العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء عم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 09:42 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة الفيل [ من الآية (1) إلى آخر السورة ]

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب النزول
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 10:27 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) }
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ألم تر} : «ألم تعلم»). [صحيح البخاري: 6 / 177]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (أَلَمْ تَرَ: أَلَمْ تَعْلَمْ) كذا لِغَيرِ أَبِي ذَرٍّ، وللمُسْتَمْلِيِّ: أَلَمْ تَرَ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَلَمْ تَرَ: أَلَمْ تَعْلَمْ. والصوابُ الأوَّلُ فإنه ليس مِن تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، وقَالَ الفَرَّاءُ: أَلَمْ تُخْبَرْ عَنِ الحَبَشَةِ والفِيلِ؟ وإنما قَالَ ذلك؛ لأنَّه صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ لم يُدْرِكْ قِصَّةَ أَصْحَابِ الفيلِ؛ لأنَّه وُلِدَ في تِلْكَ السَّنَةِ). [فتح الباري: 8 / 729]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (أَلَمْ تَرَ: أَلَمْ تَعْلَمْ).
كَذَا وَقَعَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِيِّ: {أَلَمْ تَرَ} وَفَسَّرَ {أَلَمْ تَرَ} بِقَوْلِهِ: أَلَمْ تَعْلَمْ، وَعَنِ الْفَرَّاءِ: {أَلَمْ تَرَ} أَلَمْ تُخْبَرْ عَنِ الْحَبَشَةِ وَالْفِيلِ ؟ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْفِيلِ؛ لأَنَّهُ وُلِدَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ). [عمدة القاري: 19 / 313]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قَالَ مُجَاهِدٌ: أَلَمْ تَرَ) أي: (أَلَمْ تَعْلَمْ) يا مُحَمَّدُ وَإِنَّمَا قَالَ ذلك؛ لأنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُدْرِكْ قِصَّةَ أصحابِ الفيلِ؛ لأنَّ مَوْلِدَهُ عليه الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في تلك السَّنَةِ، وهو وَإِنْ لم يَشْهَدْهَا فقد شَاهَدَ آثَارَهَا، وَسَمِعَ بالتَّوَاتُرِ أَخْبَارَهَا، فَكَأَنَّهُ رَآهَا، وهذا ثَابِتٌ لأَبِي ذَرٍّ عن الْمُسْتَمْلِيِّ، وليس هذا من تفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، فالصَّوَابُ إِسْقَاطُ قَوْلِهِ: قَالَ مُجَاهِدٌ). [إرشاد الساري: 7 / 433]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قَال أبو جَعْفَرٍ رحِمَه اللهُ: يقولُ تعالَى ذِكْرُهُ لنبيِّهِ محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألمْ تنظرْ يا محمدُ بعينِ قلبِكَ فترى بها {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} الذين قدِمُوا من اليمنِ يريدونَ تخريبَ الكعبةِ من الحبشةِ, ورئيسُهم أبرهةُ الحبشيُّ الأشرمُ). [جامع البيان: 24 / 627]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حاتمٍ وأبو نُعَيْمٍ في الدلائلِ, عن عثمانَ بنِ المُغِيرَةِ بنِ الأَخْنَسِ, قالَ: كانَ من حديثِ أصحابِ الفيلِ أنَّ أبرهةَ الأشرمَ الحَبَشِيَّ كانَ مَلِكَ اليمنِ، وأن ابنَ ابْنَتَهُ أُكْسُومَ بنَ الصَّبَّاحِ الحِمْيَرِيَّ خَرَجَ حاجًّا، فلمَّا انْصَرَفَ مِن مكةَ نَزَلَ في كنيسةٍ بنَجْرَانَ فغَدا عليها ناسٌ مِن أهلِ مكةَ فأَخَذُوا ما فيها مِن الحُلِيِّ وأخَذُوا متاعَ أُكْسُومَ، فانْصَرَفَ إلى جَدِّه مُغْضَباً، فَبَعَثَ رجلاً مِن أصحابِه يُقالُ له: شَهْرُ بنُ مَعْقُودٍ على عِشْرِينَ ألفاً مِن خَوْلانَ والأَشْعَرِيِّينَ, فسَارُوا حتى نَزَلَوا بأرضِ خَثْعَمَ فتَنَحَّتْ خَثْعَمُ عن طريقِهم، فلمَّا دنا من الطائِفِ خَرَجَ إليه ناسٌ مِن بني خَثْعَمَ ونَصْرٍ وثَقِيفٍ فقالوا: ما حاجَتُكَ إلى طائِفِنا، وإنما هي قريةٌ صغيرةٌ، ولكنَّا نَدُلُّكَ على بيتٍ بمكةَ يُعْبَدُ وحِرْزُ مَن لَجَأَ إِلَيْهِ, مَن مَلَكَه تَمَّ لَه مُلْكُ العربِ، فعليك به ودَعْنا منكَ.
فأتاه حتى إذا بَلَغَ المُغَمِّسَ وَجَدَ إبلاً لعبدِ المُطَّلِبِ مائةَ ناقةٍ مُقَلَّدَةٍ فأَتْهَبَها بينَ أصحابِه، فلمَّا بَلَغَ ذلك عبدَ المطلبِ جاءَه وكانَ جميلاً، وكان له صديقٌ مِن أهلِ اليمنِ يقالُ له: ذو عمرٍو, فسَأَلَه أن يَرُدَّ عليه إبلَه، فقال: إني لا أُطِيقُ ذلك, ولكن إنْ شِئْتَ أَدْخَلْتُكَ على الملِكِ. فقالَ عبدُ المطلبِ: افْعَلْ. فأَدْخَلَه عليه, فقالَ له: إن لي إليكَ حاجةً. قالَ: قُضِيَتْ كلُّ حاجةٍ تَطْلُبُها. قالَ: أنا في بلدٍ حرامٍ وفي سبيلٍ بينَ أرضِ العربِ وأرضِ العجَمِ، وكانتْ لِيَ مائةُ ناقةٍ مُقَلَّدَةٍ ترعى هذا الوادي بينَ مكةَ وتِهَامَةَ, عليها أهلُها, وتَخْرُجُ إلى تجارَتِنا وتَحْمِلُ مِن عَدُوِّنا, عَدَا عليها جيشُك فأخَذُوها، وليسَ مِثْلُك يَظْلِمُ مَن جاوَرَه. فالْتَفَتَ إلى ذي عمرٍو, ثم ضَرَبَ بإحدَى يَدَيْه على الأخرى عجباً, فقالَ: لو سَأَلَنِي كلَّ شيءٍ أُحْرِزُهُ أعطيتُه إياه, أما إبلُكَ فقد رَدَدْنَا إليكَ ومثلَها ، فما يَمْنَعُكَ أن تكلِّمَنِي في بَيْتِكُمْ هذا وبَلَدِكم هذا ؟ فقالَ له عبدُ المطلبِ: أمَّا بَيْتُنَا هذا وبَلَدُنا هذا فإن لهما ربًّا, إن شاءَ أن يَمْنَعَهُما مَنَعَهُما، ولكني إنما أُكَلِّمُكَ في مالي. فأَمَرَ عندَ ذلك بالرحيلِ, وقالَ: لَتُهَدَّمَنَّ الكعبةُ ولَتُنْهَبَنَّ مكةُ. فانْصَرَفَ عبدُ المطلبِ وهو يقولُ:
لا هُمَّ إنَّ المرءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حلالَكْ ....... لاَ يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُم وَمِحَالُهُم عَدْواً مِحَالَكْ
فَإِذَا فَعَلْتَ فَرُبَّمَا تَحْمِي فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ ....... فَإِذَا فَعَلْتَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ تُتِمُّ بِه فِعَالَكْ
وغَدَوْا غَداً بِجُمُوعِهم والفيلِ كي يَسْبوا عِيالَكْ ....... فَإِذا تَرَكْتَهُمُ وكَعْبَتَنَا فَوَاحَرْبَا هُنَالِكْ

فلَمَّا تَوَجَّهَ شهرٌ وأصحابُهُ بالفيلِ وقد أَجْمَعُوا ما أَجْمَعُوا طَفِقَ كلَّما وَجَّهُوه أناخَ وبَرَكَ, فإِذَا صَرَفُوه عنها مِن حيثُ أتى أسْرَعَ السيرَ، فلم يَزَلْ كذلك حتى غَشِيَهُم الليلُ وخَرَجَتْ عليهم طيرٌ مِن البحرِ لها خراطِيمُ كأنها البَلَسُ, شبيهةٌ بالوَطْوَاطِ, حُمْرٌ وسودٌ، فلمَّا رَأَوْهَا أشْفَقُوا مِنها وسُقِطَ في أيديهم, فَرَمَتْهُم بحجارةٍ مُدَحْرَجَةٍ كالبَنَادِقِ، تَقَعُ على رأسِ الرجلِ فتَخْرُجُ مِن جوْفِه.
فلمَّا أصْبَحُوا مِن الغَدِ أصبحَ عبدُ المطلبِ ومَن معَه على جبالِهم فلم يَرَوْا أحداً غَشِيَهم, فبَعَثَ ابنَه على فرسٍ له سريعٍ يَنْظُرُ ما لَقُوا, فإذا هم مُشَدَّخِينَ جميعاً، فَرَجَعَ يَدفَعُ فرسَهُ كاشِفاً عن فَخِذِه، فلمَّا رأَى ذلك أبوه قالَ: إن ابني أفْرَسُ العربِ، وما كَشَفَ عن فَخِذِه إلا بشيراً أو نذيراً، فلمَّا دنا مِن ناديهم قالوا؟ ما وراءَك؟ قالَ: هَلَكُوا جميعاً.
فخَرَجَ عبدُ المطلبِ وأصحابُه، فأَخَذُوا أموالَهم وقالَ عبدُ المطلبِ شِعراً في المعنى:
أَنْتَ مَنَعْتَ الجَيْشَ والأَفْيَالا ....... وَقَدْ رَعَوا بمكةَ الأفيالاَ
وقدْ خَشِينَا مِنهمُ القِتالاَ ....... وكلَّ أمرٍ مِنهمُ مِعْضَالاَ
شكراً وحمداً لكَ ذَا الجلالاَ
فانْصَرَفَ شهرٌ هارباً وَحْدَه، فأوَّلَ منزلٍ نَزَلَه سَقَطَتْ يدُه اليُمنى، ثم نَزَلَ منزلاً آخَرَ فسَقَطَتْ رِجْلُه اليُسْرَى، ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلاً آخَرَ فسَقَطَتْ يَدُهُ اليُسْرَى، ثُمَّ نَزَلَ مَنزلاً آخَرَ فسَقَطَتْ رِجْلُهُ اليُمْنَى، فأتَى مَنْزِلَه وقومَه جَسَدًا لا أعضاءَ له، فأخْبَرَهم الخبرَ, ثم فاضَتْ نفسُه وهم يَنْظُرون). [الدر المنثور: 15 / 653-656]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ مَرْدُويَهْ وأبو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ معاً في الدلائلِ, عن ابنِ عبَّاسٍ, قالَ: جاءَ أصحابُ الفِيلِ حتى نَزَلَوا الصِّفَاحَ، فأتاهم عبدُ المطلبِ فقالَ: إن هذا بيتُ اللهِ, لم يُسَلَّطْ عليه أحدٌ. قالوا: لا نَرْجِعُ حتى نَهْدِمَه.
وكانوا لا يُقَدِّمُون فيلَهم إلا تَأَخَّرَ، فدعا اللهُ الطيرَ الأبابيلَ، فأعطاها حجارةً سوداً عليها الطينُ، فلمَّا حاذَتْهُم رَمَتْهُم, فما بَقِيَ منهم أحدٌ إلا أخَذَتْه الحِكَّةُ، فكانَ لا يَحُكُّ إنسانٌ مِنهم جلدَه إلا تَسَاقَطَ لَحْمُه). [الدر المنثور: 15 / 656]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, والحاكمُ وصحَّحه, وأبو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ، عن ابنِ عبَّاسٍ, قالَ: أقبلَ أصحابُ الفيلِ حتى إذا دَنَوا مِن مكةَ اسْتَقْبَلَهم عبدُ المطلبِ فقالَ لِمَلِكِهم: ما جاءَ بك إلينا؟ ألا بَعَثْتَ فنأتِيَكَ بكلِّ شيءٍ أرَدْتَ؟ فقال: أُخْبِرْتُ بهذا البيتِ الذي لا يَدْخُلُه أحدٌ إلا أَمِنَ, فجِئْتُ أُخِيفُ أهلَه. فقالَ: إنَّا نأتيكَ بكلِّ شيءٍ تُرِيدُ فارْجِعْ. فأبَى أنْ يَرْجِعَ إلاَّ أنْ يَدْخُلَه، وانْطَلَقَ يَسِيرُ نَحْوَه وتَخَلَّفَ عبدُ المطَّلِبِ، فقامَ على جبلٍ فقالَ: لا أَشْهَدُ مَهْلِكَ هذا البيتِ وأهلِه. ثم قالَ:
اللهمَّ إنَّ لكلِّ إلهٍ حِلالاً فامْنَعْ حَلاَلَكْ، لا يَغْلِبَنَّ مِحَالُهُمْ أَبداً مِحَالَكْ، اللَّهُمَّ فإنْ فَعَلْتَ فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ فأَقْبَلَتْ مثلُ السَّحابةِ مِن نحوِ البحرِ, حتى أَظَلَّتْهُمْ {طَيْرٌ أَبَابِيلَ} التي قالَ اللهُ: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}، فجعَلَ الفيلُ يَعِجُّ عَجًّا {فجَعَلَهم كعصفٍ مأكولٍ}). [الدر المنثور: 15 / 657]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن قَتَادَة في قَوْلِه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} قالَ: أقْبَلَ أبْرَهَةُ الأشرمُ بالحبشةِ ومَنْ تَبِعَه مِن غُزَاةِ أهلِ اليمنِ إلى بيتِ اللهِ لِيَهْدِمُوه مِن أجلِ بِيعَةٍ لهم أصابها العربُ بأرضِ اليمنِ.
فأقبلوا بفِيلِهم, حتى إذا كانُوا بالصِّفَاحِ بَرَكَ، فكانوا إذا وَجَّهُوه إلى بيتِ اللهِ أَلْقَى بِجِرانِه إلى الأرضِ، فإذا وَجَّهُوه قِبَلَ بلادِهم انْطَلَقَ وله هَرْوَلَةٌ، حتى إذا كانوا بِنَخْلَةِ اليَمَانِيَّةِ بعثَ اللهُ عَلَيْهم طيراً أبابيلَ بِيضاً, وهي الكثيرةُ،معَ كُلِّ طَائرٍ مِنْهَا ثَلاثَةُ أَحجارٍ؛ حَجَرَانِ مِنها في رِجْلَيْه، وَحَجَرٌ في مِنْقَارِهِ، فجَعَلَتْ تَرْمِيهم بها حتى جَعَلَهُمُ اللهُ كعصفٍ مأكولٍ، فنجا أبو يَكْسُومَ فجَعَلَ كلما قَدمَ أرضاً تَسَاقَطَ بعضُ لحمِه, حتى إذا أتَى قومَه فأَخْبَرَهم الخبرَ ثم هلَكَ). [الدر المنثور: 15 / 657-658]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ, عن ابنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} قالَ: أبو يكسومَ جبارٌ مِن الجبابرةِ, جاءَ بالفيلِ يَسُوقُه, معَه الحَبَشُ لِيَهْدِمَ - زَعَمَ - بيتَ اللهِ مِن أجلِ بيعَةٍ كانت هُدِمَتْ باليمنِ، فلمَّا دنا الفيلُ من الحرَمِ ضَرَبَ بِجِرانِه، فإذا أرادوا به الرجْعَةَ عن الحرمِ أسرَعَ الهرولةَ). [الدر المنثور: 15 / 658]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ, عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ, قالَ: أقبلَ أبو يَكْسُومَ صاحِبُ الحبشةِ ومعَه الفيلُ, فلمَّا انْتَهَى إلى الحَرَمِ بَرَكَ الفيلُ, فأَبَى أن يَدْخُلَ الحرمَ، فإذا وُجِّهَ راجعاً أسْرَعَ راجعاً, وإذا أُرِيدَ على الحرمِ أبَى فأُرْسِلَ عليهم طيرٌ صغارٌ بيضٌ , في أفواهِها حجارةٌ أمثالُ الحِمََّصِ, لا تَقَعُ على أحدٍ إلا هَلَكَ). [الدر المنثور: 15 / 658]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قالَ: جاءَ أصحابُ الفيلِ حتى نَزَلُوا الصِّفَاحَ، فأتاهم عبدُ المطلِبِ فقالَ: إن هذا بيتٌ لم يُسَلِّطِ اللهُ عليه أحدًا. قالوا: لا نَرْجِعُ حتى نَهْدِمَه. وكانُوا لا يُقَدِّمُون فيلَهم إلا تَأَخَّرَ, فدعا اللهُ الطيرَ الأبابيلَ فأعطاها حِجارةً سوداً عليها الطينُ، فلمَّا حاذَتْ بهم صُفَّتْ عليهم، ثم رَمَتْهُم فما بَقِيَ منهم أحدٌ إلا أصابَتْه الحِكَّةُ. وكانُوا لا يَحُكُّ إنسانٌ مِنهم جِلْدَه إلا تَسَاقَطَ لحَمُهُ). [الدر المنثور: 15 / 659]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلائِلِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ، عَنِ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: إِنَّ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ فِي أَصْحَابٍ لَهُ مُتَوَجِّهِينَ نَحْوَ الحَبَشَةِ فنَزَلُوا بشَاطِئٍ، آوَاهُمُ المَقِيلُ إلى مُصَلًّى كانَ للنَّصَارَى علَى شَاطِئِ البَحْرِ كَانَتْ تَدْعُوهُ النَّصَارَى مَاءَ سرجسانَ، فلَمَّا كَانَ عِنْدَ رَحِيلِهِمْ جَمَعَ الفَتَى القُرَشِيُّ وأَصْحَابُهُ حَطَبًا كانَ فَضَلَ مِن طَعَامِهِمْ فأَلْهَبَ فيه النَّارَ، وارْتَحَلَ هو وأَصْحَابُهُ فَأَخَذَتِ النَّارُ فِي مُصَلَّى النَّصَارَى وأَحْرَقَتْهُ، فغَضِبَ النَّجَاشِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، فأتاهُ أَبْرَهَةُ الصَّبَّاحِيُّ وأَبُو الأَكْسَمِ الكِنْدِيُّ وحَجَرُ بنُ شُرَحْبِيلَ الكِنْدِيُّ العَدَوِيُّ فقالَ: أَيُّهَا المَلِكُ، مَا يُغْضِبُكَ مِنْ هَذا؟ فلا يَشُقَّ عَلَيْكَ، فنَحْنُ ضَامِنُونَ لَكَ بِنَاءَ مَاءِ سرجسانَ، وإِحْرَاقَ كَعْبَةِ اللهِ، فإنها حِرْزُ قُرَيْشٍ، فيَكُونُ مَاءُ سرجسانَ، فنَحْنُ نَسِيرُ بِكَ إلى الكَعْبَةِ فنَحْرِقُهَا ونُخَرِّبُهَا مَكَانَ سرجسانَ التي أَحْرَقَهَا القُرَشِيُّ ونَضْمَنُ لك فَتْحَ مَكَّةَ فتَخْتَارُ أَيَّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ شِئْتَ مِنْهَا. فلم يَزَالُوا به حتى اسْتَخَفُّوهُ فأَخْرَجَ جُمُوعَهُ وعَدِيدًا مِنَ النَّاسِ ثُمَّ سَارَ إلى مَكَّةَ، وسَارَ مَعَ المَقْلُوسِ فِي عِصَابَةٍ من اليَمَنِ فِيهِمْ حَيٌّ مِنْ كِنَانَةَ حَتَّى نَزَلُوا بوَادِي المَجَازِ –وَادٍ يُقَالُ له: وَادِي المَجَازِ- فنَزَلَ به). [الدر المنثور: 15 / 659-660]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ عن ابنِ عبَّاسٍ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}؛ قَالَ أَقْبَلَ أصحابُ الفيلِ يُريدونَ مَكَّةَ ورَأَسَهُم أبو يَكْسُومَ الحَبَشِيُّ حتى إِذَا أَتَوُا المُغَمِّسَ أَتَتْهُم طيرٌ, في مِنقارِ كلِّ طيرٍ حَجَرٌ، وفي رِجْلَيْهِ حَجَرانِ, فَرَمَتْهُم بها، فذلك قولُه: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}). [الدر المنثور: 15 / 663]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} يقولُ: ألمْ يجعلْ سعْيَ الحبشةِ أصحابِ الفيلِ فِي تخريبِ الكعبةِ {فِي تَضْلِيلٍ} يعني: فِي تضليلِهم عمَّا أرادُوا وحاولُوا من تخريبِها). [جامع البيان: 24 / 627]

تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل عن عبد اللّه بن عونٍ، عن ابن سيرين قال: قال ابن عبّاسٍ في: (طيرٍ أبابيل): خراطيم كخراطيم الطّير وأكفٌّ كأكفّ الكلاب). [الجامع في علوم القرآن: 1 /148]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا عمرو بن الحارث بن يعقوب أن أباه أخبره أنه بلغه أن الطير التي رمت بالحجارة كانت تحملها بأفواهها، ثم إذا ألقتها تنفط لها الجلد). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 151-152]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أنها طيرٌ تخرج من البحر وأن سجيل السماء الدنيا). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 152]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني يزيد بن عياضٍ، عن معاذ بن عبد اللّه بن خبيبٍ قال: بينا أنا مع ابن عبّاسٍ إذ لقي تبيعًا فقال له ابن عبّاسٍ: مثل ما كانت الدّوابّ الّتي أرسلت على أصحاب الفيل، قال تبيعٌ: كان فوق الجراد ودون الفراخ؛ انصرف عنه ابن عبّاسٍ، فقلت له: أصدق تبيعٌ فيما قال: فقال: لا، فقلت: مثل ما كانت، فقال: ألم تر دوابًّا تصوّر في البسط والسّتور وأذنابها أذناب الطّير، ولها أجنحةٌ وصدورها صدور السّباع، قلت: بلى، قال: هي هي، واسمها العنقاء عنقاء المغرب). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 152]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة قال: بلغني عن ابن عبّاسٍ عن: {طيراً أبابيل}، قال: لها خراطيم كخراطيم الطّير وأكفٌّ كأكفّ السباع). [الجامع في علوم القرآن: 2 /141]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله طيرا أبابيل قال طيرا كثيرا متتابعة). [تفسير عبد الرزاق: 2 /396]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة عن عمران في قوله تعالى طيرا أبابيل قال طيرا كثيرة جاءت بحجارة كثيرة تحملها بأرجلها أكبرها مثل الحمصة وأصغرها مثل العدسة). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 396]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله طيرا أبابيل قال خرجت من قبل البحر بيض مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقارة لا تقع على شيء إلا هشمته). [تفسير عبد الرزاق: 2 /396]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال مجاهدٌ: {أبابيل} : «متتابعةً مجتمعةً»). [صحيح البخاري: 6 / 177]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: (أَبَابِيلَ: مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً) وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ عن مُجَاهِدٍ في قَولِهِ: {أَبَابِيلَ} قَالَ: شَتَّى مُتَتَابِعَةً. وقَالَ الفَرَّاءُ: لا وَاحِدَ لها وقيلَ: وَاحِدُهَا إبَالَةٌ بالتَّخْفِيفِ وقيلَ بالتَّشْدِيدِ، وقيلَ: إِبَّوْلٌ كعِجَّوْلٍ وعَجَاجِيلُ). [فتح الباري: 8 / 729]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد أبابيل متتابعة مجتمعة وقال ابن عبّاس من سجيل هي سنك وكل
وأما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {أبابيل}، قال: شتّى متتابعة مجتمعة). [تغليق التعليق: 4 / 376]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {أَبَابِيلَ}: مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً).
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} وَفَسَّرَ الأَبَابِيلَ بِقَوْلِهِ: مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً. رُوِيَ هَذَا، عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: {أَبَابِيلَ}؛ كَثِيرَةً مُتَفَرِّقَةً يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى: كَالإِبِلِ الْمُوبِلَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَهَا خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الطَّيْرِ وَأَكُفٌّ كَأَكُفِّ الْكِلاَبِ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ: لَهَا رُؤُوسٌ كَرُؤُوسِ السِّبَاعِ لَمْ تُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ، وَعَنْ رَبِيعٍ: لَهَا أَنْيَابٌ كَأَنْيَابِ السِّبَاعِ. وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِير أَبَابِيلَ: جَمْعُ إِبَّالٍ، وَقِيلَ: أَبَابِيلُ مِثْلُ عَبَادِيدَ لاَ وَاحِدَ لَهَا، وَقِيلَ: جَمْعُ أِبَّوْلٍ مِثْلِ عِجَّوْلٍ يُجْمَعُ عَلَى عَجَاجِيلَ). [عمدة القاري: 19 / 313-314]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( قَالَ مُجَاهِدٌ فيما وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ عَنْهُ: {أَبَابِيلَ} أي: (مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً) نَعْتٌ لِطَيْرًا؛ لأنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَتْ طَيْرًا لها خَرَاطِيمُ وَأَكُفٌّ كَأَكُفِّ الْكِلاَبِ، وقِيلَ غَيْرُ ذلك، وَأَبَابِيلُ قِيلَ: لا وَاحِدَ له كَأَسَاطِيرَ وقِيلَ: وَاحِدُهُ إِبَّوْلٌ كَعِجَّوْلٍ وَعَجَاجِيلَ وقِيلَ: إِبَّالٌ). [إرشاد الساري: 7 / 433]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} يقولُ تعالَى ذِكْرُهُ: وأرسلَ عليهم ربُّك طيراً مُتفرِّقةً، يَتْبَعُ بعضُها بعضاً من نواحٍ شتَّى؛ وهي جماعٌ لا واحدَ لها، مثلُ الشَّماطيطِ والعباديدِ ونحوِ ذلك. وزعمَ أبو عبيدةَ معمرُ بنُ المثنَّى، أنَّهُ لمْ يَرَ أحداً يجعلُ لها واحداً.
وقالَ الفرَّاءُ: لم أسمعْ من العربِ فِي توحيدِها شيئاً. قالَ: وزعمَ أبو جعفرٍ الرؤاسيُّ، وكانَ ثقةً، أنَّهُ سمعَ أنَّ واحدَها: إِبَّالةٌ. قال: وكانَ الكسائيُّ يقولُ: سمِعْتُ النحويِّينَ يقولونَ: إِبَّوْلٌ، مثلُ العِجَّوْلِ. قالَ: وقد سمِعْتُ بعضَ النحويِّينَ يقولُ. واحدُها: إبِيلٌ.
وبنحْوِ الذي قُلْنا فِي الأبابيلِ: قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا سوَّارُ بنُ عبدِ اللَّهِ قالَ: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ قالَ: ثنا حمَّادُ بنُ سلمةَ، عن عاصمِ بنِ بهدلةَ، عن زرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ، فِي قولِهِ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: فِرَقٌ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ قالَ: ثنا يحيى وعبدُ الرحمنِ، قالا: ثنا حمَّادُ بنُ سلمةَ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبدِ اللَّهِ قالَ: الفِرَقُ.
- حدَّثني عليٌّ قالَ: ثنا أبو صالحٍ قالَ: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، فِي قولِهِ: {طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ قالَ: يتبعُ بعضُها بعضاً.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ قالَ: ثني أبي قالَ: ثني عمِّي قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قولَهُ: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ قالَ: هي التي يتبعُ بعضُها بعضاً.
- حدَّثنا ابنُ المثنَّى قالَ: ثني عبدُ الأعلى قالَ: ثنا داودُ، عن إسحاقَ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ الحارثِ بنِ نوفلٍ، أنَّهُ قالَ فِي: {طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ قالَ: هي الأقاطيعُ، كالإبلِ المُؤَبَّلةِ.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبزَى: {طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ قالَ: متفرِّقةٌ.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ قالَ: ثنا الفضلُ، عن الحسنِ {طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ قالَ: الكثيرةُ.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن جابرٍ، عن ابنِ سابطٍ، وَعن أبي سلمةَ، قالا: الأبابيلُ: الزُّمَرُ.
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو قالَ: ثنا أبو عاصمٍ قالَ: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ قالَ: ثنا الحسنُ قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ فِي قولِ اللَّهِ: {أَبَابِيلَ} قالَ: هي شتَّى متتابعةٌ مجتمعةٌ.
- حدَّثنا بشرٌ قالَ: ثنا يزيدُ قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قالَ: الأبابيلُ: الكثيرةُ.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ قالَ: الأبابيلُ: الكثيرةُ.
- حُدِّثْتُ عن الحسينِ قالَ: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: ثنا عبيدٌ قالَ: سمِعْتُ الضحَّاكَ يقولُ فِي قولِهِ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} يقولُ: متتابعةٌ, بعضُها على أَثَرِ بعضٍ.
- حدَّثني يونسُ قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ؛ فِي قولِهِ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: الأبابيلُ: المختلفةُ، تأتي من هاهنا، وتأتي من هاهنا، أتَتْهم من كلِّ مكانٍ.
وذُكِرَ أنَّها كانتْ طيراً خرَجتْ من البحرِ. وقالَ بعضُهم: جاءتْ من قِبَلِ البحرِ.
ثمَّ اختلفوا فِي صفتِها، فقالَ بعضُهم: كانتْ بيضاءَ.
وقالَ آخرُونَ: كانتْ سوداءَ.
وقالَ آخرُونَ: كانتْ خضراءَ، لها خراطيمُ كخراطيمِ الطيرِ، وأكفٌّ كأكفِّ الكلابِ.
- حدَّثني يعقوبُ قالَ: ثنا ابنُ عليَّةَ، عن ابنِ عونٍ، عن محمدِ بنِ سيرينَ، فِي قولِهِ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: قالَ ابنُ عبَّاسٍ: هي طيرٌ، وكانتْ طيراً لها خراطيمُ كخراطيمِ الطيرِ، وأكفٌّ كأكفِّ الكلابِ.
- حدَّثني الحسنُ بنُ خلفٍ الواسطيُّ قالَ: ثنا وكيعٌ ورَوْحُ بنُ عُبادةَ، عن ابنِ عَوْنٍ، عن ابنِ سِيرينَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، مثلَهُ.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن ابنِ عونٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ، نحوَهُ.
- حدَّثنا يعقوبُ قالَ: ثنا هُشَيْمٌ قالَ: أخبرنا حسينٌ، عن عكرمةَ، فِي قولِهِ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: كانتْ طيراً خُضْراً، خرجتْ من البحرِ، لها رءوسٌ كرءوسِ السباعِ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ قالَ: ثنا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثنا سفيانُ، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن عبيدِ بنِ عميرٍ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: هي طيرٌ سودٌ بحريَّةٌ، فِي مناقرِها وأظفارِها الحجارةُ.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سفيانَ، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن عبيدِ بنِ عميرٍ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: سودٌ بحريَّةٌ، فِي أظافيرِها ومناقيرِها الحجارةُ.
قالَ: ثنا مهرانُ، عن خارجةَ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عونٍ، عن ابنِ سيرينَ، عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: لها خراطيمُ كخراطيمِ الطيرِ، وأكفٌّ كأكفِّ الكلابِ.
- حدَّثنا يحيى بنُ طلحةَ اليربوعيُّ قالَ: ثنا فضيلُ بنُ عياضٍ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، فِي قولِهِ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: طيرٌ خُضْرٌ، لها مناقيرُ صُفرٌ، تختلفُ عليهم.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن عبيدِ بنِ عميرٍ قالَ: طيراً سوداً تحملُ الحجارةَ فِي أظافيرِها ومناقيرِها). [جامع البيان: 24 / 627-632]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شيبان، عن جابر، عن عكرمة {طيرا أبابيل}؛ يعني زمرا زمرا). [تفسير مجاهد: 2/ 782]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شيبان، عن جابر، عن عبد الرحمن بن سابط، قال: يعني الكثير). [تفسير مجاهد: 2/ 782]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {طيرا أبابيل}؛ يعني من شتى مجتمعة متتابعة). [تفسير مجاهد: 2/ 782]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شريك، عن جابر، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عبيد بن عمير الليثي، قال: الأبابيل: المتتابعة خرجت الطير من البحر كأنها أمثال رجال الهند سود معها حجارة أعظمها أمثال الإبل البزل وأصغرها أمثال رؤوس الرجال لا تريد شيئا إلا أصابته ولا تصيب أحدا إلا قتلته). [تفسير مجاهد: 2/ 783]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: نا آدم، قال: نا شريك، عن جابر، عن مجاهد، قال: هي العنقاء المغربة). [تفسير مجاهد: 2/ 783]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم، قال: نا آدم، قال: ثنا شريك، عن حصين، عن عكرمة، قال: هي طير بيض كأن وجوهها وجوه السباع). [تفسير مجاهد: 2/ 784]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ: {طَيْرًا أَبَابِيلَ}؛ قالَ: طَيْرًا كَثِيرَةً مُتَتَابِعَةً بَيْضَاءَ، جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ البَحْرِ، مَعَ كُلِّ طَائِرٍ منها ثلاثةُ أَحْجَارٍ؛ حَجَرَانِ في رِجْلَيْهِ وحَجَرٌ في مِنْقَارِهِ، لا تُصِيبُ شَيْئًا إلا هَشَّمَتْهُ). [الدر المنثور: 15 / 660]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرجَ الفِرْيَابِيُّ، وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ: {طَيْرًا أَبَابِيلَ} قالَ: شَتَّى مُتَتَابِعَةً مُجَمَّعَةً). [الدر المنثور: 15 / 660]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ عَنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ في قَوْلِه: {طَيْرًا أَبَابِيلَ} قالَ: الكَثِيرَةُ.
وأخرجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ). [الدر المنثور: 15 / 660]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمْيَدٍ والفِرْيَابِيُّ وابنُ جَرِيرٍ عن عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ في قَوْلِه: {طَيْرًا أَبَابِيلَ} قالَ: هي طَيْرٌ خَرَجَتْ مِنْ قِبَلِ البَحْرِ كَأَنَّهَا رِجَالُ الهِنْدِ؛ مَعَهَا حِجَارَةٌ أَمْثَالُ الإِبِلِ البَوَارِكِ وأَصْغَرُهَا مِثْلُ رُؤُوسِ الرِّجَالِ، لا تُرِيدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلا أَصَابَتْهُ، ولا أَصَابَتْهُ إِلاَّ أَهْلَكَتْهُ، والأَبَابِيلُ: المُتتَابِعَةُ). [الدر المنثور: 15 / 660-661]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ: {طَيْرًا أَبَابِيلَ} قالَ: خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ سُودٌ بَحْرِيَّةٌ، في مَنَاقِيرِهَا وأَظْفَارِهَا الحِجَارَةُ). [الدر المنثور: 15 / 661]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ومُجَاهِدٍ: {طَيْرًا أَبَابِيلَ} قالا: عَنْقَاءُ المُغْرِبِ). [الدر المنثور: 15 / 661]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ قالَ: الأبابيلُ: الزُّمَرُ). [الدر المنثور: 15 / 661]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قالَ: هِيَ طَيْرٌ لهَا مَنَاقِيرُ تَخْتَلِفُ بالحِجَارَةِ، فإِذَا أَصَابَتْ أَحَدَهُمْ نَطِفَ جِلْدُهُ وكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا رَأَى النَّاسُ الجُدَرِيَّ). [الدر المنثور: 15 / 661]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَافِعَ بنَ الأَزْرَقِ قَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {طَيْرًا أَبَابِيلَ} قالَ: ذَاهِبَةً وجَائِيَةً تَنْقُلُ الحِجَارَةَ بِمَنَاقِيرِهَا وأَرْجُلِهَا فَتُبَلْبِلُ عَلَيْهِمْ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ الشَّاعِرَ وهُوَ يَقُولُ:
وَبِالْفَوَارِسِ مِنْ وَرْقَاءَ قَدْ عَلِمُوا ....... أَحْلاَسُ خَيْلٍ عَلَى جُرْدٍ أَبَابِيلِ).
[الدر المنثور: 15 / 661]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرزاقِ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, وأبو نُعَيْمٍ في الدلائلِ, عن ابنِ عبَّاسٍ, قالَ: لما أرْسَلَ اللهُ الحجارةَ على أصحابِ الفيلِ جَعَلَ لا يَقَعُ منها حَجَرٌ إلا نَفِطَ مَكَانَهُ وذلك أولُ ما كانَ الجُدَرِيُّ، ثم أَرْسَلَ اللهُ سيلاً فذَهَبَ بهم فألقاهم في البحرِ. قيل: فما الأبابيلُ؟ قالَ: الفِرَقُ). [الدر المنثور: 15 / 662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ, والبَيْهَقِيُّ في الدلائلِ, عن ابنِ مسعودٍ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: هي الفِرَقُ). [الدر المنثور: 15 / 662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِريَابِيُّ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن ابنِ عبَّاسٍ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: فَوْجاً بعدَ فوجٍ، كانَت تَخْرُجُ عليهم من البحرِ). [الدر المنثور: 15 / 662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي شيبة وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ مَرْدُويَهْ, والبَيْهَقِيُّ في الدلائلِ, عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِه: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: خُضْرٌ, لَهَا خَرَاطِيمُ كخراطيمِ الإبلِ و أَكُفٌّ كَأَكُفِّ الكلابِ). [الدر المنثور: 15 / 662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن ابنِ عبَّاسٍ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: لها أَكُفٌّ كأَكُفِّ الرجلِ وأنيابٌ كأنيابِ السِّبَاعِ). [الدر المنثور: 15 / 662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وابنُ أبي شَيْبَةَ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ وأبو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ معاً في الدلائلِ, عن عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ.
قالَ: لَمَّا أرادَ اللهُ أن يُهْلِكَ أصحابَ الفيلِ بَعَثَ اللهُ عليهم طيراً نَشَأَتْ مِن البحرِ كأنها الخَطَاطِيفُ, بُلْقٌ كلُّ طيرٍ مِنها مَعَهُ ثلاثةُ أَحْجَارٍ مُجَزَّعَةً؛ في مِنقارِه حجَرٌ, وحَجَرَانِ في رِجْلَيْهِ، ثم جاءَتْ حتى صُفَّتْ على رُؤُوسِهم, ثم صاحَتْ وأَلْقَتْ ما في أرجلِها ومناقيرِها فما مِن حجرٍ وقَعَ منها على رَجُلٍ إلا خَرَجَ مِن الجانبِ الآخرِ, إنْ وَقَعَ على رأسِه خَرَجَ مِن دُبُرِه، وإنْ وَقَعَ على شيءٍ مِن جَسَدِهِ خَرَجَ مِن جانِبٍ آخَرَ، وبَعَثَ اللهُ رِيحاً شديداً فضَرَبَتْ أرجلَها فزَادَها شدةً فأُهْلِكُوا جميعاً). [الدر المنثور: 15/ 662-663]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ أبي حاتمٍ, والبَيْهَقِيُّ في الدلائلِ, عن عكرمةَ: {طَيْراً أَبَابِيلَ} قالَ: طيرٌ بيضٌ -وفي لفظٍ: خُضْرٌ- جاءتْ مِن قِبَلِ البحرِ كأن وُجُوهَها وجوهُ السباعِ, لم تُرَ قبلَ ذلك ولا بعدَه، فأَثَّرَتْ في جُلُودِهم أمثالَ الجُدَرِيِّ، فإنه أولُ ما رُئِيَ الجُدَرِيُّ). [الدر المنثور: 15 / 663]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ عن ابنِ عبَّاسٍ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}: قَالَ أَقْبَلَ أصحابُ الفيلِ يُريدونَ مَكَّةَ ورَأَسَهُم أبو يَكْسُومَ الحَبَشِيُّ حتى إِذَا أَتَوُا المُغَمِّسَ أَتَتْهُم طيرٌ, في مِنقارِ كلِّ طيرٍ حَجَرٌ، وفي رِجْلَيْهِ حَجَرانِ, فَرَمَتْهُم بها، فذلك قولُه: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ يقولُ: يَتْبَعُ بعضُها بعضاً). [الدر المنثور: 15 / 663-664]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( وأَخْرَجَ عبدُ الرزَّاقِ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن عِمْرَانَ: {طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ قالَ: طيرٌ كثيرةٌ جاءتْ بحجارةٍ كثيرةٍ, أكبرُها مثلُ الحِمِّصَةِ وأصغرُها مثلُ العَدَسَةِ). [الدر المنثور: 15 / 664]

تفسير قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أنها طيرٌ تخرج من البحر وأن سجيل: السماء الدنيا). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 152] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {بحجارة من سجيل}؛ قال: هي من طين). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 396]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله: {طيرا أبابيل}؛ قال: خرجت من قبل البحر بيض مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقارة لا تقع على شيء إلا هشمته). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 396] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {من سجّيلٍ}؛ «هي سنك وكل»). [صحيح البخاري: 6 / 177]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مِنْ سِجِّيلٍ هِيَ سَنْكِ وَكِلْ، وصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَنْكِ وَكِلْ طِينٌ وحِجَارَةٌ، وقد تَقَدَّمَ في تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ، ووَصَلَهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ من وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، ورَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، ورَوَى الطَّبَرِيُّ مِن طَرِيقِ عبدِ الرَّحمنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: هِيَ بالأعْجَمِيَّةِ سَنْكِ وَكِلْ، ومِن طريقِ حُصَينٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَتْ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مَعَهَا نَارٌ. قَالَ: فإذا أَصَابَتْ أَحَدَهُمْ خَرَجَ بِهِ الْجُدَرِيُّ، وكَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ رُؤِيَ فيه الجُدَرِيُّ). [فتح الباري: 8 / 729]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول ابن عبّاس فقال أبو جعفر الطّبريّ: ثنا ابن بشار، ثنا ابن مهدي، ثنا سفيان، عن السّديّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاس به وقال ابن أبي حاتم، ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا حفص المكتب، عن إدريس، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قول: {بحجارة من سجيل}؛ قال: سنك وكيل.
رواه جرير بن حازم عن يعلى عن عكرمة). [تغليق التعليق: 4 / 376-377]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مِنْ سِجِّيلٍ}: هِيَ سَنْكِ وَكِلْ).
أَيْ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} وَفَسَّرَ السِّجِّيلَ بِقَوْلِهِ: هِيَ سَنْكِ وَكِلْ وَسَنْكِ فِي لُغَةِ الْفَارِسِيَّةِ -بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالْكَاف الْمَكْسُورَةِ-: الْحَجَرُ، وَكِلْ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ اللاَّمِ هُوَ الطِّينُ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [عمدة القاري: 19 / 314]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فيما وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ سِجِّيلٍ}؛ هي سَنْكِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ النُّونِ السَّاكِنَةِ كَافٌ مَكْسُورَةٌ الْحَجَرُ (وَكِلْ) بكسْرِ الْكَافِ وَبَعْدَها لامٌ: الطِّينُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وقِيلَ: السِّجِّيلُ الدِّيوَانُ الَّذِي كُتِب فيه عَذَابُ الْكُفَّارِ، والْمَعْنَى تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ من جُمْلَةِ الْعَذَابِ الْمَكْتُوبِ الْمُدَوَّنِ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ في ذلك الكتابِ). [إرشاد الساري: 7 / 433]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} يقولُ تعالَى ذِكْرُهُ: ترمِي هذه الطيرُ الأبابيلُ التي أرسلَها اللَّهُ على أصحابِ الفيلِ، أصحابَ الفيلِ بحجارةٍ من سجِّيلٍ.
وقد بيَّنَّا معنَى سجِّيلٍ فِي موضعٍ غيرِ هذا، غيرَ أنَّا نذكرُ بعضَ ما قِيلَ من ذلك فِي هذا الموضعِ من أقوالِ مَن لم نذكُرْهُ فِي ذلك الموضعِ.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سفيانَ، عن السديِّ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {حِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} قالَ: طينٌ فِي حجارةٍ.
- حدَّثني الحسينُ بنُ محمدٍ الذارعُ قالَ: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} قالَ: من طينٍ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ قالَ: ثنا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثنا سفيانُ، عن السديِّ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {حِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} قالَ: سَنْكِ وَكِلْ.
- حدَّثني الحسينُ بنُ محمدٍ الذارعُ قالَ: ثنا يزيدُ بن زُرَيْعٍ، عن عُمارةَ بنِ أبي حَفْصةَ، عن عكرمةَ، فِي قولِهِ: {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} قالَ: من طينٍ.
- حدَّثنا ابنُ المثنَّى قالَ: ثنا محمدُ بنُ جعفرٍ قالَ: ثنا شعبةُ، عن شرقيٍّ قالَ: سمِعْتُ عكرمةَ يقولُ: {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} قالَ: سَنْكِ وَكِلْ.
- حدَّثني يعقوبُ قالَ: ثنا هشيمٌ قالَ: أخبرنا حصينٌ، عن عكرمةَ قالَ: كانتْ ترمِيهم بحجارةٍ معها، قالَ: فإذا أصابَ أحدَهم خرجَ بهِ الجُدَرِيُّ، قالَ: كانَ أوَّلَ يومٍ رُؤيَ فيهِ الجدريُّ؛ قالَ: لمْ يُرَ قبلَ ذلك اليومِ، ولا بعدَهُ.
- حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن سفيانَ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ قالَ: ذكَرَ أبو الكَنُودِ قالَ: دونَ الحِمَّصَةِ وفوقَ العَدَسةِ.
- حدَّثنا ابنُ بشَّارٍ قالَ: ثنا أبو أحمدَ قالَ: ثنا سفيانُ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ قالَ: كانت الحجارةُ التي رُمُوا بها أكبرَ من العَدَسةِ؛ وأصغرَ من الحِمَّصَةِ.
قالَ: ثنا أبو أحمدَ الزبيريُّ قالَ: ثنا إسرائيلُ، عن موسى بنِ أبي عائشةَ، عن عمرانَ، مثلَهُ.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن السديِّ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: سجِّيلٌ بالفارسيَّةِ: سَنْكِ وَكِلْ، حجرٌ وطينٌ.
- حدَّثنا أبو كريبٍ قالَ: ثنا وكيعٌ، عن إسرائيلَ، عن جابرِ عن بنِ سابطٍ قالَ: هي بالأعجميَّةِ: سَنْكِ وَكِلْ.
- حدَّثنا بشرٌ قالَ: ثنا يزيدُ قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قالَ: كانتْ مع كلِّ طائرٍ ثلاثةُ أحجارٍ: حجرانِ فِي رجلَيْهِ، وحجرٌ فِي مِنْقارِهِ، فجعلتْ ترميهم بها.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: {حِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} قالَ: هي من طينٍ.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ قالَ: هي طيرٌ بِيضٌ، خرجتْ من قِبَلِ البحرِ، معَ كلِّ طيرٍ ثلاثةُ أحجارٍ: حجرانِ فِي رجلَيْهِ، وحجرٌ فِي منقارِهِ، لا يُصيبُ شيئاً إلا هشَّمَهُ.
- حدَّثني يونسُ قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: أخبرنا عمرُو بنُ الحارثِ بنِ يعقوبَ أنَّ أباهُ أخبرَهُ أنَّهُ بلَغَهُ أنَّ الطيرَ التي رَمَتْ بالحجارةِ كانتْ تحملُها بأفواهِها، ثمَّ إذا ألقَتْها نفطَ لها الجلدُ.
وقالَ آخرُونَ: معنى ذلك: ترميهم بحجارةٍ من سماءِ الدنيا.
ذِكْرُ مَن قالَ ذلك:
- حدَّثني يونسُ قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، فِي قولِهِ: {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ} قالَ: السماءُ الدنيا، قالَ: والسماءُ الدنيا اسمُها سجِّيلٌ، وهي التي أنزلَ اللَّهُ جلَّ وعزَّ على قومِ لوطٍ.
قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: أخبرَنَا عمرُو بنُ الحارثِ، عن سعيدِ بنِ أبي هلالٍ، أنَّهُ بلغَهُ أنَّ الطيرَ التي رمتْ بالحجارةِ أنَّها طيرٌ تخرجُ من البحرِ، وأنَّ (سجِّيل): السماءُ الدنيا. وهذا القولُ الذي قالَه ابنُ زيدٍ لا نعرِفُ لصحَّتِهِ وجهاً فِي خبرٍ ولا عقلٍ، ولا لغةٍ، وأسماءُ الأشياءِ لا تُدركُ إلاَّ من لغةٍ سائرةٍ، أو خبرٍ من اللهِ تعالَى ذِكْرُهُ.
وكانَ السببُ الذي من أجلِهِ حلَّتْ عقوبةُ اللَّهِ تعالى بأصحابِ الفيلِ مسيرَ أبرهةَ الحبشيِّ بجندِهِ معَهُ الفيلُ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ لتخريبِهِ.
وكانَ الذي دعاهُ إلى ذلك فيما حدَّثنا بهِ ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا سلمةُ بنُ الفضلِ قالَ: ثنا ابنُ إسحاقَ، أنَّ " أبرهةَ بنَى كنيسةً بصنعاءَ، وكانَ نصرانيًّا، فسمَّاها القُلَّيْسَ؛ لمْ يُرَ مثلُها فِي زمانِها بشيءٍ من الأرضِ؛ وكتبَ إلى النجاشيِّ مَلِكِ الحبشةِ: إنِّي قد بنيتُ لكَ أيُّها الملكُ كنيسةً، لمْ يُبْنَ مثلُها لمَلِكٍ كانَ قبلَكَ، ولستُ بمنتهٍ حتَّى أصرفَ إليها حاجَّ العربِ. فلمَّا تحدَّثت العربُ بكتابِ أبرهةَ ذلك إلى النجاشيِّ، غضِبَ رجلٌ من النسأةِ أحدُ بنِي فقيمٍ، ثمَّ أحدُ بني مالكٍ، فخرجَ حتَّى أتَى القُلَّيْسَ، فقعدَ فيها، ثمَّ خرجَ فلحِقَ بأرضِهِ، فأُخْبِرَ أبرهةُ بذلك، فقالَ: مَن صنعَ هذا؟ فقِيلَ: صنعَهُ رجلٌ من أهلِ هذا البيتِ الذي تحجُّ العربُ إليه بمكةَ، لِمَا سمعَ من قولِكَ: أصرفُ إليهِ حاجَّ العربِ، فغَضِبَ، فجاءَ فقعَدَ فيها، أيْ أنَّها ليستْ لذلك بأهلٍ؛ فغضِبَ عندَ ذلك أبرهةُ، وحلَفَ ليسيرنَّ إلى البيتِ فيَهدِمُهُ، وعندَ أبرهةَ رجالٌ من العربِ قد قدِمُوا عليه يلتمسونَ فضْلَهُ، منهم محمدُ بنُ خزاعيِّ بنِ حزابةَ الذكوانيُّ، ثمَّ السلميُّ، فِي نفرٍ من قومِهِ، معهُ أخٌ لهُ يُقالَ لهُ: قيسُ بنُ خزاعيٍّ؛ فبينَما هم عندَهُ، غَشِيهم عيدٌ لأبرهةَ، فبعثَ إليهم فيهِ بغذائِهِ، وكانَ يأكلُ الخِصِىَّ؛ فلمَّا أتى القومَ بغذائِهِ، قالُوا: واللَّهِ لئنْ أكَلْنا هذا لا تزالُ تسبُّنا بهِ العربُ ما بقِينا، فقامَ محمدُ بنُ خزاعيٍّ، فجاءَ أبرهةَ فقالَ: أيُّها المَلِكُ، إنَّ هذا يومُ عيدٍ لنا، لا نأكلُ فيهِ إلاَّ الجنوبَ والأيديَ، فقالَ له أبرهةُ: فسنبعثُ إليكم ما أحبَبْتُم، فإنَّما أكرمتُكم بغذائي لمنزلتِكُم عندي.
ثمَّ إنَّ أبرهةَ توَّجَ محمدَ بنَ خزاعيٍّ، وأمَّرَهُ على مُضَرَ، وأمرَهُ أنْ يسيرَ فِي الناسِ يدعوهم إلى حجِّ القُلَّيْسِ، كنيستِهِ التي بناهَا، فسارَ محمدُ بنُ خزاعيٍّ، حتَّى إذا نزلَ ببعضِ أرضِ بني كِنانةَ، وقد بلغَ أهلَ تِهامةَ أمرُهُ، وما جاءَ لهُ، بعثُوا إليهِ رجلاً من هذيلٍ يُقالَ له: عروةُ بنُ حياضٍ الملاصيُّ، فرماهُ بسهمٍ فقتلَهُ؛ وكانَ معَ محمدِ بنِ خزاعيٍّ أخوهُ قيسُ بنُ خزاعيٍّ، فهربَ حينَ قُتِلَ أخوُهُ، فلَحِقَ بأبرهةَ فأخبرَهُ بقتْلِهِ، فزادَ ذلك أبرهةَ غضباً وحَنَقاً، وحلفَ ليَغْزُوَنَّ بني كِنانةَ، وليَهْدِمَنَّ البيتَ.
ثمَّ إنَّ أبرهةَ حينَ أجمعَ السيرَ إلى البيتِ، أمرَ الحُبْشانَ فتهيَّأتْ وتجهَّزتْ، وخرجَ معهُ بالفيلِ، وسمِعَت العربُ بذلك، فأعظَمُوهُ، وفُظِعُوا بهِ، ورأوا جهادَهُ حقًّا عليهم حينَ سمعوا أنَّهُ يريدُ هدْمَ الكعبةِ، بيتِ اللَّهِ الحرامِ، فخرجَ رجلٌ كانَ من أشرافِ أهلِ اليمنِ وملوكِهم، يُقالُ لهُ: ذُو نفرٍ، فدعا قومَهُ ومَن أجابَهُ من سائرِ العربِ إلى حربِ أبرهةَ، وجهادِهِ عن بيتِ اللَّهِ، وما يريدُ من هدمِهِ وإخرابِهِ، فأجابَهُ مَن أجابَهُ إلى ذلك، وعرضَ لهُ، وقاتَلَهُ، فهُزِمَ وتفرَّقَ أصحابُهُ، وأُخِذَ لهُ ذو نفرٍ أسيراً؛ فأتي به فلمَّا أرادَ قتْلَهُ، قالَ له ذو نفرٍ: أيُّها المَلِكُ لا تقتُلْنِي، فإنَّهُ عسَى أنْ يكونَ بقائي معكَ خيراً لكَ من قتْلِي؛ فتركَهُ من القتلِ، وحبَسَهُ عندَه فِي وَثاقٍ. وكانَ أبرهةُ رجلاً حليماً.
ثم مضَى أبرهةُ على وجهِهِ ذلك يريدُ ما خرجَ لهُ، حتَّى إذا كانَ بأرضِ خَثْعَمٍ، عرضَ لهُ نفيلُ بنُ حبيبٍ الخَثْعَمِيُّ فِي قبيلَتَيْ خثعمٍ: شهرانَ، وناهسَ، ومَن تبعه من قبائلِ العربِ، فقاتلَهُ فهزمَهُ أبرهةُ، وأُخِذَ له أسيراً، فأُتِيَ به؛ فلمَّا همَّ بقتلِهِ، قالَ لهُ نفيلٌ: أيُّها المَلِكُ لا تقْتُلْني، فإنِّي دليلُكَ بأرضِ العربِ، وهاتانِ يدايَ لكَ على قبيلتَيْ خثعمٍ: شهرانَ، وناهسَ، بالسمعِ والطاعةِ؛ فأعفاهُ وخلَّى سبيلَهُ، وخرجَ بهِ معهُ، يدلُّهُ على الطريقِ؛ حتَّى إذا مرَّ بالطائفِ، خرجَ إليهِ مسعودُ بنُ معتِّبٍ فِي رجالِ ثقيفٍ، فقالَ: أيُّها المَلِكُ، إنَّما نحنُ عبيدُكَ، سامعونَ لكَ مطيعونَ، ليسَ لك عندَنا خلافٌ، وليسَ بيتُنا هذا بالبيتِ الذي تريدُ، يعنونَ اللاتَ، إنَّما تُريدُ البيتَ الذي بمكَّةَ، يعنونُ الكعبةَ، ونحنُ نبعثُ معَكَ مَن يدلُّكَ.
فتجاوزَ عنهم، وبعثوا معهم أبا رِغالٍ؛ فخرجَ أبرهةُ ومعَهُ أبو رغالٍ حتَّى أنزلَهُ المُغمَّسَ، فلمَّا أنزلَهُ بهِ ماتَ أبو رغالٍ هنالكَ، فرجَمت العربُ قبْرَهُ، فهوَ القبرُ الذي يرْجُمُ الناسُ بالمُغَمَّسِ.
ولمَّا نزلَ أبرهةُ المُغمَّسَ، بعثَ رجلاً من الحبشةِ يُقالَ لهُ: الأسودُ بنُ مقصودٍ، على خيلٍ لهُ حتَّى انتهَى إلى مكَّةَ، فساقَ إليهِ أموالَ أهلِ مكَّةَ من قريشٍ وغيرِهم، وأصابَ منها مائتَيْ بعيرٍ لعبدِ المطَّلبِ بنِ هاشمٍ، وهو يومئذٍ كبيرُ قريشٍ وسيِّدُها؛ وهمَّتْ قريشٌ وكنانةُ وهذيلُ ومَن كانَ بالحرمِ من سائرِ الناسِ بقتالِهِ، ثمَّ عرفوا أنَّهم لا طاقةَ لهم بهِ، فتركُوا ذلك، وبعثَ أبرهةُ حناطةَ الحميريَّ إلى مكَّةَ، وقالَ لهُ: سلْ عن سيِّدِ هذا البلدِ وشريفِهم، ثمَّ قُلْ لهُ: إنَّ المَلِكَ يقولُ لكم: إنِّي لم آتِ لحربِكُم، إنَّما جئتُ لهدْمِ البيتِ، فإنْ لم تَعْرِضُوا دونَهُ بحربٍ فلا حاجةَ لي بدمائِكُم، فإنْ لم يُرِدْ حربِي فأتِنِي بهِ.
فلمَّا دخلَ حناطةُ مكَّةَ، سألَ عن سيِّدِ قريشٍ وشريفِها، فقِيلَ: عبدُ المطَّلِبِ بنُ هاشمِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قُصَيٍّ، فجاءَهُ فقالَ لهُ ما أمرَهُ به أبرهةُ، قالَ لهُ عبدُ المطَّلبِ: واللَّهِ ما نريدُ حرْبَهُ، وما لنا بذلك من طاقةٍ؛ هذا بيتُ اللَّهِ الحرامُ، وبيتُ خليلِهِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ، أو كما قالَ، فإنْ يمنعْهُ فهوَ بيتُهُ وحرمُهُ، وإنْ يُخَلِّ بينَهُ وبينَهُ، فوَاللَّهِ ما عندَنا لهُ من دفعٍ عنهُ، أو كما قالَ، فقالَ له حنَّاطةُ: فانطَلِقْ إلى المَلِكِ، فإنَّهُ قد أمرنِي أنْ آتِيَهُ بكَ. فانطلقَ معهُ عبدُ المطَّلبِ، ومعهُ بعضُ بَنِيهِ، حتَّى أتى العسكرَ، فسألَ عن ذي نفرٍ، وكانَ له صديقاً، فدُلَّ عليهِ، فجاءَهُ وهو فِي محبسِهِ، فقالَ: يا ذا نفرٍ، هلْ عندَكَ غَناءٌ فيما نزلَ بنا؟ فقالَ لهُ ذو نفرٍ، وما غَناءُ رجلٍ أسيرٍ بيدَيْ ملِكٍ، ينتظرُ أنْ يقتلَهُ غُدوًّا أو عشيًّا! ما عندي غَناءٌ فِي شيءٍ ممَّا نزلَ بك، إلاَّ أنَّ أُنيساً سائس الفيلِ لي صديقٌ، فسأُرْسِلُ إليهِ، فأوصيهِ بكَ، وأُعْظِمُ عليهِ حقَّكَ، وأسالُهُ أنْ يستأذنَ لك على المَلِكِ، فتُكلِّمُهُ بما تريدُ، ويشفعُ لك عندَه بخيرٍ، إنْ قدَرَ على ذلك. قالَ: حسْبِي، فبعثَ ذو نفرٍ إلى أنيسٍ، فجاءَ بهِ، فقالَ: يا أنيسُ، إنَّ عبدَ المطَّلبِ سيِّدُ قريشٍ، وصاحبُ عِيرِ مكَّةَ، يُطعِمُ الناسَ بالسهلِ، والوحوشَ فِي رءوسِ الجبالِ، وقد أصابَ المَلِكُ لهُ مائتيْ بعيرٍ، فاستأذنْ لهُ عليهِ، وانفعْهُ عندَهُ بما استطعْتَ، فقالَ: أفعلُ.
فكلَّمَ أنيسٌ أبرهةَ، فقالَ: أيُّها المَلِكُ، هذا سيِّدُ قريشٍ ببابِكَ، يستأذنُ عليكَ، وهو صاحبُ عِيرِ مكَّةَ، يُطعمُ الناسَ بالسهلِ، والوحوشَ فِي رءوسِ الجبالِ، فأْذَنْ لهُ عليكَ، فليكلِّمُكَ بحاجتِهِ، وأحسِنْ إليهِ. قالَ: فأذِنَ لهُ أبرهةُ، وكانَ عبدُ المطَّلبِ رجلاً عظيماً وسيماً جسيماً؛ فلمَّا رآهُ أبرهةُ أجلَّهُ وأكرمَهُ أنْ يجلسَ تحتَهُ، وكرِهَ أنْ تراهُ الحبشةُ يُجلسُهُ معهُ على سريرِ مُلكِهِ، فنزلَ أبرهةُ عن سريرِهِ، فجلسَ على بساطِهِ، وأجلسَهُ معهُ عليهِ إلى جنْبِهِ، ثمَّ قالَ لتَرجُمانِهِ: قلْ لهُ ما حاجتُكَ إلى الملِكِ؟ فقالَ لهُ ذلكَ الترجمانُ، فقالَ لهُ عبدُ المطَّلبِ: حاجتِي إلى الملِكِ أنْ يَرُدَّ عليَّ مائتيْ بعيرٍ أصابَها لي؛ فلمَّا قالَ لهُ ذلك، قالَ أبرهةُ لتَرجمانِهِ: قلْ لهُ: قد كنْتَ أعجبْتَنِي حينَ رأيتُكَ، ثمَّ زَهِدْتُ فيك حينَ كلَّمْتَنِي، أتُكلِّمُني فِي مائتيْ بعيرٍ أصبْتُها لكَ، وتتركُ بيتاً هو دِينُكَ ودينُ آبائِكَ، قد جئْتُ لهدمِهِ فلا تكلِّمُني فيه؟ قالَ لهُ عبدُ المطَّلبِ: إنِّي أنا ربُّ الإبلِ، وإنَّ للبيتِ ربًّا سيمنعُهُ، قالَ: ما كانَ لِيُمنعَ منِّي. قالَ: أنتَ وذاكَ، ارْدُدْ إلَيَّ إبلِي.
وكانَ فيما زعمَ بعضُ أهلِ العلمِ قد ذهبَ معَ عبدِ المطَّلبِ إلى أبرهةَ، حينَ بعثَ إليه حنَّاطةَ، يعمرُ بنُ نفاثةَ بنِ عديِّ بنِ الديلِ بنِ بكرِ بنِ عبدِ منافِ بنِ كنانةَ، وهو يومئذٍ سيِّدُ بني كنانةَ، وخويلدُ بنُ واثلةَ الهذليُّ وهو يومئذٍ سيِّدُ هذيلٍ، فعَرَضوا على أبرهةَ ثلُثَ أموالِ تِهامةَ، على أنْ يرجعَ عنهم، ولا يهدمَ البيتَ، فأبى عليهم، واللَّهُ أعلمُ.
وكانَ أبرهةُ، قد ردَّ على عبدِ المطَّلبِ الإبلَ التي أصابَ لهُ، فلمَّا انصرفُوا عنه انصرفَ عبدُ المطَّلبِ إلى قريشٍ، فأخبرَهم الخبرَ، وأمرَهم بالخروجِ من مكَّةَ، والتحرُّزِ فِي شَعَفِ الجبالِ والشِّعابِ؛ تخوُّفاً عليهم من معرَّةِ الجيشِ؛ ثمَّ قامَ عبدُ المطَّلبِ فأخذَ بحلقةِ البابِ، بابِ الكعبةِ، وقامَ معهُ نفرٌ من قريشٍ يدعونَ اللَّهَ، ويستنصرونَهُ على أبرهةَ وجندِهِ، فقالَ عبدُ المطَّلبِ، وهو آخِذٌ بحَلْقةِ بابِ الكعبةِ:
يَا ربِّ لا أرجو لهم سِواكَا
يا ربِّ فامْنَعْ منهم حِماكَا
إنَّ عدوَّ البيتِ مَن عاداكَا
امنعْهُم أنْ يُخْرِبُوا قُراكَا


وقالَ أيضاً:
لاهُمَّ إنَّ العبدَ يمـ ....... ـنعُ رحْلَهُ فامنَعْ حِلالَكْ
لا يغلِبنَّ صليبُهم ....... ومِحالُهم غدواً مِحالَكْ
فلئنْ فعلْتَ فربَّما
....... أولى فأْمُرْ ما بدا لكْ
ولئنْ فعلْتَ فإنَّه أمرٌ
....... تُتِمُّ بهِ فِعَالَكْ


وكنتُ إذا أتَى باغٍ بسلمٍ ....... نرجِّي أنْ تكونَ لنا كذلكْ
فولَّوْا لم ينالوا غيرَ خزيٍ
....... وكانَ الحَينُ يُهلكُهم هنالِكْ
ولم أسمعْ بأرجسَ من رجالٍ
....... أرادُوا العزَّ فانتهكُوا حرامَكْ
جرُّوا جموعَ بلادِهم
....... والفيلَ كيْ يسبُّوا عِيالَكْ
ثم أرسلَ عبدُ المطَّلبِ حلقةَ بابِ الكعبةِ، وانطلقَ هوَ ومَن معهُ من قريشٍ إلى شَعَفِ الجبالِ، فتحرَّزُوا فيها، ينتظرونَ ما أبرهةُ فاعلٌ بمكَّةَ إذا دخلَها؛ فلمَّا أصبحَ أبرهةُ تهيَّأَ لدخولِ مكَّةَ، وهيَّأَ فِيلَهُ، وعبَّأَ جيشَهُ، وكانَ اسمُ الفيلِ محموداً، وأبرهةُ مُجْمَعٌ لهدمِ البيتِ، ثمَّ الانصرافِ إلى اليمنِ. فلمَّا وجَّهوا الفيلَ أقبلَ نفيلُ بنُ حبيبٍ الخثعميُّ، حتَّى قام إلى جنبِهِ، ثمَّ أخذَ بأذنِهِ فقالَ: ابْرُكْ محمودُ، وارجعْ راشداً من حيثُ جئْتَ، فإنَّكَ فِي بلدِ اللَّهِ الحرامِ؛ ثمَّ أرسلَ أذُنَهُ، فبَرَكَ الفيلُ، وخرجَ نفيلُ بنُ حبيبٍ يشتدُّ حتَّى أصعدَ فِي الجبلِ. وضربوا الفيلَ ليقومَ فأبَى، وضربُوا فِي رأسِهِ بالطبرزينِ ليقومَ فأبَى، فأدخلُوا مَحاجنَ لهم فِي مراقِهِ، فبزَغُوهُ بها ليقومَ فأبَى، فوجَّهوهُ راجعاً إلى اليمنِ، فقامَ يُهَرْولُ، ووجَّهوهُ إلى الشامِ، ففعلَ مثلَ ذلك، ووجَّهوهُ إلى المشرقِ، ففعلَ مثلَ ذلكَ، ووجَّهُوهُ إلى مكَّةَ فبركَ، وأرسلَ اللَّهُ عليهم طيراً من البحرِ، أمثالَ الخطاطيفِ، معَ كلِّ طيرٍ ثلاثةُ أحجارٍ يحملُها: حجرٌ فِي منقارِهِ، وحجرانِ فِي رجليْهِ مثلُ الحِمَّصِ والعَدَسِ، لا تصيبُ منهم أحداً إلا هلكَ، وليسَ كلَّهم أصابتْ، وخرجوا هاربينَ يبتدرونَ الطريقَ الذي منهُ جاءُوا، ويسألونَ عن نفيلِ بنِ حبيبٍ، ليدلَّهم على الطريقِ إلى اليمنِ، فقالَ نفيلُ بنُ حبيبٍ حينَ رأى ما أنزلَ اللَّهُ بهم من نقمتِهِ:
أينَ المفرُّ والإلهُ الطالبُ ....... والأشرمُ المغلوبُ غيرُ الغالبِ
فخرجوا يتساقطونَ بكلِّ طريقٍ، ويَهلكُونَ على كلِّ مَنْهَلٍ، فأصيبَ أبرهةُ فِي جسدِهِ، وخرجوا بهِ معهم، فسقطَتْ أناملُهُ أنملةً أنملةً، كلمَّا سقطتْ أنملةٌ اتَّبَعَتْها مِدَّةٌ تمثُّ قَيْحاً ودماً، حتَّى قدِموا بهِ صنعاءَ، وهو مثلُ فَرْخِ الطيرِ، فما ماتَ حتَّى انصدعَ صدرُهُ عن قلبِهِ فيما يزعمونَ.
حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن يعقوبَ بنِ عتبةَ بنِ المغيرةِ بنِ الأخنسِ، أنَّهُ حدَّثَ، أنَّ أوَّلَ ما رأيتُ الحَصْبةَ والجُدَرِيَّ بأرضِ العربِ ذلك العامَ، وأنَّهُ أوَّلُ ما رُؤيَ بها مرارُ الشجرِ: الحرملُ والحنظلُ والعشرُ ذلك العامَ.
حدَّثنا بشرٌ قالَ: ثنا يزيدُ قالَ: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ، قولَهُ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} أقبلَ أبرهةُ الأشرمُ من الحبشةِ ومَن معهُ من غُزاة أهلِ اليمنِ، إلى بيتِ اللَّهِ ليهدمَهُ من أجلِ بِيعةٍ لهم أصابَها العربُ بأرضِ اليمنِ، فأقبلُوا بفيلِهم، حتَّى إذا كانوا بالصفاحِ برَكَ؛ فكانوا إذا وجَّهوهُ إلى بيتِ اللَّهِ ألقَى بجِرانِهِ الأرضَ، وإذا وجَّهوهُ إلى بلدِهم انطلقَ ولهُ هرولةٌ، حتَّى إذا كانَ بنخلةَ اليمانيَّةِ بعثَ اللَّهُ عليهم طيراً بيضاً أبابيلَ. والأبابيلُ: الكثيرةُ، مع كلِّ طيرٍ ثلاثةُ أحجارٍ: حجرانِ فِي رجليْهِ، وحجرٌ فِي منقارِهِ، فجعلتْ ترميهم بها حتَّى جعلَهم اللَّهُ عزَّ وجلَّ كعصفٍ مأكولٍ؛ قالَ: فنجا أبو يكسومَ وهو أبرهةُ، فجعلَ كلَّما قدِمَ أرضاً تساقطُ بعضُ لحمِهِ، حتَّى أتَى قومَهُ، فأخبرَهم الخبرَ ثمَّ هلكَ). [جامع البيان: 24 / 632-643]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني وحميد الطويل عن عكرمة ترميهم بحجارة من سجيل قال هي بالفارسية سنك وكل يعني حجرا وطينا). [تفسير مجاهد: 2 /782-783]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن عكرمة قال هي بالفارسية والنبطية). [تفسير مجاهد: 2 /783]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا شيبان عن جابر عن مجاهد قال هي مثل طير تصيب منهم لم تر قبلهم ولا بعدهم ترميهم بحجارة صغار مثل البلسان من الصغر لا تصيب منهم شيئا إلا أفصلته حتى ينفذ). [تفسير مجاهد: 2 /783-784]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا شيبان عن جابر عن عكرمة قال هي العنقاء المغربة ترميهم بحجارة مثل التين تخرج من مخالبها وأفواهها لا تصيب منهم شيئا إلا حرقته حتى كان يموت منهم في اليوم مائة ألف). [تفسير مجاهد: 2/ 784]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: أقبل أصحاب الفيل حتّى إذا دنوا من مكّة استقبلهم عبد المطّلب فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا ما عناك يا ربّنا ألا بعثت فنأتيك بكلّ شيءٍ أردت؟ " فقال: أخبرت بهذا البيت الّذي لا يدخله أحدٌ إلّا آمن فجئت أخيف أهله. فقال: إنّا نأتيك بكلّ شيءٍ تريد فارجع" فأبى إلّا أن يدخله وانطلق يسير نحوه وتخلّف عبد المطّلب فقام على جبلٍ فقال: " لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله، ثمّ قال:
[البحر الكامل]
اللّهمّ إنّ لكلّ إلهٍ ....... حلالًا فامنع حلالك
لا يغلبنّ محالهم ....... أبدًا محالك
اللّهمّ فإن فعلت ....... فأمر ما بدا لك
فأقبلت مثل السّحابة من نحو البحر حتّى أظلّتهم طيرٌ أبابيل الّتي قال اللّه عزّ وجلّ: {ترميهم بحجارةٍ من سجّيلٍ} قال: فجعل الفيل يعجّ عجًّا {فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ} «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2 / 583]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ عن ابنِ عبَّاسٍ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}؛ قَالَ أَقْبَلَ أصحابُ الفيلِ يُريدونَ مَكَّةَ ورَأَسَهُم أبو يَكْسُومَ الحَبَشِيُّ حتى إِذَا أَتَوُا المُغَمِّسَ أَتَتْهُم طيرٌ, في مِنقارِ كلِّ طيرٍ حَجَرٌ، وفي رِجْلَيْهِ حَجَرانِ, فَرَمَتْهُم بها، فذلك قولُه: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ يقولُ: يَتْبَعُ بعضُها بعضاً, {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}؛ يقولُ: مِن طينٍ. قالَ: وكانَتْ مِن جَزعِ ظِفَارٍ مِثْلَ بعرِ الغنَمِ, فَرَمَتْهُم بها). [الدر المنثور: 15 / 663-664]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ عن أبي الكنودِ: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}؛ قالَ: دونَ الحِمِّصَةِ وفوقَ العَدَسَةِ). [الدر المنثور: 15 / 664]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( وأَخْرَجَ عبدُ الرزَّاقِ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ, عن عِمْرَانَ: {طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ قالَ: طيرٌ كثيرةٌ جاءتْ بحجارةٍ كثيرةٍ, أكبرُها مثلُ الحِمِّصَةِ وأصغرُها مثلُ العَدَسَةِ). [الدر المنثور: 15 / 664] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ في الدلائلِ, عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِه: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}؛ قالَ: بحجارةٍ مثلِ البُنْدُقِ, وبها نَضْحُ حُمرةٍ مُخَتَّمَةٍ, معَ كلِّ طائرٍ ثلاثةُ أحجارٍ؛ حَجَرانِ في رجليه وحجرٌ في مِنقارِه، حَلَّقَتْ عليهم من السماءِ ثم أَرْسَلَتْ تلك الحِجارةَ عليهم فلم تَعْدُ عَسْكَرَهُم). [الدر المنثور: 15 / 664]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ عن نَوْفَلِ بنِ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيِّ, قالَ: رأيتُ الحَصَى التي رُمِيَ بها أصحابُ الفيلِ, حَصًى مثلُ الحِمِّصِ وأكبرُ مِن العَدَسِ, حُمْرٌ مُخَتَّمَةٌ كأنها جَزْعُ ظَفَارِ). [الدر المنثور: 15 / 664-665]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ, عن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ, قالَ: كانَتْ في المِقْدَارِ بَيْنَ الحِمِّصَةِ والعَدَسَةِ, حصًى به نَضْحٌ أحمرُ مُخَتَّمَةٌ كالجَزْعِ, فلولا أنه عُذِّبَ به قومٌ أَخَذْتُ منه ما أَتَّخِذُه في مسجدٍ وهي بمكةَ كثيرٌ). [الدر المنثور: 15 / 665]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ, عن أمِّ كُرْزٍ الخُزَاعِيَّةِ, قالتْ: رأيتُ الحجارةَ التي رُمِيَ بها أصحابُ الفيلِ حُمْراً مُخَتَّمَةً كأنها جَزْعُ ظَفَارِ, فمَن قالَ غيرَ ذلك فلم يَقُلْ شيئاً، ولم تُصِبْهُم كلَّهم، وقدْ أفْلَتَ مِنهم). [الدر المنثور: 15 / 665]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ, عن محمدِ بنِ كعبٍ القُرَظِيِّ, قالَ: جاؤوا بفيليْنِ؛ فأمَّا مَحْمُودٌ فرَبَضَ، وأمَّا الآخرُ فشَجُعَ فحُصِبَ). [الدر المنثور: 15 / 665]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ, عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ, قالَ: حَدَّثَنِي مَن كَلَّمَ قائدَ الفيلِ وسَائِسَه, قالَ لهما: أخْبِرَانِي خبرَ الفيلِ. قالا: أقْبَلْنَا به وهو فيلُ الملكِ النجَاشِيِّ الأكبرُ, لم يُسِرْ به قطُّ إلى جَمْعٍ إلاَّ هَزَمَهم، فلمَّا دَنَوْا مِن الحَرَمِ جَعَلْنا كلَّما نُوَجِّهُه إلى الحرَمِ يَرْبِضُ، فتارَةً نَضْرِبُه فينهَبِطُ وتارَةً نَضْرِبُه حتى نَمَلَّ ثم نَتْرُكُه، فلمَّا انْتَهَى إلى المُغَمِّسِ رَبَضَ فلم يَقُمْ فطَلَعَ العذابُ. فقلتُ: نَجَا غيرُكما؟ قالا: نعمْ، ليسَ كلُّهم أصابه العذابُ.
ووَلَّى أَبْرَهَةُ ومَن تَبِعَه يُريدُ بلادَه, كلَّمَا دَخَلُوا أرضاً وَقَعَ مِنه عُضْوٌ حتى انْتَهىَ إلى بِلادِ خَثْعَمَ وليسَ عليه غيرُ رأسِه فماتَ). [الدر المنثور: 15 / 665-666]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال لما أرسل الله الحجارة على أصحاب الفيل جعل لا يقع منها حجر على أحد منهم إلا نفط مكانه قال فذلك أول ما كان الجدري قال ثم أرسل الله إليهم سيلا فذهب بهم وألقاهم في البحر). [تفسير عبد الرزاق: 2 /396]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {كعصف مأكول}؛ قال: هو التبن). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 397]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} يعني تعالَى ذِكْرُهُ: فجعلَ اللَّهُ أصحابَ الفيلِ كزرعٍ أكلتْهُ الدوابُّ فراثَتْهُ، فيَبِسَ وتفرَّقتْ أجزاؤُهُ؛ شبَّهَ تقطُّعَ أوصالِهم بالعقوبةِ التي نزلتْ بهم، وتفرُّقَ آرابِ أبدانِهم بها، بتفرُّقِ أجزاءِ الروثِ، الذي حدثَ عن أكلِ الزرعِ.
وقد كانَ بعضُهم يقولُ: العصفُ: هو القشرُ الخارجُ الذي يكونُ على حبِّ الحِنْطَةِ من خارجٍ، كهيئةِ الغِلافِ لها.
ذِكْرُ مَن قالَ: عُنِيَ بذلك ورقُ الزرعِ:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ عمرٍو قالَ: ثنا أبو عاصمٍ قالَ: ثنا عيسى؛ وحدَّثني الحارثُ قالَ: ثنا الحسنُ قالَ: ثنا ورقاءُ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قولَهُ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: ورقُ الحنطةِ.
- حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلَى قالَ: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: هو التِّبْنُ.
- وحُدِّثْتُ عن الحسينِ قالَ: سمِعْتُ أبا مُعاذٍ قالَ: أخبرنا عبيدٌ قالَ: سمِعْتُ الضحَّاكَ يقولُ فِي قولِهِ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} كزرعٍ مأكولٍ.
- حدَّثني محمدُ بنُ عمارةَ الأسديُّ قالَ: ثنا زُرَيقُ بنُ مرزوقٍ قالَ: ثنا هُبَيْرةُ، عن سلمةَ بنِ نُبَيْطٍ، عن الضحَّاكِ، فِي قولِهِ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: هو الهبورُ بالنبطيَّةِ، وفي روايةٍ: المقهورُ.
- حدَّثني يونسُ قالَ: أخبرنا ابنُ وهبٍ قالَ: قالَ ابنُ زيدٍ، فِي قولِهِ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: ورقُ الزرعِ وورقُ البقلِ، إذا أكلتْهُ البهائمُ فراثَتْهُ، فصارَ دَرينًا.
ذِكْرُ مَن قالَ: عُنِيَ به قشرُ الحَبِّ:
- حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ قالَ: ثني أبي قالَ: ثني عمِّي قالَ: ثني أبي، عن أبيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: البُرُّ يُؤكلُ ويُلقِي عصفَهُ الريحُ، والعصفُ: الذي يكونُ فوقَ البُرِّ: هو لحَاءُ البُرِّ.
وقالَ آخرُونَ فِي ذلك بما حدَّثنا ابنُ حميدٍ قالَ: ثنا مهرانُ، عن أبي سنانٍ، عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: كطعامٍ مطعومٍ). [جامع البيان: 24 / 643-645]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كعصف مأكول العصف ورق الحنطة). [تفسير مجاهد: 2/ 784]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال العصف هو الهبور). [تفسير مجاهد: 2/ 784]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ عن ابنِ عبَّاسٍ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}؛ قَالَ أَقْبَلَ أصحابُ الفيلِ يُريدونَ مَكَّةَ ورَأَسَهُم أبو يَكْسُومَ الحَبَشِيُّ حتى إِذَا أَتَوُا المُغَمِّسَ أَتَتْهُم طيرٌ, في مِنقارِ كلِّ طيرٍ حَجَرٌ، وفي رِجْلَيْهِ حَجَرانِ, فَرَمَتْهُم بها، فذلك قولُه: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}؛ يقولُ: يَتْبَعُ بعضُها بعضاً, {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}؛ يقولُ: مِن طينٍ. قالَ: وكانَتْ مِن جَزعِ ظِفَارٍ مِثْلَ بعرِ الغنَمِ, فَرَمَتْهُم بها, {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}؛ وهو وَرَقُ الزرْعِ البالي المأكولُ. يقولُ: خَرَّقَتْهم الحجارةُ كما يَتَخَرَّقُ وَرَقُ الزرعِ البالي المأكولِ. قالَ: وكانَ إقبالُ هؤلاءِ إلى مكةَ قبلَ أنْ يولدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاثٍ وعشرينَ سنةً). [الدر المنثور: 15 / 663-664]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ من طريقِ عَطَاءٍ والضحَّاكِ, عن ابنِ عبَّاسٍ, أن أبرهةَ الأشرمَ قَدِمَ من اليمنِ يُرِيدُ هَدْمَ الكعبةِ، فأرْسَلَ اللهُ عليهم {طَيْراً أَبَابِيلَ} -يُرِيدُ مجتمعةً- لها خراطيمُ, تَحْمِلُ حصاةً في مِنْقَارِها وحصاتيْنِ في رِجْلَيْها, تُرْسِلُ واحدةً على رأسِ الرجلِ فيَسِيلُ لحمُه ودمُه وتُبْقِي عِظاماً خاويةً, لا لحمَ عليه ولا جلدَ ولا دمَ). [الدر المنثور: 15 / 666]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ, عن عثمانَ بنِ عفَّانَ, أنه سَأَلَ رجلاً مِن هُذَيْلٍ قالَ: أخْبِرْنِي عن يومِ الفيلِ. فقالَ: بُعِثْتُ يومَ الفيلِ طَلِيعَةً على فرسٍ لي أنثى فَرَأَيْتُ طيراً خَرَجَتْ من الحَرَمِ في مِنقارِ كُلِّ طيرٍ منها حجرٌ، وفي رِجلِ كلِّ طيرٍ منها حجرٌ، وهاجَتْ رِيحٌ وظُلمةٌ, حتى قَعَدَتْ بي فَرَسي مرتيْنِ, فمَسَحَتْهُمْ مسْحَةً كلفتةِ كرداك وانْجَلَتِ الظُّلْمَةُ، وسَكَنَتِ الريحُ. قالَ: فنَظَرْتُ إلى القومِ خامِدِينَ). [الدر المنثور: 15 / 666]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ مَرْدُويَهْ وأبو نُعَيْمٍ, عن أبي صالحٍ, أنه رأَى عندَ أمِّ هانِئٍ بنتِ أبي طالبٍ من تلك الحجارةِ نحواً مِن قَفِيزٍ مُخَطَّطَةً مختَّمَةً كأنها جَزْعُ ظِفَارِ, مكتوبٌ في الحَجَرِ اسْمُه واسمُ أبيه). [الدر المنثور: 15 / 666-667]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ, والبَيْهَقِيُّ في الدلائلِ, عن ابنِ عبَّاسٍ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} يقولُ: كالتِّبْنِ). [الدر المنثور: 15 / 667]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرزَّاقِ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ عن قتادةَ, {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: التِّبْنُ). [الدر المنثور: 15 / 667]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِريَابِيُّ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنِ جُرَيْجٍ وابنُ المُنْذِرِ, عن مجاهدٍ {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قال: وَرَقِ الحِنْطَةِ). [الدر المنثور: 15 / 667]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِريَابِيُّ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أبي حاتمٍ, عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ, قالَ: العصفُ المأكولُ وَرَقُ الحِنْطَةِ). [الدر المنثور: 15 / 667]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ عن طاوسٍ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: وَرَقُ الحِنْطَةِ فيها الثقْبُ). [الدر المنثور: 15 / 667]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ عن عِكرمةَ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: إذا أُكِلَ فصارَ أجْوَفَ). [الدر المنثور: 15 / 668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ, وأبو نُعَيْمٍ في الدلائلِ, عن ابنِ عبَّاسٍ: {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} قالَ: هو الطيورُ عُصَافَةَ الزرْعِ). [الدر المنثور: 15 / 668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ إسحاقَ في السِّيرةِ, والوَاقِدِيُّ وابنُ مَرْدُويَهْ وأبو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ, عن عائشةَ, قالَتْ: لقد رَأَيْتُ قَائِدَ الفيلِ وسائِسَه بمكةَ أعمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ). [الدر المنثور: 15 / 668]

ما جاء في وقت ولادة النبي [صلى الله عليه وسلم]:
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ, والبَيْهَقِيُّ في الدلائلِ, عن ابنِ أَبْزَى, قالَ:كانَ بينَ الفِيلِ وبينَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرُ سنينَ). [الدر المنثور: 15 / 668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: وُلِدَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامَ الفِيلِ). [الدر المنثور: 15 / 668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ إسحاقَ وأبو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ، عن قَيْسِ بنِ مَخْرَمَةَ، قالَ: وُلِدْتُ أنا ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامَ الفيلِ). [الدر المنثور: 15 / 668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ، عن محمدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، قالَ: وُلِدَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامَ الفيلِ، وكانَتْ عُكَاظُ بعدَ الفيلِ بخمسَ عشرةَ سنةً، وبُنِيَ البيتُ على رأسِ خمسٍ وعشرين سنةً مِن الفيلِ، وتَنَبَّأَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رأسِ أربعينَ من الفيلِ). [الدر المنثور: 15 / 669]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 رجب 1434هـ/7-06-2013م, 05:35 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل...} يقول: ألم تخبر عن الحبشة، وكانوا غزوا البيت وأهل مكة، فلما كانوا بذي المجاز مروا براعٍ لعبد المطلب فاستاقوا إبله، فركب دابته وجاء إلى مكة، فصرخ بصراخ الفزع ثم أخبرهم الخبر، فجال عبد المطلب في متن فرسه ثم لحقهم، فقال له رجلان من كندة وحضرموت: ارجع، وكانا صديقين له، فقال: والله لا أبرح حتى آخذ أبلي، أو أوخذ معها، فقالوا لأصحمة رئيس الحبشة: ارددها عليه؛ فإنه آخذها غدوة، فرجع بإبله، وأخبر أهل مكة الخبر، فمكثوا أياما لا يرون شيئًا، فعاد عبد المطلب إلى مكانهم فإذا هم كما قال الله تبارك وتعالى: "كالعصف المأكول" قد بعث الله تبارك وتعالى عليهم طيرا في مناقيرها الحجارة كبعر الغنم، فكان الطائر يرسل الحجر فلا يخطئ رأس صاحبه، فيخرج من دبره فقتلتهم جميعا، فأخذ عبد المطلب من الصفراء والبيضاء يعني: الذهب والفضة ما شاء، ثم رجع إلى أهل مكة فأخبرهم، فخرجوا إلى عسكرهم فانتبهوا ما فيه). [معاني القرآن: 3/ 291-292]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (بلغني عن ابن عيينة أنه قال: كان لنا إمام بالكوفة يقرأ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] و{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] ولا يفرّق بينهما.
وتوهّم القوم أنهما سورة واحدة، لأنهم رأوا قوله: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} مردودا إلى كلام في سورة الفيل.
وأكثر الناس على أنهما سورتان، على ما في مصحفنا، وإن كانتا متّصلتي الألفاظ، على مذهب العرب في التضمين. والمعنى أنّ قريشا كانت بالحرم آمنة من الأعداء أن تهجم عليها فيه، وأنّ يعرض لها أحد بسوء إذا خرجت منه لتجارتها. وكانوا يقولون: قريش سكان حرم الله، وأهل الله وولاة بيته. والحرم واد جديب لا زرع فيه ولا ضرع، ولا شجر ولا مرعى، وإنما كانت تعيش فيه بالتجارة، وكانت لهم رحلتان في كل سنة: رحلة إلى اليمن في الشتاء، ورحلة في الصيف إلى الشام. ولولا هاتان الرّحلتان لم يمكن به مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت، لم يقدروا على التصرّف. فلمّا قصد أصحاب الفيل إلى مكة ليهدموا الكعبة وينقلوا أحجارها إلى اليمن فيبنوا به هناك بيتا ينتقل به الأمن إليهم، ويصير العزّ لهم، أهلكهم الله سبحانه، لتقيم قريش بالحرم، ويجاوروا البيت، فقال يذكر نعمته: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}
). [تأويل مشكل القرآن: 413-415]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل (1)}
{كيف} في موضع نصب بـ {فعل ربّك} لا بقوله: {ألم تر}، لأن كيف من حروف الاستفهام.
ومعنى {ألم تر} ألم تعلم، فأعلم اللّه -عزّ وجلّ – رسوله ما كان مما سلف من الأقاصيص وما فيه دالّ على توحيد اللّه وتعظيمه أمر كعبته، وكان من قصة أصحاب الفيل أنّ قوما من العرب - وكانوا ببلاد النجاشي - وكانوا بحضرة بيت هو مصلّى للنّصارى وأصحاب النجاشي، فأججوا نارا استعملوها لبعض ما احتاجوا إليه، ثم رحلوا ولم يطفئوها فحملتها الريح حتى أحرقت البيت الذي كان مصلاهم ومثابة للنجاشي وأصحابه، فقصد مكة مقدّرا أن يحرق بيت الحرام ويستبيح أهل مكة، فلما قربوا من الحرم لم تسر بهم دوابهم نحو البيت فإذا عطفوها راجعين سارت، فوعظهم اللّه بأبلغ موعظة، فأقاموا على قصد البيت وعلى أن يحرقوه، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل، فجعل كيدهم في تضليل، أي في ذهاب وهلاك، وكان مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، يقع الحجر منها على رأس الرجل فيخرج من دبره على كل حجر اسم الرجل الذي وقع عليه، فقال اللّه جل ثناؤه: {وأرسل عليهم طيرا أبابيل (3)}). [معاني القرآن: 5/ 363]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}

تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {أبابيل...} لا واحد لها مثل: الشماطيط، والعباديد، والشعارير كل هذا لا يفرد له واحد، وزعم لي الرؤاسي وكان ثقة مأمونا: أنه سمع واحدها: إبّالة لا ياء فيها.
ولقد سمعت من العرب من يقول: "ضغث على إبّالة" يريدون: خصب على خصب.
وأمّا الإيبالة: فهي الفضلة تكون على حمل الحمار أو البعير من العلف، وهو مثل الخصب على الخصب، وحمل فوق حمل، فلو قال قائل: واحد الأبابيل إيبالة كان صوابا، كما قالوا: دينار دنانير.
وقد قال بعض النحويين، وهو الكسائي: كنت أسمع النحويين يقولون: أبوك مثل العجّول والعجاجيل). [معاني القرآن: 3/ 292]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({طيرًا أبابيل} جماعات في تفرقة، جاءت الطير أبابيل من ها هنا وها هنا، ولم نر أحدا يجعل لها واحدا). [مجاز القرآن: 2/ 312]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أبابيل}: جماعات في تفرقة. يقال جاءت الخيل أبابيل زمرا من كل ناحية). [غريب القرآن وتفسيره: 442]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أبابيل}: جماعات متفرّقة). [تفسير غريب القرآن: 539]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وأرسل عليهم طيرا أبابيل (3)}: جماعات من ههنا وجماعات من ههنا، والمعنى أرسل اللّه عليهم هذا الطير بهذه الحجارة من كل جانب). [معاني القرآن: 5/ 363]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَبَابِيلَ} جماعات متفرقة، واحدها إِبَّوْل، وقيل: إبالة مخفف ومثقل. وقيل: إيبال، وقيل واحدها إبّيل، وقيل: لا واحد لها. وقيل: أبابيل: جماعة مختلفة. وقيل: بعضها إثر بعض. قيل: كانت بيضا، وقيل: كانت سوداء، خرجت من البحر، لها رؤوس كرؤوس السّباع، في أظفارها ومناقرها الحجارة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَبَابِيلَ}: زمراً زمرا). [العمدة في غريب القرآن: 357]

تفسير قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (ويقال: {سجّيلٍ...} كالآجر مطبوخ من طين، فقال الكلبي: حدثني أبو صالح قال: رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، نحوا من قفيز من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة). [معاني القرآن: 3/ 293]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({حجارةٍ من سجّيلٍ} هو كل شيء شديد، قال ابن مقبل: ضرباً تواصى به الأبطال سجّيلا). [مجاز القرآن: 2/312]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({سجيل}: طين خلطة حجارة). [غريب القرآن وتفسيره: 442]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({من سجّيلٍ} قال ابن عباس: من آجرّ). [تفسير غريب القرآن: 539]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات: 33]، فإن ابن عباس، رضي الله عنه، ذكر أنها آجرّ. والآجرّ: حجارة الطين، لأنه في صلابة الحجارة.
وقرأت في التّوراة بعد ذكر أنساب ولد نوح صلّى الله عليه وسلّم: أنهم تفرّقوا في كل أرض، وكانت الأرض لسانا واحدا، فلما ارتحلوا من المشرق وجدوا بقعة في الأرض اسمها (سعير) فحلّوا بها، ثم جعل الرجل منهم يقول لصاحبه: هلمَّ فلنُلبِّن لَبِنًا فنحرّقه بالنار فيكون اللَّبِن حجارة، ونبني مِجْدَلاً رأسه في السماء، وذكر بعض من رأى هذه الحجارة أنها حُمْرٌ مُخَتَّمَة. وقال آخرون: مخطّطة، وذلك تسويمها، ولهذا ذهب قوم في تفسير {سجّيل} إلى سِنك وَكِل؛ أي حجر وطين). [تأويل مشكل القرآن: 81](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى {ترميهم بحجارة من سجّيل (4)} وصف اللّه في كل من عذبه بالحجارة أنها من سجّيل، فقال في قوم لوط: {وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل منضود} فالمعنى وأرسل عليهم ما يرميهم بحجارة من سجّيل، أي من شديد عذابه، والعرب إذا وصفت المكروه بسجيل كأنها تعني به الشدّة ولا يوصف به غير المكروه.
قال الشاعر:
ورجلة يضربون البيض عن عرض.......ضربا تواصت به الأبطال سجّيلا
أي ضربا شديدا.
وأما {أبابيل} قال أبو عبيدة: لا واحد لها، وقال غيره: إبّالة وأبابيل. و(إبّالة) كأنّها جماعة.
وقال بعضهم واحدها "إبّول" وأبابيل، مثل عجول وعجاجيل). [معاني القرآن: 5/ 364]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِّن سِجِّيلٍ} أي من آجُرّ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سِجِّيلٍ}: طين وحجارة). [العمدة في غريب القرآن: 358]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {كعصفٍ...} والعصف: أطراف الزرع قبل أن يدرك ويسنبل). [معاني القرآن: 3/ 293]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({كعصفٍ مأكولٍ} وهو ورق الزرع هو العصيفة). [مجاز القرآن: 2/ 312]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فجعلهم كعصفٍ مّأكولٍ} قال: {فجعلهم كعصفٍ مّأكول}). [معاني القرآن: 4/ 52]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كعصف مأكول}: العصف ورق الزرع الذي يقطع منه قبل التقصيب فيؤكل). [غريب القرآن وتفسيره: 442]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كعصفٍ} يعني: ورق الزّرع.
و{مأكولٍ} فيه قولان:
أحدهما: أن يكون أراد: أنه أخذ ما فيه -من الحب- فأكل، وبقي هو لا حبّ فيه.
والآخر: أن يكون أراد: العصف مأكولا للبهائم، كما تقول للحنطة: «هذا المأكول» ولمّا يؤكل. وللماء: «هذا المشروب» ولمّا يشرب. يريد: أنهما مما يؤكل ويشرب). [تفسير غريب القرآن: 539]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فجعلهم كعصف مأكول (5)} أي جعلهم كورق الزّرع الذي جفّ وأكل: أي: وقع فيه الأكال. وجاء في التفسير أن الله تعالى أرسل عليهم سيلا فحملهم إلى البحر). [معاني القرآن: 5/ 364]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كَعَصْفٍ} كورق الزرع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((العَصْفٍ): التبن). [العمدة في غريب القرآن: 358]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 رجب 1434هـ/7-06-2013م, 05:37 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]



تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) }

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) }


تفسير قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وأنشد لقحيف العقيلي:
أتعرف أم لا رسم دار معطلا.......من العام يمحاه ومن عام أولا
وفي الصحصحيين الذين ترحلوا.......كواعب من بكر تسام وتحبلا

وقوله ومن عام أولا يريد ومن عام زمان أول أو دهر أول فأقام الصفة مقام الموصوف، قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ترميهم بحجارة من سجيل} قال أراد والله أعلم من شديد، ولم يزد على هذا وتقديره عند أهل العربية من رام شديد.
وأنشد قول تميم بن أبي بن مقبل:
ورجلة يضربون البيض عن عرض.......ضربا تواصى به الأبطال سجينا
يريد شديدا). [النوادر في اللغة: 534]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليلٍ * وأرسل عليهم طيرًا أبابيل * ترميهم بحجارةٍ مّن سجّيلٍ * فجعلهم كعصفٍ مّأكولٍ}
{كيف}
نصب بـ {فعل}.
والجمهور على أنه فيلٌ واحدٌ.
وقال الضّحّاك:
«ثمانيةٌ»؛ فهو اسم الجنس. وقوله مردودٌ.
وحكى النّقّاش ثلاثة عشر.
وهذه السورة تنبيهٌ على اعتبارٍ في أخذ اللّه عزّ وجلّ لأبرهة ملك الحبشة ولجيشه حين أمّ به الكعبة ليهدمها، وكان صاحب فيلٍ يركبه.
وقصّته مشهورةٌ في السيرة طويلةٌ، واختصارها أنه بنى في اليمن بيتًا، وأراد أن يرد إليه حجّ العرب، فذهب عربيٌّ فأحدث في البيت الذي بناه أبرهة، فغضب لذلك واحتفل في جموعه وركب الفيل وقصد مكّة، وغلب من تعرّضه في طريقه من قبائل العرب، فلمّا وصل ظاهر مكة، وفرّ عبد المطّلب وقريشٌ إلى الجبال والشّعاب، وأسلموا له البلد وغلب طغيانه، ولم يكن للبيت من البشر من يعصمه - جاءت قدرة الواحد القهّار، وأخذ العزيز المقتدر الجبّار، فأصبح أبرهة ليدخل مكة ويهدم الكعبة، فبرك فيله بذي المغمّس ولم يتوجّه قبل مكة، فبضعوه بالحديد، فلم يمش إلى ناحية مكة، وكان إذا وجّهوه إلى غيرها هرول.
فبينما هم كذلك في أمر الفيل بعث اللّه تعالى عليهم طيرًا جماعاتٍ سودًا من البحر، وقيل: خضرًا، عند كلّ طيرٍ ثلاثة أحجارٍ في منقاره ورجليه، كلّ حجرٍ فوق العدسة ودون الحمّصة، فرمتهم بتلك الحجارة، وكان الحجر منها يقتل المرميّ، وتتهرّأ لحومهم جربًا وأسقامًا.
وانصرف أبرهة بمن معه يريد اليمن، فماتوا في طريقهم متفرّقين في كلّ مرحلةٍ، وتقطّع أبرهة أنملةً أنملةً حتى مات، وحمى اللّه تعالى بيته المرفّع.
فنزلت هذه السورة منبّهةً على الاعتبار بهذه القصة؛ ليعلم الكلّ أن الأمر كلّه له تعالى، ويستسلموا للإله الذي ظهرت في ذلك قدرته حين لم تغن الأصنام شيئًا.
فأصحاب الفيل هم أبرهة الملك ورجاله.
وقرأ أبو عبد الرحمن: (ألم تر) بسكون الراء). [المحرر الوجيز: 8/ 689-690]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(التّضليل): الخسار والتّلف). [المحرر الوجيز: 8/ 690]

تفسير قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(الأبابيل): الجماعات تجيء شيئًا بعد شيءٍ. وقال أبو عبيدة: لا واحد له من لفظه. وهذا هو الصحيح لا ما تكلّفه بعض النّحاة. وقال كعبٌ:
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي = إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل). [المحرر الوجيز: 8/ 690]

تفسير قوله تعالى: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقد تقدّم تفسير (حجارة السّجّيل) غير مرةٍ، وهو من (سنج وكل) أي: ماءٍ وطينٍ، كأنها الآجرّ ونحوه مما طبخ. وهي المسوّمة عند اللّه تعالى للكفار والظالمين). [المحرر الوجيز: 8/ 690]

تفسير قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(العصف): ورق الحنطة وتبنه، ومنه قول علقمة بن عبدة:
تسقي مذانب قد زالت عصيفتها ....... حدورها من أتيّ الماء مطموم
والمعنى: صاروا طحينًا ذاهبًا كورق الحنطة أكلته الدوابّ وراثته، فجمع المهانة والخسّة والتلف.
وقرأ أبو المليح الهذليّ: (فتركهم كعصفٍ). وقال أبو حاتمٍ: وقرأ بعضهم: (فجعلتهم) - يعنون الطير- بفتح اللام وتاءٍ ساكنةٍ.
وقال عكرمة: (العصف):
«حبّ البرّ إذا أكل فصار أجوف».
وقال الفرّاء: هو أطراف الزّرع قبل أن يسنبل.
وهذه السورة متّصلةٌ في مصحف أبيّ بن كعبٍ بسورة: لإيلاف قريشٍ، لا فصل بينهما، وقال سفيان بن عيينة: كان لنا إمامٌ يقرأ بهما متّصلةً سورةً واحدةً). [المحرر الوجيز: 8/ 690-691]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
{ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليلٍ * وأرسل عليهم طيرًا أبابيل * ترميهم بحجارةٍ مّن سجّيلٍ * فجعلهم كعصفٍ مّأكولٍ}.
هذه من النّعم التي امتنّ اللّه بها على قريشٍ ؛؛ فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود؛ فأبادهم اللّه، وأرغم آنافهم، وخيّب سعيهم، وأضلّ عملهم، وردّهم بشرّ خيبةٍ،، وكانوا قوماً نصارى.
وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً ممّا كان عليه قريشٌ من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتّوطئة لمبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فإنّه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ينصركم يا معشر قريشٍ على الحبشة لخيريّتكم عليهم ولكن صيانةً للبيت العتيق، الذي سنشرّفه ونعظّمه ونوقّره ببعثة النّبيّ الأمّيّ محمدٍ صلوات اللّه وسلامه عليه خاتم الأنبياء.
وهذه قصّة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتّقريب.
قد تقدّم في قصّة أصحاب الأخدود أنّ ذا نواسٍ،، وكان آخر ملوك حمير، وكان مشركاً هو الذي قتل أصحاب الأخدود، وكانوا نصارى، وكانوا قريباً من عشرين ألفاً، فلم يفلت منهم إلاّ دوس ذو ثعلبانٍ، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام، وكان نصرانيًّا، فكتب له إلى النّجاشيّ ملك الحبشة؛ لكونه أقرب إليهم.
فبعث معه أميرين: أرياط وأبرهة بن الصّبّاح أبا يكسوم في جيشٍ كثيفٍ فدخلوا اليمن، فجاسوا خلال الديار واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواسٍ غريقاً في البحر، واستقلّ الحبشة بملك اليمن، وعليهم هذان الأميران: أرياط وأبرهة.
فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافّا، فقال أحدهما للآخر: إنّه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا، ولكن ابرز إليّ وأبرز إليك، فأيّنا قتل الآخر استقلّ بعده بالملك. فأجابه إلى ذلك، فتبارزا وخلف كلّ واحدٍ منهما قناةٌ، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وفمه وشقّ وجهه، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحاً، فداوى جرحه فبرأ، واستقلّ بتدبير جيش الحبشة باليمن.
فكتب إليه النّجاشيّ يلومه على ما كان منه ويتوعّده ويحلف ليطأنّ بلاده ويجزّنّ ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترقّق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحفٍ وبجرابٍ فيه من تراب اليمن، وجزّ ناصيته وأرسلها معه، ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا الجراب فيبرّ قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك. فلمّا وصل ذلك إليه أعجبه منه، ورضي عنه، وأقرّه على عمله.
وأرسل أبرهة يقول للنّجاشيّ: إنّي سأبني لك كنيسةً بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها. فشرع في بناء كنيسةٍ هائلةٍ بصنعاء رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الأرجاء سمّتها العرب القلّيس لارتفاعها؛ لأنّ الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حجّ العرب إليها، كما يحجّ إلى الكعبة بمكّة، ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب العدنانيّة والقحطانيّة ذلك وغضبت قريشٌ لذلك غضباً شديداً حتى قصدها بعضهم وتوصّل إلى أن دخلها ليلاً فأحدث فيها، وكرّ راجعاً.
فلمّا رأى السّدنة ذلك الحدث رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة وقالوا له: إنّما صنع هذا بعض قريشٍ ؛؛ غضباً لبيتهم الذي ضاهيت هذا به. فأقسم أبرهة ليسيرنّ إلى بيت مكّة، وليخرّبنّه حجراً حجراً.
وذكر مقاتل بن سليمان أنّ فتيةً من قريشٍ دخلوها فأجّجوا فيها ناراً وكان يوماً فيه هواءٌ شديدٌ فاحترقت وسقطت إلى الأرض.
فتأهّب أبرهة لذلك، وسار في جيشٍ كثيفٍ عرمرمٍ؛ لئلا يصدّه أحدٌ عنه، واستصحب معه فيلاً عظيماً كبير الجثّة، لم ير مثله، يقال له: محمودٌ. وكان قد بعثه إليه النّجاشيّ ملك الحبشة لذلك، ويقال: كان معه أيضاً ثمانية أفيالٍ.
وقيل: اثنا عشر فيلاً. وقيل غيره واللّه أعلم. يعني: ليهدم به الكعبة بأن تجعل السلاسل في الأركان وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ؛؛ ليلقى الحائط جملةً واحدةً.
فلمّا سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدًّا ورأوا أنّ حقًّا عليهم المحاجفة دون البيت وردّ من أراده بكيدٍ، فخرج إليه رجلٌ من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له: ذو نفرٍ. فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللّه وما يريده من هدّه وإخرابه فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم؛ لما يريده اللّه عزّ وجلّ من كرامة البيت وتعظيمه،، وأسر ذو نفرٍ.
فاستصحبه معه ثمّ مضى لوجهه، حتّى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيبٍ الخثعميّ في قومه: شهران وناهسٍ، فقاتلوه فهزمهم أبرهة، وأسر نفيل بن حبيبٍ، فأراد قتله ثمّ عفا عنه، واستصحبه معه؛ ليدلّه في بلاد الحجاز.
فلمّا اقترب من أرض الطّائف خرج إليه أهلها ثقيفٌ وصانعوه خيفةً على بيتهم الذي عندهم، الذي يسمّونه اللاّت فأكرمهم، وبعثوا معه أبا رغالٍ دليلاً.
فلمّا انتهى أبرهة إلى المغمّس -وهو قريبٌ من مكّة- نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكّة من الإبل وغيرها فأخذوه، وكان في السّرح مائتا بعيرٍ لعبد المطّلب، وكان الذي أغار على السّرح بأمر أبرهة أمير المقدّمة، وكان يقال له: الأسود بن مفصودٍ، فهجاه بعض العرب فيما ذكره ابن إسحاق.
وبعث أبرهة حناطة الحميريّ إلى مكّة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريشٍ، وأن يخبره أنّ الملك لم يجئ لقتالكم إلاّ أن تصدّوه عن البيت، فجاء حناطة فدلّ على عبد المطلب بن هاشمٍ وبلّغه عن أبرهة ما قال.
فقال له عبد المطلب: واللّه ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقةٍ، هذا بيت اللّه الحرام وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلّ بينه وبينه،، فواللّه ما عندنا دفعٌ عنه.
فقال له حناطة: فاذهب معي إليه، فذهب معه فلمّا رآه أبرهة أجلّه، وكان عبد المطلب رجلاً جميلاً حسن المنظر، ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال للتّرجمان: إنّ حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعيرٍ أصابها لي.
فقال أبرهة لترجمانه: قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني، أتكلّمني في مائتي بعيرٍ أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه؟! لا تكلّمني فيه؟! فقال له عبد المطلب: إنّي أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربًّا سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منّي، قال: أنت وذاك.
ويقال: إنّه ذهب مع عبد المطلب جماعةٌ من أشراف العرب، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم، وردّ أبرهة على عبد المطلب إبله.
ورجع عبد المطلب إلى قريشٍ فأمرهم بالخروج من مكّة والتّحصّن في رؤوس الجبال تخوّفاً عليهم من معرّة الجيش، ثمّ قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفرٌ من قريشٍ يدعون اللّه ويستنصرونه على أبرهة وجنده، وقال عبد المطلب: وهو آخذٌ بحلقة باب الكعبة
لاهمّ إنّ المرء يم ....... نع رحله فامنع حلالك
لا يغلبنّ صليبهم ....... ومحالهم غدواً محالك

قال ابن إسحاق:«ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب ثمّ خرجوا إلى رؤوس الجبال». وذكر مقاتل بن سليمان أنّهم تركوا عند البيت مائة بدنةٍ مقلّدةٍ لعلّ بعض الحبشة ينال منها شيئاً بغير حقٍّ فينتقم اللّه منه.
فلمّا أصبح أبرهة تهيّأ لدخول مكّة، وهيّأ فيله وكان اسمه محموداً وعبّأ جيشه، فلمّا وجّهوا الفيل نحو مكّة أقبل نفيل بن حبيبٍ حتّى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه وقال: ابرك محمودٌ، أو ارجع راشداً من حيث جئت؛ فإنّك في بلد اللّه الحرام، ثمّ أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيبٍ يشتدّ حتّى أصعد في الجبل.
وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطّبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقّه، فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجّهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى مكّة فبرك؛ وأرسل اللّه عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كلّ طائرٍ منها ثلاثة أحجارٍ يحملها: حجرٌ في منقاره، وحجران في رجليه أمثال الحمّص والعدس، لا تصيب منهم أحداً إلاّ هلك، وليس كلّهم أصابت.
وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ويسألون عن نفيلٍ؛ ليدلّهم على الطريق، هذا ونفيلٌ على رأس الجبل مع قريشٍ، وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل اللّه بأصحاب الفيل من النّقمة وجعل نفيلٌ يقول:
أين المفرّ والإله الطّالب ....... والأشرم المغلوب غير الغالب
قال ابن إسحاق: وقال نفيلٌ في ذلك أيضاً:
ألا حيّيت عنّا يا ردينا ....... نعمناكم مع الإصباح عينا
ردينة لو رأيت ولا تريه ....... لدى جنب المحصّب ما رأينا
إذًا لعذرتني وحمدت أمري ....... ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت اللّه إذ أبصرت طيراً ....... وخفت حجارةً تلقى علينا
فكلّ القوم يسأل عن نفيلٍ ....... كأنّ عليّ للحبشان دينا

وذكر الواقديّ بأسانيده أنّهم لمّا تعبّؤوا لدخول الحرم وهيّؤوا الفيل جعلوا لا يصرفونه إلى جهةٍ من سائر الجهات إلاّ ذهب فيها، فإذا وجّهوه إلى الحرم ربض وصاح، وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ليقهر الفيل على دخول الحرم، وطال الفصل في ذلك، هذا وعبد المطّلب وجماعةٌ من أشراف مكّة؛ منهم المطعم بن عديٍّ، وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزومٍ، ومسعود بن عمرٍو الثّقفيّ على حراءٍ ينظرون إلى ما الحبشة يصنعون؟ وماذا يلقون من أمر الفيل؟ وهو العجب العجاب، فبينما هم كذلك؛ إذ بعث اللّه عليهم طيراً أبابيل، أي: قطعاً قطعاً صفراً دون الحمام، وأرجلها حمرٌ ومع كلّ طائرٍ ثلاثة أحجارٍ، وجاءت فحلّقت عليهم وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا.
وقال محمد بن كعبٍ: جاؤوا بفيلين: فأمّا محمودٌ فربض، وأمّا الآخر فشجع فحصب.
وقال وهب بن منبّه: كان معهم فيلةٌ؛ فأمّا محمودٌ -وهو فيل الملك- فربض؛ ليقتدي به بقيّة الفيلة، وكان فيها فيلٌ تشجّع فحصب، فهربت بقيّة الفيلة.
وقال عطاء بن يسارٍ وغيره:
«ليس كلّهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعاً، ومنهم من جعل يتساقط عضواً عضواً وهم هاربون، وكان أبرهة يتساقط عضواً عضواً؛ حتّى مات ببلاد خثعمٍ».
قال ابن إسحاق:
«فخرجوا يتساقطون بكلّ طريقٍ، ويهلكون على كلّ منهلٍ، وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملةً أنملةً، حتّى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطّائر، فما مات حتّى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون».
وذكر مقاتل بن سليمان أنّ قريشاً أصابوا مالاً جزيلاً من أسلابهم وما كان معهم، وأنّ عبد المطّلب أصاب يومئذٍ من الذّهب ما ملأ حفرةً.
وقال ابن إسحاق: وحدّثني يعقوب بن عتبة أنّه حدّث أنّ أوّل ما رؤيت الحصبة والجدريّ بأرض العرب ذلك العام، وأنّه أوّل ما رؤي به مرائر الشّجر؛ الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام.
وهكذا روي عن عكرمة من طريقٍ جيّدٍ.
قال ابن إسحاق:
«فلمّا بعث اللّه محمداً صلّى اللّه عليه وسلّم كان فيما يعدّ به على قريشٍ من نعمته عليهم وفضله ما ردّ عنهم من أمر الحبشة؛ لبقاء أمرهم ومدّتهم»، فقال: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليلٍ * وأرسل عليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحجارةٍ من سجّيلٍ * فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ}؛ {لإيلاف قريشٍ * إيلافهم رحلة الشّتاء والصّيف * فليعبدوا ربّ هذا البيت * الّذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ}. أي: لئلاّ يغيّر شيئاً من حالهم التي كانوا عليها؛ لما أراد اللّه بهم من الخير لو قبلوه.
قال ابن هشامٍ:
«الأبابيل: الجماعات، ولم تتكلّم العرب بواحده».
قال: وأمّا السّجّيل: فأخبرني يونس النّحويّ وأبو عبيدة أنّه عند العرب: الشّديد الصّلب. قال: وذكر بعض المفسّرين أنّهما كلمتان بالفارسيّة جعلتهما العرب كلمةً واحدةً، وإنما هو (سنج وجلّ). يعني: بـ (السّنج) الحجر، و(الجلّ) الطّين، يقول: الحجارة من هذين الجنسين: الحجر والطّين.
قال: والعصف: ورق الزّرع الذي لم يقصّب، واحدته عصفةٌ. انتهى ما ذكره.
وقد قال حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن: {طيراً أبابيل}. قال: الفرق.
وقال ابن عبّاسٍ والضّحّاك:
«{أبابيل}: يتبع بعضها بعضاً». وقال الحسن البصريّ وقتادة: «الأبابيل: الكثيرة». وقال مجاهدٌ: «أبابيل: شتّى متتابعةٌ مجتمعةٌ».
وقال ابن زيدٍ:
«الأبابيل: المختلفة، تأتي من هنا ومن هنا، أتتهم من كلّ مكانٍ».
وقال الكسائيّ:
«سمعت النّحويّين يقولون: إبّولٌ مثل العجّول»، قال: «وقد سمعت بعض النّحويّين يقول: «واحد الأبابيل: إبّيلٌ».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثني عبد الأعلى، حدّثني داود، عن إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ، أنّه قال في قوله: {وأرسل عليهم طيراً أبابيل}.
«هي الأقاطيع، كالإبل المؤبّلة».
وحدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: {وأرسل عليهم طيراً أبابيل}. قال:
«لها خراطيم كخراطيم الطّير، وأكفٌّ كأكفّ الكلاب».
وحدّثنا يعقوب، حدّثنا هشيمٌ، أخبرنا حصينٌ، عن عكرمة في قوله: {طيراً أبابيل}. قال:
«كانت طيراً خضراً خرجت من البحر، لها رؤوسٌ كرؤوس السّباع».
وحدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عميرٍ: {طيراً أبابيل}. قال:
«هي طيرٌ سودٌ بحريّةٌ، في مناقرها وأظفارها الحجارة».
وهذه أسانيد صحيحةٌ.
وقال سعيد بن جبيرٍ:
«كانت طيراً خضراً، لها مناقير صفرٌ تختلف عليهم».
وعن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ وعطاءٍ:
«كانت الطّير الأبابيل مثل التي يقال لها: عنقاء مغربٌ». رواه عنهم ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن أبي شيبة، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عميرٍ قال:
«لمّا أراد اللّه أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً أنشئت من البحر أمثال الخطاطيف، كلّ طيرٍ منها يحمل ثلاثة أحجارٍ مجزّعةٍ؛ حجرين في رجليه، وحجراً في منقاره».
قال: فجاءت حتّى صفّت على رؤوسهم، ثمّ صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما يقع حجرٌ على رأس رجلٍ إلاّ خرج من دبره، ولايقع على شيءٍ من جسده إلاّ خرج من الجانب الآخر، وبعث اللّه ريحاً شديدةً فضربت الحجارة فزادتها شدّةً؛ فأهلكوا جميعاً.
وقال السّدّيّ: عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {حجارةٍ من سجّيلٍ}. قال: طينٌ في حجارةٍ: (سنك وكلّ) وقد قدّمنا بيان ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله: {فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ}. قال سعيد بن جبيرٍ:
«يعني التّبن الذي تسمّيه العامّة هبّوراً»، وفي روايةٍ عن سعيد بن جبيرٍ: ورق الحنطة، وعنه أيضاً: العصف: التّبن، والمأكول: القصيل، يجزّ للدّوابّ.
وكذلك قال الحسن البصريّ، وعن ابن عبّاسٍ:
«العصف: القشرة التي على الحبّة، كالغلاف على الحنطة». وقال ابن زيدٍ: «العصف: ورق الزّرع وورق البقل، إذا أكلته البهائم فراثته فصار دريناً».
والمعنى: أنّ اللّه سبحانه وتعالى أهلكهم ودمّرهم وردّهم بكيدهم وغيظهم لم ينالوا خيراً، وأهلك عامّتهم، ولم يرجع منهم مخبرٌ إلاّ وهو جريحٌ، كما جرى لملكهم أبرهة؛ فإنّه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء، وأخبرهم بما جرى لهم ثمّ مات، فملك بعده ابنه يكسوم، ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة، ثم خرج سيف بن ذي يزن الحميريّ إلى كسرى، فاستغاثه على الحبشة، فأنفذ معه من جيوشه، فقاتلوا معه فردّ اللّه إليهم ملكهم وما كان في آبائهم من الملك، وجاءته وفود العرب للتّهنئة.
وقد قال محمد بن إسحاق: حدّثنا عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكّة أعميين مقعدين يستطعمان، ورواه الواقديّ عن عائشة مثله. ورواه أيضاً عن أسماء بنت أبي بكرٍ أنّها قالت: كانا مقعدين يستطعمان النّاس عند إسافٍ ونائلة، حيث يذبح المشركون ذبائحهم.
قلت: كان اسم قائد الفيل "أنيساً".
وقد ذكر الحافظ أبو نعيمٍ في كتاب (دلائل النّبوّة) من طريق ابن وهبٍ، عن ابن لهيعة، عن عقيل بن خالدٍ، عن عثمان بن المغيرة؛ قصّة أصحاب الفيل، ولم يذكر أنّ أبرهة قدم من اليمن، وإنّما بعث على الجيش رجلاً يقال له: شمر بن مفصودٍ، وكان الجيش عشرين ألفاً، وذكر أنّ الطير طرقتهم ليلاً؛ فأصبحوا صرعى.
وهذا السياق غريبٌ جدًّا، وإن كان أبو نعيمٍ قد قوّاه ورجّحه على غيره، والصحيح أنّ أبرهة الأشرم الحبشيّ قدم من مكّة كما دلّ على ذلك السياقات والأشعار، وهكذا روى ابن لهيعة عن الأسود، عن عروة، أنّ أبرهة بعث الأسود بن مفصودٍ على كتيبةٍ، معهم الفيل، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه، والصحيح قدومه، ولعلّ ابن مفصودٍ كان على مقدّمة الجيش، واللّه أعلم.
ثمّ ذكر ابن إسحاق شيئاً من أشعار العرب فيما كان من قصّة أصحاب الفيل، فمن ذلك شعر عبد اللّه بن الزّبعرى:
تنكّلوا عن بطن مكّة إنّها ....... كانت قديماً لا يرام حريمها
لم تخلق الشّعرى ليالي حرّمت ....... إذ لا عزيز من الأنام يرومها
سائلٌ أمير الجيش عنها ما رأى ....... فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ستّون ألفاً لم يؤوبوا أرضهم ....... ولم يعش بعد الإياب سقيمها
كانت بها عادٌ وجرهم قبلهم ....... واللّه من فوق العباد يقيمها

وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاريّ المرّيّ:
ومن صنعه يوم فيل الحبو ....... ش إذ كلّ ما بعثوه رزم
محاجنهم تحت أقرابه ....... وقد شرّموا أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه مغولاً ....... إذا يمّموه قفاه كلم
فولّى وأدبر أدراجه ....... وقد باء بالظّلم من كان ثمّ
فأرسل من فوقهم حاصباً ....... يلفّهم مثل لفّ القزم
تحثّ على الصّبر أحبارهم ....... وقد ثأجوا كثؤاج الغنم

وقال أبو الصّلت بن أبي ربيعة الثّقفيّ، ويروى لأميّة بن أبي الصّلت بن أبي ربيعة:
إنّ آيات ربّنا باقياتٌ ....... ما يماري فيهنّ إلاّ الكفور
خلق اللّيل والنّهار فكلٌّ ....... مستبينٌ حسابه مقدور
ثمّ يجلو النّهار ربٌّ رحيمٌ ....... بمهاةٍ شعاعها منشور
حبس الفيل بالمغمّس حتّى ....... صار يحبو كأنّه معقور
لازماً حلقه الجران كما قطّر ....... من ظهر كبكبٍ محدور
حوله من ملوك كندة أبطالٌ ....... ملاويث في الحروب صقور
خلّفوه ثمّ ابذعرّوا جميعاً ....... كلّهم عظم ساقه مكسور
كلّ دينٍ يوم القيامة عند اللّــ ....... ـه إلاّ دين الحنيفة بور

وقد قدّمنا في تفسير سورة الفتح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا أطلّ يوم الحديبية على الثّنيّة التي تهبط به على قريشٍ بركت ناقته، فزجروها؛ فألحّت، فقالوا: خلأت القصواء، أي: حرنت. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ماخلأت القصواء، وما ذاك لها بخلقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل، ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطّةً يعظّمون فيها حرمات اللّه إلاّ أجبتهم إليها، ثمّ زجرها فقامت». والحديث من أفراد البخاريّ.
وفي الصّحيحين، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال يوم فتح مكّة:
«إنّ اللّه حبس عن مكّة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنّه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 483-490]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة