العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء عم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 07:28 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة الشمس [ من الآية (11) إلى الآية (15) ]

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 10:22 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن محمد بن رفاعة القرظي، عن محمد بن كعب، أنه قال: {كذبت ثمود بطغواها}، قال: بأجمعها). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 5]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن كعب القرظي، أنه كان يقول في هذه الآية: {كذبت ثمود بطغواها}، قال: بأجمعها). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 147]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {بطغواها}: «بمعاصيها»). [صحيح البخاري: 6/ 169]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: {بِطَغوَاهَا}؛ مَعَاصِيها، وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ من طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفظِ: مَعصِيَتِهَا. وهُو الوَجْهُ، والطَّغْوَى بفتحِ الطَّاءِ والقَصْرِ: الطُّغيانُ، ويُحتَمَلُ في الباءِ أن تَكُونَ للاستِعانَةِ وللسَّببِ، أوِ المعنَى: كَذَّبَتْ بِالعَذَابِ النَّاشِيءِ عن طُغيانِها). [فتح الباري: 8/ 705]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد: {بطغواها}؛ بمعاصيها، {ولا يخاف عقباها}؛ عقبى أحد
قال الفريابيّ: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {كذبت ثمود بطغواها}؛ قال: بمعصيتها، {ولا يخاف عقباها}؛ قال الله: لا يخاف عقباها). [تغليق التعليق: 4/ 369]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَقَالَ مُجاهِدٌ: {بِطَغْوَاهَا}؛ بِمَعَاصِيهَا.
أَيْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ وَقَالَ: بِمَعَاصِيهَا، وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِمَعْصِيَتِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الْوَجْهُ. قُلْتُ: لَمْ يُبَيِّنْ مَا الْوَجْهُ، بَلِ الْوَجْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلاَ يَخْفَى ذَلِكَ، وَالطَّغْوَى وَالطُّغْيَانُ وَاحِدٌ، كِلاَهُمَا مَصْدَرَانِ مِنْ طَغَى). [عمدة القاري: 19/ 293]

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وَقَالَ مُجَاهِدٌ فيما وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ: {بِطَغْوَاهَا}؛ أي: (بِمَعَاصِيهَا) ). [إرشاد الساري: 7/ 419]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}، يقولُ: كذَّبَتْ ثَمُودُ بِطُغْيَانِهَا، يعنِي: بعَذَابِهَا الذي وَعَدَهُمُوهُ صَالِحٌ عليهِ السلامُ، فكانَ ذلكَ العذابُ طَاغِياً طَغَى عليهم، كما قالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ قالَ أهلُ التأويلِ، وإنْ كانَ فيهِ اختلافٌ بينَ أهلِ التأوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ القوْلَ الذي قُلْنا في ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي سعيدُ بنُ عمرٍو السَّكُونِيُّ قالَ: ثَنَا الوَلِيدُ بنُ سَلَمَةَ الفِلْسْطِينِيُّ قالَ: ثَنِي يَزِيدُ بنُ سَمُرَةَ المَذْحِجِيُّ، عنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}، قالَ: اسمُ العذابِ الذي جاءَهَا: الطَّغْوَى، فقالَ: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِعَذَابِهَا.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ أيْ: بالطُّغْيَانِ.
وقالَ آخَرُونَ: بل مَعنى ذَلك كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِمَعْصِيَتِهِم اللَّهَ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}، قالَ: مَعْصِيَتِها.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: قالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}، قالَ: بطُغْيَانِهِم وبِمَعْصِيَتِهِم.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ معنَى ذلكَ بأَجْمَعِها.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: أخْبَرَنِي يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ وابنُ لَهِيعَةَ، عنْ عُمَارَةَ بنِ غَزِيَّةَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ رِفَاعَةَ القُرَظِيِّ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ أنَّهُ قالَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}، قالَ: بأَجْمَعِها.
- حَدَّثَنِي ابنُ عبدِ الرحيمِ البَرْقِيُّ قالَ: ثَنَا ابنُ أبي مَرْيَمَ قالَ: أخبَرَنِي يَحْيَى بنُ أيُّوبَ قالَ: ثَنِي عُمارَةُ بنُ غَزِيَّةَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ رِفَاعَةَ القُرَظِيِّ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ، مِثْلَهُ.
وقيلَ: {طَغْوَاهَا} بمعنى: طُغْيَانِهِم، وهُما مصدرانِ للتوفيقِ بينَ رُءُوسِ الآيِ؛ إذْ كانَت الطَّغْوَى أشْبَهَ بسائِرِ رءوسِ الآياتِ في هذهِ السورةِ، وذلكَ نَظِيرُ قوْلِهِ: {وآخِرُ دَعْوَاهُمْ} بِمَعْنَى: وآخِرُ دُعائِهِم). [جامع البيان: 24/ 446-448]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {بطغواها}؛ قال: يعني بمعصيتها). [تفسير مجاهد: 2/ 763]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ قالَ: ضَوْءُها، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}؛ قالَ: تَبِعَها، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}؛ قالَ: أَضَاءَ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}؛ قالَ: يَغْشَاهَا الليلُ، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}؛ قالَ: اللَّهُ بَنَى السماءَ والأرضَ، {وَمَا طَحَاهَا}؛ قالَ: دَحَاهَا، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛ قالَ: عَرَّفَهَا شَقَاءَهَا، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}؛ قالَ: أَصْلَحَهَا، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ قالَ: أَغْوَاهَا، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: بِمَعْصِيَتِهَا). [الدر المنثور: 15/ 457-458] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ قالَ: هو النهارُ، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}؛ قالَ: يَتْلُوها صَبِيحَةَ الهلالِ، فإذَا سَقَطَتْ رُئِيَ عندَ سُقُوطِها، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَها النهارُ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَهَا الليلُ، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}؛ قالَ: وَمَا خَلَقَهَا، {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}؛ قالَ: بَسَطَهَا، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛ قالَ: قد بَيَّنَ لها الفُجُورَ من التقوَى، {قَدْ أَفْلَحَ}؛ قالَ: وَقَعَ القَسَمُ هاهنا، {مَنْ زَكَّاهَا}؛ قالَ: مَنْ عَمِلَ خيراً فزَكَّاهَا بطاعةِ اللَّهِ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ قالَ: مَن أَثَّمَهَا وأَفْجَرَها، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: بالطُّغْيانِ). [الدر المنثور: 15/ 458-459] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: اسْمُ العذابِ الذي جاءَها الطَّغْوَى، فقالَ: كَذَّبَتْ ثمودُ بعذابِها). [الدر المنثور: 15/ 462]

تفسير قوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا وهيبٌ، حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، أنّه أخبره عبد اللّه بن زمعة، أنّه سمع النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم] يخطب، وذكر النّاقة والّذي عقر، فقال رسول اللّه [صلّى الله عليه وسلّم]: «{إذ انبعث أشقاها}؛ انبعث لها رجلٌ عزيزٌ عارمٌ، منيعٌ في رهطه، مثل أبي زمعة »
وذكر النّساء، فقال: «يعمد أحدكم، فيجلد امرأته جلد العبد، فلعلّه يضاجعها من آخر يومه»
ثمّ وعظهم في ضحكهم من الضّرطة، وقال: «لم يضحك أحدكم ممّا يفعل» وقال أبو معاوية: حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن زمعة، قال: النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم] مثل أبي زمعة عمّ الزّبير بن العوّام). [صحيح البخاري: 6/ 169-170]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) :
(قولُهُ: هِشَامٌ هُو ابنُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ.

قولُهُ: عبدُ اللهِ بنُ زَمعةَ أي: ابنِ الأَسْوَدِ بْنِ المُطَّلبِ بنِ أَسَدِ بنِ عَبدِ العُزَّى، صَحابِيٌّ مَشْهورٌ، وأمُّهُ قُرَيْبَةُ أُختُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المؤمِنينَ، وكانَ تَحتَهُ زَيْنَبُ بِنتُ أُمِّ سَلمةَ، وقد تَقَدَّمَ في قِصَّةِ ثَمُودَ من أحاديثِ الأنبياءِ أنهُ ليسَ لهُ في البُخارِيِّ سِوى هَذَا الحديثِ، وأَنَّهُ يَشْتَمِلُ على ثَلاثةِ أحاديثَ.
قولُهُ:
«وذَكرَ الناقةَ»، أي: ناقةَ صالحٍ. والواوُ عاطفةٌ على شَيْءٍ مَحْذوفٍ تَقديرُهُ: فخَطَبَ فَذَكَر كذا وذَكرَ الناقةَ.
قولُهُ:
«والذي عَقَرَ» كذا هُنا بحَذفِ المفعُولِ وتَقَدَّمَ بِلَفظِ عَقَرَها أي: الناقةَ.
قولُهُ: {إِذِ انْبَعَثَ} تَقَدَّمَ في أحاديثِ الأنبياءِ بِلَفظ: انتَدَبَ، تَقُولُ: نَدَبْتُه إلى كذا فانتَدَبَ له أي: أَمَرْتُهُ فامتَثَلَ.
قولُهُ:
«عَزيزٌ» أي: قليلُ المِثْلِ.
قولُهُ:
«عَارِمٌ» بمُهمَلَتَيْن أي: صَعبٌ على مَن يَرُومُه كَثِيرُ الشَّهامةِ والشَّرِّ.
قولُهُ:
«مَنيعٌ» أي: قويٌّ ذو مَنَعَةٍ أي: رَهطٍ يَمنَعُونَهُ منَ الضَّيْمِ. وقد تَقَدَّمَ في أحاديثِ الأنبياءِ بِلَفظِ: ذُو مَنَعَةٍ، وتقدَّمَ بيانُ اسمِهِ وسَبَبُ عَقرِهِ الناقةَ.
قولُهُ:
«مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ» يَأتِي في الحَديثِ الذي بَعْدَه.
قولُهُ:
«وذَكَرَ النساءَ» أي: وذكرَ في خُطبتِهِ النساءَ استِطْرَادًا إلى مَا يَقَعُ مِن أَزواجِهِنَّ.
قولُهُ:
«يَعمِدُ» بكَسْرِ الميمِ وسيأتِي شَرحُهُ في كِتابِ النِّكاحِ.
قولُهُ:
«ثُمَّ وعَظَهُمْ في ضَحِكِهمْ» في رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: في ضَحِكٍ بالتَّنوينِ وقَالَ: لِمَ يَضحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفعَلُ؟ يأتِي الكلامُ عَليه في كتابِ الأدَبِ إن شاءَ اللهُ تَعالَى.
قولُهُ: وقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ إلخ وصَلَهُ إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ في مُسنَدِهِ قَالَ: أَنْبَأنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ فذكرَ الحديثَ بتَمامِه وقَالَ في آخرِهِ: مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ، كما علَّقَهُ البُخارِيُّ سواءً.
وقد أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عن أَبِي مُعَاوِيَةَ لكنْ لم يَقُلْ في آخرِهِ: عمِّ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ.
قولُهُ: عَمِّ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ هُو عَمُّ الزُّبَيْرِ مَجازًا؛ لأنَّهُ الأسودُ بنُ المطَّلبِ بنِ أَسدٍ، والعَوَّامُ ابنُ خُوَيلِدِ بنِ أَسَدٍ، فنَزَّلَ ابنَ العمِّ مَنْزِلةَ الأخِ، فأطلقَ عليه عَمًّا بهذا الاعتِبارِ، كذا جَزَمَ الدِّميَاطِيُّ بِاسِمِ أَبِي زَمْعَةَ هُنا وهُو المُعتَمَدُ.
وقَالَ القُرطُبيُّ في المُفهِمِ: يُحتملُ أنَّ المُرادَ بأِبِي زَمْعَةَ الصَّحابِيُّ الذي بَايعَ تَحْتَ الشَّجرةِ، يَعْنِي وهُو عُبَيْدٌ البَلَوِيُّ، قَالَ: ووَجْهُ تَشبِيهِهِ به، إِنْ كان كَذلكَ، أنَّه كَانَ في عِزَّةٍ ومَنَعَةٍ في قَوْمِهِ كما كانَ ذلكَ الكافِرُ.
قَالَ: ويُحتَمَلُ أنْ يُريدَ غيرَه ممَّن يُكَنَّى أبَا زَمْعَةَ منَ الكُفَّارِ.
قُلتُ: وهذا الثَّاني هُو المُعتَمَدُ والغيرُ المَذْكُورُ هُو الأَسْوَدُ وهُو جَدُّ عَبدِ اللهِ بنِ زَمْعَةَ رَاوِي هَذَا الخَبرَ لقولِهِ في نَفسِ الخَبرِ: عَمِّ الزُّبَيرِ بنِ العوَّامِ، وليسَ بينَ البَلَوِيِّ وبينَ الزُّبَيرِ نَسَبٌ.
- وقد أَخْرَجَ الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ هَذَا الحديثَ في تَرجَمَةِ الأسودِ بنِ المطَّلبِ من طَرِيقِ عامرِ بنِ صالحٍ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ وَزَادَ: قَالَ: فَتَحَدَّثَ بها عُرْوَةُ وأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زَمْعَةَ جَالِسٌ، فكأنَّهُ وَجَدَ مِنها، فقالَ لَه عُرْوَةُ: يَا ابنَ أَخِي، واللهِ مَا حَدَّثَنِيهَا أبُوكَ إلا وهُو يَفْخَرُ بهَا، وكانَ الأَسْوَدُ أَحَدَ المُسْتَهزِئِينَ، ومَاتَ على كُفرِهِ بمكَّةَ، وقُتِلَ ابنُهُ زَمْعَةُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا أيضًا). [فتح الباري: 8/ 705-706]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
- ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، ثنا هشام، عن أبيه، أنه أخبره عبد الله بن زمعة أنه سمع النّبي [صلّى اللّه عليه وسلّم] يخطب وذكر النّاقة والّذي عقر فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«{إذ انبعث أشقاها}... » الحديث
وقال أبو معاوية ثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة، قال النّبي [صلّى اللّه عليه وسلّم]: مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام.
- أخبرنا عبد الله بن عمر الحلاوي، أنا أحمد بن محمّد حفنجلة، أنا عبد اللّطيف الحرّاني، أنا عبد الله بن أحمد، أنا أبو القاسم الشّيبانيّ، أنا الحسن بن علّي، أنا أحمد بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي ثنا أبو معاوية، عن هشام، عن أبيه، فذكر الحديث غير أنه لم يقل: عم الزبير بن العوام.
وقال إسحاق بن راهويه في مسنده: أنا أبو معاوية، ثنا هشام، عن أبيه أبي زمعة عم الزبير بن العوام.
رواه أبو القاسم البغويّ في معجم الصّحابة عن شريح بن يونس عن أبي معاوية كذلك). [تغليق التعليق: 4/ 369-370]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حدَّثَنا هِشَامٌ، عَنْ أبِيهِ، أنَّهُ أخْبَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمْعَةَ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ] يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ]:
«إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ مِثْلُ أبِي زَمْعَةَ » وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَعْمِدُ أحَدُكُمْ يَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُها مِن آخِرِ يَوْمِهِ».
ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ وَقَالَ:
«لِمَ يَضْحَكُ أحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ».
مُطَابَقَتُهُ لِلسُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ظَاهِرَةٌ، وَوُهَيْبٌ مُصَغَّرُ وَهْبٍ، ابْنُ خَالِدٍ، وَهِشَامٌ: هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ- بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْمِيمِ وَبِسُكُونِهَا وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ- ابْنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيِّ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَأُمُّهُ قَرِيبَةُ أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى عَنْهُ عُرْوَةُ ثَلاَثَةَ أَحَادِيثَ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إلاَّ هَذَا الْحَدِيثُ، وَذَكَرَ فِي أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ- فِي بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} عَنِ الْحُمَيْدِيِّ بِالْقِصَّةِ الأُولَى، وَذَكَرَ فِي الأَدَبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِالْقِصَّةِ الثَّانِيَةِ، وَفِي النِّكَاحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بِالْقِصَّةِ الثَّالِثَةِ.

- وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صِفَةِ النَّارِ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ هَارُونَ بْنِ إِسْحَاقَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ بِالْقِصَّةِ الأُولَى، وَفِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِالْقِصَّةِ الثَّالِثَةِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ النَّاقَةَ) أَيْ: نَاقَةَ صَالِحٍ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: فَخَطَبَ وَذَكَرَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَ النَّاقَةَ. هَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (وَالَّذِي عَقَرَ) ذَكَرَهُ بِحَذْفِ مَفْعُولِهِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَالَّذِي عَقَرَهَا. وَهُوَ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَأُمُّهُ قُدَيْرَةُ، وَهُوَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الشُّؤْمِ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَكَانَ أَحْمَرَ أَشْقَرَ أَزْرَقَ قَصِيرًا. وَذَكَرَ وَلَدَ زِنًى وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ سَالِفٍ.
قَوْلُهُ: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) يَعْنِي: قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ: انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ أَيْ: قَامَ لَهَا أَيْ: لِلنَّاقَةِ رَجُلٌ عَزِيزٌ أَيْ: قَلِيلُ الْمِثْلِ.
قَوْلُهُ: (عَارِمٌ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ أَيْ: جَبَّارٌ صَعْبٌ شَدِيدٌ مُفْسِدٌ خَبِيثٌ. وَقِيلَ: جَاهِلٌ شَرِسٌ.
قَوْلُهُ: (مَنِيعٌ) أَيْ: قَوِيٌّ ذُو مَنَعَةٍ. (فِي رَهْطِهِ) أَيْ: فِي قَوْمِهِ.
قَوْلُهُ: (مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ) وَهُوَ الأَسْوَدُ الْمَذْكُورُ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، وَكَانَ الأَسْوَدُ أَحَدَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَمَاتَ عَلَى كُفْرِهِ بِمَكَّةَ، وَقُتِلَ ابْنُهُ زَمْعَةُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا أَيْضًا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَبُو زَمْعَةَ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَوِيَّ الْمُبَايِعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَتُوُفِّيَ بِإِفْرِيقِيَّةَ فِي غَزْوَةِ ابْنِ خَدِيجٍ، وَدُفِنَ بِالْبَلَوِيَّةِ بِالْقَيْرَوَانِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ هُوَ هَذَا فَإِنَّهُ إِنَّمَا شَبَّهَهُ بِعَاقِرِ النَّاقَةِ فِي أَنَّهُ عَزِيزٌ فِي قَوْمِهِ، وَمَنِيعٌ عَلَى مَنْ يُرِيدُهُ مِنَ الْكُفَّارِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُسَمَّى بِأَبِي زَمْعَةَ مِنَ الْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ النِّسَاءَ) هُوَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الثَّانِي أَيْ: وَذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ النِّسَاءِ.
قَوْلُهُ: (يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ: يَقْصِدُ.
قَوْلُهُ: (يَجْلِدُ) وَيُرْوَى: فَيَجْلِدُ أَيْ: فَيَضْرِبُ، يُقَالُ: جَلَدْتُهُ بِالسَّيْفِ وَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِمَا إِذَا ضَرَبْتَهُ.
قَوْلُهُ: (جَلْدَ الْعَبْدِ) أَيْ: كَجَلْدِ الْعَبْدِ وَفِيهِ الْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ وَالإِحْجَامُ عَنْ ضَرْبِهِنَّ.
قَوْلُهُ: (فَلَعَلَّهُ) أَيْ: فَلَعَلَّ الَّذِي يَجْلِدُهَا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ (يُضَاجِعُهَا) أَيْ: يَطَؤُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ. وَكَلِمَةُ: "مِنْ" هُنَا بِمَعْنَى: "فِي" كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}؛ أَيْ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ وَعَظَهُمْ) إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ أَيْ: ثُمَّ وَعَظَ الرِّجَالَ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فِي ضَحِكٍ. بِالتَّنْوِينِ دُونَ الإِضَافَةِ إِلَى الضَّمِيرِ، وَفِيهِ الأَمْرُ بِالإِغْمَاضِ وَالتَّجَاهُلِ وَالإِعْرَاضِ عَنْ سَمَاعِ صَوْتِ الضُّرَاطِ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِمْ ضَرْطَةٌ فِي الْمَجْلِسِ يَضْحَكُونَ، وَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ، وَأَمَرَ بِالتَّغَافُلِ عَنْ ذَلِكَ وَالاشْتِغَالِ بِمَا كَانَ فِيهِ، وَكَانَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ قَوْمِ لُوطٍ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي الْمَجْلِسِ وَيَتَضَاحَكُونَ.
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ زَمْعَةَ قَالَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ]:
«مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ».
أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ -بِالْمُعْجَمَتَيْنِ- الضَّرِيرُ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ إِلَى آخِرِه ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ فِي آخِرِهِ: عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ.
قَوْلُهُ: (عَمِّ الزُّبَيْرِ) بِطَرِيقِ تَنْزِيلِ ابْنِ الْعَمِّ مَنْزِلَةَ الْعَمِّ؛ لأَنَّ الأَسْوَدَ هُوَ ابْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَالزُّبَيْرُ ابْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَدْرَكُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: أَبُو زَمْعَةَ لَيْسَ عَمَّ الزُّبَيْرِ. ثُمَّ أَجَابُوا بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا). [عمدة القاري: 19/ 293-295]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وبه قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ بِضَمِّ الْوَاوِ مُصَغَّرًا، ابْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ -بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ-، وأُمُّهُ قُرَيْبَةُ أُخْتُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَخَطَبَ وَذَكَرَ مَا قَصَدَهُ من الْمَوْعِظَةِ أو غَيْرِهَا وَذَكَرَ النَّاقَةَ الْمَذْكُورَةَ في هذه السُّورَةِ وهي ناقةُ صَالِحٍ وذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا وهو قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ وهو أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فيه: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:
«{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} انْبَعَثَ قَامَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ شَدِيدٌ قَوِيٌّ عَارِمٌ [بِعَيْنٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ جَبَّارٌ صَعْبٍ مُفْسِدٌ خَبِيثٌ] مَنِيعٌ [قَوِيٌّ ذُو مَنَعَةٍ] فِي رَهْطِهِ [قَوْمِهِ] مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ [جَدِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ الْمَذْكُورِ في عِزَّتِهِ وَمَنَعَتِهِ في قَوْمِهِ، وَمَاتَ كَافِرًا بِمَكَّةَ]» وَذَكَرَ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في خُطْبَتِهِ النِّسَاءَ أي ما يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ اسْتِطْرَادًا، فَذَكَرَ ما يَقَعُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ فَقَالَ: «يَعْمِدُ [بِكَسْرِ الْمِيمِ أي يَقْصِدُ] أَحَدُكُمْ يَجْلِدُ [ولأَبِي ذَرٍّ فَيَجْلِدُ] امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ» أي: يُجَامِعُهَا ثُمَّ وَعَظَهُمْ عليه الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في ضَحِكِهِمْ ولأَبِي ذَرٍّ عن الْكُشْمِيهَنِيِّ في ضَحِكٍ من الضَّرْطَةِ وَقَالَ: (لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟) وكَانُوا في الجاهليَّةِ إذا وَقَعَ ذلك من أَحَدٍ منهم في مَجْلِسٍ يَضْحَكُونَ فَنَهَاهُمْ عن ذلك وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ مما وَصَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ في مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عن أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ» أي: عَمِّهِ مَجَازًا؛ لأَنَّهُ الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَالْعَوَّامُ ابْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ فَنَزَّلَ ابْنَ الْعَمِّ مَنْزِلَةَ الأخِ فَأَطْلَقَ عليه عمًّا بهذا الاعتبارِ، كذا جَزَمَ الدِّمْيَاطِيُّ باسْمِ أَبِي زَمْعَةَ هنا، وهو الْمُعْتَمَدُ، قَالَهُ في فَتْحِ الْبَارِي). [إرشاد الساري: 7/ 419-420]
قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (عارم) أي: جبار مفسد خبيث. وقوله: (منيع)، بفتح الميم، أي: ذو منعة.
قوله: (لم يضحك أحدكم مما يفعل) كانوا في الجاهلية إذا وقع ذلك من أحدهم في مجلس يضحكون، فنهاهم عن ذلك اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 79]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، قال: حدّثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة، قال: سمعت النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] يومًا يذكر النّاقة والّذي عقرها فقال:
«{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجلٌ عارمٌ عزيزٌ منيعٌ في رهطه مثل أبي زمعة» ثمّ سمعته يذكر النّساء فقال: «إلام يعمد أحدكم، فيجلد امرأته جلد العبد ولعلّه أن يضاجعها من آخر يومه.»
قال: ثمّ وعظهم في ضحكهم من الضّرطة فقال: إلام يضحك أحدكم ممّا يفعل.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 297]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن رافعٍ، وهارون بن إسحاق، عن عبدة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة، قال: سمعت النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم] يذكر النّاقة والّذي عقرها، قال: {إذ انبعث أشقاها}، فقال: «انبعث لها رجلٌ عارمٌ عزيزٌ منيعٌ في رهطه، مثل أبي زمعة»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 336]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}، يقولُ: إِذْ ثَارَ أَشْقَى ثَمُودَ، وهوَ قُدَارُ بنُ سَالِفٍ.
- كما حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بنُ إِبراهيمَ قالَ: ثَنَا الطُّفَاوِيُّ، عنْ هشامٍ، عنْ أبيهِ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ زَمْعَةَ قالَ: خَطَبَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فذَكَرَ في خُطْبَتِهِ الناقَةَ والذي عَقَرَهَا، فقالَ:
«{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}: انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ».
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ في قوْلِهِ: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}، يقول: أُحَيْمِرُ ثَمُودَ). [جامع البيان: 24/ 448-449]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه -: أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب - وذكر النّاقة والذي عقرها - فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
«{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجلٌ عزيزٌ عارمٌ منيعٌ في رهطه، مثل أبي زمعة»، وذكر النّساء - وفي رواية: ثم ذكر النساء - فوعظ فيهن. فقال: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعلّه يضاجعها من آخر يومه»، ثم وعظهم في ضحكهم من الضّرطة، قال:«لم يضحك أحدكم مما يفعل؟». أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، هكذا. وفرقه البخاري أيضاً في مواضع من كتابه.
[شرح الغريب]
(عقرها) العقر: الجرح، وعقر ناقته: ضرب قوائمها بالسيف فقطعها.
(انبعث) مضى لشأنه، وثار ذاهباً لقضاء حاجته وأربه.
عارم: العارم: الشديد الممتنع). [جامع الأصول: 2/ 430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ قالَ: هو النهارُ، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}؛ قالَ: يَتْلُوها صَبِيحَةَ الهلالِ، فإذَا سَقَطَتْ رُئِيَ عندَ سُقُوطِها، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَها النهارُ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَهَا الليلُ، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}؛ قالَ: وَمَا خَلَقَهَا، {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}؛ قالَ: بَسَطَهَا، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛ قالَ: قد بَيَّنَ لها الفُجُورَ من التقوَى، {قَدْ أَفْلَحَ}؛ قالَ: وَقَعَ القَسَمُ هاهنا، {مَنْ زَكَّاهَا}؛ قالَ: مَنْ عَمِلَ خيراً فزَكَّاهَا بطاعةِ اللَّهِ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ قالَ: مَن أَثَّمَهَا وأَفْجَرَها، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: بالطُّغْيانِ، {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}؛ قالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودَ). [الدر المنثور: 15/ 458-459] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وأحمدُ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ والبخاريُّ ومسلمٌ والترمذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ مَرْدُويَهْ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ زَمْعَةَ، قالَ: خَطَبَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فذَكَرَ الناقَةَ، وذَكَرَ الذي عَقَرَهَا، فقالَ:
«{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}». قالَ: «انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ» ). [الدر المنثور: 15/ 462]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أحمدُ وابنُ أبي حَاتِمٍ والطبرانيُّ والحاكِمُ وابنُ مَرْدُويَهْ وأبو نُعَيْمٍ في الدلائلِ، والبَغَوِيُّ عن عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] لعليٍّ:
«أَلاَ أُحَدِّثُكَ بِأَشْقَى النَّاسِ؟» قالَ: بلى. قالَ: «رَجُلاَنِ: أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذَا» يعني: قَرْنَهُ «حَتَّى تَبْتَلَّ مِنْهُ هَذِهِ» يعني: لِحْيَتَه.
- وأَخْرَجَ الطبرانيُّ وابنُ مَرْدُويَهْ وأبو نُعَيْمٍ مِثْلَه مِن حديثِ صُهَيْبٍ وجابِرِ بنِ سَمُرَةَ). [الدر المنثور: 15/ 463]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ}، يعنِي بذلكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: صالِحاً رسولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فقالَ لثَمُودَ صَالِحٌ: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}، احْذَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ وسُقْيَاهَا. وإِنَّما حَذَّرَهُمْ سُقْيَا الناقَةِ؛ لأنَّهُ كانَ تَقَدَّمَ إليهم عنْ أَمْرِ اللَّهِ أَنَّ للناقَةِ شِرْبَ يومٍ، ولهم شِرْبَ يَوْمٍ آخَرَ غيرِ يومِ الناقَةِ، على ما قدْ بَيَّنْتُ فيما مضَى قبلُ.
- وكما حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}، قَسْمُ اللَّهِ الذي قَسَمَ لَها مِنْ هذا الماءِ). [جامع البيان: 24/ 449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ قالَ: هو النهارُ، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}؛ قالَ: يَتْلُوها صَبِيحَةَ الهلالِ، فإذَا سَقَطَتْ رُئِيَ عندَ سُقُوطِها، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَها النهارُ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَهَا الليلُ، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}؛ قالَ: وَمَا خَلَقَهَا، {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}؛ قالَ: بَسَطَهَا، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛ قالَ: قد بَيَّنَ لها الفُجُورَ من التقوَى، {قَدْ أَفْلَحَ}؛ قالَ: وَقَعَ القَسَمُ هاهنا، {مَنْ زَكَّاهَا}؛ قالَ: مَنْ عَمِلَ خيراً فزَكَّاهَا بطاعةِ اللَّهِ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ قالَ: مَن أَثَّمَهَا وأَفْجَرَها، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: بالطُّغْيانِ، {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}؛ قالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودَ، {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}؛ قالَ: يقولُ: خَلُّوا بينَها وبينَ قَسْمِ اللَّهِ الذي قَسَمَ لها من هذا الماءِ). [الدر المنثور: 15/ 458-459] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا}، يقولُ: فَكَذَّبُوا صالِحاً في خَبَرِهِ الذي أخْبَرَهم بهِ، مِنْ أنَّ اللَّهَ الذي جَعَلَ شِرْبَ الناقَةِ يَوماً، ولهم شِرْبَ يومٍ معلومٍ، وأنَّ اللَّهَ يُحِلُّ بِهم نِقْمَتَهُ إنْ هم عَقَرُوها، كما وَصَفَهم جَلَّ ثَنَاؤُهُ فقالَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ}.
وقدْ يَحْتَمِلُ أنْ يَكونَ التكذيبُ بالعَقْرِ. وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ جازَ تقديمُ التكذيبِ قبلَ العَقْرِ، والعَقْرُ قبلَ التكذيبِ؛ وذلكَ أنَّ كلَّ فِعْلٍ وقَعَ عنْ سَبَبٍ حَسُنَ ابْتِدَاؤُهُ قبلَ السببِ وَبَعْدَهُ، كقولِ القائِلِ: أَعْطَيْتُ فأَحْسَنْتُ، وأَحْسَنْتُ فأَعْطَيْتُ؛ لأنَّ الإعطاءَ هوَ الإحسانُ، ومِن الإحسانِ الإعطاءُ. فكذلكَ لوْ كانَ العَقْرُ هوَ سببَ التكذيبِ جازَ تقديمُ أيِّ ذلكَ شاءَ المُتَكَلِّمُ.
وقدْ زَعَمَ بعضُهم أنَّ قوْلَهُ: {فَكَذَّبُوهُ}، كَلِمَةٌ مُكْتَفِيَةٌ بنَفْسِها، وأنَّ قَوْلَهُ: {فَعَقَرُوهَا} جوابٌ لقولِهِ: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}، فكأنَّهُ قِيلَ: إِذ انْبَعَثَ أَشْقاها فعَقَرَها، وإن أَشْكَلَ على مُشكَلٍ عليه معنى قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا}؛ فقالَ: وكيفَ؟ قيلَ: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا}.
وقدْ كانَ القوْمُ قبلَ قَتْلِ الناقَةِ مُسْلِمِينَ، لَها شِرْبُ يومٍ، ولهم شِرْبُ يومٍ آخَرَ.
قيلَ: جاءَ الخبَرُ أنَّهُم بعدَ تَسْلِيمِهم ذلكَ، أَجْمَعُوا على مَنْعِها الشُّرْبَ، ورَضُوا بِقَتْلِهَا، وعنْ رِضَا جَمِيعِهِم قَتَلَها قَاتِلُها، وعَقَرَها مَنْ عَقَرَها؛ ولذلكَ نُسِبَ التكذيبُ والعَقْرُ إلى جَمِيعِهم، فقالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا}.
وقولُهُ: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا}، يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فدَمَّرَ عليهم رَبُّهُم , وذلكَ بكُفْرِهِم بهِ، وتَكْذِيبِهِم رسولَهُ صالِحاً، وعَقْرِهِم ناقَتَهُ، {فَسَوَّاهَا}؛ يقولُ: فسَوَّى الدَّمْدَمَةَ عليهم جَمِيعِهم، فلمْ يَفْلِتْ مِنْهم أَحَدٌ.
- كمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قوْلُهُ: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا}، ذُكِرَ لَنَا أنَّ أُحَيْمِرَ ثَمُودَ أَبَى أنْ يَعْقِرَها، حتَّى تابَعه صغيرُهم وكبيرُهم، وذَكَرُهم وأُنْثَاهُم، فلمَّا اشْتَرَكَ القومُ في عَقْرِهَا دَمْدَمَ اللَّهُ عليهم بذَنْبِهِم فسَوَّاها.
- حَدَّثَنِي بِشْرُ بنُ آدَمَ قالَ: ثَنَا قُتَيْبَةُ قالَ: ثَنَا أبو هِلالٍ قالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يقولُ: لَمَّا عَقَرُوا الناقَةَ طَلَبُوا فَصِيلَها، فصارَ في قَارَةِ الجَبَلِ، فقَطَعَ اللَّهُ قُلُوبَهم). [جامع البيان: 24/ 449-451]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ عُقْبَى أَحَدٍ، قَبْلَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قَالَ: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ أَيْ: أَهْلَكَهُمْ رَبُّهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ، وَعَقْرِهِمْ نَاقَتَهُ. قَوْلُهُ: {فَسَوَّاهَا}؛ أَيْ: فَسَوَّى الدَّمْدَمَةَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَعَمَّهُمْ بِهَا فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: الدَّمْدَمَةُ إِهْلاَكٌ بِاسْتِئْصَالٍ). [عمدة القاري: 19 / 293] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ قالَ: هو النهارُ، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}؛ قالَ: يَتْلُوها صَبِيحَةَ الهلالِ، فإذَا سَقَطَتْ رُئِيَ عندَ سُقُوطِها، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَها النهارُ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَهَا الليلُ، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}؛ قالَ: وَمَا خَلَقَهَا، {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}؛ قالَ: بَسَطَهَا، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛ قالَ: قد بَيَّنَ لها الفُجُورَ من التقوَى، {قَدْ أَفْلَحَ}؛ قالَ: وَقَعَ القَسَمُ هاهنا، {مَنْ زَكَّاهَا}؛ قالَ: مَنْ عَمِلَ خيراً فزَكَّاهَا بطاعةِ اللَّهِ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ قالَ: مَن أَثَّمَهَا وأَفْجَرَها، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: بالطُّغْيانِ، {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}؛ قالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودَ، {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}؛ قالَ: يقولُ: خَلُّوا بينَها وبينَ قَسْمِ اللَّهِ الذي قَسَمَ لها من هذا الماءِ، {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ}؛ قالَ: ذُكِرَ لنا أنَّه أَبَى أنْ يَعْقِرَهَا حتَّى تَابَعَه صَغِيرُهم وكبيرُهم، وذَكَرُهم وأُنْثَاهم، فلَمَّا اشْتَرَكَ القومُ في عَقْرِها {دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ يقولُ: لا يَخَافُ تَبِعَتَها). [الدر المنثور: 15/ 458-459] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (عقبى أحد) فسر {عقباها}، وهو مؤنث بأحد، وهو مذكر نظراً إلى معنى أحد لأنه بمعنى الجماعة كما سلكه الزمخشري في قوله تعالى: {لا نفرّق بين أحد}؛ وفسره جمع بالدمدمة أخذاً من قوله تعالى: {فدمدم} وفي نسخة عقبى أخذ بمعجمتين، وهو معنى الدمدمة، وبالجملة، فمعنى عقباها عاقبة الجماعة، أو الدمدمة، أي: الهلاك العام). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 79] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ولا يخاف عقباها}: «عقبى أحدٍ»). [صحيح البخاري: 6/ 169]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) :
(قولُهُ: {وَلاَ يَخَافُ عُقُباها}: عُقْبَى أحدٍ) وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ من طَرِيقِ مُجَاهِدٍ في قَولِهِ: {وَلاَ يَخَافُ عُقُباها}: اللهُ لا يَخَافُ عُقبَى أَحَدٍ. وهُو مَضْبوطٌ بفتحِ الألِفِ، والمُهْمَلَةِ، وفي بعضِ النُّسَخِ وبسُكونِ الخاءِ المُعْجَمَةِ بَعْدَها ذَالٌ مُعْجَمَةٌ، قَالَ الفَرَّاءُ: قَرَأَ أهْلُ البَصْرَةِ والكُوفةِ بالواوِ، وأهلُ المدينةِ بالفاءِ (فَلاَ يَخَافُ) فالواوُ صِفةُ العاقِرِ أي: عَقَرَ ولم يخَفْ عَاقِبَةَ عَقرِها، أو المرادُ لا يخافُ اللهُ أن يرجِعَ بعد إِهلاكِها، فالفاءُ على هَذَا أَجْوَدُ، والضميرُ في عُقُبَاهَا للدَّمدَمَةِ أو لِثَمُودَ أو للنَّفسِ المُقَدَّمِ ذِكرُها، والدَّمْدَمَةُ: الهَلاكُ العَامُّ). [فتح الباري: 8 / 705]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد: {بطغواها}؛ بمعاصيها، {ولا يخاف عقباها}؛ عقبى أحد.
قال الفريابيّ: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {كذبت ثمود بطغواها}؛ قال: بمعصيتها، {ولا يخاف عقباها}؛ قال الله: لا يخاف عقباها). [تغليق التعليق: 4/ 369] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ عُقْبَى أَحَدٍ، قَبْلَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قَالَ: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ أَيْ: أَهْلَكَهُمْ رَبُّهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ، وَعَقْرِهِمْ نَاقَتَهُ. قَوْلُهُ: فَسَوَّاهَا أَيْ: فَسَوَّى الدَّمْدَمَةَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَعَمَّهُمْ بِهَا فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: الدَّمْدَمَةُ إِهْلاَكٌ بِاسْتِئْصَالٍ. قَوْلُهُ: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قَالَ: عُقْبَى أَحَدٍ إِنَّمَا قَالَ: عُقْبَى أَحَدٍ مَعَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عُقْبَاهَا مُؤَنَّثٌ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ، وَهُوَ مُؤَنَّثٌ وَعَبَّرَ عَنِ النَّفْسِ بِالأَحَدِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَخَذَ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ مَعْنَى الدَّمْدَمَةِ أَيِ: الْهَلاَكِ الْعَامِّ. وَقَالَ النَّسَفِيُّ: {عُقْبَاهَا}؛ عَاقِبَتُهُا. وَعَنِ الْحَسَنِ: لاَ يَخَافُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ تَبِعَةً فِي إِهْلاَكِهِمْ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى ثَمُودَ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَالْكَلْبِيِّ: الضَّمِيرُ فِي لاَ يَخَافُ يَرْجِعُ إِلَى الْعَاقِرِ، وَفِي الْكَلاَمِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ إِذَا انْبَعَثَ أَشْقَاهَا وَلاَ يَخَافُ عِقَابَهَا. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ فَلاَ يَخَافُ بِالْفَاءِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَالْبَاقُونَ بالْوَاوِ وَهَكَذَا فِي مَصَاحِفِهِمْ). [عمدة القاري: 19 / 293]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا} أي: (عُقْبَى أَحَدٍ) ). [إرشاد الساري: 7/ 419]
قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (عقبى أحد) فسر {عقباها}، وهو مؤنث بأحد، وهو مذكر نظراً إلى معنى أحد لأنه بمعنى الجماعة كما سلكه الزمخشري في قوله تعالى: {لا نفرّق بين أحد} وفسره جمع بالدمدمة أخذاً من قوله تعالى: {فدمدم} وفي نسخة عقبى أخذ بمعجمتين، وهو معنى الدمدمة، وبالجملة، فمعنى عقباها عاقبة الجماعة، أو الدمدمة، أي: الهلاك العام). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}، اخْتَلَفَ أهلُ التأوِيلِ في معنى ذلكَ؛ فقالَ بعضُهم: معناهُ: لا يَخَافُ تَبِعَةَ دَمْدَمَتِهِ عليهم.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي عليٌّ قالَ: ثَنَا أبو صالِحٍ قالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عنْ عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ: قولُهُ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}، قالَ: لا يَخَافُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ تَبِعَةً.
- حَدَّثَنِي إبراهيمُ بنُ المُسْتَمِرِّ قالَ: ثَنَا عثمانُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا عُمَرُ بنُ مَرْثَدٍ، عن الحَسَنِ في قَوْلِهِ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
قالَ: ذَاكَ رَبُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لا يَخَافُ منهم تَبِعَةً مِمَّا صَنَعَ بِهِم.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ عمَرَ بنِ مُنَبِّهٍ، قال أبو جعفرٍ الطَّبريُّ: هكذا هوَ في كتابِي، سَمِعْتُ الحَسَنَ قَرَأَ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
قالَ: ذلكَ الرَّبُّ صَنَعَ ذلكَ بهم، ولمْ يَخَفْ تَبِعَةً.
- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قالَ: ثَنَا ابنُ عُلَيَّةَ، عنْ أبي رَجَاءٍ، عن الحَسَنِ في قَوْلِهِ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
قالَ: لا يَخَافُ تَبِعَتَهُمْ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
يقولُ: لا يَخَافُ أَنْ يُتْبَعَ بِشيءٍ مِمَّا صَنَعَ بِهِم.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عيسى. وحَدَّثَنِي الحارثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: قولُهُ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}، قالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمرٍو في حديثِهِ: اللَّهُ لا يَخَافُ عُقْبَاهَا.
وقالَ الحارِثُ في حديثِهِ: اللَّهُ لا يَخَافُ عُقْباهَا.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ قالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ قالَ: ثَنَا رَزِينُ بنُ سليمان، قالَ: سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ عبدِ اللَّهِ المُزَنِيَّ يقولُ في قَوْلِهِ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛
قالَ: لا يَخَافُ اللَّهُ التَّبِعَةَ.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ معنى ذلكَ: ولَم يَخَف الذي عَقَرَها عُقْبَاها؛ أيْ: عُقْبَى فِعْلَتِهِ التي فَعَلَ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا جابِرُ بنُ نُوحٍ قالَ: ثَنَا أبو رَوْقٍ قالَ: ثَنَا الضحَّاكُ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
قالَ: لمْ يَخَف الذي عَقَرَها عُقْبَاها.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عن السُّدِّيِّ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
قالَ: الذي لا يَخَافُ الذي صَنَعَ عُقْبَى ما صَنَعَ.
واخْتَلَفَت القرأةُ في قراءَةِ ذلكَ؛ فقَرَأَتْهُ عامَّةُ قرأةِ الحِجَازِ والشامِ: (فَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) بالفاءِ، وكذلكَ ذلكَ في مَصَاحِفِهم، وقَرَأَتْهُ عامَّةُ قرأةِ العِرَاقِ في المِصْرَيْنِ بالواوِ: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}، وكذلكَ هوَ في مَصاحِفِهم.
والصوابُ مِن القَوْلِ في ذَلِكَ أَنَّهُما قراءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، غيرُ مُخْتَلِفَتَي المعنَى، فبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ القارِئُ فمُصِيبٌ.
واخْتَلَفَت القرأةُ في إِمالَةِ ما كانَ مِنْ ذَوَاتِ الواوِ في هذهِ السورةِ وغيرِها، وذلك كقولِهِ: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا}، {والْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} ونحوِ ذلكَ:
فكانَ يَفْتَحُ ذلكَ كُلَّهُ عامَّةُ قرأةِ الكوفَةِ، ويُمِيلُونَ ما كانَ مِنْ ذَوَاتِ الياءِ، غيرَ عاصِمٍ والكِسَائِيِّ؛ فإنَّ عاصِماً كانَ يَفْتَحُ جَمِيعَ ذلكَ، ما كانَ مِنهُ مِنْ ذَوَاتِ الواوِ وذَوَاتِ الياءِ، لا يُضْجِعُ شيئاً مِنهُ.
وكانَ الكِسَائِيُّ يَكْسِرُ ذلكَ كُلَّهُ.
وكانَ أبو عمرٍو يَنْظُرُ إلى اتِّسَاقِ رُءُوسِ الآيِ، فإِنْ كَانَتْ مُتَّسِقَةً على شَيْءٍ واحِدٍ أَمَالَ جَمِيعَها.
وأمَّا عامَّةُ قرأةِ المدينَةِ، فإِنَّهُم لا يُمِيلُونَ شَيْئاً مِنْ ذلكَ الإِمَالَةَ الشديدةَ، ولا يَفْتَحُونَهُ الفتحَ الشديدَ، ولكنْ بَيْنَ ذلكَ.
وأفْصَحُ ذلكَ وأحْسَنُهُ أَنْ يُنْظَرَ إلى ابتداءِ السورةِ، فإِنْ كانَت رُءُوسُ آيها بالياءِ، أُجْرِيَ جَمِيعُها بالإمالةِ غيرِ الفاحِشَةِ، وإنْ كانَتْ رُءُوسُ آيها بالواوِ فُتِحَتْ وجَرَى جَمِيعُها بالفتحِ غيرِ الفاحِشِ، وإذا انْفَرَدَ نَوْعٌ مِنْ ذلكَ في مَوْضِعٍ، أُمِيلَ ذَوَاتُ الياءِ الإمالةَ المُعْتَدِلَةَ، وفُتِحَ ذواتُ الواوِ الفَتْحَ المُتَوَسِّطَ.
وإنْ أُمِيلَتْ هذهِ وفُتِحَتْ الأخرى لمْ يَكُنْ لَحْناً، غيرَ أنَّ الفصيحَ مِن الكلامِ هوَ الذي وَصَفْنا صِفَتَهُ). [جامع البيان: 24 / 451-454]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم، قال: نا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {ولا يخاف عقباها}؛ قال: إن الله لا يخاف عقباها، أي لا يخاف عقاب أحد). [تفسير مجاهد: 2/ 764]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ قالَ: ضَوْءُها، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}؛ قالَ: تَبِعَها، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}؛ قالَ: أَضَاءَ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}؛ قالَ: يَغْشَاهَا الليلُ، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}؛ قالَ: اللَّهُ بَنَى السماءَ والأرضَ، {وَمَا طَحَاهَا}؛ قالَ: دَحَاهَا، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛ قالَ: عَرَّفَهَا شَقَاءَهَا، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}؛ قالَ: أَصْلَحَهَا، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ قالَ: أَغْوَاهَا، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: بِمَعْصِيَتِهَا، {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قالَ: اللَّهُ لا يَخَافُ عُقْبَاهَا). [الدر المنثور: 15 / 457-458]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}؛ قالَ: هو النهارُ، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا}؛ قالَ: يَتْلُوها صَبِيحَةَ الهلالِ، فإذَا سَقَطَتْ رُئِيَ عندَ سُقُوطِها، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَها النهارُ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}؛ قالَ: إِذَا غَشِيَهَا الليلُ، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}؛ قالَ: وَمَا خَلَقَهَا، {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}؛ قالَ: بَسَطَهَا، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛ قالَ: قد بَيَّنَ لها الفُجُورَ من التقوَى، {قَدْ أَفْلَحَ}؛ قالَ: وَقَعَ القَسَمُ هاهنا، {مَنْ زَكَّاهَا}؛ قالَ: مَنْ عَمِلَ خيراً فزَكَّاهَا بطاعةِ اللَّهِ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ قالَ: مَن أَثَّمَهَا وأَفْجَرَها، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}؛ قالَ: بالطُّغْيانِ، {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}؛ قالَ: أُحَيْمِرُ ثَمُودَ، {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}؛ قالَ: يقولُ: خَلُّوا بينَها وبينَ قَسْمِ اللَّهِ الذي قَسَمَ لها من هذا الماءِ، {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ}؛ قالَ: ذُكِرَ لنا أنَّه أَبَى أنْ يَعْقِرَهَا حتَّى تَابَعَه صَغِيرُهم وكبيرُهم، وذَكَرُهم وأُنْثَاهم، فلَمَّا اشْتَرَكَ القومُ في عَقْرِها {دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ يقولُ: لا يَخَافُ تَبِعَتَها). [الدر المنثور: 15/ 458-459]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ خُشَيْشٌ في الاسْتِقَامَةِ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}؛ يقولُ: قدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى اللَّهُ نفسَه، {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}؛ يقولُ: قدْ خَابَ مَن دَسَّ اللَّهُ نفسَه فأَضَلَّه، {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قالَ: لا يَخَافُ مِن أحدٍ تَابِعَةً). [الدر المنثور: 15/ 461]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ جَرِيرٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن الحَسَنِ: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قالَ: ذاكَ رَبُّنا, لا يَخَافُ مِنْهم تَبِعَةً بما صَنَعَ بِهِم). [الدر المنثور: 15 / 463]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن السُّدِّيِّ: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قالَ: لم يَخَفِ الذي عَقَرَها عَاقِبَةَ مَا صَنَعَ). [الدر المنثور: 15/ 463]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ عنِ الضَّحَّاكِ: {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}؛ قالَ: لم يَخَفِ الذي عَقَرَها عُقْبَاها). [الدر المنثور: 15/ 463]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 02:55 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {بطغواها...}؛ أراد بطغيانها إلاّ أن الطغوى أشكل برءوس الآيات؛ فاختير لذلك. ألا ترى أنه قال: {وآخر دعواهم أن الحمد لله} ومعناه آخر دعائهم، وكذلك {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ}؛ ودعاؤهم فيها هذا). [معاني القرآن: 3/ 267]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({كذّبت ثمود بطغواها}؛ أي كذبت الرسول إليها بطغيانها). [تفسير غريب القرآن: 530]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {كذّبت ثمود بطغواها (11)}؛ أي بطغيانها، وأصل (طغواها) طغيها وفعلى إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واواً ليفصل بين الاسم والصفة، تقول: هي التقوى، وإنما هي من أيقنت، وهي التقوى وإنما هي من يقنت، وقالوا: امرأة خزيا لأنها صفة). [معاني القرآن: 5/ 333]

تفسير قوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {إذ انبعث أشقاها...}؛ يقال: إنهما كانا اثنين فلان ابن دهر، والآخر قدار، ولم يقل: أشقياها، وذلك جائز لو أتى؛ لأن العرب إذا [أضافت] أفعل التي يمدحون بها وتدخل فيها (من) إلى أسماء وحدوها في موضع الاثنين والمؤنث والجمع، فيقولون للاثنين: هذا أفضل الناس، وهذان خير الناس، ويثنون أيضا، أنشدني في تثنيته أبو القمقام الأسدي:
ألا بكـر النّاعـي بخيـري بـنـي أســد ....... بعمرو بن مسعودٍ، وبالسّيّد الصّمد
فــــــــإن تــســلــونــي بــالــبــيــان فــــإنّــــه ....... أبـو معقـل لا حـيّ عـنـه، ولا حــدد

أي: لا يكفي عنه حيٌّ، أي لا يقال: حيّ على فلان سواه، ولا حدد: أي لا يحد عنه لا يحرم.
وأنشدني آخر في التوحيد، وهو يلوم ابنين له:

يا أخبث الناس كل الناس قد علموا ....... لو تستطيعان كنّا مثل معضاد فوحّد
ولم يقل: يا أخبثى، وكل صواب، ومن وحّد في الاثنين قال في الأنثى أيضا: هي أشقى القوم، ومن ثنى قال: هي شقيا النسوة على فعلى.
وأنشدني المفضل الضبي:

غبقتك عظماها سناماً أو انبرى ....... بـرزقــك بـــراق الـمـتـون أريـــب).
[معاني القرآن: 3/ 268]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إذ انبعث أشقاها} أي الشقيّ منها، [أي نهض] لعقر الناقة). [تفسير غريب القرآن: 530]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {فقال لهم رسول اللّه ناقة اللّه...}نصبت الناقة على التحذير حذرهم إياها، وكل تحذير فهو نصب ولو رفع على ضمير: هذه ناقة الله، فإن العرب قد ترفعه، وفيه معنى التحذير، ألا ترى أن العرب تقول: هذا العدوّ هذا العدوّ فاهربوا، وفيه تحذير، وهذا الليل فارتحلوا، فلو قرأ قارئ بالرفع كان مصيباً.
أنشدني بعضهم:
إن قــومــاً مـنــهــم عـمــيــرٌ وأشــبـــاه ....... عــــمــــيـــــرٍ ومــــنــــهـــــم الــــسّـــــفّـــــاح
لـــجـــديــــرون بـــالــــوفــــاء إذا قـــــــــــال ....... أخو النجدة: السلاح السلاح

فرفع، وفيه الأمر بـ لباس السلاح). [معاني القرآن: 3/ 268-269]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فقال لهم رسول اللّه ناقة اللّه وسقياها}، وقال: {ناقة اللّه} أي: ناقة الله فاحذروا أذاها). [معاني القرآن: 4/ 50]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فقال لهم رسول اللّه ناقة اللّه وسقياها}، أي احذروا ناقة اللّه وشربها). [تفسير غريب القرآن: 530]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله تعالى: {فقال لهم رسول اللّه ناقة اللّه وسقياها (13)}
{ناقة} منصوب على معنى ذروا ناقة اللّه، كما قال سبحانه: {هذه ناقة اللّه لكم آية فذروها تأكل في أرض اللّه}، أي ذروا سقياها، وكان للناقة يوم ولهم يوم في الشّرب). [معاني القرآن: 5/ 333]

تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {فكذّبوه فعقروها...} يقول القائل: كيف كذبوه فعقروها؟ ونرى أن الكلام أن يقال: فعقروها فكذبوه، فيكون التكذيب بعد العقر.
وقد يكون على ما ظنّ، لأنك تقول: قتلوا رسولهم فكذبوه، أي: كفى بالقتل تكذيبا، فهذا وجه، ويكون فكذبوه كلمة مكتفى بها، ويكون قوله: {فعقروها} جوابا لقوله: {إذ انبعث أشقاها}، فعقروها. وكذلك جاء التفسير. ويكون مقدما ومؤخرا؛ لأن العقر وقع بالتكذيب، وإذا وقع الفعلان معا جاز تقديم أيهما شئت. من ذلك: أعطيت فأحسنت، وإن قلت: أحسنت فأعطيت كان بذلك المعنى؛ لأن الإعطاء هو الإحسان، والإحسان هو الإعطاء، كذلك العقر: هو التكذيب. فقدمت ما شئت وأخرت الآخر.
ويقول القائل: كيف قال: فكذبوه ولم يكذبوه قبل ذلك؟ إذ رضوا بأن يكون للناقة شربٌ ولهم شرب فجاء في التفسير: أنهم كانوا أقرّوا بهذا غير مصدقين له). [معاني القرآن: 3/ 269]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {فدمدم..}: أرجف بهم.
{فسوّاها...} عليهم. ويقال: {فسوّاها}: سوّى الأمة، أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوّى بينهم). [معاني القرآن: 3/ 269]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فدمدم عليهم}: دمر). [غريب القرآن وتفسيره: 431]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا}، أي: فعقروها فكذّبوه بالعقر.
وقد يجوز أن يكون أراد: فكذّبوا قوله: إنها ناقة الله، فعقروها.
قال الأعشى:
لقد كان في حَوْلٍ ثواءٌ ثويتُه ....... تَقَضِّـي لُبَانَـاتٍ وَيـسْـأَمُ سَـائِـمُ
أراد: لقد كان في ثواء حول ثويته.
وقال ذو الرّمّة يصف الدّار:

فـأضـحــت مـبـاديـهــا قِــفَـــارًا رسـومُــهــا ....... كأَنْ لَمْ سِوَى أَهْلٍ من الوَحْشِ تُوهَلُ
أراد: كأن توهل سوى أهل من الوحش). [تأويل مشكل القرآن: 206-207]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها (14)}
{فكذّبوه} أي فلم يوقنوا أنهم يعذبون حين قال لهم: {ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم}
{فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها}؛ معناه دمدم عليهم أطبق عليهم العذاب، يقال: دمدمت على الشيء إذا أطبقت عليه، وكذلك [دممت] عليه القبر وما أشبهه، وكذلك ناقة مدمومة، أي قد ألبسها الشحم، فإذا كررت الإطباق قلت دمدمت عليه). [معاني القرآن: 5/ 333]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({فدمدم عليهم ربهم} أي: عذبهم عذابا تاما). [ياقوتة الصراط: 579]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَدَمْدَمَ}: فدمر). [العمدة في غريب القرآن: 348]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {ولا يخاف عقباها...}أهل المدينة يقرءون: (فلا يخاف عقباها) بالفاء، وكذلك هي في مصاحفهم، وأهل الكوفة والبصرة: (ولا يخاف عقباها) بالواو في التفسير أجود؛ لأنه جاء: عقرها ولم يخف عاقبة عقرها، فالواو ها هنا أجود، ويقال: {لا يخاف عقباها} لا يخاف الله أن ترجع وتعقب بعد إهلاكه، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو وكل صواب). [معاني القرآن: 3/ 269-270]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن الاختصار أن تضمر لغير مذكور... وكذلك قوله: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}، أي: عقبى هذه الفعلة). [تأويل مشكل القرآن: 226]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولا يخاف عقباها (15)}أكثر ما جاء في التفسير: لا يخاف الله تعالى تبعة ما أنزل بهم، وقيل: لا يخاف رسول اللّه صالح عليه السلام الذي أرسل إليهم عقباها.
وقيل: إذا انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها). [معاني القرآن: 5/ 333]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ولا يخاف عقباها} أي: عاقبة الفعلة). [ياقوتة الصراط: 579]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م, 11:38 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]



تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) }

تفسير قوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) }

تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) }

تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ} أي سوَّاها عليهم). [مجالس ثعلب: 421]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:17 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولمّا ذكر اللّه تعالى صفة من دسّى نفسه ذكر فرقةً فعلت ذلك؛ ليعتبر بهم وينتهى عن مثل فعلهم.
و(الطّغوى) مصدرٌ، وقرأ الحسن وحمّاد بن سلمة: (بطغواها) -بضمّ الطاء- مصدرٌ كالعقبى والرّجعى، وقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: «الطّغوى هنا: العذاب»، كذّبوا به حتى نزل بهم. ويؤيّد هذا التأويل قوله تعالى: {فأمّا ثمود فأهلكوا بالطّاغية}، وقال جمهور المتأوّلين: الباء سببيّةٌ، والمعنى: كذّبت ثمود نبيّها بسبب طغيانها وكفرها). [المحرر الوجيز: 8/ 629-630]

تفسير قوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{انبعث} عبارةٌ عن خروجه إلى عقر الناقة بنشاطٍ وحرصٍ، و{أشقاها} هو قدار بن سالفٍ، وهو أحد التسعة الرّهط المفسدين، ويحتمل أن يقع {أشقاها} على جماعةٍ حاولت العقر، ويروى أنه لم يفعل فعله بالناقة حتى مالأه على ذلك جميع الحيّ؛ فلذلك قال تعالى: {فعقروها} لكونهم متّفقين على ذلك). [المحرر الوجيز: 8/ 630]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{رسول اللّه}: صالحٌ عليه السلام.
وقوله تعالى: {ناقة اللّه وسقياها} نصب بفعلٍ مضمرٍ، تقديره: احفظوا، أو ذروا، أو احذروا، على معنى: احذروا الإخلال بحقّ ذلك، وقد تقدّم أمر الناقة والسّقيا في غير هذه السورة بما أغنى عن إعادته). [المحرر الوجيز: 8/ 630]

تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقد تقدّم التكذيب على العقر؛ لأنه كان سبب العقر.
ويروى أنهم كانوا قد أسلموا قبل ذلك وتابعوا صالحًا عليه السلام مدّةً، ثمّ كذّبوا وعقروا. والجمهور من المفسرين على أنهم كانوا على كفرهم.
و(دمدم) معناه: أنزل العذاب مقلقًا لهم مكرّرا ذلك، وهي الدّمدمة، وفي بعض المصاحف: (فدهدم) وهي قراءة ابن الزّبير، بالهاء بين الدالين، وفي بعضها (فدمّر)، وفي مصحف ابن مسعودٍ: (فدمدمها عليهم).
وقوله تعالى: {بذنبهم} أي: بسبب ذنبهم.
وقوله تعالى: {فسوّاها} معناه: فسوّى القبيلة في الهلاك، لم ينجّ منهم أحدًا). [المحرر الوجيز: 8/ 630]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ نافعٌ، وابن عامرٍ، والأعرج، وأهل الحجاز، وأبيّ بن كعبٍ: (فلا يخاف) بالفاء، وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام، وقرأ الباقون: {ولا يخاف} بالواو، وكذلك في مصاحفهم.
وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قرأ: (ولم يخف عقباها)، والفاعل بـ (يخاف) على من قرأ: (فلا يخاف) بالفاء يحتمل أن يكون اللّه تعالى، والمعنى: فلا درك على اللّه تعالى في فعله بهم، لا يسأل عمّا يفعل. وهذا قول ابن عبّاسٍ والحسن.
وفي هذا المعنى احتقارٌ للقوم وتعفيةٌ لأثرهم.
ويحتمل أن يكون صالحًا عليه السلام، أي: لا يخاف عقبى اللّه تعالى بهذه الفعلة بهم؛ إذ قد كان أنذرهم وحذّرهم.
ومن قرأ: {ولا يخاف} بالواو، فيحتمل الوجهين اللذين ذكرنا، ويحتمل زائدًا أن يكون الفاعل بـ {يخاف} أشقاها المنبعث. قاله الزّجّاج، وأبو عليٍّ، وهو قول السّدّيّ والضّحّاك ومقاتلٍ، وتكون الواو واو الحال، كأنه تعالى قال: انبعث لعقرها وهو لا يخاف عقبى فعله؛ لكفره وطغيانه.
و(العقبى): جزاء الشيء وخاتمته، وما يجيء من الأمور بعقبه.
واختلف القرّاء في ألفات هذه السورة واللتين بعدها، ففتحها ابن كثيرٍ، وعاصمٌ، وابن عامرٍ، وقرأ الكسائيّ ذلك كلّه بالإضجاع، وقرأ نافعٌ الكلّ بين الفتح والإمالة، وقرأ حمزة: {وضحاها} مكسورةً، و{تلاها} و{طحاها} مفتوحتين، وكسر ما عدا ذلك، واختلف عن أبي عمرٍو؛ فمرّةً كسر الجميع، ومرّةً كقراءة نافعٍ، قال الزّجّاج: سمّى الناس الإمالة كسرًا، وليس بكسرٍ صحيحٍ. والخليل وأبو عمرٍو يقولان: إمالةٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 630-631]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:17 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كذّبت ثمود بطغواها * إذ انبعث أشقاها * فقال لهم رسول اللّه ناقة اللّه وسقياها * فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها * ولا يخاف عقباها}
يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذّبوا رسولهم بسبب ما كانوا عليه من الطّغيان والبغي. وقال محمد بن كعبٍ: {بطغواها} أي: بأجمعها. والأوّل أولى، قاله مجاهدٌ وقتادة وغيرهما. فأعقبهم ذلك تكذيباً في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم من الهدى واليقين). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 413-414]

تفسير قوله تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ انبعث أشقاها} أي: أشقى القبيلة، وهو قدار بن سالفٍ عاقر الناقة، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال تعالى: {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذرٌ}. وكان هذا الرجل عزيزاً فيهم، شريفاً في قومه، نسيباً رئيساً، مطاعاً، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نميرٍ، حدّثنا هشامٌ، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة، قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها، فقال: «{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجلٌ عارمٌ عزيزٌ منيعٌ في رهطه مثل أبي زمعة».
ورواه البخاريّ في التفسير، ومسلمٌ في صفة النار، والتّرمذيّ والنّسائيّ في التفسير من سننيهما، وكذا ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، عن هشام بن عروة به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا إبراهيم بن موسى، حدّثنا عيسى بن يونس، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثني يزيد بن محمد بن خثيمٍ، عن محمد بن كعبٍ القرظيّ، عن محمد بن خثيمٍ أبي يزيد، عن عمّار بن ياسرٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليٍّ: «ألا أحدّثك بأشقى النّاس؟» قال: بلى. قال: «رجلان: أحيمر ثمود الّذي عقر النّاقة، والّذي يضربك يا عليّ على هذا» يعني: قرنه «حتّى تبتلّ منه هذه» يعني: لحيته). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 414]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فقال لهم رسول الله} يعني: صالحاً عليه السلام، {ناقة الله} أي: احذروا ناقة الله أن تمسّوها بسوءٍ {وسقياها} أي: لا تعتدوا عليها في سقياها؛ فإنّ لها شرب يومٍ، ولكم شرب يومٍ معلومٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 414]

تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال الله تعالى: {فكذّبوه فعقروها} أي: كذّبوه فيما جاءهم به، فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آيةً لهم وحجّةً عليهم.
{فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم} أي: غضب عليهم فدمّر عليهم، {فسوّاها} أي: فجعل العقوبة نازلةً عليهم على السّواء.
قال قتادة: «بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، فلمّا اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسوّاها»). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 414]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولا يخاف عقباها} وقرئ: (فلا يخاف عقباها)
قال ابن عبّاسٍ: «لا يخاف الله من أحدٍ تبعةً». وكذا قال مجاهدٌ، والحسن، وبكر بن عبد الله المزنيّ وغيرهم.
وقال الضّحّاك والسّدّيّ: {ولا يخاف عقباها} أي: لم يخف الذي يعقرها عاقبة ما صنع. والقول الأوّل أولى؛ لدلالة السّياق عليه. والله أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 414-415]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة