شرح ابن القيم (ت:751هـ)[الشرح المطول]
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( ( القُدُّوسُ):
( (( القُدُّوسُ )) المُنَـزَّهُ منْ كُلِّ شرٍّ ونقصٍ وعَيْبٍ *، كما قالَ أهلُ التفسيرِ: هوَ الطَّاهِرُ منْ كلِّ عيبٍ المنُـَزَّهُ عَمَّا لا يَلِيقُ بهِ، وهذا قولُ أهلِ اللُّغَةِ.
وأصلُ الكلمةِ من الطَّهارةِ والنـَّزَاهَةِ:
- ومنهُ: " بَيْتُ المَقْدِسِ "؛ لأنَّهُ مكانٌ يُتَطَهَّرُ فيـهِ من الـذنوبِ، ومـَنْ أَمَّهُ لا يُـرِيـدُ إلاَّ الصَّـلاةَ فـيهِ رَجَعَ منْ خَطِيئَتِهِ كيومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
- ومنهُ: سُمِّيَت الجنَّةُ " حَظِيرَةَ القُدْسِ "؛ لِطَهَارَتِهَا منْ آفَاتِ الدُّنْيَا.
- ومنهُ: سُمِّيَ جِبْرِيلُ " رُوحَ القُدُسِ "؛ لأنَّهُ طَاهِرٌ منْ كلِّ عَيْبٍ.
- ومنهُ: قولُ الملائكةِ: {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30]. فقيلَ: المَعْنَى: وَنُقَدِّسُ أَنْفُسَنَا لكَ، فَعُدِّيَ باللامِ، وهذا ليسَ بشيءٍ، والصوابُ أنَّ المَعْنَى نُقَدِّسُكَ وَنُنَـزِّهُكَ عَمَّا لا يَلِيقُ بكَ.
هذا قَوْلُ جُمْهُورِ أهلِ التفسيرِ.
وقالَ ابنُ جَرِيرٍ: ونُقَدِّسُ لكَ: نَنْسُبُكَ إلى ما هوَ منْ صِفَاتِكَ من الطهارةِ من الأدْنَاسِ، ومِمَّا أضَافَ إليكَ أهلُ الكفرِ بكَ.
قالَ: وقالَ بَعْضُهُم: نُعَظِّمُكَ وَنُمَجِّدُكَ؛ قالَهُ أبو صالحٍ، وقالَ مُجَاهِدٌ: نُعَظِّمُكَ وَنُكَبِّرُكَ.
وقالَ بعضُهُم: نُنـَزِّهُكَ عن السوءِ فلا نَنْسِبُهُ إليكَ، واللامُ فيهِ على حَدِّهَا في قولِهِ: {رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72]؛ لأنَّ المَعْنَى تَنـْزِيهُ اللهِ لا تَنـْزِيهُ نُفُوسِهِم لأجلِهِ.
قُلْتُ: ولهذا قُرِنَ هذا اللفظُ بقولِهِم: {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}؛ فإنَّ التسبيحَ تَنـْزِيهُ اللهِ سبحانَهُ عنْ كلِّ سوءٍ. قالَ ميمونُ بنُ مِهْرَانَ: (( سُبْحَانَ اللهِ )) كلمةٌ يُعَظَّمُ بها الربُّ، ويُحَاشَى بها من السوءِ.
وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: هيَ تَنـْزِيهٌ للهِ منْ كلِّ سوءٍ.
وأصلُ اللفظةِ من المُبَاعَدَةِ؛ منْ قولِهِم: سَبَحْتُ في الأرضِ، إذا تَبَاعَدْتَ فيها، ومِنْهُ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} [الأنبياء: 33]، فَمَنْ أَثْنَى على اللهِ وَنَزَّهَهُ عن السوءِ فقدْ سَبَّحَهُ، وَيُقَالُ: سَبَّحَ اللهَ وَسَبَّحَ لهُ، وَقَدَّسَهُ وَقَدَّسَ لَهُ)([1]).
(هَذَا ومِن أوصافِهِ القُدُّوسُ ذُو التَّـ = ـنـْزِيهِ بالتَّعْظِيمِ للرَّحْمَنِ)([2]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([1]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/64-65) .
([2]) القصيدةُ النُّونيَّةُ (247).