تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ المتّقين في ظلالٍ وعيونٍ (41) وفواكه ممّا يشتهون (42) كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون (43) إنّا كذلك نجزي المحسنين (44) ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين اتّقوا عقاب اللّه بأداء فرائضه في الدّنيا، واجتناب معاصيه {في ظلالٍ} ظليلةٍ، وكنٍّ كنينٍ، لا يصيبهم أذى حرٍّ ولا قرٍّ، إذ كان الكافرون باللّه في ظلٍّ ذي ثلاث شعبٍ لا ظليلٍ ولا يغني من اللّهب {وعيونٍ} أنهارٌ تجري خلال أشجار جنّاتهم). [جامع البيان: 23/611]
تفسير قوله تعالى: (وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وفواكه ممّا يشتهون} يأكلون منها كلّما اشتهوا لا يخافون ضرّها، ولا عاقبة مكروهها). [جامع البيان: 23/611]
تفسير قوله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون}. يقول تعالى ذكره: يقال لهم: كلوا أيّها القوم من هذه الفواكه، واشربوا من هذه العيون كلّما اشتهيتم. {هنيئًا} يقول: لا تكدير عليكم، ولا تنغيص فيما تأكلونه وتشربون منه، ولكنّه لكم دائمٌ لا يزول، ومريءٌ لا يورثكم أذًى في أبدانكم.
وقوله: {بما كنتم تعملون}. يقول جلّ ثناؤه يقال لهم: هذا جزاءٌ بما كنتم في الدّنيا تعملون من طاعة اللّه، وتجتهدون فيما يقرّبكم منه). [جامع البيان: 23/611-612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {كلوا واشربوا هنيئا} أي: لا موت). [الدر المنثور: 15/187]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّا كذلك نجزي المحسنين}. يقول: إنّا كما جزينا هؤلاء المتّقين بما وصفنا من الجزاء على طاعتهم إيّانا في الدّنيا، كذلك نجزي ونثيب أهل الإحسان في طاعتهم إيّانا وعبادتهم لنا في الدّنيا على إحسانهم لا نضيع في الآخرة أجرهم). [جامع البيان: 23/612]
تفسير قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}. يقول: ويلٌ للّذين يكذّبون خبر اللّه عمّا أخبرهم به من تكريمه هؤلاء المتّقين بما أكرمهم به يوم القيامة). [جامع البيان: 23/612]
تفسير قوله تعالى: (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كلوا وتمتّعوا قليلاً إنّكم مجرمون (46) ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين (47) وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون (48) ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}.
يقول تعالى ذكره تهدّدًا ووعيدًا منه للمكذّبين بالبعث. كلوا في بقيّة آجالكم، وتمتّعوا ببقيّة أعماركم {إنّكم مجرمون} مسنونٌ بكم سنّة من قبلكم من مجرمي الأمم الخالية الّتي متّعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها ثمّ انتقم اللّه منها بكفرها وتكذييها رسلها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {كلوا وتمتّعوا قليلاً إنّكم مجرمون}. قال: عني به أهل الكفر). [جامع البيان: 23/612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {كلوا وتمتعوا قليلا} قال: عنى بذلك أهل الكفر). [الدر المنثور: 15/187]
تفسير قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}. يقول تعالى ذكره: ويلٌ يومئذٍ للمكذّيين الّذين كذّبوا خبر اللّه الّذي أخبرهم به عمّا هو فاعلٌ بهم في هذه الآية). [جامع البيان: 23/612]
تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({اركعوا} [الحج: 77] : «صلّوا» ، {لا يركعون} [المرسلات: 48] : «لا يصلّون»). [صحيح البخاري: 6/164]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ اركعوا صلّوا لا يركعون لا يصلّون سقط لا يركعون لغير أبي ذرٍّ وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله وإذا قيل لهم اركعوا قال صلّوا). [فتح الباري: 8/686]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وفي قوله 48 المرسلات {وإذا قيل لهم اركعوا} قال صلوا). [تغليق التعليق: 4/356]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (اركعوا صلّوا لا يركعون: لا يصلون
أشار به إلى قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} (المرسلات: 84) وفسّر قوله: (اركعوا) بقوله: (صلوا) وقوله: (لا يركعون) بقوله: (لا يصلون) أطلق الرّكوع وأراد به الصّلاة، وهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل وقوله: (لا يركعون) سقط في رواية غير أبي ذر، وفي بعض النّسخ، وقال مجاهد: اركعوا إلى آخره). [عمدة القاري: 19/272]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقال: مجاهد: ({اركعوا}) أي (صلوا: {لا يركعون}) [المرسلات: 48] (لا يصلون) فأطلق الركوع وأراد الصلاة من إطلاق الجزء وإرادة الكل وثبت لا يركعون لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/408]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}. يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المجرمين المكذّبين بوعيد اللّه أهل التّكذيب به: اركعوا، لا يركعون.
واختلف أهل التّأويل في الحين الّذي يقال لهم فيه، فقال بعضهم: يقال ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السّجود فلا يستطيعون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}. يقول: يدعون يوم القيامة إلى السّجود فلا يستطيعون السّجود من أجل أنّهم لم يكونوا يسجدون للّه في الدّنيا.
وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم في الدّنيا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} عليكم بحسن الرّكوع، فإنّ الصّلاة من اللّه بمكانٍ.
- وقال قتادة، عن ابن مسعودٍ، أنّه رأى رجلاً يصلّي ولا يركع، وآخر يجرّ إزاره، فضحك، قالوا: ما يضحكك؟ قال: أضحكني رجلان، أمّا أحدهما فلا يقبل اللّه صلاته، وأمّا الآخر فلا ينظر اللّه إليه.
وقيل: عني بالرّكوع في هذا الموضع الصّلاة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى،؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون}. قال: صلّوا.
وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إنّ ذلك خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن هؤلاء القوم المجرمين أنّهم كانوا له مخالفين في أمره ونهيه، لا يأتمرون بأمره، ولا ينتهون عمّا نهاهم عنه). [جامع البيان: 23/612-614]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون يقول إذا قيل لهم صلوا لا يصلون). [تفسير مجاهد: 718]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} قال: نزلت في ثقيف). [الدر المنثور: 15/187]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {وإذا قيل لهم اركعوا} قال: صلوا). [الدر المنثور: 15/187]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {وإذا قيل لهم اركعوا} قال: عليكم بإحسان الركوع فإن الصلاة من الله بمكان، قال: وذكر لنا أن حذيفة رأى رجلا يصلي ولا يركع كأنه بعير نافر، قال: لو مات هذا ما مات على شيء من سنة الإسلام، قال: وحدثنا أن ابن مسعود رأى رجلا يصلي ولا يركع وآخر يجر إزاره فضحك قالوا: ما يضحكك يا ابن مسعود قال: أضحكني رجلان أحدهما لا ينظر الله إليه والآخر لا يقبل الله صلاته). [الدر المنثور: 15/187-188]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} يقول: يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون السجود من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا والله أعلم). [الدر المنثور: 15/188]
تفسير قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين}. يقول: ويلٌ للّذين كذّبوا رسل اللّه، فردّوا عليهم ما بلّغوا من أمر اللّه إيّاهم، ونهيه لهم). [جامع البيان: 23/614]
تفسير قوله تعالى: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أميّة عن شيخٍ سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: إذا قرأ أحدكم: {والتين والزيتون}، فبلغ آخرها فليقل: بلى، وإذا قرأ: {لا أقسم بيوم القيامة}، فبلغ آخرها، فليقل: بلى، وإذا قرأ {والمرسلات عرفاً}، فبلغ آخرها: {فبأي حديثٍ بعده يؤمنون}، فليقل: {آمنّا باللّه}). [الجامع في علوم القرآن: 3/17] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فبأيّ حديثٍ بعده يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: فبأيّ حديثٍ بعد هذا القرآن. أي: أنتم أيّها القوم كذّبتم به مع وضوح برهانه، وصحّة دلائله، أنّه حقٌّ من عند اللّه (تؤمنون)، يقول: تصدّقون؟.
وإنّما أعلمهم تعالى ذكره أنّهم إن لم يصدّقوا بهذه الأخبار الّتي أخبرهم بها في هذا القرآن مع صحّة حججه على حقيقته لم يمكنهم الإقرار بحقيقة شيءٍ من الأخبار الّتي لم يشاهدوا المخبر عنه، ولم يعاينوه، وأنّهم إن صدّقوا بشيءٍ ممّا غاب عنهم لدليلٍ قام عليه لزمهم مثل ذلك في أخبار هذا القرآن، واللّه أعلم). [جامع البيان: 23/614]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قلت: وتقدّم من حديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قرأ أحدكم (والمرسلات عرفًا) فأتى على آخرها (فبأي حديث بعده يؤمنون) فليقل: آمنّا باللّه"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/297]