تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر قال تلا قتادة هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله فقال الحمد لله الذي بينها). [تفسير عبد الرزاق: 2/290]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ (10) تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}.
يقول تعالى ذكره: {يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ} موجعٍ، وذلك عذاب جهنّم). [جامع البيان: 22/616]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم قال: قال نفر من الأنصار في مجلس لهم وفيهم عبد الله بن رواحة لو نعلم أي العمل أحب إلى الله لعملنا به حتى نموت فأنزل الله عز وجل هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله وبشر المؤمنين قال ابن رواحة لا أزال حبيسا في سبيل الله حتى أموت فقتل شهيدا). [تفسير مجاهد: 2/671]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 10 - 14
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة} الآية قال: لما نزلت قال المسلمون: لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والأهلين فبين لهم التجارة فقال: {تؤمنون بالله ورسوله}). [الدر المنثور: 14/448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة} الآية قال: فلولا أن الله بينها ودل عليها للهف الرجال أن يكونوا يعلمونها حتى يطلبوها ثم دلهم الله عليها فقال: {تؤمنون بالله ورسوله} الآية). [الدر المنثور: 14/448-449]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {على تجارة تنجيكم} خفيفة). [الدر المنثور: 14/449]
تفسير قوله تعالى: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر قال تلا قتادة هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله فقال الحمد لله الذي بينها). [تفسير عبد الرزاق: 2/290] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمّ بيّن لنا جلّ ثناؤه ما تلك التّجارة الّتي تنجينا من العذاب الأليم، فقال: {تؤمنون باللّه ورسوله} محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {تؤمنون باللّه ورسوله} وقد قيل لهم: {يا أيّها الّذين آمنوا} بوصفهم بالإيمان؟ فإنّ الجواب في ذلك نظير جوابنا في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا آمنوا باللّه}. وقد مضى البيان عن ذلك، في موضعه بما أغنى عن إعادته.
وقوله: {وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم}. يقول تعالى ذكره: وتجاهدون في دين اللّه، وطريقه الّذي شرعه لكم بأموالكم وأنفسكم {ذلكم خيرٌ لكم} يقول: إيمانكم باللّه ورسوله، وجهادكم في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم خيرٌ لكم من تضييع ذلك والتّفريط {إن كنتم تعلمون} مضارّ الأشياء ومنافعها.
وذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: آمنوا باللّه على وجه الأمر.
وبيّنت التّجارة من قوله: {هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم}. وفسّرت بقوله: {تؤمنون}. ولم يقل: أن تؤمنوا، لأنّ العرب إذا فسّرت الاسم بفعلٍ تثبت في تفسيره أن أحيانًا، وتطرحها أحيانًا، فتقول للرّجل: هل لك في خيرٍ تقوم بنا إلى فلانٍ فنعوده؟ هل لك في خيرٍ أن تقوم إلى فلانٍ فنعوده؟ بأن وبطرحها. وممّا جاء في الوجهين على الوجهين جميعًا قوله: {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنّا}. وإنّا؛ فالفتح في أنّا لغة من أدخل في يقوم أن من قولهم: هل لك في خيرٍ أن تقوم، والكسر فيها لغة من يلقي أن من تقوم؛ ومنه قوله: {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمّرناهم} وإنّا دمّرناهم، على ما بيّنّا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم}. الآية، فلولا أنّ اللّه بيّنها، ودلّ عليها المؤمنين، لتلهّف عليها رجالٌ أن يكونوا يعلمونها، حتّى يضنّوا بها وقد دلّكم اللّه عليها، وأعلمكم إيّاها فقال: {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: تلا قتادة: {هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه} قال: الحمد للّه الّذي بيّنها). [جامع البيان: 22/616-618]
تفسير قوله تعالى: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيّبةً في جنّات عدنٍ ذلك الفوز العظيم}.
يقول تعالى ذكره: يستر عليكم ربّكم ذنوبكم إذا أنتم فعلتم ذلك فيصفح عنكم ويعفو {ويدخلكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار}. يقول: ويدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار {ومساكن طيّبةً}. يقول: ويدخلكم أيضًا مساكن طيّبةً. {في جنّات عدنٍ} يعني في بساتين إقامةٍ، لا ظعن عنها.
وقوله: {ذلك الفوز العظيم} يقول: ذلك النّجاء العظيم من نكال الآخرة وأهوالها). [جامع البيان: 22/618]
تفسير قوله تعالى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأخرى تحبّونها نصرٌ من اللّه وفتحٌ قريبٌ وبشّر المؤمنين (13) يا أيّها الّذين آمنوا كونوا أنصار اللّه كما قال عيسى ابن مريم للحواريّين من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ فأيّدنا الّذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين}.
اختلف أهل العربيّة فيما نعتت به قوله: {وأخرى} فقال بعض نحويّ البصرة: معنى ذلك: وتجارةٍ أخرى، فعلى هذا القول يجب أن يكون أخرى في موضع خفضٍ عطفًا به على قوله: {هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ}. وقد يحتمل أن يكون رفعًا على الابتداء.
وكان بعض نحويّ الكوفة يقول: هي في موضع رفعٍ. أي: ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة، ثمّ قال: {نصرٌ من اللّه} مفسّرًا للأخرى.
والصّواب من القول في ذلك عندي القول الثّاني، وهو أنّه معنيٌّ به: ولكم أخرى تحبّونها، لأنّ قوله {نصرٌ من اللّه وفتحٌ قريبٌ} مبيّنٌ عن أنّ قوله {وأخرى} في موضع رفعٍ، ولو كان جاء ذلك خفضًا حسن أن يجعل قوله وأخرى عطفًا على قوله: {تجارةٍ} فيكون تأويل الكلام حينئذٍ لو قرئ ذلك خفضًا، وعلى خلّةٍ أخرى تحبّونها، فمعنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت: هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ تؤمنون باللّه ورسوله يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، ولكم خلّةٌ أخرى سوى ذلك في الدّنيا تحبّونها: {نصرٌ من اللّه} لكم على أعدائكم، {وفتحٌ قريبٌ} يعجّله لكم.
{وبشّر المؤمنين} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وبشّر يا محمّد المؤمنين بنصر اللّه إيّاهم على عدوّهم، وفتحٍ عاجلٍ لهم). [جامع البيان: 22/618-619]