تفسير قوله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسبّح للّه ما في السّموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
يقول تعالى ذكره: يسجد له ما في السّماوات السّبع وما في الأرض من خلقه ويعظّمه.
وقوله: {له الملك} يقول تعالى ذكره: له ملك السّموات والأرض وسلطانهما ماضٍ قضاؤه في ذلك نافذٌ فيه أمره.
وقوله: {وله الحمد} يقول: وله حمد كلّ ما فيها من خلقٍ، لأنّ جميع من في ذلك من الخلق لا يعرفون الخير إلاّ منه، وليس لهم رازقٌ سواه فله حمد جميعهم. {وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ} يقول: وهو على كلّ شيءٍ ذو قدرةٍ يقول: يخلق ما يشاء، ويميت من يشاء، ويغني من أراد، ويفقر من يشاء ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، لا يتعذّر عليه شيءٌ أراده، لأنّه ذو القدرة التّامّة الّتي لا يعجزه معها شيءٌ). [جامع البيان: 23/5]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1 - 6
أخرج ابن حبان في الضعفاء والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من مولود يولد إلا وإنه مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من فاتحة سورة التغابن). [الدر المنثور: 14/511] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول: يا رب أذكر أم أنثى فيقضي الله ما هو قاض فيقول أشقي أم سعيد فيكتب ما هو لاق وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله: {وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير}). [الدر المنثور: 14/511-512]
تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن سلمة، قال: أخبرنا ابن القاسم، قال: أخبرنا مالكٌ، عن فضيل بن أبي عبد الله، عن عبد الله بن نيارٍ، عن عروة، عن عائشة، قالت: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل بدرٍ، فلمّا كان بحرّة الوبرة أدركه رجلٌ قد كان يذكر منه جرأةٌ ونجدةٌ، ففرح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين رأوه، فلمّا أدركه، قال: يا محمّد، جئت لأتّبعك وأصيب معك؟، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتؤمن بالله ورسوله؟»، قال: لا، قال: «فارجع، فلن نستعين بمشركٍ»، ثمّ مضى، حتّى إذا كنّا بالشّجرة أدركه، فقال له كما قال أوّل مرّةٍ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قال أوّل مرّةٍ، قال: لا، قال: «فارجع فلن أستعين بمشركٍ»، فرجع، ثمّ أدركه بالبيداء، فقال له كما قال أوّل مرّةً، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «تؤمن بالله ورسوله؟»، قال: نعم، قال: «فانطلق»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/304]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ واللّه بما تعملون بصيرٌ}.
يقول تعالى ذكره: اللّه الّذي خلقكم أيّها النّاس، وهو من ذكر اسم اللّه {فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ} يقول: فمنكم كافرٌ بخالقه وأنّه خلقه؛ {ومنكم مؤمنٌ} يقول: ومنكم مصدّقٌ به موقنٌ أنّه خالقه أو بارئه. {واللّه بما تعملون بصيرٌ}. يقول: واللّه الّذي خلقكم بصيرٌ بأعمالكم عالمٌ بها، لا يخفى عليه منها شيءٌ، وهو مجازيكم بها، فاتّقوه أن تخالفوه في أمره أو نهيه، فيسطو بكم.
- حدّثنا محمّد بن منصورٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا حسن بن موسى الأشيب، قال: حدّثنا ابن لهيعة، قال: حدّثنا بكر بن سوادة، عن أبي تميمٍ الجيشانيّ، عن أبي ذرٍّ: إنّ المنيّ إذ مكث في الرّحم أربعين ليلةً، أتى ملك النّفوس، فعرج به إلى الجبّار في راحته، فقال: أي ربّ عبدك هذا ذكرٌ أم أنثى؟ فيقضي اللّه إليه ما هو قاضٍ، ثمّ يقول: أي ربّ أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيكتب ما هو لاقٍ. قال: وقرأ أبو ذرٍّ فاتحة التّغابن خمس آياتٍ). [جامع البيان: 23/5-6]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا الحسين بن الفضل البجليّ، قال: سمعت محمّد بن كناسة، يقول: سمعت سفيان الثّوريّ، وسئل عن قول اللّه عزّ وجلّ: {هو الّذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ} [التغابن: 2] فقال: حدّثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث كلّ عبدٍ على ما مات عليه» قد أخرج مسلمٌ حديث الأعمش ولم يخرّجه بهذه السّياقة). [المستدرك: 2/532]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العبد يولد مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت مؤمنا والعبد يولد كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا وإن العبد يعمل برهة من الزمان بالشقاوة ثم يدركه الموت بما كتب له فيموت شقيا وإن العبد يعمل برهة من دهره بالشقاوة ثم يدركه ما كتب له فيموت سعيدا). [الدر المنثور: 14/512]
تفسير قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {خلق السّموات والأرض بالحقّ وصوّركم فأحسن صوركم وإليه المصير}.
يقول تعالى ذكره: خلق السّموات السّبع والأرض بالعدل والإنصاف، {وصوّركم} يقول: ومثّلكم فأحسن مثلكم، وقيل: إنّه عنى بذلك تصويره آدم، وخلقه إيّاه بيده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {خلق السّموات والأرض بالحقّ وصوّركم فأحسن صوركم}. يعني: آدم خلقه بيده.
وقوله: {وإليه المصير} يقول: وإلى اللّه مرجع جميعكم أيّها النّاس). [جامع البيان: 23/6-7]
تفسير قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يعلم ما في السّموات والأرض ويعلم ما تسرّون وما تعلنون واللّه عليمٌ بذات الصّدور}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: يعلم ربّكم أيّها النّاس ما في السّموات السّبع والأرض من شيءٍ، لا يخفى عليه من ذلك خافيةٌ ويعلم ما تسرّون أيّها النّاس في أنفسكم من قولٍ وعملٍ وما تعلنون من ذلك فتظهرونه. {واللّه عليمٌ بذات الصّدور}. يقول جلّ ثناؤه: واللّه ذو علمٍ بضمائر صدور عباده، وما تنطوي عليه نفوسهم، الّذي هو أخفى من السّرّ، لا يعزب عنه شيءٌ من ذلك. يقول تعالى ذكره لعباده: احذروا أن تسرّوا غير الّذي تعلنون، أو تضمروا في أنفسكم غير ما تبدونه، فإنّ ربّكم لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ، وهو محصٍ جميعه، وحافظٌ عليكم كلّه). [جامع البيان: 23/7]