تفسير قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}؛
وقال: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}؛
وقال في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين}؛
ثم قال فيها: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون}؛
فنسخ هؤلاء الآيات في شأن المشركين، فقال: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}؛
فجعل لهم أجلا أربعة أشهر يسيحون فيها وأبطل ما كان قبل ذلك، ثم قال في الآية التي تليها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ}؛
ثم نسخ واستثنى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}؛
وقال: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه). [الجامع في علوم القرآن: 3/70-72] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله لا ينهاكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين قال نسخها قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/287]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين}.
يقول تعالى ذكره: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} من أهل مكّة {ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم} يقول: وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم، وبرّكم بهم.
واختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها: الّذين كانوا آمنوا بمكّة ولم يهاجروا، فأذن اللّه للمؤمنين ببرّهم والإحسان إليهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} أن تستغفروا لهم، و{تبرّوهم وتقسطوا} إليهم؛ قال: وهم الّذين آمنوا بمكّة ولم يهاجروا.
وقال آخرون: عني بها من غير أهل مكّة من لم يهاجر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن إبراهيم الأنماطيّ، قال: حدّثنا هارون بن معروفٍ، قال: حدّثنا بشر بن السّريّ، قال: حدّثنا مصعب بن ثابتٍ، عن عمّه عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، قال: نزلت في أسماء بنت أبي بكرٍ، وكانت لها أمٌّ في الجاهليّة يقال لها قتيلة ابنة عبد العزّى، فأتتها بهدايا ضبابٍ وأقطٍ وسمنٍ، فقالت: لا أقبل لك هديّةً، ولا تدخلي عليّ حتّى يأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرت ذلك عائشة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} إلى قوله: {المقسطين}.
- قال حدّثنا إبراهيم بن الحجّاج، قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، قال: حدّثنا مصعب بن ثابتٍ، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزّى بن سعدٍ من بني مالك بن حسلٍ على ابنتها أسماء بنت أبي بكرٍ، فذكر نحوه.
وقال آخرون: بل عني بها من مشركي مكّة من لم يقاتل المؤمنين، ولم يخرجوهم من ديارهم؛ قال: ونسخ اللّه ذلك بعد بالأمر بقتالهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: {لا ينهاكم اللّه} الآية، فقال: هذا قد نسخ، نسخه القتال، أمروا أن يرجعوا إليهم بالسّيوف، ويجاهدوهم بها، يضربونهم، وضرب اللّه لهم أجل أربعة أشهرٍ، إمّا المذابحة، وإمّا الإسلام.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {لا ينهاكم اللّه} الآية، قال: نسختها: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: عني بذلك: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين}. من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إنّ اللّه عزّ وجلّ عمّ بقوله: الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصّص به بعضًا دون بعضٍ، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخٌ، لأنّ برّ المؤمن من أهل الحرب ممّن بينه وبينه قرابة نسبٍ، أو ممّن لا قرابة بينه وبينه ولا نسبٌ غير محرّمٍ ولا منهيٌّ عنه إذا لم يكن في ذلك دلالةٌ له، أو لأهل الحرب على عورةٍ لأهل الإسلام، أو تقويةٌ لهم بكراعٍ أو سلاحٍ. قد بيّن صحّة ما قلنا في ذلك الخبر الّذي ذكرناه عن ابن الزّبير في قصّة أسماء وأمّها.
وقوله: {إنّ اللّه يحبّ المقسطين}. يقول: إنّ اللّه يحبّ المنصفين الّذين ينصفون النّاس، ويعطونهم الحقّ والعدل من أنفسهم، فيبرّون من برّهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم). [جامع البيان: 22/571-574]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين يقول أن تستغفروا لهم وتبروهم وتقسطوا إليهم وهم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا وبه عن مجاهد إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين قال هم كفار قريش). [تفسير مجاهد: 2/668]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس السّيّاريّ، ثنا عبد اللّه بن عليّ الغزّال، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا عبد اللّه بن المبارك، أخبرني مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، عن جدّه رضي اللّه عنه، قال: قدمت قتيلة بنت العزّى بنت أسعد من بني مالك بن حسلٍ على ابنتها أسماء بنت أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنهما، وكان أبو بكرٍ طلّقها في الجاهليّة، فقدمت على ابنتها بهدايا ضبابًا وسمنًا وأقطًا، فأبت أسماء أن تأخذ منها، وتقبل منها وتدخلها منزلها حتّى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته «فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها» فأنزل اللّه عزّ وجلّ {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم} [الممتحنة: 8] إلى آخر الآيتين «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/527]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} [الممتحنة: 8].
- عن عبد اللّه بن الزّبير قال: «قدمت قتيلة ابنة العزّى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسلٍ على ابنتها أسماء بنت أبي بكرٍ بهدايا ضبابٍ وأقطٍ وسمنٍ، وهي مشركةٌ، فأبت أسماء أن تقبل هديّتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} [الممتحنة: 8] إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديّتها وتدخلها بيتها».
رواه أحمد والبزّار، وفيه مصعب بن ثابتٍ، وثّقه ابن حبّان، وضعّفه جماعةٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/123]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو داود الطّيالسيّ: ثنا ابن المبارك، عن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه "أنّ أبا بكرٍ طلّق امرأته قتيلة في الجاهليّة وهي أمّ أسماء بنت أبي بكرٍ، فقدمت عليهم في المدّة الّتي كانت بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين كفّار قريشٍ، فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكرٍ قرطًا وأشياء، فكرهت أن تقبل منها حتّى أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فأنزل الله- عز وجل-: (لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين) ".
- رواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا إبراهيم السّاميّ، ثنا ابن المبارك، عن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه قال: "قدمت قتيلة بنت عبد العزّى بن أسدٍ من بني مالك بن حسلٍ على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا وضباب وسمن وأقط، فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك فقال: (لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين) فأدخلتها منزلها وقبلت هداياها"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/286]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الطّيالسيّ: حدثنا ابن المبارك.
[2] وقال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم السّاميّ، ثنا ابن المبارك: عن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه رضي الله عنه قال: " إنّ أبا بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه طلّق امرأته قتيلة في الجاهليّة. وهي أمّ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقدمت عليهم في المدّة الّتي كانت بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين كفّار قريشٍ. فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قرطًا، وأشياء، فكرهت أن تقبل منها، حتّى أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} لفظ أبي داود.
وفي رواية الآخر: قدمت قتيلة بنت عبد العزّى بن أسدٍ من بني مالك بن حسلٍ، على بنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بهدايا، ضبابٍ، وسمنٍ، وأقطٍ، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها بيتها، فسألت لها عائشة رضي الله عنها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك: فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} الآية. فأدخلتها منزلها، وقبلت هداياها). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {لا ينهاكم الله} الآية.
وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه والحاكم وصححه والطبراني، وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فأنزل الله {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها). [الدر المنثور: 14/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن المنذر والنحاس والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أأصلها فأنزل الله {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} فقال: نعم صلي أمك). [الدر المنثور: 14/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود في تاريخه، وابن المنذر عن قتادة {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} نسختها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (سورة التوبة الآية 5) ). [الدر المنثور: 14/411-412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} قال: أن تستغفروا لهم وتبروهم وتقسطوا إليهم هم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا). [الدر المنثور: 14/412]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}؛
وقال: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}؛
وقال في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين}؛
ثم قال فيها: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون}؛
فنسخ هؤلاء الآيات في شأن المشركين، فقال: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}؛
فجعل لهم أجلا أربعة أشهر يسيحون فيها وأبطل ما كان قبل ذلك، ثم قال في الآية التي تليها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ}؛
ثم نسخ واستثنى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}؛
وقال: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه). [الجامع في علوم القرآن: 3/70-72] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون}.
يقول تعالى ذكره: {إنّما ينهاكم اللّه} أيّها المؤمنون {عن الّذين قاتلوكم في الدّين} من كفّار أهل مكّة {وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم}. يقول: وعاونوا من أخرجكم من دياركم على إخراجكم {أن تولّوهم} فتكونوا لهم أولياء ونصراء،{ومن يتولّهم} يقول: ومن يجعلهم منكم أو من غيركم أولياء. {فأولئك هم الظّالمون}. يقول: فأولئك هم الّذين تولّوا غير الّذي يجوز لهم أن يتولّوهم، ووضعوا ولايتهم في غير موضعها، وخالفوا أمر اللّه في ذلك.
وبنحو الّذي قلنا في معنى قوله: {الّذين قاتلوكم في الدّين} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين} قال: كفّار أهل مكّة). [جامع البيان: 22/574-575]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين} قال: كفار أهل مكة). [الدر المنثور: 14/412]