شرح ابن القيم (ت:751هـ) [الشرح المطول]
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( (الصَّمَدُ ):
( (( الصمدُ )): السيِّدُ الذي كَمُلَ في سُؤْدُدِهِ؛ ولهذا كانت العربُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا بِهَذَا الاسمِ، لكثرةِ الصِّفَاتِ المحمودةِ في المُسَمَّى بهِ، قالَ شَاعِرُهُم:
أَلاَ بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدْ = بِعَمْرِو بنِ مَسْعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
فإنَّ الصمدَ مَنْ تَصْمُدُ نحوَهُ القلوبُ بالرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ، وذلكَ لكثرةِ خصالِ الخيرِ فيهِ، وكثرةِ الأوصافِ الحميدةِ لهُ، ولهذا قالَ جمهورُ السَّلَفِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ: الصَّمَدُ السيِّدُ الذي كَمُلَ سُؤْدُدُهُ، فَهُوَ العالمُ الذي كَمُلَ عِلْمُهُ، القادرُ الذي كَمُلَتْ قُدْرَتُهُ، الحكيمُ الذي كَمُلَ حُكْمُهُ، الرحيمُ الذي كَمُلَتْ رَحْمَتُهُ، الجوَادُ الذي كَمُلَ جُودُهُ، ((وفي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ((هوَ السيِّدُ الذي قَدْ كَمُلَ فِي جَمِيعِ أنواعِ السُّؤْدُدِ ))...
وقالَ سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: (( هوَ الكامِلُ في جميعِ صفاتِهِ وأفعالِهِ وأقوالِهِ )) )([1]).
((وقالَ ابنُ وَائِلٍ: هوَ السيِّدُ الذي انْتَهَى سُؤْدُدُهُ.
وقالَ عِكْرِمَةُ: الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ.
وكذلكَ قالَ الزجَّاجُ: الذي يَنْتَهِي إليهِ السُّؤْدُدُ، فَقَدْ صَمَدَ لهُ كلُّ شيءٍ.
وقالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ: لا خِلافَ بينَ أهلِ اللغةِ أنَّ الصمدَ السيِّدُ الذي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ، الذي يَصْمُدُ إليهِ الناسُ في حَوَائِجِهِم وَأُمُورِهِم، وَاشْتِقَاقُهُ يَدُلُّ على هذا، فإنَّهُ من الجَمْعِ والقَصْدِ الذي اجْتَمَعَ القصدُ نحوَهُ واجْتَمَعَتْ فيهِ صفاتُ السُّؤْدُدِ، وهذا أَصْلُهُ في اللغةِ كما قالَ:
أَلاَ بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدْ = بِعَمْرِو بنِ يَرْبُوعٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
والعربُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا بالصمَدِ لاجْتِمَاعِ قَصْدِ القاصدِينَ إليهِ واجتماعِ صفاتِ السيادةِ فيهِ))([2]).
ومَنْ قَالَ: (( إنَّهُ الذي لا جَوْفَ لَهُ ))، فقولـُهُ لا يُنَاقِضُ هذا التفسيرَ؛ فإنَّ اللفظَ من الاجتماعِ، فهوَ الذي اجْتَمَعَتْ فيهِ صفاتُ الكمالِ، ولا جَوْفَ لهُ)([3])، [فإنَّهُ] (- تَعَالَى - صَمَدٌ بِجَمِيعِ معانِي الصَّمَدِيَّةِ، فَيَسْتَحِيلُ عليهِ ما يُنَاقِضُ صَمَدِيَّتَه)([4]). [وَ](إِنَّمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كُفُواً لَهُ لَمَّا كَانَ صَمَداً كَامِلاً في صَمَدِيَّتِهِ). ([5])
(وهو الإلهُ السَّيِّدُ الصَّمَدُ الَّذِي = صَمَدَتْ إِلَيْهِ الخَلْقُ بالإِذْعَانِ
الكَامِلُ الأَوْصَافِ مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ = كَمَالُهُ ما فيهِ منْ نُقْصَانِ)([6])
(واللهُ أكبرُ وَاحِدٌ صَمَدٌ وَكُلُّ = الشأْنِ في صَمَدِيَّةِ الرَّحْمَنِ
نَفَت الولادةُ والأبوةُ عنهُ والـ = كُفْءَ الذي هوَ لازِمُ الإنسانِ
وَكَذَاكَ أُثْبِتَت الصِّفَاتُ جَمِيعُهَا = للهِ سَالِمَةٌ من النُّقْصَانِ
وَإِلَيْهِ يَصْمُدُ كُلُّ مَخْلُوقٍ فَلا = صمدٌ سِوَاهُ عَزَّ ذُو السُّلْطَانِ)([7]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([1]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/47).
([2]) بَدَائِعُ الفوائدِ (1/160).
([3]) الصَّواعِقُ المُرْسَلَةُ (3/1023-1027).
([4]) هدايةُ الحَيارَى (524).
([5]) الصَّواعِقُ المُرْسَلَةُ (3/1027).
([6]) القصيدةُ النُّونيَّةُ (246).
([7]) القصيدةُ النُّونيَّةُ (336).