تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين}.
يقول تعالى ذكره: قال قوم نوحٍ لنوحٍ عليه السّلام: قد خاصمتنا فأكثرت خصومتنا فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصّادقين في عداتك، ودعواك أنّك للّه رسولٌ. يعني بذلك أنّه لن يقدر على شيءٍ من ذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {جادلتنا} قال: ماريتنا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {قالوا يا نوح قد جادلتنا} قال: ماريتنا، {فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا} قال ابن جريجٍ: تكذيبًا بالعذاب، وأنّه باطلٌ). [جامع البيان: 12/387-388]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين (32) قال إنّما يأتيكم به اللّه إن شاء وما أنتم بمعجزين (33) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد أن يغويكم هو ربّكم وإليه ترجعون (34) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريءٌ ممّا تجرمون (35) وأوحي إلى نوحٍ أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (36)
قوله تعالى: يا نوح قد جادلتنا الآية
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: جادلتنا ماديتنا). [تفسير القرآن العظيم: 6/2024]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قد جادلتنا يعني ماريتنا). [تفسير مجاهد: 2/303]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {قالوا يا نوح قد جادلتنا} قال: ماريتنا). [الدر المنثور: 8/38]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه {فأتنا بما تعدنا} قال: تكذيبا بالعذاب وإنه باطل). [الدر المنثور: 8/38]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال إنّما يأتيكم به اللّه إن شاء وما أنتم بمعجزين (33) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد أن يغويكم هو ربّكم وإليه ترجعون}.
يقول تعالى ذكره: قال نوحٌ لقومه حين استعجلوه العذاب: يا قوم ليس الّذي تستعجلون من العذاب إليّ، إنّما ذلك إلى اللّه لا إلى غيره، هو الّذي يأتيكم به إن شاء. {وما أنتم بمعجزين} يقول: ولستم إذا أراد تعذيبكم بمعجزيه: أي بفائتيه هربًا منه؛ لأنّكم حيث كنتم في ملكه وسلطانه وقدرته، حكمه عليكم جارٍ). [جامع البيان: 12/388-389]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما أنتم بمعجزين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، ثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: بمعجزين قال: بمسابقين). [تفسير القرآن العظيم: 6/2024]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({ولا ينفعكم نصحي} يقول: ولا ينفعكم تحذيري عقوبته ونزول سطوته بكم على كفركم به. {إن أردت أن أنصح لكم} في تحذيري إيّاكم ذلك؛ لأنّ نصحي لا ينفعكم لأنّكم لا تقبلونه. {إن كان اللّه يريد أن يغويكم} يقول: إن كان اللّه يريد أن يهلككم بعذابه. {هو ربّكم وإليه ترجعون} يقول: وإليه تردّون بعد الهلاك.
حكي عن طيّئ أنّها تقول: أصبح فلانٌ غاويًا: أي مريضًا. وحكي عن غيرهم سماعًا منهم: أغويت فلانًا، بمعنى أهلكته، وغوي الفصيل: إذا فقد اللّبن فمات. وذكر أنّ قول اللّه: {فسوف يلقون غيًّا} أي هلاكًا). [جامع البيان: 12/389]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللّه يريد الآية
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية إليه ترجعون قال: إليه يرجعون بعد الحياة). [تفسير القرآن العظيم: 6/2024]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]
- حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، حدّثنا أبو الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: " قال اللّه عزّ وجلّ: أنفق أنفق عليك، وقال: يد اللّه ملأى لا تغيضها نفقةٌ سحّاء اللّيل والنّهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السّماء والأرض، فإنّه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع " {اعتراك} [هود: 54] : «افتعلك، من عروته أي أصبته، ومنه يعروه واعتراني» {آخذٌ بناصيتها} [هود: 56] : «أي في ملكه وسلطانه» ، {عنيدٌ} [هود: 59] : «وعنودٌ وعاندٌ واحدٌ، هو تأكيد التّجبّر» ، {استعمركم} [هود: 61] : «جعلكم عمّارًا، أعمرته الدّار فهي عمرى جعلتها له» ، {نكرهم} [هود: 70] : «وأنكرهم واستنكرهم واحدٌ» ، {حميدٌ مجيدٌ} [هود: 73] : «كأنّه فعيلٌ من ماجدٍ، محمودٌ من حمد» ، {سجّيلٌ} [هود: 82] : " الشّديد الكبير، سجّيلٌ وسجّينٌ، واللّام والنّون أختان، وقال تميم بن مقبلٍ:
[البحر البسيط]
ورجلةٍ يضربون البيض ضاحيةً ... ضربًا تواصى به الأبطال سجّينا ".
{وإلى مدين أخاهم شعيبًا} [الأعراف: 85] : «أي إلى أهل مدين، لأنّ مدين بلدٌ» ، ومثله {واسأل القرية} [يوسف: 82] : «واسأل العير، يعني أهل القرية وأصحاب العير» ، {وراءكم ظهريًّا} [هود: 92] : " يقول لم تلتفتوا إليه، ويقال: إذا لم يقض الرّجل حاجته، ظهرت بحاجتي، وجعلتني ظهريًّا، والظّهريّ ها هنا: أن تأخذ معك دابّةً أو وعاءً تستظهر به "، {أراذلنا} [هود: 27] : «سقّاطنا» إجرامي هو مصدرٌ من أجرمت، وبعضهم يقول جرمت). [صحيح البخاري: 6/73-74] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله إجراميٌّ مصدر أجرمت وبعضهم يقول جرمت هو كلام أبي عبيدة وأنشد طريد عشيرةٍ ورهين ذنبٍ بما جرمت يدي وجنى لساني وجرمت بمعنى كسبت وقد تقدّم قريبًا). [فتح الباري: 8/351]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (إجرامي هو مصدر من أجرمت وبعضهم يقول جرمت) أشار به إلى قوله عز وجل {قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء ممّا تجرمون} قال الزّمخشريّ وإجرامي بلفظ المصدر والجمع كقوله {والله يعلم إسرارهم} وينصر الجمع أن فسروه بآثامي والمعنى إن صحّ وثبت أنّي افتريته فعلي عقوبة إجرامي أي افترائي ويقال الإجرام اكتساب السّيئة يقال أجرم فهو مجرم قوله " وبعضهم " يقول جرمت يعني من صيغة الثلاثي المجرّد وهو قول أبي عبيدة وجرمت بمعنى كسبت). [عمدة القاري: 18/292]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({إجرامي}) يريد قوله: {قل إن افتريته فعليّ إجرامي} (هو مصدر من أجرمت) بالهمزة (وبعضهم يقول): من (جرمت) ثلاثي مجرد والمعنى إني صح أني افتريته فعليّ وبال إجرامي وحيث لم يصح فأنا بريء من نسبة الافتراء إليّ وأم في قوله أم يقولون منقطعة تفيد الإضراب عن النصح فيكون نسبة الافتراء إلى نوح، وذهب بعضهم إلى أنه اعتراض خوطب به النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وسقط لفظ هو الذي بعد إجرامي لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/171]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريءٌ ممّا تجرمون}.
يقول تعالى ذكره: أيقول يا محمّد هؤلاء المشركون من قومك: افترى محمّدٌ هذا القرآن؟ وهذا الخبر عن نوحٍ. قل لهم: إن افتريته فتخرّصته واختلقته {فعليّ إجرامي} يقول: فعليّ إثمي في افترائي ما افتريت على ربّي دونكم، لا تؤاخذون بذنبي ولا إثمي، ولا أؤاخذ بذنبكم. {وأنا بريءٌ ممّا تجرمون} يقول: وأنا بريءٌ ممّا تذنبون، وتأثمون بربّكم من افترائكم عليه.
ويقال منه: أجرمت إجرامًا، وجرمت أجرم جرمًا، كما قال الشّاعر:
طريد عشيرةٍ ورهين ذنبٍ = بما جرمت يدي وجنى لساني). [جامع البيان: 12/389-390]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إجرامي
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله تعالى: فعليّ إجرامي يقول فعليّ عملي.
قوله تعالى: وأنا بريءٌ ممّا تجرمون
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد، بن بشيرٍ، عن قتادة، قوله: وأنا بريءٌ ممّا تجرمون أي ممّا تعملون). [تفسير القرآن العظيم: 6/2024]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فعلي إجرامي} قال: عملي {وأنا بريء مما تجرمون} أي مما تعملون). [الدر المنثور: 8/38]