "أنتما"، ومع "النون" المشددة: "أنتن"، ومع "الواو": "أو"، ومع "الياء" مفتوحة: "أي"، ومكسورة: "إي"، ومع "الألف" مخففة مفتوحة: "أيا"، ومكسورة مشددة: "إيا".
فجملتها سبعةٌ وعشرون حرفًا، ونحن نذكر مواضع كل واحدٍ منها بابًا بابًا بحول الله). [رصف المباني: 38 - 58]