تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)}
روايات حديث ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه}
قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت:241هـ): (حدثنا سفيان، قال: وقال موسى بن أبي عائشة: سمعت سعيد بن جبيرٍ، يقول: قال ابن عباسٍ: (كان إذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآنٌ يريد أن يحفظه، قال الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}). [مسند أحمد/مسند عبدالله بن العباس بن عبد المطلب]
قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت: 241هـ): حدثنا عبد الرحمن، عن أبي عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً، فكان يحرك شفتيه - قال: فقال لي ابن عباسٍ: أنا أحرك شفتي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك، وقال لي سعيدٌ: أنا أحرك كما رأيت ابن عباسٍ يحرك شفتيه- فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه} ، قال: جمعه في صدرك ثم نقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} فاستمع له وأنصت، {ثم إن علينا بيانه} فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه). [مسند أحمد/مسند عبدالله بن العباس بن عبد المطلب]
قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت: 256هـ): (حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة، قال: حدثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} ، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً، وكان مما يحرك شفتيه -فقال ابن عباسٍ: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وقال سعيدٌ: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباسٍ يحركهما فحرك شفتيه- فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه} قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قال: فاستمع له وأنصت، {ثم إن علينا بيانه} ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه). [صحيح البخاري/كتاب بدء الوحي/باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت: 256هـ): (حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن موسى بن أبي عائشة، أنه سأل سعيد بن جبيرٍ، عن قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك} قال: وقال ابن عباسٍ: (كان يحرك شفتيه إذا أنزل عليه، فقيل له: {لا تحرك به لسانك} يخشى أن ينفلت منه، {إن علينا جمعه وقرآنه} أن نجمعه في صدرك، وقرآنه: أن تقرأه، {فإذا قرأناه} يقول: أنزل عليه، {فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه} أن نبينه على لسانك). [صحيح البخاري/كتاب تفسير القرآن/باب {إن علينا جمعه وقرآنه}]
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت: 256هـ): (حدثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدثنا جريرٌ، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية التي في {لا أقسم بيوم القيامة}: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه} قال: علينا أن نجمعه في صدرك، {وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} فإذا أنزلناه فاستمع، {ثم إن علينا بيانه} علينا أن نبينه بلسانك، قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل). [صحيح البخاري/كتاب تفسير القرآن/باب قوله: {فإذا قرآناه فاتبع قرآنه}]
قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت: 256هـ): (حدثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدثنا جريرٌ، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، في قوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}
قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل الله الآية التي في {لا أقسم بيوم القيامة}: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه} فإن علينا أن نجمعه في صدرك، {وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} فإذا أنزلناه فاستمع، {ثم إن علينا بيانه} قال: إن علينا أن نبينه بلسانك، قال: وكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله). [صحيح البخاري/كتاب فضائل القرآن/باب الترتيل في القراءة]
قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت: 256هـ): حدثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك} قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً، وكان يحرك شفتيه -فقال لي ابن عباسٍ: فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، فقال سعيدٌ: أنا أحركهما كما كان ابن عباسٍ يحركهما، فحرك شفتيه- فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه} قال: جمعه في صدرك ثم تقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قال: فاستمع له وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه). [صحيح البخاري/كتاب التوحيد/باب قول الله تعالى: {لا تحرك به لسانك}]
قال مسلم بن الحجاج القشيري (ت: 261هـ): (وحدثنا قتيبة بن سعيدٍ وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم؛ كلهم عن جريرٍ -قال أبو بكرٍ: حدثنا جرير- ابن عبد الحميد، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله عز وجل: {لا تحرك به لسانك}، قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه ، فكان ذلك يعرف منه ، فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} أخذه، {إن علينا جمعه وقرآنه} إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قال: أنزلناه، فاستمع له، {إن علينا بيانه} أن نبينه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله). [صحيح مسلم/كتاب الصلاة/باب لا تحرك به لسانك]
قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري (ت: 261هـ): (حدثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به}، قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً كان يحرك شفتيه -فقال لي ابن عباسٍ: أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، فقال سعيدٌ : أنا أحركهما كما كان ابن عباسٍ يحركهما، فحرك شفتيه- فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه} قال : جمعه في صدرك ثم تقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قال : فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه). [صحيح مسلم/كتاب الصلاة/باب لا تحرك به لسانك]
قال أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت: 279هـ): (حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك به لسانه يريد أن يحفظه، فأنزل الله تبارك وتعالى : {لا تحرك به لسانك لتعجل به} قال : فكان يحرك به شفتيه، وحرك سفيان شفتيه. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [جامع الترمذي/أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/باب ومن سورة القيامة]
قال أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت: 303هـ): (أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه} قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً وكان يحرك شفتيه، قال الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه} ، قال: جمعه في صدرك، ثم تقرؤه. {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}
قال: فاستمع له وأنصت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق قرأه كما أقرأه). [سنن النسائي «المجتبى»/كتاب الافتتاح/باب جامع ما جاء في القرآن]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به} ، قال: " كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التّنزيل شدّةً، كان يحرّك شفتيه، قال لي ابن عبّاسٍ: أنا أحرّكهما لك كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرّكهما، قال سعيدٌ: وأنا أحرّكهما كما كان ابن عبّاسٍ يحرّكهما، فحرّك شفتيه، فأنزل الله عزّ وجلّ {لا تحرّك به لسانك لتعجل به (16) إنّ علينا جمعه وقرآنه} ، قال: جمعه في صدرك، ثمّ نقرأه {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}، قال: فاستمع وأنصت، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه "
- أخبرنا أحمد بن عبدة، عن سفيان، عن عمرٍو، عن سعيدٍ هو ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل القرآن عليه يعجل بقراءته ليحفظه، فأنزل الله عزّ وجلّ {لا تحرّك به لسانك} إلى قوله: {وقرآنه} ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/320]
أقوال علماء اللغة في تفسير قول الله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({إنّ علينا جمعه} في قلبك {وقرآنه} وقراءته، أي: أن جبريل عليه السلام سيعيده عليك). [معاني القرآن: 3/211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إنّ علينا جمعه وقرآنه} أي ضمّه وجمعه). [تفسير غريب القرآن: 500]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({إنّ علينا جمعه وقرآنه (17)} أي إنّ علينا أن نقرئك فلا تنسى، وعلينا تلاوته عليك). [معاني القرآن: 5/253]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قُرْآنَهُ}: جمعناه). [العمدة في غريب القرآن: 325]
أقوال شرّاح الأحاديث في شرح حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما
قال أبو بكر محمد بن عبدالله ابن العربي المعافري (ت: 543هـ): (حديث ابن عباس في قول الله سبحانه وتعالى: {لا تحرك به لسانك} صحيح المعنى، اختلف في تحريك النبي لسانه به على قولين:
أحدهما: أن ذلك من حبه إياه، وقيل: خوفًا أن ينساه، وهو الصحيح، والأول صحيح المعنى أيضًا، لكن سبب التحريك إنما كان رجاء الحفظ والحب في القلب له ثابت بكل حال، وحركة للسان لاستعجال الحفظ لا يفيد فيه، بل أنفع للقلب في التحصيل بسكون اللسان). [عارضة الأحوذي بشرح الترمذي، 1/270-271]
قال القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت: 544هـ): (ذكر في الحديث سبب نزول قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، وأن ذلك كان تحريك النبي صلى الله عليه وسلم شفتيه ولسانه، وأنه أمر ألا يعجل به ليأخذه وضمن له حفظه، وإنه معنى قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أي: في صدرك، {وقرآنه} على لسانك، أي: قراءتك له، وقيل: تأليفه.
وقوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أي: قرأه جبريل عليك، وفى هذا إضافة ما يكون عن أمره تعالى إليه، وقد يحتج به في حديث التنزل وغيره من الظواهر المشكلات المضافة إليه تعالى. وفسَّر في «الأم» قوله: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، وقيل: لا تحرك به لسانك بالتكلم به حتى يُقضى إليك وحيه, وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} قال في «الأم»: أي: بلسانك، وقيل: بيان ما فيه من حلال وحرام). [إكمال المعلم بفوائد مسلم، 2/359-360]
قال أبو المظفر يحيى بن هبيرة الذهلي (ت: 560هـ): (اعلم أن لسان العبد مخلوق، وما يقرأه من كلام الله عز وجل بلسانه لمخلوق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه بما يسمعه من جبريل عليه السلام قبل إتمام الوحي، فقال عز وجل: {إن علينا جمعه} يعني: في صدرك، وإلا فهو مجموع في علم الله عز وجل، {فإذا قرأناه} أي: قضي فاقرأه، وقد دلت الآية على وجوب اتباع القرآن والإنصات إليه). [الإفصاح عن معاني الصحاح، 3/66]
قال أبو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي (ت: 597هـ): (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك به شفتيه، فأنزل الله: {لا تحرك به لسانك} تفسير هذا: أنه كان يحرك شفتيه بما قد سمعه من جبريل قبل إتمام جبريل الوحي؛ مخافة أن يذهب عنه جبريل وما حفظ، فقيل له: {لا تحرك به} أي: القرآن، {لسانك لتعجل به} أي: بأخذه، {إن علينا جمعه وقرآنه} أي: علينا جمعه وضمه في صدرك، {فإذا قرأناه} أي: إذا فرغ جبريل من قراءته، {فاتبع قرآنه} قال ابن عباس: فاستمع وأنصت). [كشف المشكل من حديث الصحيحين، 2/362]
قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني «ت: 852هـ»: (قوله : (كان مما يعالج) المعالجة محاولة الشيء بمشقة أي كان العلاج ناشئا من تحريك الشفتين أي مبدأ العلاج منه أو ما موصولة وأطلقت على من يعقل مجازا هكذا قرره الكرماني وفيه نظر لأن الشدة حاصلة له قبل التحرك، والصواب ما قاله ثابت السرقسطي أن المراد كان كثيرا ما يفعل ذلك وورودهما في هذا كثير ومنه حديث الرؤيا كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا ومنه قول الشاعر:
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على وجهه يلقي اللسان من الفم
قلت: ويؤيده أن رواية المصنف في التفسير من طريق جرير عن موسى بن أبي عائشة ولفظها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي فكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فأتى بهذا اللفظ مجردا عن تقدم العلاج الذي قدره الكرماني فظهر ما قال ثابت ووجه ما قال غيره أن من إذا وقع بعدها ما كانت بمعنى ربما وهي تطلق على القليل والكثير وفي كلام سيبويه مواضع من هذا منها قوله اعلم أنهم مما يحذفون كذا والله أعلم ومنه حديث البراء كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم مما نحب أن نكون عن يمينه الحديث ومن حديث سمرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا قوله فقال بن عباس فأنا أحركهما جملة معترضة بالفاء وفائدة هذا زيادة البيان في الوصف على القول وعبر في الأول بقوله كان يحركهما وفي الثاني برأيت لأن بن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لأن سورة القيامة مكية باتفاق بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر وإلى هذا جنح البخاري في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي ولم يكن بن عباس إذ ذاك ولد لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين لكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك بعد أو بعض الصحابة أخبره أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم والأول هو الصواب فقد ثبت ذلك صريحا في مسند أبي داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانة بسنده وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من بن عباس بلا نزاع قوله فحرك شفتيه وقوله فأنزل الله لا تحرك به لسانك لا تنافي بينهما لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق إذ الأصل حركة الفم وكل من الحركتين ناشئ عن ذلك وقد مضى أن في رواية جرير في التفسير يحرك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء قاله الحسن وغيره ووقع في رواية للترمذي يحرك به لسانه يريد أن يحفظه وللنسائي يعجل بقراءته ليحفظه ولابن أبي حاتم يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره وفي رواية الطبري عن الشعبي عجل يتكلم به من حبه إياه وكلا الأمرين مراد ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك فأمر بأن ينصت حتى يقضى إليه وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ونحوه قوله تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه أي بالقراءة قوله جمعه لك صدرك كذا في أكثر الروايات وفيه إسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز كقوله أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام في لك للتبيين أو للتعليل وفي رواية كريمة والحموي جمعه لك في صدرك وهو توضيح للأول وهذا من تفسير بن عباس وقال في تفسير فاتبع أي فاستمع وأنصت وفي تفسير بيانه أي علينا أن تقرأه ويحتمل أن يراد بالبيان بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته فيستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو الصحيح في الأصول والكلام في تفسير الآيات المذكورة أخرته إلى كتاب التفسير فهو موضعه والله أعلم». [فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1/29-30]
- وقال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني «ت: 852هـ» أيضًا: ( «قوله باب أن علينا جمعه وقرآنه»
ذكر فيه حديث بن عباس المذكور من رواية إسرائيل عن موسى بن أبي عائشة أتم من رواية بن عيينة وقد استغربه الإسماعيلي فقال كذا أخرجه عن عبيد الله بن موسى ثم أخرجه هو من طريق أخرى عن عبيد الله المذكور بلفظ لا تحرك به لسانك قال كان يحرك به لسانه مخافة أن ينفلت عنه فيحتمل أن يكون ما بعد هذا من قوله إن علينا جمعه إلى آخره معلقا عن بن عباس بغير هذا الإسناد وسيأتي الحديث في الباب الذي بعده أتم سياقا قال بن عباس قرأناه بيناه فاتبع اعمل به هذا التفسير رواه على بن أبي طلحة عن بن عباس أخرجه بن أبي حاتم وسيأتي في الباب عن بن عباس تفسيره بشيء آخر
- قوله: (إذا نزل جبريل عليه) في رواية أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة كما تقدم في بدء الوحي: (كان يعالج من التنزيل شدة) وهذه الجملة توطئة لبيان السبب في النزول وكانت الشدة تحصل له عند نزول الوحي لثقل القول كما تقدم في بدء الوحي من حديث عائشة وتقدم من حديثها في قصة الإفك فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء وفي حديثها في بدء الوحي أيضا وهو أشده علي لأنه يقتضي الشدة في الحالتين المذكورتين لكن إحداهما أشد من الأخرى قوله وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه اقتصر أبو عوانة على ذكر الشفتين وكذلك إسرائيل واقتصر سفيان على ذكر اللسان والجميع مراد إما لأن التحريكين متلازمان غالبا أو المراد يحرك فمه المشتمل على الشفتين واللسان لكن لما كان اللسان هو الأصل في النطق اقتصر في الآية عليه قوله فيشتد عليه ظاهر هذا السياق أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول فكان يتعجل بأخذه لتزول المشقة سريعا وبين في رواية إسرائيل أن ذلك كان خشية أن ينساه حيث قال فقيل له لا تحرك به لسانك تخشي أن ينفلت وأخرج بن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عن الحسن كان يحرك به لسانه يتذكره فقيل له إنا سنحفظه عليك وللطبري من طريق الشعبي كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبه إياه وظاهره أنه كان يتكلم بما يلقى إليه منه أولا فأولا من شدة حبه إياه فأمر أن يتأنى إلى أن ينقضي النزول ولا بعد في تعدد السبب ووقع في رواية أبي عوانة قال بن عباس فأنا احركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحركهما وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت بن عباس يحركهما فأطلق في خبر بن عباس وقيد بالرؤية في خبر سعيد لأن بن عباس لم ير النبي صلى الله عليه و سلم في تلك الحال لأن الظاهر أن ذلك كان في مبدأ المبعث النبوي ولم يكن بن عباس ولد حينئذ ولكن لا مانع أن يخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك بعد فيراه بن عباس حينئذ وقد ورد ذلك صريحا عند أبي داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة بسنده بلفظ قال بن عباس فأنا أحرك لك شفتي كما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأفادت هذه الرواية إبراز الضمير في رواية البخاري حيث قال فيها فأنا أحركهما ولم يتقدم للشفتين ذكر فعلمنا أن ذلك من تصرف الرواة قوله فأنزل الله أي بسبب ذلك واحتج بهذا من جوز اجتهاد النبي صلى الله عليه و سلم وجوز الفخر الرازي أن يكون أذن له في الاستعجال إلى وقت ورود النهي عن ذلك فلا يلزم وقوع الاجتهاد في ذلك والضمير في به عائد على القرآن وأن لم يجر له ذكر لكن القرآن يرشد إليه بل دل عليه سياق الآية قوله علينا أن نجمعه في صدرك كذا فسره أبن عباس وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة تفسيره بالحفظ ووقع في رواية أبي عوانة جمعه لك في صدرك ورواية جرير أوضح وأخرج الطبري عن قتادة أن معنى جمعه تأليفه قوله وقرآنه زاد في رواية إسرائيل أن تقرأه أي أنت ووقع في رواية الطبري وتقرأه بعد قوله فإذا قرأناه أي قرأه عليك الملك فاتبع قرآنه فإذا أنزلناه فاستمع هذا تأويل آخر لابن عباس غير المنقول عنه في الترجمة وقد وقع في رواية بن عيينة مثل رواية جرير وفي رواية إسرائيل نحو ذلك وفي رواية أبي عوانة فاستمع وأنصت ولا شك أن الاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات السكوت ولا يلزم من السكوت الإصغاء وهو مثل قوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا والحاصل أن لابن عباس في تأويل قوله تعالى أنزلناه وفي قوله فاستمع قولين وعند الطبري من طريق قتادة في قوله استمع أتبع حلاله واجتنب حرامه ويؤيده ما وقع في حديث الباب قوله في آخر الحديث فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه والضمير في قوله فاتبع قرآنه لجبريل والتقدير فإذا انتهت قراءة جبريل فأقرأ أنت قوله ثم إن علينا بيانه علينا أن نبينه بلسانك في رواية إسرائيل على لسانك وفي رواية أبي عوانة أن تقرأه وهي بمثناة فوقانية واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو مذهب الجمهور من أهل السنة ونص عليه الشافعي لما تقتضيه ثم من التراخي وأول من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب وتبعوه وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له وظهوره على لسانه فلا قال الآمدي يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل يقال بان الكوكب إذا ظهر قال ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن والمجمل إنما هو بعضه ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض وقال أبو الحسين البصري يجوز أن يراد البيان التفصيلي ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الاجمالي فلا يتم الاستدلال وتعقب باحتمال إرادة المعنيين الإظهار والتفصيل وغير ذلك لأن قوله بيانه جنس مضاف فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في بدء الوحي وأعيد بعضه هنا استطرادا». [فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/681-683] وقال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني «ت: 852هـ» أيضًا: «ذكر حديث بن عباس في قوله تعالى: «لا تحرك به لسانك» قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة الحديث وهو من أوضح الأدلة على أن القرآن يطلق ويراد به القراءة فإن المراد بقوله قرآنا في الآيتين القراءة لا نفس القرآن وقد تقدم شرحه في بدء الوحي». [فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 13/500]
قال محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري الهندي «ت: 1353هـ»: «لتعجل به» من باب تلقي المخاطبَ بما لا يترقب، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم إنما كان ينازِع جبريل عليه السلام في القراءة، ولا يصبر حتى يُتِمَّها لمسارعته إلى الحفظ لئلا يتفَلَّتَ منه شيء، لا لأنه كان يستعجل ليستريح عن مشقة الحفظ ولا يقاسي تعبه فيما بعد، ولكنه تلقَّى بما لا يترقبه إظهارًا لعدم ابتغاء التحريك مع قراءته، وتعليمًا لحسن الاستماع، وتأديبًا لأمر القراءة، كما قال تعالى: {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}.
«جَمْعُه لك في صدرك» وفيه اختلاف النسخ، والأفصحُ عندي أن يكون «جمعه» مصدرًا.
«قال: فاستمع له وأَنْصِتْ» واعلم أن الإنصاب والاستماع يقتصران على الجهرية، فإن الإنصاب مقدمة للاستماع ومعناه التهيؤ للاستماع.
«ثم إنّ علينا بيانَه» قد وقع ههنا سوء ترتيب من الراوي: فذكر «أن تقرأه» في تفسير «بيانه» وهو وَهمٌ منه، لأنه تفسير لقوله: {وقرآنه} لا لقوله: {بيانه}، فنقل تفسير هذا إلى هذا، ويشهد له ما أخرجه البخاري في «التفسير» متنًا وسندًا وفيه: {قرآنه}، أي أن تقرأه {وبيانه}، أي أن تبينه على لسانك. وهذا واضح في المراد، فلا تلتفت إلى التأويلات. ثم اعلم أن القرآن معناه اتساق النَّظْم، يقال: ليس لشعره قرآن بندش، ومنه سُمي القرآن قرآنًا عندي.
«لا تحرك به لسانك» ... إلخ، تكلَّم الناس في ربطه، فإن أوَّله وآخره في ذكر أحوال القيامة، وحينئذٍ قوله: {لاَ تُحَرّكْ} ... إلخ لا يظهر له كثيرُ ربط، فقيل: لعلَّ النبي صلى الله عليه وسلّم حَرَّك شفتيه عند نزوله فنُهي عنه. وقد تعرَّض إليه الرازي إلا أنه لم يأتِ بالجواب الشافي. وقد عُرِف من عادته أنه يَبْسُط في الإيراد ويُجْمِل في الجواب، ولذا اشتهر عنه أنه يعترض نقدًا ويُجِيب نسيئة.
وقد فتح الله عليَّ جوابَه، ولا بد له من تمهيدِ مقدمةٍ وهي: إن القرآن قد يكون له معنى بالنظر إلى سياقه، فإذا نُظِر إلى شأن نزوله يظهر منه معنى آخر. فالوجه في مثله عندي أن يَحْمِل ما يُفْهَم من النَّظْم مرادَه الأَوَّليّ، وما يُفْهَم من النظر إلى الخارج مرادَه الثانوي، وقَصْرُ القرآن على شأن نزوله ليس بوجيه عندي، ولم أر أحدًا منهم صرح بالمراد الأوَّليّ والثانوي إلا مصنفٌ في «حاشية التلويح» حيث قال: إن للخمر إطلاقين، فما قاله الحنفية رضي الله تعالى عنهم مرادٌ أَوَّلِي، وما ذكره الشافعية أنَّ كلَّ مُسْكِر خمرٌ، فهو مرادٌ ثانوي. وكانت المسألة من علم الأصول، فعلى العلماء أن يَبْحثوا في أن نظم القرآن إذا أُعطِي معنىً ثم جاء الحديث يحمله على خلافِهِ، فهل يُعْتَبَر بنظمِ النص أو الحديث؟ والذي ظهر لي فيه أن يُجعل مرادًا أوليًا وثانويًا كقوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ} ... [البقرة: 230] إلخ قال الشافعية: إنه يتعلق بصدر الكلام، أي قوله تعالى: {الطَّلَقُ مَرَّتَانِ} ... إلخ [البقرة: 229] وجعلوا ذكر الخُلْعِ جملةً معترضة، والخُلُع فسخٌ عندهم. وقال الحنفية رضي الله تعالى عنهم: إنه يتعلق بما قبله، وقالوا: إن القول تعلُّقه بصدر الكلام مع إمكان بتعلقه بما قبله فكذلك في النظم. قال الشافعية رحمهم الله تعالى: إن قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ} طلاقٌ ثالث لما عند أبي داود أن رجلًا سأل عن الطلاق الثالث، فقال: هو تسريح بإحسان، وحينئذٍ لو قلنا: إن قوله {فَإِن طَلَّقَهَا} ... إلخ يترتب عليه، لَزِمَ أن يكون هذا الطلاق رابعًا.
قلتُ: التسريح بالإحسان تركُ الرَّجْعَة، وهذا مرادُهُ الأولى، ويدخل فيه الطلاق الثالث أيضًا على طريق المراد الثانوي، فإن الطلاق أيضًا صورة وقِسْمٌ من تَرْكِ الرَّجْعَة، وإذن لا يكون قوله: {فَإِن طَلَّقَهَا} بيانًا للطلاق المستأنف بل يكون بيانًا لأحد قِسْمي ترك الرجعة، فالمراد هو ما يُفْهَم من النظم. وما يدلّ عليه الحديث فهو داخل في مؤدَّاه أيضًا على طريق المراد الثانوي. وهذا هو الطريق في جميع المواضع التي يُخالف الحديث النص، فإنه يُوَفي حق النظم القرآني، ويؤل في الحديث.
إذا أتْقنتَ هذا فاعلم أن الله تعالى لمَّا ذكر القيامة وأحوالها وكان المشركون مولَعين بالسؤال عنها تعّنتًا فقالوا: {أَيَّانَ مُرْسَهَا} [النازعات: 42] وأمثال ذلك، فحقَّق الله من أول الأمر أن لا يتكلم فيه بحرف، وأن لا يتعجل في تحصيل علمه وتفصيله، بل عليه أن يحفظ بقدر ما علَّمناه، وينتظرَ تفصيله فيما يأتي حسبما يريده الله تعالى شيئًا فشيئًا. وما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنه من تحريك شفتيه فهو مراد أيضًا لكن على طريق المراد الثانوي، وقد علمتَ أن قصر النَّظْم على ما ورد في شأن نزوله ليس بسديد، ولا سيما إذا خالف سياق القرآن، والله تعالى أعلم وعليه التُّكْلان.». [فيض الباري على صحيح البخاري، 1/108-110]