قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (يثبت لأوراق المصحف حكم المصحف فى الحرمة عند جماهير أهل العلم يستوى فى ذلك منها ما كان متصلا به أو منفصلا عنه ما دام مشتملا على شئ من القرآن , فإن كان متصلا بالمصحف فلا عبرة فى إثبات الحرمة له وجود الكتابة فيه أو خلوه عنها , لأن مجرد اتصاله بالمصحف يعطيه ذلك القدر من الحرمة عن جماهير أهل العلم , خلافا لمن قصر الحكم على النقوش فحسب على ما سيأتى بيانه فى مسألة الطهارة لمس المصحف من هذا البحث إن شاء الله تعالى , فمن مقتضيات الحرمة المذكورة ألا تمتهن أوراق المصحف بأى نوع من أنواع الامتهان كتعريضها لنجس أو قذر , أو رميها على الأرض , أو موضعها فى شق ونحوه مما يجعلها عرضة للسقوط , أو جعل ورق المصحف وقاية أو غشاء لغير القرآن لما فى
{204}
ذلك من صورة الامتهان , ويلحق بذلك وضع شئ بين أوراق المصحف ولو كان هذا الشئ نفسيا كطيب ومسك وورق ورد , أو كان ذهبا أو فضة , أو ورقا نقديا . {205}
البالى من ورق المصحف :
قال القرطبى فى التذكار: ( لا يتخذ الصحيفة إذا بليت ودرست وقاية للكتب فإن ذلك جفاء عظيم , ولكن يمحوها بالماء).
وقال الزركشى فى البرهان : ( وإذا احتيج لتعطيل بعض أوراق المصحف لبلاء ونحوه فلا يجوز وضعه فى شق أو غيره ليحفظ , لأنه قد يسقط ويوطأ , ولا يجوز تمزيقها لما فيها من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم , وفى ذلك إزراء بالمكتوب كذا قاله الحليمى , قال وله غسلها بالماء , وإن أحرقها بالنار فلا بأس , أحرق عثمان مصاحف فيها آيات وقراءات منسوخة ولم ينكر عليه. وذكر غيره أن الإحراق أولى من الغسل لأن الغسالة قد تقع على الأرض , وجزم القاضى الحسين فى " تعليقه " بامتناع الإحراق , وأنه خلاف الاحترام , والنووى بالكراهة فحصل ثلاثة أوجه .
وفى " الواقعات " من كتب الحنفية أن المصحف إذا بلى لا يحرق بل يحفر له فى الأرض ويدفن .
ونقل عن الإمام أحمد أيضا : " وقد يتوقف فيه لتعرضه للوطء بالأقدام"). {206}
ونقل السيوطى فى الإتقان كلام الزركشى هذا حرفا بحرف .
وروى أبو عبيد فى فضائل القرآن بسنده عن إبراهيم أنه كان يكره أن يكتب المصحف بذهب . قال : ( وكانوا يأمرون بورق المصحف إذا بلى أن يدفن )
وقال الشيخ تقى الدين بن تيمية فى الفتاوى المصرية :( المصحف العتيق والذى تخرق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه فإنه يدفن فى مكان يصان فيه كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه فى موضع يصان فيه ).
وقال ابن مفلح فى الفروع: ( وذكر القاضى أن أبا بكر بن أبى داود روى بإسناده عن طلحة ابن مصرف قال : " دفن عثمان المصاحف بين القبر والمنبر " ) . قال ابن مفلح : ( ذكر أحمد أن أبا الجوزاء بلى مصحف له فحفر له فى مسجده فدفنه ). ثم ذكر ابن مفلح دفن الكتب , وعبر عنه كما بلى المصحف أو اندرس نص عليه . ويأتى فى مسألة دفن المصاحف مفصلا إن شاء الله تعالى ). {207}