تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({يئوسٌ} : «فعولٌ من يئست»). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يئوسٌ فعولٌ من يئست هو قول أبي عبيدة أيضًا قال في قوله تعالى ليئوس كفور هو فعولٌ من يئست). [فتح الباري: 8/349]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يؤسٌ فعولٌ من يئست
أشار به إلى قوله تعالى: {ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمة ثمّ نزعناها منه إنّه ليؤوس كفور} (هود: 9) وأشار به إلى أن وزنه فعول، من صيغ المبالغة وأنه مشتقّ من يئست من اليأس وهو انقاطع الرّجاء، وفي قوله: من يئست، تساهل لأنّه مشتقّ من اليأس كما تقتضيه القواعد الصرفية). [عمدة القاري: 18/287]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله تعالى: ({إنه ليؤوس} يؤوس فعول من يئست) والمعنى ولئن أذقنا الإنسان حلاوة نعمة يجد لذتها ثم سلبناها منه أنه لقطوع رجاءه من فضل الله لقلة صبره وعدم ثقته به كفور لأن الوصف باليؤوس لا يليق إلا بالكافر فإنه يقع في الياس إذا سلبت نعمته والمسلم يثق بالله أن يعيدها أحسن ما كانت). [إرشاد الساري: 7/167]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمةً ثمّ نزعناها منه إنّه ليئوسٌ كفورٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولئن أذقنا الإنسان منّا رخاءً وسعةً في الرّزق والعيش، فبسطنا عليه من الدّنيا، وهي الرّحمة الّتي ذكرها تعالى ذكره في هذا الموضع، {ثمّ نزعناها منه} يقول: ثمّ سلبناه ذلك، فأصابته مصائبٌ أجاحته فذهبت به؛ {إنّه ليئوسٌ كفورٌ} يقول: يظلّ قنطًا من رحمة اللّه آيسًا من الخير.
وقوله: يئوسٌ: فعولٌ، من قول القائل: يئس فلانٌ من كذا فهو يئوسٌ، إذا كان ذلك صفةً له. وقوله: كفورٌ، يقول: هو كفورٌ لمن أنعم عليه، قليل الشّكر لربّه المتفضّل عليه بما كان وهب له من نعمته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمةً ثمّ نزعناها منه إنّه ليئوسٌ كفورٌ} قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمةٌ من اللّه من السّعة والأمن والعافية فكفورٌ لما بك منها، وإذا نزعت منك يبتغ لك فراغك فيئوسٌ من روح اللّه، قنوطٌ من رحمته، كذلك المرء المنافق والكافر). [جامع البيان: 12/339-340]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمةً ثمّ نزعناها منه إنّه ليئوسٌ كفورٌ (9)
قوله تعالى: ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمةً ثم نزعناها منه إنه ليؤس كفور
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ بإسناده المذكور عن ابن جريجٍ في قوله: ولئن أذقنا الإنسان منّا رحمةً ثمّ نزعناها منه إنه ليؤس كفورٌ يا ابن آدم أما كانت نعمةٌ من اللّه عزّ وجلّ من السّعة والأمن والعافية فكفورٌ لما بك منها، وإذا نزعت منك يبتغي بك فراغك وعملك فيئوسٌ من روح اللّه، قنوطٌ من رحمته كذلك أي المنافق والكافر، يئوسٌ أن يرجع ما كان به منها، كفور لما كان من به.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قوله: إنه ليؤس كفور يقول: إذا ابتلى ببلاء ثم يصبر عليه). [تفسير القرآن العظيم: 6/2007-2008]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} الآية، قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من السعة والأمن والعافية فكفور لما بك منها وإذا نزعت منك يبتغي لك فراغك فيؤوس من روح الله قنوط من رحمته كذلك أمر المنافق والكافر). [الدر المنثور: 8/21-22] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضرّاء مسّته ليقولنّ ذهب السّيّئات عنّي إنّه لفرحٌ فخورٌ (10) إلاّ الّذين صبروا وعملوا الصّالحات أولئك لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولئن نحن بسطنا للإنسان في دنياه، ورزقناه رخاءً في عيشه، ووسّعنا عليه في رزقه؛ وذلك هي النّعم الّتي قال اللّه جلّ ثناؤه: {ولئن أذقناه نعماء} وقوله: {بعد ضرّاء} يقول: بعد ضيقٍ من العيش كان فيه، وعسرةٍ كان يعالجها. {ليقولنّ ذهب السّيّئات عنّي} يقول تعالى ذكره: ليقولنّ عند ذلك: ذهب الضّيق والعسرة عنّي، وزالت الشّدائد والمكاره.
{إنّه لفرحٌ فخورٌ} يقول تعالى ذكره: إنّ الإنسان لفرحٌ بالنّعم الّتي يعطاها مسرورٌ بها فخورٌ، يقول: ذو فخرٍ بما نال من السّعة في الدّنيا، وما بسط له فيها من العيش، وينسى صروفها ونكد العوائص فيها، ويدع طلب النّعيم الّذي يبقى والسّرور الّذي يدوم فلا يزول.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ذهب السّيّئات عنّي} غرّةٌ باللّه وجراءةٌ عليه. {إنّه لفرحٌ} واللّه لا يحبّ الفرحين، {فخورٌ} بعد ما أعطى اللّه، وهو لا يشكر اللّه). [جامع البيان: 12/340-341]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولئن أذقناه نعماء بعد ضرّاء مسّته ليقولنّ ذهب السّيّئات عنّي إنّه لفرحٌ فخورٌ (10) إلّا الّذين صبروا وعملوا الصّالحات أولئك لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ (11) فلعلّك تاركٌ بعض ما يوحى إليك وضائقٌ به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنزٌ أو جاء معه ملكٌ إنّما أنت نذيرٌ واللّه على كلّ شيءٍ وكيلٌ (12)
قوله تعالى: ولئن أذقناه نعماء بعد ضرّاء مسّته ليقولنّ ذهب السّيّئات، عنّي إنه لفرح فخور
أي أنم عليه أخذ ذلك بفرحٍ). [تفسير القرآن العظيم: 6/2008]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} الآية، قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من السعة والأمن والعافية فكفور لما بك منها وإذا نزعت منك يبتغي لك فراغك فيؤوس من روح الله قنوط من رحمته كذلك أمر المنافق والكافر، وفي قوله {ولئن أذقناه نعماء} إلى قوله {ذهب السيئات عني} قال: غره بالله وجرأه عليه أنه لفرح والله لا يحب الفرحين فخور لما أعطي لا يشكر الله). [الدر المنثور: 8/21-22] (م)
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمّ استثنى جلّ ثناؤه من الإنسان الّذي وصفه بهاتين الصّفتين الّذين صبروا وعملوا الصّالحات. وإنّما جاز استثناؤهم منه لأنّ الإنسان بمعنى الجنس، ومعنى الجمع، وهو كقوله: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} فقال تعالى ذكره: {إلاّ الّذين صبروا وعملوا الصّالحات}، فإنّهم إن تأتيهم شدّةٌ من الدّنيا وعسرةٌ فيها لم يثنهم ذلك عن طاعة اللّه، ولكنّهم صبروا لأمره وقضائه، فإن نالوا فيها رخاءً وسعةً شكروه وأدّوا حقوقه بما آتاهم منها. يقول اللّه: {أولئك لهم مغفرةٌ} يغفرها لهم، ولا يفضحهم بها في معادهم. {وأجرٌ كبيرٌ} يقول: ولهم من اللّه مع مغفرة ذنوبهم ثوابٌ على أعمالهم الصّالحة الّتي عملوها في دار الدّنيا جزيلٌ، وجزاءٌ عظيمٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {إلاّ الّذين صبروا} عند البلاء {وعملوا الصّالحات} عند النّعمة، {لهم مغفرةٌ} لذنوبهم، {وأجرٌ كبيرٌ}. قال: الجنّة). [جامع البيان: 12/341]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إلا الّذين صبروا وعملوا الصّالحات
- أخبرنا ابن المبارك بإسناده المعروف، عن ابن جريجٍ في قوله عزّ وجلّ: إلا الّذين صبروا يقول: عند البلاء.
- وبه، عن ابن جريجٍ في قوله: وعملوا الصّالحات: عند النّعمة.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرارٍ، ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، ثنا عبد اللّه بن نافعٍ الصّائغ، عن عاصم بن عمر، عن زيد بن أسلم وعملوا الصّالحات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه رضي اللّه، عنهم.
قوله تعالى: أولئك لهم مغفرةٌ
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أولئك لهم مغفرةٌ يقول: مغفرةٌ لذنوبهم.
قوله تعالى: وأجرٌ كبيرٌ
- وبه، عن قتادة قوله: وأجرٌ كبيرٌ: لحسناتهم وهي الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 6/2008]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} الآية، قال: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من السعة والأمن والعافية فكفور لما بك منها وإذا نزعت منك يبتغي لك فراغك فيؤوس من روح الله قنوط من رحمته كذلك أمر المنافق والكافر، وفي قوله {ولئن أذقناه نعماء} إلى قوله {ذهب السيئات عني} قال: غره بالله وجرأه عليه أنه لفرح والله لا يحب الفرحين فخور لما أعطي لا يشكر الله ثم استثنى فقال {إلا الذين صبروا} يقول: عند البلاء {وعملوا الصالحات} عند النعمة {أولئك لهم مغفرة} لذنوبهم {وأجر كبير} قال: الجنة). [الدر المنثور: 8/21-22] (م)