العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء عم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 09:51 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة الكافرون [ من الآية (1) إلى آخر السورة ]

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}

روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب النزول
- الناسخ والمنسوخ الآية رقم (6)
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 10:29 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني حفص بن عمر، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب قال: قراءة {قل يا أيها الكافرون}، {إذا جاء نصر الله والفتح}، فإنهما يغنيان من الفقر). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 36]
‌‌‌ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لنبيِّه محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانَ المُشْرِكونَ مِن قوْمِه فيما ذُكِرَ عَرَضُوا عَلَيه أن يَعْبُدوا اللهَ سَنَةً، على أن يَعْبُدَ نبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلِهَتَهُم سنَةً، فأنْزَلَ اللهُ مُعَرِّفَهُ جوابَهم في ذلك: {قُلْ} يَا محمدُ لهؤلاءِ المشركين الذين سأَلُوك عبادَةَ آلِهَتِهم سنَةً، على أن يَعْبُدوا إلَهَكَ سنةً: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} باللهِ). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {لا أعبد ما تعبدون} : «الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري»). [صحيح البخاري: 6 / 178]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (وقَالَ غَيرُهُ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) إلخ سَقَطَ: وقَالَ غَيرُهُ لأبِي ذَرٍّ، والصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأنَّه لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلامِ الفَرَّاءِ، بل هُو كلامُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ في قَولِهِ تَعَالَى: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}: كَأَنَّهُمْ دَعَوْهُ إلى أنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ ويَعْبُدُونَ إِلَهَهُ فقالَ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ في الجَاهِلِيَّةِ والإسلامِ، ولا أنا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمُ الآنَ أي: لا أَعْبُدُ الآنَ مَا تَعْبُدُونَ، ولا أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ وتَعْبُدُونَ مَا أَعْبُدُ. انْتَهَى). [فتح الباري: 8 / 732]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وَقَالَ غَيْرُهُ: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآنَ، وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي {ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا})، لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لَفْظُ: "وَقَالَ غَيْرُهُ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلاَمِ الْفَرَّاءِ بَلْ هُوَ كَلاَمُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قُلْتُ: الصَّوَابُ حَذْفُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَّى يُقَالَ بَعْدَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ وَحَاصِلٌ.
قَوْلُهُ: {لاَ أَعْبُدُ} إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمُ الَّذِينَ؛ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ فِي الْحَالِ وَلاَ فِي الاسْتِقْبَالِ مَا تَعْبُدُونَ، إِنَّمَا قَالَ: "مَا" وَلَمْ يَقُلْ: "مَنْ" لأَنَّ الْمُرَادَ الصِّفَةُ كَأَنَّهُ قَالَ: لاَ أَعْبُدُ الْبَاطِلَ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْبُدُونَ الْحَقَّ. وَقِيلَ: "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ وَلاَ تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي ثُمَّ وَجْهُ التَّكْرَارِ فِيهِ التَّأْكِيدُ؛ لأَنَّ مِنْ مَذَاهِبِ الْعَرَبِ التَّكْرَارَ إِرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَالإِفْهَامِ، كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الاِخْتِصَارَ إِرَادَةَ التَّخْفِيفِ وَالإِيجَازِ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هُوَ إِمَّا لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَلِِلاسْتِقْبَالِ مَجَازًا أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ هُوَ مُشْتَرَكٌ وَكَيْفَ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ قُلْتُ: الشَّافِعِيَّةُ جَوَّزُوا ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَجَوَّزُوهُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ.
قَوْلُهُ: وَهُمُ الَّذِينَ أَيِ: الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: أَنْتُمْ.
هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمْ {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ}. إِلَى آخِرِهِ). [عمدة القاري: 20 / 4-5]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْفَرَّاءِ -وَسَقَطَ ذَا لأَبِي ذَرٍّ-: وَهُوَ الصَّوَابُ لأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ في كَلاَمِ الْمُصَنِّفِ عَزْوٌ، فَتَصْوِيبُ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لإِثْبَاتِهِ فِيهِ نَظَرٌ لاَ يَخْفَى. (لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الآنَ وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي) أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ). [إرشاد الساري: 7 / 435]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} مِن الآلهةِ والأوثانِ الآنَ). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3]: وهم الّذين قال: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} [المائدة: 64]). [صحيح البخاري: 6 / 178]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (وقَالَ غَيرُهُ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) إلخ سَقَطَ: وقَالَ غَيرُهُ لأبِي ذَرٍّ، والصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأنَّه لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلامِ الفَرَّاءِ، بل هُو كلامُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ في قَولِهِ تَعَالَى: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}: كَأَنَّهُمْ دَعَوْهُ إلى أنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ ويَعْبُدُونَ إِلَهَهُ فقالَ: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ في الجَاهِلِيَّةِ والإسلامِ، ولا أنا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمُ الآنَ أي: لا أَعْبُدُ الآنَ مَا تَعْبُدُونَ، ولا أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ وتَعْبُدُونَ مَا أَعْبُدُ. انْتَهَى). [فتح الباري: 8 / 732] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وَقَالَ غَيْرُهُ: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآنَ، وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي {ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا})، لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لَفْظُ: "وَقَالَ غَيْرُهُ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلاَمِ الْفَرَّاءِ بَلْ هُوَ كَلاَمُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قُلْتُ: الصَّوَابُ حَذْفُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَتَّى يُقَالَ بَعْدَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ وَحَاصِلٌ.
قَوْلُهُ: {لاَ أَعْبُدُ} إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمُ الَّذِينَ؛ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ فِي الْحَالِ وَلاَ فِي الاسْتِقْبَالِ مَا تَعْبُدُونَ، إِنَّمَا قَالَ: "مَا" وَلَمْ يَقُلْ: "مَنْ" لأَنَّ الْمُرَادَ الصِّفَةُ كَأَنَّهُ قَالَ: لاَ أَعْبُدُ الْبَاطِلَ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْبُدُونَ الْحَقَّ. وَقِيلَ: "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: لاَ أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ وَلاَ تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي ثُمَّ وَجْهُ التَّكْرَارِ فِيهِ التَّأْكِيدُ؛ لأَنَّ مِنْ مَذَاهِبِ الْعَرَبِ التَّكْرَارَ إِرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَالإِفْهَامِ، كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الاِخْتِصَارَ إِرَادَةَ التَّخْفِيفِ وَالإِيجَازِ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هُوَ إِمَّا لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَلِِلاسْتِقْبَالِ مَجَازًا أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ هُوَ مُشْتَرَكٌ وَكَيْفَ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ قُلْتُ: الشَّافِعِيَّةُ جَوَّزُوا ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَجَوَّزُوهُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ.
قَوْلُهُ: وَهُمُ الَّذِينَ أَيِ: الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: أَنْتُمْ.
هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمْ {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ}. إِلَى آخِرِهِ). [عمدة القاري: 20 / 4-5] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَهُمُ الذِّينَ قَالَ) اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} وما في هَذِه السُّورَةِ بِمَعْنَى الَّذِي، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الأَصْنَامَ كَمَا فِي الآيةِ الأُولَى والثَّالثةِ فَوَاضِحٌ؛ لأَنَّهُم غيرُ عُقَلاَءَ، وَ"مَا" أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ الْعُقَلاَءِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا الْبَارِي تَعَالَى كَمَا فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ وُقُوعَهَا عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، ومَنْ مَنَعَ جَعَلَهَا مَصْدَرِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ عِبَادَتِي أَيْ: مِثْلَ عِبَادَتِي. وَقَالَ أَبُو مُسْلمٍ: مَا فِي الأَوَّلَيْنِ بِمَعْنَى الَّذِي، والمقصودُ المعبودُ، وما في الأُخْرَى مَصْدَرِيَّةٌ أيْ: لاَ أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمُ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الشَّكِّ وَتَرْكِ النَّظَرِ، وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مِثْلَ عِبَادَتِي الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْيَقِينِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّها كُلُّهَا بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، أَوِ الأُولَيَانِ بِمَعْنَى الَّذِي وَالأُخْرَيَانِ مَصْدَرِيَّتَانِ، وَهَلِ التَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ أَمْ لاَ). [إرشاد الساري: 7 / 435]
‌‌‌قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} الآنَ). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وَلاَ أَنَا عَابِدٌ} فيما أسْتَقْبِلُ {مَا عَبَدْتُمْ} فيما مضَى). [جامع البيان: 24 / 702]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) }
‌‌‌ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ} فيما تَسْتَقْبِلُونَ أَبَداً {مَا أَعْبُدُ} أنا الآنَ، وفيما أسْتَقْبِلُ.
وإنما قِيلَ ذلك كذلك؛ لأن الخِطابَ مِن اللهِ كانَ لرسولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أشخاصٍ بأعيانِهِم مِن المُشْرِكين، قد عَلِمَ أنهم لا يُؤْمِنُون أبداً، وسَبَق لهم ذلك في السابِقِ مِن عِلْمِهِ، فأمَرَ نَبِيَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُؤْيِسَهُم مِن الذي طَمِعُوا فيه، وحَدَّثُوا به أنفسَهم، وأن ذلك غيرُ كائِنٍ مِنه ولا مِنهم، في وقتٍ مِن الأوقاتِ، وآيَسَ نبيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الطمَعِ في إِيْمانِهم، ومِن أن يُفْلِحُوا أبداً، فكانُوا كذلك لم يُفْلِحُوا ولم يَنْجَحُوا، إلى أن قُتِلَ بعضُهم يومَ بَدْرٍ بالسيفِ، وهلَكَ بعضٌ قَبْلَ ذلك كافِراً.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قالَ أهلُ التأويلِ، وجاءَتْ به الآثارُ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي محمدُ بنُ موسى الحَرَشِيُّ، قالَ: ثَنَا أبو خَلَفٍ، قالَ: ثَنَا داودُ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: إنَّ قُرَيْشاً وَعَدُوا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُعْطُوه مالاً، فيكونَ أغنَى رجلٍ بمكَّةَ، ويُزَوِّجُوه ما أرادَ مِن النساءِ، ويَطِئُوا عَقِبَه، فقالُوا له: هذا لكَ عندَنا يا محمدُ، وكُفَّ عن شَتْمِ آلِهَتِنَا، فلا تَذْكُرْهَا بسوءٍ، فإنْ لم تَفْعَلْ، فإِنَّا نَعْرِضُ عليك خَصْلَةً واحِدَةً، فهي لك ولنا فيها صلاحٌ. قالَ: «مَا هِيَ؟» قالُوا: تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سنةً: اللاتَ والعُزَّى، ونَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً. قالَ:«حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَأْتِي مِنْ عِنْدِ رَبِّي».
فجاءَ الوَحيُ من اللوحِ المحفوظِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} السورةَ، وأنْزَلَ اللهُ: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} إلى.... قوْلِهِ: {بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قالَ: ثَنَا ابنُ عُلَيَّةَ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، قالَ: ثَنِي سعيدُ بنُ مِينا مَوْلَى البَخْتَرِيِّ، قالَ: لَقِيَ الوليدُ بنُ المُغِيرَةِ والعاصُ بنُ وائِلٍ، والأسودُ بنُ المُطَّلِبِ، وأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ، رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالُوا: يا مُحَمَّدُ، هَلُمَّ فلْنَعْبُدْ ما تَعْبُدُ، وتَعْبُدْ ما نَعْبُدُ، ونُشْرِكَكُ في أمْرِنَا كلِّه، فإِنْ كانَ الذي جِئْتَ به خيراً مما بأَيْدِينا كنَّا قد شَرَكْنَاكَ فيه، وأخَذْنَا بِحَظِّنَا مِنه, وإن كانَ الذي بأَيْدِينا خيراً مِمَّا في يَدَيْكَ، كُنْتَ قَدْ شَرَكْتَنَا في أَمْرِنَا، وأَخَذْتَ مِنه بِحَظِّكَ. فأَنْزَلَ اللهُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حتَّى انْقَضَتِ السورةُ). [جامع البيان: 24 / 702-704]

تفسير قوله تعالى: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال: {لكم دينكم} : «الكفر» ، {ولي دين} : «الإسلام، ولم يقل ديني، لأنّ الآيات بالنّون، فحذفت الياء» ، كما قال: {يهدين} [الكهف: 24] و {يشفين} [الشعراء: 80] ). [صحيح البخاري: 6 / 178]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (يُقَالُ: {لَكُمْ دِينُكُمْ}: الكُفْرُ، {وَلِيَ دِينِ} الإسلامُ، ولم يَقُلْ: دِينِي؛ لأنَّ الآياتِ بالنُّونِ فحُذِفَتِ الياءُ كَمَا قَالَ: يَهْدِينِ ويَشْفِينِ). هُو كلامُ الفَرَّاءِ بلَفْظِهِ). [فتح الباري: 8 / 732]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( ({لَكُمْ دِينُكُمْ} الْكُفْرُ {وَلِيَ دِينِ} الإِسْلاَمُ وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي؛ لأَنَّ الآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَتِ الْيَاءُ كَمَا قَالَ: {يَهْدِينِ} {وَيَشْفِينِ}).
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ} أَيْ: لَكُمْ دِينُ الْكُفْرِ وَلِيَ دِينُ الإِسْلاَمِ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْفَرَّاءُ وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ وَهِشَامٌ {وَلِيَ} بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا وَهَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقُلْ دِينِيِ). إِلَى آخِرِهِ، حَاصِلُهُ أَنَّ النُّونَاتِ أَيِ الْفَوَاصِلَ كُلَّهَا بِحَذْفِ الْيَاءِ رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} فَإِنَّ الْيَاءَ حُذِفَتْ فِي كُلِّهَا رِعَايَةً لِلْفَوَاصِلِ وَالتَّنَاسُبِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ). [عمدة القاري: 20 / 4]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يُقَالُ: لَكُمْ دِينُكُمْ) أَيِ (الْكُفْرُ، وَلِيَ دِينِ) أَيِ (الإِسْلاَمُ) وَهَذَا قَبْلَ الأَمْرِ بِالْجِهَادِ. وَقَالَ في الأَنْوَارِ: لَكُمْ دِينُكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ لا تَتْرُكُونَهُ، وَلِيَ دِينِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لا أَرْفُضُهُ، فَلَيْسَ فِيهِ إِذْنٌ فِي الْكُفْرِ، وَلاَ مَنْعٌ عَنِ الْجِهَادِ لِيَكُونَ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْقِتَالِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ إِذَا فُسِّرَ بِالْمُتَارَكَةِ وَتَقْرِيرِ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى دِينِهِ. (وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي) بِالْيَاءِ بَعْدَ النُّونِ؛ (لأَنَّ الآياتِ) الَّتِي قَبْلَهَا (بِالنُّونِ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ) رِعَايَةً لِتَنَاسُبِ الْفَوَاصِلِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ (كَمَا قَالَ) فَهُوَ (يَهْدِينِ وَيَشْفِينِ) بِحَذْفِ الْيَاءِ فِيهِمَا لِذَلِكَ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ). [إرشاد الساري: 7 / 435]
‌‌‌ قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَكُمْ دِينُكم فَلاَ تَتْرُكونه أبداً؛ لأنه قد خُتِمَ عليكم، وقُضِيَ ألا تَنْفَكُّوا عنه، وأنكم تَمُوتُون عليه، ولي دِينِي الذي أنا عليه، لا أَتْرُكُه أبداً؛ لأنه قد مَضَى في سابِقِ عِلْمِ اللهِ أَنِّي لا أَنْتَقِلُ عنه إلى غَيْرِهِ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ، قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِ اللهِ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} قالَ: لِلْمُشْرِكِينَ, قالَ: واليهودُ لا يَعْبُدُونَ إلاَّ اللهَ ولا يُشْرِكُون، إِلاَّ أنهم يَكْفُرونَ ببعضِ الأنبياءِ، وبما جاؤُوا به مِن عندِ اللهِ، ويَكْفُرونَ برسولِ اللهِ، وبما جاءَ به مِن عندِ اللهِ، وقَتَلُوا طوائِفَ الأنبياءِ ظُلماً وعُدواناً، قالَ: إلا العِصابَةُ التي بَقُوا، حتى خَرَجَ بُخْتَنَصَّرَ، فقالوا: عُزَيْرٌ ابنُ اللهِ، دَعِيُّ اللهَ ولم يَعْبُدُوه ولم يَفْعَلُوا كما فَعَلَت النصارَى، قالوا: المسيحُ ابنُ اللهِ وَعَبَدُوه.
وكانَ بَعْضُ أهْلِ العربِيَّةِ يقولُ: كَرَّرَ قَوْلَه: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وما بعدَه على وَجْهِ التوكيدِ، كما قيلَ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} وكقولِه: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}). [جامع البيان: 24 / 704]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 رجب 1434هـ/7-06-2013م, 07:42 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما تكرار الكلام من جنس واحد وبعضه يجزئ عن بعض، كتكراره في: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي سورة الرحمن بقوله: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] فقد أعلمتك أنّ القرآن نزل بلسان القوم، وعلى مذاهبهم. ومن مذاهبهم التكرار: إرادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار: إرادة التخفيف والإيجاز، لأن افتنان المتكلم والخطيب في الفنون، وخروجه عن شيء إلى شيء- أحسن من اقتصاره في المقام على فنّ واحد). [تأويل مشكل القرآن: 235]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ولا موضع أولى بالتكرار للتوكيد من السبب الذي أنزلت فيه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] لأنهم أرادوه على أن يعبد ما يعبدون، ليعبدوا ما يعبد، وأبدؤوا في ذلك وأعادوا، فأراد الله، عزّ وجلّ، حسم أطماعهم وإكذاب ظنونهم، فأبدأ وأعاد في الجواب. وهو معنى قوله: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] أي تلين لهم في دينك فيلينون في أديانهم). [تأويل مشكل القرآن: 237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة. قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله..} فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95].
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي. وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] شيئا بعد شيء. فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 2، 3]. يريد إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 4، 5]. على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت. قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن: 237-238](م)

تفسير قوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {لا أعبد ما تعبدون...}. فقالوا للعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم: قل لابن أخيك يستلم صنما من أصنامنا فنتبعه، فأخبره بذلك العباس، فأتاهم النبي -صلى الله عليه- وهم في حلقة؛ فاقترأ عليهم هذه السورة فيئسوا منه وآذوه، وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم). [معاني القرآن: 3/ 297]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} أي لا أعبد الآن ما تعبدون ولا أجيبكم فيما بقى أن أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد، إلا أنه في التمثيل أن الكافرين دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يعبد آلهتهم ويعبدون هم إله النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به فيما مضى والآن؛ فأنزل الله عليه {لا أعبد ما تعبدون} في الجاهلية {ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الجاهلية والإسلام). [مجاز القرآن: 2/ 314]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} قال: {لا أعبد ما تعبدون} {ولا أنتم عابدون} لأن {لا} تجري مجرى {ما} فرفعت على خبر الابتداء). [معاني القرآن: 4/ 53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل يا أيّها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)} أي لست في حالي هذه عابدا ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم. أي ولا أعبد فيما أستقبل ما عبدتم، ولا أنتم فيما تستقبلون عابدون ما أعبد - فهذا نفي الحال، وأن يكون أيضا فيما يستقبل، ينتقل عن الحال.
وكذلك نفى عنهم العبادة في الحال للّه عزّ وجلّ وفي الاستقبال. وهذا -واللّه أعلم- في قومه أعلمه الله أنهم لا يؤمنون كما قال عزّ وجلّ في قصة نوح: {لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن} ). [معاني القرآن: 5/ 371]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} قال: عدد هذه الحالات للأزمنة أي: لا لليوم ولا أمس ولا لغد، فآيسهم مما طلبوا). [ياقوتة الصراط: 601]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولا أنا عابدٌ ما عبدتم} الآن ما أعبد، أي لا أعبد الآن ما تعبدون ولا أجيبكم فيما بقى أن أعبد ما تعبدون. {ولا أنتم عابدون ما أعبد}). [مجاز القرآن: 2/ 314]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل يا أيّها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)} أي لست في حالي هذه عابدا ما تعبدون {ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم}. أي ولا أعبد فيما أستقبل ما عبدتم، ولا أنتم فيما تستقبلون عابدون ما أعبد - فهذا نفي الحال، وأن يكون أيضا فيما يستقبل، ينتقل عن الحال.
وكذلك نفى عنهم العبادة في الحال للّه عزّ وجلّ وفي الاستقبال. وهذا -واللّه أعلم- في قومه أعلمه الله أنهم لا يؤمنون كما قال عزّ وجلّ في قصة نوح: {لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن}
). [معاني القرآن: 5/ 371](م)

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (ثم قال: {لكم دينكم}: الكفر، {ولي دين} الإسلام. ولم يقل: ديني؛ لأن الآيات بالنون فحذفت الياء، كما قال: {فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين}). [معاني القرآن: 3/ 297]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {لكم دينكم ولي دين (6)} قيل هذا قبل أن يؤمر -صلى الله عليه وسلم– بالقتال). [معاني القرآن: 5/ 371]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 رجب 1434هـ/7-06-2013م, 07:44 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]



تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال للقرح وللجدري إذا يبس وتقرف وللجرب في الإبل إذا قفل قد توسف جلده وتقشقش جلده قال الأصمعي: وكان يقال لـ: {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} المقشقشتان أي إنهما تبرئان من النفاق). [إصلاح المنطق: 415]

تفسير قوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) }


تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) }

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والياء المكسور ما قبلها لا يدخلها خفض ولا رفع لثقل ذلك، نحو ياء القاضي، ويدخلها الفتح في قولك: رأيت القاضي؛ فلذلك بنيت هذه الياء على الفتح.
وإنما جاز إسكانها في قولك: هذا غلامي، وزيد ضربني؛ لأن ما قبلها معها بمنزلة شيء واحد، فكان عوضاً مما يحذف منها، والحركات مستثقلة في حروف المد واللين؛ فلذلك أسكنت استخفافاً.
فمما حركت فيه على الأصل قول الله عز وجل: {يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه} حركت الياء على الأصل، وألحقت الهاء لبيان الحركة في الوقف.
فإن وصلت حذفتها؛ لأن حركة الياء تظهر في ماليه وسلطانيه، وما كان مثل هذا إنما هو بمنزلة قولك {فبهداهم اقتده} فإن وصلت حذفت. وكذلك يقرأ: {لكم دينكم ولي دين} على الإسكان والحركة.
فإن كان ما قبل هذه الياء ساكناً فالحركة فيها لا غير لئلا يلتقي ساكنان، وذلك قولك: هذه عشري يا فتى، وهذه رحاي فاعلم. و{يا بني لا تدخلوا من باب واحد} حذفت النون للإضافة، وأدغمت الياء التي كانت في ياء الإضافة. فحركت ياء الإضافة لئلا يلتقي ساكنان على أصلها، وكذلك قولك: {هي عصاي أتوكأ عليها} لا يكون إلا ذلك لما ذكرت لك من سكون ما قبلها.
وأما قوله: {يا بني إنها إن تك} فإنما أضاف قوله بني فاعلم، الياء ثقيلة فتصرف في الكلام؛ لأن الواو والياء إذا سكن ما قبل كل واحد منهما جريا مجرى غير المعتل. نحو: دلو، وظبي، ومغزو، ومرمي. لا يكون ذلك إلا معرباً). [المقتضب: 4/ 248-249] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {قل يا أيّها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابدٌ مّا عبدتّم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين}.
قرأ أبيّ بن كعبٍ، وابن مسعودٍ: (قل للّذين كفروا).
وروي في سبب هذه السورة عن ابن عبّاسٍ وغيره: أن جماعةً من عتاة قريشٍ ورجالاتها قالوا للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: دع ما أنت فيه ونحن نموّلك ونزوّجك من شئت من كرائمنا، ونملّكك علينا، وإن لم تفعل فلتعبد آلهتنا ونعبد إلهك؛ حتى نشترك، فحيث كان الخير نلناه جميعًا. هذا معنى قولهم ولفظهم، لكن للرواة زيادةٌ ونقصٌ.
وروي أن هذه الجماعة المذكورة هم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائلٍ، والأسود بن عبد المطّلب، وأميّة بن خلفٍ، وأبيّ بن خلفٍ، وأبو جهلٍ، وابنا الحجّاج، ونظراؤهم ممّن لم يسلم بعد.
ولرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معهم في هذه المعاني مقاماتٌ، نزلت السورة في إحداها بسبب قولهم: هلمّ نشترك في عبادة إلهك وآلهتنا. وروي أنهم قالوا: اعبد إلهنا عامًا، ونعبد إلهك عامًا.
فأخبرهم عن أمره عزّ وجلّ أنه لا يعبد ما يعبدون، وأنهم غير عابدين ما يعبد). [المحرر الوجيز: 8/ 701]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (فلمّا كان قوله: {لا أعبد} محتملًا أن يراد به الآن، ويبقى المستأنف منتظرًا ما يكون فيه من عبادته جاء البيان بقوله: {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم}. أي: أبدًا وما حييت). [المحرر الوجيز: 8/ 701]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ جاء قوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} حتمًا عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدًا، كالذي كشف الغيب، فهذا كما قيل لنوحٍ عليه السلام: {إنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن}.
أما إنّ هذا في معيّنين، وقوم نوحٍ عموا بذلك، فهذا معنى الترديد الذي في السورة، وهو بارع الفصاحة، وليس بتكرارٍ فقط، بل فيه ما ذكرته مع التأكيد والإبلاغ). [المحرر الوجيز: 8/ 701-702]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وزاد الأمر بيانًا وتبرّيًا منهم بقوله: {لكم دينكم ولي دين}. وفي هذا المعنى الذي عرضت قريشٌ نزل أيضًا: {قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون}.
وقرأ أبو عمرٍو: (ولي دين) ساكنة الياء في (لي)، ونصبها الباقون - بخلافٍ عن كلّ واحدٍ منهم - والقراءتان حسنتان.
وأمال قومٌ (عابدٌ) و(عابدون) وفتحها قومٌ، وهما حسنتان أيضًا.
ولم يختلف السبعة في حذف الياء من {دين}، وأثبتها سلاّمٌ، ويعقوب في الوصل والوقف.
وقال بعض العلماء: في هذه الألفاظ مهادنةٌ ما، وهي منسوخةٌ بآية القتال). [المحرر الوجيز: 8/ 702]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم اللّه الرّحمـن الرّحيم
{قل يا أيّها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابدٌ ما عبدتّم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين}.
هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرةٌ بالإخلاص فيه؛ فقوله: {قل يا أيّها الكافرون}. شمل كلّ كافرٍ على وجه الأرض، ولكن المواجهون بهذا الخطاب هم كفّار قريشٍ.
وقيل: إنّهم من جهلهم دعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عبادة أوثانهم سنةً، ويعبدون معبوده سنةً؛ فأنزل اللّه هذه السّورة.
وأمر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيها أن يتبرّأ من دينهم بالكلّيّة؛ فقال: {لا أعبد ما تعبدون}. يعني: من الأصنام والأنداد.
{ولا أنتم عابدون ما أعبد}. وهو اللّه وحده، لا شريك له، فـ"ما" ههنا بمعنى "من".
ثمّ قال: {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد}. أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنّما أعبد اللّه على الوجه الذي يحبّه ويرضاه.
ولهذا قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. أي: لا تقتدون بأوامر اللّه وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم؛ كما قال: {إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى}. فتبرّأ منهم في جميع ما هم فيه؛ فإنّ العابد لابدّ له من معبودٍ يعبده وعبادةٍ يسلكها إليه.
فالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأتباعه يعبدون اللّه بما شرعه، ولهذا كان كلمة الإسلام: لا إله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول اللّه، أي: لا معبود إلاّ اللّه، ولا طريق إليه إلاّ ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، والمشركون يعبدون غير اللّه عبادةً لم يأذن بها اللّه؛ ولهذا قال لهم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم: {لكم دينكم ولي دين}.
كما قال تعالى: {وإن كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريءٌ ممّا تعملون}.
وقال: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم}.
وقال البخاريّ: يقال: {لكم دينكم} الكفر، {ولي دين} الإسلام، ولم يقل: ديني؛ لأنّ الآيات بالنّون، فحذف الياء كما قال {فهو يهدين}، و{يشفين}.
وقال غيره: {لا أعبد ما تعبدون} الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. وهم الذين قالوا: {وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً}. انتهى ما ذكره.
ونقل ابن جريرٍ عن بعض أهل العربيّة أنّ ذلك من باب التأكيد؛ كقوله: {فإنّ مع العسر يسراً * إنّ مع العسر يسراً}. وكقوله: {لترونّ الجحيم * ثمّ لترونّها عين اليقين}. وحكاه بعضهم -كابن الجوزيّ وغيره- عن ابن قتيبة، فاللّه أعلم. فهذه ثلاثة أقوالٍ؛ أوّلها ما ذكرناه أوّلاً
الثاني: ما حكاه البخاريّ وغيره من المفسّرين أنّ المراد: {لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الماضي، {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد} في المستقبل.
الثالث: أنّ ذلك تأكيدٌ محضٌ.
وثمّ قولٌ رابعٌ نصره أبو العبّاس ابن تيميّة في بعض كتبه، وهو أنّ المراد بقوله: {لا أعبد ما تعبدون}. نفي الفعل؛ لأنّها جملةٌ فعليّةٌ.
{ولا أنا عابدٌ ما عبدتم}. نفي قبوله لذلك بالكلّيّة؛ لأنّ النّفي بالجملة الاسميّة آكدٌ، فكأنّه نفى الفعل وكونه قابلاً لذلك، ومعناه: نفي الوقوع ونفي الإمكان الشّرعيّ أيضاً، وهو قولٌ حسنٌ أيضاً، واللّه أعلم.
وقد استدلّ الإمام أبو عبد اللّه الشّافعيّ وغيره بهذه الآية الكريمة {لكم دينكم ولي دين} على أنّ الكفر كلّه ملّةٌ واحدةٌ، فورث اليهود من النّصارى وبالعكس، إذا كان بينهما نسبٌ أو سببٌ يتوارث به؛ لأنّ الأديان ماعدا الإسلام كلّها كالشّيء الواحد في البطلان، وذهب أحمد بن حنبلٍ ومن وافقه إلى عدم توريث النّصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يتوارث أهل ملّتين شتّى» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 507-508]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة