تفسير قوله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله ما قطعتم من لينة قال اللينة ألوان النخل كلها إلا العجوة). [تفسير عبد الرزاق: 2/283]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ما قطعتم من لينةٍ} [الحشر: 5]
«نخلةٍ ما لم تكن عجوةً أو برنيّةً»
- حدّثنا قتيبة، حدّثنا ليثٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما: «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حرّق نخل بني النّضير وقطع وهي البويرة» ، فأنزل اللّه تعالى: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه وليخزي الفاسقين} [الحشر: 5] ). [صحيح البخاري: 6/147]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله ما قطعتم من لينةٍ نخلةٍ)
ما لم تكن عجوةً أو برنيّةً قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما قطعتم من لينة أي من نخلةٍ وهي من الألوان ما لم تكن عجوةً أو برنيّةً إلّا أنّ الواو ذهبت بكسر اللّام وعند التّرمذيّ من حديث بن عبّاسٍ اللّينة النّخلة في أثناء حديثٍ وروى سعيد بن منصورٍ من طريق عكرمة قال اللّينة ما دون العجوة وقال سفيان هي شديدة الصّفرة تنشق عن النّوى قوله ما أفاء). [فتح الباري: 8/629]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {ما قطعتم من لينةٍ} (الحشر: 5) نخلةٍ ما لم تكن عجوةً أو برنيّةً)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة} الآية، وفسّر اللينة بالنخلة، وكذا فسرها أبو عبيدة: وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية، بفتح الباء وسكو الرّاء وكسر النّون وتشديد الباء آخر الحروف وهي ضرب من التّمر، وقال الثّعلبيّ: اختلف في اللينة فقيل: هي ما دون العجوة من النّحل والنّخل كله لينة ما خلا العجوة، وهو قول عكرمة وقتادة، وعن الزّهريّ: اللينة ألوان النّخلة كلها لأن العجوة أو البرنية، وعن عطيّة وابن زيد. هي النّخلة والنخيل كلها من غير استثناء، وعن ابن عبّاس: هي لون من النّخل وأصل لينة: لونة، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
- حدّثنا قتيبة حدّثنا ل يثٌ عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النّضير وقطع وهي البويرة فأنزل الله تعالى: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ومضى الحديث في الجهاد مختصرا خماسيا وهنا ساقه رباعيا. قوله: (البويرة) ، بضم الباء الموحدة وفتح الواو وسكون الباء آخر الحروف وبالراء. قوله: (ما قطعتم) محل: ما نصب: بقطعتم، كأنّه قيل: أي: شيء قطعتم من لينة، والضّمير في: تركتموها، يرجع إلى: ما لانه في معنى اللينة. قوله: (على أصولها) أي: سوقها فلم يقطعوها ولم يحرقوها. قوله: (فبإذن الله) يعني: القطع والتّرك بإذن الله قوله: (وليخزي) أي: ولأجل أن يخزي الفاسقين من الإخزاء، وهو القهر والإذلال). [عمدة القاري: 19/223-224]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {ما قطعتم من لينةٍ} نخلةٍ ما لم تكن عجوةً أو برنيّةً
(باب قوله) تعالى: ({ما قطعتم من لينة}) [الحشر: 5] أي من (نخلة) فعلة (ما لم تكن عجوة أو برنية) ضرب من التمر وقيل اللينة النخلة مطلقًا، وقيل ما تمرها لون وهو نوع من التمر أيضًا، وقيل تمر شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس، وقيل هي أغصان الشجر للينها وما شرطية في موضع نصب بقطعتم ومن لينة بيان لها وفبإذن الله جواب الشرط لا بدّ من حذف مضاف تقديره فقطعها باذن الله، وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
- حدّثنا قتيبة، حدّثنا ليثٌ عن نافعٍ عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- حرّق نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل اللّه تعالى {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه وليخزى الفاسقين} [الحشر: 5].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن نافع عن ابن
عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- حرّق نخل بني النضير) لما نزل بهم وكانوا تحصنوا بحصونهم (وقطعـ) ـها إهانة لهم وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم (وهي البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة راء موضع بقرب المدينة ونخل لبني النضير فقالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها (فأنزل الله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها}) الضمير عائد على ما وأنت لأنه مفسر باللينة ({قائمة على أصولها فبإذن الله}) أي خيركم في ذلك ({وليخزي}) بالإذن في القطع ({الفاسقين}) اليهود في اعتراضهم بأن قطع الشجر المثمر فساد واستدلّ به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم). [إرشاد الساري: 7/375]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا اللّيث، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: حرّق رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم نخل بني النّضير وقطّع، وهي البويرة، فأنزل اللّه {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/261]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الزّعفرانيّ، قال: حدّثنا عفّان بن مسلمٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، قال: حدّثنا حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول الله عزّ وجلّ: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها} قال: اللّينة النّخلة، وليخزي الفاسقين قال: استنزلوهم من حصونهم، قال: أمروا بقطع النّخل فحكّ في صدورهم. فقال المسلمون: قد قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا، فلنسألنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم هل لنا فيما قطعنا من أجرٍ؟ وهل علينا فيما تركنا من وزرٍ؟ فأنزل اللّه تعالى: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها} " الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وروى بعضهم هذا الحديث عن حفص بن غياثٍ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، مرسلاً ولم يذكر فيه عن ابن عبّاسٍ.
حدّثنا بذلك عبد الله بن عبد الرّحمن، عن هارون بن معاوية، عن حفص بن غياثٍ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرسلاً: سمع منّي محمّد بن إسماعيل هذا الحديث). [سنن الترمذي: 5/262]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ما قطعتم من لينةٍ}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا اللّيث، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّق نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله تبارك وتعالى {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} [الحشر: 5]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/291]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله: {وليخزي الفاسقين} [الحشر: 5]
- أخبرنا الحسن بن محمّدٍ، عن عفّان، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، قال: حدّثنا حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول الله تعالى: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن الله وليخزي} [الحشر: 5] الفاسقين، قال: استنزلوهم من حصونهم، وأمروا بقطع النّخل، فحاك في صدورهم، فقال المسلمون: قد قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا، فلنسألنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل لنا فيما قطعنا من أجرٍ؟، وهل علينا فيما تركنا من وزرٍ؟، فأنزل الله عزّ وجلّ {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً} [الحشر: 5]، قال: كان عفّان حدّثنا بهذا الحديث، عن عبد الواحد، عن حبيبٍ، ثمّ رجع فحدّثناه عن حفصٍ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/291]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه وليخزي الفاسقين}.
يقول تعالى ذكره: ما قطعتم من ألوان النّخل، أو تركتموها قائمةً على أصولها. اختلف أهل التّأويل في معنى اللّينة، فقال بعضهم: هي جميع أنواع النّخل سوى العجوة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة: {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: النّخلة.
- دّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، أنّه قال في هذه الآية: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها}. قال: اللّينة: ما دون العجوة من النّخل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، في قوله: {ما قطعتم من لينةٍ} قال: اللّينة: ما خالف العجوة من التّمر.
- وحدّثنا به مرّةً أخرى فقال: من النّخل.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله: {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: النّخل كلّه ما خلا العجوة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {ما قطعتم من لينةٍ}. واللّينة: ما خلا العجوة من النّخل.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، {ما قطعتم من لينةٍ}. ألوان النّخل كلّها إلاّ العجوة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، قال: حدّثنا سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: النّخلة دون العجوة.
وقال آخرون: النّخل كلّه لينةٌ، العجوة منه وغير العجوة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: النّخلة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: نخلةٌ. قال: نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النّخل، وقالوا: إنّما هي مغانم المسلمين، ونزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم، وإنّما قطعه وتركه بإذنه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: النّخلة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: اللّينة: النّخلة، عجوةً كانت أو غيرها، قال اللّه: {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: للنّخل الّذي قطعوا من نخل النّضير حين غدرت النّضير.
وقال آخرون: هي لونٌ من النّخل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما قطعتم من لينةٍ}. قال: اللّينة: لونٌ من النّخل.
وقال آخرون: هي كرام النّخل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، قال: حدّثنا سفيان، في {ما قطعتم من لينةٍ} قال: من كرام نخلهم.
والصّواب من القول في ذلك قول من قال: اللّينة: النّخلة، وهي من ألوان النّخل ما لم تكن عجوةً، وإيّاها عنى ذو الرّمّة بقوله:
طراق الخوافي واقعٌ فوق لينةٍ = ندى ليله في ريشه يترقرق.
وكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: اللّينة من اللّون، واللّيان في الجماعة واحدها اللّينة. قال: وإنّما سمّيت لينةً لأنّه فعلةٌ من فعلٍ، وهو اللّون، وهو ضربٌ من النّخل، ولكن لمّا انكسر ما قبلها انقلبت إلى الياء وكان بعضهم ينكر هذا القول ويقول: لو كان كما قال لجمعوه: اللّوان لا اللّيان.
وكان بعض نحويّي الكوفة يقول: جمع اللّينة: لينٌ.
وإنّما أنزلت هذه الآية فيما ذكر من أجل أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قطع نخل بني النّضير وحرّقها، قالت بنو النّضير لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّك كنت تنهى عن الفساد وتعيبه، فما بالك تقطع نخلنا وتحرّقها؟ فأنزل اللّه هذه الآية، فأخبرهم أنّ ما قطع من ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو ترك، فعن أمر اللّه فعل.
وقال آخرون: بل نزل ذلك لاختلافٍ كان من المسلمين في قطعها وتركها.
ذكر من قال: نزل ذلك لقول اليهود للمسلمين ما قالوا:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا يزيد بن رومان، قال: لمّا نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بهم، يعني ببني النّضير، تحصّنوا منه في الحصون، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقطع النّخل، والتّحريق فيها، فنادوه: يا محمّد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النّخل وتحريقها؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه وليخزي الفاسقين}.
ذكر من قال: نزل ذلك لاختلافٍ كان بين المسلمين في أمرها:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها}. الآية، أي ليعظهم، فقطع المسلمون يومئذٍ النّخل، وأمسك آخرون كراهية أن يكون إفسادًا، فقالت اليهود: آللّه أذن لكم في الفساد؟ فأنزل اللّه {ما قطعتم من لينةٍ}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها}. قال: نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النّخل، وقالوا: إنّما هي مغانم المسلمين، ونزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم، وإنّما قطعه وتركه بإذنه.
- حدّثنا سليمان بن عمر بن خالدٍ البرقيّ، قال ابن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نخل بني النّضير، وفي ذلك نزلت {ما قطعتم من لينةٍ}. الآية. وفي ذلك يقول حسّان بن ثابتٍ:
وهان على سراة بني لؤيٍّ = حريقٌ بالبويرة مستطير.
وقوله: {فبإذن اللّه} يقول: فبأمر اللّه قطعتم ما قطعتم منها وتركتم ما تركتم، وليغيظ بذلك أعداءه، ولم يكن فسادًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، {فبإذن اللّه} أي فبأمر اللّه قطعت، ولم يكن فسادًا، ولكن نقمةً من اللّه {وليخزي الفاسقين}.
وقوله: {وليخزي الفاسقين}. وليذلّ الخارجين عن طاعة اللّه عزّ وجلّ، المخالفين أمره ونهيه، وهم يهود بني النّضير). [جامع البيان: 22/506-512]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل ما قطعتم من لينة يعني من نخلة قال ونهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا إنما هي مغانم للمسلمين وقال الذين قطعوا بل هو غيظ للعدو فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم فقال إنما قطعه وتركه بإذن الله عز وجل). [تفسير مجاهد: 663]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت د) عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه وليخزي الفاسقين}. أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود.
وسيجيء لهذا الحديث رواياتٌ في كتاب الغزوات، من حرف الغين). [جامع الأصول: 2/380-381]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس - رضي الله عنهما -: في قوله الله عز وجل: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها} قال: اللّينة: النّخلة، {وليخزي الفاسقين} قال: استنزلوهم من حصونهم، قال: وأمروا بقطع النّخل قال: فحك ذلك في صدورهم، فقال المسلمون: قد قطعنا بعضاً، وتركنا بعضاً، فلنسألنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لنا فيما قطعناه من أجرٍ، وهل علينا فيما تركناه من وزرٍ؟ فأنزل الله {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها... } الآية. أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(لينة) اللينة: مادون العجوة من النخل، والعجوة: نوع من التمر معروف بالمدينة.
(وزر) الوزر: الحمل والثقل والإثم). [جامع الأصول: 2/381]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ما قطعتم من لينةٍ} [الحشر: 5].
- عن جابرٍ قال: «رخّص في قطع النّخل، ثمّ شدّد عليهم، فأتوا النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقالوا: يا رسول اللّه، علينا إثمٌ فيما قطعنا أو فيما تركنا؟ فأنزل اللّه {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه} [الحشر: 5]».
رواه أبو يعلى عن شيخه سفيان بن وكيعٍ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/122]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال أبو يعلى الموصليّ: ثنا سفيان بن وكيعٍ، ثنا حفصٌ، عن ابن جريجٍ، عن سليمان بن موسى، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ- رضي اللّه عنه- قال: "رخص لهم، في قطع النّخل، ثمّ شدّد عليهم فأتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللّه، علينا إثمٌ فيما قطعنا أو علينا، فيما تركنا؟ فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: (ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه) .
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؟ لضعف سفيان بن وكيع). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/284]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا سفيان بن وكيعٍ، ثنا حفصٌ، ثنا ابن جريجٍ، عن سليمان بن موسى، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ رضي الله عنه قال: رخّص لهم في قطع النّخل، ثمّ شدّد عليهم فأتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللّه: علينا إثمٌ فيما قطعنا، أو فيما تركنا؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن اللّه}). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة ولها يقول حسان بن ثابت:
فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير
فأنزل الله {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين}). [الدر المنثور: 14/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن أبي حاتم وان مردويه عن ابن عباس في قول الله: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها} قال: اللينة النخلة {وليخزي الفاسقين} قال: استنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل فحاك في صدورهم فقال المسلمون: قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما قطعنا من أجر وهل علينا فيما تركنا من وزر فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} الآية). [الدر المنثور: 14/336-337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه، عن جابر قال: رخص لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم فقالوا: يا رسول الله علينا إثم فيما قطعنا أو فيما تركنا من وزر فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} الآية). [الدر المنثور: 14/337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: لم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني النضير تحصنوا منه في الحصون فأمر بقطع النخل والتحريق فيها فنادوه يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بال قطع النخل وتحريقها فنزلت {ما قطعتم من لينة}). [الدر المنثور: 14/337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل وقالوا: إنما هي من مغانم المسلمين وقال الذين قطعوا: بل هي غيظ للعدو فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم فقال: إنما قطعه وتركه بإذن الله). [الدر المنثور: 14/337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن ابن عباس {ما قطعتم من لينة} قال: هي النخلة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج عبد بن حميد عن عطية وعكرمة ومجاهد وعمرو ابن ميمون مثله). [الدر المنثور: 14/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {من لينة} قال: نوع من النخل). [الدر المنثور: 14/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة قال: اللينة ما دون العجوة من النخل). [الدر المنثور: 14/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الزهري قال: اللينة ألوان النخل كلها إلا العجوة). [الدر المنثور: 14/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {ما قطعتم من لينة} قال: نخلة أو شجرة). [الدر المنثور: 14/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قواما على أصولها). [الدر المنثور: 14/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن شهاب قال: يلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرق بعض أموال بني النضير فقال قائل:
فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير). [الدر المنثور: 14/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: قطع المسلمون يومئذ النخل وأمسك أناس كراهية أن يكون فسادا فقالت اليهود: الله أذن لكم في الفساد فقال الله: {ما قطعتم من لينة} قال: واللينة ما خلا العجوة من النخل إلى قوله: {وليخزي الفاسقين} قال: لتغيظوهم {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} قال: ما قطعتم إليها واديا ولا سيرتم إليها دابة ولا بعيرا إنما كانت حوائط لبني النضير أطعمها الله رسوله صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 14/351-352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم بين قريش والمهاجرين النضير فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} قال: ما هي العجوة والفنيق والنخيل وكانا مع نوح في السفينة وهما أصل التمر ولم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أحدا إلا رجلين أبا دجانة وسهل بن حنيف). [الدر المنثور: 14/352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الأوزاعي قال: أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يهودي فسأله عن المشيئة قال: المشيئة لله قال: فإني أشاء أن أقوم قال: قد شاء الله أن تقوم قال: فإني أشاء أن أقعد قال: فقد شاء الله أن تقعد قال: فإني أشاء أن أقطع هذه النخلة قال: فقد شاء الله أن تقطعها قال: فإني أشاء أن أتركها قال: فقد شاء الله أن تتركها قال: فأتاه جبريل عليه السلام فقال: قد لقنت حجتك كما لقنها إبراهيم عليه السلام قال: ونزل القرآن {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين}). [الدر المنثور: 14/352]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري في قوله تعالى فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب يقول صالح النبي أهل فدك وقرى سماها لا أحفظها وهو محاصر قوما آخرين فأرسلوا إليه بالصلح فأفاءها الله عليهم من غير قتال لم يوجفوا علية خيلا ولا ركابا فقال الله فما أوجفتم عليهم من خيل ولا ركاب يقول بغير قتال). [تفسير عبد الرزاق: 2/283]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري قال كانت بنو النضير للنبي خالصا لم يفتتحوها عنوة إنما افتتحوها على صلح فقسمهما النبي بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا رجلين كانت بهما حاجة). [تفسير عبد الرزاق: 2/283]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، عن محمّدٍ وهو ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن مالك بن أوس بن الحدثان، أنّ عمر قال: سأخبركم بهذا الفيء، إنّ الله تعالى خصّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بشيءٍ لم يعطه غيره، فقال: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} [الحشر: 6]، فكانت هذه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاصّةً، فوالله ما اختارها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، ولقد قسمها عليكم حتّى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينفق منه على أهله سنتهم، ثمّ يجعل ما بقي في مال الله عزّ وجلّ " مختصرٌ
- أخبرنا عبيد الله بن سعيدٍ، ويحيى بن موسى، وهارون بن عبد الله، قالوا: حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن الزّهريّ، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطّاب، «كانت أموال بني النّضير ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينفق منها على أهله نفقة سنةٍ، وما بقي جعله في السّلاح والكراع عدّةً في سبيل الله»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/292]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ ولكنّ اللّه يسلّط رسله على من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}. يقول تعالى ذكره: والّذي ردّه اللّه على رسوله منهم، يعني من أموال بني النّضير. يقال منه: فاء الشّيء على فلانٍ: إذا رجع إليه، وأفأته أنا عليه: إذا رددته عليه. وقد قيل: إنّه عنى بذلك أموال قريظة.
{فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ}. يقول: فما أوضعتم فيه من خيلٍ ولا في إبلٍ وهي الرّكاب. وإنّما وصف جلّ ثناؤه الّذي أفاءه على رسوله منهم بأنّه لم يوجف عليه بخيلٍ من أجل أنّ المسلمين لم يلقوا في ذلك حربًا، ولا كلّفوا فيه مئونةً، وإنّما كان القوم معهم، وفي بلدهم، فلم يكن فيه إيجاف خيلٍ ولا ركابٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ}. الآية، يقول: ما قطعتم إليها واديًا، ولا سرتم إليها سيرًا، وإنّما كان حوائط لبني النّضير طعمةً أطعمها اللّه رسوله، ذكر لنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: أيّما قريةٍ أعطت اللّه ورسوله، فهي للّه ولرسوله، وأيّما قريةٍ فتحها المسلمون عنوةً فإنّ للّه خمسه ولرسوله وما بقي غنيمةٌ لمن قاتل عليها.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، في قوله: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ}. قال: صالح النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أهل فدكٍ وقرًى قد سمّاها لا أحفظها، وهو محاصرٌ قومًا آخرين، فأرسلوا إليه بالصّلح، قال: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ}. يقول: بغير قتالٍ. قال الزّهريّ: فكانت بنو النّضير للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خالصةً لم يفتحوها عنوةً، بل على صلحٍ، فقسمها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئًا، إلاّ رجلين كانت بهما حاجةٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، {وما أفاء اللّه على رسوله منهم} يعني بني النّضير، {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ ولكنّ اللّه يسلّط رسله على من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ}. قال: يذكر ربّهم أنّه نصرهم، وكفاهم بغير كراعٍ، ولا عدّةٍ في قريظة وخيبر، ما أفاء اللّه على رسوله من قريظة، جعلها لمهاجرة قريشٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ ولكنّ اللّه يسلّط رسله على من يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}. قال: أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه بالسّير إلى قريظة والنّضير وليس للمسلمين يومئذٍ كثير خيلٍ ولا ركابٍ فجعل ما أصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذٍ خيلٌ ولا ركابٌ يوجف بها. قال: والإيجاف: أن يوضعوا السّير وهي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكان من ذلك خيبر وفدكٌ وقرًى عربيّةٌ، وأمر اللّه رسوله أن يعدّ لينبع، فأتاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاحتواها كلّها، فقال ناسٌ: هلاّ قسمها، فأنزل اللّه عزّ وجلّ عذره، فقال: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل}. ثمّ قال: {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الآية.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ}. يعني: يوم قريظة.
وقوله: {ولكنّ اللّه يسلّط رسله على من يشاء}. أعلمك أنّه كما سلّط محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على بني النّضير، يخبر بذلك جلّ ثناؤه أنّ ما أفاء اللّه عليه من أموالٍ من لم يوجف المسلمون بالخيل والرّكاب، من الأعداء ممّا صالحوه عليه له خاصّةً يعمل فيه بما يرى. يقول: فمحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما صار إليه أموال بني النّضير بالصّلح إلاّ عنوةً، فتقع فيها القسمة. {واللّه على كلّ شيءٍ قديرٍ}. يقول: واللّه على كلّ شيءٍ أراده ذو قدرةٍ لا يعجزه شيءٌ، وبقدرته على ما يشاء سلّط نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على ما سلّط عليه من أموال بني النّضير، فحازه عليهم). [جامع البيان: 22/512-515]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال يذكرهم ربهم أنه نصرهم بغير كراع ولا عدة في قريظة وخيبر). [تفسير مجاهد: 2/663]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) محمد بن شهاب الزهري -رحمه الله -: في قوله: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} [الحشر: 6] قال: صالح النبيّ صلى الله عليه وسلم أهل فدك وقرى - قد سمّاها، لا أحفظها - وهو محاصرٌ قوماً آخرين، فأرسلوا إليه بالصلح قال: {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} يقول: بغير قتالٍ، قال الزهريّ: وكانت بنو النضير للنّبيّ صلى الله عليه وسلم خالصاً، لم يفتحوها عنوة، افتتحوها على صلح، فقسمها النبيّ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، لم يعط الأنصار منها شيئاً، إلا رجلين كانت بهما حاجة. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(أوجفتم) الإيجاف: سرعة السير.
(ركاب) الركاب: الإبل، واحدها: راحلة.
(عنوة) فتحت المدينة عنوة: إذا أخذت قهراً من غير صلح). [جامع الأصول: 2/382-383]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في تاريخه، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن صهيب بن سنان قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير أنزل الله: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة فقسمها للمهاجرين فأعطى رجلين منها من الأنصار: سهل بن حنيف وأبا لبابة بن عبد المنذر). [الدر المنثور: 14/353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والبيهقي، وابن المنذر عن الزهري في قوله: {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} قال: صالح النّبيّ صلى الله عليه وسلم أهل فدك وقرى سماها وهو محاصر قوما آخرين فأرسلوا بالصلح فأفاءها الله عليهم من غير قتال ولم يوجفوا عليه خيلا ولا ركابا فقال الله: {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} يقول: بغير قتال، وقد كانت أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خالصا لم يفتتحوها عنوة إنما فتحوها على صلح فقسمها النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا رجلين كانت بهما حاجة أبو دجانة وسهل بن حنيف). [الدر المنثور: 14/353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله). [الدر المنثور: 14/353-354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} قال: يذكرهم ربهم أنه نصرهم وكفاهم بغير كراع ولا عدة في قريظة وخيبر). [الدر المنثور: 14/354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}
قال: أمر الله رسوله بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمؤمنين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها، قال: والإيجاف أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية وأمر الله رسوله أن يعد لينبع فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتواها كلها فقال أناس: هلا قسمها فأنزل الله عذره فقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول} إلى قوله: {شديد العقاب}). [الدر المنثور: 14/354-355]