تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ (25) أن لا تعبدوا إلاّ اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ أليمٍ}.
يقول تعالى ذكره: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه إنّي لكم} أيّها القوم {نذيرٌ} من اللّه أنذركم بأسه على كفركم به، فآمنوا به وأطيعوا أمره. ويعني بقوله: {مبينٌ} يبيّن لكم عمّا أرسل به إليكم من أمر اللّه ونهيه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إنّي} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة وبعض المدنيّين بكسر إنّ على وجه الابتداء، إذ كان في الإرسال معنى القول. وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة والكوفة والبصرة بفتح أنّ على إعمال الإرسال فيها، كأنّ معنى الكلام عندهم: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه بأنّي لكم نذيرٌ مبينٌ.
والصّواب من القول في ذلك عندي، أن يقال إنّهما قراءتان متّفقتا المعنى، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرّاء، فبأيّتهما قرأ القارئ كان مصيبًا للصّواب في ذلك). [جامع البيان: 12/377-378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ (25) أن لا تعبدوا إلّا اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ أليمٍ (26)
قوله تعالى: ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه
- حدّثنا أبو سعيدٍ، الأشجّ، ثنا عبد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ: أرسل: أي: بعث.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن الفضل بن أبي سويدٍ، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنسٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أوّل نبيٍّ أرسل نوحٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن صالحٍ، ثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن عبيد اللّه الفزاريّ، عن شيبان النّحويّ، أخبرني قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ لمّا أنزلت نذيرٌ قال: يعني: النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنزلت عليه: مبشّرًا ونذيرًا قال: نذيرا من النّار). [تفسير القرآن العظيم: 6/2021]
تفسير قوله تعالى: (أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أن لا تعبدوا إلاّ اللّه} فمن كسر الألف في قوله: {إنّي} جعل قوله: {أرسلنا} عاملاً في أن الّتي في قوله: {أن لا تعبدوا إلاّ اللّه} ويصير المعنى حينئذٍ: ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه، أن لا تعبدوا إلاّ اللّه، وقل لهم {إنّي لكم نذيرٌ مبينٌ} ومن فتحها، ردّ أن في قوله: {أن لا تعبدوا} عليها، فيكون المعنى حينئذٍ: لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه بأنّي لكم نذيرٌ مبينٌ، بأن لا تعبدوا إلاّ اللّه.
ويعني بقوله: بأن لا تعبدوا إلاّ اللّه أيّها النّاس، عبادة الآلهة، والأوثان، وإشراكها في عبادته، وأفردوا اللّه بالتّوحيد وأخلصوا له العبادة، فإنّه لا شريك له في خلقه.
وقوله: {إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ أليمٍ} يقول: إنّي أيّها القوم إن لم تخصّوا اللّه بالعبادة، وتفردوه بالتّوحيد، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان، أخاف عليكم من اللّه عذاب يومٍ مؤلمٍ عقابه وعذابه لمن عذّب فيه. وجعل الأليم من صفة اليوم وهو من صفة العذاب، إذ كان العذاب فيه كما قيل: {وجعل اللّيل سكنًا} وإنّما السّكن من صفة ما سكن فيه دون اللّيل). [جامع البيان: 12/378-379]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أن لا تعبدوا إلا اللّه
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد، بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: اعبدوا أي: وحّدوا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة بن الفضل، ثنا محمّد بن إسحاق قال: كان من حديث نوحٍ وحديث قومه فيما يذكر أهل العلم أنّه كان حليمًا صبورًا لم يلق نبيًّ من قومه من البلاء أكثر ممّا لقي إلا نبيّ قتل. وكان يدعوهم كما قال اللّه تعالى: ليلا ونهارًا وسرًا وجهارًا بالنّصيحة لهم فلم يزدهم ذلك منه إلا فرارًا حتّى إنّه ليكلّم الرّجل منهم فيلفّ رأسه بثوبه ويجعل أصابعه في أذنيه لكيلا يسمع شيئًا من قوله.
قوله تعالى: إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ أليمٌ
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: عذاب يومٍ أليمٌ قال: الأليم: الموجع في القرآن كلّه. وكذلك فسّره سعيد، بن جبيرٍ والضّحّاك، وقتادة، وأبو مالكٍ وأبو عمران النّحويّ ومقاتل بن حيّان). [تفسير القرآن العظيم: 6/2021-2022]
تفسير قوله تعالى: (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: (بادئ الرّأي) : «ما ظهر لنا»). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاس بادي الرّأي ما ظهر لنا). [فتح الباري: 8/349]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال أبو ميسرة الأواه الرّحيم بالحبشية وقال ابن عبّاس بادي الرّأي ما ظهر لنا وقال مجاهد الجودي جبل بالجزيرة وقال الحسن إنّك لأنت الحليم الرشيد يستهزؤون به وقال ابن عبّاس اقلعي امسكي
أما قول أبي ميسرة فتقدم في أحاديث الأنبياء وكذا قول ابن عبّاس ومجاهد والحسن وكذا قول ابن عبّاس أقلعي أمسكي). [تغليق التعليق: 4/225] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ بادي الرّأي ما ظهر لنا
أي: قال عبد الله بن عبّاس في تفسير قوله تعالى: {هم أراذلنا بادي الرّأي} الآية. وفسّر قوله: بادي الرّأي: بقوله: ما ظهر لنا، وهذا التّعليق رواه أبو محمّد عن العبّاس بن الوليد بن مزيد أخبرني محمّد بن شعيب أخبرني عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عبّاس). [عمدة القاري: 18/288]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس) في قوله تعالى: ({بادئ الرأي}) أي (ما ظهر لنا) من غير تعمق). [إرشاد الساري: 7/167]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أراذلنا} [هود: 27] : «سقّاطنا إجرامي هو مصدرٌ من أجرمت، وبعضهم يقول جرمت»). [صحيح البخاري: 6/74]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أراذلنا سقّاطنا بضمّ المهملة وتشديد القاف والأراذل جمع أرذال إمّا على بابه كما جاء أحاسنكم أخلافا أو جرى مجرى الأسماء كالأبطح وقيل أراذل جمع أرذل بضمّ الذّال وهو جمع رذلٍ مثل كلب وأكالب). [فتح الباري: 8/354]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (أراذلنا سقاطنا) أشار به إلى قوله تعالى وما نراك اتبعك إلّا الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي وفسّر أراذلنا بقوله سقاطنا بضم السّين المهملة وتشديد القاف جمع سقط بفتحتين وهو الردي الدني الخسيس وسقاطنا أي أخساؤنا والأراذل جمع أرذل وهو الردي من كل شيء وقيل جمع أرذل بضم الذّال وهو جمع رذل مثل كلب وأكلب وأكالب والآية في قصّة نوح عليه الصّلاة والسّلام -). [عمدة القاري: 18/295]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أراذلنا}) يريد قول قوم نوح عليه السلام: {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} [هود: 27] أي (سقاطنا) بضم السين وتخفيف القاف وهو الذي في اليونينية وفي بعضها سقاطنا بتشديدها وفي نسخة أسقاطنا أي أخساؤنا وهذا كله من قوله: {وإلى مدين} إلى هنا ثابت للكشميهني فقط وسقط لأبي ذر وقوله أخاهم شعيبًا). [إرشاد الساري: 7/170]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقال الملأ الّذين كفروا من قومه ما نراك إلاّ بشرًا مثلنا وما نراك اتّبعك إلاّ الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنّكم كاذبين}.
يقول تعالى ذكره: فقال الكبراء من قوم نوحٍ وأشرافهم، وهم الملأ الّذين كفروا باللّه، وجحدوا نبوّة نبيّهم نوحٍ عليه السّلام. {ما نراك} يا نوح. {إلاّ بشرًا مثلنا} يعنون بذلك أنّه آدميّ مثلهم في الخلق والصّورة والجنس، كأنّهم كانوا منكرين أن يكون اللّه يرسل من البشر رسولاً إلى خلقه. وقوله: {وما نراك اتّبعك إلاّ الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي} يقول: وما نراك اتّبعك إلاّ الّذين هم سفلتنا من النّاس دون الكبراء والأشراف فيما يرى ويظهر لنا.
وقوله: {بادي الرّأي} اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والعراق: {بادي الرّأي} بغير همز البادي وبهمز الرّأي، بمعنى: ظاهر الرّأي، من قولهم: بدا الشّيء يبدو: إذا ظهر، كما قال الرّاجز:
أضحى لخالي شبهي بادي = بدي وصار للفحل لساني ويدي.
بادي بدي بغير همزٍ. وقال آخر:
وقد علتني ذرأةٌ بادي بدي
وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: بادئ الرّأي مهموزٌ أيضًا، بمعنى: مبتدأ الرّأي، من قولهم: بدأت بهذا الأمر: إذا ابتدأت به قبل غيره.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندنا قراءة من قرأ: {بادي} بغير همز البادي، وبهمز الرّأي، لأنّ معنى ذلك الكلام: إلاّ الّذين هم أراذلنا في ظاهر الرّأي، وفيما يظهر لنا.
وقوله: {وما نرى لكم علينا من فضلٍ} يقول: وما نتبيّن لكم علينا من فضلٍ نلتموه بمخالفتكم إيّانا في عبادة الأوثان إلى عبادة اللّه، وإخلاص العبودة له، فنتّبعكم طلب ذلك الفضل، وابتغاء ما أصبتموه بخلافكم إيّانا.
{بل نظنّكم كاذبين} وهذا خطابٌ منهم لنوحٍ عليه السّلام، وذلك أنّهم إنّما كذّبوا نوحًا دون أتباعه، لأنّ أتباعه لم يكونوا رسلاً. وأخرج الخطاب وهو واحدٌ مخرج خطاب الجميع، كما قيل: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء} وتأويل الكلام: بل نظنّك يا نوح في دعواك أنّ اللّه ابتعثك إلينا رسولاً كاذبًا.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {بادي الرّأي} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما نراك اتّبعك إلاّ الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي} قال: فيما ظهر لنا). [جامع البيان: 12/379-381]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فقال الملأ الّذين كفروا من قومه ما نراك إلّا بشرًا مثلنا وما نراك اتّبعك إلّا الّذين هم أراذلنا بادي الرّأي وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنّكم كاذبين (27)
قوله تعالى: فقال الملأ الّذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: فقال الملأ يعني: الأشراف من قومه.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، ثنا محمّد بن إسحاق، عن من لا يتّهم، عن عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ أنّه كان يحدّث أنّه بلغه أنّهم كانوا يبطشون به يعني نوحًا فيخنقونه حتّى يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون حتّى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت فيهم في الأرض الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشّأن، واشتدّ عليه منهم البلاء، وانتظر النّجل بعد النّجل فلا يأتي قرنٌ إلا كان أخبث من الّذي قبله حتّى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هذا مجنونٌ لا يقبلون منه شيئًا حتّى شكا ذلك من أمرهم نوحٌ إلى اللّه عزّ وجلّ وقال كما قصّ اللّه علينا في كتابه.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ، ثنا ابن زيدٍ يعني: عبد الرّحمن قال: ما عذّب قوم نوحٍ حتّى ما كان في الأرض سهلٌ ولا جبلٌ إلا له عامرٌ يعمره وحائزٌ يحوزه.
قوله تعالى: بادي الرّأي
- أخبرنا العباس بن الوليد ابن مزيدٍ قراءةً أخبرني محمّد بن شعيبٍ أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه قال: وأمّا بادي الرأي فما ظهر لنا.
قوله: وما نرى لكم علينا من فضلٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة، ثنا عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: من فضلٍ يعني: فضيلةً). [تفسير القرآن العظيم: 6/2022-2023]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 25 - 35.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي} قال: فيما ظهر لنا.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء رضي الله عنه، مثله). [الدر المنثور: 8/36]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (28) : قوله تعالى: {فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: (أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية - في قوله عزّ وجلّ: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} -، قال: تلقاء المسجد الحرام). [سنن سعيد بن منصور: 5/343-344]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني رحمةً من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل نوحٍ لقومه إذ كذّبوه وردّوا عليه ما جاءهم به من عند اللّه من النّصيحة: {يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي} على علمٍ ومعرفةٍ وبيانٍ من اللّه لي ما يلزمني له، ويجب عليّ من إخلاص العبادة له وترك إشراك الأوثان معه فيها {وآتاني رحمةً من عنده} يقول: ورزقني منه التّوفيق والنّبوّة والحكمة، فآمنت به وأطعته فيما أمرني ونهاني. {فعمّيت عليكم}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة، وبعض أهل البصرة والكوفة: فعميت بفتح العين وتخفيف الميم، بمعنى: فعميت الرّحمة عليكم، فلم تهتدوا لها، فتقرّوا بها وتصدّقوا رسولكم عليها.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {فعمّيت عليكم} بضمّ العين، وتشديد الميم، اعتبارًا منهم ذلك بقراءة عبد اللّه، وذلك أنّهما فيما ذكر في قراءة عبد اللّه: فعماها عليكم.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه: {فعمّيت عليكم} بضمّ العين وتشديد الميم للّذي ذكروا من العلّة لمن قرأ به، ولقربه من قوله: {أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني رحمةً من عنده} فأضاف الرّحمة إلى اللّه، فكذلك تعميته على الآخرين بالإضافة إليه أولى. وهذه الكلمة ممّا حوّلت العرب الفعل عن موضعه، وذلك أنّ الإنسان هو الّذي يعمى عن إبصار الحقّ، إذ يعمى عن إبصاره، والحقّ لا يوصف بالعمى إلاّ على الاستعمال الّذي قد جرى به الكلام، وهو في جوازه لاستعمال العرب إيّاه، نظير قولهم: دخل الخاتم في يدي، والخفّ في رجلي، ومعلومٌ أنّ الرّجل هي الّتي تدخل في الخفّ، والأصبع في الخاتم، ولكنّهم استعملوا ذلك كذلك لمّا كان معلومًا المراد فيه.
وقوله: {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} يقول: أنأخذكم بالدّخول في الإسلام وقد عمّاه اللّه عليكم، {لها كارهون} يقول: وأنتم لإلزامناكموها كارهون، يقول: لا نفعل ذلك، ولكن نكل أمركم إلى اللّه حتّى يكون هو الّذي يقضي في أمركم ما يرى ويشاء.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال نوحٌ: {يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي} قال: قد عرفتها وعرفت بها أمره، وأنّه لا إله إلاّ هو، {وآتاني رحمةً من عنده} الإسلام، والهدى، والإيمان، والحكم، والنّبوّة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي} الآية، أما واللّه لو استطاع نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لألزمها قومه، ولكن لم يستطع ذلك ولم يملكه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي قال، حدّثنا سفيان، عن داود، عن أبي العالية، قال: في قراءة أبيّ: أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، قال: أخبرنا عمرو بن دينارٍ، قال: قرأ ابن عبّاسٍ: أنلزمكموها من شطر أنفسنا قال عبد اللّه: من شطر أنفسنا: من تلقاء أنفسنا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: أنلزمكموها من شطر قلوبنا وأنتم لها كارهون). [جامع البيان: 12/381-384]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني رحمةً من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (28) ويا قوم لا أسألكم عليه مالًا إن أجري إلّا على اللّه وما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقو ربّهم ولكنّي أراكم قومًا تجهلون (29) ويا قوم من ينصرني من اللّه إن طردتهم أفلا تذكّرون (30) ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول إنّي ملكٌ ولا أقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم اللّه خيرًا اللّه أعلم بما في أنفسهم إنّي إذًا لمن الظّالمين (31)
قوله تعالى: أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ
- ذكر، عن يزيد بن هارون، عن جعفر بن سليمان، سمعت أبا عمران الجونيّ قرأ هذه الآية إن كنت على بيّنةٍ من ربّي قال: على ثقةٍ.
- وبإسناد عليّ بن المبارك، عن ابن جريجٍ قوله: أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي عرفته بها وعرفت بها أمره أن لا إله إلا هو.
قوله تعالى: فعمّيت عليكم إلى قوله كارهون
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي إلى قوله: أنلزمكموها وأنتم لها كارهون أما واللّه لو استطاع نبيّ اللّه لزمها قومه ولكنّه لم يملك تلك ولم يملكه.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن عمر، وقرأ بن عبّاسٍ فعمّيت عليكم أنلزمكموها من شطر أنفسنا). [تفسير القرآن العظيم: 6/2023]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {إن كنت على بينة من ربي} قال: قد عرفتها وعرفت بها أمره وأنه لا إله إلا هو {وآتاني رحمة من عنده} قال: الإسلام والهدى والإيمان والحكم والنبوة). [الدر المنثور: 8/36]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {أنلزمكموها} قال: أما والله لو استطاع نبي الله لألزمها قومه ولكنه لم يستطع ذلك ولم يملكه). [الدر المنثور: 8/36]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يقرأ أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون). [الدر المنثور: 8/36-37]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قرأ أنلزمكموها من شطر قلوبنا). [الدر المنثور: 8/37]
تفسير قوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجري إلاّ على اللّه وما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقو ربّهم ولكنّي أراكم قومًا تجهلون}.
وهذا أيضًا خبرٌ من اللّه عن قيل نوحٍ لقومه أنّه قال لهم: {يا قوم لا أسألكم} على نصيحتي لكم ودعايتكم إلى توحيد اللّه، وإخلاص العبادة له مالاً: أجرًا على ذلك، فتتّهموني في نصيحتي، وتظنّون أنّ فعليّ ذلك طلب عرضٍ من أعراض الدّنيا. {إن أجري إلاّ على اللّه} يقول: ما ثواب نصيحتي لكم ودعايتكم إلى ما أدعوكم إليه، إلاّ على اللّه، فإنّه هو الّذي يجازيني، ويثيبني عليه.
{وما أنا بطارد الّذين آمنوا} وما أنا بمقصٍ من آمن باللّه وأقرّ بوحدانيّته، وخلع الأوثان وتبرّأ منها بأن لم يكونوا من عليتكم وأشرافكم. {إنّهم ملاقو ربّهم} يقول: إنّ هؤلاء الّذين تسألوني طردهم، صائرون إلى اللّه، واللّه سائلهم عمّا كانوا في الدّنيا يعملون، لا عن شرفهم وحسبهم.
وكان قيل نوحٍ ذلك لقومه، لأنّ قومه قالوا له، كما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {وما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقو ربّهم} قال: قالوا له: يا نوح إن أحببت أن نتّبعك فاطردهم، وإلاّ فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواءً فقال: {وما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقو ربّهم} فيسألهم عن أعمالهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، جميعًا، عن مجاهدٍ، قوله: {إن أجري إلاّ على اللّه} قال: جزائي.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقوله: {ولكنّي أراكم قومًا تجهلون} يقول: ولكنّي أيّها القوم أراكم قومًا تجهلون الواجب عليكم من حقّ اللّه، واللاّزم لكم من فرائضه؛ ولذلك من جهلكم سألتموني أن أطرد الّذين آمنوا باللّه). [جامع البيان: 12/384-386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إن أجري إلا على اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: إن أجري: جزائي.
قوله تعالى: إنهم ملاقو ربّهم الآية
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، ثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قوله: إنهم ملاقوا ربّهم قال: الّذين شروا أنفسهم للّه وطمنوها على الموت). [تفسير القرآن العظيم: 6/2023]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن أجري إلا على الله يعني إن جزائي إلا على الله). [تفسير مجاهد: 2/302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إن أجري} قال: جزائي). [الدر المنثور: 8/37]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {وما أنا بطارد الذين آمنوا} قال: قالوا له: يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواء، وفي قوله {إنهم ملاقو ربهم} قال: فيسألهم عن أعمالهم {ولا أقول لكم عندي خزائن الله} التي لا يفنيها شيء فأكون إنما أدعوكم لتتبعوني عليها لأعطيكم منها بملكه أي عليها {ولا أعلم الغيب} لا أقول اتبعوني على علمي بالغيب {ولا أقول إني ملك} نزلت من السماء برسالة ? {ما أنا إلا بشر مثلكم}?). [الدر المنثور: 8/37]
تفسير قوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويا قوم من ينصرني من اللّه إن طردتهم أفلا تذكّرون}.
يقول: {ويا قوم من ينصرني} فيمنعني {من اللّه} إن هو عاقبني على طردي المؤمنين الموحّدين اللّه إن طردتهم. {أفلا تذكّرون} يقول: أفلا تتفكّرون فيما تقولون، فتعلمون خطأه فتنتهوا عنه). [جامع البيان: 12/386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ويا قوم من ينصرني من اللّه إن طردتهم
بياضٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/2023]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه ولا أعلم الغيب ولا أقول إنّي ملكٌ ولا أقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم اللّه خيرًا اللّه أعلم بما في أنفسهم إنّي إذًا لمن الظّالمين}.
وقوله: {ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه} عطف على قوله: {ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً} ومعنى الكلام: ويا قوم لا أسألكم عليه أجرًا، ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه الّتي لا يفنيها شيءٌ، فأدعوكم إلى اتّباعي عليها. {ولا أعلم} أيضًا {الغيب} يعني ما خفي من سرائر العباد، فإنّ ذلك لا يعلمه إلاّ اللّه، فأدّعي الرّبوبيّة، وأدعوكم إلى عبادتي. {ولا أقول} أيضًا {إنّي ملكٌ} من الملائكة أرسلت إليكم، فأكون كاذبًا في دعواي ذلك، بل أنا بشرٌ. مثلكم كما تقولون، أمرت بدعائكم إلى اللّه، وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم. {ولا أقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم اللّه خيرًا} يقول: ولا أقول للّذين اتّبعوني وآمنوا باللّه ووحّدوه الّذين تستحقرهم أعينكم، وقلتم إنّهم أراذلكم: لن يؤتيكم اللّه خيرًا، وذلك الإيمان باللّه.
{اللّه أعلم بما في أنفسهم} يقول: اللّه أعلم بضمائر صدورهم، واعتقاد قلوبهم، وهو وليّ أمرهم في ذلك، وإنّما لي منهم ما ظهر وبدا، وقد أظهروا الإيمان باللّه واتّبعوني، فلا أطردهم ولا أستحلّ ذلك. {إنّي إذًا لمن الظّالمين} يقول: إنّي إن قلت لهؤلاء الّذين أظهروا الإيمان باللّه وتصديقي: لن يؤتيهم اللّه خيرًا، وقضيت على سرائرهم، بخلاف ما أبدته ألسنتهم لي على غير علمٍ منّي بما في نفوسهم، وطردتهم بفعلي ذلك، لمن الفاعلين ما ليس لهم فعله المعتدين ما أمرهم اللّه به وذلك هو الظّلم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ولا أقول لكم عندي خزائن اللّه} الّتي لا يفنيها شيءٌ، فأكون إنّما أدعوكم لتتّبعوني عليها لأعطيكم منها. {ولا أقول إنّي ملكٌ} نزلت من السّماء برسالةٍ، ما أنا إلاّ بشرٌ مثلكم. {ولا أعلم الغيب} ولا أقول اتّبعوني على علم الغيب). [جامع البيان: 12/386-387]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا أقول لكم عندي خزائن الله إلى آخر الآية
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج، قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: ولا أقول للّذين تزدري أعينكم قال: حقرتموهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/2023]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {وما أنا بطارد الذين آمنوا} قال: قالوا له: يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأمر سواء، وفي قوله {إنهم ملاقو ربهم} قال: فيسألهم عن أعمالهم {ولا أقول لكم عندي خزائن الله} التي لا يفنيها شيء فأكون إنما أدعوكم لتتبعوني عليها لأعطيكم منها بملكه أي عليها {ولا أعلم الغيب} لا أقول اتبعوني على علمي بالغيب {ولا أقول إني ملك} نزلت من السماء برسالة ? {ما أنا إلا بشر مثلكم}?). [الدر المنثور: 8/37] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {ولا أقول للذين تزدري أعينكم} قال: حقرتموهم). [الدر المنثور: 8/37]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {لن يؤتيهم الله خيرا} قال: يعني إيمانا). [الدر المنثور: 8/38]