العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة هود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 12:59 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة هود [ من الآية (18) إلى الآية (24) ]

تفسير سورة هود
[ من الآية (18) إلى الآية (24) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 01:00 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا محمد بن يسار، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، قال: بينا أنا أمشي معه إذ جاءه رجل، فقال: يا ابن عمر، كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في النجوى؟ قال: سمعته يقول: يدنو المؤمن من ربه، حتى يضع عليه كنفه، أي يظله- يعني يستره- قال: فذكر صحيفته، فيقرره بذنوبه، هل تعرف؟ قال: يقول: رب، أعرف، هل تعرف؟ فيقول: رب، أعرف، حتى يبلغ ما شاء الله أن يبلغ، ثم يقول: إني سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، قال: وأما الكافر فيناديه على رؤوس الأشهاد، قال الله: {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} [سورة هود: 18] ). [الزهد لابن المبارك: 2/70]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة اللّه على الظّالمين} [هود: 18] «ويقول الأشهاد واحده، شاهدٌ مثل صاحبٍ وأصحابٍ»
- حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا يزيد بن زريعٍ، حدّثنا سعيدٌ، وهشامٌ، قالا: حدّثنا قتادة، عن صفوان بن محرزٍ، قال: بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجلٌ، فقال: يا أبا عبد الرّحمن - أو قال: يا ابن عمر - سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في النّجوى؟ فقال سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يدنى المؤمن من ربّه - وقال هشامٌ: يدنو المؤمن - حتّى يضع عليه كنفه فيقرّره بذنوبه، تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: ربّ أعرف مرّتين، فيقول: سترتها في الدّنيا، وأغفرها لك اليوم، ثمّ تطوى صحيفة حسناته، وأمّا الآخرون - أو الكفّار - فينادى على رءوس الأشهاد: {هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين} [هود: 18] " وقال شيبان: عن قتادة، حدّثنا صفوان). [صحيح البخاري: 6/74]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ويقول الأشهاد واحده شاهدٌ مثل صاحبٍ وأصحابٍ هو كلام أبي عبيدة أيضًا واختلف في المراد بهم هنا فقيل الأنبياء وقيل الملائكة أخرجه عبد بن حميدٍ عن مجاهدٍ وعن زيد بن أسلم الأنبياء والملائكة والمؤمنون وهذا أعمّ وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرّزّاق الخلائق وهذا أعم من الجميع). [فتح الباري: 8/352]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله تعالى ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا الآية ذكر فيه حديث بن عمر في النّجوى يوم القيامة وسيأتي شرحه في كتاب الأدب وقوله
[4685] حدثنا مسدّد حدثنا يزيد بن زريع لمسدد فيه إسناد آخر يأتي في الأدب وفي التّوحيد وهو أعلى من هذا رواه عنه مسدّد عن أبي عوانة عن قتادة وقوله في الإسناد حدثنا سعيد وهشام أما سعيد فهو بن أبي عروبة وأما هشام فهو بن عبد الله الدستوائي وصفوان بن محرز بالحاء المهملة والرّاء ثمّ الزّاي قوله وقال شيبان عن قتادة حدّثنا صفوان وصله بن مردويه من طريق شيبان وسيأتي بيان ذلك في كتاب التّوحيد إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/353]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
عقب حديث 4685 سعيد وهشام عن قتادة عن صفوان ابن محرز بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجل فقال يا أبا عبد الرّحمن أو قال يا ابن عمر هل سمعت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في النّجوى الحديث وقال شيبان عن قتادة ثنا صفوان سيأتي الكلام عليه في التّوحيد إن شاء الله). [تغليق التعليق: 4/226-227]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظّالمين واحد الأشهاد شاهد مثل صاحب وأصحاب) أشار به إلى قوله تعالى ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا الآية وأشار إلى أن الأشهاد جمع واحده شاهد مثل أصحاب واحده صاحب وقال زيد بن أسلم الأشهاد أربعة الأنبياء والملائكة عليهم السّلام والمؤمنون والأجناد وقال الضّحّاك الأنبياء والرسل عليهم السّلام وعن مجاهد الملائكة وعن قتادة الخلائق رواه ابن أبي حاتم). [عمدة القاري: 18/293]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين} (هود: 18)
- حدّثنا مسدّد حدثنا يزيد بن زريعٍ حدثنا سعيدٌ وهشامٌ قالا حدثنا قتادة عن صفوان بن محرزٍ قال بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجلٌ فقال يا أبا عبد الرّحمان أو قال يا ابن عمر هل سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم في النّجوى فقال سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول يدني المؤمن من ربّه. وقال هشامٌ يدنوا المؤمن حتّى يضع عليه كنفه فيقرّره بذنوبه تعرف ذنب كذا يقول أعرف يقول ربّ أعرف مرّتين فيقول سترتها في الدّنيا وأغفرها لك اليوم ثمّ تطوي صحيفة حسناته وأمّا الآخرون أو الكفّار فينادي على رؤوس الأشهاد هاؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم وقال شيبان عن قتادة حدّثنا صفوان.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ويزيد من الزّيادة ابن زريع مصغر زرع وسعيد هو ابن عروبة، وهشام ابن عبد الله الدستوائي، وصفوان بن محرز، بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الرّاء وبالزاي: المازني.
والحديث مضى في كتاب المظالم في: باب قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظّالمين} ومضى الكلام فهي هناك.
قوله: (في النّجوى) أي: المناجاة الّتي بين الله تعالى وبين المؤمنين، وإنّما أطلق النّجوى لمخاطبة الكفّار على رؤوس الأشهاد. قوله: (يدني المؤمن) على صيغة المجهول من الدنو، وهو القرب. قوله: (كنفه) بفتح النّون وهو الجانب والناحية، وهذا تمثيل لجعله تحت ظلّ رحمته يوم القيامة، وقال ابن الأثير: حتّى يضع عليه كنفه أي يستره، وقيل: يرحمه ويلطف به، والكنف والدنو كلاهما مجازان لاستحالة حقيقتهما على الله تعالى، والحديث من المتشابهات. قوله: (ثمّ تطوى) ويروى: ثمّ يعطى، قوله: (وأما الآخرون) بالمدّ وفتح الخاء وكسرها، ويروى بالقصر والكسر: فهم المدبرون المتأخّرون عن الخير. قوله: (أو الكفّار) شكّ من الرّاوي. قوله: (وقال شيبان) هو ابن عبد الرّحمن النّحويّ، وقد أخرج البخاريّ هذا الحديث أيضا في كتاب التّوحيد عن مسدّد عن أبي عوانة عن قتادة عن صفوان إلى آخره، ثمّ قال: وقال آدم: حدثنا شيبان حدثنا قتادة حدثنا صفوان عن ابن عمر: سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم، ووصله ابن مردويه من طريق شيبان). [عمدة القاري: 18/295]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({ويقول الأشهاد}) [هود: 18] قال أبو عبيدة (واحده شاهد مثل صاحب وأصحاب) وهذا ثابت هنا لأبي ذر فقط وسيأتي بعد إن شاء الله تعالى، والمراد بالأشهاد هنا الملائكة والنبيون والمؤمنون وعن قتادة الخلائق وهو أعم وقيل الجوارح). [إرشاد الساري: 7/169-170]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين} [هود: 18] واحد الأشهاد شاهدٌ مثل صاحبٍ وأصحابٍ
(باب قوله) عز وجل: ({ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}) [هود: 18]. وسقط لأبي ذر ({على ربهم}) الخ وقال الآية. (واحد الأشهاد) ولأبي ذر: واحدة الأشهاد (شاهد) بتاء التأنيث في الفرع والذي في اليونينية واحده بضم الدال والهاء شاهد (مثل صاحب وأصحاب) وقد ثبت ذكر هذا بلفظ: ويقول الأشهاد واحدها شاهد مثل صاحب وأصحاب في رواية أبي ذر في غير هذا الموضع قريبًا.
- حدّثنا مسدّدٌ حدّثنا يزيد بن زريعٍ، حدّثنا سعيدٌ، وهشامٌ قالا: حدّثنا قتادة عن صفوان بن محرزٍ قال: بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرّحمن، - أو قال يا ابن عمر - سمعت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- في النّجوى؟ فقال: سمعت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «يدنى المؤمن من ربّه وقال هشامٌ: «يدنو المؤمن - حتّى يضع عليه كنفه فيقرّره بذنوبه، تعرف ذنب كذا يقول أعرف ربّ يقول: أعرف مرّتين، فيقول: سترتها في الدّنيا وأغفرها لك اليوم، ثمّ تطوى صحيفة حسناته وأمّا الآخرون أو الكفّار فينادى على رءوس الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم». وقال شيبان عن قتادة حدّثنا صفوان.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (وهشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي (قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء آخره زاي أنه (قال: بينا) بغير ميم (ابن عمر) عبد الله (يطوف) بالكعبة (إذ عرض) له (رجل) لم يسم (فقال) له (يا أبا عبد الرحمن أو قال يا ابن عمر) وسقط لأبي ذر لفظ قال (هل سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- في النجوى؟) التي تكون في القيامة بين الله تعالى وبين المؤمنين (فقال): ولأبي ذر قال: (سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول):
(يدنى المؤمن من ربه) بضم الياء وفتح النون من يدني مبنيًا للمفعول أي يقرب منه.
(وقال هشام) الدستوائي: (يدنو المؤمن) بفتح الياء وضم النون أي يقرب من ربه (حتى يضع عليه) ربه (كنفه) بنون مفتوحة أي جانبه والدنو والكنف مجازان والمراد الستر والرحمة (فيقرره بذنوبه) ولأبي ذر فيقرره بنصب الراء يقول له (تعرف ذنب كذا؟ يقول) العبد (أعرف رب يقول أعرف مرتين) بحذف أداة النداء من الأولى وهي المنادى في الثانية (فيقول) الله جل وعلا (سترتها)
أي عليك (في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته) بضم التاء الفوقية وفتح الواو مبنيًا للمفعول من الطيّ ولأبي ذر عن الكشميهني ثم يعطى من الإعطاء مبنيًا للمفعول صحيفة نصب على المفعولية أي يعطى هو صحيفة حسناته (وأما الآخرون) بالمد وفتح الخاء المعجمة (والكفار) بالشك من الراوي (فينادى) بالتحتية وفتح الدال (على رؤوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا ربهم) زاد أبو ذر: ألا لعنة الله على الظالمين، وهذا وعيد شديد.
(وقال شيبان) بن عبد الرحمن النحوي مما وصله ابن مردويه (عن قتادة حدّثنا صفوان) أي عن ابن عمر.
وهذا الحديث سبق في المظالم). [إرشاد الساري: 7/171-172]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين}.
يقول تعالى ذكره: وأيّ النّاس أشدّ تعذيبًا ممّن اختلق على اللّه كذبًا فكذب عليه أولئك يعرضون على ربّهم، ويقول الأشهاد: هؤلاء الّذين يكذبون على ربّهم يعرضون يوم القيامة على ربّهم، فيسألهم عمّا كانوا في دار الدّنيا يعملون.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا} قال: الكافر والمنافق {أولئك يعرضون على ربّهم} فيسألهم عن أعمالهم.
وقوله: {ويقول الأشهاد} يعني الملائكة والأنبياء الّذين شهدوهم وحفظوا عليهم ما كانوا يعملون، وهم جمع شاهدٍ، مثل الأصحاب الّذي هو جمع صاحبٍ؛ {هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم} يقول: شهد هؤلاء الأشهاد في الآخرة على هؤلاء المفترين على اللّه في الدّنيا، فيقولون: هؤلاء الّذين كذبوا في الدّنيا على ربّهم. يقول اللّه: {ألا لعنة اللّه على الظّالمين} يقول: ألا غضب اللّه على المعتدين. الّذين كفروا بربّهم.
وبنحو ما قلنا في قوله {ويقول الأشهاد} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا نمير بن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ويقول الأشهاد} قال: الملائكة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: الملائكة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ويقول الأشهاد} والأشهاد: الملائكة، يشهدون على بني آدم بأعمالهم.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {الأشهاد} قال: الخلائق، أو قال: الملائكة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، بنحوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ويقول الأشهاد} الّذين كان يحفظون أعمالهم عليهم في الدّنيا {هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم} حفظوه وشهدوا به عليهم يوم القيامة قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: الأشهاد: الملائكة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله: {ويقول الأشهاد} قال: الملائكة.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ويقول الأشهاد} يعني الأنبياء والرّسل، وهو قوله: {ويوم نبعث في كلّ أمّةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} [النحل] قال: وقوله: {ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم} يقولون: يا ربّنا أتيناهم بالحقّ فكذّبوا، فنحن نشهد عليهم أنّهم كذبوا عليك يا ربّنا.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، وهشامٍ، عن قتادة، عن صفوان بن محرزٍ المازنيّ، قال: بينا نحن بالبيت مع عبد اللّه بن عمر، وهو يطوف، إذ عرض له رجلٌ، فقال: يا ابن عمر ما سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في النّجوى؟ فقال: سمعت نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: يدنو المؤمن من ربّه حتّى يضع عليه كنفه فيقرّره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: ربّ أعرف. مرّتين. حتّى إذا بلغ به ما شاء اللّه أن يبلغ قال: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم قال: فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه. وأمّا الكفّار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الأشهاد: ألا هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن صفوان بن محرزٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: كنّا نحدّث أنّه لا يخزى يومئذٍ أحدٌ فيخفى خزيه على أحدٍ ممّن خلق اللّه أو الخلائق). [جامع البيان: 12/366-369]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين (18)
قوله تعالى: ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، ثنا حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قال النّضر وهو من بني عبد الدّار: إذ كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزّى فأنزل اللّه تعالى: ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا.
- وبإسناد عليّ بن المبارك، عن ابن جريجٍ ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا قال: هم الكفّار والمنافقون.
قوله تعالى: أولئك يعرضون على ربّهم
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا خالد بن الحارث، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن صفوان بن محرزٍ قال: قيل لعبد اللّه بن عمر، كيف سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يذكر في النّجوى؟ فقال: سمعته يقول: يدنو المؤمن من ربّه عزّ وجلّ يوم القيامة حتّى يضع عليه كنفه ثمّ يقرئه بذنوبه هل تعرف؟ فيقول: يا ربّ أعرف حتّى إذا بلغ منه ما شاء أن يبلغ يقول له تبارك وتعالى: فإنّي سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفر لك اليوم قال ثمّ يعطى صحيفة حسابه أو قال: كتابه بيمينه وأمّا الكافر والمنافق فينادى على رءوس الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين
وبإسناد عليّ بن المبارك، عن ابن جريجٍ في قوله عزّ وجلّ: أولئك يعرضون على ربّهم فيسألهم، عن أعمالهم.
قوله تعالى: ويقول الأشهاد
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد بن لهيعة، عن زيد بن أسلم يعني قوله: ويقول الأشهاد قال الأشهاد أربعةٌ: الأنبياء والملائكة والمؤمنون والأجساد.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك قوله: ويقول الأشهاد يعني: الأنبياء والرّسل.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ يقول الأشهاد قال: هؤلاء الملائكة يشهدون على بني آدم بأعمالهم.
قوله تعالى: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم
- وحدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النحوي، عن عبيد ابن سليمان، عن الضّحّاك قوله: ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم يقولون: يا ربّنا أتيناهم بالحقّ، فكذّبوا فنحن نشهد أنّهم كذبوا عليك يا ربّنا.
قوله تعالى: ألا لعنة اللّه على الظّالمين
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يونس بن بكيرٍ، ثنا محمّد بن إسحاق، ثنا عبد اللّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، عن أبيه قال: هذا كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عندنا الّذي كتبه لعمرو بن حزمٍ حين بعثه إلى اليمن فقال: إنّ اللّه كره الظّلم، ونهى، عنه وقال: ألا لعنة اللّه على الظّالمين.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم قال: لعن بعض هؤلاء الجبابرة الحجّاج أو غيره فقال: ألا لعنة اللّه على الظّالمين.
- حدّثنا أبي، ثنا صالح بن عبيد اللّه الهاشميّ، ثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران قال: إنّ الرّجل ليصلّي ويلعن نفسه في قراءته فيقول: ألا لعنة اللّه على الظّالمين وإنّه لظالمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/2016-2017]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ويقول الأشهاد قال الأشهاد الملائكة). [تفسير مجاهد: 2/302]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم} [هود: 18].
- عن سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عمر: حدّثني حديثًا سمعته من رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: «يأتي اللّه بالعبد يوم القيامة حتّى يجعله في حجابه فيقول له: اقرأ صحيفتك، فيقرأ ويقرّره بذنبٍ ذنبٍ، ويقول: أتعرف؟ أتعرف؟ فيقول: نعم يا ربّ، فيقرأ، فيلتفت يمنةً ويسرةً، فيقول: لا بأس عليك يا عبدي، إنّك في ستري، ليس بيني وبينك أن يطّلع على ذنوبك غيري، اذهب فقد غفرتها لك. فيقال له: ادخل الجنّة. وأمّا الكافر فيقال على رؤوس الأشهاد: {هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين} [هود: 18]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه القاسم بن بهرامٍ، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/37]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 18.
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أبي جريج في قوله {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} قال: الكافر والمنافق {أولئك يعرضون على ربهم} فيسألهم عن أعمالهم {ويقول الأشهاد} الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} حفظوه شهدوا به عليهم يوم القيامة). [الدر المنثور: 8/32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {ويقول الأشهاد} قال: الملائكة). [الدر المنثور: 8/32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال {الأشهاد} الملائكة يشهدون على بني آدم بأعمالهم). [الدر المنثور: 8/32]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يدني المؤمن حتى يضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول: أي رب أعرف، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكفار والمنافقون {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}). [الدر المنثور: 8/32-33]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني وأبو الشيخ من وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي الله بالمؤمن يوم القيامة فيقربه منه حتى يجعله في حجابه من جميع الخلق فيقول له: اقرأه، فيعرفه ذنبا ذنبا فيقول: أتعرف أتعرف فيقول: نعم نعم، فيلتفت العبد يمنة ويسرة فيقول له الرب: لا بأس عليك يا عبدي أنت كنت في ستري من جميع خلقي وليس بيني وبينك اليوم من يطلع على ذنوبك اذهب فقد غفرتها لك بحرف واحد من جميع ما أتيتني به، فيقول: يا رب ما هو قال: كنت لا ترجو العفو من أحد غيري فهانت علي ذنوبك وأما الكافر فيقرأ ذنوبه على رؤوس الأشهاد {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}). [الدر المنثور: 8/33]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن قتادة رضي الله عنه قال: كنا نحدث أنه لا يخزى يومئذ أحد فيخفي خزيه على أحد من الخلائق). [الدر المنثور: 8/33]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رضي الله عنه قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن فقال: إن الله كره الظلم ونهى عنه وقال {ألا لعنة الله على الظالمين}). [الدر المنثور: 8/33-34]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال: إن الرجل ليصلي ويلعن نفسه في قراءته فيقول {ألا لعنة الله على الظالمين} وإنه لظالم). [الدر المنثور: 8/34]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون}.
يقول تعالى ذكره: ألا لعنة اللّه على الظّالمين الّذين يصدّون النّاس، عن الإيمان به، والإقرار له بالعبودة، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد من مشركي قريشٍ، وهم الّذين كانوا يفتنون عن الإسلام من دخل فيه. {ويبغونها عوجًا} يقول: ويلتمسون سبيل اللّه وهو الإسلام الّذي دعا النّاس إليه محمّدٌ، يقول: زيغًا وميلاً عن الاستقامة. {وهم بالآخرة هم كافرون} يقول: وهم بالبعث بعد الممات مع صدّهم عن سبيل اللّه، وبغيهم إيّاها عوجًا كافرون، يقول: هم جاحدون ذلك منكرون). [جامع البيان: 12/369]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون (19)
قوله تعالى: الّذين يصدّون عن سبيل اللّه
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر ابن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: الّذين يصدّون، عن سبيل اللّه قال: هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم صدّت قريشٌ، عنه النّاس.
قوله: عن سبيل اللّه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قوله: يصدّون، عن سبيل اللّه قال: عن دين اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن ابن مالكٍ قوله: ويبغونها عوجًا يعني: يرجون بمكّة غير الإسلام دينًا.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: يبغونها عوجًا: كانوا إذا سألهم أحدٌ هل تجدون محمّداً: قالوا لا فصدّوا، عنه النّاس وبغوا محمّدًا عوجًا هلاكًا.
قوله تعالى: وهم بالآخرة هم كافرون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: وهم بالآخرة هم كافرون قال: لا يؤمنون بها). [تفسير القرآن العظيم: 6/2017-2018]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 19.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {الذين يصدون عن سبيل الله} هو محمد صلى الله عليه وسلم صدت قريش عنه الناس). [الدر المنثور: 8/34]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله {ويبغونها عوجا} يعني يرجون بمكة غير الإسلام دينا). [الدر المنثور: 8/34]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون قال ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرا فينتفعوا به ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به). [تفسير عبد الرزاق: 1/304]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون}.
يعني جلّ ذكره بقوله: {أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض} هؤلاء الّذين وصف جلّ ثناؤه أنّهم يصدّون عن سبيل اللّه، يقول جلّ ثناؤه: إنّهم لم يكونوا بالّذين يعجزون ربّهم بهربهم منه في الأرض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم، ولكنّهم في قبضته وملكه، لا يمتنعون منه إذا أرادهم، ولا يفوتونه هربًا إذا طلبهم. {وما كان لهم من دون اللّه من أولياء} يقول: ولم يكن لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابهم من دون اللّه أنصارٌ ينصرونهم من اللّه، ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذّبهم، وقد كانت لهم في الدّنيا منعةٌ يمتنعون بها ممّن أرادهم من النّاس بسوءٍ.
وقوله: {يضاعف لهم العذاب} يقول تعالى ذكره: يزاد في عذابهم، فيجعل لهم مكان الواحد اثنان.
وقوله: {ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون} فإنّه اختلف في تأويله.
فقال بعضهم: ذلك وصف اللّه به هؤلاء المشركين أنّه قد ختم على سمعهم وأبصارهم، وأنّهم لا يسمعون الحقّ، ولا يبصرون حجج اللّه سماع منتفعٍ، ولا إبصار مهتدٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون} صمٌّ عن الحقّ فما يسمعونه، بكمٌ فما ينطقون به، عميٌ فلا يبصرونه، ولا ينتفعون به.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون} قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خبرًا فينتفعوا به، ولا يبصروا خيرًا فيأخذوا به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أخبر اللّه، سبحانه أنّه حال بين أهل الشّرك، وبين طاعته في الدّنيا والآخرة. أمّا في الدّنيا فإنّه قال: {ما كانوا يستطيعون السّمع} وهي طاعته، {وما كانوا يبصرون} وأمّا في الآخرة فإنّه قال: {فلا يستطيعون خاشعةً}.
وقال آخرون: إنّما عنى بقوله: {وما كان لهم من دون اللّه من أولياء} آلهةٍ، الّذين يصدّون عن سبيل اللّه. وقالوا: معنى الكلام: أولئك وآلهتهم لم يكونوا معجزين في الأرض، {يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون} يعني الآلهة أنّها لم يكن لها سمعٌ ولا بصرٌ. هذا قولٌ روي عن ابن عبّاسٍ من وجهٍ كرهت ذكره لضعف سنده.
وقال آخرون: معنى ذلك: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السّمع، ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون، ولا يتأمّلون حجج اللّه بأعينهم، فيعتبروا بها. قالوا: والباء كان ينبغي لها أن تدخل، لأنّه قد قال: {ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون} بكذبهم في غير موضعٍ من التّنزيل أدخلت فيه الباء، وسقوطها جائزٌ في الكلام كقولك في الكلام: لأجزينّك ما عملت وبما عملت، وهذا قولٌ قاله بعض أهل العربيّة.
والصّواب من القول في ذلك عندنا ما قاله ابن عبّاسٍ وقتادة، من أنّ اللّه وصفهم تعالى ذكره، بأنّهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحقّ سماع منتفعٍ، ولا يبصرونه إبصار مهتدٍ، لاشتغالهم بالكفر الّذي كانوا عليه مقيمين، عن استعمال جوارحهم في طاعة اللّه، وقد كانت لهم أسماعٌ وأبصارٌ). [جامع البيان: 12/369-372]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون (20)
قوله تعالى: أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض الآية
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: معجزين قال: مسابقين.
قوله تعالى: يضاعف لهم العذاب
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس، ثنا يزيد قال: سمعت سعيدًا، عن قتادة قوله: يضاعف لهم العذاب أي: عذاب الدّنيا والآخرة.
قوله تعالى: ما كانوا يستطيعون السّمع
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قوله: ما كانوا يستطيعون السّمع يقول: صمٌ، عن الحقّ فلا يسمعونه.
قوله تعالى: وما كانوا يبصرون
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرًا فينتفعوا به ولا يبصروا خيرًا فيأخذوا به). [تفسير القرآن العظيم: 6/2018-2019]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 20.
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإنه قال: ما كانوا يستطيعون السمع وفي طاعته وما كانوا يبصرون وأما في الآخرة فإنه قال: لا يستطيعون خاشعة). [الدر المنثور: 8/34]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرا فينتفعوا به ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به). [الدر المنثور: 8/34-35]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين هذه صفتهم، هم الّذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة اللّه.
{وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} وبطل كذبهم وإفكهم وفريتهم على اللّه، بادّعائهم له شركاء، فسلك ما كانوا يدعونه إلهًا من دون اللّه غير مسلكهم، وأخذ طريقًا غير طريقهم، فضلّ عنهم، لأنّه سلك بهم إلى جهنّم، وصارت آلهتهم عدمًا لا شيء، لأنّها كانت في الدّنيا حجارةً أو خشبًا أو نحاسًا، أو كان للّه وليًّا، فسلك به إلى الجنّة، وذلك أيضًا غير مسلكهم، وذلك أيضًا ضلالٌ عنهم). [جامع البيان: 12/372-373]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (21) لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون (22) إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وأخبتوا إلى ربّهم أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (23)
قوله تعالى: أولئك الّذين خسروا أنفسهم
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله عزّ وجلّ: أولئك الّذين خسروا أنفسهم
قال غبنوا أنفسهم.
قوله تعالى: وضلّ عنهم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: وضلّ عنهم
قال في القيامة.
قوله تعالى: ما كانوا يفترون
[الوجه الأول]
- وبه، عن ابن عبّاسٍ ما كانوا يفترون: ما كانوا يكذبون في الدّنيا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: ما كانوا يفترون
أي يشركون). [تفسير القرآن العظيم: 6/2019]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 21 - 22.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه {أولئك الذين خسروا أنفسهم} قال: غبنوا أنفسهم). [الدر المنثور: 8/35]

تفسير قوله تعالى: (لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({لا جرم} [هود: 22] : «بلى» ). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لا جرم بلى وصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله لا جرم أنّ اللّه قال أي بلى إنّ اللّه يعلم وقال الطّبريّ معنى جرم أي كسب الذّنب ثمّ كثر استعماله في موضعٍ لا بدّ كقولهم لا جرم أنّك ذاهبٌ وفي موضعٍ حقًّا كقولك لا جرم لتقومنّ). [فتح الباري: 8/349]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لا جرم بلى
أشار به إلى قوله تعالى: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} (هود: 22) وفسره بقوله: بل قال بعضهم: وصله ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله: لا جرم إن الله يعلم قال: أي: بلى أن الله يعلم. قلت: الّذي ذكره البخاريّ في هذه السّورة. أعني سورة هود. الّذي نقله ليس في سورة هود، وإنّما هو في سورة النّحل، وكان المناسب أن يذكر ما في سورة هود لأنّه في صدد تفسير سورة هود وإن كان المعنى في الموضعين سواء، والعم أن الفراء قال: لا جرم، كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فجرت على ذلك وكثرت حتّى تحولت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقًا، فلذلك يجاب عنه بالام، كما يجاب بها عن القسم. ألا تراهم يقولون: لا جرم لآتينك، ويقال: جرم، فعل عند البصريين واسم عند الكوفيّين، فإذا كان اسما يكون بمعنى حقًا ومعنى الآية. حقًا إنّهم في الآخرة هم الأخسرون، وعلى قول البصريين لا رد لقول الكفّار: وجرم معناه عندهم كسب. أي: كسب كفرهم الخسارة في الآخرة). [عمدة القاري: 18/287]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: ({لا جرم}) أي (بلى) أي حقًّا أنهم في الآخرة هم الأخسرون). [إرشاد الساري: 7/167]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({لا جرم}) أي (بلى) ). [إرشاد الساري: 7/167]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون}.
يقول تعالى ذكره: حقًّا أنّ هؤلاء القوم الّذين هذه صفتهم في الدّنيا في الآخرة هم الأخسرون، الّذين قد باعوا منازلهم من الجنان بمنازل أهل الجنّة من النّار؛ وذلك هو الخسران المبين. وقد بيّنّا فيما مضى أنّ معنى قولهم، جرمت: كسبت الذّنب، وأجرمته، أنّ العرب كثر استعمالها إيّاه في مواضع الأيمان، وفي مواضع لا بدّ كقولهم: لا جرم أنّك ذاهبٌ، بمعنى: لا بدّ، حتّى استعملوا ذلك في مواضع التّحقيق فقالوا: لا جرم ليقومنّ، بمعنى: حقًّا ليقومنّ، فمعنى الكلام: لا منع عن أنّهم، ولا صدّ عن أنّهم). [جامع البيان: 12/373]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، ثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: لا جرم يقول: بلى). [تفسير القرآن العظيم: 6/2019]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وأخبتوا إلى ربهم قال الإخبات التخشع والتواضع). [تفسير عبد الرزاق: 1/304]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وأخبتوا إلى ربّهم أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين صدقوا اللّه ورسوله وعملوا في الدّنيا بطاعة اللّه وأخبتوا إلى ربّهم.
واختلف أهل التّأويل في معنى الإخبات، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنابوا إلى ربّهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وأخبتوا إلى ربّهم} قال: الإخبات: الإنابة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأخبتوا إلى ربّهم} يقول: وأنابوا إلى ربّهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: وخافوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وأخبتوا إلى ربّهم} يقول: خافوا.
وقال آخرون: معناه: اطمأنّوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وأخبتوا إلى ربّهم} قال: اطمأنّوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك: خشعوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٌ، عن قتادة: {وأخبتوا إلى ربّهم} الإخبات: التّخشّع والتّواضع.
قال أبو جعفرٍ: وهذه الأقوال متقاربة المعاني، وإن اختلفت ألفاظها؛ لأنّ الإنابة إلى اللّه من خوف اللّه، ومن الخشوع والتّواضع للّه بالطّاعة، والطّمأنينة إليه من الخشوع له، غير أنّ نفس الإخبات عند العرب الخشوع والتّواضع. وقال: {إلى ربّهم} ومعناه: أخبتوا لربّهم، وذلك أنّ العرب تضع اللاّم موضع إلى وإلى موضع اللاّم كثيرًا، كما قال تعالى: {بأنّ ربّك أوحى لها} بمعنى: أوحى إليها. وقد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك؛ لأنّهم وصفوا بأنّهم عمدوا بإخباتهم إلى اللّه.
وقوله: {أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون} يقول: هؤلاء الّذين هذه صفتهم، هم سكّان الجنّة الّذين لا يخرجون عنها، ولا يموتون فيها، ولكنّهم فيها لابثون إلى غير نهايةٍ). [جامع البيان: 12/373-376]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وأخبتوا إلى ربّهم
[الوجه الأول]
- وبه، عن ابن عبّاسٍ قوله: وأخبتوا يقول: خافوا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: وأخبتوا إلى ربّهم قال: اطمأنوا.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: أخبتوا إلى ربّهم يقول وأنابوا إلى ربّهم.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، وأخبتوا قال: الإخبات: الخشوع والتّواضع.
قوله تعالى: أولئك أصحاب الجنّة
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق، ثنا محمّد بن أبي محمّدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: أولئك أصحاب الجنّة أي من آمن بما كفرتم وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنّة خالدين فيها.
قوله تعالى: هم فيها خالدون
- وبه، عن ابن عبّاسٍ هم فيها خالدون: فلهم الجنّة خالدين فيها يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والسّيئ مقيمٌ على أهله أبدًا لا انقطاع له). [تفسير القرآن العظيم: 6/2019-2020]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأخبتوا إلى ربهم يقول اطمأنوا). [تفسير مجاهد: 2/302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 23.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وأخبتوا} قال: خافوا). [الدر المنثور: 8/35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الإخبات الإنابة). [الدر المنثور: 8/35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: الإخبات الخشوع والتواضع). [الدر المنثور: 8/35]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه {وأخبتوا إلى ربهم} قال: اطمأنوا إلى ربهم). [الدر المنثور: 8/35]

تفسير قوله تعالى: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلاً أفلا تذكّرون}.
يقول تعالى ذكره: مثل فريقي الكفر والإيمان، كمثل الأعمى الّذي لا يرى بعينه شيئًا، والأصمّ الّذي لا يسمع شيئًا؛ فكذلك فريق الكفر لا يبصر الحقّ، فيتبعه ويعمل به؛ لشغله بكفره باللّه، وغلبة خذلان اللّه عليه، لا يسمع داعي اللّه إلى الرّشاد، فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به، فهو مقيمٌ في ضلالته، يتردّد في حيرته. والسّميع والبصير، فكذلك فريق الإيمان أبصر حجج اللّه، وأقرّ بما دلّت عليه من توحيد اللّه، والبراءة من الآلهة والأنداد ونبوّة الأنبياء عليهم السّلام وسمع داعي اللّه فأجابه، وعمل بطاعة اللّه.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع} قال: الأعمى والأصمّ: الكافر، والبصير والسّميع: المؤمن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع} الفريقان الكافران، والمؤمنان، فأمّا الأعمى والأصمّ فالكافران، وأمّا البصير والسّميع فهما المؤمنان.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع} الآية، هذا مثلٌ ضربه اللّه للكافر والمؤمن، فأمّا الكافر فصمّ عن الحقّ، فلا يسمعه، وعمي عنه فلا يبصره. وأمّا المؤمن فسمع الحقّ، فانتفع به وأبصره فوعاه وحفظه وعمل به.
يقول تعالى: {هل يستويان مثلاً} يقول: هل يستوي هذان الفريقان على اختلاف حالتيهما في أنفسهما عندكم أيّها النّاس؟ فإنّهما لا يستويان عندكم، فكذلك حال الكافر والمؤمن لا يستويان عند اللّه. {أفلا تذكّرون} يقول جلّ ثناؤه: أفلا تعتبرون أيّها النّاس، وتتفكّرون، فتعلموا حقيقة اختلاف أمريهما، فتنزجروا عمّا أنتم عليه من الضّلال إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان؟ فالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع في اللّفظ أربعةٌ، وفي المعنى اثنان، ولذلك قيل: {هل يستويان مثلاً} وقيل: كالأعمى والأصمّ، والمعنى: كالأعمى الأصمّ، وكذلك قيل، والبصير والسّميع، والمعنى: البصير السّميع، كقول القائل: قام الظّريف والعاقل، وهو ينعت بذلك شخصًا واحدًا). [جامع البيان: 12/376-377]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلًا أفلا تذكّرون (24)
قوله تعالى: مثل الفريقين
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم قال: ثمّ ذكر محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأ فيما بينه وبين خالقه فقرأ: مثل الفريقين الآية كلّها.
- حدّثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: مثل الفريقين: هذا مثلٌ ضربه اللّه للكافر والمؤمن.
قوله تعالى: كالأعمى والأصمّ
- وبه، عن قتادة، قوله: مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ هذا مثلٌ ضربه للكافر والمؤمن أمّا الكافر فأصمٌ، عن الحقّ، فلا يسمع ولا يبصر ولا يعقل ولا ينتفع به.
قوله تعالى: والبصير والسّميع
وبه، عن قتادة، قوله: والبصير والسّميع أمّا المؤمن فسمع الحقّ فانتفع به ووعاه وحفظه.
قوله تعالى: هل يستويان مثلا أفلا تذكّرون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة، ثنا عطاء بين دينارٍ، عن سعيد، بن جبيرٍ قال: لا يستوي في الفضل). [تفسير القرآن العظيم: 6/2020-2021]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 24
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {مثل الفريقين كالأعمى والأصم} قال: الكافر {والبصير والسميع} قال: المؤمن). [الدر المنثور: 8/36]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 01:03 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويقول الأشهاد} واحدهم شاهد بمنزلة صاحب والجميع أصحاب، ويقول: بعضهم شهيد في معنى شاهد بمنزلة شريف والجميع أشراف.
{ألا لعنة الله على الظّالمين} مجازه: لعنة الله، وألا إيجاب وتوكيد وتنبيه). [مجاز القرآن: 1/286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبا أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين}
الأشهاد هم الأنبياء والمؤمنون، وقال أولئك يعرضون على ربّهم.
والخلق كلهم يعرضون على ربهم، كما قال جلّ ثناؤه: (إلينا مرجعهم) {إلينا يرجعون} فذكر عرضهم على ربهم توكيدا لحالهم في الانتقام منهم.
وقوله: (ألا لعنة اللّه على الظّالمين) لعنة الله إبعاده من يلعنه من عفوه ورحمته). [معاني القرآن: 3/44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم}
قال الضحاك الأشهاد الأنبياء والمرسلون قال الله جل وعز: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}
وقال مجاهد الأشهاد الملائكة
وقال سفيان سألت الأعمش عن الأشهاد فقال هم الملائكة). [معاني القرآن: 3/339]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون}
أي: يصدّون عن طريق الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يريدون ردّ السبيل التي هي الإيمان والاستواء إلى الكفر والاعوجاج عن القصد.
{وهم بالآخرة هم كافرون} ذكرت هم ثانية على جهة التوكيد لتشأنهم في الكفر). [معاني القرآن: 3/45-44]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان لهم مّن دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب...}
ثم رءوس الكفرة الذين يضلّون. وقوله: {ما كانوا يستطيعون السّمع} على وجهين. فسّره بعض المفسّرين: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السّمع ولا يفعلون.
فالباء حينئذ كان ينبغي لها أن تدخل، لأنه قال: {ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون} في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه الباء، وسقوطها جائز كقولك في الكلام:
بأحسن ما كانوا يعملون وأحسن ما كانوا يعملون. وتقول في الكلام: لأجزينّك بما عملت، وما عملت. ويقال: ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون:
أي أضلّهم الله عن ذلك في اللوح المحفوظ). [معاني القرآن: 2/8]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون}
أي اللّه لا يعجزه انتقام من دار الدنيا، ولا وليّ يمنع من انتقام الله لمن أراد به النقمة، ثم استأنف فقال: {يضاعف لهم العذاب}.
فوصف مضاعفة العذاب على قدر ما وصف من عظم كفرهم بنبيه - صلى الله عليه وسلم - وبالبعث والنشور.
(ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون) أي من شدة كفرهم وعداوتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيعون أن يسمعوا ما يقول.
ثم بيّن - جلّ وعزّ - ضرر ذلك عليهم فقال: (أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}. [معاني القرآن: 3/45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} [معاني القرآن: 3/339]
قال قتادة ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خبرا فينتفعوا به ولا يبصرون خيرا فيأخذوا به
وحكى الفراء عن بعض المفسرين أن المعنى يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يعقلون
وذهب إلى أن هذا مثل قولهم جزيته فعله وبفعله
ومن أحسن ما قيل فيه وهو معنى قول ابن عباس إن المعنى لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع ولا يبصرونه بصر مهتد لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين
وقد روي عنه ما كانوا يستطيعون السمع يعني الآلهة). [معاني القرآن: 3/340]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم بيّن - جلّ وعزّ - ضرر ذلك عليهم فقال:{أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}). [معاني القرآن: 3/45] (م)

تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا جرم أنّهم...}
كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بدّ أنّك قائم ولا محالة أنّك ذاهب، فجرت على ذلك، وكثر استعمالهم إيّاها، حتّى صارت بمنزلة حقّا؛ ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك،
لا جرم قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسّرون بمعنى الحقّ. وأصلها من جرمت، أي: كسبت الذنب وجرّمته. وليس قول من قال إنّ جرمت كقولك: حققت أو حققت بشيء وإنما لبّس على قائله قول الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنةً = جرمت فزارة بعدها أن تغضبا
فرفعوا (فزارة) قالوا: نجعل الفعل لفزارة كأنه بمنزلة حقّ لها أو حقّ لها أن تغضب وفزارة منصوبة في قول الفراء أي جرمتهم الطعنة أن يغضبوا.
ولكثرتها في الكلام حذفت منها الميم فبنو فزارة يقولون: لا جر أنك قائم. وتوصل من أوّلها بذا، أنشدني بعض بني كلاب:
إن كلاباً والدي لاذا جرم = لأهدرنّ اليوم هدراً صادقا
* هدر المعنّى ذي الشقاشيق اللهم *
وموضع أن مرفوع كقوله:
أحقّا عباد الله جرأة محلقٍ عليّ وقد أعييت عاد وتبّعا).
[معاني القرآن: 2/9-8]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {لا جرم أن لهم النار} كان ابن عباس يقول: لا جرم أي حقا حقًا، وقالوا في اللغة: لا ذا جرم، ولا عن ذا جرم يا هذا.
وقال ناس من فزارة: لا جر أنه؛ فحذفوا الميم، كما قالوا: سو ترى؛ يريد سوف ترى؛ وهذا كقولهم: أيم الله، وقالوا: وم الله؛ وهذا كثير.
وقال بعضهم: "لا جرم إنه" بكسر الألف؛ كأنه قال: حقًا، ثم ابتدأ فقال: إنه؛ وهو ضعيف.
وقال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة = جرمت فزارة بعدها أن تغضبا
وعلى هذا: جرمت أن أفعل؛ أي حق لي؛ فدل على أن جرم فعل بتاء التأنيث في التأنيث.
وقال الآخر:
[معاني القرآن لقطرب: 685]
ونبئت أن مسعود بن قيس يسبني = وهل عرضه إلا كأعراضنا جرم
فأسكن الراء؛ أي حق؛ فكأنه يصير المصدر من: لا جرم). [معاني القرآن لقطرب: 686]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا جرم} حقا). [تفسير غريب القرآن: 202]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (لا جَرَمَ) قالَ الفرَّاء: هي بمنزلةِ لا بُدَّ ولا مَحَالةَ، ثمَّ كَثُرَت في الكلام حتى صارت بمنزلة حقًّا.
وأصلها من جَرَمْتُ: أي كَسَبْتُ.
وقال في قول الشاعر:
ولقد طعنتُ أبا عيينةَ طعنةً = جَرَمَتْ فَزَارَةُ بعدَها أَن يَغْضَبُوا
أي: كَسَبْتُهُمُ الغَضَبَ أَبَدًا.
قال: وليس قول من قال: (حُقَّ لِفَزَارَةَ الغَضَبُ) بِشيء.
ويقال: فلان جَارِمُ أَهْلِهِ، أَي كاسبُهُم وَجَرِيمَتُهُم.
ولا أحسبُ الذَّنبَ سُمِّيَ جُرْمًا إِلاَّ مِن هَذَا: لأَنَّهُ كَسْبٌ واقترِافٌ). [تأويل مشكل القرآن: 551-550] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون}
قال المفسرون: المعنى جزاء حقا، أنهم في الآخرة هم الأخسرون
وزعم سيبويه أن جرم بمعنى حق.
قال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة= جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
معناه أحقّت فزارة الطعنة بالغضب.
ومعنى " لا " نفي لما ظنّوا أنّه ينفعهم، كأن المعنى لا ينفعهم ذلك جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون، أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران). [معاني القرآن: 3/45-46]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لاَ جَرَمَ} حقا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 106]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأخبتوا إلى ربّهم...}
معناه: تخشّعوا لربّهم وإلى ربّهم. وربّما جعلت العرب (إلى) في موضع اللام. وقد قال الله عزّ
وجلّ: {بأنّ ربّك أوحى لها} وقال: {الحمد للّه الذي هدانا لهذا} وقال: {يهديهم إليه صراطاً مستقيماً} وقال: {فأوحى إليهم ربّهم} وقد يجوز في العربيّة أن تقول: فلان يخبت إلى الله تريد: يفعل ذلك بوجهه إلى الله؛ لأن معنى الإخبات الخشوع، فيقول: يفعله بوجهه إلى الله ولله. وجاء التفسير: وأخبتوا فرقا من الله فمن يشاكل معنى اللام ومعنى إلى إذا أردت به لمكان هذا ومن أجل هذا). [معاني القرآن: 2/10-9]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وأخبتوا إلى ربّهم) مجازه: أنابوا إلى ربهم وتضرعوا إليه، وخضعوا وتواضعوا له). [مجاز القرآن: 1/286]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وأخبتوا إلى ربهم} إخباتًا؛ المعنى فيها: أنابوا إلى ربهم وتضرعوا.
قال أبو علي: وحكي لنا: أنهم قالوا: أسبأ قلبه إلى أمر الله؛ أي إذا خبت له، بغير ألف). [معاني القرآن لقطرب: 686]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وأخبتوا إلى ربهم}: أنابوا وتواضعوا). [غريب القرآن وتفسيره: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأخبتوا إلى ربّهم} أي تواضعوا لربهم. والإخبات: التواضع والوقار). [تفسير غريب القرآن: 202]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وأخبتوا إلى ربهم} أي: تضرعوا إلى ربهم.
وأما قوله: {وبشر المخبتين} أي: بشر المؤمنين المتواضعين لله - جل وعز. والإخبات: التضرع في وقت، والإخبات: التواضع لله - عز وجل - في كل وقت). [ياقوتة الصراط: 263-262]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ} أي خشعوا، وخافوا، وخضعوا، وذلوا، وأنابوا، واطمأنوا. كل هذه الألفاظ قد رويت في معنى (أخبتوا)، وقد فسر الله معنى {المخبتين} فقال: {وبشر المخبتين} ثم فسر من هم فقال: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم... } إلى قوله: {... ينفقون} ).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 106]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَأَخْبَتُواْ}: تواضعوا). [العمدة في غريب القرآن: 154]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلاً}
مجازه: مثل الكافر وهو الأعمى الذي لا يبصر الهدى والحق ولا أمر الله وإن كان ينظر، وهو الأصم الذي لا يسمع الحق ولا أمر الله وإن كان يسمع بأذنه؛ والمؤمن وهو البصير
أي المبصر الحق والهدى، وهو السامع الذي يسمع أمر الله ويهتدي له، ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: مثل الفريقين كمثل الأعمى، ثم رجع الوصف إلى مثل الكافر ومثل المؤمن فقال: (هل يستويان مثلاً) أي لا يستوي المثلان مثلا، ولي موضع هل ها هنا موضع الاستفهام ولكن موضعها ها هنا موضع الإيجاب أنه لا يستويان،
وموضع تقرير وتخبير، أن هذا ليس كذاك، ولها في غير هذا موضع آخر: موضع قد، قال: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئاً مذكوراً}
معناها: قد أتى على الإنسان).[مجاز القرآن: 1/287]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلاً أفلا تذكّرون}
وقال: {مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ} يقول "كمثل الأعمى والأصمّ"). [معاني القرآن: 2/40]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم ضرب اللّه مثلا للمؤمنين والكافرين فقال:
{مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلا أفلا تذكّرون}
ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم لأنهم في عداوتهم وتركهم التفهم كمن لا يسمع ولا يبصر). [معاني القرآن: 3/46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع}
قال الضحاك الأعمى والصم مثل للكافر والبصير والسميع مثل للمؤمن
قال أبو جعفر وهذا قول حسن يدل عليه قوله تعالى: {هل يستويان مثلا} فدل هذا على أن هذا لاثنين). [معاني القرآن: 3/341-340]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:09 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) }

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) }

تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) }

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:10 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الأولى 1434هـ/24-03-2013م, 05:11 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذباً أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين (18) الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون (19) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون (20)
قوله: ومن استفهام بمعنى التقرير، وكأنه قال: لا أحد أظلم ممن افترى كذبا، والمراد ب من الكفرة الذين يدعون مع الله إلها آخر ويفترون في غير ما شيء، وقوله: أولئك يعرضون على ربّهم عبارة عن الإشادة بهم والتشهير لخزيهم وإلا فكل بشر معروض على الله يوم القيامة.
وقوله: يقول الأشهاد قالت فرقة: يريد الشهداء من الأنبياء والملائكة، فيجيء قوله: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم إخبارا عنهم وشهادة عليهم وقالت فرقة: الأشهاد بمعنى الشاهدين، ويريد جميع الخلائق، وفي ذلك إشادة بهم، وروي في نحو هذا حديث: «إنه لا يخزى أحد يوم القيامة إلا ويعلم ذلك جميع من شهد المحشر» فيجيء قوله: هؤلاء- على هذا التأويل- استفهاما عنهم وتثبتا فيهم كما تقول إذا رأيت مجرما قد عوقب: هذا هو الذي فعل كذا وإن كنت قد علمت ذلك، ويحتمل الإخبار عنهم.
وقوله: ألا استفتاح كلام، و «اللعنة» الإبعاد). [المحرر الوجيز: 4/ 556-557]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والّذين نعت ل الظّالمين ويحتمل الرفع على تقدير هم الذين، ويصدّون يحتمل أن يقدر متعديا على معنى: يصدون الناس ويمنعونهم من سبيل الله، ويحتمل أن يقدر غير متعد على معنى يصدون هم، أن يعرضون. وسبيل اللّه شريعته، ويبغونها معناه يطلبون لها كما تقول بغيتك خيرا أو شرا أي طلبت لك، وعوجاً على هذا مفعول: ويحتمل أن يكون المعنى: ويبغون السبيل على عوج، أي فهم لا يهتدون أبدا ف عوجاً على هذا مصدر في موضع الحال، والعوج الانحراف والميل المؤدي إلى الفساد، وكرر قوله:هم على جهة التأكيد، وهي جملة في موضع خبر الابتداء الأول: وليس هذا موضع الفصل لأن الفصل إنما يكون بين معرفتين، أو معرفة وفكرة تقارب المعرفة، لأنها تفصل ما بين أن يكون ما بعدها صفة أو خبرا وتخلصه للخبر). [المحرر الوجيز: 4/ 557]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومعجزين معناه: مفلتين لا يقدر عليهم. وخص ذكر الأرض لأن تصرف ابن آدم وتمتعه إنما هو فيها وهي قصاراه لا يستطيع النفوذ منها. وقوله: وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يحتمل معنيين:
أحدهما: أن نفي أن يكون لهم ولي أو ناصر كائنا من كان.
والثاني: أن يقصد وصف الأصنام والآلهة بأنهم لم يكونوا أولياء حقيقة، وإن كانوا هم يعتقدون أنهم أولياء.
ثم أخبر أنهم يضاعف لهم العذاب يوم القيامة، أي يشدد حتى يكون ضعفي ما كان. ويضاعف فعل مستأنف وليس بصفة.
وقوله: وما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون يحتمل خمسة أوجه:
أحدها: أن يصف هؤلاء الكفار بهذه الصفة على معنى أن الله ختم عليهم بذلك، فهم لا يسمعون سماعا ينتفعون به ولا يبصرون كذلك.
والثاني: أن يكون وصفهم بذلك من أجل بغضتهم في النبي صلى الله عليه وسلم فهم لا يستطيعون أن يحملوا أنفسهم على السمع منه والنظر إليه وينظر إلى هذا حشد الطفيل بن عمرو أذنيه بالكرسف، وإباية قريش وقت الحديبية أن يسمعوا ما نقل إليهم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ردهم عن ذلك مشيختهم.
والثالث: أن يكون وصف بذلك الأصنام والآلهة التي نفى عنها- على التأويل المقدم- أن تكون أولياء.
وما في هذه الوجوه نافية.
والرابع: أن يكون التقدير: يضاعف لهم العذاب بما كانوا: بحذف الجار، وتكون ما مصدرية، وهذا قول فيه تحامل. قاله الفراء، وقرنه بقوله: أجازيك ما صنعت بي.
والخامس: أن تكون ما ظرفية، يضاعف لهم مدة استطاعتهم السمع والبصر، وقد أعلمت الشريعة أنهم لا يموتون فيها أبدا فالعذاب- إذن- متماد أبدا.
وقدم السّمع في هذه الآية على «البصر» لأن حاسته أشرف من حاسة البصر، إذ عليه تبنى في الأطفال معرفة دلالات الأسماء، وإذ هو كاف في أكثر المعقولات دون البصر إلى غير ذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 557-558]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (21) لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون (22) إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وأخبتوا إلى ربّهم أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (23) مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلاً أفلا تذكّرون (24)
خسروا أنفسهم بوجوب العذاب عليهم، ولا خسران أعظم من خسران النفس، وضل معناه: تلف ولم يجدوه حيث أملوه). [المحرر الوجيز: 4/ 558-559]

تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولا جرم لفظة مركبة من: لا، ومن: جرم بنيتا.
ومعنى لا جرم: حق. هذا مذهب سيبويه والخليل. وقال بعض النحويين: معناها: لا بد ولا شك ولا محالة وقد روي هذا عن الخليل. وقال الزجاج: لا رد عليهم، ولما تقدم من كل ما قبلها، وجرم معناه: كسب، أي كسب فعلهم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون. فموضع «أن» على مذهب سيبويه رفع: وموضعها على مذهب الزجاج- نصب. وقال الكسائي معناها لا صد ولا منع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكأن جرم على هذا من معنى القطع، تقول: جرمت أي قطعت: وهي على منزع الزجاج من الكسب ومنه قول الشاعر: [الطويل]
جريمتنا هض في رأس نيق = ترى لعظام ما جمعت صليبا
وجريمة القوم كاسبهم.
وأما قول الشاعر جرير:
ولقد طعنت أبا أميمة طعنة = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
فيحتمل الوجهين: ويختلف معنى البيت.
وفي لا جرم لغات: يقول بعض العرب: لا ذا جرم، وبعضهم: لا أن ذا جرم، وبعضهم: لا عن ذا جرم، وبعضهم: لا جر، حذفوا الميم لكثرة استعماله). [المحرر الوجيز: 4/ 559-560]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأخبتوا قيل معناه: خشعوا، قاله قتادة، وقيل: أنابوا، قاله ابن عباس، وقيل: اطمأنوا، قاله مجاهد، وقيل: خافوا، قاله ابن عباس أيضا، وهذه الأقوال بعضها قريب من بعض، وأصل اللفظ من الخبت، وهو البراح القفر المستوي من الأرض فكأن المخبت في القفر قد انكشف واستسلم وبقي ذا منعة، فشبه المتذلل الخاشع بذلك، وقيل: إنما اشتق منه لاستوائه وطمأنينته.
وقوله إلى ربّهم قيل: هي بمعنى اللام أي أخبتوا لربهم. وقيل: المعنى جعلوا قصدهم بإخباتهم إلى ربهم). [المحرر الوجيز: 4/ 560]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و«الفريقان» الكافرون والمؤمنون: شبه الكافر بالأعمى والأصمّ، وشبه المؤمن ب البصير والسّميع فهو على هذا تمثيل بمثالين. وقال بعض المتأولين: التقدير كالأعمى الأصم والبصير السميع ودخلت واو العطف كما تقول: جاءني زيد العاقل والكريم، وأنت تريده بعينه فهو على هذا تمثيل بمثال واحد.
ومثلًا نصب على التمييز. ويجوز أن يكون حالا). [المحرر الوجيز: 4/ 560]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين (18) الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون (19) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون (20) أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (21) لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون (22)}
{أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون}
يبيّن تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدّار الآخرة على رءوس الخلائق؛ من الملائكة، والرّسل، والأنبياء، وسائر البشر والجانّ، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا بهز وعفّان قالا أخبرنا همّام، حدّثنا قتادة، عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذًا بيد ابن عمر، إذ عرض له رجلٌ قال: كيف سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في النّجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يقول: "إنّ اللّه عزّ وجلّ يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من النّاس، ويقرّره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه قد هلك قال: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا، وإنّي أغفرها لك اليوم. ثمّ يعطى كتاب حسناته، وأمّا الكفّار والمنافقون فيقول: {الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين}
أخرجه البخاريّ ومسلمٌ في الصّحيحين، من حديث قتادة به). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 313-314]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجًا} أي يردّون الناس عن اتّباع الحقّ وسلوك طريق الهدى الموصّلة إلى اللّه عزّ وجلّ ويجنّبونهم الجنّة، {ويبغونها عوجًا} أي: ويريدون أن يكون طريقهم عوجًا غير معتدلةٍ، {وهم بالآخرة هم كافرون} أي: جاحدون بها مكذّبون بوقوعها وكونها). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 314]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء} أي: بل كانوا تحت قهره وغلبته، وفي قبضته وسلطانه، وهو قادرٌ على الانتقام منهم في الدّار الدّنيا قبل الآخرة، ولكن {يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار} [إبراهيم: 42]، وفي الصّحيحين: "إنّ اللّه ليملي للظّالم، حتّى إذا أخذه لم يفلته"؛ ولهذا قال تعالى: {يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون} أي: يضاعف عليهم العذاب، وذلك لأنّ اللّه تعالى جعل لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدةً، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم [من شيءٍ]، بل كانوا صمّا عن سماع الحقّ، عميا عن اتّباعه، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النّار: {وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير} [الملك: 10]، وقال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [النّحل: 88]؛ ولهذا يعذّبون على كلّ أمرٍ تركوه، وعلى كلّ نهيٍ ارتكبوه؛ ولهذا كان أصحّ الأقوال أنّهم مكلّفون بفروع الشّرائع أمرها ونهيها بالنّسبة إلى الدّار الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 314]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} أي: خسروا أنفسهم لأنّهم دخلوا نارًا حاميةً، فهم معذّبون فيها لا يفتّر عنهم من عذابها طرفة عينٍ، كما قال تعالى: {كلّما خبت زدناهم سعيرًا} [الإسراء: 97].
و {ضلّ عنهم} أي: ذهب عنهم {ما كانوا يفترون} من دون اللّه من الأنداد والأصنام، فلم تجد عنهم شيئًا، بل ضرّتهم كلّ الضّرر، كما قال تعالى: {وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 6]، وقال تعالى: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً ليكونوا لهم عزًّا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا} [مريم: 81، 82]، وقال الخليل لقومه: {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانًا مودّة بينكم في الحياة الدّنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين} [العنكبوت: 25]، وقال تعالى: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} [البقرة: 166]؛ إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على خسرهم ودمارهم؛ ولهذا قال: {لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون} يخبر تعالى عن حالهم أنّهم أخسر النّاس صفقةً في الدّار الآخرة؛ لأنّهم استبدلوا بالدّركات عن الدّرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميمٍ آنٍ، وعن شرب الرّحيق المختوم، بسموم وحميمٍ، وظلٍّ من يحمومٍ، وعن الحور العين بطعامٍ من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرّحمن، ورؤيته بغضب الدّيّان وعقوبته، فلا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 314-315]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وأخبتوا إلى ربّهم أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (23) مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلًا أفلا تذكّرون (24)}
لمّا ذكر تعالى حال الأشقياء ثنّى بذكر السّعداء، وهم الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصّالحة قولًا وفعلًا من الإتيان بالطّاعات وترك المنكرات، وبهذا ورثوا الجنّات، المشتملة على الغرف العاليات، والسّرر المصفوفات، والقطوف الدّانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيّرات، والفواكه المتنوّعات، والمآكل المشتهيات والمشارب المستلذّات، والنّظر إلى خالق الأرض والسّموات، وهم في ذلك خالدون، لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون، وينامون ولا يتغطّون، ولا يبصقون ولا يتمخّطون، إن هو إلّا رشح مسك يعرقون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 315]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ضرب [اللّه] تعالى مثل الكافرين والمؤمنين، فقال: {مثل الفريقين} أي: الّذين وصفهم أوّلًا بالشّقاء والمؤمنين السّعداء، فأولئك كالأعمى والأصمّ، وهؤلاء كالبصير والسّميع. فالكافر أعمى عن وجه الحقّ في الدّنيا، وفي الآخرة لا يهتدي إلى خيرٍ ولا يعرفه، أصمّ عن سماع الحجج، فلا يسمع ما ينتفع به، {ولو علم اللّه فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون} [الأنفال: 23]، وأمّا المؤمن ففطن ذكيٌّ لبيبٌ، بصيرٌ بالحقّ، يميّز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشّرّ، سميعٌ للحجّة، يفرّق بينها وبين الشّبهة، فلا يروج عليه باطلٌ، فهل يستوي هذا وهذا.
{أفلا تذكّرون} أفلا تعتبرون وتفرّقون بين هؤلاء وهؤلاء، كما قال في الآية الأخرى: {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون} [الحشر: 20] وقال {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظّلمات ولا النّور ولا الظّلّ ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إنّ اللّه يسمع من يشاء وما أنت بمسمعٍ من في القبور إن أنت إلا نذيرٌ إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ} [فاطر:19 -24]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 315]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة