العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم الاعتقاد > جمهرة شرح أسماء الله الحسنى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 29 ربيع الأول 1435هـ/30-01-2014م, 03:48 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

أدلّة هذا الاسم

الرّحيم
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت:303هـ): (الرحيم - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال ثنا جعفر عن الجعد أبي عثمان قال ثنا أبو رجاء العطاردي عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى (إن ربكم رحيم من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت واحدة أو يمحها الله ولا يهلك على الله إلّا هالك) أخرجه مسلم). [النعوت الأسماء والصفات: 1/226]

الرّحمن
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت:303هـ): (الرّحمن
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال ثنا يعقوب عن أبي حازم عن عبيد الله بن مقسم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر (يأخذ الله سمواته وأرضيه بيديه فيقول أنا الله ويقبض بين أصابعه ويبسطها أنا الرّحمن أنا الملك حتّى نظرت إلى المنبر يتحرّك من أسفل شيء منه حتّى إنّي لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم). [النعوت الأسماء والصفات: 1/305]

الغفور الرّحيم
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت:303هـ): (الغفور الرّحيم
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال ثنا اللّيث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو عن أبي بكر الصّديق قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال (قل اللّهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذّنوب إلّا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم). [النعوت الأسماء والصفات: 1/306]م


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 10:44 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح ابن القيم (ت:751هـ) [الشرح المطول]

قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى:
( (الرَّحْـمَنُ الرَّحِـيمُ ):

(منْ أسمائِهِ الحُسْنَى: (( الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ )) )([1]) (فـالرحمنُ الذي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، والرحيمُ الراحمُ لِعِبَادِهِ، ولهذا يقولُ تَعَالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]، {بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117].
ولمْ يَجِئْ رَحْمَانُ بِعِبَادِهِ، ولا رَحْمَانُ بالمؤمِنِينَ، معَ ما في اسمِ الرحمنِ الذي هوَ على وزنِ فَعْلان منْ سَعَةِ هذا الوصفِ، وثبوتِ جميعِ معناهُ الموصوفِ بهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُم يقولونَ: غَضْبَانُ، للمُمْتَلِئِ غَضَباً، وَنَدْمَانُ وَحَيْرَانُ وَسَكْرَانُ وَلَهْفَانُ لِمَنْ مُلِئَ بِذَلِكَ، فبناءُ فَعْلان للسَّعَةِ والشمولِ، ولهذا يَقْرِنُ اسْتِوَاءَهُ على العرشِ بهذا الاسمِ كثيراً، كقولِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 59]، فَاسْتَوَى على عرشِهِ باسمِ الرحمنِ؛ لأنَّ العرشَ مُحِيطٌ بالمخلوقاتِ قدْ وَسِعَهَا، والرحمةَ مُحيطةٌ بالخَلْقِ واسعةٌ لهم، كما قالَ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، فاسْتَوَى على أوسعِ المخلوقاتِ بأوسعِ الصِّفَاتِ، فلذلكَ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كلَّ شيءٍ.
وفي الصحيحِ منْ حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ، فَهُوَ عِنْدَهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي))، وفي لفظٍ: ((فَهُوَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ)).

فَتَأَمَّل اخْتِصَاصَ هذا الكتابِ بِذِكْرِ الرحمةِ، وَوَضْعَهُ عِنْدَهُ على العرشِ، وَطَابِقْ بينَ ذلكَ وبينَ قولِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] وقولِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 59]، يَنْفَتِحْ لكَ بابٌ عظيمٌ منْ معرفةِ الربِّ تَبَارَكَ وتَعَالَى، إنْ لمْ يُغْلِقْهُ عنكَ التعطيلُ والتَّجَهُّمُ)([2]) (وَ... انْظُرْ إلى ما في الوجودِ منْ آثارِ رَحْمَتِهِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، فَبِرَحْمَتِهِ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا كِتَابَهُ وَعَصَمَنَا مِن الجَهالةِ، وَهَدَانَا من الضلالةِ، وَبَصَّرَنَا من العَمَى، وَأَرْشَدَنَا مِن الغَيِّ، وبرحمتِهِ عَرَّفَنَا منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ ما عَرَّفَنَا بهِ أنَّهُ رَبُّنَا وَمَوْلانَا، وَبِرَحْمَتِهِ عَلَّمَنَا مَا لمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، وَأَرْشَدَنَا لِمَصَالِحِ دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَبِرَحْمَتِهِ أَطْلَعَ الشمسَ والقمرَ، وجعلَ الليلَ والنهارَ، وبَسَطَ الأرضَ، وَجَعَلَهَا مِهَاداً وَفِرَاشاً، وَقَرَاراً، وَكِفَاتاً للأحياءِ والأمواتِ، وَبِرَحْمَتِهِ أَنْشَأَ السحابَ وأَمْطَرَ المَطَرَ، وأَطْلَعَ الفواكِهَ والأقواتَ والمَرْعَى، ومِنْ رَحْمَتِهِ سَخَّرَ لنا الخيلَ والإبلَ والأنعامَ وَذلَّلَهَا مُنْقَادَةً للركوبِ والحمْلِ والأكلِ والدَّرِّ، وَبِرَحْمَتِهِ وَضَعَ الرحمةَ بينَ عبادِهِ لِيَتَرَاحَمُوا بها، وكذلكَ بَيْنَ سَائِرِ أنواعِ الحيوانِ.

فهذا التَّرَاحُمُ الذي بَيْنَهُم بعضُ آثارِ الرحمةِ التي هيَ صِفَتُهُ وَنِعْمَتُهُ، واشْتَقَّ لِنَفْسِهِ منها اسمَ الرحمنِ الرحيمِ، وَأَوْصَلَ إلى خلقِهِ مَعَانِيَ خِطَابِهِ بِرَحْمَتِهِ، وَبَصَّرَهُم وَمَكَّنَ لهم أسبابَ مَصَالِحِهِم بِرَحْمَتِهِ.

وَأَوْسَعُ المخلوقاتِ عَرْشُهُ، وَأَوْسَعُ الصِّفَاتِ رَحْمَتُهُ، فَاسْتَوَى على عرشِهِ الذي وَسِعَ المخلوقاتِ بِصِفَةِ رحمتِهِ التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وَلَمَّا اسْتَوَى على عرشِهِ بهذا الاسمِ الذي اشْتَقَّهُ منْ صِفَتِهِ وَتَسَمَّى بهِ دُونَ خَلْقِهِ، كَتَبَ بِمُقْتَضَاهُ على نفسِهِ يومَ استوائِهِ على عرشِهِ حينَ قَضَى الخلقَ كتاباً، فهوَ عندَهُ وَضَعَهُ على عرشِهِ: ((أنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ))، وكانَ هذا الكتابُ العظيمُ الشَّأْنِ كالعهدِ منهُ سبحانَهُ للخليقةِ كُلِّهَا بالرحمةِ لهم والعفوِ عنهم، والمَغْفِرَةِ والتَّجَاوُزِ والسَّتْرِ والإِمهالِ والحِلمِ والأناةِ، فكانَ قِيَامُ العالمِ العُلْوِيِّ والسفليِّ بِمَضْمُونِ هذا الكتابِ الذي لَوْلاهُ لكانَ للخلقِ شَأْنٌ آخرُ، وكانَ عنْ صِفَةِ الرحمةِ الجنةُ وَسُكَّانُها وَأَعْمَالُهُم، فَبِرَحْمَتِهِ خُلِقَتْ، وَبِرَحْمَتِهِ عَمَرَتْ بِأَهْلِهَا، وَبِرَحْمَتِهِ وَصَلُوا إليهِ، وَبِرَحْمَتِهِ طَابَ عَيْشُهُم فيها، وَبِرَحْمَتِهِ احْتَجَبَ عنْ خلقِهِ بالنورِ، ولوْ كَشَفَ ذلكَ الحِجَابَ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ما انْتَهَى إليهِ بصرُهُ منْ خلقِهِ، ومِنْ رحمتِهِ أنَّهُ يُعِيذُ مِنْ سَخَطِهِ بِرِضَاهُ، وَمِنْ عُقُوبَتِهِ بِعَفْوِهِ، وَمِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، ومِنْ رَحْمَتِهِ أنْ خَلَقَ للذَّكَرِ من الحيوانِ أُنْثَى مِنْ جِنْسِهِ، وأَلْقَى بينَهُمَا المَحَبَّةَ والرحمةَ لِيَقَعَ بينَهُمَا التواصلُ الذي بهِ دوامُ التناسلِ وانتفاعُ الزوجَيْنِ، ويُمَتِّعُ كلُّ واحدٍ منْهُمَا صَاحِبَهُ، ومِنْ رَحْمَتِهِ أَحْوَجَ الخلقَ بعضَهم إلى بعضٍ لِتَتِمَّ مَصَالِحُهُم، ولوْ أَغْنَى بَعْضَهم عنْ بعضٍ لَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُهُم وانْحَلَّ نِظَامُهُم. وكانَ منْ تَمَامِ رَحْمَتِهِ بهم أنْ جَعَلَ فيهم الغَنِيَّ والفَقِيرَ، والعزيزَ والذليلَ، والعاجزَ والقادرَ، والراعِيَ والمَرْعِيَّ، ثُمَّ أَفْقَرَ الجميعَ إليهِ، ثُمَّ عَمَّ الجميعَ برحمتِهِ.
ومنْ رحمتِهِ أنَّهُ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ منها طِباقُ ما بينَ السماءِ والأرضِ، فَأَنْزَلَ منها إلى الأرضِ رحمةً واحدةً نَشَرَهَا بينَ الخليقةِ لِيَتَرَاحَمُوا بها، فَبِهَا تَعْطِفُ الوالدةُ على وَلَدِهَا، والطيرُ والوَحْشُ والبهائمُ، وبهذهِ الرحمةِ قِوَامُ العالمِ ونظامُهُ.
وتَأَمَّلْ قولَهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن: 1-4]، كيفَ جَعَلَ الخلقَ والتعليمَ ناشِئاً عنْ صفةِ الرحمةِ مُتَعلِّقاً باسمِ الرحمنِ، وَجَعَلَ مَعَانِيَ السورةِ مُرْتَبِطَةً بهذا الاسمِ وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78]، فالاسمُ الذي تَبَارَكَ هوَ الاسمُ الذي افْتَتَحَ بهِ السورةَ؛ إذْ مَجِيءُ البركةِ كلِّهَا منهُ، وبهِ وُضِعَت البركةُ في كلِّ مُبَارَكٍ، فكلُّ ما ذُكِرَ عليهِ بُورِكَ فيهِ، وكلُّ ما أُخْلِيَ منهُ نُزِعَت منهُ البركةُ، فإنْ كانَ مُذَكًّى وَخَلِيَ منهُ اسمُهُ كانَ مَيْتَةً، وإنْ كانَ طَعَاماً شَارَكَ صاحبَهُ فيهِ الشيطانُ، وإنْ كانَ مَدْخَلاً دَخَلَ معهُ فيهِ، وإنْ كانَ حَدَثاً لم يُرْفَعْ عندَ كثيرٍ من العلماءِ، وإنْ كانَ صَلاةً لمْ تَصِحَّ عندَ كثيرٍ منهُم.

وَلَمَّا خَلَقَ سبحانَهُ الرَّحْمَةَ وَاشْتَقَّ لها اسْماً من اسمِهِ، فَأَرَادَ إِنْزَالَهَا إلى الأرضِ تَعَلَّقَتْ بهِ سبحانَهُ، فقالَ: مَهْ. فَقَالَتْ: هذا مقامُ العائِذِ بكَ من القطيعةِ، فقالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، وَأَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ ([3]) وهيَ مُتَعَلِّقَةٌ بالعرشِ لها حُجْنَةٌ كَحُجْنَةِ المِغْزَلِ ([4])، وكانَ تَعَلُّقُهَا بالعرشِ رحمةً منهُ بها، وَإِنْزَالُهَا إلى الأرضِ رحمةً منهُ بِخَلْقِهِ، وَلَمَّا عَلِمَ سبحانَهُ مَا تَلْقَاهُ منْ نُزُولِهَا إلى الأرضِ وَمُفَارَقَتِهَا لِمَا اشْتُقَّتْ مِنْهُ رَحِمَهَا بِتَعَلُّقِهَا بالعرشِ واتِّصَالِهَا بهِ، وقولُاهِ: ((أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟))

ولذلكَ كانَ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ لِقُرْبِهِ من الرَّحْمَنِ وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الرحمِ قدْ عَمَّرَ دُنْيَاهُ، وَاتَّسَعَتْ لهُ مَعِيشَتُهُ، وَبُورِكَ لهُ في عُمرِهِ، وَنُسِئَ لهُ في أثرِهِ، فإنْ وَصَلَ ما بَيْنَهُ وبينَ الرحمنِ جَلَّ جَلالُهُ معَ ذلكَ وما بَيْنَهُ وبينَ الخلقِ بالرحمةِ والإحسانِ تَمَّ لهُ أَمْرُ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، وإنْ قَطَعَ ما بَيْنَهُ وبينَ الرحمِ وما بينَهُ وبينَ الرحمنِ أَفْسَدَ عليهِ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَمَحَقَ بَرَكَةَ رَحْمَتِهِ ورزقِهِ وأَثَرِهِ، كَمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)) ([5]).

فالبَغْيُ مُعاملةُ الخلقِ بضدِّ الرحمةِ، وكذلكَ قطيعةُ الرحمِ، وإنَّ القومَ لَيَتَوَاصَلُونَ وَهُمْ فَجَرَةٌ، فَتَكْثُرُ أَمْوَالُهُم وَيَكْثُرُ عَدَدُهُم، وإنَّ القومَ لَيَتَقَاطَعُونَ، فَتَقِلُّ أَمْوَالُهُم، وَيَقِلُّ عَدَدُهُم، وذلكَ لكثرةِ نَصِيبِ هؤلاءِ من الرحمةِ وقِلَّةِ نصيبِ هؤلاءِ منها، وفي الحديثِ: ((إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ)) ([6]).

و إذا أَرَادَ اللهُ بأهلِ الأرضِ خيراً نَشَرَ عليهم أَثَراً منْ آثارِ اسمِهِ الرحمنِ فَعَمَّرَ بهِ البلادَ، وَأَحْيَا بهِ العِبَادَ، وإذا أَرَادَ بهم شَرًّا أَمْسَكَ عنهم ذلكَ الأثرَ، فَحَلَّ بهم من البلاءِ بِحَسَبِ ما أَمْسَكَ عنهم منْ آثارِ اسمِهِ الرحمنِ، ولهذا إذا أَرَادَ اللهُ سبحانَهُ أنْ يُخَرِّبَ هذهِ الدارَ وَيُقِيمَ القيامةَ أَمْسَكَ عنْ أهلِهَا أَثَرَ هذا الاسمِ وَقَبَضَهُ شَيْئاً فَشَيْئاً، حتَّى إذا جاءَ وَعْدُهُ قَبَضَ الرحمةَ التي أَنْزَلَهَا إلى الأرضِ، فَتَضَعُ لذلكَ الحواملُ ما في بُطُونِهَا، وَتَذْهَلُ المُرْضِعُ عنْ أَوْلادِهَا فَيُضِيفُ سبحانَهُ تلكَ الرحمةَ التي رَفَعَهَا وَقَبَضَهَا من الأرضِ إلى ما عِنْدَهُ من الرحمةِ، فَيُكَمِّلُ بها مِائَةَ رحمةٍ فَيَرْحَمُ بها أهلَ طاعتِهِ وتوحيدِهِ وتصديقِ رُسُلِهِ وَتَابِعِيهِم.

وأنتَ لوْ تَأَمَّلْتَ العَالَمَ بِعَيْنِ البصيرةِ لَرَأَيْتَهُ مُمْتَلِئاً بهذهِ الرحمةِ الواحدةِ كامْتِلاءِ البحرِ بمائِهِ والجوِّ بهوائِهِ، وما في خلالِهِ منْ ضِدِّ ذلكَ فهوَ مُقْتَضَى قولِهِ: ((سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي)). فَالْمَسْبُوقُ لا بُدَّ لاحِقٌ وإنْ أَبْطَأَ، وفيهِ حِكْمَةٌ لا تُنَاقِضُهَا الرحمةُ، فهوَ أَحْكَمُ الحاكِمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ([7])، (وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا)). ([8]) وَأَيْنَ تَقَعُ رَحْمَةُ الوالدةِ منْ رحمةِ اللهِ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؟

فإذا أَغْضَبَهُ العَبْدُ بِمَعْصِيَتِهِ فقد اسْتَدْعَى مِنْهُ صَرْفَ تلكَ الرحمةِ عنهُ. فإذا تَابَ إليهِ فَقَد اسْتَدْعَى منهُ ما هوَ أهلُهُ وَأَوْلَى بِهِ). ([9])

[فَصْلٌ]:
(اعْلَمْ أنَّ الرحمةَ... [المضافةَ] إلى اللهِ تَعَالَى نَوْعَانِ:
- أحدُهُمَا: مُضَافٌ إليهِ إضافةَ مفعولٍ إلى فاعلِهِ.
- والثاني: مُضَافٌ إليهِ إضافةَ صِفَةٍ إلى الموصوفِ بها.
فمِن الأوَّلِ: قَوْلُهُ في الحديثِ الصحيحِ: ((احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ...)) فَذَكَرَ الحديثَ، وفيهِ: ((فَقَالَ لِلْجَنَّةِ: إنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ)) ([10]). فهذهِ رحمةٌ مخلوقةٌ مُضَافَةٌ إليهِ إضافةَ المخلوقِ بالرحمةِ إلى الخالقِ تَعَالَى، وَسَمَّاهَا رَحْمَةً؛ لأَنَّهَا خُلِقَتْ بالرحمةِ وللرحمةِ، وَخَصَّ بها أهلَ الرحمةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا الرُّحَمَاءُ.

ومنهُ قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَلَقَ اللهُ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)) ([11]). وَمِنْهُ قولُهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} [هود: 9]، ومنهُ تَسْمِيَتُهُ تَعَالَى للمطرِ رحمةً بقولِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].

وعلى هذا فلا يَمْتَنِعُ الدعاءُ المشهورُ بينَ الناسِ قَدِيماً وَحَدِيثاً، وهوَ قولُ الداعِي: ((اللهُمَّ اجْمَعْنَا فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِكَ)). وَذَكَرَهُ البخاريُّ في كتابِ " الأدبِ المُفْرَدِ " ([12]) لهُ عنْ بعضِ السَّلَفِ، وَحَكَى فيهِ الكراهةَ، قالَ: إنَّ مُسْتَقَرَّ رَحْمَتِهِ ذَاتُهُ، وهذا بِنَاءً على أنَّ الرحمةَ صفةٌ.

وليسَ مُرَادُ الداعِي ذلكَ، بلْ مُرَادُهُ الرحمةُ المخلوقةُ التي هيَ الجنَّةُ، ولكنَّ الذينَ كَرِهُوا ذلكَ لهم نَظَرٌ دَقِيقٌ جِدًّا، وهوَ أنَّهُ إذا كانَ المرادُ بالرحمةِ الجنَّةَ نَفْسَهَا لمْ يَحْسُنْ إضافةُ المُسْتَقَرِّ إليها، ولهذا لا يَحْسُنُ أنْ يُقَالَ: اجْمَعْنَا فِي مُسْتَقَرِّ جَنَّتِكَ، فإنَّ الجنَّةَ نَفْسَهَا هيَ دارُ القَرارِ، وهيَ المُسْتَقَرُّ نفسُهُ كَمَا قالَ: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)} [الفرقان: 76]، فكيفَ يُضَافُ المُسْتَقَرُّ إِلَيْهَا، وَالمُسْتَقَرُّ هوَ المكانُ الذي يَسْتَقِرُّ فيهِ الشيءُ، ولا يَصِحُّ أنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي الجَمْعَ في المكانِ الذي تَسْتَقِرُّ فيهِ الجنَّةُ، فَتَأَمَّلْهُ؛ ولهذا قالَ: مُسْتَقَرُّ رَحْمَتِهِ ذَاتُهُ.

والصوابُ أنَّ هذا لا يَمْتَنِعُ، وحتَّى لوْ قالَ صَرِيحاً: ( اجْمَعْنَا فِي مُسْتَقَرِّ جَنَّتِكَ )لم يَمْتَنِعْ، وذلكَ أنَّ المُسْتَقَرَّ أَعَمُّ مِنْ أنْ يكونَ رَحْمَةً أَوْ عَذَاباً، فإذا أُضِيفَ إلى أَحَدِ أنواعِهِ أُضِيفَ إلى ما يُبَيِّنُهُ ويُمَيِّزُهُ منْ غيرِهِ، كأنَّهُ قِيلَ: في المُسْتَقَرِّ الذي هوَ رَحْمَتُكَ لا في المُسْتَقَرِّ الآخرِ، وَنَظِيرُ هذا أنْ يقولَ: اجْلِسْ في مُسْتَقَرِّ المَسْجِدِ، أي: المُسْتَقَرِّ الذي هوَ المسجدُ، والإضافةُ في مثلِ ذلكَ غيرُ مُمْتَنِعَةٍ ولا مُسْتَكْرَهَةٍ، وأيضاً فإنَّ الجنَّةَ وإنْ سُمِّيَتْ رَحْمَةً لمْ يَمْتَنِعْ أنْ يُسَمَّى ما فيها منْ أنواعِ النعيمِ رَحْمَةً، ولا رَيْبَ أنَّ مُسْتَقَرَّ ذلكَ النعيمِ هوَ الجنَّةُ، فالدَّاعِي يَطْلُبُ أنْ يَجْمَعَهُ اللهُ ومَنْ يُحِبُّ في المكانِ الذي تَسْتَقِرُّ فيهِ تلكَ الرحمةُ المخلوقةُ في الجنَّةِ، وهذا ظَاهِرٌ جِدًّا، فلا يَمْتَنِعُ الدعاءُ بوجهٍ، واللهُ أَعْلَمُ.

وهذا بِخِلافِ قَوْلِ الدَّاعِي: (( يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ))؛ فَإِنَّ الرحمةَ هُنَا صِفَتُهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى، وَهِيَ مُتَعَلَّقُ الاستغاثةِ، فإنَّهُ لا يُسْتَغَاثُ بمخلوقٍ، ولهذا كانَ هذا الدعاءُ منْ أَدْعِيَةِ الكَرْبِ، لِمَا تَضَمَّنَهُ من التوحيدِ والاستغاثةِ برحمةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، مُتَوَسِّلاً إليهِ بِاسْمَيْنِ عَلَيْهِمَا مَدَارُ الأسماءِ الحُسْنَى كُلِّهَا، وإليهما مَرْجِعُ مَعَانِيهَا جَمِيعِهَا، وهوَ اسمُ الحيِّ القيُّومِ؛ فإنَّ الحياةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لجميعِ صفاتِ الكمالِ، ولا يَتَخَلَّفُ عنها صِفَةٌ منها إلاَّ لِضَعْفِ الحياةِ، فإذا كانتْ حَيَاتُهُ تَعَالَى أَكْمَلَ حياةٍ وَأَتَمَّهَا اسْتَلْزَمَ إِثْبَاتُهَا إِثْبَاتَ كُلِّ كَمَالٍ يُضَادُّ نَفْيَ كمالِ الحياةِ.

وبهذا الطريقِ العَقْلِيِّ أَثْبَتَ مُتَكَلِّمُو أَهْلِ الإثباتِ لهُ تَعَالَى صِفَةَ السمعِ والبصرِ والعِلْمِ والإرادةِ والقدرةِ والكلامِ وسائرِ صفاتِ الكمالِ.

وأمَّا القيُّومُ فهوَ مُتَضَمِّنٌ كمالَ غِنَاهُ وكمالَ قُدْرَتِهِ، فإنَّهُ القَائِمُ بِنَفْسِهِ لا يَحْتَاجُ إلى مَنْ يُقِيمُهُ بِوَجْهٍ من الوجوهِ، وهذا مِنْ كمالِ غِنَاهُ بِنَفْسِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وهوَ المُقِيمُ لغيرِهِ، فلا قِيَامَ لِغَيْرِهِ إلاَّ بإقامتِهِ، وهذا منْ كمالِ قُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ.

فَانْتَظَمَ هذانِ الاسمانِ صِفَاتِ الكمالِ وَالغِنَى التامَّ والقدرةَ التامَّةَ، فَكَأَنَّ المُسْتَغِيثَ بِهِمَا مُسْتَغِيثٌ بكلِّ اسمٍ منْ أسماءِ الربِّ تَعَالَى، وبكلِّ صفةٍ منْ صفاتِهِ، فَمَا أَوْلَى الاستغاثةَ بِهَذَيْنِ الاسْمَيْنِ أنْ يَكُونَا في مَظِنَّةِ تَفْرِيجِ الكُرُبَاتِ، وَإِغَاثَةِ اللَّهَفاتِ، وَإِنَالَةِ الطَّلَباتِ.

والمقصودُ أنَّ الرحمةَ المُسْتَغَاثَ بها منْ صفةِ الربِّ تَعَالَى , لا شَيْءٌ منْ مخلوقاتِهِ، كما أنَّ المُسْتَعِيذَ بعِزَّتِهِ في قولِهِ: (( أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ )) مُسْتَعِيذٌ بعِزَّتِهِ التي هيَ صِفَتُهُ لا بِعِزَّتِهِ التي خَلَقَهَا يُعِزُّ بها عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ.

وهذا كُلُّهُ يُقَرِّرُ قولَ أهلِ السُّنَّةِ أنَّ قولَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ)) ([13]) يَدُلُّ على أنَّ كلماتِهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ؛ فَإِنَّهُ لا يُسْتَعَاذُ بِمَخْلُوقٍ.

وأمَّا قولُهُ تَعَالَى حكايَةً عنْ ملائكتِهِ: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]، فهذهِ رحمةُ الصِّفَةِ التي وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]. وَسَعَتُهَا: عُمُومُ تَعَلُّقِهَا بِكُلِّ شيءٍ، كما أنَّ سَعَةَ عِلْمِهِ تَعَالى عُمُومُ تعَلُّقِهِ بِكُلِّ مَعْلُومٍ)([14]).

[فَصْلٌ]:
(وَمِمَّا يَنْبَغِي أنْ يُعْلَمَ: أنَّ الرحمةَ صِفَةٌ تَقْتَضِي إِيصَالَ المنافعِ والمصالحِ إلى العبدِ، وإنْ كَرِهَتْهَا نَفْسُهُ، وَشَقَّتْ عليها، فهذهِ هيَ الرَّحمةُ الحقيقيَّةُ. فَأَرْحَمُ الناسِ بكَ مَنْ شَقَّ عليكَ في إيصالِ مَصَالِحِكَ، وَدَفْعِ المَضَارِّ عَنْكَ.

فَمِنْ رَحْمَةِ الأَبِ بِوَلَدِهِ: أنْ يُكْرِهَهُ على التَّأَدُّبِ بالعلمِ والعملِ، وَيَشُقَّ عليهِ في ذلكَ بالضَّرْبِ وغيرِهِ، وَيَمْنَعَهُ شَهَوَاتِهِ التي تَعُودُ بِضَرَرِهِ، ومتَى أَهْمَلَ ذلكَ مِنْ وَلَدِهِ كَانَ لِقلَّةِ رَحْمَتِهِ بهِ، وإنْ ظَنَّ أنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيُرَفِّهُهُ وَيُرِيحُهُ، فهذهِ رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِجَهْلٍ، كَرَحْمَةِ الأمِّ.

ولهذا كانَ مِنْ تَمَامِ رحمةِ أرحمِ الراحمِينَ: تَسْلِيطُ أنواعِ البلاءِ على العبدِ، فإنَّهُ أَعْلَمُ بِمَصْلَحَتِهِ، فَابْتِلاؤُهُ لهُ وَامْتِحَانُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ كثيرٍ منْ أغراضِهِ وشهواتِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ بهِ، لكنَّ العبدَ لِجَهْلِهِ وَظُلْمِهِ يَتَّهِمُ رَبَّهُ بِابْتِلائِهِ، ولا يَعْلَمُ إحْسَانَهُ إليهِ بابْتِلائِهِ وَامْتِحَانِهِ.

وقدْ جاءَ في الأثرِ: " إنَّ المُبْتَلَى إِذَا دُعِيَ لَهُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: كَيْفَ أَرْحَمُهُ مِنْ شَيْءٍ بِهِ أَرْحَمُهُ؟ " ([15]). وَفِي أثرٍ آخرَ: " إنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدَهُ حَمَاهُ الدُّنْيَا وَطَيِّبَاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ مَرِيضَهُ " ([16]).
فهذا منْ تمامِ رحمتِهِ بهِ، لا مِنْ بُخْلِهِ عليهِ. كيفَ وهوَ الجَوَادُ المَاجِدُ، الذي لهُ الجُودُ كُلُّهُ، وَجُودُ الخلائقِ في جَنْبِ جُودِهِ أَقلُّ مِنْ ذَرَّةٍ في جِبَالِ الدنيا ورِمَالِهَا؟!

فمِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ: ابْتِلاؤُهُم بالأوامرِ والنَّواهِي رحمَةً وحِمْيَةً، لا حاجةً منهُ إليهم بما أَمَرَهُم بهِ، فهوَ الغنيُّ الحميدُ، ولا بُخْلاً منهُ عَلَيهم بما نَهَاهُم عنهُ، فهوَ الجَوَادُ الكَرِيمُ.
ومِنْ رَحْمَتِهِ: أنْ نَغَّصَ عليهم الدُّنْيَا وَكَدَّرَهَا ؛ لِئَلاَّ يَسْكُنُوا إِلَيْهَا، ولا يَطْمَئِنُّوا إليها، وَيَرْغَبُوا في النَّعِيمِ المُقِيمِ في دَارِهِ وَجِوَارِهِ، فَسَاقَهُم إلى ذلكَ بِسياطِ الابتلاءِ والامتحانِ، فمَنَعَهُمْ لِيُعْطِيَهُم، وَابْتَلاهُم لِيُعَافِيَهُم، وَأَمَاتَهُم لِيُحْييَهُمْ.

ومِنْ رَحْمَتِهِ بهمْ: أنْ حَذَّرَهُم نَفْسَهُ؛ لِئَلاَّ يَغْتَرُّوا بهِ، فَيُعَامِلُوهُ بِمَا لا تَحْسُنُ مُعَامَلَتُهُ بهِ كما قالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)} [آل عمرانَ:30].
قالَ غيرُ واحدٍ من السلفِ: مِنْ رَأْفَتِهِ بالعِبَادِ: حَذَّرَهُم منْ نَفْسِهِ؛ لِئَلاَّ يَغْتَرُّوا بهِ.

وَلَمَّا كَانَ تَمَامُ النِّعْمَةِ على العبدِ إِنَّمَا هوَ بالهُدَى والرَّحْمَةِ، كانَ لَهُمَا ضِدَّانِ: الضلالُ والغَضَبُ؛ فَأَمَرَنَا اللهُ أنْ نَسْأَلَهُ كلَّ يومٍ وليلةٍ مَرَّاتٍ عديدةً أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَ الذينَ أَنْعَمَ عليهم، وهمْ أُولُو الهُدَى والرحمةِ، ويُجَنِّبَنَا طَرِيقَ المغضوبِ عليهم، وهمْ ضِدُّ المَرْحُومِينَ، وطريقَ الضَّالِّينَ، وهمْ ضِدُّ المُهْتَدِينَ. ولهذا كانَ هذا الدعاءُ منْ أَجْمَعِ الدعاءِ وَأَفْضَلِهِ وَأَوْجَبِهِ، وَباللهِ التوفيقُ)([17]).

فائدةٌ:
استَبْعَدَ قومٌ أنْ يكونَ الرحمنُ نَعْتاً للهِ منْ قَوْلِنَا: (( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ))، وقالُوا: (( الرَّحْمَنُ )) عَلَمٌ، والأعلامُ لا يُنْعَتُ بها، ثُمَّ قالوا: هُوَ بَدَلٌ من اسمِ اللهِ.

قالوا: وَيَدُلُّ على هذا أنَّ الرحمنَ عَلَمٌ مُخْتَصٌّ باللهِ لا يُشَارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ، فليسَ هوَ كالصِّفَاتِ التي هيَ كالعليمِ والقديرِ والسميعِ والبصيرِ، ولهذا تَجْرِي على غيرِهِ تَعَالَى.
قالوا: وَيَدُلُّ عليهِ أيضاً وُرُودُهُ في القرآنِ غيرَ تابعٍ لِمَا قَبْلَهُ كَقَوْلِـهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]، {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)} [الرحمن: 1-2]، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} [الملك: 20]، وهذا شأنُ الأسماءِ المحضَةِ؛ لأنَّ الصِّفَاتِ لا يُقْتَصَرُ على ذِكْرِهَا دُونَ المَوْصُوفِ.

قالَ السُّهَيْلِيُّ: والبَدَلُ عِنْدِي فيهِ مُمْتَنِعٌ، وكذلكَ عَطْفُ البيانِ؛ لأنَّ الأوَّلَ ([18]) لا يَفْتَقِرُ إلى تَبْيِينٍ، فَإِنَّهُ أَعْرَفُ المَعَارِفِ كُلِّهَا وَأَبْيَنُهَا، ولهذا قالُوا: {وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 60]، ولمْ يَقُولُوا: " وَمَا اللهُ "، ولكنَّهُ وَإِنْ جَرَى مَجْرَى الأعلامِ فهوَ وَصْفٌ يُرَادُ بهِ الثناءُ، وكذلكَ الرحيمُ، إلاَّ أَنَّ الرحمنَ منْ أَبْنِيَةِ المبالغةِ كَغَضْبَانَ وَنَحْوِهِ، وإنَّمَا دَخَلَهُ مَعْنَى المبالغةِ مِنْ حيثُ كانَ في آخرِهِ ألفٌ ونونٌ كَالتَّثْنِيَةِ؛ فإنَّ التثنيَةَ في الحقيقةِ تَضْعِيفٌ، وكذلكَ هذهِ الصفةُ فَكَأَنَّ غَضْبَانَ وَسَكْرَانَ حَامِلٌ لِضِعْفَيْنِ مِنَ الغَضَبِ والسُّكْرِ، فكانَ اللَّفظُ مُضَارِعَاً للفظِ التَّثْنِيَةِ؛ لأنَّ التثنيَةَ ضِعْفَانِ في الحقيقةِ، أَلاَ تَرَى أنَّهم أَيْضاً قدْ شَبَّهُوا التَّثْنِيَةَ بهذا البناءِ إذا كَانَتْ لِشَيْئَيْنِ مُتَلازِمَيْنِ، فقالوا: الحَكَمَانِ والعَلَمَانِ، وَأَعْرَبُوا النُّونَ كأنَّهُ اسمٌ لشيءٍ واحدٍ، فقالُوا: اشْتَرَكَ بَابُ فَعْلانَ وَبَابُ التَّثْنِيَةِ، ومنهُ قولُ فاطمةَ: يا حَسَنَانُ، يا حُسَيْنَانُ بِرَفْعِ النُّونِ لابْنَيْهَا. وَلِمُضَارَعَةِ التَّثْنِيَةِ امْتَنَعَ جَمْعُهُ فلا يُقَالُ: غَضَّابِينَ، وَامْتَنَعَ تَأْنِيثُهُ فَلا يُقَالُ: غَضْبَانَةٌ، وَامْتَنَعَ تَنْوِينُهُ كَمَا لا يُنَوَّنُ نُونَ المُثَنَّى؛ فَجَرَتْ عليهِ كثيرٌ منْ أحكامِ التثنيَةِ لمضارَعَتِهِ إِيَّاهَا لَفْظاً وَمَعْنًى.

وفائدةُ الجمعِ بينَ الصِّفَتَيْنِ (( الرحمنِ والرحيمِ )) الإنْبَاءُ عنْ رحمةٍ عاجلةٍ وَآجِلَةٍ وَخَاصَّةٍ وَعَامَّةٍ. تَمَّ كَلامُهُ.

قُلْتُ: أسماءُ الربِّ تَعَالَى هيَ أسماءٌ وَنُعُوتٌ، فإنَّها دالَّةٌ على صفاتِ كمالِهِ، فلا تَنَافِيَ فيها بينَ العَلَمِيَّةِ والوصفيَّةِ، فالرحمنُ اسمُهُ تَعَالَى وَوَصْفُهُ، لا تُنَافِي اسْمِيَّتُهُ وَصْفِيَّتَهُ، فمِنْ حَيْثُ هوَ صِفَةٌ جَرَى تَابِعاً على اسمِ اللهِ، ومِنْ حَيْثُ هوَ اسمٌ وَرَدَ في القرآنِ غيرَ تَابِعٍ، بلْ وُرُودَ الاسمِ العَلَمِ.

وَلَمَّا كَانَ هذا الاسمُ مُخْتَصًّا بهِ تَعَالَى حَسُنَ مَجِيئُهُ مُنْفَرِداً غيرَ تابِعٍ كَمَجِيءِ اسمِ ((اللهِ)) كذلكَ، وهذا لا يُنَافِي دَلالَتَهُ على صفةِ الرحمنِ كاسمِ اللهِ، فإنَّهُ دالٌّ على صفةِ الأُلوهيَّةِ ولم يَجِئْ قَطُّ تَابِعاً لِغَيْرِهِ بَلْ مَتْبُوعاً، وهذا بخلافِ العليمِ والقديرِ والسميعِ والبصيرِ ونحوِهَا، ولهذا لا تَجِيءُ هذهِ مُفْرَدَةً بلْ تَابِعَةً.

فتَأَمَّلْ هذهِ النُّكْتَةَ البديعةَ يَظْهَرْ لكَ بها أنَّ (( الرحمنَ )) اسمٌ وصِفَةٌ لا يُنَافِي أَحَدُهُمَا الآخرَ، وجاءَ اسْتِعْمَالُ القرآنِ بالأَمْرَيْنِ جَمِيعاً.
* * *
وأمَّا الجمعُ بَيْنَ (( الرحمنِ الرحيمِ )) ففيهِ مَعْنًى هوَ أحسنُ من المعنيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا، وهوَ أنَّ (( الرحمنَ )) دَالٌّ على الصفةِ القائمةِ بهِ سبحانَهُ، و (( الرحيمَ )) دَالٌّ على تَعَلُّقِهَا بالمرحومِ، فكانَ الأوَّلُ للوصفِ، والثاني للفعلِ.
- فالأوَّلُ دالٌّ على أنَّ الرحمةَ صِفَتُهُ.
- والثاني دَالٌّ على أنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ.
وإذا أَرَدْتَ فَهْمَ هذا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117]. ولمْ يَجِئْ قَطُّ رَحْمَنُ بِهِمْ، فَعُلِمَ أنَّ " رَحْمَن " هوَ الموصوفُ بالرحمةِ و " رَحِيم " هوَ الراحمُ بِرَحْمَتِهِ.

وهذهِ نُكْتَةٌ لا تَكَادُ تَجِدُهَا في كتابٍ وإنْ تَنَفَّسَتْ عِنْدَهَا مِرْآةُ قَلْبِكَ لمْ تَنْجَلِ لَكَ صُورَتُهَا)([19]) *
). [المرتبع الأسنى: ؟؟]


([1]) مُخْتَصَرُ الصواعقِ المرسَلَةِ (300).
([2]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/56-57).
([3]) إشارةٌ إلى حديثِ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنه، وقد رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (8167)، والبُخَارِيُّ في كتابِ تفسيرِ القرآنِ / بابُ "وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ" (4832) ومواضعَ أُخَرَ، ومسلمٌ في كتابِ البِرِّ والصلةِ / بابُ صِلةِ الرَّحِمِ (6465).
([4]) قال الإمامُ أحمدُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى - في مُسْنَدِهِ (6735): حدَّثنا بَهْزُ وعَفَّانُ، قالاَ: حدَّثَنا حمادُ بنُ سَلَمَة، أَخْبَرَنا قَتادَةُ، عن أَبِي ثُمَامَةَ الثَّقَفِيِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((تُوضَعُ الرَّحِمُ يومَ القيامةِ لها حُجْنَةٌ كَحُجْنَةِ المِغْزَلِ، تَكَلِّمُ بِلِسَانٍ طَلْقٍ ذَلْقٍ، فتَصِلُ مَنْ وَصَلَها وتَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا)). وفيه قَتادَةُ يُدَلِّسُ وقَد عَنْعَنَ، وأبو ثُمامَةَ الثَّقَفِيُّ لا تُعْلَمُ حَالُه، وقد ذَكرَهُ ابنُ حِبَّانَ في الثقاتِ كعَادَتِه.
والحديثُ صحَّحَ إِسنادَهُ الشيخُ أَحْمَدُ شاكر (11/45) . واللهُ تعالى أَعْلَمُ.
([5]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (19861) والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ صفةِ القيامةِ والرقائقِ والوَرَعِ / بابُ (57) الحديثُ (2511) وأبو داودَ في كتابِ الأدبِ / بابٌ في النهيِ عن البَغْيِ (4892) وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الزهدِ / بابُ البغيِ (4211) كُلُّهُمْ مِن حديثِ عُيَيْنَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ جَوْشَنٍ، عن أبيهِ، عن أبي بَكْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ مرفوعًا.
(6) أخرَجَهُ القُضاعِيُّ في مُسندِ الشِّهابِ (1/93) برَقْمِ (100) من حديثِ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: "صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمُرِ، وصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ".
وفي سَنَدِهِ أَحْمَدُ بنُ نَصْرِ بنِ حَمَّادٍ، قالَ فيه الذَّهَبِيُّ: "رَوَى حديثًا مُنكَرًا جدًّا ".
ورَمَّزَ له السُّيُوطِيُّ بالصحةِ في الجامعِ الصغيرِ (فيضُ القديرِ (4/196) برَقْمِ (5002)).
وأَخرَجَه الطَّبَرانِيُّ في المُعجمِ الأوسطِ (1/513) برَقْمِ (947) من طريقِ الأصبَغِ عَنْ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، قال: ((إِنَّ صَدقةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الربِّ، وإنَّ صَنائِعَ المَعْرُوفِ تَقِي مَصارِعَ السُّوءِ، وإنَّ صِلةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمرِ وتَقِي الفَقْرَ)). قال الهَيْثَمِيُّ في مَجْمَعِ الزَّوائدِ (8/194): وفيه "أَصْبَغُ" غيرُ معروفٍ، وبقيةُ رِجالِهِ وُثِّقوا وفيهِم خلافٌ.
وفي البابِ حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ وهو في الصحيحِ.
([7]) مُخْتَصَرُ الصواعقِ المرسَلَةِ (303-305)
([8]) رواه البُخَارِيُّ في كتابِ الأدبِ / بابُ رَحمةِ الولَدِ (5999) ومسلمٌ في كتابِ التوبةِ / بابٌ في سَعةِ رَحمةِ اللهِ تعالَى (6912) من حديثِ عُمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه.
([9]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/230)
([10]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (27381، 27224) والبُخَارِيُّ في كتابِ تفسيرِ القرآنِ / بابُ قولِ اللهِ تعالَى: "وَتَقُـولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ" (4850) ومسلمٌ في كتابِ صفةِ الجنةِ / بابٌ النارُ يَدْخُلُها الجَبَّارونَ والجَنَّةُ يَدْخُلُهَا الضُّعَفَاءُ (7104) والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ صفةِ الجنةِ / بابُ ما جاءَ في احتجاجِ الجنةِ والنارِ (2561) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
([11]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (8210) والبُخَارِيُّ في كتابِ الرِّقاقِ / بابُ الرجاءِ والخوفِ (6469) ومسلمٌ في كتابِ التوبةِ / بابٌ في سَعةِ رحمةِ اللهِ تعالَى (6908) والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ التوبةِ / بابٌ خَلَقَ اللهُ مِائَةَ رَحْمَةٍ (3541) وابْنُ مَاجَهْ في كتابِ الزهدِ / بابُ ما يُرجَى من رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ (4293) من حديثِ أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنهُ.
(12) الأدبُ المُفرَدُ (1/269) بابُ مَنْ كَرِهَ أن يُقالَ: " اللهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِكَ" برَقْمِ (768)، قال: حدَّثَنا مُوسَى بنُ إِسماعِيلَ، قالَ: حدَّثَنا أبو الحارثِ الكِرْمَانِيُّ، قال: سَمِعتُ رَجُلاً قالَ لأبي رَجاءٍ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ السلامَ، وأَسْأَلُ اللهَ أن يَجمعَ بَينِي وبَينَكَ في مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ.
قالَ: وهَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ ذلكَ؟ قالَ: فَمَا مُسْتَقَرُّ رَحْمَتِهِ؟
قال: الجنةُ.
قالَ: لَمْ تُصِبْ.
قال: فما مُسْتَقَرُّ رَحْمَتِهِ؟
قالَ: رَبُّ العَالَمِينَ".
(13) أخرَجَهُ الإمـامُ أحمدُ (6/377) برَقْمِ (27166) ومسلمٌ في كتابِ الذكـرِ والدعاءِ/ بابٌ في التعـوُّذِ مِن سُوءِ القَضـاءِ (2708)، والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الدَّعَوَاتِ/ بابُ ما جاءَ ما يقولُ إذا نَزَلَ مَنْزِلاً (5/496)، وابنُ خُزَيْمَةَ (4/150) برَقْمِ (2566)، والدارِمِيُّ (2/375) برَقْمِ (2680) من حديثِ خَوْلَةَ بنتِ حكيمٍ السُّلَمِيَّةِ رضيَ اللهُ عنها: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ يقولُ: "مَنْ نَزَلَ مَنْـزِلاً ثم قالَ: أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التاماتِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلِهِ ذَلِكَ". لفظُ مُسْلِمٍ.
([14]) بَدَائِعُ الفوائدِ (2/183-185)
([15]) ذكرَهُ الإمامُ أَحْمَدُ فِي كِتابِ العِلَلِ (2/322) برقْمِ (2427) قالَ: بَلَغَنِي عن سَلاَّمِ بنِ أَبِي مُطِيعٍ، أنه كانَ يَقُولُ: كَيفَ أَرْحَمُهُ مِمَّا بهِ أَرْحَمُهُ.
([16]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (23111) والتِّرْمِذِيُّ في كتابِ الطبِّ / بابُ ما جاءَ في الحِمْيَةِ (2036) بلفظٍ مقاربٍ دونَ قولِه: " وَطَيِّبَاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا " من حديثِ قتادةَ بنِ النُّعمانِ رضيَ اللهُ عنه.
([17]) إغاثةُ اللهفانِ (2/252-254)
([18]) يُرِيدُ لفظَ الجلالةِ (اللهَ) في قولِ: (بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ).
([19]) بَدَائِعُ الفوائدِ (1/23 -24).


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 10:47 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح ابن القيم (ت:751هـ) [الشرح المختصر]

قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى:
({الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ}:
(مِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى: " الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ " ) ([18]) (فالرَّحْمَنُ: الذي الرَّحْمَةُ وَصْفُهُ، والرَّحِيمُ: الرَّاحِمُ لعِبَادِه) ([19])؛ (فَالرَّحْمَنُ: دَالٌّ على الصِّفَةِ القَائِمَةِ بهِ سُبْحَانَهُ، والرَّحِيمُ: دَالٌّ على تَعَلُّقِها بالمَرْحُومِ؛ فكَانَ الأوَّلُ للوَصْفِ، والثَّانِي للفِعْلِ.
فالأَوَّلُ دَالٌّ على أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَتُهُ، والثَّانِي دَالٌّ على أَنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ؛ وإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هذا فتأمَّلْ قولـَهُ:
{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117] وَلَمْ يَجِئْ قَطُّ: رَحْمَنُ بِهِمْ، فعُلِمَ أَنَّ “ رَحْمَنُ “ هوَ المُوصُوفُ بالرَّحْمَةِ، و“ رَحِيمٌ “ هوَ الرَّاحِمُ برَحْمَتِهِ)([20]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]


([18]) مُختصَرُ الصواعقِ المُرسَلةِ (300)
([19]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/56)
(20) بَدَائِعُ الفوائدِ (1/24).


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 10:47 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح أبي إسحاق الزجاج (ت: 311هـ)

قالَ أبو إسحاق إِبراهيمُ بنُ السَّرِيِّ الزجَّاجُ (ت:311هـ):
(فأما (الرحمن والرحيم)

فهما اسمان رقيقان وأحدهما أرق من الآخر.
الرحمن يختص بالله سبحانه وتعالى ولا يجوز إطلاقه في غيره.
وقال بعض أهل التفسير الرحمن الذي رحم كافة خلقه بأن خلقهم وأوسع عليهم في رزقهم.
والرحيم خاص في رحمته لعباده المؤمنين بأن هداهم إلى الإيمان وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لا ينقطع.
وقد قالوا رحمان اليمامة وإنما قيل له ذلك على جهة الاستهزاء به والتهكم.
فأما الفائدة في إعادة هاتين اللفطتين مع الاشتقاق واللفظ واحد فهي لما ذكرناه من تزايد معنى فعلان في رحمان وعمومه في الخلق كلهم ألا ترى أن بناء فعلان إنما هو لمبالغة الوصف.
يقال فلان غضبان وإناء ملآن وإنما هو للممتلى غضبا وماء فلهذا حسن الجمع بينهما.
وفيه وجه آخر وهو أنه إنما حسن ذلك لما في التأكيد من التكرير.
وقد جاء مثله في القرآن قال الله عز اسمه: {فغشيهم من اليم ما غشيهم} ولو قال: فغشيهم ما غشي لكان الكلام مستقيما.
وكذلك قولهم المال بيني وبين زيد وبين زيد وبين عمرو ولو قال بين زيد وعمرو لكان مفهوما وقال بين الأشج وبين قيس باذخ بخ بخ لوالده وللمولود.
وقالوا في الكلام هو جاد مجد ومثله كثير
). [تفسير أسماء الله الحسنى:؟؟]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 10:54 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ):
(الرحمن الرحيم

صفتان لله عز وجل مشتقتان من الرحمة، فالرحمن فعلان، والرحيم فعيل.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قد يبنون الكلمتين من أصل واحد لمعنى واحد للمبالغة وهما بمنزلة نديم، وندمان. يذهب إلى أن معناهما واحد كما أن معنى النديم والندمان عنده واحد. وأنشد:
وندمان يزيد الكأس طيبًا = سقيت وقد تغورت النجوم
وقال آخر:
رب ندمان كريم جده = ماجد الجدين من فرعي مضر
قد سقيت الخمر حتى هرها = وتغشته سمادير السكر
وقال حسان:
لا أخدش الخدش بالجليس ولا = يخشى نديمي إذا انتشيت يدي
وقال أيضًا:
أهوى حديث الندمان في غلس = الصبح وصوت المسامر الغرد
فالندمان والنديم سواء وكذلك الرحمن والرحيم عند أبي عبيدة.
وروي عن ابن عباس: أنه قال: الرحمن: ذو الرحمة، والرحيم: الراحم.
وقيل: إنه قال: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، والرحمن اسم خاص، والرحيم اسم عام، فلذلك قدم الرحمن على الرحيم فقيل: بسم الله الرحمن الرحيم، ولذلك أيضًا قيل: رجل رحيم، ولم يقل: رحمن.
وذكر بعضهم أنه لا يجوز أن يجمع الرحمن بالرحيم إلا لله عز وجل، وإنه جائز أن يقال: «رجل رحمن» كما قيل: «رجل رحيم»، وأكثر العلماء على القول الأول وهو الصواب لأن «فعلان» أشد مبالغة من «فعيل»، كما يقال: غضبان للمتلئ غضبًا وعطشان للمتلئ عطشًا، وكذلك الرحمن: ذو النهاية في الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء. وكل اسم كان [عن] طريقة الفعل أشد انعدالاً كان في المدح أبلغ، فرحمن أشد انعدالاً عن طريقة الفعل من رحيم فلذلك كان أبلغ في المدح.
وسيبويه يرى إعمال «فعيل» كما يعمل اسم الفاعل، فهذا يدلك على ما ذكرت لك، فيجيز: «هذا رجل ضريب زيدًا» كما تقول: «ضارب زيدًا».
وخالفه أصحابه في ذلك وقالوا: إن «فعيلاً» اسم الفاعل من الفعل الذي لا يتعدى نحو ظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف. قالوا: فإذا بني من الفعل المتعدي هذا البناء فقد عدل عن طريقة التعدي فسبيله ألا يتعدى. والأمثلة التي تعمل عمل اسم الفاعل عند سيبويه: فعول، وفعال، ومفعال، وفعل، وفعيل كقولك: «هذا رجل ضروب زيدًا»، «وضراب زيدًا»، «وضرب زيدًا»، «وضريب زيدًا» كل ذلك عنده جائز، ويجيز تقديم المنصوب بها وتأخيره، فأما «فعول» «وفعال» «ومفعال» فقد وافقه أصحابه أيضًا على تعديها، وجاءت لها شواهد من الشعر ومنثور كلام العرب. وأما «فعيل» فخالفه في تعديها جميع أصحابه، ولم يأت له سيبويه بشاهد من الشعر، ولا غيره إلا بيتا خولف فيه، وسأذكره لك. وأما «فعل» فقد وافقه على تعديه بعض أصحابه، وأنشد سيبويه شاهدًا له:
حذر أمورًا لا تضير وآمن = ما ليس منجيه من الأقدار
فقال المخالفون له: هذا بيت مولد ليس بقديم.
وأنشد أيضًا:
حتى شآها كليل موهنا عمل = باتت طرابا وبات الليل لم ينم
فقال: هذا شاهد لتعدي «فعيل» لأنه قد نصب موهنا بكليل. فقال أصحابه: موهن منصوب على الظرفية. وأما الفراء، فلا ينصب بشيء من هذه الأمثلة، ويرى أن المنصوب بعدها إنما هو بإضمار فعل.
قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد رحمه الله -: الرحمة من العباد تحنن ورقة على المرحوم وهي من الله عز وجل إنعام وإفضال على العباد. قال: لأن الأفعال تتصل بالله عز وجل خلاف اتصالها بالآدميين ألا ترى أنا نقول: «علم زيد»، كما نقول: «علم الله»، وزيد علم بالاكتساب بعد أن كان جاهلاً، ويجوز أن يجهل بعد أن علم، والله عز وجل يتعالى عن ذلك وكذلك ما أشبهه، وكذلك وسعت رحمته كل شيء: أي إنعامه وإفضاله.
والقول في هذا عندي والله أعلم أن من رحم من الآدميين غيره فتحنن عليه، ورق له فعل به ما يصلح شأنه، وأفضل عليه، وأزال عنه أذى إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، والله عز وجل يفعل بمن رحمه من عباده من الفضل، والإنعام، وإصلاح شأنه مثل ذلك وإن كانت الرحمة منه جل اسمه بغير ضعف ولا رقة تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
وكان بعض النحويين يذهب إلى أن الرحمن معرب وليس بعربي محض، وذكر أبو بكر بن الأنباري أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبًا كان يذهب إلى ذلك، ولم ينعم الذاهب إلى هذا المذهب النظر، لأن الرحمن معروف الاشتقاق والتصريف في كلام العرب، والأعجمي لا معنى له في كلام العرب، ولا تصريف.
وأنشد أهل اللغة هذا البيت وزعموا أنه جاهلي:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها = ألا قضب الرحمن ربي يمينها
وقال آخر:
.................... = وما يشاء الرحمن يعقد ويطلق
وإنما ذهب ثعلب ومن قال بقوله إلى قول جرير:
لن تبلغوا المجد أو تشروا حياتكم = بالعز أو تجعلوا اليغبوث ضمرانا
أو تتركون إلى القسين هجرتكم = ومسحكم صلبهم رحمن قربانا
وإنما هجا جرير بهذا الأخطل فعيره وقومه بالنصرانية فحكى كلامهم). [اشتقاق أسماء الله: 38-43]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 10:59 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح أبي سليمان الخطابي (ت:388هـ)

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (
2- الرحمن الرحيم: اختلف الناس في تفسير الرحمن، ومعناه، وهل هو مشتق من الرحمة، أم لا؟ فذهب بعضهم إلى أنه غير مشتق، واحتج بأنه لو كان مشتقًا من الرحمة لاتصل بذكر المرحوم، فجاز أن يقال: الله رحمان بعباده. كما يقال: رحيم بعباده.
فلما لم يستقم صلته بذكر المرحوم، دل على أنه غير مشتق من الرحمة. وقال: لو كان هذا الاسم مشتقًا من الرحمة، لم تنكره العرب حين سمعوه! إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم. وقد حكى الله عنهم الإنكار له والنفور عنه في قوله: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن. قالوا: وما الرحمن} [الفرقان: 60]. وزعم بعضهم: أنه اسم عبراني [وذهب الجمهور من الناس إلى أنه اسم مشتق من الرحمة مبني على المبالغة. ومعناه: ذو الرحمة. الذي لا نظير له فيها، ولذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى الرحيم ويجمع].
وبناء فعلان في كلامهم بناء المبالغة، يقال لشديد الامتلاء: ملآن، ولشديد الشبع: شبعان. ويدل على صحة مذهب الاشتقاق في هذا الاسم.
حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه-: حدثناه: أحمد بن عبد الحكيم الكريزي، وعبد الله بن شاذان الكرانين قالا: حدثنا: محمد بن يحيى بن المنذر القزاز، قال: حدثنا: حجاج بن منهال، قال: حدثنا: حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: أن أباه عاد أبا الرداد، فقال له أبو الرداد: ما أحد من قومي أوصل لي منك. قال
عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه: «أنا الرحمن وهي الرحم، شققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ثم أبته» اللفظ للكريزي، فالرحمن: ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم، وأسباب معاشهم، ومصالحهم، وعمت المؤمن، والكافر، والصالح والطالح.
وأما الرحيم: فخاص للمؤمنين، كقوله تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما} [الأحزاب: 43]، وقد سمى الله جل وعز الرزق، والمعاش في كتابه: رحمة، فقال: {أهم يقسمون رحمة ربك، نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} [الزخرف: 32].وقال: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء: 100]. وكقوله جل جلاله:{وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها، فقل لهم قولاً ميسورا} [الإسراء: 28].والرحيم، وزنه: فعيل، بمعنى فاعل. أي: راحم. وبناء فعيل أيضًا للمبالغة. كعالم، وعليم، وقادر، وقدير. وكان أبو عبيدة يقول: تقدير هذين الاسمين، تقدير: ندمان، ونديم، من المنادمة.
[وجاء في الأثر: «أنهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر».وهذا مشكل، لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله سبحانه ] ومعنى الرقيق هاهنا: اللطيف. يقول: أحدهما ألطف من الآخر، ومعنى اللطف في هذا: الغموض دون الصغر الذي هو نعت في الأجسام.
ويقال: إن الرحمن خاص في التسمية، عام في المعنى. والرحيم: عام في التسمية، خاص في المعنى). [شأن الدعاء: 35-38]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24 شعبان 1438هـ/20-05-2017م, 11:02 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح الحافظ ابن مَندَه (ت:395هـ)

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (
ومن أسماء الله عزّ وجلّ الرّحمن الرّحيم.

قال أهل التّأويل: هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر، فقوله الرّحمن يجمع كلّ معاني الرّحمة من الرّأفة والشّفقة والحنان واللّطف والعطف قال عبد الله بن عبّاسٍ: قوله عزّ وجلّ: {هل تعلم له سميًّا} قال: ليس أحدٌ يسمّى الرّحمن غيره، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عزّ وجلّ: أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي وهذا الخبر يدلّ على أنّ جميع أفعال الله عزّ وجلّ مشتقّةٌ من أسمائه بخلاف المخلوق، مثل الرّازق والخالق والباعث والوهّاب، ونحوها تقدّم أسماؤه على أفعاله، بمعنى أنّه يخلق ويرزق ويبعث ويهب ويحيي ويميت، وأسماء المخلوق مشتقّةٌ من أفعالهم.
190 - أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ البغداديّ، بمصر، قال: حدثنا يحيى بن أيّوب المصريّ، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازمٍ، حدثنا أبي، سمع عبيد الله بن مقسمٍ، عن ابن عمر، يقول: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول: يأخذ الجبّار سمواته وأرضه بيده، فيقول: أنا الرّحمن أنا المالك أين الجبّارون أين المتكبّرون.
191 - أخبرنا محمّد بن الحسين بن الحسن، قال: حدثنا قطن بن إبراهيم، قال: حدثنا حفص بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا قال العبد: الرّحمن الرّحيم قال الله عزّ وجلّ: أثنى عليّ عبدي). [التوحيد: 2/47-48]

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (ومن أسمائه الرّحيم.
قال أهل التّأويل معناه: البالغ في الرّحمة أرحم الرّاحمين، الرّفيق الرّقيق، ويقال: إنّهما بمعنى رحيمٍ ورحمنٍ وراحمٍ ومثله علاّمٌ وعليمٌ وعالمٌ، وهو من الأسماء المستعارة لعبيده إذا رحم، اشتقّ له اسم الرّحيم من فعله إذا رحم.
192 - أخبرنا عبد الرّحمن بن يحيى، قال: حدثنا أبو مسعودٍ، قال: حدثنا عليّ بن عبد الله، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا الجعد أبو عثمان، عن أبي رجاءٍ العطارديّ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما يروى عن ربّه عزّ وجلّ قال: إنّ ربّكم عزّ وجلّ رحيمٌ من همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةٌ، فإن عملها كتبت له عشرٌ إلى سبعمائةٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةٌ، فإن عملها كتبت له سيّئةٌ واحدةٌ أو يمحوها الله عزّ وجلّ ولن يهلك على الله عزّ وجلّ إلاّ هالكٌ.
193 - أخبرنا أحمد بن محمّد بن زيادٍ، حدثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح أبو عليٍّ الزّعفرانيّ، حدثنا معاذ بن معاذٍ، حدثنا سليمان التّيميّ، عن أبي عثمان النّهديّ، عن سلمان الفارسيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله عزّ وجلّ خلق مائة رحمةٍ فمنها رحمةٌ بها يتراحم الخلق وتسعةٌ وتسعون ليوم القيامة.
رواه جماعةٌ عن التّيميّ.
ورواه الزّهريّ، عن سعيدٍ، عن أبي هريرة.
194 - أخبرنا أحمد بن عمرٍو أبو الطّاهر، بمصر، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهبٍ، حدثنا يونس بن يزيد، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنّ أعرابيًّا قال: اللهمّ ارحمني ومحمّدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد تحجّرت واسعًا، يريد رحمة الله عزّ وجلّ.
195 - أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيّوب، قال: حدثنا معاذ بن المثنّى، حدثنا القعنبيّ، حدّثنا عبد العزيز بن محمّدٍ الدّراورديّ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله عزّ وجلّ مائة رحمةٍ، فوضع رحمةً واحدةً بين خلقه يتراحمون بها، وعند الله عزّ وجلّ تسعةً وتسعين). [التوحيد: 2/51-52]

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (ومن أسماء الله عزّ وجلّ: التّوّاب الرّحيم
قال الله عزّ وجلّ: {هو التّوّاب الرّحيم}.
وقال: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده}.
238 - أخبرنا أحمد بن محمّد بن زيادٍ، قال: حدثنا الحسن بن محمّدٍ الصّبّاح الزّعفرانيّ، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، عن صفوان بن عسّالٍ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ بالمغرب بابًا فتحه الله للتّوبة يوم خلق السّماوات والأرض، فلا يغلق حتّى تطلع الشّمس.
هذا حديثٌ مشهورٌ عن عاصمٍ، وعن زرٍّ، وهذا من رسم النّسائيّ، وأبي داود، وأبي عيسى.
239 - أخبرنا خيثمة بن سليمان، قال: حدثنا إسحاق بن سيّارٍ النّصيبيّ، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مالك بن مغولٍ، عن محمّد بن سويدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: إن كنّا لنعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرّةً يقول: ربّ اغفر لي وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الغفور.
240 - أخبرنا إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل، قال: حدثنا العبّاس بن عبد الله التّرقفيّ، قال: حدثنا أبو مسهرٍ، وأخبرنا بكير بن الحسن بن سلمة، بمصر قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد بن أبي مريم، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة (ح) وأخبرنا يحيى بن عبد الله بن الحارث الدّمشقيّ، قال: حدثنا أحمد بن عليّ بن سعيدٍ، قال: حدثنا أبو نصرٍ التّمّار، قالوا: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن خالد بن عبد الله بن أبي حسينٍ، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت أحدًا أكثر قولاً أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا رسم النّسائيّ، وخالد بن عبد الله مشهورٌ.
241 - أخبرنا عبد الرّحمن بن يحيى بن منده، قال: حدثنا أبو مسعودٍ أحمد بن الفرات قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمر بن راشدٍ، عن الزّهريّ، عن كعب بن مالكٍ، عن أبيه كعبٍ قال: كنت فيمن تخلّف وفينا نزلت هذه الآية: {ليتوبوا إنّ الله هو التّوّاب الرّحيم}.
242 - أخبرنا خيثمة بن سليمان، قال: حدثنا محمّد بن عوف بن سفيان، قال: حدثنا أبو المغيرة عبد القدّوس، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيبٍ، عن أبي الدّرداء، عن زيد بن ثابتٍ الأنصاريّ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهمّ اغفر لي ذنبي كلّه، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم.
هذا من رسم النّسائي). [التوحيد: 2/95-98]

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (ومن أسماء الله عزّ وجلّ: الرّؤوف الرّحيم
قال الله عزّ وجلّ: في سورة البقرة {إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
وروي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أسماء الله عزّ وجلّ الرّؤوف.
266 - أخبرنا عمرو بن محمّد بن إبراهيم البزّاز قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد بن النّعمان، قال: حدثنا زيد بن عوفٍ، قال: حدثنا حمّادٌ، عن حجّاجٍ الصّوّاف، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال عند منامه الحمد للّه الّذي يمسك السّماء والأرض أن تزولا الحمد للّه الّذي يمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ، فإن وقع من سريره فمات دخل الجنّة.
267 - أخبرنا عبد الرّحمن بن يحيى، ومحمّد بن يونس قالا: حدثنا إبراهيم بن حكيمٍ البصريّ، قال: حدثنا محمّد بن كثيرٍ، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل: يا رسول الله، الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس. فأنزل الله عزّ وجلّ {وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}.
هذا الحديث مشهورٌ عن إسرائيل، إسنادٌ متّصلٌ). [التوحيد: 2/122]

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): ( ومن أسماء الله عزّ وجلّ: عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم.
قال أهل التّأويل: معنى عالم وعلاّم وعليمٍ بالخلق وأفعالهم قبل خلقهم، فقال عزّ وجلّ عالم الغيب وعلاّم الغيوب وعليمٌ بذات الصّدور ومعنى عالمٍ وعليمٍ ويعلم أي أنّ له علمًا والعلم صفةٌ له عزّ وجلّ.
203 - أخبرنا محمّد بن عمر بن حفصٍ، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان، قال: حدثنا عفّان بن مسلمٍ، حدثنا شعبة بن الحجّاج، عن يعلى بن عطاءٍ، قال: سمعت عمرو بن عاصمٍ، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال أبو بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، مرني بشيءٍ أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: قل: اللهمّ عالم الغيب والشّهادة، فاطر السّماوات والأرض، ربّ كلّ شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أعوذ بك من شرّ نفسي، ومن شرّ الشّيطان وشركه وأمره أن يقولها إذا أصبح، وإذا أمسى، وإذا أخذ مضجعه.
أخبرناه حمزة، حدثنا النّسائيّ، حدثنا بندارٌ، حدثنا غندرٌ، نحوه.
هذا حديثٌ مشهورٌ، عن شعبة.
ورواه هشيمٌ، عن يعلى بن عطاءٍ نحوه، وهو من رسم النّسائيّ). [التوحيد: 2/64]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 08:22 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح ابن سعدي (ت:1376هـ)

قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت:1376هـ):
("الرحمن، الرحيم، البر، الكريم، الجواد، الرؤوف، الوهاب".
هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب بالرحمة، والبر، والجود، والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه، التي عم بها جميع الوجود، بحسب ما تقتضيه حكمته، وخص المؤمنين منها بالنصيب الأوفر، والحظ الأكمل، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية.
والنعم والإحسان، كله من آثار رحمته، وجوده، وكرمه. وخيرات الدنيا والآخرة، كلها من آثار رحمته). [تيسير الكريم المنان: 946] (م)


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة