العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة هود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:42 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة هود [ من الآية (116) إلى الآية (119) ]

تفسير سورة هود
[ من الآية (116) إلى الآية (119) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:42 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({فلولا كان} [هود: 116] : «فهلّا كان» ، {أترفوا} [هود: 116] «أهلكوا»). [صحيح البخاري: 6/74] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فلولا كان فهلا كان سقط هذا والّذي قبله من رواية أبي ذرٍّ وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّة مجازه فهلا كان من القرون وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله فلولا قال في حرف بن مسعود فهلا قوله أترفوا أهلكوا هو تفسير باللازم أي كان الترف سببا لإهلاكهم وقال أبو عبيدة في قوله تعالى واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه أي ما تجبّروا وتكبّروا عن أمر الله وصدوا عنه). [فتح الباري: 8/354-355]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (فلولا كان فهلاّ كان
أشار به إلى قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم} (هود: 116) ثمّ قال: معناه: فهلا كان، وهكذا فسره الزّمخشريّ، ثمّ قال: وحكوا عن الخليل، كل لولا في القرآن فمعناها: هلا إلاّ الّتي في الصافات، وما صحت هذه الحكاية، ففي غير الصافات: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء} (القلم: 49) {ولولا رجال مؤمنون} (الفتح: 251) {ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم} (الإسراء: 74) وروى عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة في قوله: (فلولا) قال: في حرف ابن مسعود: فهلا، وكلمة: هلا، للتحضيض.
أترفوا هلكوا
أشار به إلى قوله: {واتبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين} (هود: 116) وفسّر أترفوا بقوله: أهلكوا، على صيغة المجهول، ومعنى الإتراف التّنعيم، فلعلّه أراد به أنهم أهلكوا بسبب هذا الإتراف الّذي أطغاهم). [عمدة القاري: 18/296]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({فلولا كان}) [هود: 116] أي (فلا كان) وهي في حرف ابن مسعود رواه عبد الرزاق وسقط من تركنوا إلى هنا لأبي ذر.
({أترفوا}) أي (أهلكوا) قال في الفتح: هو تفسير باللازم أي كان الترف سببًا لإهلاكهم). [إرشاد الساري: 7/172]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً ممّن أنجينا منهم واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين}.
يقول تعالى ذكره: فهلاّ كان من القرون الّذين قصصت عليك نبأهم في هذه السّورة الّذين أهلكتهم بمعصيتهم إيّاي وكفرهم برسلي من قبلكم. {أولو بقيّةٍ} يقول: ذو بقيّةٍ من الفهم والعقل، يعتبرون مواعظ اللّه ويتدبّرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان باللّه وعليهم في الكفر به {ينهون عن الفساد في الأرض} يقول: ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم وأهل الكفر باللّه عن كفرهم به في أرضه. {إلاّ قليلاً ممّن أنجينا منهم} يقول: لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ يسيرًا، فإنّهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجّاهم اللّه من عذابه، حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر باللّه عذابه، وهم أتباع الأنبياء والرّسل. ونصب قليلاً لأنّ قوله: {إلاّ قليلاً} استثناءٌ منقطعٌ ممّا قبله، كما قال: {إلاّ قوم يونس لمّا آمنوا} وقد بيّنّا ذلك في غير موضعٍ بما أغنى عن إعادته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: اعتذر فقال: {فلولا كان من القرون من قبلكم} حتّى بلغ: {إلاّ قليلاً ممّن أنجينا منهم} فإذا هم الّذين نجوا حين نزل عذاب اللّه. وقرأ: {واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ} إلى قوله: {إلاّ قليلاً ممّن أنجينا منهم} قال: يستقلّهم اللّه من كلّ قومٍ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، قال: سألني بلالٌ عن قول الحسن في العذر، قال: فقلت: سمعت الحسن يقول: {قيل يا نوح اهبط بسلامٍ منّا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممّن معك وأممٌ سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذابٌ أليمٌ} قال: بعث اللّه هودًا إلى عادٍ، فنجّى اللّه هودًا والّذين آمنوا معه وهلك المتمتّعون. وبعث اللّه صالحًا إلى ثمود، فنجّى اللّه صالحًا وهلك المتمتّعون. فجعلت أستقريه الأمم، فقال: ما أراه إلاّ كان حسن القول في القدر.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً ممّن أنجينا منهم} أي لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض، {إلاّ قليلاً ممّن أنجينا منهم}.
وقوله: {واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} يقول تعالى ذكره: واتّبع الّذين ظلموا أنفسهم، وكفروا باللّه {ما أترفوا فيه}
فاختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معناه أنهم اتّبعوا ما أبطروا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} قال: ما أنظروا فيه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} من دنياهم.
وكأنّ هؤلاء وجّهوا تأويل الكلام: واتّبعوا الّذين ظلموا الشّيء الّذي أنظرهم فيه ربّهم من نعيم الدّنيا ولذّاتها، إيثارًا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب اللّه.
وقال آخرون: معنى ذلك: واتّبع الّذين ظلموا ما تجبّروا فيه من الملك وعتوا عن أمر اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} قال: في ملكهم وتجبّرهم، وتركوا الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه، إلاّ أنّه قال: وتركهم الحقّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثل حديث محمّد بن عمرٍو سواءً.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ الّذين ظلموا أنفسهم من كلّ أمّةٍ سلفت فكفروا باللّه، اتّبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدّنيا فاستكبروا وكفروا باللّه واتّبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدّنيا، فاستكبروا عن أمر اللّه، وتجبّروا، وصدّوا عن سبيله؛ وذلك أنّ المترف في كلام العرب: هو المنعم الّذي قد غذّي باللّذّات، ومنه قول الرّاجز:
تهدي رءوس المترفين الصّدّاد = إلى أمير المؤمنين الممتاد
وقوله: {وكانوا مجرمين} يقول: وكانوا مكتسبي الكفر باللّه). [جامع البيان: 12/627-631]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه يعني في ملكهم وتجبرهم وتركهم الحق). [تفسير مجاهد: 2/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 116.
أخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض}). [الدر المنثور: 8/168]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي مالك في قوله {فلولا} قال: فهلا). [الدر المنثور: 8/168]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: أي لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض إلا قليلا). [الدر المنثور: 8/168-169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج {إلا قليلا ممن أنجينا منهم} يستقلهم الله من كل قوم). [الدر المنثور: 8/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} قال: في ملكهم وتجبرهم وتركهم الحق). [الدر المنثور: 8/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ابن جريج قال: قال ابن عباس {أترفوا فيه} نظروا فيه). [الدر المنثور: 8/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} من دنياهم وإن هذه الدنيا قد تعقدت أكثر الناس وألهتهم عن آخرتهم). [الدر المنثور: 8/169]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون}.
يقول تعالى ذكره: وما كان ربّك يا محمّد ليهلك القرى الّتي أهلكها، الّتي قصّ عليك نبأها، ظلمًا وأهلها مصلحون في أعمالهم، غير مسيئين، فيكون إهلاكه إيّاهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربّهم ظلمًا، ولكنّه أهلكها بكفر أهلها باللّه، وتماديهم في غيّهم، وتكذيبهم رسلهم وركوبهم السّيّئات.
وقد قيل: معنى ذلك لم يكن ليهلكهم بشركهم باللّه، وذلك قوله بظلمٍ، يعني: بشركٍ، وأهلها مصلحون فيما بينهم لا يتظالمون، ولكنّهم يتعاطون الحقّ بينهم، وإن كانوا مشركين، وإنّما يهلكهم إذا تظالموا). [جامع البيان: 12/631-632]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون} [هود: 117].
- عن جريرٍ قال: لمّا نزلت {وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون} [هود: 117] قال: وأهلها ينصف بعضهم بعضًا.
رواه الطّبرانيّ؛ وفيه عبيد بن القاسم الكوفيّ وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 7/39]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 117
أخرج الطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والديلمي عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن تفسيرها هذه الآية {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلها ينصف بعضهم بعضا وأخرجه ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوي الأخلاق عن جرير موقوفا). [الدر المنثور: 8/169-170]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن طاؤوس أن رجلين اختصما إليه فأكثروا، فقال طاؤوس: اختلفتما وأكثرتما؛ قال أحد الرجلين: لذلك خلقنا، قال طاؤوس: كذبت، أليس يقول الله: {ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة). [الجامع في علوم القرآن: 1/14]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الله بن يزيد عن المسعودي قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قرأ هذه الآية: {ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: خلق أهل رحمته ألا يختلفوا). [الجامع في علوم القرآن: 1/31-32]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة أيضا أنه سمع عطاء يقول: {ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية، وهم الذين رحم ربك الحنيفية). [الجامع في علوم القرآن: 1/90]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا يقول في قول الله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك}، الذين رحمهم لم يختلفوا). [الجامع في علوم القرآن: 2/134]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} قال للرحمة خلقهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/316]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن التيمي عن جعفر عن عكرمة عن ابن عباس قال لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك قال إلا أهل رحمته فإنهم لا يختلفون ولذلك خلقهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/316]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة فقال وعزتك لا أخرج من مصدر عبدك حتى تخرج نفسه فقال الله تعالى وعزتي لا أحجب توبتي عن عبدي حتى تخرج نفسه). [تفسير عبد الرزاق: 1/316]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال للاختلاف خلقهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/316]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} قال: منهم اليهود والنّصارى {إلا من رحم ربك} قال: جعلها استثناء للمسلم {ولذلك خلقهم} قال: للرحمة [الآية: 118، 119]). [تفسير الثوري: 136]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (118 و 119) : قوله تعالى: {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين (118) إلّا من رحم ربّك ولذلك خلقهم... } الآية]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا منصورٌ، عن الحسن - في قوله عزّ وجلّ: {ولا يزالون مختلفين (118) إلّا من رحم ربّك وكذلك خلقهم} - قال: خلقهم للرّحمة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، عن جويبر، عن الضّحّاك، قال: قرئ علينا كتاب عمر بن عبد العزيز: {إلّا من رحم ربّك} قال: أهل الرّحمة لا يختلفون.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عثمان بن مطرٍ، قال: حدّثني أبو حريز الأزدي، عن عكرمة، أنّه سئل عن قوله: {ولا يزالون مختلفين (118) إلّا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: خلقهم للرّحمة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، قال: نا سماك، عن عكرمة - في قوله عزّ وجلّ: {ولا يزالون مختلفين. إلّا من رحم ربّك} - قال: مختلفين في الهوى). [سنن سعيد بن منصور: 5/367-368]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلمٌ عن ابن أبي نجيحٍ: أنّ رجلين اختصما إلى طاووس فاختلفا عليه، فقال: اختلفتما عليّ، فقال أحدهما: لذلك خلقنا.
قال: كذبت.
قال: أليس اللّه يقول: {ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} ؟
قال: إنّما خلقهم للرّحمة والجماعة). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 50]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين}.
يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربّك يا محمّد لجعل النّاس كلّها جماعةً واحدةً على ملّةٍ واحدةٍ ودينٍ واحدٍ.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةٍ} يقول: لجعلهم مسلمين كلّهم.
وقوله: {ولا يزالون مختلفين} يقول تعالى ذكره: ولا يزال النّاس مختلفين، {إلاّ من رحم ربّك}.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الاختلاف الّذي وصف اللّه النّاس أنّهم لا يزالون به، فقال بعضهم: هو الاختلاف في الأديان. فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء ولا يزال النّاس مختلفين على أديانٍ شتّى من بين يهوديٍّ ونصرانيٍّ ومجوسيٍّ، ونحو ذلك. وقال قائلو هذه المقالة: استثنى اللّه من ذلك من رحمهم، وهم أهل الإيمان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، {ولا يزالون مختلفين} قال: اليهود والنّصارى والمجوس. والحنيفيّة هم الّذين رحم ربّك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا قبيصة، قال: حدّثنا سفيان، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ: {ولا يزالون مختلفين} قال: اليهود والنّصارى والمجوس {إلاّ من رحم ربّك} قال: يعني الحنيفيّة.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا منصور بن عبد الرّحمن، قال: قلت للحسن، قوله: {ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك} قال: النّاس مختلفون على أديانٍ شتّى، إلاّ من رحم ربّك، فمن رحم غير مختلفين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حسن بن صالحٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الباطل. {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل الحقّ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الباطل. {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا معلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرّحمن، قال: سئل الحسن عن هذه الآية، {ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك} قال: النّاس كلّهم مختلفون على أديانٍ شتّى. {إلاّ من رحم ربّك} فمن رحم غير مختلفٍ. فقلت له: {ولذلك خلقهم}؟ فقال: خلق هؤلاء لجنّته، وهؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الباطل. {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الحقّ وأهل الباطل. {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل الحقّ ليس فيهم اختلافٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، {ولا يزالون مختلفين} قال: اليهود والنّصارى {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل القبلة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الباطل. {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل الحقّ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، في قوله: {ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك} قال: لا يزالون مختلفين في الهوى.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك} فأهلّ رحمة اللّه أهل جماعةٍ، وإن تفرّقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقةٍ، وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش {ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك} قال: من جعله على الإسلام.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا الحسن، عن واصلٍ، عن الحسن، {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الباطل {إلاّ من رحم ربّك}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ في قوله: {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الباطل {إلاّ من رحم ربّك} قال: أهل الحقّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفين في الرّزق، فهذا فقيرٌ وهذا غنيّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، أنّ الحسن، قال: مختلفين في الرّزق، سخّر بعضهم لبعضٍ.
وقال آخرون: مختلفين في المغفرة والرّحمة، أو كما قال.
وأولى الأقوال في تأويل ذلك. بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يزال النّاس مختلفين في أديانهم، وأهوائهم على أديانٍ ومللٍ وأهواءٍ شتّى، {إلاّ من رحم ربّك} فآمن باللّه وصدّق رسله، فإنّهم لا يختلفون في توحيد اللّه وتصديق رسله، وما جاءهم من عند اللّه.
وإنّما قلت ذلك أولى بالصّواب في تأويل ذلك، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: {وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} ففي ذلك دليلٌ واضحٌ أنّ الّذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف النّاس، إنّما هو خبرٌ عن اختلافٍ مذمومٍ يوجب لهم النّار، ولو كان خبرًا عن اختلافهم في الرّزق لم يعقّب ذلك بالخبر عن عقابهم وعذابهم.
وأمّا قوله: {ولذلك خلقهم} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وللاختلاف خلقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، {ولذلك خلقهم} قال: للاختلاف.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا منصور بن عبد الرّحمن، قال: قلت للحسن، {ولذلك خلقهم}؟ فقال: خلق هؤلاء لجنّته، وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن منصورٍ، عن الحسن، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا المعلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرّحمن، عن الحسن. بنحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن خالدٍ الحذّاء، أنّ الحسن قال في هذه الآية: {ولذلك خلقهم} قال: خلق هؤلاء لهذه، وخلق هؤلاء لهذه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة بن خليفة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، قال: {ولذلك خلقهم} قال: أمّا أهل رحمة اللّه فإنّهم لا يختلفون اختلافًا يضرّهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولذلك خلقهم} قال: خلقهم فريقين: فريقًا يرحم، فلا يختلف، وفريقًا لا يرحم يختلف، وذلك قوله: {فمنهم شقيّ وسعيدٌ}.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، في قوله: {ولا يزالون مختلفين} قال: يهود ونصارى ومجوس. {إلاّ من رحم ربّك} قال: من جعله على الإسلام. {ولذلك خلقهم} قال: مؤمنٌ وكافرٌ.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش: {ولذلك خلقهم} قال: مؤمنٌ وكافرٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك عن قول اللّه، {ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريقٌ في الجنّة، وفريقٌ في السّعير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمة خلقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حسن بن صالحٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ {ولذلك خلقهم} قال: للرحمة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {ولذلك خلقهم} قال للرحمة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريكٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: أخبرنا أبو حفصٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله، إلاّ أنّه قال: للرحمة خلقهم.
- حدّثني المثنّى، حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولذلك خلقهم} قال للرحمة.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ولذلك خلقهم} قال: للرحمة خلقهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عمّن ذكره عن ثابتٍ، عن الضّحّاك {ولذلك خلقهم} قال: للرحمة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة {ولذلك خلقهم} قال: أهل الحقّ ومن اتّبعه لرحمته.
- حدّثني سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا حفص بن عمر، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولا يزالون مختلفين (118) إلاّ من رحم ربّك ولذلك} قال: للرحمة خلقهم، ولم يخلقهم للعذاب.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، قول من قال: وللاختلاف بالشّقاء والسّعادة خلقهم؛ لأنّ اللّه جلّ ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلافٍ وباطلٍ، والآخر أهل حقٍّ ثمّ عقّب ذلك بقوله: {ولذلك خلقهم} فعمّ بقوله: {ولذلك خلقهم} صفة الصّنفين، فأخبر عن كلّ فريقٍ منهما أنّه ميسّرٌ لما خلق له.
فإن قال قائلٌ: فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفون غير ملومين على اختلافهم؛ إذ كان لذلك خلقهم ربّهم، وأن يكون المتمتّعون هم الملومين؟
قيل: إنّ معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، وإنّما معنى الكلام: ولا يزال النّاس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم {إلاّ من رحم ربّك} فهداه للحقّ ولعلمه، وعلى علمه النّافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنّه يكون فيهم المؤمن والكافر، والشّقيّ والسّعيد خلقهم، فمعنى اللاّم في قوله: {ولذلك خلقهم} بمعنى على كقولك للرّجل: أكرمتك على برّك بي، وأكرمتك لبرّك بي.
وأمّا قوله: {وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} لعلمه السّابق فيهم أنّهم يستوجبون صليها بكفرهم باللّه، وخلافهم أمره.
وقوله: {وتمّت كلمة ربّك} قسمٌ كقول القائل: حلفي لأزورنّك، وبدا لي لآتينّك؛ ولذلك تلقّيت بلاّم اليمين.
وقوله: {من الجنّة} وهي ما اجتنّ عن أبصار بني آدم والنّاس، يعني: وبني آدم. وقيل: إنّهم سمّوا جنّةً، لأنّهم كانوا على الجنان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وإنّما سمّوا الجنّة أنّهم كانوا على الجنان، والملائكة كلّهم جنّةٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قال: الجنّة: الملائكة.
وأمّا معنى قول أبي مالكٍ هذا: أنّ إبليس كان من الملائكة، والجنّ ذرّيّته، وأنّ الملائكة تسمّى عنده الجنّ، لما قد بيّنت فيما مضى من كتابنا هذا). [جامع البيان: 12/632-642]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (عن الضّحّاك، {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً} أهل دينٍ واحدٍ أهل ضلالةٍ أو أهل هدًى.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه {أمّةً واحدةً} يعني ملّة الإسلام وحدها.
قوله تعالى: ولا يزالون مختلفين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمران، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولا يزالون مختلفين قال أهل الحقّ وأهل الباطل.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلمٍ، ثنا أبو الأخوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك قال: لا يزالون مختلفين في الهوى.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن عليّة، عن منصور بن عبد الرّحمن قال: قلت للحسن ولا يزالون مختلفين قال: النّاس مختلفون على أديانٍ شتّى وروي عن مجاهدٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي قبيصة، ثنا سفيان، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ ولا يزالون مختلفين قال: اختلاف الملل.
- ذكر، عن أبي سلمة الجوباريّ، ثنا معتمر، عن أبيه، عن الحسن ولا يزالون مختلفين في الرّزق يسخّر بعضهم لبعضٍ وقال مختلفين في المغفرة والرّحمة). [تفسير القرآن العظيم: 6/2093-2094]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى إلا من رحم ربّك
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمران بن أبي ليلى، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: إلا من رحم ربّك قال: أهل الحقّ.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمارة، ثنا الوليد، عن شعيب بن رزيقٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن عكرمة، ولا يزالون مختلفين ثمّ استثنى من الاختلاف من رحم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن عليّة، عن منصور بن عبد الرّحمن قال: قلت للحسن: إلا من رحم ربّك قال: غير مختلف
- قرى على يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ حدّثني طلحة بن عمرٍو أنّه سمع عطاءً يقول ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك قال اليهود والنصارى والمجوس والحنفيه وهم الذين رحم ربك الخيفيه
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، في قول اللّه: إلا من رحم ربّك قال: أهل القبلة.
وروي، عن مجاهدٍ قال: أهل الإسلام.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا خليد بن عليٍّ وسعيد بن بشيرٍ، عن قتادة إلا من رحم ربّك قال: أهل رحمة اللّه أهل الجماعة وإن تفرّقت ديارهم وأبدانهم وأهل معصيته أهل فرقةٍ وإن أجمعت ديارهم وأبدانهم.
قوله تعالى: ولذلك خلقهم
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمران بن أبي ليلى، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ ولذلك خلقهم قال: للرحمة وروي، عن مجاهدٍ وقتادة مثل ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولذلك خلقهم قال خلقهم فرقتين فريقًا يرحم فلا يختلف وفريقًا لا يرحم يختلف وذلك قوله: فمنهم شقيّ وسعيدٌ
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ أخبرني مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن طاوسٍ أنّ رجلين اختصما إليه فأكثرا فقال طاوسٌ اختلفتما وأكثرتما قال أحد الرّجلين لذلك خلقنا فقال طاوسٌ كذبت قال: أليس اللّه يقول ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرّحمة.
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن أبي زايدة قال ابن جريجٍ قال مجاهدٌ خلق أهل الحقّ ومن اتّبعه لرحمته.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسماعيل بن عليّة، عن منصور بن عبد الرّحمن قال: قلت للحسن: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم قال: خلق هؤلاء لجنّته، وهؤلاء للنّار وخلق هؤلاء لرحمته وهؤلاء للعذاب
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة بن وهبٍ أخبرني عبد اللّه بن يزيد وحدّثني يحيي بن عبدك المقرئ، ثنا المسعوديّ قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول هذه الآية: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم قال: خلق أهل رحمته ألا يختلفوا.
- حدّثنا حميد بن عبّاسٍ، ثنا مؤمّل بن إسماعيل، ثنا حمّاد بن سلمة وحمّاد بن زيدٍ قالا، ثنا خالدٌ الحذّاء قال: قلت للحسن قوله: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم قال: خلق أهل رحمته للجنّة لئلا يختلفوا وخلق أهل الاختلاف لناره.
- حدّثنا أبو حميدٍ أحمد بن محمّد بن سيّارٍ، ثنا العبّاس بن الوليد أبو الفضل المبارك، عن الحسن ولذلك خلقهم قال: خلقهم للاختلاف.
قوله تعالى: وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعليّ بن حربٍ الموصليّ قالا، ثنا ابن فضيلٍ، ثنا عطاء بن السّائب، عن عون بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اختصمت الجنّة والنّار فقالت الجنّة ما لي لا يدخلني إلّا الضّعفاء والمسكين وقالت النّار ما لي لا يدخلني الا الجبارون المتكبرون والأشراف وأصحاب الأموال فقال اللّه جلّ ذكره للجنة أنت رحمتي أدخلت من شئت وقال للنّار: أنت عذابي أعذّب بك من شئت، وكلاكما سأملأ). [تفسير القرآن العظيم: 6/2094-2096]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا مبارك بن فضالة عن الحسن في قوله عز وجل ولا يزالون مختلفين قال على أديان شتى إلا من رحم ربك فإنهم لا يختلفون يقول ولذلك خلقهم قال خلق خلقا للجنة وخلقا للنار). [تفسير مجاهد: 2/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 118 - 119.
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} قال: أهل دين واحد أهل ضلالة أو أهل هدى). [الدر المنثور: 8/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الحق وأهل الباطل {إلا من رحم ربك} قال: أهل الحق {ولذلك خلقهم} قال: للرحمة). [الدر المنثور: 8/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} قال: إلا أهل رحمته فإنهم لا يختلفون). [الدر المنثور: 8/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال {ولا يزالون مختلفين} في الهوى). [الدر المنثور: 8/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح {ولا يزالون مختلفين} أي اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية وهم الذين رحم ربك الحنيفية). [الدر المنثور: 8/170-171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك غير مختلف {ولذلك خلقهم} قال: للاختلاف). [الدر المنثور: 8/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد {ولا يزالون مختلفين} قال: أهل الباطل {إلا من رحم ربك} قال: أهل الحق {ولذلك خلقهم} قال: للرحمة). [الدر المنثور: 8/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة {ولا يزالون مختلفين} قال: اختلاف الملل {إلا من رحم ربك} قال: أهل القبلة {ولذلك خلقهم} قال: للرحمة). [الدر المنثور: 8/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: أهل رحمة الله أهل الجماعة وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت أبدانهم {ولذلك خلقهم} للرحمة والعبادة ولم يخلقهم للاختلاف). [الدر المنثور: 8/171-172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن ابن عباس {ولذلك خلقهم} قال: خلقهم فريقين: فريقا يرحم فلا يختلف وفريقا لا يرحم يختلف، وكذلك قوله {فمنهم شقي وسعيد} (هود الآية 105) ). [الدر المنثور: 8/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن قريش قال: كنت عند عمرو بن عبيد فجاء رجلان فجلسا فقالا: يا أبا عثمان ما كان الحسن يقول في هذه الآية {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} قال: كان يقول (فريق في الجنة وفريق في السعير) (الشورى الآية 7) ). [الدر المنثور: 8/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله {ولذلك خلقهم} قال: خلق هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار وخلق هؤلاء لرحمته وهؤلاء لعذابه). [الدر المنثور: 8/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن أبي نجيح، أن رجلين تخاصما إلى طاووس فاختلفا عليه فقال: اختلفتما علي فقال أحدهما لذلك خلقنا، قال: كذبت، قال: أليس الله يقول {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} قال: إنما خلقهم للرحمة والجماعة). [الدر المنثور: 8/172-173]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:43 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّةٍ ينهون...}
يقول لم يكن منهم أحد كذلك إلاّ قليلا أي هؤلاء كانوا ينهون فنجوا. وهو استثناء على الانقطاع ممّا قبله كما قال عزّ وجل: {إلاّ قوم يونس} ولو كان رفعاً كان صواباً.
وقوله:{واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} بقول: اتّبعوا في دنياهم ما عوّدوا من النعيم وإيثار اللذّات على أمر الآخرة.
ويقال: اتّبعوا ذنوبهم وأعمالهم السّيّئة إلى النار). [معاني القرآن: 2/31-30]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّةٍ} مجازه: فهلا كان من القرون الذين من قبلكم ذووا بقية، أي يبقون {وينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً مّمن أنجينا منهم} منصوب لأنه استثناء من هؤلاء القرون وهم ممن أنجينا، ومجازه: مجاز المختصر الذي فيه ضمير فلولا كان من القرون الذين كانوا من قبلكم.
{ما أترفوا فيه} أي ما تجبّروا وتكبروا عن أمر الله وصدوا عنه وكفروا، قال:
تهدى رؤوس المترفين الصّدّاد= إلى أمير المؤمنين الممتاد
الممتاد من ماد يميد). [مجاز القرآن: 1/301-300]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {ما أترفوا فيه} فقالوا: أهلكوا فيه، وتكبروا عن أمر الله عز وجل؛ وقالوا أيضًا {أترفوا فيه} أي نعموا من الأموال وخولوا الدنيا، فتجبروا فيها). [معاني القرآن لقطرب: 699]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فلولا كان من القرون}: فهلا كان من القرون.
{ما أترفوا فيه}: ما أهلكوا فيه فعدلوا وتحيروا. والمترفون المتكبرون). [غريب القرآن وتفسيره: 179]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلولا كان من القرون من قبلكم} أي فهلا.
{أولوا بقيّةٍ} أي أولوا بقيّة من دين. يقال: [قوم] لهم بقية وفيهم بقيّة. إذا كانت بهم مسكة وفيهم خير.
{واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} ما أعطوا من الأموال، أي آثروه واتبعوه ففتنوا به). [تفسير غريب القرآن: 211-210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لولا ولوما
لولا تكون في بعض الأحوال بمعنى: هلّا وذلك إذا رأيتها بغير جواب، تقول: لولا فعلت كذا تريد هلّا، فعلت كذا، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي فهلا. وقال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ}.
وقال الشاعر:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ = بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلا الكَمِيَّ المقنَّعَا
أي: فهّلا تعدُّونَ الكميَّ.
وكذلك (لوما)، قال: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} أي هلّا تأتينا). [تأويل مشكل القرآن: 541-540] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلّا قليلا ممّن أنجينا منهم واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين}
{أولو بقيّة} معناه أولو تمييز، ويجوز أن يكون معناه " أولو " طاعة.
ومعنى البقية إذا قلت فلان في بقيّة، معناه فيه فضل فيما يمدح به.
{إلّا قليلا ممّن أنجينا منهم} استثناء منقطع، المعنى لكنّ قليلا ممّن أنجينا منهم ممن نهى عن الفساد.
{واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} معناه اتبعوا الشيء الذي به تدوم لهم الترفه والنعيم، وركنوا إلى الدنيا فلم يقبلوا ما ينقص ترفتهم في كسب أو عمل). [معاني القرآن: 3/83]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية}
قيل أولوا طاعة
وقيل أولو تمييز
وقيل أولو حظ من الله جل وعز
وقوله جل وعز: {واتبع الذين ظلموا ما أترفو فيه}
قال مجاهد من تملكهم وتجبرهم وتركهم الحق). [معاني القرآن: 3/388-387]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ما أترفوا فيه} ما أعطوا من الأموال أي آثروه واتبعوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُتْرِفُواْ}: تنعموا). [العمدة في غريب القرآن: 158]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون...}.
يقول: لم يكن ليهلكهم وهم مصلحون فيكون ذلك ظلماً. ويقال: لم يكن ليهلكهم وهم يتعاطون الحقّ فيما بينهم وإن كانوا مشركين والظلم الشرك). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما كان ربّك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون}
يجوز أن يكون وما كان ربّك ليهلك أحدا وهو يظلمه - كما قال: {إنّ اللّه لا يظلم النّاس شيئا}. وجائز أن يكون معناه: وما كان ربك ليهلك القرى - ومعناه أهل القرى -
بظلم وأهلها يتعاطون فيما بينهم بالنصفة). [معاني القرآن: 3/83]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يزالون مختلفين...}
يقول: {لا يزالون} يعني أهل الباطل {إلاّ من رحم ربّك} أهل الحقّ (ولذلك خلقهم) يقول: للشقاء وللسعادة.
ويقال: {ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم}: للاختلاف والرحمة). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا يزالون مختلفين} في دينهم). [تفسير غريب القرآن: 211]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين}
أي لو شاء لجمعهم على هدايته، كما قال - عز وجل -:{ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى} ). [معاني القرآن: 3/83]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}أي على دين واحد). [معاني القرآن: 3/388]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {إلاّ من رحم ربّك} أهل الحقّ (ولذلك خلقهم) يقول: للشقاء وللسعادة.
ويقال: {ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم}: للاختلاف والرحمة). [معاني القرآن: 2/31] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم...}
صار قوله عزّ وجلّ: {وتمّت كلمة ربّك} يمينا كما تقول: حلفي لأضربنّك، وبدا لي لأضربنّك. وكلّ فعل كان تأويله كتأويل بلغني، وقيل لي، وانتهى إليّ، فإن اللام وأن تصلحان فيه. فتقول: قد بدا لي لأضربنّك، وبدا لي أن أضربك. فلو كان: وتمّت كلمة ربك أن يملأ جهنم كان صواباً وكذلك {ثمّ بدالهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه} ولو كان أن يسجنوه كان صواباً.
وقال: {وجاءك في هذه الحقّ...}
في هذه السورة). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إلّا من رحم ربّك} فإن دينهم واحد لا يختلفون.
{ولذلك خلقهم} يعني لرحمته خلق الذين لا يختلفون في دينهم.
وقد ذهب قوم إلى أنه للاختلاف خلقهم اللّه. واللّه أعلم بما أراد). [تفسير غريب القرآن: 211]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولا يزالون مختلفين* إلّا من رحم ربّك ولذلك خلقهم وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين}
" من " استثناء، على معنى: لكن من رحم ربك فإنه غير مخالف.
وقوله: {ولذلك خلقهم} أي خلقهم للسعادة والشقاء، فاختلافهم في الدّين يؤدي بهم إلى سعادة أو شقاء.
وقيل: ولذلك خلقهم أي لرحمته خلقهم، لقوله {إلّا من رحم ربّك}.
والقول الأول يدل عليه.
{وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين}.
{لأملأنّ} لفظ القسم، أي فتمّ قوله (لأملأنّ جهنّم) ). [معاني القرآن: 3/84-83]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}
قال أبو جعفر وهذه الآية من المشكل وقد قيل فيها أقوال
روى عبد الكريم الجزري عن مجاهد أنه قال وللرحمة خلقهم
وكذلك قال قتادة
وروي عن الحسن فيها أقوال
منها أنه قال وللاختلاف خلقهم
ومنها أنه يقال وللرحمة خلقهم
ومنها أنه قال خلقهم للجنة والنار والشقاء والسعادة
وقيل هذا القول الذي عليه أهل السنة وهو أبينها وأجمعها
والذي رواه عبد الكريم عن مجاهد ليس بناقض له لأنه قد بينه حجاج في روايته عن ابن جريج عن مجاهد أنه قال في قول الله جل وعز: {ولا يزالون مختلفين}
قال أهل الباطل {إلا من رحم ربك} قال أهل الحق ولذلك خلقهم قال للرحمة خلق أهل الجنة
قال أبو جعفر فهذا قول بين مفسر
ومن قال أيضا خلقهم للاختلاف فليس بناقض لهذا لأنه يذهب إلى أن المعنى وخلق أهل الباطل للاختلاف
وأبينها قول الحسن الذي ذكرناه ويكون المعنى ولا يزال أهل الباطل مختلفين في دينهم إلا من رحم الله وأهل الإسلام لا يختلفون في دينهم ولذلك خلق أهل السعادة للسعادة وأهل الشقاء للشقاء وبين هذا قوله جل وعز: {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}
وقيل التقدير ينهون عن الفساد في الأرض ولذلك خلقهم). [معاني القرآن: 3/390-388]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولذلك خلقهم} يعني من رحم، للرحمة خلقهم، وهم الذين لا يختلفون في دينهم. وقيل: للاختلاف خلقهم، والله أعلم.
وقيل: ليملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين خلقهم، وهو مروي عن مالك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 109]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:43 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما لا يكون إلا على معنى ولكن
فمن ذلك قوله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} أي ولكن من رحم. وقوله عز وجل: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا} أي ولكن قوم يونس لما آمنوا. وقوله عز وجل: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً ممّن أنجينا منهم} أي ولكن قليلا ممن أنجينا منهم. وقوله عز وجل: {أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} أي ولكنهم يقولون ربنا الله.
وهذا الضرب في القرآن كثير). [الكتاب: 2/325] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يقع في الاستثناء
من غير نوع المذكور قبله
وذلك قولك: ما جاءني أحد إلا حماراً، وما في القوم أحد إلا دابةً. فوجه هذا وحده النصب؛ وذلك لأن الثاني ليس من نوع الأول، فيبدل منه، فتنصبه بأصل الاستثناء على معنى ولكن، واللفظ النصب لما ذكرت لك في صدر الباب.
فمن ذلك قول الله عز وجل: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى}.
ومن ذلك: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}. فالعاصم الفاعل، ومن رحم معصوم، فهذا خاصةً لا يكون فيه إلا النصب.
وأما الأول فقد يجوز فيه الرفع، وهو قول بني تميم. وتفسير رفعه على وجهين: أحدهما: أنك إذا قلت: ما جاءني رجل إلا حمار فكأنك قلت: ما جاءني إلا حمار، وذكرت رجلاً وما أشبهه توكيداً. فكأنه في التقدير: ما جاءني شيء رجل ولا غيره، إلا حمار.
والوجه الآخر: أن تجعل الحمار يقوم مقام من جاءني من الرجال على التمثيل، كما تقول: عتابك السيف، وتحيتك الضرب، كما قال:
وخيل قد دلفت لها بخيل = تحية بينهم ضرب وجيع
وقال الآخر:
ليس بيني وبـين قـيس عـتـاب = غير طعن الكلى وضرب الرقاب
وبنو تميم تقرأ هذه الآية: (إلا ابتغاءُ وجه ربه الأعلى) ويقرءون (ما لهم به من علم إلا اتباعُ الظن). يجعلون اتباع الظن علمهم.
والوجه النصب على ما ذكرت لك، وهو القياس اللازم، ووجه الرفع ما بيناه. كما قال:
وبلدة ليس بهـا أنـيس = إلا اليعافير، وإلا العيس
فجعل اليعاقير أنيس ذلك المكان وينشد بنو تميم قول النابغة:

وقفت فيها أصـيلالاً أسـائلـهـا = عيت جواباً، وما بالربع من أحـد
إلا أواري لأبـاً مـا أبـينـهــا = والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
والوجه النصب، وهو إنشاد أكثر الناس.
وقوله جل وعز: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا} من هذا الباب؛ لأن لولا في معنى هلا. والنحويون يجيزون الرفع في مثل هذا من الكلام، ولا يجيزونه في القرآن لئلا يغير خط المصحف. ورفعه على الوصف كما ذكرت لك في الباب الذي قبله. فأما قول الشاعر:

من كان أسرع في تفرق فالج = فلبونه جربت معاً، وأغـدت
إلا كناشرة الذي ضـيعـتـم = كالغصن في غلوائه المتنبت
فإنما الكاف زائدة، وهو استثناء ليس من الأول. ولو حذفت الكاف لكان الموضع نصباً ومثل ذلك:

لولا ابن حارثة الأمـير لـقـد = أغضبت من شتمي على رغمي
إلا كمعرض المحسر بـكـره = عمداً يسببني عـلـى ظـلـم
وكذا قوله:
إلا كخارجة المكلف نفـسـه = وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
الكاف زائدة مؤكدة كتوكيدها في قول الله جل وعز {ليس كمثله شيء}. ومثل ذلك قوله:
لواحق الأقراب فيها كالمقق
أي فيها مقق وهو الطول. والكاف زائدة). [المقتضب: 4/412-418] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) }

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:44 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 09:44 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 03:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 03:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون}
"فلولا" هي التي للتحضيض، لكن يقترن بها هنا معنى التفجع والتأسف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم تهتد، وهذا نحو قوله: {يا حسرة على
[المحرر الوجيز: 5/31]
العباد}، و"القرون" من قبلكم هم قوم نوح وعاد وثمود ومن تقدم ذكره، والقرن من الناس: المقترنون في زمان طويل أكثره -فيما حد الناس- مائة سنة، وقيل: ثمانون، وقيل غير ذلك إلى ثلاثين سنة، والأول أرجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن إلى رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"، قال ابن عمر رضي الله عنه: يريد أنها تخرم ذلك القرن، و"البقية" هنا يراد بها النظر والعقل والحزم والثبوت في الدين، وإنما قيل: "بقية" لأن الشرائع والدول ونحوها قوتها في أولها ثم لا تزال تضعف، فمن ثبت في وقت الضعف فهو بقية الصدر الأول، وقرأت فرقة: "بقية" بتخفيف الياء، وهو رد فعيلة إلى فعلة، وقرأ أبو جعفر، وشيبة: "بقية" بضم الباء وسكون القاف على وزن فعلة.
و"الفساد في الأرض" هو الكفر وما اقترن به من المعاصي، وهذه الآية فيها تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وحض على تغيير المنكر والنهي عن الفساد، ثم استثنى الله تعالى القوم الذين نجاهم مع أنبيائهم وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم، و"قليلا" نصب على الاستثناء، وهو منقطع عند سيبويه، والكلام عنده موجب، وغيره يراه منفيا من حيث معناه أنه لم يكن فيهم أولو بقية.
وقرأ جمهور الناس: "واتبع" على بناء الفعل للفاعل، وقرأ جعفر بن محمد: "وأتبع" على بنائه للمفعول، ورويت عن أبي عمرو. وما أترفوا فيه أي: عاقبة ما نعموا به -على بناء الفعل للمفعول-، والمترف: المنعم الذي شغله ترفه عن الحق حتى هلك، ومنه قول الشاعر:
تهدي رؤوس المترفين الصداد ... إلى أمير المؤمنين الممتاد
[المحرر الوجيز: 5/32]
يريد: المسؤول، يقال: ماده إذا سأله). [المحرر الوجيز: 5/33]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {بظلم} يحتمل أن يريد: بظلم منه لهم -تعالى عن ذلك-، قال الطبري: ويحتمل أن يريد: بشرك منهم وهم مصلحون في أعمالهم وسيرهم، وعدل بعضهم في بعض، أي أنه لا بد من معصية تقترن بكفرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، وإنما ذهب قائله إلى نحو ما قيل: "إن الله تعالى يمهل الدول على الكفر ولا يمهلها على الظلم والجور". ولو عكس لكان ذلك متجها، أي: ما كان الله ليعذب أمة بظلمهم في معاصيهم وهم مصلحون في الإيمان، والاحتمال الأول في ترتيبنا أصح إن شاء الله). [المحرر الوجيز: 5/33]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}
المعنى: لجعلهم أمة واحدة مؤمنة -قاله قتادة - حتى لا يقع منهم كفر ولا تنزل بهم مثلة، ولكنه عز وجل لم يشأ ذلك، فهم لا يزالون مختلفين في الأديان والآراء والملل. هذا تأويل الجمهور. قال الحسن، وعطاء، ومجاهد، وغيرهم: المرحومون المستثنون هم المؤمنون ليس عندهم اختلاف، وقالت فرقة: لا يزالون مختلفين في السعادة والشقاوة، وهذا قريب المعنى من الأول إذ هي ثمرة الأديان والاختلاف فيها، ويكون الاختلاف -على هذا التأويل- يدخل فيه المؤمنون إذ هم مخالفون للكفرة، وقال الحسن أيضا: لا يزالون مختلفين في الغنى والفقر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول بعيد معناه من معنى الآية). [المحرر الوجيز: 5/33]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم استثنى الله تعالى من الضمير في "يزالون" من رحمه من الناس بأن هداه إلى الإيمان ووفقه له.
وقوله: {ولذلك خلقهم} اختلف فيه المتأولون -فقالت فرقة: ولشهود اليوم المشهود- المتقدم ذكره- خلقهم، وقالت فرقة: "ذلك" إشارة إلى قوله قبل: {فمنهم شقي وسعيد} أي: لهذا خلقهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذان المعنيان وإن صحا فهذا العود المتباعد ليس بجيد، وروى أشهب عن مالك أنه قال: "ذلك" إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فجاءت الإشارة بـ "ذلك" إلى الأمرين معا: الاختلاف والرحمة، وقد قاله ابن عباس واختاره الطبري، ويجيء عليه الضمير في "خلقهم" للصنفين، وقال مجاهد، وقتادة: "ذلك" عائد على الرحمة التي تضمنها قوله: {إلا من رحم}، أي: وللرحمة خلق المرحومين، قال الحسن: "ذلك" إشارة إلى الاختلاف الذي في قوله: {ولا يزالون مختلفين}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويعترض هذا بأن يقال: كيف خلقهم للاختلاف؟ وهل معنى الاختلاف هو المقصود بخلقهم؟ فالوجه في الانفصال أن نقول: إن قاعدة الشرع أن الله عز وجل خلق خلقا للسعادة وخلقا للشقاوة، ثم يسر كلا لما خلق له، وهذا نص في الحديث الصحيح، وجعل بعد ذلك الاختلاف في الدين على الحق هو أمارة الشقاوة، وبه
[المحرر الوجيز: 5/34]
تعلق العقاب، فيصح أن يحمل قوله هنا: "وللاختلاف خلقهم" أي: لثمرة الاختلاف وما يكون عنه من الشقاوة.
ويصح أن يجعل اللام في قوله: "ولذلك" لام الصيرورة، أي: وخلقهم ليصير أمرهم إلى ذلك، وإن لم يقصد بهم الاختلاف. ومعنى قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أي: لآمرهم بالعبادة، وأوجبها عليهم، فعبر عن ذلك بثمرة الأمر ومقتضاه.
وقوله: {وتمت كلمة ربك} أي نفذ قضاؤه وحق أمره، واللام في "لأملأن" لام قسم، إذ "الكلمة" تتضمن القسم، والجن: جمع لا واحد له من لفظه، وهو من أجن إذا ستر، والهاء في "الجنة" للمبالغة، وإن كان الجن يقع على الواحد فالجنة جمعه). [المحرر الوجيز: 5/35]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 03:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 03:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجينا منهم واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (116) وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون (117)}
يقول تعالى: فهلّا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير، ينهون عمّا كان يقع بينهم من الشّرور والمنكرات والفساد في الأرض.
وقوله: {إلا قليلا} أي: قد وجد منهم من هذا الضّرب قليلٌ، لم يكونوا كثيرًا، وهم الّذين أنجاهم اللّه عند حلول غيره، وفجأة نقمه؛ ولهذا أمر تعالى هذه الأمّة الشّريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما قال تعالى: {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران: 104]. وفي الحديث: "إنّ النّاس إذا رأوا المنكر فلم يغيّروه، أوشك أن يعمّهم اللّه بعقابٍ"؛ ولهذا قال تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقيّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجينا منهم}.
وقوله: {واتّبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه} أي: استمرّوا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك، حتّى فجأهم العذاب، {وكانوا مجرمين}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 360-361]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى أنّه لم يهلك قريةً إلّا وهي ظالمةٌ [لنفسها] ولم يأت قريةً مصلحةً بأسه وعذابه قطّ حتّى يكونوا هم الظّالمين، كما قال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} [هودٍ: 101]، وقال {وما ربّك بظلامٍ للعبيد} [فصلت: 46]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 361]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين (119)}
يخبر تعالى أنّه قادرٌ على جعل النّاس كلّهم أمّةً واحدةً، من إيمانٍ أو كفرانٍ كما قال تعالى: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} [يونس: 99].
وقوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك} أي: ولا يزال الخلف بين النّاس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم.
قال عكرمة: {مختلفين} في الهدى. وقال الحسن البصريّ: {مختلفين} في الرّزق، يسخّر بعضهم بعضًا، والمشهور الصّحيح الأوّل.
وقوله: {إلا من رحم ربّك} أي: إلّا المرحومين من أتباع الرّسل، الّذين تمسّكوا بما أمروا به من الدّين. أخبرتهم به رسل اللّه إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتّى كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الأمّيّ خاتم الرّسل والأنبياء، فاتّبعوه وصدّقوه، ونصروه ووازروه، ففازوا بسعادة الدّنيا والآخرة؛ لأنّهم الفرقة النّاجية، كما جاء في الحديث المرويّ في المسانيد والسّنن، من طرقٍ يشدّ بعضها بعضًا: "إنّ اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقةً، وإنّ النّصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقةً، وستفترق أمّتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، كلّها في النّار إلّا فرقة واحدةً". قالوا: ومن هم يا رسول اللّه؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي".
رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزّيادة
وقال عطاءٌ: {ولا يزالون مختلفين} يعني: اليهود والنّصارى والمجوس {إلا من رحم ربّك} يعني: الحنيفيّة.
وقال قتادة: أهل رحمة اللّه أهل الجماعة، وإن تفرّقت ديارهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقةٍ، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم.
وقوله: {ولذلك خلقهم} قال الحسن البصريّ -في روايةٍ عنه -: وللاختلاف خلقهم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: خلقهم فريقين، كقوله: {فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ} [هودٍ:105].
وقيل: للرّحمة خلقهم. قال ابن وهبٍ: أخبرني مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيح، عن طاوسٍ؛ أنّ رجلين اختصما إليه فأكثرا فقال طاوسٌ: اختلفتما فأكثرتما ! فقال أحد الرّجلين: لذلك خلقنا. فقال طاوسٌ: كذبت. فقال: أليس اللّه يقول: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرّحمة. كما قال الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: للرّحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب. وكذا قال مجاهدٌ والضّحّاك وقتادة. ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى: {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون} [الذّاريات:56].
وقيل: بل المراد: وللرّحمة والاختلاف خلقهم، كما قال الحسن البصريّ في روايةٍ عنه في قوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: النّاس مختلفون على أديانٍ شتّى، {إلا من رحم ربّك} فمن رحم ربّك غير مختلفٍ. قيل له: فلذلك خلقهم؟ [قال] خلق هؤلاء لجنّته، وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه.
وكذا قال عطاء بن أبي رباح، والأعمش.
وقال ابن وهب: سألت مالكًا عن قوله تعالى: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} قال: فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير.
وقد اختار هذا القول ابن جريرٍ، وأبو عبيدة والفرّاء.
وعن مالكٍ فيما روّيناه عنه في التّفسير: {ولذلك خلقهم} قال: للرّحمة، وقال قومٌ: للاختلاف.
وقوله: {وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} يخبر تعالى أنّه قد سبق في قضائه وقدره، لعلمه التّامّ وحكمته النّافذة، أنّ ممّن خلقه من يستحقّ الجنّة، ومنهم من يستحقّ النّار، وأنّه لا بدّ أن يملأ جهنّم من هذين الثّقلين الجنّ والإنس، وله الحجّة البالغة والحكمة التّامّة. وفي الصّحيحين عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اختصمت الجنّة والنّار، فقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفة النّاس وسقطهم؟ وقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. فقال اللّه عزّ وجلّ للجنّة، أنت رحمتي أرحم بك من أشاء. وقال للنّار: أنت عذابي، أنتقم بك ممّن أشاء، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها. فأمّا الجنّة فلا يزال فيها فضلٌ، حتّى ينشئ اللّه لها خلقًا يسكن فضل الجنّة، وأمّا النّار فلا تزال تقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يضع عليه ربّ العزّة قدمه، فتقول: قط قطٍ، وعزّتك"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 361-363]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:43 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة