تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ أنّه بلغه: لما أنزلت هذه الآية: {يا أيها اللذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهن}، في امرأة أبي حسان بن [الدحداحة]، فهي أمية ابنة بشير امرأةٌ من بني عمرو بن عوف، وإن سهل بن حنيف [ .. .. ] تزوجها حين فرت إلى رسول الله، فولدت له عبد الله بن سهل، وإنه أنزل: {[ولا] تمسكوا بعصم الكوافر}، في امرأةٍ لعمر بن الخطاب تركها [ ........ .. ] يطلقها حتى نزلت هذه الآية، فطلقها عمر [ ........ .. ]). [الجامع في علوم القرآن: 2/18-19]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري نزلت عليه وهو في أسفل الحديبية وكان النبي صالحهم على أنه من أتاه منهم فإنه يرده إليهم فلما جاء النساء نزلت عليه هذه الآية وأمره أن يرد الصداق على أزواجهن وحكم على المشركين بمثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى زوجها قال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر قال فطلق عمر امرأتين كانتا له بمكة قال فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله وأما المشركون فأبوا أن يقروا فأنزل الله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا فأمر الله المؤمنين أن يردوا الصداق إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج من المسلمين أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته من صداق إن كان في أيديهم مما يريدون أن يردوا ذلك إلى المشركين). [تفسير عبد الرزاق: 2/288]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: ... {بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] : «أمر أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بفراق نسائهم كنّ كوافر بمكّة»). [صحيح البخاري: 6/149]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله بعصم الكوافر أمر أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بفراق نسائهم كنّ كوافر بمكّة وصله الفريابيّ من طريق مجاهدٍ وأخرجه الطّبريّ من طريقه أيضًا ولفظه أمر أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بطلاق نسائهم كوافر بمكّة قعدن مع الكفّار ولسعيد بن منصورٍ من طريق إبراهيم النّخعيّ قال نزلت في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين فتكفر فلا يمسك زوجها بعصمتها قد برئ منها انتهى والكوافر جمع كافرةٍ والعصم جمع عصمةٍ وقال أبو عليّ الفارسيّ قال لي الكرخيّ الكوافر في الآية يشمل الرّجال والنّساء قال فقلت له النّحاة لا يجيزون هذا إلّا في النّساء جمع كافرةٍ قال أليس يقال طائفةٌ كافرةٌ انتهى وتعقّب بأنّه لا يجوز كافرةٌ وصفًا للرّجال إلّا مع ذكر الموصوف فتعيّن الأوّل واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/633]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال البيهقيّ في السّنن الكبير أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا عبد الرّحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 10 الممتحنة {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال أمر أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم بطلاق نساء كن كوافر بمكّة قعدن مع الكفّار بمكّة
وكذا رواه الفريابيّ عن ورقاء وعبد عن شبابة عن ورقاء). [تغليق التعليق: 4/338]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بعصم الكوافر أمر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بفراق نسائهم كنّ كوافر بمكّةً.
أشار به إلى قوله عز وجل: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} (الممتحنة: 10) معناه: أن الله تعالى نهى عن التّمسّك بعصم الكوافر، والعصم جمع عصمة وهي ما اعتصم به، يقال: مسكت الشّيء وتمسكت به، والكوافر جمع كافرة نهى الله تعالى المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وأمرهم بفراقهن، وقال ابن عبّاس: يقول لا تأخذوا بعقد الكوافر فمن كانت له امرأة كافرة بمكّة فلا يعتدن بها فقد نقضت عصمتها منه وليست له بامرأة. وإن جاءتكم امرأة مسلمة من أهل مكّة ولها بها زوج كافر فلا تعتدن به فقد انقضت عصمته منها. وقال الزّهريّ: لما نزلت هذه الآية طلق عمر امرأتين كانتا له بمكّة مشركتين قريبة بنت أميّة فتزوجها بعده معاوية وهما على شركهما بمكّة والأخرى: أم كلثوم الخزاعيّة أم عبد الله فتزوجها أبو جهم، وهما على شركهما، وكانت عند طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة ففرق بينهما الإسلام). [عمدة القاري: 19/229]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({بعصم الكوافر}) [الممتحنة: 10] جمع كافرة كضوارب في ضاربة قال مجاهد: (أمر أصحاب النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) بضم الهمزة وكسر الميم مبنيًّا للمفعول (بفراق نسائهم كن كوافر بمكة) لقطع إسلامهم بالنكاح). [إرشاد الساري: 7/378]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ} [الممتحنة: 10]
- حدّثنا إسحاق، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، حدّثنا ابن أخي ابن شهابٍ، عن عمّه، أخبرني عروة، أنّ عائشة رضي اللّه عنها، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرته: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول اللّه: {يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} [الممتحنة: 12] إلى قوله {غفورٌ رحيمٌ} [الممتحنة: 12] ، قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشّرط من المؤمنات، قال لها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «قد بايعتك» كلامًا، ولا واللّه ما مسّت يده يد امرأةٍ قطّ في المبايعة، ما يبايعهنّ إلّا بقوله: «قد بايعتك على ذلك» تابعه يونس، ومعمرٌ، وعبد الرّحمن بن إسحاق، عن الزّهريّ، وقال إسحاق بن راشدٍ عن الزّهريّ، عن عروة، وعمرة). [صحيح البخاري: 6/149-150]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات)
اتّفقوا على نزولها بعد الحديبية وأنّ سببها ما تقدّم من الصّلح بين قريشٍ والمسلمين على أنّ من جاء من قريشٍ إلى المسلمين يردّونه إلى قريشٍ ثمّ استثنى اللّه من ذلك النّساء بشرط الامتحان
- قوله حدّثني إسحاق أنبأنا يعقوب في رواية غير أبي ذر حدثنا يعقوب فأما إسحاق فهو بن منصور وكلام أبي نعيم يشعر بأنّه بن إبراهيم وأما يعقوب بن إبراهيم فهو بن سعد وبن أخي بن شهابٍ اسمه محمّد بن عبد اللّه بن مسلمٍ قوله قال عروة قالت عائشة هو موصولٌ بالإسناد المذكور وسيأتي الكلام على شرحه في أواخر النّكاح إن شاء اللّه تعالى قوله قد بايعتك كلامًا أي يقول ذلك كلامًا فقط لا مصافحةً باليد كما جرت العادة بمصافحة الرّجال عند المبايعة قوله ولا واللّه فيه القسم لتأكيد الخبر وكأنّ عائشة أشارت بذلك إلى الرّدّ على ما جاء عن أم عطيّة فعند بن خزيمة وبن حبان والبزّار والطبري وبن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرّحمن عن جدّته أمّ عطيّة في قصّة المبايعة قال فمدّ يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثمّ قال اللّهمّ أشهد وكذا الحديث الّذي بعده حيث قالت فيه قبضت منّا امرأةٌ يدها فإنّه يشعر بأنّهنّ كنّ يبايعنه بأيديهنّ ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّ مدّ الأيدي من وراء الحجاب إشارةٌ إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحةٌ وعن الثّاني بأنّ المراد بقبض اليد التّأخّر عن القبول أو كانت المبايعة تقع بحائلٍ فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشّعبيّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين بايع النّساء أتى ببردٍ قطريٍّ فوضعه على يده وقال لا أصافح النّساء وعند عبد الرّزّاق من طريق إبراهيم النّخعيّ مرسلًا نحوه وعند سعيد بن منصورٍ من طريق قيس بن أبي حازم كذلك وأخرج بن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكيرٍ عنه عن أبان بن صالحٍ أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يغمس يده في إناءٍ وتغمس المرأة يدها فيه ويحتمل التّعدّد وقد أخرج الطّبرانيّ أنّه بايعهنّ بواسطة عمر وروى النّسائيّ والطّبريّ من طريق محمّد بن المنكدر أنّ أميمة بنت رقيقة بقافين مصغّرٌ أخبرته أنّها دخلت في نسوةٍ تبايع فقلن يا رسول اللّه ابسط يدك نصافحك قال إنّي لا أصافح النّساء ولكن سآخذ عليكنّ فأخذ علينا حتّى بلغ ولا يعصينك في معروف فقال فيما طقتنّ واستطعتنّ فقلن اللّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا وفي رواية الطّبريّ ما قولي لمائة امرأةٍ إلّا كقولي لامرأةٍ واحدةٍ وقد جاء في أخبارٍ أخرى أنّهنّ كنّ يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوبٍ أخرجه يحيى بن سلّامٍ في تفسيره عن الشّعبيّ وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالحٍ أنّه كان يغمس يده في إناءٍ فيغمسن أيديهنّ فيه قوله تابعه يونس ومعمرٌ وعبد الرّحمن بن إسحاق عن الزّهريّ أمّا متابعة يونس فيأتي الكلام عليها في كتاب الطّلاق وأمّا متابعة معمرٍ فوصلها المؤلف في الأحكام وأما متابعة عبد الرّحمن بن إسحاق فوصلها بن مردويه من طريق خالد بن عبد اللّه الواسطيّ عنه قوله وقال إسحاق بن راشدٍ عن الزّهريّ عن عروة وعمرة يعني عن عائشة جمع بينهما وصله الذّهليّ في الزّهريّات عن عتّاب بن بشيرٍ عن إسحاق بن راشدٍ به وفي هذا الحديث أنّ المحنة المذكورة في قوله فامتحنوهنّ هي أن يبايعهنّ بما تضمّنته الآية المذكورة وأخرج عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يمتحن من هاجر من النّساء باللّه ما خرجت إلّا رغبةً في الإسلام وحبًّا للّه ورسوله وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ نحوه وزاد ولا خرج بك عشق رجلٍ منّا ولا فرارٌ من زوجك وعند بن مردويه وبن أبي حاتم والطّبرانيّ من حديث بن عبّاسٍ نحوه وسنده ضعيفٌ ويمكن الجمع بين التّحليف والمبايعة والله أعلم وذكر الطّبريّ وبن أبي حاتمٍ عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم أنّ المرأة من المشركين كانت إذا غضبت على زوجها قالت واللّه لأهاجرنّ إلى محمّد فنزلت فامتحنوهن). [فتح الباري: 8/636-637]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
عقب حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه أخبرني عروة أن عائشة زوج النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرته أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات الحديث
تابعه يونس ومعمر وعبد الرّحمن بن إسحاق عن الزّهريّ وقال إسحاق بن راشد عن الزّهريّ عن عروة وعمرة انتهى
أما حديث يونس فسيأتي الكلام عليه في الطّلاق
وأما حديث معمر فأسنده المؤلف في الأحكام
وأما حديث عبد الرّحمن بن إسحاق فقال ابن مردويه في التّفسير ثنا أحمد ابن محمّد بن زياد ثنا أبو إسماعيل ثنا وهب بن بقيّة ثنا خالد عن عبد الرّحمن ابن إسحاق عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة أن المهاجرات كن إذا قعدن عند النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لهنّ أبايعكنّ على أن لا تشركن باللّه شيئا الحديث
وأما حديث إسحاق بن راشد فقال الذهلي في الزهريات ثنا عتاب بن بشير ثنا إسحاق بن راشد به). [تغليق التعليق: 4/338-339]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ} (الممتحنة: 10)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {يا أيها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية. أي: حال كونهن مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام، وأتفقوا على نزولها بعد الحديبية. وأن سببها ما تقدم من الصّلح بين قريش والمسلمين على أن من جاء من قريش إلى المسلمين يردونه إلى قريش ثمّ استثنى الله من ذلك النّساء المهاجرات بشرط الامتحان، وهو قوله: {فامتحنوهن} .
- حدّثنا إسحاق حدّثنا يعقوب بن إبراهيم حدّثنا ابن أخي ابن شهابٍ عن عمّه أخبرني عروة أنّ عائشة رضي الله عنها زوج النّبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهاذه الآية بقول الله: {يا أيّها النبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} إلى قوله: {غفورٌ رحيمٌ} .
قال عروة قالت عائشة فمن أقرّ بهاذا الشّرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك على كلاما ولا والله ما مسّت يده يد امرأةٍ قطّ في المبايعة ما يبايعهنّ إلاّ بقوله قد بايعتك على ذالك.
مطابقته للتّرجمة في قوله: {كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات} وإسحاق هو ابن منصور أو ابن إبراهيم ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف واسم ابن أخي ابن شهاب محمّد بن عبد الله بن مسلم، وابن شهاب محمّد بن مسلم الزّهريّ، وهو عم محمّد بن عبد الله.
والحديث أخرجه في الطّلاق أيضا على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قوله: (حدثنا يعقوب) ، وفي وراية أبي ذر أخبرنا يعقوب. قوله: (يمتحن) ، أي: يختبر وامتحانهن أن يستحلفن ما خرجن من بغض زوج وما خرجن رغبة عن أرض إلى أرض وما خرجن التماسا للدنيا. وما خرجن إلاّ حبا لله ولرسوله، قاله ابن عبّاس. قوله: (بهذه الآية) ، أشارت به إلى قوله تعالى: {يا أيها النّبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} (الممتحنة: 12) المبايعة المعاقدة على الإسلام والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره. قوله: (الآية) ، أي: اقرأ الآية بتمامها وهو قوله: {على أن لا يشركن باللّه شيئا ولا يسرفن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهنّ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهنّ وأرجلهنّ ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهنّ إن الله غفور رحيم} وقال المفسّرون: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرّجال أخذ في بيعة النّساء وهو على الصّفا وعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه أسفل منه وهو يبايع النّساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغهن عنه قوله: (فمن أقرّ بهذا الشّرط) وهو: {أن لا يشركهن باللّه شيئا} الخ قوله: (قال لها) أي: للمبايعة منهنّ (قد بايعتك كلاما) وهو منصوب بنزع الخافض، وهو من قول عائشة، والتّقدير: كان يبايع بالكلام ولا يبايع باليد كالمبايعة مع الرّجال بالمصافحة باليدين. قوله: (لا والله) القسم لتأكيد الخبر أي: مست يده يد امرأة فيه رد على ما جاء عن أم عطيّة رواه ابن خزيمة وابن حبان والبزّار والطّبرانيّ وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرّحمن عن جدته أم عطيّة في قصّة المبايعة. قالت: فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت. ثمّ قال: اللّهمّ اشهد، وكذا جاء في الحديث الّذي يأتي بعده حيث قالت: فيه فقبضت منا امرأة يدها فإنّه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن. فإن قلت: ما وجه الرّد هنا والأحاديث كلها صحاح؟ قلت: جابوا عن الأول، بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وهو لا يستلزم المصافحة. وعن الثّاني بأن المراد بقبض اليد التّأخّر عن القبول أو كانت المبايعة بحائل، فافهم.
تابعه يونس ومعمرٌ وعبد الرّحمان بن إسحاق عن الزّهريّ. وقال إسحاق بن راشدٍ عن الزّهريّ عن عروة وعمرة.
أي: تابع ابن أخي ابن شهاب يونس بن زيد في روايته عن الزّهريّ ووصل هذه المتابعة البخاريّ في كتاب الطّلاق في باب: إذا أسلمت المشركة أو النّصرانيّة عن إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عروة الحديث، ووصل أيضا متابعة معمر بن راشد في الأحكام في: باب بيعة النّساء عن محمود عن عبد الرّزّاق عن معمر عن الزّهريّ الحديث ومتابعة عبد الرّحمن بن إسحاق القرشي وصلها ابن مردويه من طريق خالد بن عبد الله الواسطيّ عنه. قوله: وقال إسحاق بن راشد أي الجزري الحرّاني يروي عن الزّهريّ، والزهريّ يروي عن عروة بن الزبير وعن عمرة بنت عبد الرّحمن. يعني: يجمع بينهما في هذه الرّواية. ورواه الذهلي في (الزهريات) عن عتاب بن بشير عن إسحاق بن راشد به). [عمدة القاري: 19/230-231]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}) [الممتحنة: 10] من الكفار بعد الصلح معهم في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المؤمنين يرد.
- حدّثنا إسحاق، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، حدّثنا ابن أخي ابن شهابٍ عن عمّه، أخبرني عروة أنّ عائشة -رضي الله عنها- زوج النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- أخبرته، أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول اللّه تعالى: {يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} -إلى قوله- {غفورٌ رحيمٌ} قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشّرط من المؤمنات، قال لها رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «قد بايعتك»، كلامًا، ولا واللّه ما مسّت يده يد امرأةٍ قطّ في المبايعة، ما يبايعهنّ إلاّ بقوله: «قد بايعتك على ذلك». تابعه يونس ومعمرٌ وعبد الرّحمن بن إسحاق عن الزّهريّ. وقال إسحاق بن راشدٍ: عن الزّهريّ عن عروة وعمرة.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور بن بهرام الكوسج المروزي أو ابن إبراهيم بن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بسكون العين بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وسقط ابن سعد لغير أبي ذر قال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أخبرته أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يمتحن) أي يختبر (من هاجر إليه) من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح (من المؤمنات بهذه الآية) فيما يتعلق بالإيمان مما يرجع إلى الظاهر دون الاطّلاع على ما في القلوب كما قال الله تعالى: {الله أعلم بإيمانهن} فإنه المطّلع على ما في قلوبهن (بقول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك}) -إلى قوله- ({غفور رحيم}) [الممتحنة: 12] وفي الشروط كان يمتحنهن بهذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} -إلى- {غفور رحيم} وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق أنه عليه الصلاة والسلام كان يمتحن من هاجر من النساء بالله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبًّا لله ورسوله وزاد مجاهد ولا خرج بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك وعند البزار أن الذي كان يخلفهن عن أمر رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
(قال عروة) بالسند السابق (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فمن أقرّ بهذا الشرط) شرط الإيمان (من المؤمنات) وفي الطبراني من طريق العوفي عن ابن عباس قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا لا ينافي ما روي أنه كان يمتحنهن بأنهن ما خرجن من بغض زوج إلى آخر ما ذكر لأنه زيادة بيان لقوله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام فإذا قالت ذلك (قال لها رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: قد بايعتك كلامًا) أي بالكلام لا باليد كما كان يبايع الرجال بالمصافحة باليدين (ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله) للمرأة (قد بايعتك على ذلك) بكسر الكاف.
قال في الفتح: وكان عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية عند ابني خزيمة وحبان والبزار في قصة المبايعة فمدّ يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت: ثم قال: اللهم اشهد فإن فيه إشعارًا بأنهن كن يبايعنه بايديهن. وأجيب: بأن مدّ اليد لا يستلزم المصافحة فلعله إشارة إلى وقوع المبايعة وكذا قوله في الباب اللاحق فقبضت امرأة منا يدها لا دلالة فيه أيضًا على المصافحة، فيحتمل أن يكون المراد بقبض اليد التأخر عن القبول، نعم يحتمل أنهن كن يأخذن بيده الكريمة مع وجود حائل ويشهد له ما رواه أبو داود في مراسيله عن الشعبي أنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال: "لا أصافح النساء".
وهذا الحديث ذكره أيضًا في الطلاق.
(تابعه) أي تابع ابن أخي ابن شهاب (يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله المؤلّف في الطلاق (ومعمر) هو ابن راشد فيما وصله أيضًا في الأحكام (وعبد الرحمن بن إسحاق) القرشي فيما وصله ابن مردويه في تفسيره ثلاثتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقال إسحاق بن راشد) الجزري الحراني فيما وصله الذهلي في الزهريات (عن الزهري عن عروة) بن الزبير (وعمرة) بنت عبد الرحمن فجمع بينهما). [إرشاد الساري: 7/379-380]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله سورة الممتحنة)
سقطت البسملة لجميعهم والمشهور في هذه التّسمية فتح الحاء وقد تكسر وبه جزم السّهيليّ فعلى الأوّل هي صفة المرأة الّتي نزلت السّورة بسببها والمشهور فيها أنّها أمّ كلثومٍ بنت عقبة بن أبي معيطٍ وقيل سعيدة بنت الحارث وقيل أميمة بنت بشرٍ والأوّل هو المعتمد كما سيأتي إيضاحه في كتاب النّكاح ومن كسر جعلها صفةً للسّورة كما قيل لبراءةٌ الفاضحة). [فتح الباري: 8/633] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (سورة الممتحنة
أي: هذا في تفسير بعض سورة الممتحنة، قال السّهيلي: هي بكسر الحاء أي: المختبرة أضيف إليها الفعل مجازًا كما سميت سورة براءة المبعثرة والفاضحة لما كشفت عن عيوب المنافقين ومن قال بفتح الحاء فإنّه أضافها إلى المرأة الّتي نزلت فيها وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي ميعط، وهي امرأة عبد الرّحمن بن عوف وأم ولده إبراهيم، وقال مقاتل: الممتحنة اسمها سبيعة، ويقال: سعيدة بنت الحارث الأسلميّة. وكانت تحت صيفي بن الراهب. وقال ابن عساكر: كانت أم كلثوم تحت عمرو بن العاص، قال: وروى أن الآية نزلت في أميّة بنت بشر من بني عمرو بن عوف أم عبد الله بن سهل بن حنيف وكانت تحت حسان بن الدحداحية ففرت منه وهو حينئذٍ كافر فتزوجها سهيل بن حنيف، قال أبو العبّاس: هي بلا خلاف). [عمدة القاري: 19/228]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (سورة الممتحنة
قال السهيلي بكسر الحاء المختبرة أضيف إليها الفعل مجازًا كما سميت سورة براءة الفاضحة لكشفها عن عيوب المنافقين، ومن قال الممتحنة بفتح الحاء فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها، والمشهور أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط امرأة عبد الرحمن بن عوف). [إرشاد الساري: 7/378] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا سلمة بن شبيبٍ، حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ، حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن الأغرّ بن الصّبّاح، عن خليفة بن حصينٍ، عن أبي نصرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ}، قال: كانت المرأة إذا جاءت النّبيّ صلى الله عليه وسلم لتسلم حلّفها باللّه ما خرجت من بغض زوجي ما خرجت إلاّ حبًّا للّه ولرسوله.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/267]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ}
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، قال: ابن شهابٍ قال: وأخبرني عروة بن الزّبير، أنّ عائشة، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمتحنّ بقول الله عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات} [الممتحنة: 12] الآية، قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أقررن بذلك من قولهنّ، قال لهنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «انطلقن، فقد بايعتكنّ»، ولا والله، ما مسّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأةً قطّ، غير أنّه يبايعهنّ بالكلام، قالت عائشة: والله ما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على النّساء قطّ، إلّا بما أمره الله، وكان يقول إذا أخذ عليهنّ، قال: «قد بايعتكنّ، كلامًا»
- أخبرنا أحمد بن حربٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن حفصة، عن أمّ عطيّة، قالت: " لمّا نزلت هذه الآية {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} [الممتحنة: 12] إلى قوله: {ولا يعصينك في معروفٍ} [الممتحنة: 12]، قالت: كان منه النّياحة، فقلت: إلّا آل فلانٍ، فإنّهم قد كانوا أسعدوني في الجاهليّة، فلا بدّ لي من أن أسعدهم، قال: «إلّا آل فلانٍ»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/297-298]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ اللّه أعلم بإيمانهنّ فإن علمتموهنّ مؤمناتٍ فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم النّساء المؤمنات مهاجراتٍ من دار الكفر إلى دار الإسلام فامتحنوهنّ وكانت محنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاهنّ إذا قدمن مهاجراتٍ.
- كما: حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن قيس بن الرّبيع، عن الأغرّ بن الصّبّاح، عن خليفة بن حصينٍ، عن أبي نصرٍ الأسديّ، قال: سئل ابن عبّاسٍ: كيف كان امتحان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّساء؟ قال: كان يمتحنهنّ باللّه ما خرجت من بغض زوجٍ، وباللّه ما خرجت رغبةً عن أرضٍ إلى أرضٍ، وباللّه ما خرجت التماس دنيا، وباللّه ما خرجت إلاّ حبًّا للّه ورسوله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الحسن بن عطيّة، عن قيسٍ، قال: أخبرنا الأغرّ بن الصّبّاح، عن خليفة بن حصينٍ، عن أبي نصرٍ، عن ابن عبّاسٍ في {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ}. قال: كانت المرأة إذا أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حلّفها باللّه ما خرجت، ثمّ ذكره نحوه.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، أنّ عائشة، قالت: ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمتحن المؤمنات إلاّ بالآية، قال اللّه: {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئًا} ولا، ولا.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني عروة بن الزّبير، أنّ عائشة، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمتحن بقول اللّه: {يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} إلى آخر الآية، قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا من المؤمنات، فقد أقرّ بالمحبّة، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقررن بذلك من قولهنّ قال لهنّ: انطلقن فقد بايعتكنّ ولا واللّه ما مسّت يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يد امرأةٍ قطّ، غير أنّه بايعهنّ بالكلام؛ قالت عائشة: واللّه ما أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على النّساء قطّ، إلاّ بما أمره اللّه عزّ وجلّ، وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ قد بايعتكنّ كلامًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}. إلى قوله: {عليمٌ حكيمٌ} كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فامتحنوهنّ} قال: سلوهنّ ما جاء بهنّ، فإن كان جاء بهنّ غضبٌ على أزواجهنّ، أو سخطةٌ، أو غيره، ولم يؤمنّ، فارجعوهنّ إلى أزواجهنّ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فامتحنوهنّ} كانت محنتهنّ أن يستحلفن باللّه ما أخرجكنّ النّشوز، وما أخرجكنّ إلاّ حبّ الإسلام وأهله، وحرصٌ عليه فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهنّ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله: {فامتحنوهنّ} قال: يحلفن ما خرجن إلاّ رغبةً في الإسلام، وحبًّا للّه ورسوله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه أو عكرمة {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ}. قال: يقال: ما جاء بك إلاّ حبّ اللّه، ولا جاء بك عشق رجلٍ منّا، ولا فرارًا من زوجك، فذلك قوله: {فامتحنوهنّ}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ كانت المرأة من المشركين إذا غضبت على زوجها، وكان بينه وبينها كلامٌ، قالت: واللّه لأهاجرنّ إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فقال اللّه عزّ وجلّ: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ} إن كان الغضب أتى بها فردّوها، وإن كان الإسلام أتى بها فلا تردّوها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشجّ، قال: كان امتحانهنّ إنّه لم يخرجك إلاّ الدّين.
وقوله: {اللّه أعلم بإيمانهنّ}. يقول: اللّه أعلم بإيمان من جاء من النّساء مهاجراتٍ إليكم.
وقوله: {فإن علمتموهنّ مؤمناتٍ فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار}. يقول: فإن أقررن عند المحنة بما يصحّ به عقد الإيمان لهنّ، والدّخول في الإسلام، فلا تردّوهنّ عن ذلك إلى الكفّار، وإنّما قيل ذلك للمؤمنين، لأنّ العهد كان جرى بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين مشركي قريشٍ في صلح الحديبية أن يردّ المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلمًا، فأبطل ذلك الشّرط في النّساء إذا جئن مؤمناتٍ مهاجراتٍ فامتحنّ، فوجدهنّ المسلمون مؤمناتٍ، وصحّ ذلك عندهم ممّا قد ذكرنا قبل، وأمروا أن لا يردّوهنّ إلى المشركين إذا علم أنّهنّ مؤمناتٌ.
وقال جلّ ثناؤه لهم: {فإن علمتموهنّ مؤمناتٍ فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ}. يقول: لا المؤمنات حلٌّ للكفّار ولا الكفّار يحلّون للمؤمنات.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك جاءت الآثار.
ذكر بعض ما روي في ذلك من الأثر:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، قال: دخلت على عروة بن الزّبير، وهو يكتب كتابًا إلى ابن أبي هنيدٍ صاحب الوليد بن عبد الملك، وكتب إليه يسأله عن قول اللّه عزّ وجلّ: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ}. إلى قوله: {واللّه عليمٌ حكيمٌ}. وكتب إليه عروة بن الزّبير: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان صالح قريشًا عام الحديبية على أن يردّ عليهم من جاء بغير إذن وليّه؛ فلمّا هاجر النّساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإلى الإسلام، أبى اللّه أن يرددن إلى المشركين، إذا هنّ امتحن محنة الإسلام، فعرفوا أنّهنّ إنّما جئن رغبةً فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم اللّه يحكم بينكم واللّه عليمٌ حكيمٌ}.
وقوله: {وآتوهم ما أنفقوا} يقول جلّ ثناؤه: وأعطوا المشركين الّذين جاءكم نساؤهم مؤمناتٍ إذا علمتموهنّ مؤمناتٍ، فلم ترجعوهنّ إليهم ما أنفقوا في نكاحهم إيّاهنّ من الصّداق.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ} إلى قوله: {عليمٌ حكيمٌ} قال: كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، فإذا علموا أنّ ذلك حقٌّ منهنّ لم يرجعوهنّ إلى الكفّار، وأعطى بعلها من الكفّار الّذين عقد لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صداقه الّذي أصدقها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وآتوهم ما أنفقوا} وآتوا أزواجهنّ صدقاتهنّ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ اللّه أعلم بإيمانهنّ}. حتّى بلغ {واللّه عليمٌ حكيمٌ}. هذا حكمٌ حكمه اللّه عزّ وجلّ بين أهل الهدى وأهل الضّلالة؛ كنّ إذا فررن من المشركين الّذين بينهم وبين نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه عهدٌ إلى أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتزوّجوهنّ بعثوا مهورهنّ إلى أزواجهنّ من المشركين الّذين بينهم وبين نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ، وإذا فررن من أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين الّذين بينهم وبين نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ، فتزوّجوا بعثوا بمهورهنّ إلى أزواجهنّ من أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية، وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صالحهم أنّه من أتاه منهم ردّه إليهم؛ فلمّا جاءه النّساء نزلت عليه هذه الآية، وأمره أن يردّ الصّداق إلى أزواجهنّ حكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأةٌ من المسلمين أن يردّوا الصّداق إلى أزواجهنّ فقال {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فامتحنوهنّ اللّه أعلم بإيمانهنّ}. كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عاهد من المشركين ومن أهل الكتاب، فعاهدهم وعاهدوه، وكان في الشّرط أن يردّوا الأموال والنّساء، فكان نبيّ اللّه إذا فاته أحدٌ من أزواج المؤمنين، فلحق بالمعاهدة تاركًا لدينه مختارًا للشّرك، ردّ على زوجها ما أنفق عليها، وإذا لحق بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحدٌ من أزواج المشركين امتحنها نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألها: ما أخرجك من قومك؟ فإن وجدها خرجت تريد الإسلام قبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وردّ على زوجها ما أنفق عليها، وإن وجدها فرّت من زوجها إلى آخر بينها وبينه قرابةٌ، وهي متمسّكةٌ بالشّرك ردّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى زوجها من المشركين.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ}. الآية كلّها، قال: لمّا هادن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين كان في الشّرط الّذي شرط: أن تردّ إلينا من أتاك منّا، ونردّ إليك من أتانا منكم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: من أتانا منكم فنردّه إليكم، ومن أتاكم منّا فاختار الكفر على الإيمان فلا حاجة لنا فيهم. وقال: فأبى اللّه ذلك في النّساء، ولم يأبه للرّجال، فقال اللّه عزّ وجلّ: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ}. إلى قوله: {وآتوهم ما أنفقوا}: أزواجهنّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشجّ، قال: كان بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمشركين هدنةٌ فيمن فرّ من النّساء، فإذا فرّت المشركة أعطى المسلمون زوجها نفقته عليها وكان المسلمون يفعلون، وكان إذا لم يعط هؤلاء ولا هؤلاء أخرج المسلمون للمسلم الّذي ذهبت امرأته نفقتها.
وقوله: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ}. يقول تعالى ذكره: ولا حرج عليكم أيّها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاّتي لحقن بكم من دار الحرب مفارقاتٍ لأزواجهنّ، وإن كان لهنّ أزواجٌ في دار الحرب إذا علمتموهنّ مؤمناتٍ إذا أنتم أعطيتموهنّ أجورهنّ، ويعني بالأجور: الصّدقات.
- وكان قتادة يقول: كنّ إذا فررن من المشركين الّذين بينهم وبين نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه عهدٌ إلى أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتزوّجوهنّ، بعثوا بمهورهنّ إلى أزواجهنّ من المشركين الّذين بينهم وبين أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ. حدّثنا بذلك بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة.
- وكان الزّهريّ يقول: إنّما أمر اللّه بردّ صداقهنّ إليهم إذا حبسن عنهم، وإن هم ردّوا المسلمين على صداق من حبسوا عنهم من نسائهم. حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ.
- حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ} ولها زوجٌ ثمّ، لأنّه فرّق بينهما الإسلام إذا استبرأت أرحامهنّ.
وقوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}. يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تمسكوا أيّها المؤمنون بحبال النّساء الكوافر وأسبابهنّ.
والكوافر: جمع كافرةٍ، والعصم: جمع عصمةٍ، وهي ما اعتصم به من العقد والسّبب، وهذا نهيٌ من اللّه للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النّساء المشركات من أهل الأوثان، وأمر لهم بفراقهنّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، قال أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جاءه نسوةٌ مؤمناتٌ بعد أن كتب كتاب القضيّة بينه وبين قريشٍ، فأنزل اللّه: يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ حتّى بلغ {بعصم الكوافر} فطلّق عمر يومئذٍ امرأتين كانتا له بالشّرك، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أميّة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، قال: بلغنا أنّ آية المحنة الّتي مادّ فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كفّار قريشٍ من أجل العهد الّذي كان بين كفّار قريشٍ وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يردّ إلى كفّار قريشٍ ما أنفقوا على نسائهم اللاّتي يسلمن ويهاجرن، وبعولتهنّ كفّارٌ، للعهد الّذي كان بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبينهم، ولو كانوا حربًا ليست بينهم وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مدّةٌ وعقدٌ لم يردّ عليهم شيئًا ممّا أنفقوا، وحكم اللّه للمؤمنين على أهل المدّة من الكفّار بمثل ذلك، قال اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ} حتّى بلغ {واللّه عليمٌ حكيمٌ} فطلّق المؤمنون حين أنزلت هذه الآية كلّ امرأةٍ كافرةٍ كانت تحت رجلٍ منهم، فطلّق عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه امرأته ابنة أبي أميّة بن المغيرة من بني مخزومٍ فتزوّجها معاوية بن أبي سفيان، وابنة جرولٍ من خزاعة، فتزوّجها أبو جهم بن حذافة العدويّ، وجعل اللّه ذلك حكمًا حكم به بين المؤمنين والمشركين في هذه المدّة الّتي كانت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: وقال الزّهريّ: لمّا نزلت هذه الآية {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات} إلى قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} كان ممّن طلّق عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه امرأته قريبة ابنة أبي أميّة بن المغيرة، فتزوّجها بعده معاوية بن أبي سفيان، وهما على شركهما بمكّة، وأمّ كلثومٍ ابنة جرولٍ الخزاعيّة أمّ عبيد اللّه بن عمر، فتزوّجها أبو جهم بن حذافة بن غانمٍ رجلٌ من قومه، وهما على شركهما؛ وطلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرٍو التّيميّ كانت عنده أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، ففرّق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التّمسّك بعصم الكوافر، وكان طلحة قد هاجر وهي بمكّة على دين قومها، ثمّ تزوّجها في الإسلام بعد طلحة خالد بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمسٍ.
وكان ممّن فرّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من نساء الكفّار ممّن لم يكن بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فحبسها وزوّجها رجلاً من المسلمين أميمة بنت بشرٍ الأنصاريّة، ثمّ إحدى نساء بني أميّة بن زيد من أوس اللّه، كانت عند ثابت بن الدّحداحة، ففرّت منه - وهو يومئذٍ كافرٌ - إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فزوّجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سهل بن حنيفٍ أحد بني عمرو بن عوفٍ، فولدت عبد اللّه بن سهلٍ.
- حدّثني ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال اللّه: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}. قال الزّهريّ: فطلّق عمر امرأتين كانتا له بمكّة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: أصحاب محمّدٍ أمروا بطلاق نسائهم كوافر بمكّة، قعدن مع الكفّار.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} مشركات العرب اللاّتي يأبين الإسلام أمر أن يخلّى سبيلهنّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} إذا كفرت المرأة فلا تمسكوها، خلّوها، وقعت الفرقة بينها وبين زوجها حين كفرت.
واختلفت القرأة في قراءة قوله: {ولا تمسكوا}. فقرأ ذلك عامّة قرأة الحجاز والمدينة والكوفة والشّام {ولا تمسكوا} بتخفيف السّين. وقرأ ذلك أبو عمرٍو (تمسّكوا) بتشديدها، وذكر أنّها قراءة الحسن، واعتبر من قرأ ذلك بالتّخفيف {فإمساكٌ بمعروفٍ}.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان، محكيٌّ عن العرب أمسكت به ومسكت، وتمسّكت به.
وقوله: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا}. يقول تعالى ذكره لأزواج اللّواتي لحقن من المؤمنين من دار الإسلام بالمشركين إلى مكّة من كفّار قريشٍ: واسألوا أيّها المؤمنون الّذين ذهبت أزواجهم فلحقن بالمشركين ما أنفقتم على أزواجكم اللّواتي لحقن بهم من الصّداق من تزوّجهنّ منهم، وليسئلكم المشركون منهم الّذين لحق بكم أزواجهم مؤمناتٍ إذا تزوّجن فيكم من تزوّجها منكم ما أنفقوا عليهنّ من الصّداق.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، قال: أقرّ المؤمنون بحكم اللّه، وأدّوا ما أمروا به من نفقات المشركين الّتي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقرّوا بحكم اللّه فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا}. قال: ما ذهب من أزواج أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكفّار، فليعطهم الكفّار صدقاتهنّ، وليمسكوهنّ، وما ذهب من أزواج الكفّار إلى أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمثل ذلك في صلحٍ كان بين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قريشٍ.
وقوله: {ذلكم حكم اللّه يحكم بينكم}. يقول تعالى ذكره: هذا الحكم الّذي حكمت بينكم من أمركم أيّها المؤمنون بمسألة المشركين، وما أنفقتم على أزواجكم اللاّتي لحقن بهم وأمرهم بمسألتكم مثل ذلك في أزواجهنّ اللاّتي لحقن بكم، حكم اللّه بينكم فلا تعتدوه، فإنّه الحقّ الّذي لا يسمع غيره، فانتهى المؤمنون من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما ذكر إلى أمر اللّه وحكمه، وامتنع المشركون منه وطالبوا الوفاء بالشّروط الّتي كانوا شارطوها بينهم في ذلك الصّلح، وبذلك جاءت الآثار والأخبار عن أهل السّير وغيرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: أمّا المؤمنون فأقرّوا بحكم اللّه، وأمّا المشركون فأبوا أن يقرّوا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، قال: قال اللّه: {ذلكم حكم اللّه يحكم بينكم} فأمسك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّساء، وردّ الرّجال، وسأل الّذي أمره اللّه أن يسأل من صدقات النّساء من حبسوا منهنّ، وأن يردّوا عليهم مثل الّذي يردّون عليهم إن هم فعلوا، ولولا الّذي حكم اللّه به من هذا الحكم ردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّساء، كما ردّ الرّجال، ولولا الهدنة والعهد الّذي كان بينه وبين قريشٍ يوم الحديبية أمسك النّساء ولم يردّ إليهم صداقًا، وكذلك يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد.
قوله: {واللّه عليمٌ حكيمٌ} يقول جلّ ثناؤه: واللّه ذو علمٍ بما يصلح خلقه وغير ذلك من الأمور، {حكيمٌ} في تدبيره إيّاهم). [جامع البيان: 22/575-588]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل فامتحنوهن قال يقول سلوهن ما جاء بهن فان كان بهن غضب على أزواجهن أو غيرة أو سخط ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن وإن جئن مؤمنات بالله عز وجل ورسوله فأمسكوهن وآتوا أزواجهن يعني صدقاتهن وانكحوهن إن شئتم وأصدقوهن). [تفسير مجاهد: 2/668]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تمسكوا بعصم الكوافر قال أمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاق نسائهم كن كوافر بمكة قعدن مع الكفار بمكة). [تفسير مجاهد: 2/668]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) عائشة - رضي الله عنها -: قالت: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذا الآية {لا يشركن باللّه شيئاً} [الممتحنة: 12] وما مسّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأةٍ لا يملكها.
وفي رواية: كان المؤمنات إذا هاجرن إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يمتحنهنّ بقول الله: {يا أيّها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ... } إلى آخر الآية [الممتحنة: 10] قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشّرط من المؤمنات، فقد أقرّ بالمحنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهنّ، قال لهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلقن، فقد بايعتكنّ» لا والله، ما مسّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأةٍ قطّ، غير أنه بايعهن بالكلام، والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء إلا بما أمره الله، وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ قد بايعتكنّ كلاماً. هذه رواية البخاري، ومسلم.
وفي رواية الترمذي، قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن إلا بالآية التي قال الله: {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك... } الآية [الممتحنة: 12] قال معمر: فأخبرني ابن طاووس، عن أبيه قال: ما مسّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأةٍ، إلا [يد] امرأة يملكها.
[شرح الغريب]
(يمتحنهن) الامتحان: الاختبار). [جامع الأصول: 2/385-386]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات} [الممتحنة: 10].
- عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه - تبارك وتعالى - {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ اللّه أعلم بإيمانهنّ} [الممتحنة: 10] قال: كانت المرأة إذا جاءت النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - حلّفها عمر باللّه ما خرجت رغبةً بأرضٍ عن أرضٍ، وباللّه ما خرجت التماس دنيا، وباللّه ما خرجت إلّا حبًّا للّه ولرسوله.
رواه البزّار، وفيه قيس بن الرّبيع، وثّقه شعبة والثّوريّ، وضعّفه غيرهما، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- وعن عبد اللّه بن أبي أحمد قال: «هاجرت أمّ كلثومٍ بنت عقبة بن أبي معيطٍ في الهدنة، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة حتّى قدما على رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وكلّماه في أمّ كلثومٍ أن يردّها إليهما، فنقض اللّه العهد بينه وبين المشركين، خاصّةً في النّساء، ومنعهنّ أن يرددن إلى المشركين، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - آية الامتحان» رواه الطّبرانيّ، وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/123]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا عمر بن الخطّاب، ثنا محمّد بن يوسف، ثنا قيسٌ، عن الأغرّ بن الصّبّاح، عن خليفة بن حصينٍ، عن أبي نصرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تبارك وتعالى: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ اللّه أعلم بإيمانهنّ} [الممتحنة: 10] قال: كانت المرأة إذا جاءت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حلّفها عمر: باللّه ما خرجت رغبةً بأرضٍ عن أرضٍ، وباللّه ما خرجت التماس دنيا، وباللّه ما خرجت إلا حبًّا للّه ورسوله.
قال البزّار: لا نعلمه يروى عن ابن عبّاسٍ إلا بهذا الإسناد، وأبو نصرٍ لم يرو عنه إلا خليفة). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/75-76]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال الحارث بن محمّد بن أبي أسامة: ثنا عاصم بن عليٍّ، ثنا قيس بن الرّبيع، عن الأغرّ بن الصّبّاح، عن خليفة بن حصينٍ، عن أبي نصرٍ الأسديّ قال: "سئل ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما-: كيف كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمتحن النّساء؟ قال: كان إذا أتته المرأة لتسلم حلّفها باللّه: ما خرجت بغض زوجك، وباللّه ما خرجت التماس دنيا، وباللّه ما خرجت رغبة في أرض إلى أرضٍ، وباللّه ما خرجت إلّا حبًّا للّه ورسوله".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، أبو نصرٍ لم يسمع ابن عباس، وقيس ضعيف.
- رواه البزار: حدثنا عمر بن الخطاب، ثنا محمد بن يوسف، ثنا قيس ...
فذكره بلفظ: "كانت المرأة إذا جاءت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، حلّفها عمر بالله ... " فذكره). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/285-286]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا معاوية بن عمرٍو، ثنا مندلٌ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: "أسلم عمر بن الخطّاب وتأخّرت امرأته في المشركين فأنزل اللّه - عزّ وجلّ- (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) يقول: إن أسلم رجلٌ وأبت امرأته فليتزوّج إن شاء أربعًا سواها"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/286]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال أحمد بن منيعٍ: حدثنا معاوية بن عمرٍو، ثنا مندلٌ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسلم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وتأخّرت امرأته في المشركين. فأنزل عزّ وجلّ: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}. يقول: إن أسلم رجلٌ وأبت امرأته، فليتزوّج إن شاء أربعًا سواها). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/343]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الحارث: حدثنا عاصم بن عليٍّ، ثنا قيس بن الرّبيع، عن الأغرّ بن الصّبّاح، عن خليفة بن حصينٍ، عن أبي نصرٍ الأسديّ، قال: سئل ابن عباس رضي الله عنهما: كيف كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمتحن النّساء؟ قال: كان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أتته المرأة، لتسلم، حلّفها باللّه، ما خرجت بغض زوجك، وباللّه ما خرجت التماس دنيا، وباللّه ما خرجت رغبةً في أرضٍ إلى أرضٍ. وباللّه ما خرجت إلّا حباً لله تعالى. ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 10 - 11
أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء مؤمنات فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} حتى بلغ {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك). [الدر المنثور: 14/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري وأبو داود فيه ناسخه والبيهقي في السنن عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة قالا: لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو على قضية المدة يوم الحديبية كان مما اشترط سهيل: أن لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جندل بن سهيل ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما ثم جاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عاتق فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل). [الدر المنثور: 14/412-413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن أبي أحمد رضي الله عنه قال: هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهدنة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلماه في أم كلثوم أن يردها إليهما فنقض الله العهد بينه وبين المشركين خاصة في النساء ومنعهن أن يرددن إلى المشركين وأنزل الله آية الامتحان). [الدر المنثور: 14/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن دريد في أماليه: حدثنا أبو الفضل الرياشي عن ابن أبي رجاء عن الواقدي قال: فخرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بآيات نزلت فيها قالت: فكنت أول من هاجر إلى المدينة فلما قدمت قدم أخي الوليد علي فنسخ الله العقد بين النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في شأني ونزلت {فلا ترجعوهن إلى الكفار} ثم أنكحني النّبيّ صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فقلت أتزوجني بمولاك فأنزل الله (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (سورة الأحزاب 36) ثم قتل زيد فأرسل إلى الزبير: احبسي على نفسك قلت: نعم فنزلت (ولا جناح عليكم فيما عرضتم من خطبة النساء) (سورة البقرة الآية 235) ). [الدر المنثور: 14/413]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: كان المشركون قد شرطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أن من جاء من قبلنا وإن كان على دينك رددته إلينا ومن جاءنا من قبلك لم نردده إليك فكان يرد إليهم من جاء من قبلهم يدخل في دينه فلما جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة جاء أخواها يريدان أن يخرجاها ويرداها إليهم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية، إلى قوله: {وليسألوا ما أنفقوا} قال: هو الصداق {وإن فاتكم شيء من أزواجكم} الآية قال: هي المرأة تسلم فيرد المسلمون صداقها إلى الكفار وما طلق المسلمون من نساء الكفار عندهم فعليهم أن يردوا صداقهن إلى المسلمين فإن أمسكوا صداقا من صداق المسلمين مما فارقوا من نساء الكفار أمسك المسلمون صداق المسلمات اللاتي جئن من قبلهم). [الدر المنثور: 14/414]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن سعد، وابن المنذر عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه سئل عن هذه الآية فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشا يوم الحديبية على أن يرد على قريش من جاء فلما هاجر النساء أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة فيهن وأمر برد صداقهن إليهم إذا حبسن عنهم وأنهم يردوا على المسلمين صدقات من حبسوا عنهم من نسائهم ثم قال: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم رد النساء كما رد الرجال ولولا الهدنة والعهد أمسك النساء ولم يرد لهن صداقا). [الدر المنثور: 14/414-415]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} قال: سلوهن ما جاء بهن فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو غيرة أو سخط ولم يؤمن فأرجعوهن إلى أزواجهن وإن كن مؤمنات بالله فأمسكوهن وآتوهن أجورهن من صدقتهن وانكحوهن إن شئتم وأصدقوهن وفي قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: أمر أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بطلاق نسائهن كوافر بمكة قعدن مع الكفار {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} قال: ما ذهب من أزواج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهم وليمسكوهن وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كمثل ذلك هذا في صلح كان بين قريش وبين محمد صلى الله عليه وسلم {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} الذين ليس بينكم وبينهم عهد {فعاقبتم} أصبتم مغنما من قريش أو غيرهم {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} صدقاتهم عوضا). [الدر المنثور: 14/415]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: خرجت امرأة مهاجرة إلى المدينة فقيل لها: ما أخرجك بغضك لزوجك أم أردت الله ورسوله قالت: بل الله ورسوله فأنزل الله {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} فإن تزوجها رجل من المسلمين فليرد إلى زوجها الأول ما أنفق عليها). [الدر المنثور: 14/415-416]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} قال: هذا حكم حكمه الله بين أهل الهدى وأهل الضلالة {فامتحنوهن} قال: كانت محنتهن أن يحلفن بالله ما خرجن لنشوز ولا خرجن إلا حبا للإسلام وحرصا عليه فإذا فعلن ذلك قبل منهن وفي قوله: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} قال: كن إذا فررن من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الكفار الذين بينهم وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم عهد فتزوجن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المسلمين وإذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم عهد فنكحوهن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين فكان هذا بين أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبين أصحاب العهد من الكفار وفي قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} يقول: إلى كفار قريش ليس بينهم وبين أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عهد يأخذونهم به {فعاقبتم} وهي الغنيمة إذا غنموا بعد ذلك ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده). [الدر المنثور: 14/416]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} إلى قوله: {عليم حكيم} قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فإذا علموا أن ذلك حق منهن لم يرجعوهن إلى الكفار وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم صداقه الذي أصدقها وأحلهن للمؤمنين إذا آتوهن أجورهن ونهى المؤمنين أن يدعو المهاجرات من أجل نسائهم في الكفار وكانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: قل لهن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء فقالت: إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت النسوة التي مع هند وأبين أن يتكلمن فقالت هند وهي متنكرة: كيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر رضي الله عنه: قل لهن: ولا يسرقن قالت هند: والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنة ما أدري أيحلهن أم لا قال أبو سفيان: ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فدعاها فأتته فأخذت بيده فعاذت به فقال: أنت هند فقالت: عفا الله عما سلف فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} الآية يعني إن لحقت امرأة من المهاجرين بالكفار أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق). [الدر المنثور: 14/416-417]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: بلغنا أن الممتحنة أنزلت في المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش في المدة فكان يرد على كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن وبعولتهن كفار ولو كانوا حربا ليست بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم مدة عهد لم يردوا إليهم شيئا مما أنفقوا وقد حكم الله للمؤمنين على أهل المدة من الكفار بمثل ذلك الحكم قال الله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته بنت أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وبنت جرول من خزاعة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي وجعل ذلك حكما حكم به بين المؤمنين وبين المشركين في مدة العهد التي كانت بينهم فأقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين فقال الله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} فإذا ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى أزواجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه إلى المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهن اللاتي آمن وهاجرن ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان لهم). [الدر المنثور: 14/417-418]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: الرجل تلحق امرأته بدار الحرب فلا يعتد بها من نسائه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه مثله). [الدر المنثور: 14/419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عامر الشعبي رضي الله عنه قال: كانت زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنه من الذين قالوا له: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا}). [الدر المنثور: 14/419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج سهيل بن عمرو فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل قال: بلى قال: فما بال من أسلم منهم رد إليهم ومن أتبعهم منا نرده إليهم قال: أما من أسلم منهم فعرف الله منه الصدق أنجاه ومن رجع منا سلم الله منه قال: ونزلت سورة الممتحنة بعد ذلك الصلح وكانت من أسلم من نسائهم فسئلت: ما أخرجك فإن كانت خرجت فرارا من زوجها ورغبة عنه ردت وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت ورد على زوجها مثل ما أنفق). [الدر المنثور: 14/419-420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه أنه بلغه أنه نزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية في امرأة أبي حسان بن الدحداحة وهي أميمة بنت بسر امرأة من بني عمرو بن عوف وأن سهل بن حنيف تزوجها حين فرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له عبد الله بن سهل). [الدر المنثور: 14/420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه قال: كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة عهد شرط في أن يرد النساء فجاءت امرأة تمسى سعيدة وكانت تحت صيفي بن الراهب وهو مشرك من أهل مكة وطلبوا ردها فأنزل الله {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية). [الدر المنثور: 14/420]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية وهم بالحديبية لما جاء النساء أمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين إن يردوا الصداق إلى زوجها فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله وأما المشركون فأبوا أن يقروا فأنزل الله {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} إلى قوله: {مثل ما أنفقوا} فأمر المؤمنون إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج من المسلمين أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته مما أمروا أن يردوا على المشركين). [الدر المنثور: 14/420-421]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه في قوله: {إذا جاءكم المؤمنات} الآية قال: كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وكانت المرأة إذا جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم امتحنوها ثم يردون على زوجها ما أنفق عليها فإن لحقت امرأة من المسلمين بالمشركين فغنم المسلمون ردوا على صاحبها ما أنفق عليها قال الشعبي: ما رضي المشركون بشيء ما رضوا بهذه الآية وقالوا: هذا النصف). [الدر المنثور: 14/421]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي أسامة والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} ولفظ ابن المنذر أنه سئل بم كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يمتحن النساء قال: كانت المرأة إذا جاءت النّبيّ صلى الله عليه وسلم حلفها عمر رضي الله عنه بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض وبالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت التماس دنيا وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله). [الدر المنثور: 14/421]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: يقال لها ما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك ما خرجت إلا حبا لله ورسوله). [الدر المنثور: 14/422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن منيع من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسلم عمر بن الخطاب وتأخرت امرأته في المشركين فأنزل الله {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}). [الدر المنثور: 14/422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني وأبو نعيم، وابن عساكر عن يزيد بن الأخنس رضي الله عنه أنه لما أسلم أسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم فأنزل الله {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فقيل له: قد أنزل الله أنه فرق بينها وبين زوجها إلا أن تسلم فضرب لها أجل سنة فلما مضت السنة إلا يوما جلست تنظر الشمس حتى إذا دنت للغروب أسلمت). [الدر المنثور: 14/422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن طلحة رضي الله عنه قال: لما نزلت {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} طلقت امرأتي أروى بنت ربيعة وطلق عمر قريبة بنت أبي أمية وأم كلثوم بنت جرول الخزاعيه). [الدر المنثور: 14/422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه في قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: نزلت في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين فتكفر فلا يمسك زوجها بعصمتها قد برئ منها). [الدر المنثور: 14/422]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن المنذر عن ابن جريج {فامتحنوهن} الآية قال: سألت عطاء عن هذه الآية تعلمها قال: لا). [الدر المنثور: 14/423]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري نزلت عليه وهو في أسفل الحديبية وكان النبي صالحهم على أنه من أتاه منهم فإنه يرده إليهم فلما جاء النساء نزلت عليه هذه الآية وأمره أن يرد الصداق على أزواجهن وحكم على المشركين بمثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى زوجها قال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر قال فطلق عمر امرأتين كانتا له بمكة قال فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله وأما المشركون فأبوا أن يقروا فأنزل الله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا فأمر الله المؤمنين أن يردوا الصداق إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج من المسلمين أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته من صداق إن كان في أيديهم مما يريدون أن يردوا ذلك إلى المشركين). [تفسير عبد الرزاق: 2/288] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنهم كانوا أمروا أن يردوا عليهم من الغنيمة قال وكان مجاهد يقول فعاقبتم يقول فغنمتم). [تفسير عبد الرزاق: 2/288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون}.
يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وإن فاتكم أيّها المؤمنون شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فلحق بهم.
واختلف أهل التّأويل في الكفّار الّذين عنوا بقوله: {إلى الكفّار}. من هم؟ فقال بعضهم: هم الكفّار الّذين لم يكن بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ، قالوا: ومعنى الكلام: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم، إلى من ليس بينكم وبينهم عهدٌ من الكفّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار} الّذين ليس بينكم وبينهم عهدٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار} إذا فررن من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى كفّارٍ ليس بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن مجاهدٍ {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار}. قال: من لم يكن بينهم عهدٌ.
وقال آخرون: بل هم كفّار قريشٍ الّذي كانوا أهل هدنةٍ وذلك قول الزّهريّ:
- حدّثني بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس عنه.
وقوله: {فعاقبتم} اختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرأة الأمصار {فعاقبتم} بالألف على مثال فاعلتم، بمعنى: أصبتم منهم عقبى. وقرأه حميدٌ الأعرج فيما ذكر عنه: فعقّبتم على مثال فعّلتم مشدّدة القاف، وهما في اختلاف الألفاظ بهما نظير قوله: {ولا تصعّر خدّك للنّاس} وتصاعر مع تقارب معانيهما.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءتين عندي بالصّواب في ذلك قراءة من قرأه: {فعاقبتم} بالألف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.
وقوله: {فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} يقول: فأعطوا الّذين ذهبت أزواجهم منكم إلى الكفّار مثل ما أنفقوا عليهنّ من الصّداق.
واختلف أهل التّأويل في المال الّذي أمر أن يعطى منه الّذي ذهبت زوجته إلى المشركين، فقال بعضهم: أمروا أن يعطوهم من صداق من لحق بهم من نساء المشركين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال. أخبرني يونس، عن الزّهريّ، قال: أقرّ المؤمنون بحكم اللّه، وأدّوا ما أمروا به من نفقات المشركين الّتي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقرّوا بحكم اللّه فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين، فقال اللّه للمؤمنين: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون فلو أنّها ذهبت بعد هذه الآية امرأةٌ من أزواج المؤمنين إلى المشركين، ردّ المؤمنون إلى زوجها النّفقة الّتي أنفق عليها من العقب الّذي بأيديهم، الّذي أمروا أن يردّوه على المشركين من نفقاتهم الّتي أنفقوا على أزواجهم اللاّتي آمنّ وهاجرن، ثمّ ردّوا إلى المشركين فضلاً. إن كان بقي لهم. والعقب: ما كان بأيدي المؤمنين من صداق نساء الكفّار حين آمنّ وهاجرن.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: أنزل اللّه {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} فأمر اللّه المؤمنين أن يردّوا الصّداق إذا ذهبت امرأةٌ من المسلمين ولها زوجٌ أن يردّ إليه المسلمون صداق امرأته من صداقٍ إن كان في أيديهم ممّا أمروا أن يردّوا إلى المشركين.
وقال آخرون: بل أمروا أن يعطوه من الغنيمة أو الفيء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون} يعني: إن لحقت امرأة رجلٍ من المهاجرين بالكفّار، أمر له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، إنّهم كانوا أمروا أن يردّوا عليهم من الغنيمة. وكان مجاهدٌ يقرأ: {فعاقبتم}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فعاقبتم} يقول: أصبتم مغنمًا من قريشٍ أو غيرهم {فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} صدقاتهنّ عوضًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن مجاهدٍ {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار} قال: من لم يكن بينهم وبينهم عهدٌ، فذهبت امرأةٌ إلى المشركين، فيدفع إلى زوجها مهر مثلها {فعاقبتم} فأصبتم غنيمةً {فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه} قال: مهر مثلها يدفع إلى زوجها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه} كنّ إذا فررن من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكفّار ليس بينهم وبين نبيّ اللّه عهدٌ، فأصاب أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غنيمةً، أعطي زوجها ما ساق إليها من جميع الغنيمة، ثمّ يقتسمون غنيمتهم.
- حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: سمعت الكسائيّ، يخبر عن زائدة، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، أنّه قرأها {فعاقبتم} وفسّرها: فغنمتم.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {فعاقبتم} قال: غنمتم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: سألنا الزّهريّ عن هذه الآية وقول اللّه فيها: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار} الآية، قال: يقول: إن فات أحدًا منكم أهله إلى الكفّار، ولم تأتكم امرأةٌ تأخذون لها مثل الّذي يأخذون منكم، فعوّضوه من فيءٍ إن أصبتموه.
وقال آخرون في ذلك ما:
- حدّثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم} قال: خرجت امرأةٌ من أهل الإسلام إلى المشركين، ولم يخرج غيرها. قال: فأتت امرأةٌ من المشركين، فقال القوم: هذه عقبتكم قد أتتكم، فقال اللّه {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم}: أمسكتم الّذي جاءكم منهم من أجل الّذي لكم عندهم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ثمّ أخبرهم اللّه أنّه لا جناح عليهم إذا فعلوا الّذي فعلوا أن ينكحوهنّ إذا استبرئ رحمها، قال: فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي ذهبت امرأته إلى الكفّار، فقال لهذه الّتي أتت من عند المشركين: هذا زوج الّتي ذهبت، أزوّجكه؟ فقالت: يا رسول اللّه، عذر اللّه زوجة هذا أن تفرّ منه، لا واللّه ما لي به حاجةٌ، فدعا البختريّ رجلاً جسيمًا، قال: هذا؟ قالت: نعم. وهي ممّن جاء من مكّة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: أمر اللّه عزّ وجلّ في هذه الآية المؤمنين أن يعطوا من فرّت زوجته من المؤمنين إلى أهل الكفر إذا هم كانت لهم على أهل الكفر عقبى، إمّا بغنيمةٍ يصيبونها منهم، أو بلحاق نساء بعضهم بهم، مثل الّذي أنفقوا على الفارّة منهم إليهم، ولم يخصّص إيتاءهم ذلك من مالٍ دون مالٍ، فعليهم أن يعطوهم ذلك من كلّ الأموال الّتي ذكرناها.
وقوله: {واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون} يقول: وخافوا اللّه الّذي أنتم به مصدّقون أيّها المؤمنون فاتّقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه). [جامع البيان: 22/588-594]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا يقول ما ذهب من أزواج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فليعط أزواجهن من الكفار صدقاتهن وليمسكوهن فكان هذا في صلح كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش ثم قال وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الذين ليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم يقول أصبتم مغنما من قريش أو غيرهم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا يعني صدقاتهن عوضا). [تفسير مجاهد: 2/668-669]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا حماد بن سلمة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء أن لا ينحن فقالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فلانة أسعدتني أفلا أسعدها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ولم يبايعها). [تفسير مجاهد: 2/669]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: كان المشركون قد شرطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أن من جاء من قبلنا وإن كان على دينك رددته إلينا ومن جاءنا من قبلك لم نردده إليك فكان يرد إليهم من جاء من قبلهم يدخل في دينه فلما جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة جاء أخواها يريدان أن يخرجاها ويرداها إليهم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} الآية، إلى قوله: {وليسألوا ما أنفقوا} قال: هو الصداق {وإن فاتكم شيء من أزواجكم} الآية قال: هي المرأة تسلم فيرد المسلمون صداقها إلى الكفار وما طلق المسلمون من نساء الكفار عندهم فعليهم أن يردوا صداقهن إلى المسلمين فإن أمسكوا صداقا من صداق المسلمين مما فارقوا من نساء الكفار أمسك المسلمون صداق المسلمات اللاتي جئن من قبلهم). [الدر المنثور: 14/414] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} قال: سلوهن ما جاء بهن فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو غيرة أو سخط ولم يؤمن فأرجعوهن إلى أزواجهن وإن كن مؤمنات بالله فأمسكوهن وآتوهن أجورهن من صدقتهن وانكحوهن إن شئتم وأصدقوهن وفي قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} قال: أمر أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بطلاق نسائهن كوافر بمكة قعدن مع الكفار {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} قال: ما ذهب من أزواج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهم وليمسكوهن وما ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كمثل ذلك هذا في صلح كان بين قريش وبين محمد صلى الله عليه وسلم {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} الذين ليس بينكم وبينهم عهد {فعاقبتم} أصبتم مغنما من قريش أو غيرهم {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} صدقاتهم عوضا). [الدر المنثور: 14/415] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} قال: هذا حكم حكمه الله بين أهل الهدى وأهل الضلالة {فامتحنوهن} قال: كانت محنتهن أن يحلفن بالله ما خرجن لنشوز ولا خرجن إلا حبا للإسلام وحرصا عليه فإذا فعلن ذلك قبل منهن وفي قوله: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} قال: كن إذا فررن من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الكفار الذين بينهم وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم عهد فتزوجن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المسلمين وإذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم عهد فنكحوهن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين فكان هذا بين أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبين أصحاب العهد من الكفار وفي قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} يقول: إلى كفار قريش ليس بينهم وبين أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عهد يأخذونهم به {فعاقبتم} وهي الغنيمة إذا غنموا بعد ذلك ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده). [الدر المنثور: 14/416] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} إلى قوله: {عليم حكيم} قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فإذا علموا أن ذلك حق منهن لم يرجعوهن إلى الكفار وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم صداقه الذي أصدقها وأحلهن للمؤمنين إذا آتوهن أجورهن ونهى المؤمنين أن يدعو المهاجرات من أجل نسائهم في الكفار وكانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: قل لهن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء فقالت: إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت النسوة التي مع هند وأبين أن يتكلمن فقالت هند وهي متنكرة: كيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر رضي الله عنه: قل لهن: ولا يسرقن قالت هند: والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنة ما أدري أيحلهن أم لا قال أبو سفيان: ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فدعاها فأتته فأخذت بيده فعاذت به فقال: أنت هند فقالت: عفا الله عما سلف فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} الآية يعني إن لحقت امرأة من المهاجرين بالكفار أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق). [الدر المنثور: 14/416-417] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: بلغنا أن الممتحنة أنزلت في المدة التي ماد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش من أجل العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش في المدة فكان يرد على كفار قريش ما أنفقوا على نسائهم اللاتي يسلمن ويهاجرن وبعولتهن كفار ولو كانوا حربا ليست بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم مدة عهد لم يردوا إليهم شيئا مما أنفقوا وقد حكم الله للمؤمنين على أهل المدة من الكفار بمثل ذلك الحكم قال الله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} فطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأته بنت أبي أمية بن المغيرة من بني مخزوم فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وبنت جرول من خزاعة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي وجعل ذلك حكما حكم به بين المؤمنين وبين المشركين في مدة العهد التي كانت بينهم فأقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين فقال الله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} فإذا ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى أزواجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه إلى المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهن اللاتي آمن وهاجرن ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان لهم). [الدر المنثور: 14/417-418] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} إن امرأة من أهل مكة أتت المسلمين فعوضوا زوجها وإن امرأة من المسلمين أتت المشركين فعوضوا زوجها وإن امرأة من المسلمين ذهبت إلى من ليس له عهد من المشركين {فعاقبتم} فأصبتم غنيمة {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} يقول: آتوا زوجها من الغنيمة مثل مهرها). [الدر المنثور: 14/419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية وهم بالحديبية لما جاء النساء أمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين إن يردوا الصداق إلى زوجها فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله وأما المشركون فأبوا أن يقروا فأنزل الله {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} إلى قوله: {مثل ما أنفقوا} فأمر المؤمنون إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج من المسلمين أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته مما أمروا أن يردوا على المشركين). [الدر المنثور: 14/420-421] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} قال: نزلت في امرأة الحكم بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد امرأة من قريش غيرها فأسلمت مع ثقيف حين أسلموا). [الدر المنثور: 14/423]