جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {تبت يدا أبي لهب} قال: «خسرت يدا أبي لهب وخسر ما أغنى عنه ماله وما كسب»). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 406]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ} وقد تبّ، هكذا قرأها الأعمش يومئذٍ). [صحيح البخاري: 6/ 179-180] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} سَقَطَ: وَتَبَّ لأَبِي ذَرٍّ، (وَقَدَ تَبَّ هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ)، وَهِيَ تُؤَيِّدُ أَنَّهَا إِخْبَارٌ بِوُقُوعِ مَا دَعَى بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُدْرِكِ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ). [إرشاد الساري: 7/437-438] (م)
- قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وتبّ تبابٌ: «خسرانٌ» ، تتبيبٌ: «تدميرٌ»). [صحيح البخاري: 6/ 179]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأبو لَهَبٍ هُو ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ واسْمُهُ عَبْدُ العُزَّى، وأمُّهُ خُزَاعِيَّةٌ، وكُنِّيَ أبا لَهَبٍ إِمَّا بِابْنِهِ لَهَبٍ، وإما بِشِدَّةِ حُمْرَةِ وَجْنَتِهِ، وقد أَخْرَجَ الفَاكِهِيُّ مِن طَرِيقِ عبدِ اللهِ بنِ كَثِيرٍ قَالَ: إنما سُمِّيَ أبا لَهَبٍ؛ لأنَّ وَجْهَهُ كانَ يَتَلَهَّبُ مِنْ حُسْنِهِ. انتَهى. ووَافَقَ ذلك مَا آلَ إليه أَمْرُهُ مِن أَنَّهُ سيَصْلَى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ، ولهذا ذُكِرَ في القرآنِ بكُنْيَتِهِ دُونَ اسمِهِ ولكَوْنِهِ بهَا أَشْهَرَ، ولأنَّ في اسمِهِ إضافَةً إلى الصنمِ ولا حُجَّةَ فيه لِمَنْ قَالَ بجَوَازِ تَكْنِيَةِ المُشْرِكِ علَى الإطلاقِ، بل مَحَلُّ الجَوَازِ إذا لم يَقْتَضِ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ لَهُ أوْ دَعَتِ الحَاجَةُ إليه قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوةً للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ، وكان السَّبَبُ في ذلك أنَّ أبَا طَالِبٍ لاَحَى أَبَا لَهَبٍ فَقَعَدَ أَبُو لَهَبٍ على صَدْرِ أَبِي طَالِبٍ، فجاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ، فأَخَذَ بِضَبْعَيْ أَبِي لَهَبٍ فضَرَبَ بهِ الأَرْضَ فقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: كِلانَا عَمُّكَ فَلِمَ فَعَلْتَ بِي هَذَا؟ واللهِ لا يُحِبُّكَ قَلْبِي أَبَدًا، وذلك قَبْلَ النبُوَّةِ، وقَالَ له إِخْوَتًُهُ لَمَّا ماتَ أَبُو طالبٍ: لَوْ عَضَدْتَ ابْنَ أَخِيكَ لَكُنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ، وَلَقِيَهُ فَسَأَلَهُ عَمَّنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِ فقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ دِينٍ فغَضِبَ وتَمَادَى على عَدَاوَتِهِ، ومَاتَ أَبُو لَهَبٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ولَمْ يَحْضُرْهَا بَلْ أَرْسَلَ عَنْهُ بَدِيلاً، فلَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى لِقُرَيْشٍ مَاتَ غَمًّا). [فتح الباري: 8/ 737]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (وَتَبَّ خَسِرَ، تَبابٌ: خُسْرَانٌ) وَقَعَ في رِوَايَةِ ابْنِ مَرْدَوَيهِ في حَدِيثِ البابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الأعْمَشِ في آخِرِ الحديثِ قَالَ: فأَنزَلَ اللهُ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قَالَ: يَقُولُ: خَسِرَ وتَبَّ أي: خَسِرَ، وما كَسَبَ يَعْنِي وَلَدَهُ، وقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ في قَولِهِ: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} قَالَ: في هَلَكَةٍ. قولُهُ: (تَتْبِيبٍ: تَدْمِيرٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ في قَولِهِ: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} أي: تَدْمِيرٍ وإِهْلاكٍ. [فتح الباري: 8/ 737]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وَأَبُو لَهَبِ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَأُمُّهُ خُزَاعِيَّةٌ، وَكُنِّي أَبَا لَهَبٍ فَقِيلَ: بِابْنِهِ لَهَبٍ، وَقِيلَ لِشِدَّةِ حُمْرَةِ وَجْنَتَيْهِ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَلَهَّبُ مِنْ حُسْنِهِ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَهُوَ دُخُولُهُ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وَتَمَادَى عَلَى عَدَاوَتِهِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ بَدْرٍ بِأَيَّامٍ وَلَمْ يَحْضُرْهَا بَلْ أَرْسَلَ عَنْهُ بَدِيلاً فَلَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى لِقُرَيْشٍ مَاتَ غَمًّا). [عمدة القاري: 20/ 6-7]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وَتَبَّ: خَسِرَ، تَبَابٌ: خُسْرَانٌ، تَتْبِيبٌ: تَدْمِيرٌ).
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} وَفَسَّرَ تبَّ بِقَوْلِهِ: خَسِرَ، وَفَسَّرَ تَبَابًا بِقَوْلِهِ: خُسْرَانٌ وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تِبَابٍ} وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: تَتْبِيبٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} أَيْ: غَيْرِ تَدْمِيرٍ أَيْ: غَيْرَ هَلاَكٍ، وَالْوَاوُ فِي وَتَبَّ لِلْعَطْفِ، فَالأَوَّلُ دُعَاءٌ وَالثَّانِي خَبَرٌ وَلَفْظُ: "يَدَا" صِلَةٌ تَقُولُ الْعَرَبُ: يَدُ الدَّهْرِ وَيَدُ الرَّزَايَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِلْكُهُ وَمَالُهُ، يُقَالُ: فُلاَنٌ قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ. يَعْنُونَ بِهِ الْمَالَ، وَقِيلَ: يُذْكَرُ الْيَدُ وَيُرَادُ بِهِ النَّفْسُ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الشَّيْءِ بِبَعْضِ أَجْزَائِهِ). [عمدة القاري: 20/ 7]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وَأُسْنِدَ الْفِعْلُ لِلْيَدَيْنِ فِي قَوْلِهِ: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) مَجَازًا؛ لأَنَّ أَكْثَرَ الأَفْعَالِ تُزَاوَلُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ جُمْلَةَ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (تَبَّتْ) دُعَاءٌ، وَتَبَّ: إِخْبَارٌ أَيْ: وَقَدْ وَقَعَ مَا دَعَى عَلَيْهِ بِهِ، أَوْ كِلاَهُمَا دُعَاءٌ، وَيَكُونُ فِي هَذَا شَبَهٌ مِنْ مَجِيءِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ؛ لأَنَّ الْيَدَيْنِ بَعْضٌ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ الْيَدَيْنِ غَيْرَ مُرَادَةٍ قَالَهُ فِي الدُّرِّ. وَقَالَ الإِمَامُ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالأَوَّلِ هَلاَكُ عَمَلِهِ، وَبِالْثَانِي هَلاَكُ نَفْسِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَرْءَ إِنَّمَا يَسْعَى لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَعَمَلِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَحْرُومٌ مِنَ الأَمْرَيْنِ، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) إِشَارَةٌ إِلَى هَلاَكِ عَمَلِهِ.
وَقَوْلَهُ: (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) إِشَارَةٌ إِلَى هَلاَكِ نَفْسِهِ). [إرشاد الساري: 7/ 437]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (تَبَابٍ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} (خُسْرَانٍ. تَتْبِيبٍ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} (تَدْمِيرٍ) ). [إرشاد الساري: 7/ 437]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إن هو إلّا نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ} [سبأ: 46]
- أخبرني إبراهيم بن يعقوب، قال: حدّثني عمر بن حفص بن غياثٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا الأعمش، قال: حدّثني عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] صعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا، فجعل ينادي: «يا بني فهرٍ، يا بني عديٍّ، يا بني فلانٍ»، لبطون قريشٍ، حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا ينظر، وجاء أبو لهبٍ وقريشٌ قد اجتمعوا، فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟»، قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقًا، قال: «فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لهبٍ: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟، فنزلت {تبّت يدا أبي لهبٍ} ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 227] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: خَسِرَتْ يَدَا أبي لَهَبٍ، وخَسِرَ هُو. وإنما عُنِيَ بقَوْلِهِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} تَبَّ عَمَلُه. وكانَ بعضُ أهْلِ العربيَّةِ يقولُ: قولُه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} دعاءٌ عليه مِن اللهِ.
وأمَّا قوْلُه: {وَتَبَّ} فإِنَّه خَبَرٌ. ويُذْكَرُ أن ذلك في قِراءَةِ عبدِ اللهِ: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ). وفي دُخُولِ (قَدْ) فيه دلالةٌ على أنَّه خَبَرٌ، ويُمَثَّلُ ذلك بقوْلِ القائِلِ لآخَرَ: أَهْلَكَكَ اللهُ وقد أَهْلَكَكَ، وجَعَلَكَ صَالِحاً وَقَدْ جَعَلَكَ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في معنِى قوْلِه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قالَ أهلُ التأوِيلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عن قَتَادَةَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} أيْ: خَسِرَتْ وَتَبَّ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قَوْلِ اللهِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قالَ: التبُّ: الخُسْرَانُ، قالَ: قالَ أبو لَهَبٍ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ماذا أُعْطَى يا محمدُ إنْ آمَنْتُ بِكَ؟ قال: «كَمَا يُعْطَى الْمُسْلِمُونَ». فقالَ: مَا لِي عَلَيْهِمْ فَضْلٌ؟ قالَ: «وَأَيَّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟». قالَ: تَبًّا لهذا مِن دينٍ تَبًّا، أن أكونَ أنا وهؤلاءِ سواءً. فأَنْزَلَ اللهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} يقولُ: بما عَمِلَتْ أَيْدِيهِم.
- حَدَّثَنَا ابنُ عَبْدِ الأعلى، قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قَتَادَةَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} قالَ: خَسِرَتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَخَسِرَ). [جامع البيان: 24/ 714-715]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو بكر بن أبي نصرٍ المزكّي بمرو، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا العبّاس بن الفضل الأنصاريّ، ثنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقربٍ، عن أبيه، قال: كان لهب بن أبي لهبٍ يسبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اللّهمّ سلّط عليه كلبك» فخرج في قافلةٍ يريد الشّام فنزل منزلًا، فقال: إنّي أخاف دعوة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم قالوا له: كلّا، فحطّوا متاعهم حوله وقعدوا يحرسونه فجاء الأسد فانتزعه فذهب به «صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/ 588]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (عن ابنِ عباسٍ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} جاءتِ امرأةُ أبي لهَبٍ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ومعَه أبو بكرٍ، فلَمَّا رآها أبو بكرٍ قالَ: يا رسولَ اللهِ، إنها امرأةٌ بذيئةٌ، وأخافُ أن تُؤْذِيَكَ، فلو قُمْتَ. قالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي».
فجاءتْ فقالتْ: يا أبا بكرٍ، أينَ صاحِبُك؟ هَجَانِي. قال: ما يَقُولُ الشِّعْرَ. قالتْ: أنتَ عندِي مُصَدَّقٌ. وانْصَرَفَتْ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لَمْ تَرَكَ. قالَ: «مَا زَالَ مَلَكٌ يَسْتُرُنِي مِنْهَا بِجَنَاحَيْهِ».
رَوَاهُ أبو يَعْلَى والبَزَّارُ بنحوِهِ، إلاَّ أنه قالَ: فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: «إِنَّهُ سَيُحَالُ بيْنِي وَبَيْنَهَا». فأقْبَلَتْ حتى وَقَفَتْ على أبي بكرٍ فقالتْ: يا أبا بكرٍ، هجَانا صاحِبُك. فقالَ أبو بكرٍ: لا وَرَبِّ هذه البِنْيَةِ ما يَنْطِقُ بالشِّعْرِ ولا يَتَفَوَّهُ به.
وقالَ البزَّارُ: إنه حسَنُ الإسنادِ.
قلتُ: ولكنْ فيه عطاءُ بنُ السائبِ وقد اخْتَلَطَ). [مجمع الزوائد: 7/ 144]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سليمانَ الهيثميُّ (ت: 807هـ) : (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، ثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ تَنَحَّيْتَ، لا تُؤْذِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ سَيُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا»، فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ! هَجَانَا صَاحِبُكَ، فقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ، مَا يَنْطِقُ بِالشِّعْرِ وَلا يَتَفَوَّهُ بِهِ.
فَقَالَتْ: إِنَّكَ لَمُصَدَّقٌ. فَلَمَّا وَلَّتْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: مَا رَأَتْكَ؟ قَالَ: «لا، مَا زَالَ مَلَكٌ يَسْتُرُنِي حَتَّى وَلَّتْ».
قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا أَحْسَنُ الإِسْنَادِ، وَيَدْخُلُ فِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ.
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالا: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قُلْتُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ). [كشف الأستار: 3/ 83-84]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ عبدُ الحمِيدِ وابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. قَالَ: خَسِرَتْ). [الدر المنثور: 15/ 734]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. قَالَ: خَسِرَتْ, {وَتَبَّ}. قَالَ: خَسِرَ). [الدر المنثور: 15/ 734]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ, عَنْ قَتَادَةَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}. قَالَ: خَسِرَتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَخَسِرَ). [الدر المنثور: 15/ 734]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَن الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ أَبَا لَهَبٍ مِنْ حُسْنِهِ). [الدر المنثور: 15/ 734]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ عساكرَ بسندٍ فِيهِ الكَدِيمِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ وَلِي أَرْبَعُ عُمُومَةٍ، فَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَيُكْنَى بِأَبِي الفَضْلِ، وَلِوَلَدِهِ الفَضْلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا حَمْزَةُ فَيُكْنَى بِأَبِي يَعْلَى، فَأَعْلَى اللَّهُ قَدْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَمَّا عَبْدُ الْعُزَّى فَيُكْنَى بِأَبِي لَهَبٍ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ وَأَلْهَبَهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا عَبْدُ مَنَافٍ فَيُكْنَى بِأَبِي طَالِبٍ، فَلَهُ وَلِوَلَدِهِ الْمُطَاوَلَةُ وَالرِّفْعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ). [الدر المنثور: 15/ 738-739]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ عساكرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّتْ دُرَّةُ ابنةُ أَبِي لَهَبٍ بِرَجُلٍ فَقَالَ: هَذِهِ ابنةُ عدوِّ اللَّهِ أَبِي لَهَبٍ.
فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: ذَكَرَ اللَّهُ أَبِي بِنَبَاهَتِهِ وَشَرَفِهِ وَتَرَكَ أَبَاكَ لِجَهَالَتِهِ. ثُمَّ ذكَرت ذلك لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «لا يُؤْذَيَنَّ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» ). [الدر المنثور: 15/ 739]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالُوا: قَدِمَتْ دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي لَهَبٍ مُهَاجِرَةً، فَقَالَ لَهَا نِسْوَةٌ: أَنْتِ دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي لَهَبٍ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}؟
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لِي أُوذَى فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ إِنَّ شَفَاعَتِي لَتُنَالُ بِقَرَابَتِي حَتَّى إِنْ حكمًا وحاءَ وصداء وسلهبا تَنَالُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَرَابَتِي» ). [الدر المنثور: 15/ 739]
تفسير قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، قال: «كنت عند ابن عباس يوما فجاء بنو أبي لهب يختصمون في شيء بينهم فاقتتلوا عنده في البيت فقام يحجز بينهم فدفعه بعضهم فوقع على الفراش فغضب ابن عباس فقال أخرجوا عني الكسب الخبيث ما أغنى عنه ماله وما كسب يعني ولده»). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 406]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، عن ابن عباس، قال: {وما كسب} قال: هم الولد). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 406]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وتبّ (1) ما أغنى عنه ماله وما كسب} ). [صحيح البخاري: 6/ 180]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بَابٌ قَوْلُهُ: وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ} أَيْ: عَنْ أَبِي لَهَبٍ مَالُهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَقِيلَ: مَالُهُ أَغْنَامُهُ وَكَانَ صَاحِبَ سَائِمَةٍ.
قَوْلُهُ: {وَمَا كَسَبَ} قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: يَعْنِي وَلَدَهُ؛ لأَنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ. وَقَالَ النَّسَفِيُّ: كَلِمَةُ: "مَا" مَوْصُولَةٌ يَعْنِي: وَالَّذِي كَسَبَ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَرْبَاحِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً يَعْنِي: وَكَسْبُهُ). [عمدة القاري: 20/ 7]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (قَوْلَهُ: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} إِشَارَةٌ إِلَى هَلاَكِ عَمَلِهِ). [إرشاد الساري: 7/ 437] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قَوْلُهُ:{وَتَبَّ}) وَلأَبِي ذَرٍّ: بَابٌ بِالتَّنْوِينِ أَيْ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} مَا الأُولَى نَافِيَةٌ أَوِ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ مَنْصُوبَةَ الْمَحَلِّ بِمَا بَعْدَهَا أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَغْنَى الْمَالُ، وَقُدِّمَتْ لأَنَّ لَهَا صَدْرَ الْكَلاَمِ، وَالثَّانِيَةُ بِمَعْنَى الَّذِي، فَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أو مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: وَكَسْبُهُ). [إرشاد الساري: 7/ 438]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب قوله: {وتب (1) ما أغنى عنه ماله وما كسب}
قوله: ({وتب (1) ما أغنى عنه ماله وما كسب}) فاعل تب ضمير أبي لهب، وهو إخبار عن وقوع ما دعى به عليه في قوله: {تبت يدا} فالجملة الأولى دعائية، والثانية خبرية. وقيل: هما دعائيتان، فتكونان من باب ذكر العام بعد الخاص ظاهراً، وقيل: هما خبريتان، وأراد بالأولى هلاك عمله، وبالثانية هلاك نفسه، وخصت اليدان بالذكر لأن الأعمال غالباً تزاول بهما اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 81]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُه: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أيَّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ، ودَفَعَ مِن سَخَطِ اللهِ عليه, {وَمَا كَسَبَ} وهم وَلَدُه.
وبالذي قُلنا في ذلك قالَ أهلُ التأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ.
- حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ دَاودَ بنِ محمدٍ بنُ المُنْكَدِرُ، قالَ: ثَنَا عبدُ الرزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن ابنِ خَيْثَمٍ، عن أبي الطُّفَيْلِ، قالَ: جاءَ بَنُو أبي لَهَبٍ إلى ابنِ عبَّاسٍ، فقامُوا يَخْتصِمُونَ في البيْتِ، فقامَ ابنُ عبَّاسٍ، يَحْجِزُ بَيْنَهم، وقد كُفَّ بَصَرُه، فدَفَعَه بعضُهم حتى وَقَعَ على الفِراشِ، فغَضِبَ وقالَ: أخْرِجُوا عَنِّي الكَسْبَ الخَبِيثَ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ، قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عن أبي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عن محمدِ بنِ سُفيانَ، عن رجلٍ مِن بني مَخْزُومٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ, أنَّه رَأَى يَوْماً مِن وَلَدَ أبي لَهَبٍ يَقْتَتِلُونَ، فَجَعَلَ يَحْجِزُ بينَهم ويقولُ: هؤلاءِ مِمَّا كَسَبَ.
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ، قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ، قالَ: ثَنَا سُفيانُ، عن لَيْثٍ، عن مُجَاهِدٍ: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} قالَ: مَا كَسَبَ: وَلَدُهُ.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ، قالَ: ثَنَا عيسَى؛ وحَدَّثَنِي الحَارِثُ، قالَ: ثَنَا الحسَنُ، قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ، في قَوْلِ اللهِ: {وَمَا كَسَبَ} قالَ: وَلَدُهُ, هم مِنْ كَسْبِهِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن سُفْيَانَ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ، {وَمَا كَسَبَ} قالَ: وَلَدُهُ). [جامع البيان: 24/ 717-718]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {ماله وما كسب }يعني ولده). [تفسير مجاهد: 2/ 793]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (وأخبرني محمّد بن المؤمّل بن الحسن، ثنا الفضل بن محمّدٍ، ثنا أحمد بن حنبلٍ، قال: قرئ على سفيان بن عيينة وأنا شاهدٌ الزّهريّ، عن عبيد اللّه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {ما أغنى عنه ماله وما كسب}قال: «كسبه ولده» قال أحمد بن حنبلٍ: لم يذكر لنا ابن عيينة سماعه فيه، ثمّ بلغني أنّه سمعه من عمر بن حبيبٍ
- فأخبرني محمّد بن المؤمّل، ثنا الفضل، ثنا أحمد بن حنبلٍ، ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن ابن خثيمٍ، عن أبي الطّفيل، قال: كنت عند ابن عبّاسٍ يومًا فجاءه بنو أبي لهبٍ يختصمون في شيءٍ بينهم فقام يصلح بينهم، فدفعه بعضهم، فوقع على الفراش، فغضب ابن عبّاسٍ وقال: « أخرجوا عنّي الكسب الخبيث - يعني ولده - {ما أغنى عنه ماله وما كسب}» ). [المستدرك: 2/ 588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ ابنَهُ مِنْ كَسْبِهِ. ثُمَّ قَرَأَتْ: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. قَالَتْ: {وَمَا كَسَبَ}: وَلَدُهُ). [الدر المنثور: 15/ 734-735]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ, عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}، وَلَدُهُ كَسْبُهُ. وَمُجَاهِدٌ وعائشةُ قَالاهُ). [الدر المنثور: 15/ 735]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ, عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلاقَ رُقَيَّةَ فَطَلَّقَهَا, فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانُ). [الدر المنثور: 15/ 735]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ, عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُتَيْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ، وكَانَتْ رُقَيَّةُ عِنْدَ أَخِيهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. قَالَ أَبُو لَهَبٍ لابنَيْهِ عُتَيْبَةَ وَعُتْبَةَ: رَأْسِي مِنْ رَأْسِكُمَا حَرَامٌ إِنْ لَمْ تُطَلِّقَا ابْنَتَيْ مُحَمَّدٍ. وَقَالَتْ أُمُّهُمَا بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهِيَ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ: طَلِّقَاهُمَا فَإِنَّهُمَا قَدْ صَبِئَتَا. فَطَلَّقَاهُمَا). [الدر المنثور: 15/ 735]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ والحَاكِمُ وابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ في قولِهِ:{وَمَا كَسَبَ} قال: كَسْبُهُ وَلَدُهُ). [الدر المنثور: 15/ 735]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{وَمَا كَسَبَ} قال: وَلَدُهُ). [الدر المنثور: 15/ 736]
تفسير قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) }
- قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {سيصلى نارًا ذات لهبٍ}). [صحيح البخاري: 6/ 180]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بَابٌ قَوْلُهُ: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبِ})
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَيَصْلَى} أَيْ: أَبُو لَهَبٍ سَيَدْخُلُ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَالسِّينُ فِيهِ لِلْوَعِيدِ إِذْ هُوَ كَائِنٌ لاَ مَحَالَةَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ وَقْتُهُ). [عمدة القاري: 20/ 8]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وَقَوْلَهُ: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} إِشَارَةٌ إِلَى هَلاَكِ نَفْسِهِ). [إرشاد الساري: 7/ 437] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قَوْلُهُ: {سَيَصْلَى}) ولأَبِي ذَرٍّ: بَابٌ بِالتَّنْوِينِ أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} أَيْ تَلَهَّبُ وَتَوَقَّدُ). [إرشاد الساري: 7/ 438]
- قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} يقولُ تعالى ذكره: سَيَصْلَى أَبُو لَهَبٍ نَاراً ذاتَ لَهَبٍ). [جامع البيان: 24/ 718]
تفسير قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {وامرأته حمالة الحطب} قال: «كانت تحطب الكلام تمشي بالنميمة»). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 406]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر، وقال بعضهم: كانت تعير النبي بالفقر وكانت تحطب فعيرت بأنها كانت تحطب). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 406]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وامرأته حمّالة الحطب}؛
وقال مجاهدٌ: حمّالة الحطب: «تمشي بالنّميمة»). [صحيح البخاري: 6/ 180]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (بَابٌ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ}) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كانَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ يَقْرَأُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ بالنَّصْبِ ويَقُولُ: هُو ذَمٌّ لها. قلتُ: وقَرَأَهَا بالنَّصْبِ أَيْضًا منَ الكُوفِيِّينَ عاصِمٌ، واسمُ امرأةِ أَبِي لَهَبٍ العَوْرَاءُ وتُكَنَّى أُمَّ جَمِيلٍ، وهِيَ بنتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَالِدِ مُعَاوِيَةَ، وتقدَّمَ لها ذِكْرٌ في تَفْسِيرِ والضُّحَى، يُقَالُ: إِنَّ اسْمَهَا أَرْوَى، والعَوْرَاءُ لَقَبٌ ويُقالُ: لم تَكُنْ عَوْرَاءَ، وإنَّمَا قِيلَ لها ذلكَ لِجَمَالِهَا، ورَوَى البَزَّارُ بإسنادٍ حَسَنٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ فقالَ أَبُو بَكْرٍ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ: لَوْ تَنَحَّيْتَ قَالَ: «إِنَّهُ سَيُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا» فأَقْبَلَتْ فَقَالَتْ: يا أَبَا بَكْرٍ، هَجَانِي صَاحِبُكَ، قَالَ: لا وَرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ مَا يَنْطِقُ بالشِّعْرِ، ولا يَفُوهُ به. قَالَتْ: إنكَ لَمُصَدَّقٌ. فلَمَّا وَلَّتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا رَأَتْكَ؟ قَالَ: «مَا زَالَ مَلَكٌ يَسْتُرُنِي حتَّى وَلَّتْ» وأَخرَجَهُ الحُمَيْدِيُّ وأَبُو يَعْلَى وابنُ أَبِي حَاتِمٍ مِن حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ بنَحْوِهِ، وللحاكِمِ مِن حَدِيث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ قِيلَ لامرَأَةِ أَبِي لَهَبٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا هَجَاكِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- فَقَالَتْ: هَلْ رَأَيْتَنِي أَحْمِلُ حَطَبًا أو رَأَيتَ فِي جِيدِي حَبْلاً؟.
قولُهُ: (وقَالَ مُجَاهِدٌ: حَمَّالَةُ الحَطَبِ تَمْشِي بالنَّمِيمَةِ) وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ عنه وأَخرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصورٍ من طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كانتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ تَنُمُّ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ وأَصْحَابِهِ إلى المُشْرِكِينَ، وقَالَ الفَرَّاءُ: كانَتْ تَنُمُّ فتُحَرِّشُ فتُوقِدُ بَيْنَهُمُ العداوةَ، فَكَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِحَمْلِهَا الحَطَبَ). [فتح الباري: 8/ 738]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد: {حمالة الحطب} «تمشي بالنميمة» {في جيدها حبل من مسد} فقال: «ليف المقل وهي السلسلة الّتي في النّار»
قال الفريابيّ :ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح وثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله :{وامرأته حمالة الحطب} قال:«تمشي بالنميمة»). [تغليق التعليق: 4/ 379-380]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بَابٌ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}؛ قَرَأَ عَاصِمٌ: {حَمَّالَةَ} بِالنَّصْبِ عَلَى الذَّمِّ، وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ سَيَصْلَى نَارًا هُوَ وَامْرَأَتُهُ، وَتَكُونُ امْرَأَتُهُ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي سَيَصْلَى، وَحَمَّالَةُ بَدَلٌ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ امْرَأَتَهُ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ تَنْشُرُ السَّعْدَانَ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَيَطَؤُهُ كَمَا يَطَأُ أَحَدُكُمُ الْحَرِيرَ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ: كَانَتْ أُمُّ جَمِيلٍ تَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ بِحُزْمَةٍ مِنَ الْحَسَكِ وَالشَّوْكِ وَالسَّعْدَانِ فَتَطْرَحُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ بِحَمْلَةٍ أَعْيَتْ فَقَعَدَتْ عَلَى حَجَرٍ تَسْتَرِيحُ فَأَتَى مَلَكٌ فَجَذَبَهَا مِنْ خَلْفِهَا فَأَهْلَكَهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} «تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».
أَيْ: قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} «كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»، رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَكَانَتْ تَنُمُّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَتْ تَنُمُّ فَتُحَرِّشُ فَتُوقِعُ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ فَكَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِحَمَّالَةِ الْحَطَبِ). [عمدة القاري: 20/ 8]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {وَامْرَأَتُهُ} ولأَبِي ذَرٍّ: بَابٌ قَوْلُهُ تَعَالَى، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ جَمِيلٍ الْعَوْرَاءُ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ {حَمَّالَةُ الْحَطَبِ} الشَّوْكِ وَالسَّعْدَانِ تُلْقِيهِ فِي طَرِيقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ؛ لِتَعْقِرَهُمْ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فِيمَا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ: (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ تَمْشِي) إِلَى الْمُشْرِكِينَ (بِالنَّمِيمَةِ) تُوقِعُ بِهَا بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَهُمْ، وَتُلْقِي الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمْ، وَتُوقِدُ نَارَهَا كَمَا تُوقَدُ النَّارُ بِالْحَطَبِ فَكَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِحَمْلِهَا الْحَطَبَ). [إرشاد الساري: 7/ 438]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُه: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} يقولُ: سَيَصْلَى أَبُو لَهَبٍ وامْرَأَتُه حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، ناراً ذاتَ لَهَبٍ.
واخْتَلَفَتِ القرأة في قِراءَةِ {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}؛ فَقَرَأَ ذلك عامَّةُ قرأة المدينةِ والكوفةِ والبصرةِ: (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) بالرفعِ، غيرَ عبدِ اللهِ بنِ أبي إسحاقَ؛ فإنه قَرَأَ ذلك نَصْباً فيما ذُكِرَ لنا عنه.
واخْتُلِفَ فيه عن عاصِمٍ، فحُكِيَ عنه الرفعُ فيها والنصبُ، وكأنَّ مَن رفَعَ ذلك جعَلَه مِن نعتِ المرأةِ، وجَعَلَ الرافعَ للمرأةِ ما تَقَدَّمَ مِن الخبَرِ، وهو {سَيَصْلَى}، وقد يَجُوزُ أن يكونَ رافِعُها الصفَةَ، وذلك قوْلُه: {فِي جِيدِهَا} وتكونُ (حَمَّالَةُ) نعتاً للمرأةِ.
وأمَّا النصبُ فيه فعلى الذمِّ، وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ نصبُها على القَطْعِ مِن المرأةِ؛ لأن المرأةَ مَعْرِفَةٌ، و {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} نَكِرَةٌ.
والصوابُ مِن القراءَةِ في ذلك عندَنا: الرفعُ؛ لأنه أَفْصَحُ الكلامَيْنِ فيه، ولإجماعِ الحُجَّةِ مِن القَرأة عليه.
واخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ في معنى قوْلِهِ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} فقَالَ بَعْضُهُم: كانَت تَجِيءُ بالشوْكِ فتَطْرَحُهُ في طريقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليَدْخُلَ في قَدَمِهِ إِذَا خَرَجَ إلى الصلاةِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، قالَ: ثَنِي أَبِي، قالَ: ثَنِي عَمِّي، قالَ: ثَنِي أَبِي، عن أبيه، عن ابنِ عبَّاسٍ، في قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قالَ: «كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ، فتَطْرَحُهُ على طريقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليَعْقِرَهُ وأصحابَه»، ويُقالُ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} نَقَّالَةً للحَدِيثِ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ، قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عن إسرائِيلَ، عن أبي إِسْحَاقَ، عن رجلٍ مِن هَمْدَانَ يُقَالُ لَه: يَزِيدُ بنُ زَيْدٍ، أن امْرَأَةَ أبي لَهَبٍ كانَت تُلْقِي في طريقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشوْكَ، فنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}.
- حَدَّثَنِي أبو هريرةَ الضُّبَعِيُّ: محمدُ بنُ فِراسٍ، قالَ: ثَنَا أبو عامِرٍ، عن قُرَّةَ بنِ خالِدٍ، عن عَطِيَّةَ الجَدَلَيِّ, في قَوْلِهِ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قالَ:«كانَتْ تَضَعُ العِضَاهَ على طريقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكأنَّما يَطَأُ به كَثِيباً».
- حُدِّثْتُ عن الحُسَيْنِ، قالَ: سَمِعْتُ أبا مُعَاذٍ يقولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قالَ: سَمِعْتُ الضحَّاكَ يقولُ في قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} «كانَت تَحْمِلُ الشوْكَ، فتُلْقِيه على طريقِ نبيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليَعْقِرَه».
- حَدَّثَنِي يُونُسُ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قالَ: «كانَت تَأْتِي بأَغْصَانِ الشوكِ، فتَطْرَحُها بالليلِ في طريقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وقالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَها ذلك: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ؛ لأنها كانَت تَحْطِبُ الكلامَ، وتَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وتُعَيِّرُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفَقْرِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلَى، قالَ: ثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، قالَ: قالَ أبو المُعْتَمِرِ: زَعَمَ محمدٌ أن عِكْرِمَةَ قالَ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} «كانَت تَمْشِي بالنميمَةِ».
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ، قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ، قالَ: ثَنَا سُفيانُ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قالَ: «كانَت تَمْشِي بالنمِيمَةِ».
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ، قالَ: ثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عن سُفْيَانَ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ، مِثْلَه.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن سُفْيَانَ، عن منصورٍ، عن مُجَاهِدٍ، مثلَه.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ، قالَ: ثَنَا عيسى؛ وحَدَّثَنِي الحَارِثُ، قالَ: ثَنَا الحَسَنُ، قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قالَ: «النميمةِ».
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عن قَتَادَةَ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} أي: «كانَت تَنْقُلُ الأحاديثَ مِن بعضِ الناسِ إلى بعضٍ».
- حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلى، قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قَتَادَةَ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قالَ: «كانَت تَحْطِبُ الكلامَ، وتَمْشِي بالنمِيمَةِ».
وقالَ بعضُهم: كانَت تُعَيِّرُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالفَقْرِ، وكانَت تَحْطِبُ فعُيِّرَتْ بأنها كانَت تَحْطِبُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن سُفْيَانَ {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} قالَ: «كانَت تَمْشِي بالنميمةِ».
وأوْلى القوليْن في ذلك بالصوابِ عندِي، قولُ مَن قالَ: كانَت تَحْمِلُ الشوْكَ، فتَطْرَحُهُ في طريقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن ذلك هو أظْهَرُ معنَى ذلكَ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن عيسَى بنِ يَزِيدَ، عن أبي إسحاقَ، عن يَزِيدَ بنِ زَيْدٍ، وكانَ أَلْزَمَ شَيْءٍ لِمَسْرُوقٍ، قالَ: لمَّا نَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} بَلَغَ امْرَأَةَ أبي لَهَبٍ أن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهْجُوكِ، قالت: علامَ يَهْجُونِي؟ هل رَأَيْتُمُونِي كما قالَ محمدٌ أحْمِلُ حَطَباً {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؟ فمَكَثَتْ، ثم أَتَتْه، فقالت: إن ربَّكَ قَلاكَ ووَدَّعَ.
فأنْزَلَ اللهُ: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ). [جامع البيان: 24/ 718-722]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وامرأته حمالة الحطب قال: «يعني حمالة النميمة تمشي بالنميمة»). [تفسير مجاهد: 2/ 793]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال الحميديّ: ثنا سفيان، ثنا الوليد بن كثيرٍ، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكرٍ- رضي اللّه عنهما- قالت: «لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} أقبلت العوراء أمّ جميلٍ ابنة حربٍ ولها ولولة وفي يدها فهر»، وهي تقول: مذمم أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا. ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ في المسجد، ثمّ قرأ قرآنًا ومعه أبو بكرٍ قال: يا رسول اللّه، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّها لن تراني». وقرأ قرآنًا اعتصم به كما قال وقرأ: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً} فأقبلت حتّى وقفت على أبي بكرٍ ولم تر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا أبا بكر، إني قد أخبرت أنّ صاحبك هجاني. فقال: لا وربّ هذا البيت ما هجاك. قال: فولّت وهي تقول: قد علمت قريشٌ أنّي بنت سيّدها. قال: وقال الوليد في حديثه- أو قاله غيره-: فعثرت أمّ جميلٍ وهي تطوف بالبيت في مرطها فقالت: تعس مذمّمٌ. فقالت أمّ حكيمٍ ابنة عبد المطّلب: إنّي لحصانٌ فما أكلم، وثقات فما أعلم وكلتانا من بني العمّ، ثمّ قريشٌ بعد أعلم".
- رواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا أبو موسى الهرويّ إسحاق بن إبراهيم، ثنا سفيان بن عيينة، عن الوليد بن كثيرٍ، عن الوليد بن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: "لمّا نزلت تبّت يدا أبي لهبٍ ... " فذكره بمعناه). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 308]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا محمّد بن منصور بن موسى الطّوسيّ، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، ثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- قال: "لمّا نزلت{تبّت يدا أبي لهبٍ} جاءت امرأة أبي لهبٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه أبو بكرٍ، فلمّا رآها أبو بكرٍ قال: يا رسول اللّه، إنّها امرأةٌ بذيئةٌ، وأخاف أن تؤذيك فلو قمت. قال: «إنّها لن تراني». فجاءت فقالت: يا أبا بكرٍ، إنّ صاحبك هجاني. قال: ما يقول الشّعر. قالت: أنت عندي مصدّقٌ. وانصرفت قلت: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لم ترك! قال: «ما زال ملكٌ يسترني بجناحه»".
- قال: وثنا محمّد بن منصورٍ الطّوسيّ، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ ... فذكره.
- رواه البزّار: ثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، ثنا أبو أحمد ... فذكره.
- قال: وثنا إبراهيم بن سعيدٍ، وأحمد بن إسحاق قالا: ثنا أبو أحمد ... فذكر نحوه.
- ورواه ابن حبّان في صحيحه: أبنا أبو يعلى الموصليّ ... فذكره). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 309]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال الحميديّ: حدثنا سفيان، ثنا الوليد - هو ابن كثيرٍ - عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لمّا نزلت {تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ} أقبلت العوراء، أمّ جميلٍ، بنت حربٍ، ولها ولولةٌ، وفي يدها فهرٌ. وهى تقول: مذمّمًا أبينا - ودينه قلينا - وأمره عصينا. ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ في المسجد. ثمّ قرأ قرآنًا. ومعه صلّى اللّه عليه وسلّم أبو بكرٍ رضي الله عنه، فقال: يا رسول اللّه، قد أقبلت، وأخاف أن تراك. فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّها لن تراني»، وقرأ صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنًا اعتصم به، كما قال عز وجل: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا}، فأقبلت حتّى وقفت على أبي بكرٍ رضي الله عنه، ولم تر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا أبا بكرٍ إنّي أخبرت أنّ صاحبك هجاني. فقال رضي الله عنه: لا وربّ هذا البيت ما هجاك، قال: فولّت وهي تقول: قد علمت قريشٌ أنّي ابنة سيّدها.
قال: وقال الوليد في حديثه، أو قاله غيره: فعثرت أمّ جميلٍ وهي تطوف بالبيت في مرطها، فقالت: تعس مذمّمٌ، فقالت أمّ حكيمٍ بنت عبد المطّلب إنّي لحصانٌ فما أكلّم، ثقاف فما أعلّم وكلتانا من بني العمّ. ثم قريش بعد أعلم.
- وقال أبو يعلى: حدثنا أبو موسى الهرويّ إسحاق بن إبراهيم، ثنا سفيان بن عيينة، عن الوليد بن كثيرٍ، عن ابن تدرس، عن أسماء رضي الله عنها بطوله). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/ 462-463]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا محمّد بن منصورٍ الطّوسيّ، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، ثنا عبد السّلام بن حربٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا نزلت: {تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ}، جاءت امرأة أبي لهبٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. ومعه أبو بكرٍ رضي الله عنه، فلمّا رآها أبو بكرٍ -رضي الله عنه- قال: يا رسول اللّه، إنّها امرأةٌ بذيئة، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت. قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّها لن تراني»، فجاءت، فقالت: يا أبا بكرٍ. إنّ صاحبك هجاني، قال رضي الله عنه: ما يقول الشّعر، قالت: أنت عندي مصدّقٌ. وانصرفت، قلت: يا رسول اللّه لم ترك. قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما زال ملكٌ يسترني بجناحه».
- وقال البزّار: حدثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، وأحمد بن إسحاق، قالا: ثنا أبو أحمد، به). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/ 465-466]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ, عَن يَزيدَ بْنِ زَيْدٍ رَجُلٍ مِنْ هَمْدانَ أَنَّ امرأةَ أَبِي لَهَبٍ كَانَتْ تُلْقِي في طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّوْكَ، فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وتب (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَالْحَطَبِ}، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَلَغَ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ يَهْجُوكِ، قَالَتْ: عَلامَ يَهْجُونِي؟ هَلْ رَأَيْتُمُونِي كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْمِلُ حَطَباً, فِي جِيدِيَ حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ؟! فَمَكَثَتْ ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ رَبَّكَ قَلاكَ وَوَدَّعَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ؛ {وَالضُّحَى} إِلَى {وَمَا قَلَى}[ الضُّحَى: 1-3] ). [الدر المنثور: 15/ 736]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَن ابْنِ زَيْدٍ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. قَالَ: «كَانَتْ تَأْتِي بِأَغْصَانِ الشَّوْكِ تَطْرَحُهَا بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»). [الدر المنثور: 15/ 736]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي (ذَمِّ الغِيبَةِ)، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}، قَالَ: «كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»، {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}: مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15/ 736-737]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَنْ قَتَادَةَ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. قَالَ: «كَانَتْ تَنْقُلُ الأَحَادِيثَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ», {فِي جِيدِهَا }. قَالَ: «عُنُقِهَا»). [الدر المنثور: 15/ 737]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَن الْحَسَنِ: {حَمَّالَةَالْحَطَبِ}، قَالَ: «كَانَتْ تَحْمِلُ النميمةَ فَتَأْتِي بِهَا بُطُونَ قُرَيْشٍ»). [الدر المنثور: 15/ 737]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالبَيْهَقِيُّ فِي الدلائلِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ مَا فِي قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَالْحَطَبِ}. قَالَ: «كَانَتْ تَحْمِلُ الشوكَ فَتَطْرَحُهُ عَلَى طَرِيقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَعْقِرَهُ وَأَصْحَابَهُ». وَيُقَالُ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: «نَقَّالَةَ الْحَدِيثِ»). [الدر المنثور: 15/ 738] (م
تفسير قوله تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {حبل من مسد} قال: «قلادة من ودع»). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 406]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({في جيدها حبلٌ من مسدٍ} : يقال: من مسدٍ: ليف المقل، وهي السّلسلة الّتي في النّار ). [صحيح البخاري: 6/ 180]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: ({فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، يُقَالُ: لِيفُ المُقْلِ وهِيَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ) قُلْتُ: هما قَوْلانِ، حَكَاهُمَا الفَرَّاءُ في قَولِهِ تَعَالَى: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: «هِيَ السلسلةُ التي في النَّارِ»، ويُقالُ: المَسَدُ لِيفُ المُقْلِ. وأَخرَجَ الفِرْيَابِيُّ من طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ في قَولِهِ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قَالَ: «مِنْ حَدِيدٍ». قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: «في عُنُقِهَا حَبْلٌ مِنَ النَّارِ، والمَسَدُ عِندَ العَرَبِ حِبَالٌ مِن ضُرُوبٍ»). [فتح الباري: 8/ 738]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن جرير: ثنا أبو كريب، ثنا وكيع عن أبيه ،عن الأعمشـ عن مجاهد: {من مسد} قال: من حديد). [تغليق التعليق: 4/ 380]،
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، يُقَالُ: مَسَدٍ: لِيفِ الْمُقْلِ وَهِيَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ).
هَذَانِ قَوْلاَنِ حَكَاهُمَا الْفَرَّاءُ:
الأَوَّلُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} أَيْ: فِي عُنُقِهَا حَبْلٌ مِنْ لِيفِ الْمُقْلِ هَذَا كَانَ فِي الدُّنْيَا حِين كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مِنْ مَسَدٍ} هِيَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةَ: سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا تَدْخُلُ مِنْ فِيهَا وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا وَتُلْوَى سَائِرُهَا فِي عُنُقِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [عمدة القاري: 20/ 8]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {فِي جِيدِهَا}؛ عُنُقِهَا، {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؛ يُقَالُ مِنْ مَسَدِ لِيفِ الْمُقْلِ، وَذَلِكَ هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي كَانَتْ تَحْتَطِبُ بِهِ، فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ حَامِلَةً الْحُزْمَةَ أَعْيَتْ، فَقَعَدَتْ عَلَى حَجَرٍ؛ لِتَسْتَرِيحَ أَتَاهَا مَلَكٌ، فَجَذَبَهَا مِنْ خَلْفِهَا فَأَهْلَكَهَا (وَ) قِيلَ: (هِي السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ) مِنْ حَدِيدٍ ذَرْعُهُا سَبْعُونَ ذِرَاعًا، تَدْخُلُ مِنْ فَمِهَا، وَتَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا، وَيَكُونُ سَائِرُهَا فِي عُنُقِهَا فُتِلَتْ مِنْ حَدِيدٍ فَتْلاً مُحْكَمًا، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) الَّذِي هُوَ نَعْتٌ لامْرَأَتِهِ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُقَدَّرٍ). [إرشاد الساري: 7/ 438]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُه: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؛ يقولُ: في عُنُقِهَا؛ والعربُ تُسَمِّي العنُقَ جِيداً؛ ومِنه قولُ ذِي الرُّمَّةِ:
فَعَيْنَاكِ عَيْنَاهَا وَلَوْنُكِ لَوْنُهَا.......وجِيدُكِ إِلاَّ أَنَّها غَيْرُ عاطِلِ
وبالذي قُلنا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
-حَدَّثَنِي يُونُسُ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ، في قَوْلِ اللهِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ}؛ قالَ: «في رَقَبَتِها».
وقولُه: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؛ اخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في ذلك؛ فقَالَ بَعْضُهُم: هي حبالٌ تَكُونُ بِمَكَّةَ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حُدِّثْتُ عن الحسيْنِ، قالَ: سَمِعْتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قالَ: سَمِعْتُ الضحَّاكَ يقولُ في قَوْلِهِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؛ قالَ: «حبلٌ مِن شَجَرٍ، وهو الحبْلُ الذي كانَت تَحْتَطِبُ به».
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، قالَ: ثَنِي أَبِي، قالَ: ثَنِي عَمِّي، قالَ: ثَنِي أَبِي، عن أبيه، عن ابنِ عبَّاسٍ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؛ قالَ: «هي حبالٌ تكونُ بمكَّةَ», ويُقالُ: المَسَدُ: العصا التي تكونُ في البَكَرَةِ، ويُقالُ: المسَدُ: قِلادَةٌ مِن وَدَعٍ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ: في قَوْلِهِ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؛ قالَ: «حبالٌ من شجرٍ تَنْبُتُ في اليمَنِ لها مَسَدٌ، وكانَت تُفْتَلُ», وقالَ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}؛ «حبلٌ مِن نارٍ في رَقَبَتِها».
وقالَ آخَرُونَ: المَسَدُ: اللِّيفُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ، قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عن السُّدِّيِّ، عن يَزِيدَ، عن عُرْوَةَ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «سِلْسِلَةٌ مِن حديدٍ، ذَرْعُها سَبعونَ ذِراعاً».
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن سُفْيَانَ، عن السُّدِّيِّ، عن رجلٍ يُقالُ له: يَزِيدُ، عن عُرْوَةَ بنِ الزبَيْرِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «سِلْسِلَةٌ ذَرْعُها سبعونَ ذِراعاً».
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ، قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ، قالَ: ثَنَا سُفيانُ، عن يزيدَ، عن عُروةَ بنِ الزبيرِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «سِلْسِلةٌ ذَرْعُها سبعون ذِراعاً».
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ، قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عن أبيه، عن الأَعْمَشِ، عن مُجَاهِدٍ {مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «مِن حديدٍ».
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن سُفْيَانَ {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «حبلٌ في عُنُقِها في النارِ مِثْلُ طَوْقٍ، طولُه سبعونَ ذِراعاً».
وقالَ آخَرُونَ: المَسَدُ: الحديدُ الذي يكونُ في البَكَرَةِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عن سُفْيَانَ، عن منصورٍ، عن مُجَاهِدٍ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «الحديدةُ التي تكونُ في البَكَرَةِ».
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ، قالَ: ثَنَا عيسى؛ وحَدَّثَنِي الحَارِثُ، قالَ: ثَنَا الحسَنُ، قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «عودُ البَكَرَةِ مِن حديدٍ».
- حَدَّثَنِي الحَارِثُ، قالَ: ثَنَا الحسَنُ، قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِدٍ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «كحديدةِ البَكَرَةِ».
- حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلى، قالَ: ثَنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، قالَ: قالَ أبو المُعْتَمِرِ: زَعَمَ محمدٌ أن عِكْرِمَةَ قالَ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}: «إنَّه الحديدةُ التي في وسَطِ البكَرَةِ».
وقالَ آخَرُونَ: هو قِلاَدَةٌ مِنْ وَدَعٍ في عُنُقِهَا.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عن قَتَادَةَ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «قِلادَةٌ مِن وَدَعٍ».
- حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلى، قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قَتَادَةَ: {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} قالَ: «قِلاَدَةٌ مِن وَدَعٍ».
وأَوْلَى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، قولُ مَن قالَ: هو حبلٌ جُمِعَ مِن أنواعٍ مختلِفَةٍ، ولذلك اخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في تأوِيلِه على النحوِ الذي ذكَرْنا، ومما يَدُلُّ على صِحَّةِ ما قلنا في ذلك قولُ الراجِزِ:
وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانِقِ ....... صُهْبٍ عِتاقٍ ذَاتِ مُخٍّ زَاهِقِ
فجَعَلَ إمرارَه مِن شتىَّ، وكذلك المسدُ الذي في جِيدِ امرأةِ أبي لهبٍ، أُمِرَّ من أشياءَ شتَّى، مِن لِيفٍ وحديدٍ ولِحَاءٍ، وجُعِلَ في عُنُقِها طَوْقاً كالقِلادةِ مِن وَدَعٍ؛ ومِنه قوْلُ الأعشَى:
تُمْسِي فيَصْرِفُ بابُها مِن دُونِنَا ....... غَلْقاً صَرِيفَ مَحَالَةِ الأَمْسَادِ
يعني بالأمسادِ: جمعَ مَسَدٍ، وهي الحِبالُ). [جامع البيان: 24/ 722-726]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ, عَن يَزيدَ بْنِ زَيْدٍ رَجُلٍ مِنْ هَمْدانَ أَنَّ امرأةَ أَبِي لَهَبٍ كَانَتْ تُلْقِي في طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّوْكَ، فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وتب (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَالْحَطَبِ}، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَلَغَ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ يَهْجُوكِ، قَالَتْ: «عَلامَ يَهْجُونِي؟ هَلْ رَأَيْتُمُونِي كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَحْمِلُ حَطَباً, فِي جِيدِيَ حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ؟! فَمَكَثَتْ ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ رَبَّكَ قَلاكَ وَوَدَّعَكَ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ؛ {وَالضُّحَى} إِلَى {وَمَا قَلَى}). [الدر المنثور: 15/ 736] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي (ذَمِّ الغِيبَةِ)، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}؛ قَالَ: «كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»، {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}: مِنْ نَارٍ). [الدر المنثور: 15/ 736-737] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ, عَنْ قَتَادَةَ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}، قَالَ: «كَانَتْ تَنْقُلُ الأَحَادِيثَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ», {فِي جِيدِهَا}. قَالَ: «عُنُقِهَا»). [الدر المنثور: 15 /737] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وابْنُ مَرْدُويَهْ وَابْنُ الأَنْبَارِيِّ فِي (المَصَاحِفِ) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}. قَالَ: «سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ نَارٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً»). [الدر المنثور: 15 /737]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ أبِي حَاتِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، قَالَ: «لِيفٍ»). [الدر المنثور: 15/ 737]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، قَالَ: «مِثْلُ حَدِيدَةِ الْبَكَرَةِ»). [الدر المنثور: 15/ 737]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ عَنْ قَتَادَةَ : {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، قَالَ: «مِن الوَدَعِ»). [الدر المنثور: 15/ 738]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالبَيْهَقِيُّ فِي الدلائلِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ مَا فِي قَوْلِهِ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَالْحَطَبِ}، قَالَ: «كَانَتْ تَحْمِلُ الشوكَ فَتَطْرَحُهُ عَلَى طَرِيقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَعْقِرَهُ وَأَصْحَابَهُ». وَيُقَالُ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: نَقَّالَةَ الْحَدِيثِ، {حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}.
قَالَ: هِيَ حبالٌ تَكُونُ بِمَكَّةَ.
وَيُقَالُ: المَسَدُ العَصَا الَّتِي تَكُونُ فِي البَكَرَةِ.
وَيُقَالُ: المَسَدُ قلادةٌ لَهَا مِنْ وَدَعٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكرَ عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَقِيلاً دَخَلَ عَلَى مُعاويةَ فقالَ معاويةُ لعَقِيلٍ: أينَ تُرَى عَمَّكَ أبا لهبٍ منَ النارِ؟ فقالَ لهُ عَقِيلٌ: إذا دَخلتَها فهوَ عَلى يسارِكَ مُفترشٌ عمَّتَكَ حمالةَ الحطبِ، والراكبُ خيرٌ مِنَ المركُوبِ). [الدر المنثور: 15 / 738]