العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 01:12 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة المنافقون [ من الآية (5) إلى الآية (8) ]

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 01:14 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر قال قتادة فقال له قومه لو أتيت النبي فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه فنزلت فيه وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم الآية). [تفسير عبد الرزاق: 2/294]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم، ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون} «حرّكوا، استهزءوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويقرأ بالتّخفيف من لويت»). [صحيح البخاري: 6/153]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم إلى قوله مستكبرون)
حرّكوا استهزءوا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويقرأ بالتّخفيف من لويت
قوله باب قوله وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم إلى قوله مستكبرون كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره الآية كلّها في مرسل سعيد بن جبيرٍ وجاء عبد اللّه بن أبيٍّ فجعل يعتذر فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تب فجعل يلوي رأسه فنزلت قوله حرّكوا استهزءوا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويقرأ بالتّخفيف من لويت يعني لووا وهي قراءة نافعٍ وقرأ الباقون بالتّثقيل). [فتح الباري: 8/648]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون} (المنافقون: 5)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وإذا قيل لهم تعالوا} إلى آخر الآية في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: (وإذا قيل لهم تعالوا: يستغفر لكم رسول الله) إلى قوله: {وهم يستكبرون} قوله: (وإذا قيل لهم) ، أي: للمنافقين. قوله: (لووا رؤوسهم) أي: أمالوها وأعرضوا بوجوههم إظهارًا للكراهية. قرأ نافع: لووا رؤوسهم بتخفيف الواو والباقون بالتّشديد. قوله: (يصدون) أي: يعرضون عمّا دعوا إليه {هم مستكبرون} لا يستغفرون.
حرّكوا استهزؤا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم
هذا تفسير قوله: {لووا رؤوسهم} وهم: يستهزئون ويستكبرون ويعرضون عن الإجابة.
ويقرأ بالتّخفيف من لويت
أي: يقرأ قوله: {لووا} بتخفيف الواو وهي قراءة نافع كما ذكرناه الآن. قوله: (من لويت) يشير به أنه من باب لوى، معتل العين واللّام، ومعناه: أمال. يقال: لويت رأسي أي: أملتها). [عمدة القاري: 19/240]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون}
حرّكوا استهزءوا بالنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- ويقرأ بالتّخفيف من لويت
(باب قوله: {وإذا قيل}) ولأبي ذر: باب بالتنوين وإذا قيل ({لهم تعالوا}) معتذرين ({يستغفر لكم رسول الله}) عدّ هذه النحاة من الأعمال لأن تعالوا يطلب رسول الله مجرورًا بإلى أي تعالوا إلى رسول الله ويستغفر يطلبه فاعلًا فأعمل الثاني ولذلك رفعه وحذف من الأول إذ التقدير تعالوا إليه، ولو أعمل الأول لقيل: تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم فيضمر في يستغفر فاعل قاله في الدر ({لوّوا رؤوسهم}) بالتشديد للتكثير ونافع بالتخفيف مناسبًا لما جاء في القرآن من مستقبله نحو: يلوون ولا ينافي التكثير هذا جواب إذا ({ورأيتهم يصدون}) يعرضون عن الاستغفار ويصدون حال لأن الرؤية بصرية ({وهم مستكبرون}) [المنافقون: 5]. حال أيضًا وأتى بيصدون مضارعًا ليدل على التجدد والاستمرار وسقط ورأيتهم الخ لأبي ذر وقال بعد قوله: {رؤوسهم} إلى قوله: {وهم مستكبرون} (حركوا) هو تفسير قوله لوّوا رؤوسهم (استهزؤوا بالنبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- ويقرأ بالتخفيف) كما مرّ (من لويت) معتل العين واللام وسقط ويقرأ الخ لغير الكشميهني). [إرشاد الساري: 7/387]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه، قال حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة، قال: حدّثني عبد اللّه بن الفضل، أنّه سمع أنس بن مالكٍ، يقول: حزنت على من أصيب بالحرّة، فكتب إليّ زيد بن أرقم، وبلغه شدّة حزني، يذكر: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللّهمّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار» وشكّ ابن الفضل في: «أبناء أبناء الأنصار» ، فسأل أنسًا بعض من كان عنده، فقال: هو الّذي يقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «هذا الّذي أوفى اللّه له بأذنه»). [صحيح البخاري: 6/154]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه هو بن أبي أويسٍ قوله حدّثني عبد اللّه بن الفضل أي بن العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب الهاشميّ تابعيٌّ صغيرٌ مدنيٌّ ثقةٌ ما له في البخاريّ عن أنسٍ إلّا هذا الحديث وهو من أقران موسى بن عقبة الرّاوي عنه قوله حزنت على من أصيب بالحرّة هو بكسر الزّاي من الحزن زاد الإسماعيليّ من طريق محمّد بن فليحٍ عن موسى بن عقبة من قومي وكانت وقعة الحرّة في سنة ثلاثٍ وستّين وسببها أنّ أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من الفساد فأمّر الأنصار عليهم عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامرٍ وأمّر المهاجرون عليهم عبد اللّه بن مطيعٍ العدويّ وأرسل إليهم يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المرّيّ في جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة وقتلوا بن حنظلة وقتل من الأنصار شيءٌ كثيرٌ جدًّا وكان أنسٌ يومئذٍ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار فكتب إليه زيد بن أرقم وكان يومئذٍ بالكوفة يسلّيه ومحصّل ذلك أنّ الّذي يصير إلى مغفرة اللّه لا يشتدّ الحزن عليه فكان ذلك تعزية لأنس فيهم قوله وشك بن الفضل في أبناء أبناء الأنصار رواه النّضر بن أنسٍ عن زيد بن أرقم مرفوعًا اللّهمّ اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار أخرجه مسلمٌ من طريق قتادة عنه من غير شكٍّ وللتّرمذيّ من رواية عليّ بن زيدٍ عن النّضر بن أنسٍ عن زيد بن أرقم أنّه كتب إلى أنس بن مالكٍ يعزّيه فيمن أصيب من أهله وبني عمّه يوم الحرّة فكتب إليه إنّي أبشّرك ببشرى من اللّه إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول اللّهمّ اغفر للأنصار ولذراريّ الأنصار ولذراريّ ذراريّهم قوله فسأل أنسًا بعض من كان عنده هذا السّائل لم أعرف اسمه ويحتمل أن يكون النّضر بن أنسٍ فإنّه روى حديث الباب عن زيد بن أرقم كما ترى وزعم بن التّين أنّه وقع عند القابسيّ فسأل أنسٌ بعض بالنّصب وأنسٌ بالرّفع على أنّه الفاعل والأوّل هو الصّواب قال القابسيّ الصّواب أنّ المسئول أنسٌ قوله أوفى اللّه له بأذنه أي بسمعه وهو بضمّ الهمزة والذّال المعجمة ويجوز فتحهما أي أظهر صدقه فيما أعلم به والمعنى أوفى صدقه وقد تقدّم في الكلام على حديث جابرٍ أنّ في مرسل الحسن أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ بأذنه فقال وفّى اللّه بأذنك يا غلام كأنّه جعل أذنه ضامنةً بتصديق ما ذكرت أنّها سمعت فلمّا نزل القرآن بتصديقه صارت كأنّها وافيةٌ بضمانها تكميلٌ وقع في رواية الإسماعيليّ في آخر هذا الحديث من رواية محمّد بن فليحٍ عن موسى بن عقبة قال بن شهابٍ سمع زيد بن أرقم رجلًا من المنافقين يقول والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب لئن كان هذا صادقًا لنحن شرٌّ من الحمير فقال زيدٌ قد واللّه صدق ولأنت شرٌّ من الحمار ورفع ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فجحده القائل فأنزل اللّه على رسوله يحلفون باللّه ما قالوا الآية فكان ممّا أنزل اللّه في هذه الآية تصديقًا لزيدٍ انتهى وهذا مرسلٌ جيّدٌ وكأنّ البخاريّ حذفه لكونه على غير شرطه ولا مانع من نزول الآيتين في القصّتين في تصديق زيد). [فتح الباري: 8/651]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله. قال حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة. قال حدّثني عبد الله بن الفضل أنّه سمع أنس بن مالكٍ يقول حزنت على من أصيب بالحرّة فكتب إلى زيد بن أرقم وبلغه شدّة حزني يذكر أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللّهمّ اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وشكّ ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار فسأل أنسا بعض من كان عنده، فقال هو الّذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هاذا الّذي أو في الله له يا ذنه.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من آخر الحديث وهو قوله: هذا الّذي أوفى الله له بإذنه، وذلك أن زيد بن أرقم لما حكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قول عبد الله بن أبي بن سلول، قال له صلى الله عليه وسلم: لعلّه أخطأ سمعك. قال: لا، فلمّا نزلت الآية الّتي هي التّرجمة لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا من خلفه فعرك أذنه فقال: وقت أذنك يا غلام، وهو معنى قوله: هذا الّذي أوفى الله له بإذنه بضم الهمزة، أي صدق الله له بإذنه. أي: يسمعه، وكأنّه جعل أذنه كالضامنة بتصديق ما سمعت، فلمّا نزل القرآن به صارت كأنّها واقية بضمانها.
وهذا الحديث من أفراده، وذكره المزي في (الأطراف) في ترجمة أنس بن مالك عن زيد بن أرقم. قوله: (حدثنا إسماعيل بن عبد الله) ، هو ابن أبي أويس المدني ابن أخت الإمام مالك بن أنس، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة بضم المهملة وسكون القاف ابن أخي موسى بن عقبة يروي عن عمه موسى بن عقبة بن أبي عيّاش، بتشديد الياء آخر الحروف الأسدي المدينيّ، وعبد الله بن الفضل بن العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من التّابعين الصغار الثّقات، وماله من البخاريّ عن أنس إلاّ هذا الحديث، وهو من أقران موسى بن عقبة الرّاوي عنه. قوله: (حزنت) ، بكسر الزّاي من الحزن. قوله: (على من أصيب بالحرّة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الرّاء وهي أرض بظاهر المدينة فيها حجارة سود كثيرة كانت بها وقعة في سنة ثلاث وستّين، وسببها أن أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يعتمده من الفساد، فأمر الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر وأمر المهاجرون عليهم عبد الله بن مطيع العدوي، وأرسل إليهم يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزي في جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة. وقتل من الأنصار خلق كثير جدا. وكان أنس يومئذٍ بالبصرة قبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار، فكتب إليه زيد بن أرقم، وكان يومئذٍ بالكوفة وهو معنى قول أنس: فكتب إليّ، بتشديد الياء زيد بن أرقم الحديث الّذي ذكره، وهو قوله: اللّهمّ أغفر للأنصار الحديث، وعزى أنسا بذلك. قوله: (وبلغه شدّة حزني) ، جملة حالية أي: والحال أنه قد بلغ زيد بن أرقم شدّة حزني القائل بذلك أنس. قوله: (يذكر) ، أيضا حال. أي: حال كون كتابته يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وشك ابن الفضل) أي: شكّ عبد الله بن الفضل: هل ذكر أبناء الأبناء أم لا، وفي رواية مسلم من طريق قتادة: اللّهمّ اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، من غير شكّ، وفي رواية التّرمذيّ من رواية عليّ بن زيد عن النّضر بن أنس عن زيد بن أرقم أنه كتب إلى أنس بن مالك يعزيه فيمن أصيب من أهله وبني عمه يوم الحرّة فكتب إليه إنّي أبشّرك ببشرى من الله إنّي سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللّهمّ اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم قوله: (فسأل أنسا بعض من كان عنده) لم يعرف هذا السّائل من هو، وقيل: يحتمل أن يكون النّضر بن أنس فإنّه روى حديث الباب عن زيد بن أرقم. قلت: هذا احتمال بالتخمين فلا يفيد شيئا على أن عند أنس كانت جماعة حينئذٍ، وزعم ابن التّين أنه وقع عند القابسيّ، فسأل أنس بعض من عنده: برفع أنس على الفاعلية، ونصب بعض على المفعولية، والأول هو الصّواب. قوله: (هو الّذي) أي: زيد بن أرقم هو الّذي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه هذا الّذي أوفى الله له بأذنه، وقد مر تفسيره الآن، وقيل: يجوز فتح الهمزة والذال من أذنه أي: أظهر صدقه فيما أعلم به، ومعنى: أوفى صدق). [عمدة القاري: 19/241-242]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه، قال: حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة، قال: حدّثني عبد اللّه بن الفضل أنّه سمع أنس بن مالكٍ يقول: حزنت على من أصيب بالحرّة، فكتب إليّ زيد بن أرقم، وبلغه شدّة حزني يذكر أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «اللّهمّ اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار»، وشكّ ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار فسأل أنسًا بعض من كان عنده فقال: هو الّذي يقول رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «هذا الّذي أوفى اللّه له بأذنه».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ابن أخت إمام الأئمة مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن) عنه (موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: حزنت) بكسر الزاي (على من أصيب) بالقتل (بالحرة) بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين عند الوقعة بها سنة ثلاث وستين لما خلع أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية فأرسل يزيد جيشًا كثيرًا فاستباحوا المدينة وقتل من الأنصار خلق كثير جدًّا وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار. قال أنس: (فكتب إليّ زيد بن أرقم و) الحال أنه (بلغه شدّة حزني) على من أصيب من الأنصار (يذكر أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول):
(اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وشك ابن الفضل) عبد الله (في أبناء أبناء الأنصار)
هل ذكرهم أم لا وهو ثابت عند مسلم من غير شك (فسأل أنسًا بعض من كان عنده) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف السائل ويحتمل أن يكون النضر بن أنس فإنه روى حديث الباب عن زيد بن أرقم (فقال هو) أي زيد بن أرقم (الذي يقول رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) فيه (هذا الذي أوفى الله) أي صدق (له بإذنه)؟.
قال الكرماني: كأنه جعل إذنه في السماع كالضامنة بتصديق ما سمعت فلما نزل القرآن به صارت كأنها وافية بضمانها وزاد في النهاية خارجة عن التهمة فيما أدّته إلى اللسان في مرسل الحسن أنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أخذ بإذنه فقال وفي الله بإذنك يا غلام وإن عليه الصلاة والسلام لما حلف له ابن أبي قال لابن أرقم لعله أخطأ سمعك، وللكشميهني بأذنه بفتح الهمزة والذال أي أظهر صدقه فيما أخبر.
وهذا الحديث من أفراد البخاري). [إرشاد الساري: 7/388-389]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون}.
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: تعالوا إلى رسول اللّه يستغفر لكم {لوّوا رءوسهم}. يقول: حرّكوها وهزّوها استهزاءً برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وباستغفاره؛ وبتشديدها الواو من {لوّوا} قرأت القرّاء على وجه الخبر عنهم أنّهم كرّروا هزّ رءوسهم وتحريكها، وأكثروا، إلاّ نافعًا فإنّه قرأ ذلك بتخفيف الواو: (لووا) على وجه أنّهم فعلوا ذلك مرّةً واحدةً.
والصّواب من القول في ذلك قراءة من شدّد الواو لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.
وقوله: {ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون}. يقول تعالى ذكره: ورأيتهم يعرضون عمّا دعوا إليه وجوههم {وهم مستكبرون} يقول: وهم مستكبرون عن المصير إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليستغفر لهم.
وإنّما عني بهذه الآيات كلّها فيما ذكر عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول، وذلك أنّه قال لأصحابه: {لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا}. وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}. فسمع بذلك زيد بن أرقم، فأخبر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأله عمّا أخبر به عنه، فحلف أنّه ما قاله، وقيل له: لو أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألته أن يستغفر لك، فجعل يلوي رأسه ويحرّكه استهزاءً، ويعني ذلك أنّه غير فاعلٍ ما أشاروا به عليه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه هذه السّورة من أوّلها إلى آخرها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل وجاءت الأخبار.
ذكر الرّواية الّتي جاءت بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: خرجت مع عمّي في غزاةٍ، فسمعت عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ؛ قال: فذكرت ذلك لعمّي، فذكره عمّي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليّ، فحدّثته، فأرسل إلى عبد اللّه عليًّا رضي اللّه عنه وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، قال: فكذّبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قطّ؛ فدخلت البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومقتك، قال: حتّى أنزل اللّه عزّ وجلّ {إذا جاءك المنافقون} قال: فبعث إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقرأها، ثمّ قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد صدّقك يا زيد.
- حدّثنا أبو كريبٍ والقاسم بن بشر بن معروفٍ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال الحكم: أخبرني قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: سمعت زيد بن أرقم، قال: لمّا قال عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول ما قال: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة قال: سمعته فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت ذلك، فلامني ناسٌ من الأنصار، قال: وجاء هو، فحلف ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت قال: فأتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو بلغني، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى قد صدّقك وعذرك. قال: فنزلت الآية {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه} الآية.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هاشمٌ أبو النّضر، عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: سمعت زيد بن أرقم يحدّث بهذا الحديث.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن زيد بن أرقم، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوةٍ، فقال عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ قال: فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، فحلف عبد اللّه بن أبيٍّ إنّه لم يكن شيءٌ من ذلك، قال: فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا، قال: فانطلقت فنمت كئيبًا أو حزينًا، قال: فأرسل إليّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أو أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إنّ اللّه قد أنزل عذرك وصدّقك قال: ونزلت هذه الآية: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} حتّى بلغ {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، قال: أخبرني ابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: سمعها زيد بن أرقم، فرفعها إلى وليّه، قال: فرفعها وليّه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فقيل لزيدٍ: وفت أذنك.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني بشير بن مسلمٍ أنّه قيل لعبد اللّه بن أبيّ ابن سلول: يا أبا حبابٍ، إنّه قد أنزل فيك آيٌ شدادٌ، فاذهب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستغفر لك، فلوى رأسه وقال: أمرتموني أن أومن فآمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت، فما بقي إلاّ أن أسجد لمحمّدٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا} الآية كلّها قرأها إلى {الفاسقين} أنزلت في عبد اللّه بن أبيٍّ، وذلك أنّ غلامًا من قرابته انطلق إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحدّثه بحديثٍ عنه وأمرٍ شديدٍ، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو يحلف ويتبرّأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام، فلاموه وعذلوه وقيل لعبد اللّه: لو أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعل يلوي رأسه: أي لست فاعلاً، وكذب عليّ، فأنزل اللّه ما تسمعون.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم} قال: عبد اللّه بن أبيٍّ، قيل له: تعال ليستغفر لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلوى رأسه، وقال: ماذا قلت؟.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قال: قال له قومه: لو أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت فيه {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه}). [جامع البيان: 22/654-658]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لووا رؤوسهم يعني عبد الله بن أبي بن سلول قيل له تعال يستغفر لك رسول الله فلوى رأسه وقال ماذا قلت). [تفسير مجاهد: 2/677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 5 – 8
أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلا في السفر لم يرتحل منه حتى يصلي فيه فلما كان غزوة تبوك نزل منزلا فقال عبد الله بن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتحل ولم يصل فذكروا ذلك فذكر قصة ابن أبي ونزل القرآن {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله} وجاء عبد الله بن أبي إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل يعتذر ويحلف ما قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: تب فجعل يلوي رأسه فأنزل الله عز وجل {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم} الآية). [الدر المنثور: 14/496-497]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم} قال: عبد الله بن أبي بن سلول قيل له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلوى رأسه وقال: ماذا قلت). [الدر المنثور: 14/497]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم} قال: حركوها استهزاء). [الدر المنثور: 14/497]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: نزلت في عبد الله بن أبي وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحديث وتكذيب شديد فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذلوه وقيل لعبد الله رضي الله عنه: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه ويقول: لست فاعلا وكذب علي فأنزل الله ما تسمعون). [الدر المنثور: 14/497]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر من طريق الحكم عن عكرمة أن عبد الله بن أبي بن سلول كان له ابن يقال له حباب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله فقال يا رسول الله: إن والدي يؤذي الله ورسوله فذرني حتى أقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتل أباك ثم جاءه أيضا فقال له: يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله فذرني حتى أقتله فقال له رسو ل الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتل أباك ثم جاءه أيضا فقال: يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله فذرني أقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتل أباك فقال: يا رسول الله فذرني حتى أسقيه من وضوئك لعل قلبه يلين فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه فذهب به إلى أبيه فسقاه ثم قال له: هل تدري ما سقيتك قال له والده: سقيتني بول أمك فقال له ابنه: والله ولكن سقيتك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عكرمة: وكان عبد الله بن أبي عظيم الشأن وفيه أنزلت هذه الآية في المنافقين هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وهو الذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال الحكم: ثم حدثني بشر بن مسلم أنه قيل له: يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أومن فقد آمنت وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد). [الدر المنثور: 14/498-499]

تفسير قوله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين} [المنافقون: 6] ). [صحيح البخاري: 6/153-154]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله سواء عليهم أستغفرت لهم الآية)
كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره الآية وأخرج الطّبريّ من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ قال أنزلت هذه الآية بعد الّتي في التّوبة استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم). [فتح الباري: 8/649]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إنّ الله لا يهدي القوم الفاسقين} (المنافقون: 6)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {سواء عليهم} إلى آخر الآية، كذا للأكثرين، وفي رواية أبي ذر {سواء عليهم استغفرت لهم} الآية أي: سواء عليهم الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون إليه ولا يعتدون به لأن الله لا يغفر لهم). [عمدة القاري: 19/240]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين}
هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({سواء عليهم أستغفرت لهم}) يا محمد وهمزة أستغفرت مفتوحة من غير مدّ في قراءة الجمهور وهي همزة التسوية التي أصلها للاستفهام ({أم لم تستغفر لهم لمن يغفر الله لهم}) لرسوخهم في الكفر ({إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}) [المنافقون: 6].
وسقط لأبي ذر: أم لم تستغفر لهم الخ وقال بعد قوله: أستغفرت لهم الآية، وسقط لغيره لفظ باب). [إرشاد الساري: 7/387]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: سواءٌ يا محمّد على هؤلاء المنافقين الّذين قيل لهم: {تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه} أستغفرت لهم ذنوبهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم يقول: لن يصفح اللّه لهم عن ذنوبهم، بل يعاقبهم عليها {إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين} يقول: إنّ اللّه لا يوفّق للإيمان القوم الكاذبين عليه، الكافرين به، الخارجين عن طاعته.
- وقد: حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم}. قال: نزلت هذه الآية بعد الآية الّتي في سورة التّوبة {إن تستغفر لهم سبعين مرّةٍ فلن يغفر اللّه لهم}. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سوف أستغفر لهم زيادةٌ على سبعين مرّةٍ فأنزل اللّه: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم}). [جامع البيان: 22/658-659]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال: كان لعبد الله بن أبي مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفا له في نفسه وفي قومه فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال: أيها الناس هذا رسو ل الله بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وصنع المنافق ما صنع في أحد فقام يفعل كما كان يفعل فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس يا عدو الله لست لهذا المقام بأهل، قد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأني قلت هجرا أن قمت أسدد أمره فقال له رجل: ويحك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المنافق: والله لا أبغي أن يستغفر لي). [الدر المنثور: 14/499]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما نزلت آية براءة {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم}) (سورة التوبة الآية 80) قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اسمع ربي (قدر خص) قد رخص لي فيهم فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم فنزلت {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم}). [الدر المنثور: 14/499-500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عروة قال: لما نزلت (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) (سورة التوبة 84) قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لأزيدن على السبعين فأنزل الله {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} الآية). [الدر المنثور: 14/500]

تفسير قوله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله أن عبد الله بن أبي قال لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله فإنكم إن لم تنفقوا عليهم قد انفضوا). [تفسير عبد الرزاق: 2/293]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال اقتتل رجلان أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر عليه الغفاري فقال رجل منهم عظيم النفاق عليكم صاحبكم عليكم حليفكم فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال وهم في سفر حينئذ فجاء رجل من بعض من سمعه إلى النبي فأخبره بذلك فقال عمر مر معاذا أن يضرب عنقه فقال النبي له لا والله لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه فنزلت فيه هم الذين يقولون لا تنفقوا الآية). [تفسير عبد الرزاق: 2/293]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: كنت في غزاةٍ فسمعت عبد اللّه بن أبيٍّ، يقول: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي أو لعمر، فذكره للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد اللّه بن أبيٍّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذّبني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قطّ، فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ومقتك؟ فأنزل اللّه تعالى: {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] فبعث إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ فقال: «إنّ اللّه قد صدّقك يا زيد»). [صحيح البخاري: 6/152] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله عن أبي إسحاق هو السّبيعيّ ولإسرائيل فيه إسنادٌ آخر أخرجه التّرمذيّ والحاكم من طريقه عن السّدّيّ عن أبي سعدٍ الأزديّ عن زيد بن أرقم قوله عن زيد بن أرقم سيأتي بعد بابين من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تصريحه بسماعه له من زيدٍ قوله كنت في غزاةٍ زاد بعد بابٍ من وجهٍ آخر عن إسرائيل مع عمّي وهذه الغزاة وقع في رواية محمّد بن كعبٍ عن زيد بن أرقم عند النّسائيّ أنّها غزوة تبوك ويؤيّده قوله في رواية زهيرٍ المذكورة في سفرٍ أصاب النّاس فيه شدّةٌ وأخرج عبد بن حميدٍ بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن جبيرٍ مرسلًا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا نزل منزلًا لم يرتحل منه حتّى يصلّي فيه فلمّا كان غزوة تبوك نزل منزلًا فقال عبد اللّه بن أبيٍّ فذكر القصّة والّذي عليه أهل المغازي أنّها غزوة بني المصطلق وسيأتي قريبًا في حديث جابرٍ ما يؤيّده وعند بن عائذٍ وأخرجه الحاكم في الإكليل من طريقه ثمّ من طريق أبي الأسود عن عروة أنّ القول الآتي ذكره صدر من عبد اللّه بن أبيٍّ بعد أن قفلوا قوله فسمعت عبد الله بن أبي هو بن سلولٍ رأس النّفاق وقد تقدّم خبره في تفسير براءةٌ قوله يقول لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله هو كلام عبد اللّه بن أبيٍّ ولم يقصد الرّاوي بسياقه التّلاوة وغلط بعض الشّرّاح فقال هذا وقع في قراءة بن مسعودٍ وليس في المصاحف المتّفق عليها فيكون على سبيل البيان من بن مسعودٍ قلت ولا يلزم من كون عبد اللّه بن أبيٍّ قالها قبل أن ينزل القرآن بحكاية جميع كلامه قوله ولئن رجعنا كذا للأكثر وللكشميهنيّ ولو رجعنا والأوّل أولى وبعد الواو محذوفٌ تقديره سمعته يقول ووقع في الباب الّذي بعده وقال لئن رجعنا وهو يؤيّد ما قلته وفي رواية محمّد بن كعبٍ عن زيدٍ بعد باب وقال أيضًا لئن رجعنا وسيأتي في حديث جابرٍ سبب قول عبد اللّه بن أبيٍّ ذلك قوله فذكرت ذلك لعمّي أو لعمر كذا بالشّكّ وفي سائر الرّوايات الآتية لعمّي بلا شكٍّ وكذا عند التّرمذيّ من طريق أبي سعدٍ الأزديّ عن زيدٍ ووقع عند الطّبرانيّ وبن مردويه أنّ المراد بعمّه سعد بن عبادة وليس عمّه حقيقةً وإنّما هو سيّد قومه الخزرج وعمّ زيد بن أرقم الحقيقيّ ثابت بن قيسٍ له صحبةٌ وعمّه زوج أمّه عبد اللّه بن رواحة خزرجيٌّ أيضًا ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة أنّ مثل ذلك وقع لأوس بن أرقم فذكره لعمر بن الخطّاب سبب الشّكّ في ذكر عمر وجزم الحاكم في الإكليل أنّ هذه الرّواية وهمٌ والصّواب زيد بن أرقم قلت ولا يمتنع تعدّد المخبر بذلك عن عبد اللّه بن أبيٍّ إلّا أنّ القصّة مشهورةٌ لزيد بن أرقم وسيأتي من حديث أنسٍ قريبًا ما يشهد لذلك قوله فذكره للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أي ذكره عمّي وكذا في الرّواية الّتي بعد هذه ووقع في رواية بن أبي ليلى عن زيدٍ فأخبرت به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكذا في مرسل قتادة فكأنّه أطلق الإخبار مجازًا لكن في مرسل الحسن عن عبد الرّزّاق فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعلّك أخطأ سمعك لعلّك شبّه عليك فعلى هذا لعلّه راسل بذلك أوّلًا على لسان عمّه ثمّ حضر هو فأخبر قوله فحلفوا ما قالوا في رواية زهيرٍ فأجهد يمينه والمراد به عبد اللّه بن أبيٍّ وجمع باعتبار من معه ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة فبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عبد اللّه بن أبيٍّ فسأله فحلف باللّه ما قال من ذلك شيئًا قوله فكذّبني بالتّشديد في رواية زهيرٍ فقالوا كذب زيدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهذا بالتّخفيف ورسول اللّه بالنّصب على المفعوليّة وقد تقدّم تحقيقه في الكلام على حديث أبي سفيان في قصّة هرقل وفي رواية بن أبي ليلى عن زيدٍ عند النّسائيّ فجعل النّاس يقولون أتى زيدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالكذب قوله وصدّقه وفي الرّواية الّتي بعدها فصدّقهم وقد مضى توجيهها قوله فأصابني همٌّ في رواية زهيرٍ فوقع في نفسي شدّةٌ وفي رواية أبي سعدٍ الأزديّ عن زيدٍ فوقع عليّ من الهمّ ما لم يقع على أحدٍ وفي رواية محمّد بن كعبٍ فرجعت إلى المنزل فنمت زاد التّرمذيّ في روايته فنمت كئيبًا حزينًا وفي رواية بن أبي ليلى حتّى جلست في البيت مخافة إذا رآني النّاس أن يقولوا كذبت قوله فقال لي عمّي ما أردت إلى أن كذّبك كذا للأكثر وذكر أبو عليٍّ الجيّانيّ أنّه وقع في رواية الأصيليّ عن الجرجانيّ فقال لي عمر قال الجيّانيّ والصّواب عمّي كما عند الجماعة انتهى وقد ذكرت قبل ذلك ما يقتضي احتمال ذلك قوله ومقتك في روايةٍ لمحمّد بن كعبٍ فلامني الأنصار وعند النّسائيّ من طريقه ولامني قومي قوله فأنزل اللّه في رواية محمّد بن كعبٍ فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي بالوحي وفي رواية زهيرٍ حتّى أنزل اللّه وفي رواية أبي الأسود عن عروة فبينما هم يسيرون أبصروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوحى إليه فنزلت وفي رواية أبي سعدٍ قال فبينما أنا أسير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد خفقت برأسي من الهمّ أتاني فعرك بإذني وضحك في وجهي فلحقني أبو بكرٍ فسألني فقلت له فقال أبشر ثمّ لحقني عمر مثل ذلك فلمّا أصبحنا قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة المنافقين قوله إذا جاءك المنافقون زاد آدم إلى قوله هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه إلى قوله ليخرجن الأعز منها الأذل وهو يبيّن أنّ رواية محمّد بن كعبٍ مختصرةٌ حيث اقتصر فيها على قوله ونزل هم الّذين يقولون لا تنفقوا الآية لكن وقع عند النّسائيّ من طريقه فنزلت هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضوا حتّى بلغ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل قوله إنّ اللّه قد صدّقك يا زيد وفي مرسل الحسن فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأذن الغلام فقال وفت أذنك يا غلام مرّتين زاد زهيرٌ في روايته فدعاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليستغفر لهم وسيأتي شرحه بعد ثلاثة أبوابٍ وفي الحديث من الفوائد ترك مؤاخذة كبراء القوم بالهفوات لئلّا ينفر أتباعهم والاقتصار على معاتباتهم وقبول أعذارهم وتصديق أيمانهم وإن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك لما في ذلك من التّأنيس والتّأليف وفيه جواز تبليغ ما لا يجوز للمقول فيه ولا يعدّ نميمةً مذمومةً إلّا إن قصد بذلك الإفساد المطلق وأمّا إذا كانت فيه مصلحةٌ ترجّح على المفسدة فلا). [فتح الباري: 8/644-646] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا عبد الله بن رجاءٍ حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيدٍ بن أرقم قال كنت في غزاةٍ فسمعت عبد الله بن أبيٍّ يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينقضّوا من حوله ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فذكرت ذالك لعمّي أو لعمر فذكره للنبيّ صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدّثته فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبيٍّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذّبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّقه فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قطّ فجلست في البيت فقال لي عمّي ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك فأنزل الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون} فبعث إليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ فقال إنّ الله قد صدّقك يا زيد..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. لأنّه يبين سبب نزولها. وإسرائيل هو ابن يونس يروي عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
والحديث أخرجه البخاريّ أيضا عن آدم وعبيد الله بن موسى فهم ثلاثتهم عن إسرائيل وعن عمرو بن خالد وأخرجه مسلم في التّوبة عن أبي بكر بن أبي شيبة. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن عبد بن حميد وأخرجه النّسائيّ فيه عن أبي داود الحراني.
قوله: (في غزاة) ، هي غزوة تبوك على ما وقع في رواية النّسائيّ، والّذي عليه أهل المغازي أنّها غزوة بني المصطلق، وذكر أبو الفرج أنّها المريسيع سنة خمس، وقيل: ستّ وقال موسى: سنة أربع. قوله: (عبد الله بن أبي) ، ابن سلول رأس المنافقين والابن الثّاني صفة لعبد الله فهو بالنّصب وسلول غير منصرف لأنّه اسم أم عبد الله فهو منسوب إلى الأبوين. قوله: (يقول لا تنفقوا) ، إلى قوله: (الأذل) هو كلام عبد الله بن أبي ولم يقصد الرّاوي به التّلاوة، وقال بعضهم: وغلط بعض الشّرّاح فقال. هذا واقع في قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. قلت: أراد به صاحب (التّلويح) ولكنه لم يقل هكذا وإنّما قال. قوله: حتّى ينفضوا من حوله، بكسر الميم وجر اللّام، وكذا هو في السّبعة. قال النّوويّ: وقرىء في الشاذ من حوله، بالفتح هذا الّذي ذكره صاحب (التّلويح) نعم قوله: كذا هو في السّبعة، فيه نظر. قوله: (ولئن رجعنا) ، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني، ولو رجعنا. قوله: (لعمّي أو لعمر) ، كذا بالشّكّ، وفي سائر الرّوايات الّتي تأتي: لعمى، بلا شكّ وكذا عند التّرمذيّ من طريق أبي سعيد الأزديّ عن زيد، ووقع عند الطّبرانيّ وابن مردويه: أن المراد بعمّه سعد بن عبادة وليس عمه حقيقة، وإنّما هو سيد قومه الخزرج، وعم زيد بن أرقم الحقيقيّ ثابت بن قيس له صحبة وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة خزرجي أيضا وفي كلام الكرماني أنه عبد الله بن رواحة وهو عمه المجازي لأنّه كان في حجره وأنهما من أولاد كعب الخزرجي، وقال الغساني: الصّواب عمي لا عمر، على ما رواه الجماعة. قوله: فذكره للنّبي صلى الله عليه وسلم أي: فذكره عمي ووقع في رواية ابن أبي ليلى عن زيد، فأخبرت به النّبي صلى الله عليه وسلم، وكذا وقع في مرسل قتادة، والتوفيق بينهما أنه يحمل على أنه أرسل أولا ثمّ أخبر به بنفسه. قوله: (فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالتّشديد. قوله: (وصدقه) أي: وصدق عبد الله بن أبي. قوله: (فأصابني هم لم يصبني مثله قطّ) يعني: في الزّمن الماضي، ووقع في رواية زهير: فوقع في نفسه شدّة، ووقع في رواية أبي سعد الأزديّ عن زيد. فوقع على من الهم ما لم يقع على أحد، وفي رواية محمّد بن كعب فرجعت إلى المنزل فنمت، زاد التّرمذيّ رواية: فنمت كئيبا حزينًا. وفي رواية ابن أبي ليلى: حتّى جلست في البيت مخافة إذ رآني النّاس أن يقولوا: كذبت. قوله: (ما أردت إلى أن كذبك) بالتّشديد، أي: ما قصدت منتهيا إليه. أي: ما حملك عليه قوله: (ومقاك) من مقته مقتا إذا أبغضه بغضا. وفي رواية محمّد بن كعب: فلامني الأنصار، وعند النّسائيّ من طريقه ولامني قومي. قوله: (فأنزل الله) وفي رواية محمّد ابن كعب، فإنّي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: الوحي، وفي رواية زهير: حتّى أنزل الله تعالى، وفي رواية أبي الأسود عن عروة فبينما هم يسيرون أبصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فنزلت، وفي رواية أبي سعد عن زيد قال: فبينما إنّا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خفقت برأسي من الهم أتاني فعرك أذني فضحك في وجهي فلحقني أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فسألني فقلت له: أبشر ثمّ لحقني عمر رضي اللهغنه ذلك. فلمّا أصبحنا قرأ رسول صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين، قوله: {إذا جاءك المنافقون} زاد آدم بن أبي إياس إلى قوله: هم الّذين يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى قوله: ليخرجن الأعز منها الأذل). [عمدة القاري: 19/236-237] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم، قال: كنت في غزاةٍ فسمعت عبد اللّه بن أبيٍّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله، ولو رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فذكرت ذلك لعمّي أو لعمر، فذكره للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فدعاني فحدّثته، فأرسل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى عبد اللّه بن أبيٍّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا فكذّبني رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وصدّقه فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قطّ فجلست في البيت، فقال لي عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ومقتك فأنزل اللّه تعالى: {إذا جاءك المنافقون} فبعث إليّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقرأ فقال: «إنّ اللّه قد صدّقك يا زيد». [الحديث 4900 - أطرافه في: 4901، 4902، 4903، 4904].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين المعجمة والدال المهملة المخففة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن زيد بن أرقم) أنه (قال: كنت في غزاة) هي غزوة تبوك كما عند النسائي وعند أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق ورجحه ابن كثير بأن عبد الله بن أبي لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش لكن أيد في الفتح القول بأنها غزوة تبوك بقوله في رواية زهير الآتية إن شاء الله تعالى في سفر أصاب الناس فيه شدة (فسمعت عبد الله بن أبيّ) هو ابن سلول رأس النفاق (يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله) من المهاجرين (حتى ينفضوا) يتفرقوا (من حوله) وسمعته يقول (ولو) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولئن (رجعنا من عنده) ولأبي ذر إلى المدينة من عنده (ليخرجن الأعز) يريد نفسه (منها الأذل) يريد الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه قال زيد بن أرقم: (فذكرت ذلك) الذي قاله عبد الله بن أبي (لعمي) هو سعد بن عبادة كما عند الطبراني وابن مردويه وليس هو عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج (أو لعمر) بن الخطاب بالشك، وعند الترمذي كسائر الروايات الآتية عمي بدون شك (فذكره النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فدعاني) عليه الصلاة والسلام (فحدّثته) بذلك (فأرسل رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى عبد الله بن أبي وأصحابه) فسألهم عن ذلك (فحلفوا ما قالوا) ذلك (فكذبني رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) بتشديد الذال المعجمة (وصدقه) بتشديد المهملة أي صدق عبد الله بن أبي (فأصابني همّ لم يصبني مثله قط) في الزمن الماضي (فجلست في البيت فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) بتشديد المعجمة في الفرع وقف تنكز ما أردت إلا بتشديد اللام وفي فرع غيره كثير إلى الجارة وهو الذي في اليونينية (ومقتك) وعند النسائي: ولامني قومي (فأنزل الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون}) وعند النسائي فنزلت: {الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} حتى بلغ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 7، 8] (فبعث إليّ النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقرأ) ما أنزل الله عليه من ذلك (فقال: إن الله قد صدقك يا زيد).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والترمذي في التفسير وكذا النسائي). [إرشاد الساري: 7/384-385] (م)
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (فكذبني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصدقه الخ) فإن قلت: كيف يكذب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم المؤمن، ويصدق المنافق في مثل هذا مع أن المنافقين دأبهم الكذب في مثله، والمؤمنون من الصحابة ما كان دأبهم الكذب بل دأبهم الصدق سيما في حضرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
فالجواب يحتمل أنه ما علم حالهم قبل، وإنما أطلعه الله تعالى على حالهم أولاً بهذه السورة، وهذا ظاهر قوله تعالى. قالوا: نشهد إنك لرسول الله الخ. وقوله: وأن يقولوا تسمع لقولهم، وقوله تعالى: {هم العدوّ فاحذرهم}، والله تعالى أعلم. ويحتمل أنه صدقهم، وكذب هذا ظاهراً بمعنى أنه رد خبره لوحدته، وترك عقوبتهم، فصار كأنه صدقهم، وكذبه والله تعالى أعلم.
وقوله: ما أردت إلى أن كذبك فمعناه أيّ شيء أردت بما خضت فيه إلى أن كذبك فإلى الجارة متعلقة بمحذوف، وهو خضت غاية له، والله تعالى أعلم اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3/74] (م)

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم رضي اللّه عنه، قال: كنت مع عمّي، فسمعت عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا، وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي، فذكر عمّي لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد اللّه بن أبيٍّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدّقهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وكذّبني، فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قطّ، فجلست في بيتي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] إلى قوله {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه} [المنافقون: 7] إلى قوله {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8] فأرسل إليّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقرأها عليّ، ثمّ قال: «إنّ اللّه قد صدّقك»). [صحيح البخاري: 6/152]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيدٍ بن أرقم رضي الله عنه قال كنت مع عمّي فسمعت عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى ينفضّوا وقال أيضا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فذكرت ذالك نعمّي فذكر عمّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبيٍّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدّقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذّبني فأصابني هم لم يصبني مثله قطٌّ فجلست في بيتي فأنزل الله عزّ وجلّ: {إذا جاءك المنافقون} (المنافقون: 1) إلى قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله} (المنافقون: 7) إلى قوله: {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} (المنافقون: 8) فأرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليّ ثمّ قال إنّ الله قد صدقك.
هذا طريق آخر في حديث زيد بن أرقم المذكور في الباب الّذي قبله، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي يروى عن جده أبي إسحاق، ومر الكلام فيه عن قريب). [عمدة القاري: 19/238]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: كنت مع عمّي، فسمعت عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا. وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي، فذكر عمّي لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأرسل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى عبد اللّه بن أبيٍّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا: فصدّقهم رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكذّبني، فأصابني همٌّ لم يصبني مثله فجلست في بيتي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {إذا جاءك المنافقون} -إلى قوله- {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه} -إلى قوله- {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 7، 8] فأرسل إليّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقرأها عليّ ثمّ قال: «إنّ اللّه قد صدّقك».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه-) أنه قال: (كنت مع عمي) سعد بن عبادة أو عبد الله بن رواحة لأنه كان في حجره قاله الكرماني (فسمعت عبد الله بن أبي) بالتنوين (ابن سلول) بنصب ابن صفة لعبد الله وسلول اسم أمه غير منصرف والألف ثابتة في ابن (يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) من حوله (وقال) عبد الله بن أبي (أيضًا: لئن رجعنا) وسقط لفظ أيضًا لأبي ذر (إلى المدينة ليخرجن الأعز منها) أي من المدينة (الأذل، فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي) ذلك (لرسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأرسل رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا) لما حضروا وذكر لهم ذلك أنهم (ما قالوا) ذلك (فصدقهم رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكذّبني فأصابني همّ لم يصبني مثله) وزاد الكشميهني قط (فجلست في بيني) كئيبًا حزينًا (فأنزل الله عز وجل: {إذا جاءك المنافقون} -إلى قوله:- {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله} -إلى قوله:- {ليخرجن الأعز منها الأذل}). وقرأ الحسن: لنخرجن بالنون ونصب الأعز على المفعول والأذل على الحال أي لنخرجن الأعز ذليلًا، وضعف بأن الحال لا تكون إلا نكرة والأذل معرفة ومنهم من جوّزها والجمهور جعلوا أل مزيدة على حدّ أرسلها العراك وأدخلوا الأول فالأول (فأرسل إليّ) بالتشديد (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقرأها علي ثم قال: إن الله قد صدقك) فيما قلته). [إرشاد الساري: 7/385-386]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: سمعت زيد بن أرقم رضي اللّه عنه، قال: لمّا قال عبد اللّه بن أبيٍّ: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه، وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى المدينة، أخبرت به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلامني الأنصار، وحلف عبد اللّه بن أبيٍّ ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت، فدعاني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأتيته، فقال: " إنّ اللّه قد صدّقك، ونزل: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا} [المنافقون: 7] " الآية وقال ابن أبي زائدة، عن الأعمش، عن عمرٍو، عن ابن أبي ليلى، عن زيدٍ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم). [صحيح البخاري: 6/152-153]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ زاد التّرمذيّ في روايته منذ أربعين سنةً قوله أخبرت به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أي على لسان عمّي جمعًا بين الرّوايتين ويحتمل أن يكون هو أيضًا أخبر حقيقةً بعد أن أنكر عبد اللّه بن أبيٍّ ذلك كما تقدّم قوله فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضمّ همزة أتي أي بالوحي قوله وقال بن أبي زائدة هو يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة وطريقه هذه وصلها النّسائيّ وقد بيّنت ما فيه من فائدةٍ قبل قوله فيه عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن زيد بن أرقم كذا رواه الأعمش عن عمرو بن مرّة عنه وقد رواه شعبة عن عمرو بن مرّة فقال عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم فكأنّ لعمرو بن مرّة فيه شيخين). [فتح الباري: 8/647]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (عقب حديث محمّد بن كعب سمعت زيد بن أرقم قال لما قال عبد الله بن أبي {لا تنفقوا على من عند رسول الله} 7 المنافقون وقال أيضا {لئن رجعنا إلى المدينة} 8 المنافقون أخبرت به النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلامني الأنصار الحديث
وقال ابن أبي زائدة عن الأعمش عن عمرو عن ابن أبي ليلى عن زيد عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم
قال أبو نعيم في المستخرج على البخاريّ ثنا أبو إسحاق بن حمزة قال قرأت على محمّد بن صالح بن ذريح ثنا مسروق بن المرزبان ثنا ابن أبي زائدة ح وقال أبو بكر بن مردويه في تفسيره ثنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم ثنا إسماعيل بن الفضل البلخي قال حدثني مسروق بن المرزبان حدثني ابن أبي زائدة حدثني الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن زيد بن أرقم قال لما قال ابن أبي ما قال أتيت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته فجاء فحلف ما قال فجعل النّاس يقولون كذب يا رسول الله حتّى جلست في البيت مخافة إذا رأوني قالوا هذا الّذي يكذب حتّى أنزل الله 6 المنافقون {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضوا} الآية
رواه النّسائيّ في التّفسير عن إسحاق عن يحيى بن آدم عن يحيى بن زكريّا ابن أبي زائدة به
وقد رواه شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم فلعلّ عمرا سمعه من اثنين). [تغليق التعليق: 4/341-342]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا آدم حدّثنا شعبة عن الحكم قال سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ قال سمعت زيد بن أرقم رضي الله عنه قال لما قال عبد الله بن أبيٍّ لا تنفقوا على من عند رسول الله وقال أيضا لئن رجعنا إلى المدينة أخبرت به النبيّ صلى الله عليه وسلم فلامني الأنصار وحلف عبد الله بن أبيٍّ ما قال ذلك فرجعت إلى المنزل فنمت فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال إنّ الله قد صدقك ونزل {هم الّذين يقولون لا تنفقوا} الآية. وقال ابن أبي زائدة عن الأعمش عن عمروٍ عن ابن أبي ليلى عن زيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
هذا طريق آخر من حديث زيد أخرجه عن آدم بن أبي إياس عن شعبة عن الحكم، بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الباب.
قوله: (سمعت محمّد بن كعب القرظيّ) ، زاد التّرمذيّ في روايته منذ أربعين سنة. قوله: (أخبرت به النّبي صلى الله عليه وسلم) ، قال بعضهم: أي: على لسان عمي، جمعا بين الرّوايتين. قلت: لا يحتاج إلى هذا التّأويل الّذي يخالف ظاهر الكلام بل الجمع بين الرّوايتين بأن يقال: إنّه أخبر النّبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أنكر عبد الله بن أبي ذلك. قوله: (فدعاني) ، أي: فطلبني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وقال ابن أبي زائدة) ، وهو يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة عن سليمان الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن زيد، وقال الكرماني: ابن أبي ليلى إذا أطلقه المحدثون يعنون به عبد الرّحمن، وإذا أطلقه الفقهاء يريدون به ابنه محمّدًا القاضي الإمام، وهذا التّعليق أسنده النّسائيّ في (سننه الكبرى) ). [عمدة القاري: 19/238]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا آدم حدّثنا شعبة عن الحكم، سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ قال: سمعت زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: لمّا قال عبد اللّه بن أبيٍّ: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى المدينة، أخبرت به النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فلامني الأنصار، وحلف عبد اللّه بن أبيٍّ ما قال: ذلك فرجعت إلى المنزل فنمت، فدعاني رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأتيته: فقال: «إنّ اللّه قد صدّقك». ونزل {هم الّذين يقولون لا تنفقوا} [المنافقون: 7] الآية وقال ابن أبي زائدة عن الأعمش عن عمرٍو عن ابن أبي ليلى، عن زيدٍ عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا أنه (قال: سمعت محمد بن كعب القرظي) بالقاف والظاء المعجمة (قال: سمعت زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: لما قال عبد الله بن أبيّ) رأس النفاق لأصحابه (لا تنفقوا على من عند رسول الله) من المهاجرين وكان الأنصار يواسونهم لما قدموا المدينة (وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى المدينة) أي إلى آخر قوله المحكي في الآية (أخبرت به النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) بعد إنكار عبد الله ذلك أو أخبرته على لسان عمي (فلامني الأنصار) على ذلك (وحلف عبد الله بن أبيّ) أنه (ما قال ذلك فرجعت إلى المنزل) مهمومًا حزينًا (فنمت فدعاني) أي فطلبني (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) ولأبي ذر فأتاني رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- (فأتيته فقال): (إن الله قد صدقك ونزل) قوله تعالى: ({هم الذين يقولون لا تنفقوا}) الآية.
(وقال ابن أبي زائدة): هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة فيما وصله النسائي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن زيد) هو ابن أرقم -رضي الله عنه- (عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-)). [إرشاد الساري: 7/386-387]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا عمرو بن خالدٍ، حدّثنا زهير بن معاوية، حدّثنا أبو إسحاق، قال: سمعت زيد بن أرقم، قال: خرجنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفرٍ أصاب النّاس فيه شدّةٌ، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيٍّ فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذب زيدٌ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فوقع في نفسي ممّا قالوا شدّةٌ، حتّى " أنزل اللّه عزّ وجلّ تصديقي في: {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] فدعاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليستغفر لهم، فلوّوا رءوسهم "). [صحيح البخاري: 6/153]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ذكر فيه حديث زيد بن أرقم من رواية زهيرٍ عن أبي إسحاق نحو رواية إسرائيل عنه كما تقدّم بيان ذلك وقال في آخره حتّى أنزل اللّه عز وجل تصديقي في إذا جاءك المنافقون فدعاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم). [فتح الباري: 8/647]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو إسحاق. قال سمعت زيد بن أرقم: قال خرجنا مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في سفر أصاب النّاس فيه شدّة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضوا من حوله وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل قالوا كذب زيد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فوقع في نفسي ممّا قالوا شدّة حتّى أنزل الله عز وجل تصديقي في إذا جاءك المنافقون فدعاهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليستغفر لهم فلووا رؤسهم. وقوله خشب مسندة قال كانوا رجالًا أجمل شيء) هذا أيضا طريق آخر في حديث زيد بن أرقم أخرجه عن عمرو بن خالد الجزري عن زهير بن معاوية عن أبي إسحق عمرو السبيعي قوله " شدّة " أي من جهة قلّة الزّاد قوله " فأتيت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته " قال الكرماني قال في الحديث المتقدّم فذكرت لعمّي فذكره للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم يعني بينهما تناف ثمّ أجاب أن الإخبار أعم من أن يكون بنفسه أو بالواسطة قلت الإخبار هنا لا يدل على العموم مع قوله فأتيت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقد ذكرنا الجواب عن هذا عن قريب قوله " فاجتهد يمينه " أي بذل وسعه في اليمين وبالغ فيها قوله " ما فعل " أي ما قال أطلق الفعل على القول لأن الفعل يعم الأفعال والأقوال قوله " كذب زيد رسول الله " بالتّخفيف قوله " فلووا بالتّشديد " أي حركوا وقرئ بالتّخفيف أيضا). [عمدة القاري: 19/239]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا عمرو بن خالدٍ، حدّثنا زهير بن معاوية، حدّثنا أبو إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم قال: خرجنا مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- في سفرٍ أصاب النّاس فيه شدّةٌ، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فأتيت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأخبرته، فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيٍّ فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل قالوا كذب زيدٌ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فوقع في نفسي ممّا قالوا شدّةٌ، حتّى أنزل اللّه عزّ وجلّ تصديقي في {إذا جاءك المنافقون} فدعاهم النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- ليستغفر لهم فلوّوا رءوسهم. وقوله: {خشبٌ مسنّدةٌ} قال: كانوا رجالًا أجمل شيءٍ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني الجزري قال: (حدّثنا زهير بن معاوية) الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو السبيعي (قال: سمعت زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- (قال: خرجنا مع النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- في سفر) غزوة تبوك أو بني المصطلق (أصاب الناس فيه شدّة) من قلة الزاد وغيره. قال ابن حجر: وهو يؤيد أنها غزوة تبوك (فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله) كذا في قراءة عبد الله وهو مخالف لرسم المصحف ويحتمل أن يكون من تفسير عبد الله (وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وأخرج الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود عن عروة أن هذا القول وقع من عبد الله بن أبي بعد أن قفلوا من الغزو. قال زيد: (فأتيت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأخبرته فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ فسأله) عن ذلك (فاجتهد يمينه) في اليونينية فاجتهد يمينه بسكون الدال أي بذل وسعه وبالغ فيها أنه (ما فعل) أي ما قال ذلك (قالوا) يعني الأنصار (كذب زيد رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) بتخفيف المعجمة ورسول نصب على المفعولية (فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في {إذا جاءك المنافقون} فدعاهم النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- ليستغفر لهم) مما قالوا (فلوّوا رؤوسهم) عطفوها إعراضًا واستكبارًا عن استغفار الرسول عليه الصلاة والسلام لهم). [إرشاد الساري: 7/387]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: كنت مع عمّي فسمعت عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول، يقول: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي، فذكر عمّي للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدعاني فحدّثته، فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيٍّ وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، وكذّبني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصدّقهم، فأصابني غمٌّ لم يصبني مثله قطّ، فجلست في بيتي، وقال عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومقتك؟ فأنزل اللّه تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا: نشهد إنّك لرسول اللّه} [المنافقون: 1] وأرسل إليّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأها، وقال: «إنّ اللّه قد صدّقك»). [صحيح البخاري: 6/153]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ثمّ ذكر حديث زيد بن أرقم من وجهٍ آخر كما مضى بيانه ووقع لأكثر الرّواة مختصرًا من أثنائه وساقه أبو ذرٍّ تامًّا إلّا
- قوله وصدّقهم وقد تعقّبه الإسماعيليّ بأنّه ليس في السّياق الّذي أورده خصوص ما ترجم به والجواب أنّه جرى على عادته في الإشارة إلى أصل الحديث ووقع في مرسل الحسن فقال قومٌ لعبد اللّه بن أبيٍّ لو أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه فنزلت وكذا أخرج عبد بن حميدٍ من طريق قتادة ومن طريق مجاهدٍ ومن طريق عكرمة أنّها نزلت في عبد اللّه بن أبيٍّ). [فتح الباري: 8/648]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيدٍ بن أرقم قال كنت مع عمّي فسمعت عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول يقول لا تنفضوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فذكرت ذالك لعمّي فذكره عمّي للنبيّ صلى الله عليه وسلم وصدّقهم فدعاني فحدّثته فأرسل إلى عبد الله بن أبيٍّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا وكذّبني النبيّ صلى الله عليه وسلم فأصابني غمٌّ لم يصبني مثله قطّ فجلست في بيتي: وقال عمّي ما أردت إلى أن كذّبك النبيّ صلى الله عليه وسلم ومقتك فأنزل الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول الله} (المنافقون: 1) وأرسل إليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأها: وقال إنّ الله قد صدّقك..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور. وقد اعترض الإسماعيليّ بأنّه ليس في السّياق الّذي أورده خصوص ما ترجم به، وأجيب بأن عادته جرت بالإشارة إلى أصل الحديث، ووقع في مرسل الحسن: فقال قوم لعبد الله بن أبي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه، فنزلت: وها أنت قد رأيت أخرج البخاريّ حديث زيد بن أرقم من خمسة طرق وترجم على رأس كل حديث منها: أربعة منها عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم وواحد عن محمّد بن كعب القرظيّ عنه ففي ثلاثة، روى أبو إسحاق بالعنعنة، وفي واحد بالسّماع، وفي ثلاثة رواه إسرائيل عن جده أبي إسحاق. وفي واحد زهير ابن معاوية عنه). [عمدة القاري: 19/240]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم، قال: كنت مع عمّي فسمعت عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فذكرت ذلك لعمّي فذكره للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وصدّقهم، فدعاني فحدّثته فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيٍّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا وكذّبني النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأصابني غمٌّ لم يصبني مثله قطّ، فجلست في بيتي وقال عمّي: ما أردت إلى أن كذّبك النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- ومقتك، فأنزل اللّه تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه}، وأرسل إليّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقرأها وقال: «إنّ اللّه قد صدّقك».

وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أو محمد العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت مع عمي) قيل زيادة على ما مرّ أنه ثابت بن قيس بن زيد وهو أخو أرقم بن زيد أو أراد عمه زوج أمه ابن رواحة وكانوا في غزاة بني المصطلق أو تبوك، وعورض بأن المسلمين كانوا بتبوك أعزّاء والمنافقين أذلة وبأن ابن أبي لم يشهدها إنما كان في الخوالف كما مرّ والإعادة لمزيد الإفادة. (فسمعت عبد الله بن أبي ابن سلول يقول): أي لأصحابه (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي للنبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وصدقهم) أي صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام
ابن أبيّ وأصحابه لما حلفوا على عدم صدور المقالة المذكورة ولأبوي ذر والوقت (فدعاني) رسول الله-صلّى اللّه عليه وسلّم- (فحدّثته) بما قال ابن أبيّ (فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه) فسألهم (فحلفوا ما قالوا) ذلك (وكذّبني النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فأصابني همّ لم يصبني مثله قط فجلست في بيتي، وقال عمي: ما أردت إلى أن كذبك النبي) وفي نسخة رسول الله (-صلّى اللّه عليه وسلّم- ومقتك فأنزل الله تعالى): وفي نسخة عز وجل ({إذا جاءك المنانقون قالوا نشهد إنك لرسول الله} وأرسل) ولأبي ذر: فأرسل بالفاء بدل الواو (إليّ النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقرأها وقال: إن الله قد صدقك).
قيل: وليس في الحديث ما ترجم به. وأجيب: بأن عادة المؤلّف أن يشير إلى أصل الحديث، وفي مرسل الحسن فقال قوم لعبد الله بن أبيّ: فلو أتيت رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه فنزلت). [إرشاد الساري: 7/387]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {هم الّذين يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} [المنافقون: 7] ، ينفضّوا: يتفرّقوا {وللّه خزائن السّموات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون} ). [صحيح البخاري: 6/154]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضوا كذا لهم وزاد أبو ذرٍّ الآية قوله ينفضّوا يتفرّقوا سقط هذا لأبي ذرٍّ قال أبو عبيدة في قوله حتّى ينفضّوا حتّى يتفرّقوا ووقع في رواية زهيرٍ سبب قول عبد اللّه بن أبيٍّ ذلك وهو قوله خرجنا في سفرٍ أصاب النّاس فيه شدّةٌ فقال عبد اللّه بن أبيٍّ لا تنفقوا الآية فالّذي يظهر أنّ قوله لا تنفقوا كان سببه الشّدّة الّتي أصابتهم وقوله ليخرجنّ الأعز منها الأذل سببه مخاصمة المهاجريّ والأنصاريّ كما تقدّم في حديث جابرٍ قوله الكسع أن تضرب بيدك على شيءٍ أو برجلك ويكون أيضًا إذا رميته بسوءٍ كذا لأبي ذرٍّ عن الكشميهنيّ وحده وحقّ هذا أن يذكر قبل الباب أو في الباب الّذي يليه لأنّ الكسع إنّما وقع في حديث جابرٍ قال بن التّين الكسع أن تضرب بيدك على دبر شيءٍ أو برجلك وقال القرطبيّ أن تضرب عجز إنسانٍ بقدمك وقيل الضّرب بالسّيف على المؤخر وقال بن القطّاع كسع القوم ضرب أدبارهم بالسّيف وكسع الرّجل ضرب دبره بظهر قدمه وكذا إذا تكلّم فأثّر كلامه بما ساءه ونحوه في تهذيب الأزهريّ). [فتح الباري: 8/650-651]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا ويتفرّقوا ولله خزائن السّموات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون} (المنافقون: 7)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {هم الّذين} إلى آخره، هكذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره إلى قوله: {حتّى ينفضوا} قوله: (ويتفرقوا) ، ليس من القرآن بل هو تفسير ينفضوا وسقط في رواية أبي ذر وهو الصّواب). [عمدة القاري: 19/241]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا ويتفرّقوا وللّه خزائن السّموات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون}
هذا (باب) بالتنوين (قوله: {هم الذين}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله عز وجل: {هم الذين} ({يقولون}) للأنصار ({لا تنفقوا على من عند رسول الله}) من فقراء المهاجرين ({حتى ينفضوا ويتفرقوا}) هو تفسير ينفضوا.
({ولله خزائن السماوات والأرض}) بيده الأرزاق والقسم فهو يرزق رسوله ومن عنده ({ولكن المنافقين لا يفقهون}) [المنافقون: 7] ذلك لجهلهم بالله، فإن قلت: فلم قال هنا لا يفقهون وقال في الآية اللاحقة لا يعلمون؟ أجيب: بأن إثبات الفقه لنسان أبلغ من إثبات العلم له فنفي العلم أبلغ من نفي الفقه فآثر ما هو أبلغ لما هو أدعى له، وسقط لفظ قوله: ويتفرقوا إلى آخره لأبي ذر وقال بعد قوله: حتى ينفضوا الآية). [إرشاد الساري: 7/388]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، قال: أخبرنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، قال: سمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ، منذ أربعين سنةً يحدّث عن زيد بن أرقم، أنّ عبد الله بن أبيٍّ، قال في غزوة تبوك: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} قال: فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت ذلك له، فحلف ما قاله، فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذه، فأتيت البيت ونمت كئيبًا حزينًا، فأتاني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو أتيته، فقال: إنّ اللّه قد صدّقك قال: فنزلت هذه الآية: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/274]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله: {الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا}
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، وابن أبي عديٍّ، قالا: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن زيد بن أرقم، قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، فقال عبد الله بن أبيٍّ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فحلف عبد الله أنّه لم يذكر شيئًا، ولامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا؟، فأرسل إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ قد أنزل عذرك»، فنزلت هذه الآية {الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا} [المنافقون: 7]، حتّى بلغ {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/303]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}
- أخبرنا أبو داود، قال: حدّثنا الحسن يعني ابن محمّد بن أعين، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، أنّه سمع زيد بن أرقم، يقول: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفرٍ أصاب النّاس فيه شدّةٌ، فقال عبد الله بن أبيٍّ وأنا أسمعه لأصحابه: {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا} [المنافقون: 7] من حوله، وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]، قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته ذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبيٍّ فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذب زيدٌ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوقع في نفسي ممّا قالوا شدّةٌ، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ تصديقي في {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] قال: ودعاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليستغفر لهم، فلوّوا رءوسهم
- أخبرنا محمّد بن منصورٍ، عن سفيان، عن عمرٍو، قال: سمعت جابرًا، يقول: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاةٍ، فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، وقال الأنصاريّ: يا للأنصار، فسمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما بال دعوى الجاهليّة»، قالوا: يا رسول الله، كسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوها فإنّها منتنةٌ»، فبلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ابن سلولٍ، فقال: فعلوها؟ {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتحدّثنّ النّاس أنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم يقتل أصحابه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/303-304]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا وللّه خزائن السّموات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون}.
يقول تعالى ذكره {هم الّذين يقولون} يعني المنافقين الّذين يقولون لأصحابهم {لا تنفقوا على من عند رسول اللّه} من أصحابه المهاجرين {حتّى ينفضّوا} يقول: حتّى يتفرّقوا عنه.
وقوله: {وللّه خزائن السّموات والأرض}. يقول: وللّه جميع ما في السّموات والأرض من شيءٍ وبيده مفاتيح خزائن ذلك، لا يقدر أحدٌ أن يعطي أحدًا شيئًا إلاّ بمشيئته {ولكنّ المنافقين لا يفقهون} أنّ ذلك كذلك، فلذلك يقولون: {لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا}. قال: لا تطعموا محمّدًا وأصحابه حتّى تصيبهم مجاعةٌ، فيتركوا نبيّهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا}. قرأها إلى آخر الآية، وهذا قول عبد اللّه بن أبيٍّ لأصحابه المنافقين: لا تنفقوا على محمّدٍ وأصحابه حتّى يدعوه، فإنّكم لولا أنّكم تنفقون عليهم لتركوه وأجلوا عنه.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} إنّ عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول قال لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه، فإنّكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضّوا.
- حدّثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا}. يعني الرّفد والمعونة، وليس يعني الزّكاة المفروضة؛ والّذين قالوا هذا هم المنافقون.
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: حدّثنا أسد بن موسى، قال: حدّثنا يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن زيد بن أرقم، قال: لمّا قال ابن أبيٍّ ما قال، أخبرت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء فحلف، فجعل النّاس يقولون لي؛ تأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالكذب؟ حتّى جلست في البيت مخافة إذا رأوني قالوا: هذا الّذي يكذب، حتّى أنزل: {هم الّذين يقولون}). [جامع البيان: 22/659-661]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحق الهمداني عن زيد بن أرقم قال كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي يقول لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني فأصابني غم لم يصبني مثله قط وجلست في بيتي فأنزل الله عز وجل إذا جاءك المنافقون إلى قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا إلى قوله ليخرجن الأعز منها الأذل فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال إن الله عز وجل صدقك). [تفسير مجاهد: 2/677-677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والطبراني، وابن مردويه عن زيد بن أرقم قال: لما قال عبد الله بن أبي ما قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل سمعته فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فلامني ناس من الأنصار وجاءهم يحلف ما قال ذلك فرجعت إلى المنزل فنمت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله صدقك وعذرك فأنزلت هذه الآية {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله} الآيتين). [الدر المنثور: 14/493]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: لما قال ابن أبي ما قال أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته فجاء فحلف ما قال فجعل ناس يقولون: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب حتى جلست في البيت مخافة إذا رأوني قالوا: هذا الذي يكذب حتى أنزل الله {هم الذين يقولون} الآية). [الدر المنثور: 14/493-494]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: نزلت هذه الأية {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} في عسيف لعمر بن الخطاب). [الدر المنثور: 14/500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود أنهما كانا يقرآن {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} من حوله). [الدر المنثور: 14/500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله} قال: إن عبد الله بن أبي قال لأصحابه: لا تنفقواعلى من عند رسول الله فإنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا وفي قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} قال: قد قالها منافق عظيم النفاق في رجلين اقتتلا أحدهما غفاري والآخر جهني فظهر الغفاري على الجهني وكان بين جهينة وبين الأنصار حلف فقال رجل من المنافقين: وهو عبد الله بن أبي يا بني الأوس والخزرج عليكم صاحبكم وحليفكم، ثم قال: والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فسعى بها بعضهم إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا نبي الله مر معاذا أن يضرب عنق هذا المنافق، فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وذكر لنا أنه كثر على رجلين من المنافقين عنده فقال عمر: هل يصلي قالوا: نعم ولا خير في صلاته، قال نهيت عن المصلين نهيت عن المصلين نهيت عن المصلين). [الدر المنثور: 14/501]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} يقول: لا تطعموا محمدا وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة فيتركوا نبيهم وفي قوله: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} قال: قال ذلك عبد الله بن أبي رأس المنافقين وأناس معه من المنافقين). [الدر المنثور: 14/501-502]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم والترمذي، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غزاة قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المصطلق فكسع رجل من المنافقين رجلا من الأنصار فسمع ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال: أو قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الاذل، فبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه زاد الترمذي فقال له ابن عبد الله: والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ففعل). [الدر المنثور: 14/502-503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان بين غلام من الأنصار وغلام من بني غفار في الطريق كلام فقال عبد الله بن أبي: هنيئا لكم بأس هنيئا جمعتم سواق الحجيج من مزينة وجهينة فغلبوكم على ثماركم ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل). [الدر المنثور: 14/503]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وعن عكرمة رضي الله عنه قال: لما حضر عبد الله بن أبي الموت قال ابن عباس رضي الله عنهما: فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى بينهما كلام فقال له عبد الله بن أبي: قد أفقه ما تقول ولكن من علي اليوم وكفني بقميصك هذا وصل علي قال ابن عباس رضي الله عنهما: فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقميصه وصلى عليه والله أعلم أي صلاة كانت وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يخدع إنسانا قط غير أنه قال يوم الحديبية كلمة حسنة فسئل عكرمة رضي الله عنه ما هذه الكلمة قال: قالت له قريش: يا أبا حباب إنا قد منعنا محمدا طواف هذا البيت ولكنا نأذن لك فقال: لا لي في رسول الله أسوة حسنة، قال: فلما بلغوا المدينة أخذ ابنه السيف ثم قال لوالده: أنت تزعم لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 14/503-504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحميدي في مسنده عن أبي هارون المدني قال: قال عبد الله بن عبد الله بن أبي لأبيه: والله لا تدخل المدينة أبدا حتى تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز وأنا الأذل). [الدر المنثور: 14/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني المصطلق قام عبد الله بن عبد الله بن أبي فسل على أبيه السيف وقال: والله علي أن لا أغمده حتى تقول: محمد الأعز وأنا الأذل، فقال: ويلك محمد الأعز وأنا الأذل فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبته وشكرها له). [الدر المنثور: 14/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما قدموا المدينة سل عبد الله بن عبد الله بن أبي على أبيه السيف وقال: لأضربنك أو تقول: أنا الأذل ومحمد الأعز، فلم يبرح حتى قال ذلك). [الدر المنثور: 14/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق لما أتوا المنزل كان بين غلمان من المهاجرين وغلمان من الأنصار فقال غلمان من المهاجرين: يا للمهاجرين وقال غلمان من الأنصار: يا للأنصار فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فقال: أما والله لو أنهم لم ينفقوا عليهم انفضوا من حوله أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر بالرحيل فأدرك ركبا من بني عبد الأشهل في المسير فقال لهم: ألم تعلموا ما قال المنافق عبد الله بن أبي قالوا: وماذا قال: يا رسول الله قال: قال أما والله لو لم تنفقوا عليهم لانفضوا من حوله أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قالوا: صدق يا رسول الله فأنت والله الأعز العزيز وهو الذليل). [الدر المنثور: 14/504-505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معسكرا وأن رجلا من قريش كان بينه وبين رجل من الأنصار كلام حتى اشتد الأمر بينهما فبلغ ذلك عبد الله بن أبي فخرج فنادي: غلبني على قومي من لا قوم له فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ سيفه ثم خرج عامدا ليضربه فذكر هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) (سورة الحجرات الآية 1) فرجع حتى دخل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا عمر قال: العجب من ذلك المنافق يقول غلبني على قومي من لا قوم له والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قم فناد في الناس يرتحلوا فارتحلوا فساروا حتى إذا كان بينهم وبين المدينة مسيرة ليلة فعجل عبد الله بن عبد الله بن أبي حتى أناخ بجامع طرق المدينة ودخل الناس حتى جاء أبوه عبد الله بن أبي فقال: وراءك، فقال: مالك ويلك قال: والله لا تدخلها أبدا إلا أن يأذن رسول الله ليعلمن اليوم من الأعز من الأذل، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه فأرسل إليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن خل عنه حتى يدخل ففعل فلم يلبثوا إلا أياما قلائل حتى اشتكي عبد الله فاشتد وجعه فقال لابنه عبد الله: يا بني ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه فإنك إذ أنت طلبت ذلك إليه فعل، ففعل ابنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول إن عبد الله بن أبي شديد الوجع وقد طلب إلي أن آتيك فتأتيه فإنه قد اشتاق إلى لقائك فأخذ نعليه فقام وقام معه نفر من أصحابه حتى دخلوا عليه فقال لأهله حين دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أجلسوني فأجلسوه فبكى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجزعنا يا عدو الله الآن فقال: يا رسول الله إني لم أدعك لتؤنبني ولكن دعوتك لترحمني فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما حاجتك قال: حاجتي إذا أنا مت أن تشهد غسلي وتكفني في ثلاثة أثواب من ثيابك وتمشي مع جنازتي وتصلي علي ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية بعد (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (سورة التوبة الآية 84) ). [الدر المنثور: 14/505-507]

تفسير قوله تعالى: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر في قوله تعالى لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال: قال الحسن جاء غلام النبي فقال إني سمعت عبد الله بن أبي يقول كذا وكذا قال فلعلك غضبت عليه فقال لا والله يا نبي الله لقد سمعته يقوله قال فلعلك أخطأ سمعك قال لا والله يا نبي الله لقد سمعته يقول ذاك قال فلعله شبه عليك فأنزل الله تعالى تصديقا للغلام لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأخذ النبي بأذن الغلام وقال وفت أذنك يا غلام). [تفسير عبد الرزاق: 2/294]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا عليٌّ، حدّثنا سفيان، قال عمرٌو: سمعت جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: كنّا في غزاةٍ - قال سفيان: مرّةً في جيشٍ - فكسع رجلٌ من المهاجرين، رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ما بال دعوى الجاهليّة» قالوا: يا رسول اللّه، كسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: «دعوها فإنّها منتنةٌ» فسمع بذلك عبد اللّه بن أبيٍّ، فقال: فعلوها، أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فبلغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقام عمر فقال: يا رسول اللّه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دعه، لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه» وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة، ثمّ إنّ المهاجرين كثروا بعد، قال سفيان: فحفظته من عمرٍو، قال عمرٌو: سمعت جابرًا: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم). [صحيح البخاري: 6/154]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال عمرٌو وقع في آخر الباب قال سفيان فحفظته من عمرٍو قال فذكره ووقع رواية الحميديّ الآتية بعد باب حفظناه من عمرٍو قوله كنّا في غزاةٍ قال سفيان مرّة في جيش وسمي بن إسحاق هذه الغزوة غزوة بني المصطلق وكذا وقع عند الإسماعيليّ من طريق بن أبي عمر عن سفيان قال يرون أنّ هذه الغزاة غزاة بني المصطلق وكذا في مرسل عروة الّذي سأذكره قوله فكسع رجلٌ الكسع يأتي تفسيره بعد بابٍ والمشهور فيه أنّه ضرب الدّبر باليد أو بالرّجل ووقع عند الطّبريّ من وجهٍ آخر عن عمرو بن دينارٍ عن جابرٍ أنّ رجلًا من المهاجرين كسع رجلًا من الأنصار برجله وذلك عند أهل اليمن شديدٌ والرّجل المهاجريّ هو جهجاه بن قيس ويقال بن سعيدٍ الغفاريّ وكان مع عمر بن الخطّاب يقود له فرسه والرّجل الأنصاريّ هو سنان بن وبرة الجهنيّ حليف الأنصار وفي رواية عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة مرسلًا أنّ الأنصاريّ كان حليفًا لهم من جهينة وأن المهاجري كان من غفار وسماهما بن إسحاق في المغازي عن شيوخه وأخرج بن أبي حاتمٍ من طريق عقيلٍ عن الزّهريّ عن عروة بن الزّبير وعمرو بن ثابتٍ أنّهما أخبراه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غزا غزوة المريسيع وهي الّتي هدم فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مناة الطّاغية الّتي كانت بين قفا المشلّل وبين البحر فاقتتل رجلان فاستعلى المهاجريّ على الأنصاريّ فقال حليف الأنصار يا معشر الأنصار فتداعوا إلى أن حجز بينهم فانكفأ كلّ منافقٍ إلى عبد اللّه بن أبيٍّ فقالوا كنت ترجى وتدفع فصرت لا تضرّ ولا تنفع فقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكر القصّة بطولها وهو مرسلٌ جيّدٌ واتّفقت هذه الطّرق على أنّ المهاجريّ واحدٌ ووقع في حديث أبي الزّبير عن جابرٍ عند مسلمٍ اقتتل غلامان من المهاجرين وغلامٌ من الأنصار فنادى المهاجريّ يا للمهاجرين ونادى الأنصاريّ يا للأنصار فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ما هذا أدعوى الجاهليّة قالوا لا إنّ غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال لا بأس ولينصرنّ الرّجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا الحديث ويمكن تأويل هذه الرّواية بأنّ قوله من المهاجرين بيانٌ لأحد الغلامين والتّقدير اقتتل غلامان غلامٌ من المهاجرين وغلامٌ من الأنصار فحذف لفظ غلامٍ من الأوّل ويؤيّده قوله في بقيّة الخبر فقال المهاجريّ فأفرده فتتوافق الرّوايات ويستفاد من قوله لا بأس جواز القول المذكور بالقصد المذكور والتّفصيل المبيّن لا على ما كانوا عليه في الجاهليّة من نصرة من يكون من القبيلة مطلقًا وقد تقدّم شرح قوله انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا مستوفًى في باب أعن أخاك من كتاب المظالم قوله يا للأنصار بفتح اللّام وهي للاستغاثة أي أغيثوني وكذا في قول الآخر يا للمهاجرين قوله دعوها فإنّها منتنةٌ أي دعوة الجاهليّة وأبعد من قال المراد الكسعة ومنتنةٌ بضمّ الميم وسكون النّون وكسر المثنّاة من النّتن أي أنّها كلمةٌ قبيحةٌ خبيثةٌ وكذا ثبتت في بعض الرّوايات قوله فعلوها هو استفهامٌ بحذف الأداة أي أفعلوها أي الأثرة أي شركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا وفي مرسل قتادة فقال رجلٌ منهم عظيم النّفاق ما مثلنا ومثلهم إلّا كما قال القائل سمّن كلبك يأكلك وعند بن إسحاق فقال عبد اللّه بن أبيٍّ أقد فعلوها نافرونا وكاثرونا في بلادنا واللّه ما مثلنا وجلابيب قريشٍ هذه إلّا كما قال القائل سمّن كلبك يأكلك قوله فقام عمر فقال يا رسول اللّه دعني أضرب عنقه في مرسل قتادة فقال عمر مر معاذًا أن يضرب عنقه وإنّما قال ذلك لأنّ معاذًا لم يكن من قومه قوله دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه أي أتباعه ويجوز في يتحدّث الرّفع على الاستئناف والكسر على جواب الأمر وفي مرسل قتادة فقال لا واللّه لا يتحدّث النّاس زاد بن إسحاق فقال مر به معاذ بن بشر بن وقشٍ فليقتله فقال لا ولكن أذّن بالرّحيل فراح في ساعةٍ ما كان يرحل فيها فلقيه أسيد بن حضيرٍ فسأله عن ذلك فأخبره فقال فأنت يا رسول اللّه الأعزّ وهو الأذلّ قال وبلغ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلمفقال بلغني أنّك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلًا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فقال بل ترفق به وتحسن صحبته قال فكان بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الّذين ينكرون عليه فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لعمر كيف ترى ووقع في مرسل عكرمة عند الطّبريّ أنّ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إن والدي يؤذي اللّه ورسوله فذرني حتّى أقتله قال لا تقتل أباك قوله ثمّ إنّ المهاجرين كثروا بعد هذا ممّا يؤيّد تقدّم القصّة ويوضّح وهم من قال إنّها كانت بتبوك لأنّ المهاجرين حينئذٍ كانوا كثيرًا جدًّا وقد انضافت إليهم مسلمة الفتح في غزوة تبوك فكانوا حينئذٍ أكثر من الأنصار والله أعلم). [فتح الباري: 8/649-650]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (حدثنا عليّ حدثنا سفيان قال عمرو سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنّا في غزاة. قال سفيان مرّة في جيش فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاريّ يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فسمع ذاك رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ما بال دعوى جاهليّة قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال دعوها فإنّها منتنة فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال فعلوها أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فبلغ النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقام عمر فقال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم دعه لا يتحدث النّاس أن محمّدًا يقتل أصحابه وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثمّ إن المهاجرين كثروا بعد قال سفيان فحفظته من عمرو قال عمرو سمعت جابرا كنّا مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم) مطابقته للتّرجمة يمكن أن تؤخذ من قوله فسمع بذلك عبد الله بن أبي إلى قوله الأذل فوجهه أن الآية المذكورة نزلت فيه فمن هذا الوجه تأتي المطابقة وقد أخرج عبد بن حميد من طريق قتادة ومن طريق مجاهد ومن طريق عكرمة أنّها نزلت في عبد الله بن أبي وعلي هو ابن عبد الله بن المدينيّ وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار أبو محمّد المكّيّ والحديث أخرجه البخاريّ أيضا في الأدب عن الحميدي وأخرجه مسلم في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن ابن أبي عمرو وأخرجه النّسائيّ في السّير وفي اليوم واللّيلة عن عبد الجبّار وفي التّفسير عن محمّد بن منصور قوله " في غزاة " وهي غزوة بني المصطلق قاله ابن إسحاق قوله " فكسع " من الكسع وهو ضرب الدبر باليد أو بالرجل ويقال هو ضرب دبر الإنسان بصدر قدمه ونحوه والرجل المهاجري هو جهجاه بن قيس ويقال ابن سعيد الغفاريّ وكان مع عمر رضي الله تعالى عنه يقود فرسه والرجل الأنصاريّ هو سنان بن وبرة الجهنيّ حليف الأنصار قوله " يا للأنصار " اللّام فيه لام الاستغاثة وهي مفتوحة ومعناها أغيثوني قوله " ما بال دعوى جاهليّة " أي ما شأنها وهو في الحقيقة إنكار ومنع عن قول يا لفلان ونحوه قوله " دعوها " أي اتركوا هذه المقالة وهي دعوى الجاهليّة وهي قبل الإسلام قوله " فإنّها منتنة " بضم الميم وسكون النّون وكسر التّاء المثنّاة من فوق من النتن أي أنّها كلمة قبيحة خبيثة وكذا ثبت في بعض الرّوايات قوله " فقال فعلوها " أي أفعلوها بهمزة الاستفهام فحذفت أي فعلوا الأثرة أي تركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا وفي مرسل قتادة فقال رجل منهم عظيم النّفاق ما مثلنا ومثلهم إلّا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك قوله " دعه " أي اتركه قوله " لا يتحدث النّاس " برفع يتحدث على الاستئناف ويجوز الكسر على أنه جواب قوله دعه قوله " فحفظته من عمرو " كلام سفيان أي حفظت الحديث من عمرو بن دينار وعمرو قال سمعت جابرا كنّا مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أي قال كنّا مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في الغزاة). [عمدة القاري: 19/240-241]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا عليٌّ، حدّثنا سفيان قال عمرٌو سمعت جابر بن عبد اللّه -رضي الله عنهما- قال: كنّا في غزاةٍ قال سفيان مرّةً في جيشٍ فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجرىّ: يا للمهاجرين. فسمع ذاك رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: «ما بال دعوى جاهليّةٍ». قالوا: يا رسول اللّه، كسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: «دعوها فإنّها منتنةٌ». فسمع بذلك عبد اللّه بن أبيٍّ فقال: فعلوها أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فبلغ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: فقام عمر فقال: يا رسول اللّه دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه». وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين، حين قدموا المدينة ثمّ إنّ المهاجرين كثروا بعد، قال سفيان: فحفظته من عمرٍو قال عمرٌو سمعت جابرًا كنّا مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو): هو ابن دينار (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كنا في غزاة) قال ابن إسحاق: غزوة بني المصطلق (قال سفيان) بن عيينة (مرة في جيش) بدل في غزاة (فكسع) بكاف
فسين فعين مهملتين بفتح أي ضرب (رجل من المهاجرين) هو جهجاه بن قيس بفتح الجيمين وسكون الهاء الأولى أو ابن سعيد الغفاري وكان أجيرًا لعمر بن الخطاب يقود فرسه بيده أو رجله (رجلًا من الأنصار) هو سنان بن وبرة الجهني حليف لابن أبيّ ابن سلول على دبره (فقال الأنصاري: يا للأنصار) بفتح اللام للاستغاثة (وقال المهاجري يا للمهاجرين) بفتح اللام للاستغاثة أيضًا، وفي تفسير ابن مردويه أن ملاحاتهما كانت بسبب حوض شربت منه ناقة الأنصاري (فسمع ذاك) ولأبي ذر ذلك باللام (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال):
(ما بال) ما شأن (دعوى الجاهلية) ولأبي ذر: الجاهلية يريد يا لفلان ونحوه (قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار فقال) عليه الصلاة والسلام (دعوها) أي اتركوا دعوى الجاهلية (فإنها منتنة) بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية أي كلمة خبيثة قبيحة (فسمع بذلك عبد الله بن أبيّ) رأس النفاق (فقال: فعلوها) بحذف همزة الاستفهام أي افعلوا الأثرة يريد شركناهم في ما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا.
وعند ابن إسحاق فقال عبد الله بن أبيّ أقد فعلوها نافرونا وكاثرونا في بلادنا ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلاّ كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، ثم أقبل على من عنده من قومه وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحوّلوا عنكم من بلادكم إلى غيرها.
(أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فبلغ) ذلك النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقام عمر رضي الله تعالى عنه (فقال: يا رسول الله دعني أضرب) بالجزم (عنق هذا المنافق) ابن أبيّ (فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: دعه) اتركه (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) أدخله معهم اعتبارًا بظاهر أمره ويتحدّث رفع على الاستثناف والكسر على جواب الأمر، وزاد ابن إسحاق فقال: مر به عبادة بن بشر بن وقش فليقتلنه فقال: لا ولكن أذن بالرحيل فراح في ساعة ما كان يرحل فيها فلقيه أسيد بن حضير فسأله عن ذلك فأخبره فقال: فأنت يا رسول الله الأعز وهو الأذل. قال: وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ما كان من أمر أبيه فأتى النبي-صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلًا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فقال: بل نرفق به ونحسن صحبته.
(وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثم إن المهاجرين كثروا بعد) أي بعد هذه القصة لما انضاف إليهم من مسلمة الفتح وغيرهم وهو يؤيد أن القصة لم تكن بتبوك لأن المهاجرين كثروا بها جدًّا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم وأخرجه الترمذي في التفسير والنسائي في السير والتفسير.
(قال سفيان) بن عيينة (فحفظته) أي الحديث ولأبي ذر تحفظته بفوقية مفتوحة بدل الفاء
وتشديد الفاء مفتوحة (من عمرو) هو ابن دينار (قال عمرو: سمعت جابرًا كنا مع النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) زاد أبو ذر عن الكشميهني الكسع أن تضرب بيدك على شيء أو برجلك ويكون أيضًا إذا رميته بشيء يسوءه). [إرشاد الساري: 7/387-388]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب قوله: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}
قوله: (فكسع): بكاف فسين فعين مهملتين بفتح، أي: ضرب. قوله: (رجلاً من الأنصار) هو سنانبن وبرة الجهني حليف لابن أبي ابن سلول رأس المنافقين. قوله: (دعوها) أي: اتركوا دعوى الجاهلية. قوله: (منتنة): بضم الميم، وسكون النون وكسر الفوقية، أي: كلمة خبيثة قبيحة. قوله: (فعلوها) بحذف همزة الاستفهام، أي: أفعلوا الأثرة يريد شركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا، وعند ابن إسحاق، فقال عبداللهبن أبي: أقد فعلوها نافرونا وكاثرونا في بلادنا ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/74-75]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8].
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، قال: حفظناه من عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، يقول: كنّا في غزاةٍ فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فسمّعها اللّه رسوله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما هذا؟» فقالوا كسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دعوها فإنّها منتنةٌ» قال جابرٌ: وكانت الأنصار حين قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر، ثمّ كثر المهاجرون بعد، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ: أوقد فعلوا، واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه»). [صحيح البخاري: 6/154-155]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل الآية)
كذا لأبي ذرٍّ وساق غيره الآية إلى يعلمون ذكر فيه حديث جابرٍ الماضي وقد تقدّم شرحه قبل ببابٍ ولعلّه أشار بالتّرجمة إلى ما وقع في آخر الحديث المذكور فإن التّرمذيّ لما أخرجه عن بن أبي عمر عن أبي سفيان بإسناد حديث الباب قال في آخره وقال غير عمرٍو فقال له ابنه عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي واللّه لا ينقلب أبي إلى المدينة حتّى تقول إنّك أنت الذّليل ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العزيز ففعل وهذه الزّيادة أخرجها بن إسحاق في المغازي عن شيوخه وذكرها أيضًا الطّبريّ من طريق عكرمة). [فتح الباري: 8/652]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون} (المنافقون: 8)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا} الآية إلى آخرها، هكذا ساقها الأكثرون إلى آخرها. وفي رواية أبي ذر: ومن قوله: (يقولون) إلى قوله: (الأذل) .
- حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان قال حفظناه من عمروٍ بن دينارٍ قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول كنّا في غزاةٍ فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاريّ يا للأنصار وقال المهاجريّ يا للمهاجرين فسمّعها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قال ما هذا فقالوا كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاريّ يا للأنصار وقال المهاجريّ يا للمهاجرين فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم دعوها فإنّها منتنةٌ قال جابرٌ وكانت الأنصار حين قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر ثمّ كثر المهاجرون بعد فقال عبد الله بن أبيٍّ أوقد فعلوا والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال النبيّ صلى الله عليه وسلم دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدا يقتل أصحابه.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والحميدي عبد الله بن الزبير منسوب إلى أحد أجداده حميد، وسفيان هو ابن عيينة، والحديث مضى قبل الباب الّذي سبق هذا الباب، ومضى الكلام فيه). [عمدة القاري: 19/242-243]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة}) [المنافقين: 8] الغلبة والقوة ({ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}) من فرط جهلهم وغرورهم أنه تعالى معزٌّ أوليائه بطاعتهم له ومذلّ أعدائه لمخالفتهم أمره وسقط لأبي ذر ما بعد قوله الأذل ولغيره باب.
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان قال: حفظناه من عمرو بن دينارٍ، قال سمعت جابر بن عبد اللّه -رضي الله عنهما- يقول: كنّا في غزاةٍ فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فسمّعها اللّه رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «ما هذا»؟ فقالوا: كسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ، يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «دعوها فإنّها منتنةٌ». قال جابرٌ: وكانت الأنصار حين قدم النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- أكثر ثمّ كثر المهاجرون بعد، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ أوقد فعلوا واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق. قال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: كنا في غزاة) سبق أنها غزوة بني المصطلق (فكسع) بالعين والسين المهملتين (رجل من المهاجرين) يسمى
جهجاهًا الغفاري (رجلًا من الأنصار) يسمى سنانًا الجهني أي ضرب بيده على دبره (فقال الأنصاري: يا للأنصار) أغيثوني (وقال المهاجري: يا للمهاجرين) أغيثوني (فسمعها الله) بتشديد الميم (رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال):
(ما هذا؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار) مستغيثًا بهم (وقال المهاجري: يا للمهاجرين) مستغيثًا بهم (فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: دعوها) أي كلمة الاستغاثة (فإنها منتنة) بضم الميم خبيثة.
(قال جابر) بالسند السابق (وكانت الأنصار حين قدم النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أكثر) من المهاجرين (ثم كثر المهاجرون بعد) أي بعد هذه القصة (فقال عبد الله بن أبيّ: أوقد فعلوا) الأثرة (والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وفي الترمذي فقال غير عمرو فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ والله لا تنقلب أي إلى المدينة حتى تقول: إنك أنت الذليل ورسول الله العزيز ففعل (فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) بعد أن بلغ النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- ذلك (دعني يا رسول الله أضرب) بالجزم (عنق هذا المنافق) ابن أبيّ (قال) ولأبي ذر فقال (النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-: دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا) زاد في نسخة -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهي ثابتة في اليونينية (يقتل أصحابه).
فإن قلت: الصحابي لا بدّ أن يكون مسلمًا والإسلام والنفاق لا يجتمعان، وهذا كان رأس المنافقين فكيف أدخله في الأصحاب؟ أجيب: أدخله فيهم باعتبار الظاهر لنطقه بالشهادتين، وفي قتله تنفير غيره عن الإسلام والتزام مفسدة لدفع أعظم المفسدين جائز). [إرشاد الساري: 7/389]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، سمع جابر بن عبد الله يقول: كنّا في غزاةٍ، قال سفيان: يرون أنّها غزوة بني المصطلق فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال المهاجريّ: يا للمهاجرين وقال الأنصاريّ: يا للأنصار، فسمع ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما بال دعوى الجاهليّة؟ قالوا: رجلٌ من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: دعوها فإنّها منتنةٌ، فسمع ذلك عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول، فقال: أوقد فعلوها؟ واللّه {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه وقال غير عمرٍو، فقال: له ابنه عبد الله بن عبد الله: واللّه لا تنقلب حتّى تقرّ أنّك الذّليل، ورسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم العزيز، ففعل.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/274-275]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله: {الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا}
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، وابن أبي عديٍّ، قالا: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن زيد بن أرقم، قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، فقال عبد الله بن أبيٍّ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فحلف عبد الله أنّه لم يذكر شيئًا، ولامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا؟، فأرسل إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ قد أنزل عذرك»، فنزلت هذه الآية {الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا} [المنافقون: 7]، حتّى بلغ {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/303] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}
- أخبرنا أبو داود، قال: حدّثنا الحسن يعني ابن محمّد بن أعين، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، أنّه سمع زيد بن أرقم، يقول: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفرٍ أصاب النّاس فيه شدّةٌ، فقال عبد الله بن أبيٍّ وأنا أسمعه لأصحابه: {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا} [المنافقون: 7] من حوله، وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]، قال: فأتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته ذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبيٍّ فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذب زيدٌ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوقع في نفسي ممّا قالوا شدّةٌ، حتّى أنزل الله عزّ وجلّ تصديقي في {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] قال: ودعاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليستغفر لهم، فلوّوا رءوسهم
- أخبرنا محمّد بن منصورٍ، عن سفيان، عن عمرٍو، قال: سمعت جابرًا، يقول: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاةٍ، فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، وقال الأنصاريّ: يا للأنصار، فسمعها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما بال دعوى الجاهليّة»، قالوا: يا رسول الله، كسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «دعوها فإنّها منتنةٌ»، فبلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ابن سلولٍ، فقال: فعلوها؟ {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون: 8]، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يتحدّثنّ النّاس أنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم يقتل أصحابه»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/303-304] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المنافقون الّذين وصف صفتهم قبل {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}. فيها، ويعني بالأعزّ: الأشدّ والأقوى، قال اللّه جلّ ثناؤه: {وللّه العزّة} يعني: الشّدّة والقوّة {ولرسوله وللمؤمنين} باللّه ولكنّ المنافقين لا يعلمون ذلك.
وذكر أنّ سبب قيل ذلك عبد اللّه بن أبيٍّ كان من أجل أنّ رجلاً من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا زمعة، عن عمرٍو، قال: سمعت جابر بن عبد اللّه، قال: إنّ الأنصار كانوا أكثر من المهاجرين، ثمّ إنّ المهاجرين كثروا فخرجوا في غزوةٍ لهم، فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، قال: فكان بينهما قتالٌ إلى أن صرخ: يا معشر الأنصار، وصرخ المهاجر: يا معشر المهاجرين؛ قال: فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما لكم ولدعوة الجاهليّة؟ فقالوا: كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: دعوها فإنّها منتنةٌ قال: فقال عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فقال عمر: يا رسول اللّه، دعني فأقتله، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يتحدّث النّاس أنّ رسول اللّه يقتل أصحابه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة}. إلى {وللّه العزّة ولرسوله}. قال: قال ذلك عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول الأنصاريّ رأس المنافقين، وناسٌ معه من المنافقين.
- حدّثني أحمد بن منصور الرّماديّ، قال: حدّثنا إبراهيم بن الحكم، قال: حدّثني أبي عن عكرمة، أنّ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول، كان يقال له حبابٌ، فسمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه، فقال: يا رسول اللّه إنّ والدي يؤذي اللّه ورسوله، فذرني حتّى أقتله، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تقتل أباك، ثمّ جاء أيضًا فقال: يا رسول اللّه، إنّ والدي يؤذي اللّه ورسوله، فذرني حتّى أقتله، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تقتل أباك فقال: يا رسول اللّه، توضّأ حتّى أسقيه من وضوئك لعلّ قلبه أن يلين، فتوضّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأعطاه، فذهب به إلى أبيه فسقاه، ثمّ قال له: هل تدري ما سقيتك؟ فقال له والده: نعم، سقيتني بول أمّك. فقال له ابنه: لا واللّه، ولكن سقيتك وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال عكرمة: وكان عبد اللّه بن أبيٍّ عظيم الشّأن فيهم. وفيهم أنزلت هذه الآية في المنافقين: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} وهو الّذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، قال: فلمّا بلغوا المدينة مدينة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ومن معه، أخذ ابنه السّيف، ثمّ قال لوالده: أنت تزعم لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، فواللّه لا تدخلها حتّى يأذن لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابر بن عبد اللّه أنّ رجلاً من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار برجله وذلك في أهل اليمن شديدٌ فنادى المهاجرين: يا للمهاجرين، ونادى الأنصار: يا للأنصار قال: والمهاجرون يومئذٍ أكثر من الأنصار، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: دعوها فإنّها منتنةٌ فقال عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}.
- حدّثني عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عليّ بن سليمان، قال: حدّثنا أبو إسحاق، أنّ زيد بن أرقم أخبره أنّ عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول قال: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، قال: فحدّثني زيدٌ أنّه أخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقول عبد اللّه بن أبيٍّ، قال: فجاء فحلف عبد اللّه بن أبيٍّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قال ذلك؛ قال أبو إسحاق: فقال لي زيدٌ، فجلست في بيتي، حتّى أنزله اللّه تصديق زيدٍ، وتكذيب عبد اللّه في {إذا جاءك المنافقون}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} قرأ الآية كلّها إلى {لا يعلمون}. قال: قد قالها منافقٌ عظيم النّفاق في رجلين اقتتلا، أحدهما غفاريٌّ، والآخر جهنيٌّ، فظهر الغفاريّ على الجهنيّ، وكان بين جهينة والأنصار حلفٌ، فقال رجلٌ من المنافقين وهو ابن أبيٍّ: يا بني الأوس، يا بني الخزرج، عليكم صاحبكم وحليفكم، ثمّ قال: واللّه ما مثلنا ومثل محمّدٍ إلاّ كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فسعى بها بعضهم إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال عمر: يا نبيّ اللّه مر معاذ بن جبلٍ أن يضرب عنق هذا المنافق، فقال: لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه.
ذكر لنا أنّه كان أكثر على رجلٍ من المنافقين عنده، فقال: هل يصلّي؟ فقال: نعم ولا خير في صلاته، فقال: نهيت عن المصلّين، نهيت عن المصلّين.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قال: اقتتل رجلان، أحدهما من جهينة، والآخر من غفارٍ، وكانت جهينة حليفة الأنصار، فظهر عليه الغفاريّ، فقال رجلٌ منهم عظيم النّفاق: عليكم صاحبكم، عليكم صاحبكم، فواللّه ما مثلنا ومثل محمّدٍ إلاّ كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وهم في سفرٍ، فجاء رجلٌ ممّن سمعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره ذلك، فقال عمر: مر معاذًا يضرب عنقه، فقال: واللّه لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه. فنزلت فيهم: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه}.
وقوله: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، أنّ غلامًا جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه إنّي سمعت عبد اللّه بن أبيٍّ يقول كذا وكذا؛ قال: فلعلّك غضبت عليه؟ قال: لا واللّه لقد سمعته يقوله؛ قال: فلعلّك أخطأ سمعك؟ قال: لا واللّه يا نبيّ اللّه لقد سمعته يقوله قال: فلعلّه شبّه عليك قال: لا واللّه، قال: فأنزل اللّه تصديقًا للغلام: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}. فأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأذن الغلام، فقال: وفت أذنك، وفت أذنك يا غلام.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}. قال: كان المنافقون يسمّون المهاجرين: الجلابيب؛ وقال: قال ابن أبيٍّ: قد أمرتكم في هؤلاء الجلابيب أمري، قال: هذا بين أمجٍ وعسفان على الكديد تنازعوا على الماء، وكان المهاجرون قد غلبوا على الماء؛ قال: وقال ابن أبيٍّ أيضًا: أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، لقد قلت لكم: لا تنفقوا عليهم، لو تركتموهم ما وجدوا ما يأكلون، ويخرجوا ويهربوا؛ فأتى عمر بن الخطّاب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، ألا تسمع ما يقول ابن أبيٍّ؟ قال: وما ذاك؟ فأخبره وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللّه. قال: إذًا ترعد له آنفٌ كثيرةٌ بيثرب. قال عمر: فإن كرهت يا رسول اللّه أن يقتله رجلٌ من المهاجرين، فمر به سعد بن معاذٍ، ومحمّد بن مسلمة فيقتلانه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أكره أن يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه، ادعوا لي عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبيٍّ. فدعاه، فقال: ألا ترى ما يقول أبوك؟ قال: وما يقول بأبي أنت وأمّي؟ قال: يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ؛ فقال: فقد صدق واللّه يا رسول اللّه، أنت واللّه الأعزّ وهو الأذلّ، أما واللّه لقد قدمت المدينة يا رسول اللّه، وإنّ أهل يثرب ليعلمون ما بها أحدٌ أبرّ منّي، ولئن كان يرضي اللّه ورسوله أن آتيهما برأسه لآتينّهما به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا. فلمّا قدموا المدينة، قام عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبيٍّ على بابها بالسّيف لأبيه؛ ثمّ قال: أنت القائل: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، أما واللّه لتعرفنّ العزّة لك أو لرسول اللّه، واللّه لا يأويك ظلّه، ولا تأويه أبدًا إلاّ بإذنٍ من اللّه ورسوله؛ فقال: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي يا للخزرج ابني يمنعني بيتي فقال: واللّه لا تأويه أبدًا إلاّ بإذنٍ منه؛ فاجتمع إليه رجالٌ فكلّموه، فقال: واللّه لا يدخله إلاّ بإذنٍ من اللّه ورسوله، فأتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبروه، فقال: اذهبوا إليه، فقولوا له خلّه ومسكنه؛ فأتوه، فقال: أما إذ جاء أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنعم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة وعليّ بن مجاهدٍ، عن محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعن عبد اللّه بن أبي بكرٍ، وعن محمّد بن يحيى بن حبّان، قال: كلٌّ قد حدّثني بعض حديث بني المصطلق، قالوا: بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرارٍ أبو جويرية بنت الحارث زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فلمّا سمع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، خرج إليهم حتّى لقيهم على ماءٍ من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديدٍ إلى السّاحل، فتزاحف النّاس فاقتتلوا، فهزم اللّه بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبناءهم ونساءهم وأموالهم، فأفاءهم اللّه عليه، وقد أصيب رجلٌ من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكرٍ، يقال له هشام بن صبابة أصابه رجلٌ من الأنصار من رهط عبادة بن الصّامت، وهو يرى أنّه من العدوّ، فقتله خطأً، فبينا النّاس على ذلك الماء وردت واردة النّاس ومع عمر بن الخطّاب أجيرٌ له من بني غفارٍ يقال له جهجاه بن سعيدٍ، يقود له فرسه، فازدحم جهجاهٌ وسنانٌ الجهنيّ حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهنيّ: يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين، فغضب عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول، وعنده رهطٌ من قومه فيهم زيد بن أرقم، غلامٌ حديث السّنّ، فقال: قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، واللّه ما أعدّنا وجلابيب قريشٍ هذه إلاّ كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك. أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ؛ ثمّ أقبل على من حضر من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما واللّه لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم؛ فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وذلك عند فراغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من عدوّه، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه مر به عبّاد بن بشر بن وقشٍ فليقتله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فكيف يا عمر إذا تحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه، لا، ولكن أذّن بالرّحيل وذلك في ساعةٍ لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرتحل فيها، فارتحل النّاس، وقد مشى عبد اللّه بن أبيٍّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين بلغه أنّ زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف باللّه ما قلت ما قال، ولا تكلّمت به؛ وكان عبد اللّه بن أبيٍّ في قومه شريفًا عظيمًا، فقال من حضر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أصحابه من الأنصار: يا رسول اللّه عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرّجل، حدبًا على عبد اللّه بن أبيّ، ودفعًا عنه؛ فلمّا استقلّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسار، لقيه أسيد بن حضيرٍ، فحيّاه بتحيّة النّبوّة وسلّم عليه؛ ثمّ قال: يا رسول اللّه لقد رحت في ساعةٍ منكرةٍ ما كنت تروح فيها، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال: فأيّ صاحبٍ يا رسول اللّه؟ قال: عبد اللّه بن أبيٍّ. قال: وما قال؟ قال: زعم أنّه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذلّ. قال أسيدٌ: فأنت واللّه يا رسول اللّه تخرجه إن شئت، هو واللّه الذّليل وأنت العزيز؛ ثمّ قال: يا رسول اللّه ارفق به، فواللّه لقد جاء اللّه بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه، فإنّه ليرى أنّك قد استلبته ملكًا. ثمّ مشى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّاس يومهم ذلك حتّى أمسى، وليلتهم حتّى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتّى آذتهم الشّمس، ثمّ نزل بالنّاس، فلم يكن إلاّ أن وجدوا مسّ الأرض وقعوا نيامًا، وإنّما فعل ذلك ليشغل النّاس عن الحديث الّذي كان بالأمس من حديث عبد اللّه بن أبيٍّ.
ثمّ راح بالنّاس وسلك الحجاز حتّى نزل على ماءٍ بالحجاز فويق النّقيع، يقال له نقعاء؛ فلمّا راح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هبّت على النّاس ريحٌ شديدةٌ آذتهم وتخوّفوها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تخافوا فإنّما هبّت لموت عظيمٍ من عظماء الكفّار. فلمّا قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التّابوت أحد بني قينقاعٍ وكان من عظماء يهود، وكهفًا للمنافقين قد مات ذلك اليوم، فنزلت السّورة الّتي ذكر اللّه فيها المنافقين في عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول، ومن كان معه على مثل أمره، فقال: {إذا جاءك المنافقون} فلمّا نزلت هذه السّورة أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأذن زيدٍ فقال: هذا الّذي أوفى اللّه بأذنه وبلغ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبيٍّ الّذي كان من أبيه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أنّ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبيٍّ أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّه بلغني أنّك تريد قتل عبد اللّه بن أبيٍّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً، فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فواللّه لقد علمت الخزرج ما كان لها رجلٌ أبرّ بوالده منّي، وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد اللّه بن أبيٍّ يمشي في النّاس فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافرٍ، فأدخل النّار؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا، وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الّذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنّفونه ويتوعّدونه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعمر بن الخطّاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم كيف ترى يا عمر؛ أما واللّه لو قتلته يوم أمرتني بقتله لأرعدت له آنفٌ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته؛ قال: فقال عمر: قد واللّه علمت لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعظم بركةً من أمري). [جامع البيان: 22/661-670]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحق الهمداني عن زيد بن أرقم قال كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي يقول لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني فأصابني غم لم يصبني مثله قط وجلست في بيتي فأنزل الله عز وجل إذا جاءك المنافقون إلى قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا إلى قوله ليخرجن الأعز منها الأذل فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي وقال إن الله عز وجل صدقك). [تفسير مجاهد: 2/677-678] (م)

قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) جابر - رضي الله عنه -: قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب معه ناسٌ من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجلٌ لعّابٌ، فكسع أنصاريّاً، فغضب الأنصاريّ غضباً شديداً، حتى تداعوا، وقال الأنصاريّ: يال الأنصار، وقال المهاجريّ: يال المهاجرين، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم؟ فأخبر بكسعة المهاجريّ الأنصاري، قال: فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: دعوها، فإنها خبيثةٌ، وقال عبد الله بن أبيّ بن سلولٍ: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، قال عمر: ألا نقتل يا نبي الله هذا الخبيث؟ - لعبد الله - فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا يتحدّث النّاس أنّه كان يقتل أصحابه».
وفي رواية نحوه، إلا أنه قال: فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله القود؟ فقال: دعوها، فإنها منتنةٌ... الحديث، هذه رواية البخاري، ومسلم.
وفي رواية لمسلم قال: اقتتل غلامان: غلامٌ من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجريّ - أو المهاجرون -: يال المهاجرين، ونادى الأنصاري: يال الأنصار، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ دعوى [أهل] الجاهلية؟ قالوا: لا يا رسول الله، إلا أنّ غلامين اقتتلا، فكسع أحدهما الآخر، فقال: لا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالماً، أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلينهه، فإنّه له نصرٌ، وإن كان مظلوماً، فلينصره.
وأخرجه الترمذي بنحوه، وفي أوله، قال سفيان: يرون أنّها غزوة بني المصطلق.
وفي آخرها: لا يتحدّث النّاس أنّ محمّداً يقتل أصحابه.
وقال غير عمرو بن دينار: فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: لا تنقلب حتّى تقرّ: أنّك الذليل، ورسول الله: العزيز، ففعل.
[شرح الغريب]
(ثاب): إذا رجع.
(الكسع) أن تضرب دبر الإنسان بيدك، أو بصدر قدمك.
(الخبيث) الرديء الكريه المنتنة والمنتن معروف، أراد: أن دعوى الجاهلية (يال فلان) كريهة رديئة في الشرع.
(القود) القصاص). [جامع الأصول: 2/389-391]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال الحميدي: ثنا سفيان، ثنا أبو هارون المدني قال: "قال عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي بن سلولٍ لأبيه: واللّه لا تدخل الجنّة أبدًا حتّى تقول: رسول اللّه الأعزّ وأنا الأذلّ. قال: وجاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّه بلغني أنك تريد أن تقتل أبي فو الذي بعثك بالحقّ ما تأمّلت وجهه قطّ هيبةً له، ولئن شئت أن آتيك برأسه لأتيتك به؟ فإنّي أكره أن أرى قاتل أبي"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/288]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال الحميديّ: حدثنا سفيان، ثنا أبو هارون المدنيّ، قال: قال عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول لأبيه: واللّه لا تدخل المدينة أبدًا، حتّى تقول: رسول اللّه الأعزّ وأنا الأذلّ. قال: وجاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّه بلغني أنّك تريد أن تقتل أبي، فوالّذي بعثك بالحقّ ما تأمّلت وجهه قطّ هيبةً له، ولئن شئت أن آتيك برأسه لاتينّك به، فإنّي أكره، أن أرى قاتل أبي). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/355]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 01:38 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لوّوا رءوسهم...}.حركوها استهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه. وقرأ بعض أهل المدينة: "لووا رءوسهم" بالتخفيف). [معاني القرآن: 3/159]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مّستكبرون}[وقال] {لوّوا رءوسهم} لأن كلام العرب إذا كان في السّخريّ أو في التكثير قيل {لوّى لسانه} و"رأسه". وخفّف بعضهم واحتج بقول الله عز وجل: {ليّاً بألسنتهم} ). [معاني القرآن: 4/31]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون} قرأ أبو عمرو يستغفر لّكم -بإدغام الراء في اللام- وهي عند سيبويه لا تجوز، وقد بيّنّا ذلك في سورة الصف. [معاني القرآن: 5/176]
وقوله: {لوّوا رءوسهم} على فعّلوا، وقرئت (لووا رءوسهم) بالتخفيف. وهذه قيل إنها نزلت في عبد اللّه بن أبيّ). [معاني القرآن: 5/177]

تفسير قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه...} كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة من غزواته، فالتقى رجل من المسلمين يقال له: جعال وآخر من المنافقين على الماء فازدحما عليه، فلطمه جعال، فأبصره عبد الله بن أبي، فغضب، وقال: ما أدخلنا هؤلاء القوم دارنا إلاّ لنلطم ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوي جعال!، [معاني القرآن: 3/159]
ثم قال: إنكم لم منعتم أصحاب هذا الرجل الطعام لتفرقوا عنه، وانفضوا، فذلك قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا...} ثم قال عبد الله بن أبي: {لئن رّجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} وسمعها زيد بن أرقم، فأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين...}، ويجوز في القراءة: "ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ" كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلا، قرأ بعضهم: لنخرجن الأعزّ منها الأذل أي: لنخرجن الأعزّ في نفسه ذليلا). [معاني القرآن: 3/159-160]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حتّى ينفضّوا} حتى يتفرقوا). [مجاز القرآن: 2/259]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ينفضوا}: يتفرقوا). [غريب القرآن وتفسيره: 378]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا وللّه خزائن السّماوات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون}
هذه أيضا نزلت في عبد الله بن أبيّ. وذلك أنه قال لقوم ينفقون على بعض من مع رسول اللّه: لا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا عنه.
{وللّه خزائن السّماوات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون} أي أن اللّه يرزقهم وهو رازقهم في حال إنفاق هؤلاء عليهم). [معاني القرآن: 5/177]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ) : ({حتى ينفضوا} أي: حتى يتفرقوا). [ياقوتة الصراط: 517]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَنفَضُّوا}: يتفرقوا). [العمدة في غريب القرآن: 306]

تفسير قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه...}.كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة من غزواته، فالتقى رجل من المسلمين يقال له: جعال وآخر من المنافقين على الماء فازدحما عليه، فلطمه جعال، فأبصره عبد الله بن أبي، فغضب، وقال: ما أدخلنا هؤلاء القوم دارنا إلاّ لنلطم ما لهم؟ وكلهم الله إلى جعال، وذوي جعال!، [معاني القرآن: 3/159]
ثم قال: إنكم لم منعتم أصحاب هذا الرجل الطعام لتفرقوا عنه، وانفضوا، فذلك قوله: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا...} ثم قال عبد الله بن أبي: {لئن رّجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} وسمعها زيد بن أرقم، فأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين...}، ويجوز في القراءة: "ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ" كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلا، قرأ بعضهم: لنخرجن الأعزّ منها الأذل أي: لنخرجن الأعزّ في نفسه ذليلا). [معاني القرآن: 3/160] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون} يعنون أيضا عبد الله بن أبيّ، فأعلم اللّه أنه مظهر دينه على الدين كله ومعزّ رسوله ومن معه من المؤمنين فقال: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين}). [معاني القرآن: 5/177]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 01:46 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) }

تفسير قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو احتاج شاعر إلى فصل الألف واللام لاستقام ذلك. وكان جائزا للضرورة، كما يجوز مثله في سوف، وقلّما، وقد، ونحوها من الحروف التي تكون أصلا للأفعال كما قال حيث اضطر الشاعر:
صددت فأطولت الصدود وقلما = وصالٌ على طول الصدود يدوم
وإنما قلما للفعل. وعلى هذا قال الشاعر حيث اضطر:
دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل = بالشحم إنا قد مللناه بجـل
ففصل الألف واللام على أنّه قد ردهما في البيت الثاني.
وقد شرحت لك أنّ هذه الألف إذا اتصلت بالاسم الذي فيه كلام قبله سقطت إذ كانت زائدة، لسكون ما بعدها. تقول: أستخرجت من زيد مالا؟ إذا كنت مستفهما؛ لأن ألف الاستفهام لما دخلت سقطت ألف الوصل، فمن ثمّ ظهرت ألف الاستفهام مفتوحة. قال الله عز وجل: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} فذهبت ألف الوصل). [المقتضب: 1/222-223]

تفسير قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) }

تفسير قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:08 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رؤسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون (5) سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين (6) هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا وللّه خزائن السّماوات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون (7) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون (8)
كان أمر عبد الله بن أبي ابن سلول، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فبلغ الناس إلى ماء سبق إليه المهاجرون وكأنهم غلبوا الأنصار عليه بعض الغلبة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: قد كنت قلت لكم في هؤلاء الجلابيب ما قلت فلم تسمعوا مني، وكان المنافقون ومن لا يتحرى يسمي المهاجرين الجلابيب ومنه قول حسان بن ثابت: [البسيط]
أرى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا = وابن القريعة أمسى بيضة البلد
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتحض علينا يا حسان»، ثم إن الجهجاه الغفاري كان أجيرا لعمر بن الخطاب ورد الماء بفرس لعمر، فازدحم هو وسنان بن وبرة الجهني وكان حليفا للأوس فكسع الجهجاه سنانا، فغضب سنان فتأثروا، ودعا الجهجاه: يا للمهاجرين، ودعا سنان: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى الجاهلية»، فلما أخبر بالقصة، قال: «دعوها فإنها منتنة». واجتمع في الأمر عبد الله بن أبيّ في قوم من المنافقين، وكان معهم زيد بن أرقم فتى صغيرا لم يتحفظ منه، فقال عبد الله بن أبي: أوقد تداعوا علينا فو الله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، وقال لهم: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ، وقال لهم: إنما يقيم هؤلاء المهاجرون مع محمد بسبب معونتكم وإنفاقكم عليهم، ولو قطعتم ذلك عنهم لفروا، فذهب زيد بن أرقم إلى عمه وكان في حجره وأخبره، فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا زيد، غضبت على الرجل أو لعلك وهمت»، فأقسم زيد ما كان شيء من ذلك، ولقد سمع من عبد الله بن أبيّ ما حكى، فعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله بن أبي عند رجال من الأنصار، فبلغه ذلك، فجاء وحلف ما قال، وكذّب زيدا، وحلف معه قوم من المنافقين، فكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، وصدق عبد الله بن أبي، فبقي زيد في منزله لا يتصرف حياء من الناس، فنزلت هذه السورة عند ذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيد وقال له: «لقد صدقك الله يا زيد ووفت أذنك»، فخزي عند ذلك عبد الله بن أبي ابن سلول، ومقته الناس، ولامه المؤمنون من قومه وقال بعضهم: امض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترف بذنبك يستغفر لك، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي، وقال لهم: لقد أشرتم عليّ بأن أعطي زكاة من مالي ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا هو قصص هذه السورة موجزا، و «تعال» نداء يقتضي لفظه أنه دعاء الأعلى للأسفل، ثم استعمل لكل داع لما فيه من حسن الأدب. وقرأ نافع والمفضل عن عاصم «لووا» بتخفيف الواو، وهي قراءة الحسن بخلاف ومجاهد، وأهل المدينة، وقرأ الباقون وأبو جعفر والأعمش: «لوّوا» بشد الواو على تضعيف المبالغة، وهي قراءة طلحة وعيسى وأبي رجاء وزر والأعرج، وقرأ بعض القراء هنا: «يصدون» بكسر الصاد، والجمهور بضمها). [المحرر الوجيز: 8/ 310-312]

تفسير قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: سواءٌ عليهم الآية، روي أنه لما نزلت: إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم [التوبة: 80]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأزيدن على السبعين»، وفي حديث آخر: «لو علمت أني إن زدت على السبعين غفر لهم لزدت»، فكأنه عليه السلام رجا أن هذا الحد ليس على جهة الحتم جملة، بل على أن ما يجاوزه يخرج عن حكمه، فلما فعل ابن أبي وأصحابه ما فعلوا شدد الله تعالى عليهم في هذه السورة، وأعلم أنه لن يغفر لهم دون حد في الاستغفار، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أعلم أني إن زدت غفر لهم» نص على رفض دليل الخطاب.
وقرأ جمهور الناس: «أستغفرت» بالقطع وألف الاستفهام، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: «آستغفرت» بمدّ على الهمزة وهي ألف التسوية، وقرأ أيضا: بوصل الألف دون همز على الخبر، وفي هذا كله ضعف لأنه في الأولى: أثبت همزة الوصل، وقد أغنت عنها همزة الاستفهام، وفي الثانية: حذف همزة الاستفهام وهو يريدها وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر). [المحرر الوجيز: 8/ 312-313]

تفسير قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: هم الّذين أشار عبد الله بن أبي ومن قال بقوله، قاله علي بن سليمان ثم سفه أحلامهم في أن ظنوا إنفاقهم هو سبب رزق المهاجرين ونسوا أن جريان الرزق بيد الله تعالى، إذا انسد باب انفتح غيره، وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي: «حتى ينفضوا» بضم الياء وتخفيف الفاء، يقال: «أنفض» الرجل إذا فني طعامه فنفض وعاءه والخزائن موضع الإعداد، ونجد القرآن قد نطق في غير موضع بالخزائن ونجد في الحديث: «خزنة الربح» وفي القرآن: من جبالٍ فيها من بردٍ [النور: 43]، فجائز أن تكون هذه عبارة عن القدرة وأن هذه الأشياء إيجادها عند ظهورها جائز. وهو الأظهر. إن منها أشياء مخلوقة موجودة يصرفها الله تعالى حيث شاء، وظواهر ألفاظ الشريعة تعطي هذا. ومعناه في التفسير قال عتت على الخزان، وفي الحديث: «ما انفتح من خزائن الربح على قوم عاد إلا قدر حلقة الخاتم، ولو انفتح مقدار منخر الثور لهلكت الدنيا»، وقال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل، فقرأ: وللّه خزائن السّماوات والأرض، وقال الجنيد: خزائن السماء: الغيوب، وخزائن الأرض: القلوب). [المحرر الوجيز: 8/ 313-314]

تفسير قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: «ليخرجن الأعز» بضم الياء وكسر الراء بمعنى أن العزيز يخرج الذليل ويبعده، وقال أبو حاتم: وقرئ «لنخرجن» بنون الجماعة مفتوحة، وضم الراء، «الأعزّ» نصبا منها، «الأذلّ» أيضا نصبا على الحال، وذكرها أبو عمر الداني عن الحسن، ورويت هذه القراءة: «لنخرجن» بضم النون وكسر الراء، وقرأ قوم فيما حكى الفراء والكسائي، وذكرها المهدوي: «ليخرجن الأعز منها الأذلّ» بفتح الياء وضم الراء.
ونصب «الأذلّ» على الحال بمعنى: أن نحن الذين كنا أعزة سنخرج أذلاء، وجاءت هذه الحال معرفة، وفيها شذوذ، وحكى سيبويه: أدخلوا الأول فالأول، ثم أعلم تعالى أن العزة لله وللرسول وللمؤمنين، وفي ذلك وعيد، وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي، وكان رجلا صالحا لما سمع الآية، جاء إلى أبيه فقال له: أنت والله يا أبت الذليل، ورسول الله العزيز، فلما وصل الناس إلى المدينة، وقف عبد الله بن عبد الله على باب السكة التي يسلكها أبوه، وجرد السيف ومنعه الدخول، وقال: والله لا دخلت إلى منزلك إلا أن يأذن في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله ابن أبي في أذل الرجال، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه أن خلّه يمض إلى منزله، فقال: أما الآن فنعم، فمضى إلى منزله). [المحرر الوجيز: 8/ 314-315]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:09 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:09 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون (5) سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين (6) هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا وللّه خزائن السّماوات والأرض ولكنّ المنافقين لا يفقهون (7) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون (8)}
يقول تعالى مخبرًا عن المنافقين -عليهم لعائن اللّه- أنّهم {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم} أي: صدوا وأعرضوا عمّا قيل لهم، استكبارًا عن ذلك، واحتقارًا لما قيل لهم ولهذا قال: {ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون} ثمّ جازاهم على ذلك فقال: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين} كما قال في سورة "براءةٌ" وقد تقدّم الكلام على ذلك، وإيراد الأحاديث المرويّة هنالك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر العدني قال: قال سفيان {لوّوا رءوسهم} قال ابن أبي عمر: حوّل سفيان وجهه على يمينه، ونظر بعينه شزرا، ثمّ قال: هم هذا.
وقد ذكر غير واحدٍ من السّلف أنّ هذا السّياق كلّه نزل في عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ كما سنورده قريبًا إن شاء اللّه تعالى، وبه الثّقة وعليه التّكلان.
وقد قال محمّد بن إسحاق في السّيرة: ولمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة -يعني مرجعه من أحدٍ- وكان عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ -كما حدّثني ابن شهابٍ الزّهريّ-له مقامٌ يقومه كلّ جمعة لا ينكر، شرفًا له من نفسه ومن قومه، وكان فيهم شريفًا، إذا جلس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الجمعة وهو يخطب النّاس قام، فقال: أيّها النّاس، هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أظهركم، أكرمكم اللّه به، وأعزّكم به، فانصروه وعزّروه، واسمعوا له وأطيعوا. ثمّ جلس، حتّى إذا صنع يوم أحد ما صنع -يعني مرجعه بثلث الجيش- ورجع النّاس قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس، أي عدوّ اللّه، لست لذلك بأهلٍ، وقد صنعت ما صنعت. فخرج يتخطّى رقاب النّاس وهو يقول: واللّه لكأنّما قلت بجرًا؛ أن قمت أشدّد أمره. فلقيه رجالٌ من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ويلك. ما لك؟ قال: قمت أشدّد أمره، فوثب عليّ رجالٌ من أصحابه يجذبونني ويعنّفونني، لكأنّما قلت بجرًا، أن قمت أشدّد أمره. قالوا: ويلك. ارجع يستغفر لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: واللّه ما أبتغي أن يستغفر لي
وقال قتادة والسّدّيّ: أنزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبيٍّ، وذلك أنّ غلامًا من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بحديثٍ عنه وأمرٍ شديدٍ، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو يحلف باللّه ويتبرّأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذموه وأنزل اللّه فيه ما تسمعون، وقيل لعدوّ اللّه: لو أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فجعل يلوي رأسه، أي: لست فاعلًا
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الرّبيع الزّهرانيّ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا نزل منزلًا لم يرتحل حتّى يصلّي فيه، فلمّا كانت غزوة تبوك بلغه أنّ عبد الله ابن أبيّ بن سلولٍ قال: {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} فارتحل قبل أن ينزل آخر النّهار، وقيل لعبد اللّه بن أبيٍّ: ائت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى يستغفر لك. فأنزل اللّه: {إذا جاءك المنافقون} إلى قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم}
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى سعيد بن جبيرٍ. وقوله: إنّ ذلك كان في غزوة تبوك، فيه نظرٌ، بل ليس بجيّدٍ؛ فإنّ عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ لم يكن ممّن خرج في غزوة تبوك، بل رجع بطائفةٍ من الجيش. وإنّما المشهور عند أصحاب المغازي والسّير أنّ ذلك كان في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق.
قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدّثني محمّد بن يحيى بن حبّان، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، وعاصم بن عمر بن قتادة، في قصّة بني المصطلق: فبينا رسول اللّه مقيمٌ هناك، اقتتل على الماء جهجاه بن سعيدٍ الغفاريّ -وكان أجيرًا-لعمر بن الخطّاب، وسنان بن وبر قال ابن إسحاق: فحدّثني محمّد بن يحيى بن حبّان قال: ازدحما على الماء فاقتتلا فقال سنانٌ: يا معشر الأنصار. وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين -وزيد بن أرقم ونفرٌ من الأنصار عند عبد اللّه بن أبيٍّ-فلمّا سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا. واللّه ما مثلنا وجلابيب قريشٍ هذه إلّا كما قال القائل: "سمن كلبك يأكلك". واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. ثمّ أقبل على من عنده من قومه وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما واللّه لو كففتم عنهم لتحوّلوا عنكم في بلادكم إلى غيرها. فسمعها زيد ابن أرقم، فذهب بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو غليّمٌ -وعنده عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه-فأخبره الخبر، فقال عمر رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه مر عبّاد بن بشر فليضرب عنقه. فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: "فكيف إذا تحدّث النّاس -يا عمر- أنّ محمّدًا يقتل أصحابه؟ لا ولكن ناد يا عمر في الرّحيل".
فلمّا بلغ عبد اللّه بن أبيٍّ أنّ ذلك قد بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أتاه فاعتذر إليه، وحلف باللّه ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم -وكان عند قومه بمكانٍ- فقالوا: يا رسول اللّه، عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرّجل.
وراح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مهجرًا في ساعةٍ كان لا يروح فيها، فلقيه أسيد بن الحضير فسلّم عليه بتحيّة النّبوّة، ثمّ قال: واللّه لقد رحت في ساعةٍ منكرة ما كنت تروح فيها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبيٍّ؟. زعم أنّه إذا قدم المدينة سيخرج الأعزّ منها الأذلّ". قال: فأنت -يا رسول اللّه- العزيز وهو الذّليل. ثمّ قال: يا رسول اللّه ارفق به فواللّه لقد جاء اللّه بك وإنّا لننظم له الخرز لنتوّجه، فإنّه ليرى أن قد استلبته ملكًا.
فسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّاس حتّى أمسوا، ليلته حتّى أصبحوا، وصدر يومه حتّى اشتدّ الضّحى. ثمّ نزل بالنّاس ليشغلهم عمّا كان من الحديث، فلم يأمن النّاس أن وجدوا مس الأرض فناموا، ونزلت سورة المنافقين
وقال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا بشر بن موسى، حدّثنا الحميدي، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاة فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: ياللأنصار. وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما بال دعوى الجاهليّة؟ دعوها فإنّها منتنةٌ". وقال عبد اللّه بن أبيّ بن سلول -وقد فعلوها-: والله لئن رجعناإلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال جابرٌ: وكان الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ كثر المهاجرون بعد ذلك، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "دعه؛ لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه"
ورواه الإمام أحمد عن حسين بن محمّدٍ المروزيّ، عن سفيان بن عيينة ورواه البخاريّ عن الحميديّ، ومسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن سفيان، به نحوه
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن زيد بن أرقم قال: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال: فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، قال: فحلف عبد اللّه بن أبيٍّ أنّه لم يكن شيءٌ من ذلك. قال: فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا؟ قال: فانطلقت فنمت كئيبًا حزينا، قال: فأرسل إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ اللّه قد أنزل عذرك وصدّقك". قال: فنزلت هذه الآية {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} حتّى بلغ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}
ورواه البخاريّ عند هذه الآية، عن آدم بن أبي إياسٍ، عن شعبة ثمّ قال: "وقال ابن أبي زائدة، عن الأعمش، عن عمرٍو، عن ابن أبي ليلى، عن زيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ عندها أيضًا من حديث شعبة، به
طريقٌ أخرى عن زيدٍ: قال الإمام أحمد، رحمه اللّه، حدّثنا يحيى بن آدم، ويحيى بن أبي بكير قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم -وقال ابن أبي بكير عن زيد بن أرقم-قال: خرجت مع عمّي في غزاةٍ، فسمعت عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فذكرت ذلك لعمّي فذكره عمّي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسل إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحدّثته فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ وأصحابه فحلفوا ما قالوا: فكذبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همٌ لم يصبني مثله قطّ، وجلست في البيت، فقال عمّي: ما أردت إلّا أن كذّبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومقتك. قال: حتّى أنزل اللّه: {إذا جاءك المنافقون} قال: فبعث إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأها رسول اللّه عليّ، ثمّ قال: "إنّ اللّه قد صدّقك"
ثمّ قال أحمد أيضًا: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا زهير، حدّثنا أبو إسحاق: أنه سمع زيدابن أرقم يقول: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ، فأصاب النّاس شدةٌ، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيٍّ فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل. فقالوا: كذب زيدٌ يا رسول اللّه. فوقع في نفسي ما قالوا، حتّى أنزل اللّه تصديقي: {إذا جاءك المنافقون} قال: ودعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليستغفر لهم، فلووا رؤوسهم. وقوله تعالى: {كأنّهم خشبٌ مسنّدةٌ} قال: كانوا رجالًا أجمل شيءٍ.
وقد رواه البخاريّ ومسلمٌ والنّسائيّ، من حديث زهيرٍ ورواه البخاريّ أيضًا والتّرمذيّ من حديث إسرائيل، كلاهما عن أبي إسحاق عمرو بن عبد اللّه السّبيعيّ الهمدانيّ الكوفيّ، عن زيدٍ، به.
طريقٌ أخرى عن زيدٍ: قال أبو عيسى التّرمذيّ: حدّثنا عبد بن حميد، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي سعدٍ الأزديّ قال: حدّثنا زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكان معنا أناسٌ من الأعراب، فكنّا نبتدر الماء، وكان الأعراب يسبقوننا يسبق الأعرابيّ أصحابه يملأ الحوض، ويجعل حوله حجارةً، ويجعل النّطع عليه حتّى يجيء أصحابه. قال: فأتى رجلٌ من الأنصار الأعرابيّ، فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع حجرًا ففاض الماء، فرفع الأعرابيّ خشبةً، فضرب بها رأس الأنصاريّ فشجّه، فأتى عبد اللّه بن أبيٍّ رأس المنافقين فأخبره -وكان من أصحابه- فغضب عبد اللّه بن أبيٍّ، ثمّ قال: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله -يعني الأعراب- وكانوا يحضرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند الطّعام. فقال عبد اللّه لأصحابه: إذا انفضّوا من عند محمّدٍ فائتوا محمّدًا بالطّعام، فليأكل هو ومن عنده، ثمّ قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعزّ منها الأذلّ. قال زيدٌ: وأنا ردف عمّي، فسمعت عبد اللّه فأخبرت عمّي، فانطلق فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليه رسول اللّه، فحلف وجحد، قال: فصدّقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكذّبني، فجاء إليّ عمّي فقال: ما أردت إلّا أنّ مقتك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكذبك المسلمون. فوقع عليّ من الغمّ ما لم يقع على أحدٍ قطّ، فبينما أنا أسير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ وقد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا، ثمّ إنّ أبا بكرٍ لحقني وقال: ما قال لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قلت: ما قال لي رسول اللّه شيئًا، غير أن عرك أذني وضحك في وجهي. فقال: أبشر. ثمّ لحقني عمر فقلت له مثل قولي لأبي بكرٍ. فلمّا أن أصبحنا قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة المنافقين.
انفرد بإخراجه التّرمذيّ وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهكذا رواه الحافظ البيهقي عنالحاكم عن أبي العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، عن سعيد بن مسعودٍ، عن عبيد اللّه بن موسى، به وزاد بعد قوله "سورة المنافقين" {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول} حتّى بلغ: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} حتّى بلغ: {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}
وقد روى عبد اللّه بن لهيعة، عن أبي الأسود، عروة بن الزّبير في المغازي -وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه أيضًا هذه القصّة بهذا السّياق، ولكن جعلا الّذي بلّغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلام عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ إنّما هو أوس بن أرقم، من بني الحارث بن الخزرج. فلعلّه مبلّغٌ آخر، أو تصحيفٌ من جهة السّمع، واللّه أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن عزيزٍ الأيليّ، حدّثنا سلامة، حدّثني عقيلٌ، أخبرني محمّد بن مسلمٍ، أنّ عروة بن الزّبير وعمرو بن ثابتٍ الأنصاريّ أخبراه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غزا غزوة المريسيع، وهي الّتي هدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها مناة الطّاغية الّتي كانت بين قفا المشلّل وبين البحر، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالد بن الوليد فكسر مناة، فاقتتل رجلان في غزوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلك، أحدهما من المهاجرين، والآخر من بهز، وهم حلفاء الأنصار، فاستعلى الرّجل الّذي من المهاجرين على البهزيّ، فقال البهزيّ: يا معشر الأنصار، فنصره رجالٌ من الأنصار، وقال المهاجريّ: يا معشر المهاجرين. فنصره رجالٌ من المهاجرين، حتّى كان بين أولئك الرّجال من المهاجرين والرّجال من الأنصار شيءٌ من القتال، ثمّ حجز بينهم فانكفأ كلّ منافقٍ -أو: رجلٍ في قلبه مرضٌ-إلى عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ، فقال: قد كنت ترجى وتدفع فأصبحت لا تضرّ ولا تنفع، قد تناصرت علينا الجلابيب -وكانوا يدعون كلّ حديث هجرةٍ الجلابيب-فقال عبد اللّه بن أبيٍّ عدوّ اللّه: [واللّه] لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال مالك بن الدخشم -وكان من المنافقين-: أولم أقل لكم لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا. فسمع بذلك عمر بن الخطّاب، فأقبل يمشي حتّى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، ائذن لي في هذا الرّجل الّذي قد أفتن النّاس، أضرب عنقه -يريد عمر عبد اللّه بن أبيٍّ-فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعمر: "أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله؟ ". قال: عمر [نعم] واللّه لئن أمرتني بقتله لأضربنّ عنقه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اجلس". فأقبل أسيد بن الحضير -وهو أحد الأنصار، ثمّ أحد بني عبد الأشهل- حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، ائذن لي في هذا الرّجل الّذي قد أفتن النّاس [حتّى] أضرب عنقه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أوقاتله أنت إن أمرتك بقتله؟ ". قال: نعم، واللّه لئن أمرتني بقتله لأضربنّ بالسّيف تحت قرط أذنيه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اجلس". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "آذنوا بالرحيل". فهجّر بالناس، فساريومه وليلته والغد حتّى متع النّهار، ثمّ نزل. ثمّ هجّر بالنّاس مثلها، فصبح بالمدينة في ثلاثٍ سارها من قفا المشلّل فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة أرسل إلى عمر فدعاه، فقال له رسول اللّه: "أي عمر، أكنت قاتله لو أمرتك بقتله؟ " قال عمر: نعم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "واللّه لو قتلته يومئذٍ لأرغمت أنوف رجالٍ لو أمرتهم اليوم بقتله امتثلوه فيتحدّث الناس أنّي قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبرًا". وأنزل اللّه عزّ وجلّ: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} إلى قوله: {لئن رجعنا إلى المدينة [ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل]} الآية.
وهذا سياقٌ غريبٌ، وفيه أشياء نفيسةٌ لا توجد إلّا فيه.
وقال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ عبد اللّه بن أبيٍّ -يعني لمّا بلغه ما كان من أمر أبيه- أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّه بلغني أنّك تريد قتل عبد اللّه بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلًا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فواللّه لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجلٍ أبرّ بوالده منّي، إنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد اللّه بن أبيٍّ يمشي في النّاس، فأقتله، فأقتل مؤمنًا بكافرٍ، فأدخل النّار. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بل نترفّق به ونحسن صحبته، ما بقي معنا"
وذكر عكرمة وابن زيدٍ وغيرهما: أنّ النّاس لمّا قفلوا راجعين إلى المدينة، وقف عبد اللّه بن عبد اللّه هذا على باب المدينة، واستلّ سيفه، فجعل النّاس يمرّون عليه، فلمّا جاء أبوه عبد اللّه بن أبيٍّ قال له ابنه: وراءك. فقال: ما لك؟ ويلك. فقال: والله لا تجوز من هاهنا حتّى يأذن لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّه العزيز وأنت الذّليل. فلمّا جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -وكان إنّما يسير ساقةً فشكا إليه عبد اللّه بن أبيٍّ ابنه، فقال ابنه عبد اللّه: واللّه يا رسول اللّه لا يدخلها حتّى تأذن له. فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أما إذ أذن لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجز الآن.
وقال أبو بكرٍ عبد اللّه بن الزّبير في مسنده: حدّثنا سفيان بن عيينة، حدّثنا أبو هارون المدنيّ قال: قال عبد الله بن عبد الله ابن أبيّ بن سلولٍ لأبيه: واللّه لا تدخل المدينة أبدًا حتّى تقول: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأعزّ وأنا الأذلّ. قال وجاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّه بلغني أنّك تريد أن تقتل أبي، فوالّذي بعثك بالحقّ ما تأمّلت وجهه قطّ هيبةً له، لئن شئت أن آتيك برأسه لآتينّك، فإنّي أكره أن أرى قاتل أبي). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 126-132]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة