وأما «ذا» فتستعمل على خمسة أوجه:
أحدها: اسم يشار به إلى الخاص وتلحقه كاف الخطاب، فيقال: «ذا» وتزاد فيه اللام فيقال: «ذلك» وفرق بينهما في المعنى فقيل: «ذا» للقريب و«ذاك» للمتوسط، و«ذلك» للبعيد.
وتدخل عليها هاء التنبيه فيقال: هذا، وهذاك.
ثانيها: يكون بمعنى صاحب إذا كان منصوبًا، كقولك: رأيت ذا مال.
ثالثها: يكون بمعنى الذي وذلك إذا كان بعد «ما» و«من».
كقول السائل: ماذا رأيت؟ فتقول: متاع حسن.
قال لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول = أنحب فيقضى أم ضلالٌ وباطلُ
وجوز الكوفيون كونها بمعنى الذي مع التجرد من مصاحبة «ما» و «من» احتجوا بقول الشاعر:
عدس ما لعباد عليك إمارةٌ = أمنت وهذا تحملين طليق
رابعها: تكون مركبة مع «ما» بمنزلة اسم واحد، كقول الشاعر:
= يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم =
وكقولهم: ماذا رأيت؟ فتقول: خيرًا، كأنه قال: ما رأيت؟، ولو كان «ذا» هنا بمنزلة الذي لكان الجواب: خيرٌ بالرفع، وقد قرئ قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} بالرفع والنصب، فمن رفع جعلها بمعنى الذي، ومن نصب جعلها مركبة مع «ما» الاستفهامية، وسيأتي ذكر هذا وغيره عند الكلام على «ماذا» في باب الميم إن شاء الله تعالى.
وكذلك إذا جاءت بعد «من» فإن رفعت الكلام بعدها فهي بمعنى الذي وكان معناها الإنكار، كقولك: من ذا خيرٌ منك. ومنه قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، وإن نصبت الكلام بعدها كانت بمعنى الإشارة، كقولك: من ذا خيرًا منك، ولا تكون زائدة بحال، بخلافها إذا وقعت بعد «ما».
خامسها: تكون زائدة بعد «ما» الاستفهامية، كقولك: ماذا صنعت؟ أي: ما صنعت؟ ذكره جماعة منهم ابن مالك ونسب القول به إلى الكوفيين وخلافه إلى البصريين). [مصابيح المغاني: 249 - 251]