جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان قال: إنما أنزلت: {أقرأ باسم ربك الذي خلق}، أن أبا جهل كان يقول: لئن رأيته، يريد رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، يصلي لأطير على رقبته، فأنزل الله عز وجل: {أقرأ باسم ربك الذي خلق}، وفي آخرها: {واسجد} للنبي عليه السلام، {واقترب}، [ .. .. ] جهل. فقيل لأبي جهل: هذا الذي كنت تقول: هذا هو يسجد، اقترب منه، لأبي جهل، فقال: ما [ .. .. ] عته أن بيني وبينه كالفحل، لو اقتربت منه لأهلكني). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 6]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا قتيبة، حدّثنا حمّادٌ، عن يحيى بن عتيقٍ، عن الحسن، قال: " اكتب في المصحف في أوّل الإمام: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، واجعل بين السّورتين خطًّا). [صحيح البخاري: 6 / 173]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: وقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عنِ الحَسَنِ قَالَ: اكْتُبْ فِي المُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإمامِ بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحَيم، واجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا، في رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الكُشْمِيهَنِيِّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، وقد أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَّيْسِ في فَضَائِلِ القُرآنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بهذا. وحَمَّادٌ هُو ابنُ زَيْدٍ، وشَيْخُهُ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِن طَبَقَةِ أَيُّوبَ، مَاتَ قَبْلَهُ، ولم أَرَ له في البُخارِيِّ إلا هَذَا المَوْضِعَ.
وقولُهُ: فِي أَوَّلِ الإِمَامِ، أي: أُمِّ الكِتَابِ.
وقولُهُ: خَطًّا قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنْ أَرَادَ خَطًّا فَقَطْ بِغَيْرِ بَسْمَلَةٍ فلَيْسَ بصَوَابٍ لاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ على كِتَابَةِ البَسْمَلَةِ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ إلا بَرَاءَةٌ، وإن أَرَادَ بالإمامِ أَمَامَ كُلِّ سُورَةٍ فيُجْعَلُ الخَطُّ مَعَ البَسْمَلَةِ فحَسَنٌ، فكانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَرَاءَةٌ. وقَالَ الكِرْمَانِيُّ: معناهُ: اجْعَلِ البَسْمَلَةَ في أَوَّلِهِ فَقَطْ، واجْعَلْ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ عَلامَةً للفَاصِلَةِ، وهُو مَذْهَبُ حَمْزَةَ مِن القُرَّاءِ السَّبْعَةِ، قُلْتُ: المَنْقُولُ ذَلِكَ عَنْ حَمْزَةَ في القِرَاءَةِ لا في الكتابةِ، قَالَ: وكَأَنَّ البُخارِيَّ أشارَ إلى أنَّ هذه السورةَ لَمَّا كَانَ أَوَّلُهَا مُبْتَدَأً بِقَوِلِهِ تَعَالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لا تَجِبُ البَسْمَلَةُ في أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ بَلْ مَنْ قَرَأَ البَسْمَلَةَ في أَوَّلِ القُرْآنِ كَفَاهُ في امتثالِ هَذَا الأمرِ. نَعَمِ اسْتَنْبَطَ السُّهَيْلِيُّ مِن هَذَا الأمرِ ثُبُوتَ البَسْمَلَةِ في أَوَّلِ الفَاتِحَةِ؛ لأن هَذَا الأمرَ هُو أَوَّلُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ فَأَوْلَى مَوَاضِعِ امْتِثَالِهِ أَوَّلُ القُرْآنِ). [فتح الباري: 8 / 714]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال قتيبة: ثنا حمّاد، عن يحيى بن عتيق، عن الحسن، قال: اكتب في المصحف في أول الإمام بسم الله الرّحمن الرّحيم.
هكذا وقع في أكثر الرّوايات ووقع في رواية أبي ذر، عن المستملي موصولا، ثنا قتيبة، وقد وقع لي من وجه آخر وفيه زيادة قرأت على فاطمة بنت المنجا بدمشق، عن سليمان بن حمزة أنا أبو الحسن بن المقير قراءة عليه، وأنا أسمع، أنا أبو بكر أحمد بن علّي الناعم أنا هبة الله بن أحمد الموصلي، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أحمد بن إسحاق، ثنا محمّد بن أيّوب، ثنا أبو الرّبيع الزهراني، ثنا حمّاد، عن يحيى بن عتيق، قال: كان الحسن يقول: اكتبوا في أول الإمام: بسم الله الرّحمن الرّحيم واجعلوا بين كل سورتين خطا). [تغليق التعليق: 4 / 373-374]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: اكْتُبْ فِي الْمُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإِمَامِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا.
مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} فِي قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَكِنْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ أَوْ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فِيهِ خِلاَفٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: قَالَ قُتَيْبَةُ: وَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمُذَاكَرَةِ، وَقُتَيْبَةُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ يَرْوِي عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْن عَتِيقٍ -ضِدِّ الْجَدِيدِ- الطُّفَاوِيِّ -بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ وَالْوَاوِ- عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَلَيْسَ لِيَحْيَى هَذَا فِي الْبُخَارِيِّ إِلاَّ هَذَا الْمَوْضِعُ وَهُوَ ثِقَةٌ بَصْرِيٌّ مِنْ طَبَقَةِ أَيُّوبَ وَمَاتَ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ الإِمَامِ أَيْ: أَوَّلِ الْقُرْآنِ أَيِ: اكْتُبْ فِي أَوَّلِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ الْفَاتِحَةُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَطْ، ثُمَّ اجْعَلْ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ خَطًّا أَيْ: عَلاَمَةً فَاصِلَةً بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَذْهَبُ حَمْزَةَ مِنَ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنْ أَرَادَ خَطًّا فَقَطْ، بِغَيْرِ الْبَسْمَلَةِ، فَلَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى كِتَابَةِ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ إِلاَّ بَرَاءَةٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِالإِمَامِ إِمَامَ كُلِّ سُورَةٍ فَيُجْعَلُ الْخَطُّ مَعَ الْبَسْمَلَةِ فَحَسَنٌ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْحَسَنِ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ تُكْتَبُ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ، وَيُكْتَفَى فِي الْبَاقِيَةِ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ بِالْعَلاَمَةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ كَيْفَ يَقُولُ الدَّاوُدِيُّ: إِنْ أَرَادَ خَطًّا بِغَيْرِ الْبَسْمَلَةِ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ ؟ وَإِنْ أَرَادَ بِالإِمَامِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الَّذِي هُوَ الْفَاتِحَةُ فَكَيْفَ يَقُولُ: وَإِنْ أَرَادَ بِالإِمَامِ أَمَامَ كُلِّ سُورَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ يَعْنِي: فَكَيْفَ يَصِحُّ ذِكْرُ الإِمَامِ بِالْكَسْرِ وَيُرَادُ بِهِ الأَمَامُ بِالْفَتْحِ ؟ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ مُصْحَفِ الْحَسَنِ شُذُوذٌ. قَالَ: وَهِيَ عَلَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ إِذْ لاَ يُكْتَبُ فِي الْمُصْحَفِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إِنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَلاَ أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ بَلْ يَقُولُ: إِنَّهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُقْتَرِنَةٌ مَعَ السُّورَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُدَ، وَهُوَ قَوْلٌ بَيِّنُ الْقُوَّةِ لِمَنْ أَنْصَفَ.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ: لاَ نُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ مَنْ تَأَمَّلَ الأَدِلَّةَ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ، وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ، قُلْتُ: مُجَرَّدُ الْمَنْعِ بِغَيْرِ إِقَامَةِ الْبُرْهَانِ مَمْنُوعٌ، وَمَا قَالَهُ بِالْعَكْسِ، بَلْ مَنْ تَأَمَّلَ الأَدِلَّةَ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلاَ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، بَلْ هِيَ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ ابْنُ الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنْ قَوْلِهِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} لَمْ تُذْكَرِ الْبَسْمَلَةُ). [عمدة القاري: 19 / 302]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقَوْلُهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}؛ أيِ: الْقُرْآنَ مُفْتَتِحًا بِاسْمِهِ مُسْتَعِينًا به، وَسَقَطَ لَفْظُ "سُورَةُ" لغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ). [إرشاد الساري: 7 / 425]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وَقَالَ ولأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ والْمُسْتَمْلِىِّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هو ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ الطُّفَاوِيِّ بِضَمِّ الطَّاءِ وَبِالْفَاءِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: «اكْتُبْ في الْمُصْحَفِ في أَوَّلِ الإِمَامِ أَوَّلِ الْقُرْآنِ الَّذِي هو الفاتحةُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَقَطْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا يَكُونُ علامةً فَاصِلَةً بَيْنَهُمَا مِن غَيْرِ بَسْمَلَةٍ»، وهو مَذْهَبُ حَمْزَةَ حَيْثُ قَرَأَ بِالْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ الفاتحةِ فقطْ). [إرشاد الساري: 7 / 425]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}؛ مُحَمَّداً [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يَقُولُ: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ بِذِكْرِ رَبِّكَ {الَّذِي خَلَقَ} ). [جامع البيان: 24 / 527]
تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمَّ بَيَّنَ الذي خَلَقَ فَقَالَ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}؛ يَعْنِي: مِنَ الدمِ. وَقال: {مِنْ عَلَقٍ} وَالمرادُ بهِ مِنْ علقةٍ؛ لأنَّهُ ذَهَبَ إِلى الجمعِ كما يُقَالُ: شَجَرَةٌ وَشَجَرٌ وَقَصَبَةٌ وَقَصَبٌ، وَكذلكَ عَلَقَةٌ وَعَلَقٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: {مِنْ عَلَقٍ} وَالإِنسانُ في لفظٍ وَاحدٍ؛ لأنَّهُ في مَعْنَى جمعٍ وَإِنْ كانَ في لفظٍ وَاحدٍ، فلذلكَ قيلَ: {مِنْ عَلَقٍ} ). [جامع البيان: 24 / 527]
تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}؛ يَقُولُ: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} خَلْقَهُ الكتابَ وَالخطَّ.
كما حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قتادةَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}؛ قَرَأَ حتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}؛ قَالَ: القلمُ: نعمةٌ مِنَ اللَّهِ عظيمةٌ، لَوْلَا ذلكَ لمْ يَقُمْ وَلم يَصْلُحْ عَيْشٌ). [جامع البيان: 24 / 527]
تفسير قوله تعالى: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}؛ يَقُولُ: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} خَلْقَهُ الكتابَ وَالخطَّ.
كما حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قتادةَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}؛ قَرَأَ حتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}؛ قَالَ: القلمُ: نعمةٌ مِنَ اللَّهِ عظيمةٌ، لَوْلَا ذلكَ لمْ يَقُمْ وَلم يَصْلُحْ عَيْشٌ). [جامع البيان: 24 / 527] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ في قَوْلِهِ: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}؛ قالَ: القَلَمُ نِعْمَةٌ مِن اللَّهِ عظيمةٌ، لولا القَلَمُ لم يَقُمْ دِينٌ، ولم يَصْلُحْ عَيْشٌ، وفي قَوْلِهِ: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}؛ قالَ: الخَطَّ). [الدر المنثور: 15 / 526]
تفسير قوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}؛ يَقُولُ تعالى ذِكْرُهُ: عَلَّمَ الإِنسانَ الخَطَّ بالقلمِ، وَلمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، معَ أَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا عَلَّمَهُ وَلمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ قَالَ أهلُ التَأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلكَ:
- حَدَّثَنِي يونسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زيدٍ فِي قَوْلِهِ: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}؛ قَالَ: عَلَّمَ الإِنسانَ خَطًّا بالقَلَمِ). [جامع البيان: 24 / 532]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ في قَوْلِهِ: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}؛ قالَ: القَلَمُ نِعْمَةٌ مِن اللَّهِ عظيمةٌ، لولا القَلَمُ لم يَقُمْ دِينٌ، ولم يَصْلُحْ عَيْشٌ، وفي قَوْلِهِ: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}؛ قالَ: الخَطَّ). [الدر المنثور: 15 / 526] (م)
تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {كَلاَّ}؛ يَقُولُ تعالى ذِكْرُهُ: ما هَكَذَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الإِنسانُ, أَنْ يُنْعِمَ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِتَسْوِيَتِهِ خَلْقَهُ، وَتَعْلِيمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَإِنْعَامِهِ بما لا كُفْؤَ لهُ، ثمَّ يَكْفُرُ بِرَبِّهِ الذي فَعَلَ بهِ ذلكَ، وَيَطْغَى عَلَيْهِ، {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}؛
وقولُهُ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}؛ يَقُولُ: إِنَّ الإِنسانَ لَيَتَجَاوَزُ حَدَّهُ، وَيَسْتَكْبِرُ على رَبِّهِ، فَيَكْفُرُ بهِ؛ لأنْ رَأَى نَفْسَهُ اسْتَغْنَتْ. وَقيلَ: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} لِحَاجَةِ "رَأَى" إِلي اسمٍ وَخبرٍ، وَكذلكَ تَفْعَلُ العربُ في كلِّ فعلٍ اقْتَضَى الاسمَ وَالفعلَ، إِذا أَوْقَعَهُ المُخْبِرُ عَنْ نفسِهِ على نفسِهِ، مُكَنِّياً عَنْهَا فيقولُ: مَتَى تَرَاكَ خَارِجاً؟ وَمَتَى تَحْسَبُكَ سَائِراً؟ فإِذا كانَ الفعلُ لا يَقْتَضِي إِلاَّ مَنْصُوباً وَاحِداً، جَعَلُوا مَوْضِعَ المَكْنِيِّ نَفْسَهُ، فقالوا: قَتَلْتَ نَفْسَكَ، وَلمْ يَقُولُوا: قَتَلَتْكَ وَلا قَتَلَتْهُ). [جامع البيان: 24 / 532-533]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ مسعودٍ، قالَ: «مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ: صَاحِبُ عِلْمٍ وصَاحِبُ دُنْيَا، وَلاَ يَسْتَوِيَانِ، فأمَّا صاحِبُ العلمِ فيَزْدَادُ رِضا الرَّحمنِ. ثُم قَرَأَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وأمَّا صاحِبُ الدنيا فيَتَمَادَى في الطغيانِ. ثم قَرَأَ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}»). [الدر المنثور: 15 / 526-527]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ البَزَّارُ، والطبرانيُّ، والحاكِمُ وصَحَّحَه، وابنُ مَرْدُويَهْ، وأبو نُعَيْمٍ، والبَيْهَقِيُّ، عن العبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، قالَ: كُنْتُ يوماً في المسجِدِ فأَقْبَلَ أبو جهلٍ فقالَ: إنَّ للَّهِ عَلَيَّ إِنْ رأيتُ محمداً ساجِداً أنْ لأَطَأَنَّ على رَقَبَتِه. فخَرَجَتُ على رسولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، حتى دَخَلْتُ عليه، فأَخْبَرْتُه بقولِ أبي جهلٍ. فخَرَجَ غَضْبَانَ حتى جاءَ المسجدَ، فعَجِلَ أنْ يَدْخُلَ من البَابِ، فاقْتَحَمَ الحائطَ. فقلتُ: هذا يومُ شَرٍّ. فَأْتَزَرْتُ ثُمَّ تَبِعْتُه، فَدَخَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، فلَمَّا بَلَغَ شَأْنَ أَبِي جهلٍ: {كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى}، قالَ إنسانٌ لأبي جَهْلٍ: يا أبا الحَكَمِ، هذا محمدٌ. فقالَ أبو جهلٍ: ألاَ تَرَوْنَ ما أرَى؟ واللَّهِ لقدْ سُدَّ أُفُقُ السماءِ عليَّ. فلمَّا بَلَغَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ السورةِ سَجَدَ). [الدر المنثور: 15 / 528-529]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أحمدُ، ومسلمٌ، والنَّسائيُّ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ مَرْدُويَهْ، وأبو نُعَيْمٍ، والبَيْهَقِيُّ، عن أبي هريرةَ، قالَ: قالَ أبو جَهْلٍ: هل يُعَفِّرُ محمدٌ وَجْهَه إلا بينَ أَظْهُرِكم؟
قالَوا: نعمْ.
فقالَ: واللاَّتِ والعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُه يُصَلِّي كذلك لأَطَأَنَّ على رقبتِه، ولأعَفِّرَنَّ وجهَه في الترابِ.
فأَتَى رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يُصَلِّي لِيَطَأَ على رقبتِه.
قالَ: فما فجِئَهُم مِنه إلاَّ وهو يَنْكُصُ على عَقِبَيْهِ يَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فقِيلَ له: مَا لَكَ؟
فقالَ: إن بينِي وبينَه خَنْدَقاً مِن نارٍ وهؤلاءِ وأجنحةً، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْواً عُضْواً» قالَ: وأَنْزَلَ اللَّهُ: {كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}، إلى آخرِ السورةِ، يعني: أبا جَهْلٍ، {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}، يعني: قَوْمَه،
{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}، يعني: الملائكةَ). [الدر المنثور: 15 / 529]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال معمرٌ: {الرّجعى}: «المرجع»). [صحيح البخاري: 6 / 173]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: وقَالَ مَعْمَرٌ: {الرُّجْعَى}: المَرْجِعَ، كذا لأبِي ذَرٍّ، وسَقَطَ لِغَيْرِهِ: وقَالَ مَعْمَرٌ، فصارَ كَأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ، والأولُ هُو الصَّوَابُ، وهُو كَلامُ أَبِي عُبَيْدَةَ في كتابِ المَجَازِ، ولَفْظُهُ: {إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} قَالَ: المَرْجِعَ والرُّجُوعَ). [فتح الباري: 8 / 714]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَقَالَ مَعْمَرٌ: {الرُّجْعَى} الْمَرْجِعُ.
أَيْ قَالَ مَعْمَرٌ وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} أَيِ: الرُّجُوعَ وَهَذَا هَكَذَا وَقَعَ لأَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ). [عمدة القاري: 19/ 303]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وَقَالَ مَعْمَرٌ أَبُو عُبَيْدَةَ: {الرُّجْعَى} هي الْمَرْجِعُ في الآخرةِ، وفيه تهديدٌ لهذا الإنْسَانِ من عاقبةِ الطُّغْيَانِ. وسَقَطَ مَعْمَرٌ لغيرِ أَبِي ذَرٍّ، وحينئذٍ فَيَكُونُ من قَوْلِ مُجَاهِدٍ، والأوَّلُ أَوْجَهُ لِوُجودِ أَبِي عُبَيْدَةَ). [إرشاد الساري: 7 / 425]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}؛ يَقُولُ: إِنَّ إِلى رَبِّكَ يا مُحَمَّدُ مَرْجِعُهُ، فَذَائِقٌ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ ما لا قِبَلَ لهُ بهِ). [جامع البيان: 24 / 533]