العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة هود

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 10:08 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة هود [ من الآية (1) إلى الآية (5) ]

تفسير سورة هود
[ من الآية (1) إلى الآية (5) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 10:09 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي


تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت قال أحكمها الله من الباطل وفصلها يقول بينها). [تفسير عبد الرزاق: 1/301]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : القول في تأويل قوله تعالى: {الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ}.
قال أبو جعفرٍ: قد ذكرنا اختلاف أهل التّأويل في تأويل قوله {الر} والصّواب من القول في ذلك عندنا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: {كتابٌ أحكمت آياته} يعني: هذا الكتاب الّذي أنزله اللّه على نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو القرآن.
ورفع قوله: كتابٌ بنيّة: هذا كتابٌ. فأمّا على قول من زعم أنّ قوله: {الر} مرادٌ به سائر حروف المعجم الّتي نزل بها القرآن، وجعلت هذه الحروف دلالةً على جميعها، وأنّ معنى الكلام: هذه الحروف كتابٌ أحكمت آياته، فإنّ الكتاب على قوله ينبغي أن يكون مرفوعًا بقوله: {الر}.
وأمّا قوله: {أحكمت آياته ثمّ فصّلت} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: تأويله: أحكمت آياته بالأمر والنّهي، ثمّ فصّلت بالثّواب والعقاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرني أبو محمّدٍ الثّقفيّ، عن الحسن، في قوله: {كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت} قال: أحكمت بالأمر والنّهي، وفصّلت بالثّواب والعقاب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا عبد الكريم بن محمّدٍ الجرجانيّ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن الحسن: {الر كتابٌ أحكمت آياته} قال: أحكمت في الأمر والنّهي وفصّلت بالوعيد.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن رجلٍ، عن الحسن: {الر كتابٌ أحكمت آياته} قال: بالأمر والنّهي {ثمّ فصّلت} قال: بالثّواب والعقاب.
وروي عن الحسن قولٌ خلاف هذا وذلك ما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن أبي بكرٍ، عن الحسن، قال: وحدّثنا عبّاد بن العوّام، عن رجلٍ، عن الحسن: {أحكمت} بالثّواب والعقاب {ثمّ فصّلت} بالأمر والنّهي.
وقال آخرون: معنى ذلك: أحكمت آياته من الباطل، ثمّ فصّلت، فبيّن منها الحلال والحرام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ} أحكمها اللّه من الباطل، ثمّ فصّلها بعلمه، فبيّن حلاله، وحرامه وطاعته، ومعصيته.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أحكمت آياته ثمّ فصّلت} قال: أحكمها اللّه من الباطل، ثمّ فصّلها: بيّنها.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معناه: أحكم اللّه آياته من الدّخل، والخلل والباطل، ثمّ فصّلها بالأمر والنّهي. وذلك أنّ إحكام الشّيء إصلاحه وإتقانه، وإحكام آيات القرآن إحكامها من خللٍ يكون فيها أو باطلٍ يقدر ذو زيغٍ أن يطعن فيها من قبله. وأمّا تفصيل آياته فإنّه تمييز بعضها من بعضٍ بالبيان عمّا فيها من حلالٍ، وحرامٍ، وأمرٍ، ونهي.
وكان بعض المفسّرين يفسّر قوله: {فصّلت} بمعنى: فسّرت، وذلك نحو الّذي قلنا فيه من القول.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ثمّ فصّلت} قال: فسّرت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فصّلت} قال: فسّرت.
- قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، عن ابن جريجٍ، قال: بلغني عن مجاهدٍ: {ثمّ فصّلت} قال: فسّرت.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال قتادة: معناه: بيّنت، وقد ذكرنا الرّواية بذلك قبل، وهو شبيه المعنى بقول مجاهدٍ.
وأمّا قوله: {من لدن حكيمٍ خبيرٍ} فإنّ معناه: حكيمٌ بتدبير الأشياء وتقديرها، خبيرٌ بما يؤول إليه عواقبها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {من لدن حكيمٍ خبيرٍ} يقول: من عند حكيمٍ خبيرٍ). [جامع البيان: 12/308-311]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ (1)
قوله تعالى: الر
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو عمارة، ثنا شريكٌ، عن عطاء بن السّائب، قال شريكٌ: لا أراه إلّا عن أبي الضّحى يعني: مسلم بن صبيحٍ، عن ابن عبّاسٍ الر قال: أنا اللّه أرى وروي، عن الضّحّاك مثله.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا هدبة بن عبد الوهّاب، ثنا عليّ بن الحسين ابن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ الر حروف الرّحمن معروفةٌ فحدّثت به الأعمش فقال: عندك مثل هذا ولا تخبرنا وروي، عن سالم بن عبد اللّه أنّه قال الر رحم ونور اسم الرّحمن مقطّعٌ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة الر قال: من أسماء القرآن.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن أبي زائدة، قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: الر قال: هذا فواتح يفتح اللّه بها القرآن قال: قلت: الم لم تكن تقل هي أسماءٌ قال: لا.
قوله تعالى: كتاب أحكمت آياته
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد الحميد الحمّانيّ أبو يحيى، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن الحسن الر كتابٌ أحكمت آياته قال أحكمت بالأمر والنّهي.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا سعيدٌ وخليدٌ، عن قتادة في قول اللّه: كتابٌ أحكمت آياته قال: أحكمه اللّه من الباطل ثمّ فصّله.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم قرأ: الر كتابٌ أحكمت آياته قال: هي كلّها محكمةٌ يعني: سورة هودٍ.
قوله تعالى: ثم فصلت
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: ثم فصلت يقول: فسّرت.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن الحسن ثمّ فصّلت قال: بالوعد والوعيد.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن أبي عمر العدنيّ، ثنا سفيان، عن رجلٍ، عن الحسن فصلت قال: بالثّواب والعقاب.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيدٌ وخليدٌ، عن قتادة في قول اللّه: كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ قال: ثمّ فصّلت بعلمه فبيّن حلاله من حرامه وطاعته من معصيته.
والوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يعني: قوله: فصّلت قال: ثمّ ذكر محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فحكم فيها بينه وبين من خالفه، وقرأ: مثل الفريقين الآية كلّها ثمّ ذكر قوم نوحٍ فقال وعذّبهم بعد طول نظره ثم هود وقرأ: نجّينا هودًا والّذين آمنوا معه برحمةٍ منّا فكان هذا تفصيل ذلك وكان أوّله محكمًا قال: وكان أبي يقول ذلك يعني: زيد بن أسلم.
قوله تعالى: من لدن
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان زنيجٌ، ثنا سلمة قال يعني: محمد ابن إسحاق، ثنا محمّد بن جعفر بن الزّبير قوله: حكيمٌ قال: حكيمٌ في عذره وحجّته إلى عباده.
قوله تعالى: خبيرٌ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: حكيمٌ خبيرٌ قال: خبيرٌ بخلقه.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: حكيمٌ قال: حكيمٌ في أمره). [تفسير القرآن العظيم: 6/1994-1996]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 1 - 4
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه أنه قرأ {الر كتاب أحكمت آياته} قال: هي كلها مكية محكمة يعني سورة هود {ثم فصلت} قال: ثم ذكر محمدا صلى الله عليه وسلم فحكم فيها بينه وبين من خالفه وقرأ مثل الفريقين الآية كلها ثم ذكر قوم نوح ثم قوم هود فكان هذا تفصيل ذلك وكان أوله محكما، قال: وكان أبي رضي الله عنه يقول ذلك: يعني زيد بن أسلم). [الدر المنثور: 8/9-10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} قال: أحكمت بالأمر والنهي وفصلت بالوعد والوعيد). [الدر المنثور: 8/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ثم فصلت} قال: فسرت). [الدر المنثور: 8/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} قال: أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته وفي قوله {من لدن حكيم} يعني من عند حكيم، وفي قوله {يمتعكم متاعا حسنا} قال: فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه فإن الله منعم يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله وذلك قضاؤه الذي قضى وفي قوله {إلى أجل مسمى} يعني الموت وفي قوله {ويؤت كل ذي فضل فضله} أي في الآخرة). [الدر المنثور: 8/10]

تفسير قوله تعالى: (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : القول في تأويل قوله تعالى: {ألاّ تعبدوا إلاّ اللّه إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ فصّلت بأن لا تعبدوا إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وتخلعوا الآلهة والأنداد. ثمّ قال تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد للنّاس إنّني لكم من عند اللّه نذيرٌ ينذركم عقابه على معاصيه وعبادة الأصنام، وبشيرٌ يبشّركم بالجزيل من الثّواب على طاعته وإخلاص العبادة والألوهة له). [جامع البيان: 12/312]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألّا تعبدوا إلّا اللّه إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ (2) وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ (3)
- قوله تعالى: ألا تعبدوا إلا اللّه إنّني لكم منه نذيرٌ وبشير
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن نميرٍ، ثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا بني عبد المطّلب يا بني فهرٍ يا بني أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدّقتموني قالوا: نعم قال: فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن صالحٍ، ثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد اللّه الفزاريّ، عن شيبان النّحويّ، أخبرني، قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: نذيرٌ من النّار وبشيرٌ قال: مبشّرٌ بالجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 6/1996]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى متاعا حسنا إلى أجل مسمى قال إلى الموت). [تفسير عبد الرزاق: 1/301]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم مّتاعًا حسنًا إلى أجلٍ مّسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ فصّلت آياته بأن لا تعبدوا إلاّ اللّه وبأن استغفروا ربّكم. ويعني بقوله: {وأن استغفروا ربّكم} وأن اعملوا أيّها النّاس من الأعمال ما يرضي ربّكم عنكم، فيستر عليكم عظيم ذنوبكم الّتي ركبتموها بعبادتكم الأوثان والأصنام، وإشراككم الآلهة والأنداد في عبادته.
وقوله: {ثمّ توبوا إليه} يقول: ثمّ ارجعوا إلى ربّكم بإخلاص العبادة له دون ما سواه من سائر ما تعبدون من دونه بعد خلعكم الأنداد، وبراءتكم من عبادتها. ولذلك قيل: {وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه} ولم يقل: وتوبوا إليه؛ لأنّ التّوبة معناها الرّجوع إلى العمل بطاعة اللّه، والاستغفار: استغفارٌ من الشّرك الّذي كانوا عليه مقيمين، والعمل للّه لا يكون عملاً له إلاّ بعد ترك الشّرك به، فأمّا الشّرك فإنّ عمله لا يكون إلاّ للشّيطان، فلذلك أمرهم تعالى ذكره بالتّوبة إليه بعد الاستغفار من الشّرك؛ لأنّ أهل الشّرك كانوا يرون أنّهم يطيعون اللّه بكثيرٍ من أفعالهم، وهم على شركهم مقيمون.
وقوله: {يمتّعكم متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى} يقول تعالى ذكره للمشركين الّذين خاطبهم بهذه الآيات: استغفروا ربّكم، ثمّ توبوا إليه، فإنّكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدّنيا، ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الّذي قضى فيه عليكم الموت.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يمتّعكم متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى} فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة اللّه، ومعرفة حقّه، فإنّ اللّه منعمٌ يحبّ الشّاكرين، وأهل الشّكر في مزيدٍ من اللّه، وذلك قضاؤه الّذي قضى.
وقوله: {إلى أجلٍ مسمًّى} يعني الموت.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلى أجلٍ مسمًّى} قال: الموت.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إلى أجلٍ مسمًّى} وهو الموت.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {إلى أجلٍ مسمًّى} قال: الموت.
وأمّا قوله: {ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله} فإنّه يعني: يثيب كلّ من تفضّل بفضل ماله أو قوته أو معروفه على غيره محتسبًا مريدًا به وجه اللّه، أجزل ثوابه وفضله في الآخرة.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله} قال: ما احتسب به من ماله، أو عمل بيده أو رجله، أو كلمه، أو ما تطوّع به من أمره كلّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ. قال: وحدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال: أو عمل بيديه أو رجليه وكلامه، وما تطوّل به من أمره كلّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلاّ أنّه قال: وما نطق به من أمره كلّه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله} أي في الآخرة.
وقد روي عن ابن مسعودٍ أنّه كان يقول في تأويل ذلك ما:
- حدّثت به، عن المسيّب بن شريكٍ، عن أبي بكرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن مسعودٍ، في قوله: {ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله} قال: من عمل سيّئةً كتبت عليه سيّئةٌ، ومن عمل حسنةً كتبت له عشر حسناتٍ. فإن عوقب بالسّيّئة الّتي كان عملها في الدّنيا بقيت له عشر حسناتٍ، وإن لم يعاقب بها في الدّنيا أخذ من الحسنات العشر واحدةٌ وبقيت له تسع حسناتٍ. ثمّ يقول: هلك من غلب آحاده أعشاره.
وقوله: {وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ} يقول تعالى ذكره: وإن أعرضوا عمّا دعوتهم إليه من إخلاص العبادة للّه، وترك عبادة الآلهة، وامتنعوا من الاستغفار للّه، والتّوبة إليه فأدبروا مولّين عن ذلك، فإنّي أيّها القوم أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ، شأنه عظيمٌ هوله، وذلك {ولتجزى كلّ نفسٍ بما كسبت وهم لا يظلمون} وقال جلّ ثناؤه: {وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ} ولكنّه ممّا قد تقدّم قوله، والعرب إذا قدّمت قبل الكلام قولاً خاطبت، ثمّ عادت إلى الخبر عن الغائب، ثمّ رجعت بعد إلى الخطّاب، وقد بيّنّا ذلك في غير موضعٍ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 12/312-315]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا عبد الصّمد بن يزيد، قال: سمعت الفضل يقول: قول العبد: أستغفر اللّه قال: تفسيره: اقبلني.
قوله تعالى: يمتّعكم
- ذكره أبي قال ذكر، عن أبي كزينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يمتّعكم متاعًا حسنًا قال: يمتّعكم في الدّنيا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليّ بن مهران، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ وأبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ وعن مرّة الهمذانيّ، عن ابن مسعودٍ يمتّعكم متاعًا حسنًا يقول:
يمتّعكم في الدّنيا.
قوله تعالى: متاعًا حسنًا
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيدٌ، عن قتادة يمتّعكم متاعًا حسنًا فأنتم في ذلك المتاع، فخذوه بطاعة اللّه ومعرفة حقّه فإنّ اللّه منعمٌ يحبّ الشّاكرين، وأهل الشّكر في مزيدٍ من اللّه، وذلك قضاؤه الّذي قضاه.
قوله تعالى: إلى أجلٍ مسمى
- حدثنا جحا بن حمزة، ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: أجلٍ مسمًّى قال: إلى يوم القيامة، وروي، عن عكرمة وعطيّة، وعطاءٍ الخراسانيّ والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: أجلٍ مسمًّى قال أجل السّاعة.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: أجلٍ مسمًّى فهو أجل موت الإنسان.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن رزيع، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: أجلٍ منتهًى يقول: أجل حياتك إلى أن تموت وأجل موتك إلى أن تبعث فأنت بين أجلين من اللّه، وروي عن خالد بن مهران أنّه قال:
أجل البعث.
وعن الحسن ما بين أن يخلق إلى أن يموت.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، عن قيسٍ، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول الله: أجلٍ مسمًّى قال: لا يعلمه إلا اللّه.
قوله تعالى: ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله أي: في الآخرة.
والوجه الثّاني
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله: ما احتسب به من مالٍ أو عمل بيده أو رجله أو كلامه، وما تطوّل به من أمره كلّه.
قوله تعالى: وإن تولّوا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس وإن تولّوا يعني: الكفّار، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهذه في المؤمنين.
قوله تعالى: فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: عذاب يقول: نكالٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1996-1998]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ويؤت كل ذي فضل فضله يعني ما احتسب به من ماله أو عمل برجله أو بيده أو بكلامه أو يطاول به من أمره كله). [تفسير مجاهد: 2/299]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} قال: أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته وفي قوله {من لدن حكيم} يعني من عند حكيم، وفي قوله {يمتعكم متاعا حسنا} قال: فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه فإن الله منعم يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله وذلك قضاؤه الذي قضى وفي قوله {إلى أجل مسمى} يعني الموت وفي قوله {ويؤت كل ذي فضل فضله} أي في الآخرة). [الدر المنثور: 8/10] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ويؤت كل ذي فضل فضله} قال: ما احتسب به من ماله أو عمل بيديه أو رجليه أو كلامه أو ما تطول به من أمره كله). [الدر المنثور: 8/11]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {ويؤت كل ذي فضل فضله} قال: يؤت كل ذي فضل في الإسلام فضل الدرجات في الآخرة). [الدر المنثور: 8/11]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله {ويؤت كل ذي فضل فضله} قال: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذت من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول: هلك من غلب آحاده أعشاره). [الدر المنثور: 8/11]

تفسير قوله تعالى: (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إلى اللّه مرجعكم وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ}.
يقول تعالى ذكره إلى اللّه أيّها القوم مآبكم ومصيركم، فاحذروا عقابه إن تولّيتم عمّا أدعوكم إليه من التّوبة إليه من عبادتكم الآلهة والأصنام، فإنّه مخلّدكم نار جهنّم إن هلكتم على شرككم قبل التّوبة إليه. {وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ} يقول: وهو على إحيائكم بعد مماتكم، وعقابكم على إشراككم به الأوثان وغير ذلك ممّا أراد بكم وبغيركم قادرٌ). [جامع البيان: 12/316]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إلى اللّه مرجعكم وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (4)
قوله تعالى: إلى اللّه مرجعكم
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك في قوله: إلى اللّه مرجعكم قال: البرّ والفاجر.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية يعني قوله: إلى اللّه مرجعكم قال: يرجعون إليه بعد الحياة.
قوله تعالى: وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ أي: إنّ اللّه على كلّ ما أراد بعباده من نقمةٍ أو عفوٍ قديرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1998]

تفسير قوله تعالى: (أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني ابن لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج قال: سمعت عبد اللّه بن عبّاسٍ يقرأ: {إلا إنّهم} تثنون {صدورهم}). [الجامع في علوم القرآن: 3/52]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون قال أخفى ما يكون إذا أسر في نفسه شيئا وتغطى بثوبه فلذلك أخفى ما يكون والله تعالى مطلع على ما في نفوسكم يعلم ما تسرون وتعلنون). [تفسير عبد الرزاق: 1/301]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية : قوله تعالى: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، عن حصين، عن عبد اللّه بن شدّاد - في قوله عزّ وجلّ: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه} - قال: كان أحدهم إذا مرّ برسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ثنا صدره وتغشّى بثوبه لكي لا يراه النّبيّ صلّى الله عليه وسلم.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ، وحميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ أنّهما كانا يقرآن: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون}). [سنن سعيد بن منصور: 5/337-338]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({يثنون صدورهم} [هود: 5] : «شكٌّ وامتراءٌ في الحقّ» . {ليستخفوا منه} [هود: 5] : «من اللّه إن استطاعوا»
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن صبّاحٍ، حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، أنّه سمع ابن عبّاسٍ، يقرأ: «ألا إنّهم تثنوني صدورهم» قال: سألته عنها. فقال: «أناسٌ كانوا يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السّماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السّماء فنزل ذلك فيهم»
- حدّثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ، عن ابن جريجٍ، وأخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، أنّ ابن عبّاسٍ، قرأ: ألا إنّهم تثنوني صدورهم قلت: يا أبا العبّاس ما تثنوني صدورهم؟ قال: «كان الرّجل يجامع امرأته فيستحي أو يتخلّى فيستحي» فنزلت: ألا إنّهم تثنوني صدورهم
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرٌو، قال: قرأ ابن عبّاسٍ: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه، ألا حين يستغشون ثيابهم} [هود: 5]- وقال غيره: عن ابن عبّاسٍ - {يستغشون} [هود: 5] : «يغطّون رءوسهم»). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يثنون صدورهم شكٌّ وامتراءٌ في الحقّ ليستخفوا منه من اللّه إن استطاعوا وهو قول مجاهدٍ أيضًا قال في قوله ألا أنهم يثنون صدورهم قال شكّ وامتراء في الحقّ ليستخفوا من اللّه إن استطاعوا وصله الطّبريّ من طرقٍ عن بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ عنه ومن طريق معمرٍ عن قتادة قال أخفى ما يكون الإنسان إذا أسر في نفسه شيئا وتغطى بثوبه واللّه مع ذلك يعلم ما يسرّون وما يعلنون ومن طريق عكرمة عن بن عبّاس في قوله يثنون صدورهم الشّك في الله وعمل السّيّئات يستغشي بثيابه ويستكنّ من اللّه واللّه يراه ويعلم ما يسرّ وما يعلن والثّني يعبّر به عن الشّكّ في الحقّ والإعراض عنه ومن طريق عبد اللّه بن شدّادٍ أنّها نزلت في المنافقين كان أحدهم إذا مرّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثنى صدره وطأطأ رأسه وتغشّى بثوبه لئلّا يراه أسنده الطّبريّ من طرقٍ عنه وهو بعيد فإن الآية مكّيّة وسيأتي عن ابن عبّاسٍ ما يخالف القول الأوّل لكنّ الجمع بينهما ممكنٌ
تنبيهٌ قدّمت هذه التّفاسير من أوّل السّورة إلى هنا في رواية أبي ذرٍّ وهي عند الباقين مؤخّرةٌ عمّا سيأتي إلى قوله اقلعى أمسكى). [فتح الباري: 8/349]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وبه في قوله 5 هود {ألا إنّهم يثنون صدورهم} قال تضيقا شكا وامتراء في الحق يستخفون من الله عزّ وجلّ إن استطاعوا). [تغليق التعليق: 4/225]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عمرو قال قرأ ابن عبّاس ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه
{ألا حين يستغشون ثيابهم} 5 هود وقال غيره عن ابن عبّاس {يستغشون} يغطون رؤوسهم {سيء بهم} ساء ظنّه بقومه {وضاق بهم} بأضيافه {بقطع من اللّيل} بسواد وقال مجاهد {أنيب} أرجع
أما قول عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله 5 هود {يستغشون ثيابهم} قال يغطون رؤوسهم). [تغليق التعليق: 4/225-226]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يثنون صدروهم شك وامتراءٌ في الحقّ ليستخفوا منه من الله إن استطاعوا
أشار به إلى قوله تعالى: {إلّا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه} (هود: 5) الآية. وهو تفسير مجاهد أيضا فأنّه قال: يثنون صدورهم شكا وامتراءا في الحق. قوله: (يثنون صدورهم) من الثني ويعبر به عن الشّك في الحق والإعراض عنه، قال الزّمخشريّ: يزورّون عن الحق وينحرفون عنه لأن من أقبل على الشّيء استقبله بصدره ومن أزورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه. ويقال: هذه نزلت في الأخنس بن شريق وكان حلو الكلام المنظر يلقي النّبي صلى الله عليه وسلم بما يحب وينطوي له على ما يكره، وقيل: نزلت في بعض المنافقين، وقيل: في بعض المشركين كان النّبي عليه السّلام، إذا مر عليه يثني صدره ويطأطىء رأسه كيلا يراه، فأخبر الله تعالى نبيه، عليه الصّلاة والسّلام، بما ينطوي عليه صدورهم، ويثنون يكتمون ما فيها من العداوة. قوله: (ليستخفوا منه) أي: من الله. وقيل: من الرّسول، وهو من القرآن. وقوله: {إن استطاعوا} ليس من القرآن، والتفاسير المذكورة إلى هنا وقعت في رواية أبي ذر، وعند غيره وقعت مؤخرة والله أعلم ويأتي الكلام فيه عن قريب مستقصى). [عمدة القاري: 18/287-288]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور} [هود: 5] ). [صحيح البخاري: 6/73]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب إلّا إنّهم يثنون صدورهم)
سقط باب للأكثر
[4681] قوله أخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ هكذا رواه هشام بن يوسف عن بن جريجٍ وتابعه حجّاجٌ عند أحمد وقال أبو أسامة عن بن جريج عن بن أبي مليكة عن بن عبّاس أخرجه الطّبريّ قوله أنه سمع بن عبّاس يقرأ الا أنهم يثنون يعني بفتح أوّله بتحتانيّة وفي روايةٍ بفوقانيّةٍ وسكون المثلّثة وفتح النّون وسكون الواو وكسر النّون بعدها ياءٌ على وزن تفعوعلٍ وهو بناء مبالغةٌ كاعشوشب لكن جعل الفعل للصّدور وأنشد الفرّاء لعنترة وقولك للشّيء الّذي لا تناله إذا ما هو احلولي ألا ليت ذا ليا وحكى أهل القراءات عن بن عبّاسٍ في هذه الكلمة قراءاتٍ أخرى وهي يثنونّ بفتح أوّله وسكون المثلّثة وفتح النّون وكسر الواو وتشديد النّون من الثّني بالمثلّثة والنّون وهو ما هشّ وضعف من النّبات وقراءةٌ ثالثةٌ عنه أيضًا بوزن يرعوي وقال أبو حاتمٍ السّجستانيّ في هذه القراءة غلطٌ إذ لا يقال ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى قلت وفي الشّواذّ قراءاتٌ أخرى ليس هذا موضع بسطها قوله أناسٌ كانوا يستخفّون أن يتخلّوا أي أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة وحكى بن التّين أنّه روى يتحلّوا بالمهملة وقال الشّيخ أبو الحسن يعني القابسيّ أنّه أحسن أي يرقد على حلاوة قفاه قلت والأوّل أولى وفي رواية أبي أسامة كانوا لا يأتون النّساء ولا الغائط إلّا وقد تغشّوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السّماء
[4683] قوله في رواية عمرو هو بن دينار قال قرأ بن عبّاس إلّا إنّهم يثنون صدورهم ضبط أوّله بالياء التّحتانيّة وبنون آخره وصدورهم بالنّصب على المفعوليّة وهي قراءة الجمهور كذا للأكثر ولأبي ذرٍّ كالّذي قبله ولسعيد بن منصور عن بن عيينة يثنوني أوّله تحتانيّةٌ وآخره تحتانيّةٌ أيضًا وزاد وعن حميدٍ الأعرج عن مجاهدٍ أنّه كان يقرؤها كذلك قوله وقال غيره أي عن بن عبّاس يستغشون يغطون رؤوسهم الضّمير في غيره يعود على عمرو بن دينارٍ وقد وصله الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ وتفسير التّغشّي بالتّغطية متّفقٌ عليه وتخصيص ذلك بالرّأس يحتاج إلى توقيفٍ وهذا مقبولٌ من مثل بن عبّاسٍ يقال منه استغشى بثوبه وتغشّاه وقال الشّاعر وتارةً أتغشّى فضل أطماري). [فتح الباري: 8/350]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه إلاّ حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور} (هود: 5)
وفي بعض النّسخ: باب: {إلّا إنّهم يثنون} وقد ذكرنا عن قريب أنه من الثني وما قالوا فيه.
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ بن صبّاحٍ حدّثنا حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ أخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقرأ ألا إنّهم يثنوني صدورهم قال سألته عنها فقل أناسٌ كانوا يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السّماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السّماء فنزل ذالك فيهم.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والحسن بن محمّد بن صباح: تشديد الباء الموحدة، أبو عليّ الزّعفراني، مات يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة ستّين ومائتين، وحجاج هو ابن محمّد الأعور ترمذي سكن المصيصة، وابن جريح هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ومحمّد بن عباد، بتشديد الباء الموحدة ابن جعفر المخزومي.
قوله: (ألا إنّهم) ، كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها. قوله: (يثنوني) ، بفتح الياء آخر الحروف وسكون الثّاء المثلّثة وفتح النّون وسكون الواو وكسر النّون الأخيرة، هو مضارع على وزن يفعوعل وماضيه أئتوني. عليّ وزن افعوعل من الثني على طريق المبالغة. كما تقول: أحلولي، للمبالغة من الحلاوة، وقال بعضهم: هذا بناء مبالغة، كاعشوشب. قلت: كان ينبغي أن يقول: كيعشوشب، فأحد الشّيئين والواو زائدتان لأنّه من عشب، وقرئ بالتّاء المثنّاة في أوله موضع الياء آخر الحروف. وعلى الوجهين لفظ: (صدورهم) مرفوع به والقراءة المشهورة يثنون بلفظ الجمع المذكر المضارع، والضّمير فيه راجع إلى المنافقين، وصدورهم منصوب به، وقرىء: لتئتوني، بزيادة اللّام في أوله: وتثنون أصله تثنوين، من الثن بكسر الثّاء المثلّثة وتشديد النّون، وهو ماهش وضعف من الكلام يريد مطاوعة صدورهم للتّمنّي كما يثنى النّبات من هشه، وأراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم: قرىء: تثنثن من اثنان على وزن افعال منه، ولكنه همز كما قيل: أبيأضت من ابياضت، وقرىء: يثنوي. على وزن يرعوي. قوله: (كانوا يستحيون) ، من الحياء، ويروى: يستخفون، من الاستخفاء، وقال ابن عبّاس: كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السّماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السّماء. قوله: (أن يتخلوا) ، أي: أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة، وحكى ابن التّين بفتح الحاء المهملة، ثمّ حكى عن الشّيخ أبي الحسن القابسيّ أنه أحسن، أي: يرقدون على حلاوة قفاهم. قوله: (فيفضوا) ، من أفضى الرجل إلى امرأته إذا باشرها، وفي رواية أبي أسامة: كانوا لا يأتون النّساء ولا الغائط إلاّ وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السّماء. (فنزل ذلك) أي: قوله عز وجل: {ألا إنّهم يثنون} الآية.
- حدّثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشامٌ عن ابن جريجٍ وأخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ أنّ ابن عبّاسٍ قرأ ألا إنهم تثنوني صدورهم قلت يا أبا العبّاس ما تثنوني صدورهم قال كان الرّجل يجامع امرأته فيستحي أو يتخلّى فيستحي فنزلت: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} .
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن إبراهيم بن موسى الفراء أبي إسحاق الرّازيّ المعروف بالصغير عن هشام بن يوسف الصّنعانيّ اليمانيّ قاضيها عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
قوله: (وأخبرني) ، ويروى عن ابن جريج. قال: وأخبرني، فكأن هذه العبارة تدل على أن ابن جريج روى هذا عن غير محمّد بن عباد، وفي رواية الطّبريّ عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاس. قوله: (تثنوني) ، على وزن، تفعوعل، كما ذكرناه عن قريب، (وصدورهم) مرفوع به قلت: قائله محمّد بن جعفر، وأبو العبّاس كنية عبد الله بن عبّاس.
- (حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال قرأ ابن عبّاس ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم وقال غيره عن ابن عبّاس يستغشون يغطون رؤسهم) هذا طريق آخر أخرجه عن عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قوله " يثنون " بفتح الياء وسكون الثّاء المثلّثة وضم النّون وهي القراءة المشهورة ولفظ صدورهم منصوب به قوله " ليستخفوا منه " قد مر تفسيره عن قريب قوله " وقال غيره " أي غير عمرو بن دينار روى عن ابن عبّاس). [عمدة القاري: 18/289-290]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({يثنون صدروهم} شك وافتراء) بالفاء والذي في أكثر الفروع المقابلة على اليونينية وامتراء (في الحق) بالميم). [إرشاد الساري: 7/167]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({ليستخفوا منه}) [هود: 5] أي (من الله إن استطاعوا) وهذه الألفاظ المفسرة كلها من البسملة إلى هنا ثابتة في رواية الأبوين ومقدمة عندهما ومؤخرة في رواية غيرهما عن تاليها). [إرشاد الساري: 7/167]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب
{ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور} [هود: 5] وقال غيره: وحاق: نزل، يحيق: ينزل. يؤوسٌ: فعولٌ من يئست. وقال مجاهدٌ: تبتئس: تحزن، يثنون صدورهم: شكٌّ وامتراءٌ في الحقّ، ليستخفوا منه، من اللّه إن استطاعوا.
({ألا إنهم يثنون صدورهم}) مضارع ثنى يثني ثنيًا أي طوى وانحرف وصدورهم مفعول، والمعنى يحرفون صدورهم ووجوههم عن الحق وقبوله ({ليستخفوا منه}) اللام متعلقة بيثنون كما قاله الحوفي وغيره والمعنى إنهم يفعلون ثني الصدور لهذه العلة. وقال الزمخشري ومن تبعه: متعلقة بمحذوف تقديره ويريدون ليستخفوا من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم ونظير اضمار يريدون لعود المعنى إلى إضماره الإضمار في قوله: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} معناه فضرب فانفلق، لكن قال في الدر ليس المعنى الذي يقودنا إلى إضمار الفعل هناك كالمعنى هنا لأن ثم لا بدّ من حذف معطوف عليه يضطر العقل إلى تقديره لأنه ليس من لازم الأمر بالضرب انفلاق البحر فلا بدّ أن يتعقل فضرب فانفلق، وأما في هذه فالاستخفاء علة صالحة لثنيهم صدورهم فلا اضطرار بنا إلى إضمار الإرادة. قال في فتوح الغيب: شبهه بقوله (اضرب بعصاك) في مجرد إرادة التقدير ليستقيم المعنى وروي عنه في الحاشية ثني الصدر بمعنى الإعراض إظهار للنفاق فلم يصح أن يتعلق به لام التعليل، فوجب إضمار ما يصح تعلقها به من شيء يستوي معه المعنى فلذلك قدر ويريدون ليستخفوا من الله أي يظهرون النفاق ويريدون مع ذلك أن يستخفوا منه ({ألا حين يستغشون ثيابهم}) يجعلونها أغشية وأغطية والناصب للظرف مضمر قدره في الكشاف بيريدون أي يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة أن يسمعوا القرآن أو الناصب
له قوله ({يعلم}) أي ألا يعلم ({ما يسرون}) في قلوبهم ({وما يعلنون}) بأفواههم فلا تفاوت في علمه بين سرهم وعلنهم ({إنه عليم بذات الصدور}) [هود: 5] بأسرار ذوات الصدور). [إرشاد الساري: 7/167-168]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحسن بن محمّد بن صبّاحٍ، حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ أخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقرأ: {ألا إنّهم تثنوني صدورهم} [هود: 5] قال: سألته عنها فقال: أناسٌ كانوا يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السّماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السّماء فنزل ذلك فيهم. [الحديث 4681 - أطرافه في: 4682 - 4683].
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد بن صباح) بالصاد المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف حاء مهملة الزعفراني قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن محمد الأعور (قال قال ابن جريج) عبد الملك (أخبرني) بالإفراد (محمد بن عباد بن جعفر) المخزومي (أنه سمع ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (يقرأ: ({ألا أنهم تثنوني}) بفتح الفوقية والنون الأولى بينهما مثلثة ساكنة وبعد الواو الساكنة نون أخرى مكسورة ثم ياء تحتية مضارع اثنوني على وزن افعوعل يفعوعل كاعشوشب يعشوشب من الثني وهو بناء مبالغة لتكرير العين ({صدورهم}) بالرفع على الفاعلية ولأبي ذر يثنوني بالتحتية بدل الفوقية صدورهم بالنصب (قال) أبي محمد بن عباد (سألته عنها فقال: أناس كانوا يستحيون) من الحياء ولأبي ذر يستخفون من الاستخفاء (أن يتخلوا) أي أن يدخلوا في الخلاء (فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء) بعوراتهم مكشوفات فيميلون صدورهم ويغطون رؤوسهم استخفاء (فنزل ذلك فيهم) {ألا إنهم يثنون صدورهم} [هود: 5] الآية. إلى آخرها.
- حدّثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ عن ابن جريجٍ، وأخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، أنّ ابن عبّاسٍ قرأ {ألا إنّهم تثنوني صدورهم} قلت: يا أبا العبّاس ما تثنوني صدورهم؟ قال: كان الرّجل يجامع امرأته فيستحي أو يتخلّى فيستحي، فنزلت {ألا إنّهم يثنون صدورهم}.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك (وأخبرني محمد بن عباد بن جعفر) بالواو عطفًا على مقدر أي أخبرني غير محمد بن عباد ومحمد بن عباد (أن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما قرأ: ({ألا أنهم تثنوني}) بفتح الفوقية والنون الأولى وكسر الثانية كذا في الفرع وأصله وبعدها تحتية ({صدورهم}) بالرفع ولأبي ذر: يثنون بضم النون الأولى وفتح الثانية وإسقاط
التحتية بعدها صدورهم نصب على المفعولية قال محمد بن عباد (قلت: يا أبا العباس) هي كنية عبد الله بن عباس (ما تثنوني) بفتح النون الأولى وبعد الثانية تحتية (صدورهم) بالرفع (قال: كان الرجل يجامع امرأته فيستحي) وفي نسخة فيستحيي بمثناتين تحتيتين (أو يتخلى فيستحي) من كشف عورته (فنزلت): ({ألا إنهم يثنون صدورهم}) ولأبي ذر: تثنوني بفتح الفوقية والنون صدورهم رفع.
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرٌو، قال قرأ ابن عبّاسٍ: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم} [هود: 5] وقال غيره: عن ابن عبّاسٍ يستغشون: يغطّون رءوسهم، سيء بهم: ساء ظنّه بقومه، وضاق بهم: بأضيافه. بقطعٍ من اللّيل: بسوادٍ. إليه أنيب: أرجع.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (قال: قرأ ابن عباس {إلا أنهم يثنون}) بالتحتية المفتوحة وضم النون الأولى وفتح الأخرى من غير تحتية ({صدورهم}) نصب على المفعولية ولأبي ذر يثنوني بإثبات التحتية بعد النون وضم النون الأولى صدورهم بالنصب والتأنيث مجازي فجاز تذكير الفعل باعتبار تأويل فاعله بالجمع وتأنيثه باعتبار تأويله بالجماعة، وفي بعض الحواشي الموثوق بها وهو في اليونينية قال الحموي يروى عن ابن عباس ثلاثة أوجه. تثنون أي بالفوقية وضم النون الأولى وفتح الثانية وهي قراءة الجمهور، ويثنوني أي بالتحتية وضم النون الأولى وبعد الثانية تحتية، وتثنوني أي بالفوقية وفتح النون الأولى وتحتية بعد الثانية ({ليستخفوا منه إلا حين يستغشون ثيابهم}) [هود: 5].
(وقال غيره): أي غير عمرو بن دينار فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: يستغشون أي (يغطون رؤوسهم) قال الحافظ ابن حجر: وتفسير التغشي بالتغطية متفق عليه وتخصيص ذلك بالرأس يحتاج إلى توقيف وهو مقبول من ابن عباس). [إرشاد الساري: 7/168-169]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({يثنون صدورهم} شك وامتراء في الحق {ليستخفوا منه}) أي (من الله إن استطاعوا) ). [إرشاد الساري: 7/168]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور}.
اختلف القرّاء في قراءة قوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} فقرأته عامّة الأمصار: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} على تقدير يفعلون من ثنيت، والصّدور منصوبةٌ.
واختلفت قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: ذلك كان من فعل بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غطّى وجهه وثنى ظهره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن حصينٍ، عن عبد اللّه بن شدّادٍ، في قوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم} قال: كان أحدهم إذا مرّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال بثوبه على وجهه، وثنى ظهره.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد. قوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه} قال: من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كان المنافقون إذا مرّوا به ثنى أحدهم صدره ويطأطئ رأسه، فقال اللّه: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حصينٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن شدّادٍ يقول، في قوله: {يثنون صدورهم} قال: كان أحدهم إذا مرّ بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثنى صدره، وتغشّى بثوبه كي لا يراه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقاله آخرون: بل كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم باللّه وظنًّا أنّ اللّه يخفى عليه، ما تضمره صدورهم إذا فعلوا ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يثنون صدورهم} قال: شكًّا وامتراءً في الحقّ، ليستخفوا من اللّه إن استطاعوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يثنون صدورهم} شكًّا وامتراءً في الحقّ. {ليستخفوا منه} قال: من اللّه إن استطاعوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يثنون صدورهم} قال: تضيق شكًّا.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يثنون صدورهم} قال: تضيق شكًّا وامتراءً في الحقّ، قال: {ليستخفوا منه} قال: من اللّه إن استطاعوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم} قال: من جهالتهم به، قال اللّه: {ألا حين يستغشون ثيابهم} في ظلمة اللّيل في أجوف بيوتهم، {يعلم} تلك السّاعة {ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم} قال: كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه.
وقال آخرون: إنّما كانوا يفعلون ذلك لئلاّ يسمعوا كلام اللّه تعالى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ألا إنّهم يثنون صدورهم} الآية، قال: كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب اللّه، قال تعالى: {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون} وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى صدره واستغشى بثوبه، وأضمر همّه في نفسه، فإنّ اللّه لا يخفى ذلك عليه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {يستغشون ثيابهم} قال: أخفى ما يكون الإنسان إذا أسرّ في نفسه شيئًا، وتغطّى بثوبه، فذلك أخفى ما يكون، واللّه يطّلع على ما في نفوسهم، واللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون.
وقال آخرون: إنّما هذا إخبارٌ من اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المنافقين الّذين كانوا يضمرون له العداوة والبغضاء، ويبدون له المحبّة والمودّة، وأنّهم معه وعلى دينه. يقول جلّ ثناؤه: ألا إنّهم يطوون صدورهم على الكفر ليستخفوا من اللّه، ثمّ أخبر جلّ ثناؤه أنّه لا يخفى عليه سرائرهم وعلانيتهم.
وقال آخرون: كانوا يفعلون ذلك إذا ناجى بعضهم بعضًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه} قال: هذا حين يناجي بعضهم بعضًا. وقرأ: {ألا حين يستغشون ثيابهم} الآية.
وروي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ ذلك: وألاّ إنّهم تثنوني صدورهم على مثال: تحلولي التّمرة: تفعوعل.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقرأ: ألا إنّهم تثنوني صدورهم قال: كانوا لا يأتون النّساء ولا الغائط إلاّ وقد تغشّوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السّماء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سمعت محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، يقول: سمعت ابن عبّاسٍ، يقرؤها: ألا إنّهم تثنوني صدورهم قال: سألته عنها، فقال: كان ناسٌ يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السّماء، وأن يصيبوا فيفضوا إلى السّماء.
وروي عن ابن عبّاسٍ في تأويل ذلك قولٌ آخر، وهو ما:
- حدّثنا به، محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: أخبرت عن عكرمة، أنّ ابن عبّاسٍ، قرأ ألا إنّهم تثنوني صدورهم وقال ابن عبّاسٍ: تثنوني صدورهم: الشّكّ في اللّه وعمل السّيّئات. {يستغشون ثيابهم} يستكبر، أو يستكنّ من اللّه واللّه يراه، {يعلم ما يسرّون وما يعلنون}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن رجلٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قرأ: ألا إنّهم تثنوني صدورهم قال عكرمة: تثنوني صدورهم، قال: الشّكّ في اللّه وعمل السّيّئات، فيستغشي ثيابه ويستكنّ من اللّه، واللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وهو: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} على مثال يفعلون، والصّدور نصب بمعنى: يحنون صدورهم ويكنونها.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يثنون صدورهم} يقول: يكنون.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} يقول: يكتمون ما في قلوبهم. {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم} ما عملوا باللّيل والنّهار.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} يقول: تثنوني صدورهم.
وهذا التّأويل الّذي تأوّله الضّحّاك على مذهب قراءة ابن عبّاسٍ، إلاّ أنّ الّذي حدّثنا هكذا ذكر القراءة في الرّواية.
فإذا كانت القراءة الّتي ذكرنا أولى القراءتين في ذلك بالصّواب لإجماع الحجّة من القرّاء عليها. فأولى التّأويلات بتأويل ذلك، تأويل من قال: إنّهم كانوا يفعلون ذلك جهلاً منهم باللّه أنّه يخفى عليه ما تضمره نفوسهم أو تناجوه بينهم.
وإنّما قلنا ذلك أولى التّأويلات بالآية، لأنّ قوله: {ليستخفوا منه} بمعنى: ليستخفوا من اللّه، وأنّ الهاء في قوله: {منه} عائدةٌ على اسم اللّه، ولم يجر لمحمّدٍ ذكرٌ قبل. فيجعل من ذكره صلّى اللّه عليه وسلّم، وهي في سياق الخبر عن اللّه. فإذا كان ذلك كذلك كانت بأن تكون من ذكر اللّه أولى. وإذا صحّ أنّ ذلك كذلك، كان معلومًا أنّهم لم يحدّثوا أنفسهم أنّهم يستخفون من اللّه إلاّ بجهلهم به، فلمّا أخبرهم جلّ ثناؤه أنّه لا يخفى عليه سرّ أمورهم وعلانيتها على أيّ حالٍ كانوا تغشّوا بالثّياب أو أظهروا بالبزار، فقال: {ألا حين يستغشون ثيابهم} يعني: يتغشّون ثيابهم يتغطّونها ويلبسون.
يقال منه: استغشى ثوبه وتغشّاه، قال اللّه: {واستغشوا ثيابهم} وقالت الخنساء:
أرعى النّجوم وما كلّفت رعيتها = وتارةً أتغشّى فضل أطماري
{يعلم ما يسرّون} يقول جلّ ثناؤه: يعلم ما يسرّ هؤلاء الجهلة بربّهم، الظّانّون أنّ اللّه يخفى عليه ما أضمرته صدورهم إذا حنوها على ما فيها وثنوه، وما تناجوه بينهم فأخفوه {وما يعلنون} سواءٌ عنده سرائر عباده وعلانيتهم {إنّه عليمٌ بذات الصّدور} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه ذو علمٍ بكلّ ما أخفته صدور خلقه من إيمانٍ، وكفرٍ وحقٍّ وباطلٍ وخيرٍ وشرٍّ، وما تستجنّه ممّا لم يجنّه بعد.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ألا حين يستغشون ثيابهم} يقول: يغطّون رءوسهم.
قال أبو جعفرٍ: فاحذروا أن يطّلع عليكم ربّكم، وأنتم مضمرون في صدوركم الشّكّ في شيءٍ من توحيده أو أمره أو نهيه، أو فيما ألزمكم الإيمان به والتّصديق، فتهلكوا باعتقادكم ذلك). [جامع البيان: 12/316-323]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور (5)
قوله تعالى: ألا إنّهم يثنون صدورهم
[الوجه الأول]
- حدثنا أبي، ثنا ابن أبي سريح، ثنا أبو أسامة، عن ابن جريجٍ، عن محمّد بن عبّادٍ قال سمعت ابن عبّاسٍ يقول: ألا إنّهم يثنون صدورهم قال: كانوا لا يأتون النّساء ولا الغائط. وهم يفضون إلى السّماء يتغشون فيما فنزلت هذه الآية.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ألا إنّهم يثنون صدورهم يقول: يكنّون.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، ثنا عمّي، ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ألا إنّهم يثنون صدورهم يقول: يكتمون ما في قلوبهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ قال أخبرت، عن عكرمة أنّ ابن عبّاسٍ قال: ألا إنّهم يثنون صدورهم الشّكّ في اللّه وعمل السّيّئات.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يثنون صدورهم: تضيق شكًا وامتراءً في الحقّ.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عونٍ، ثنا هشيمٌ، عن حصينٍ قال: سمعت عبد اللّه بن شدّادٍ في قوله: ألا إنّهم يثنون صدورهم قال: كان إذا أمر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غطّى رأسه وثنى صدره لأنّه لا يراه.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاء بن أبي مسلمٍ الخراسانيّ: أمّا يثنون صدورهم فيقال: يطأطئون رءوسهم ويحنون صدورهم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النحوي، عن عبيد ابن سليمان، عن الضّحّاك في قوله: ألا إنّهم يثنون صدورهم يقول: تلتوي صدورهم.
- ذكره أبو زرعة، ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا أبو هارون النّحويّ، عن هشامٍ، عن الحسن ألا إنّهم يثنون صدورهم قال: حديث النّفس.
قوله تعالى: ليستخفوا منه
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، ثنا الحجّاج قال: قال ابن جريجٍ: سمعت محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ يقول: سمعت ابن عبّاسٍ يقرأ: ألا إنّهم يثنون صدورهم فسألته، عنها قال: كان أناسٌ يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا في السّماء، وأن يصيبوا نساءهم، فيفضوا فنزل ذلك فيهم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قوله: ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه قال: كانوا يحنون صدورهم لكي لا يسمعوا كتاب اللّه وكما ذكره قال تعالى ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا أحنى ظهره استفشى ما به وأضمر همّه في نفسه فإنّ اللّه لا يخفى عليه.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسن بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ قوله: ليستخفوا منه ليستتروا.
الوجه الثالث:
- حدثنا أبي، ثنا أبو هوذة بن خليفة، ثنا عوفٌ، عن الحسن في قوله: ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه وهو من جهالتهم به.
قوله تعالى: منه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: ليستخفوا منه قال: من اللّه إنّ استطاعوا.
قوله تعالى: ألا حين يستغشون ثيابهم
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، ثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: يستغشون ثيابهم يقول: يغطّون رءوسهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفينٍ، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ حين يستغشون ثيابهم قال: كان يحني ظهره ويتغطّى بثوبه.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ أمّا يستغشون ثيابهم فيلبسون ثيابهم استغثوا بها على رءوسهم.
قوله تعالى: يعلم ما يسرون وما يعلنون
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: يعلم ما يسرّون وما يعلنون يقول: فاعملوا باللّيل والنّهار.
- حدّثنا أبي، ثنا هوذة، ثنا عوفٌ، عن الحسن يعلم ما يسرّون وما يعلنون قال: في ظلمة اللّيل وفي أجواف بيوتهم.
قوله تعالى: إنّه عليمٌ بذات الصّدور
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق واللّه عليمٌ بذات الصّدور أي: لا يخفى عليه ما في صدورهم بما استخفوا به منكم.
- حدّثنا أبي، ثنا هوذة، ثنا عوفٌ، عن الحسن إنّه عليمٌ بذات الصّدور: يعلم تلك السّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 6/1998-2001]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يثنون صدورهم يعني شكا وامتراء في الحق). [تفسير مجاهد: 2/299]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (أنبا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد بن الهاد في قوله إلا إنهم يثنون صدورهم قال كان أحدهم إذا مر برسول الله ثنى صدره ورفع ثوبه على رأسه لكيلا يسمع القرآن والذكر). [تفسير مجاهد: 2/299-300]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ليستخفوا منه يعني من الله عز وجل إن استطاعوا). [تفسير مجاهد: 2/300]

قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال محمد بن عبّاد بن جعفر المخزوميّ: إنه سمع ابن عباس يقرأ {ألا إنهم تثنوني صدورهم } [هود: 5] قال: فسألته عنها؟ فقال: كان أناس يستحيون أن يتخلّوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم.
وفي رواية عمرو بن دينارٍ قال: قرأ ابن عباس {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم} قال: وقال غيره: يستغشون: يغطّون رؤوسهم. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(تثنوني) تفعوعل: من الانثناء.
(يتخلوا) أي يخلون بأنفسهم، من الخلاء عند قضاء الحاجة.
(فيفضوا) الإفضاء: الوصول إلى الشيء، وأراد به: الانكشاف). [جامع الأصول: 2/193-194]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 5.
أخرج البخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه من طريق محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قرأ {ألا إنهم يثنون صدورهم} وقال أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم). [الدر المنثور: 8/11]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن مردويه من طريق عمرو بن دينار رضي الله عنه قال: قرأ ابن عباس رضي الله عنهما ألا إنهم تثنوا في صدورهم). [الدر المنثور: 8/11-12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن أبي مليكة رضي الله عنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول ألا إنهم تثنوا في صدورهم قال: كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء). [الدر المنثور: 8/12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما {ألا إنهم يثنون صدورهم} قال: الشك في الله وعمل السيئات). [الدر المنثور: 8/12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن شداد بن الهاد رضي الله عنه في قوله {ألا إنهم يثنون صدورهم} قال: كان المنافقون إذا مر أحدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وتغشى ثوبه لكيلا يراه فنزلت). [الدر المنثور: 8/12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {يثنون صدورهم} قال: تضيق شكا وامتراء في الحق {ليستخفوا منه} قال: من الله إن استطاعوا). [الدر المنثور: 8/12]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله {ألا حين يستغشون ثيابهم} قال: في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم). [الدر المنثور: 8/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رزين رضي الله عنه في الآية قال: كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه). [الدر المنثور: 8/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله، قال تعالى {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون} وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا حنى ظهره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه فإن الله لا يخفي ذلك عليه). [الدر المنثور: 8/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ألا إنهم يثنون صدورهم} يقول: يكتمون ما في قلوبهم {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم} ما علموا بالليل والنهار). [الدر المنثور: 8/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله {يثنون صدورهم} يقول: يطأطئون رؤوسهم ويحنون ظهورهم). [الدر المنثور: 8/13]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله {ألا حين يستغشون ثيابهم} قال: في ظلمة وظلمة اللحاف). [الدر المنثور: 8/13-14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {ألا إنهم يثنون صدورهم} قال: يكبون {ألا حين يستغشون ثيابهم} قال: يغطون رؤوسهم). [الدر المنثور: 8/14]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 10:12 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {الر كتابٌ أحكمت آياته...}.
رفعت الكتاب بالهجاء الذي قبله، كأنك قلت: حروف الهجاء هذا القرآن. وإن شئت أضمرت له ما يرفعه؛ كأنك قلت: الر هذا الكتاب.
وقوله: {ثمّ فصّلت} بالحلال والحرام. والأمر والنهي. لذلك جاء قوله: {ألاّ تعبدوا...} ). [معاني القرآن: 2/3]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {آلر} ساكن، مجازه مجاز فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي، ومجازه في المعنى. ابتداء فواتح سائر السور.
{آلر كتابٌ}: مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقوله: هذا كتاب.
{من لدن} أي هذا قرآن من عند؛ لدُن ولَدُن ولُداً سواء ولَدٌ). [مجاز القرآن: 1/285]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ندع ما مضى في صدر الكتاب.
قوله {من لدن حكيم} و{بلغت من لدني عذرا} فإن بعض العرب وتميم تقول: من لدن زيد بضم الدال وإسكان النون، وهي قراءة العامة.
وقالت قيس: متاعنا لدن دارك؛ فنصبوا النون وأوقعوا الإعراب عليها؛ وقالوا: من لدن دارك، فخفضوا.
وقد حكيت أيضًا: لدن دارك بضم اللام وإسكان الدال؛ وحكي أيضًا: [من لدن زيد، بفتح اللام والدال وإسكان النون، وقالوا أيضًا: من لدن زيد، بفتح اللام وإسكان الدال وفتح النون]؛ وقالوا أيضًا: من لدن زيد، بكسر الدال وسكون النون.
وقالت قيس في الإضافة: من لدنك برفع الدال وجر النون؛ وتنصب في موضع النصب، وقال المرقش فأسكن الدال وحرك النون:
وكأن حبة فلفل في عينه = من لدن مصبحها إلى إمسائها
وقالوا في الإضافة: "من لدك" يا زيد، بحذف النون؛ ومن لداك أيضًا؛ ومن لديك.
وحكي عن العرب: "مالت هذه إلى هذه" يريد: ما لد هذه إلى هذه؛ ما لدا هذه إلى هذه؛ فحول الدال تاء، وكسر التاء.
وتميم تحذف النون عند التقاء الساكنين، مثل قولهم: لدا اليوم، وتسكن النون من "لدن" في كل موضع من الإعراب، موصول وغير موصول.
وقال الراجز في حذف النون في الإضافة؛ وزعم يونس بن حبيب أنه سمعه:
[معاني القرآن لقطرب: 682]
من لد شولا فإلى إتلائها
يريد من "لدن كانت" فحذف النون من لدن؛ فإذا أضفتها إلى نفسك قلت: لدني، وهي قوله {قد بلغت من لدني عذرا} فأدخلت نونًا على النون الساكنة في "لدن" كما قالوا: مني وعني وقطني وقدني؛ وقالوا: قطي وقدي، بغير نون.
ومن قال ذلك جاز في القياس {بلغت من لدني} واحدة، ومن أجرى عليها الإعراب فقال "من لدن حكيم" وقال أيضًا "من لدني" مثل عندي؛ وكذلك من قال "من لدن" فأجرى عليها الإعراب كذلك.
يقول الراجز:
قدني من نصر الخبيبين قدي = ليس أميري بالشحيح الملحد
فأدخل النون في الأولى وحذفها من الأخرى.
وقال الآخر:
قطي أبدًا من كل ما ليس نافعي = ومن طلبي ما ليس لي بنصيب
وقالوا أيضًا في بجل: بجلني، وبجلي.
قال طرفة:
ألا إنني أشربت أسود حالكًا = ألا بجلي من الشراب ألا بجل). [معاني القرآن لقطرب: 683]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أحكمت آياته} فلم تنسخ.
{ثمّ فصّلت} بالحلال والحرام. ويقال: فصّلت: أنزلت شيئا بعد شيء ولم تنزل جملة.
{من لدن حكيمٍ خبيرٍ} أي من عند حكيم خبير). [تفسير غريب القرآن: 201]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {الر كتاب أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيم خبير}
كتاب مرفوع بإضمار هذا كتاب.
وقال بعضهم: (كتاب) خبر " الر "
وهذا غلط، لأن قوله: {كتاب أحكمت آياته ثمّ فصّلت} ليس هو (الر) وحدها.
وفي التفسير {أحكمت آياته} بالأمر والنهي والحلال والحرام ثم فصلت بالوعد والوعيد.
والمعنى - واللّه أعلم - أنّ آياته أحكمت وفصّلت بجميع ما يحتاج إليه من الدلالة على التوحيد، وإثبات نبوة الأنبياء - عليهم السلام – وإقامة الشرائع.
والدليل على ذلك قوله: {ما فرّطنا في الكتاب من شيء}
وقوله: {وتفصيل كلّ شيء}.
ويدل على هذا قوله: {ألّا تعبدوا إلّا اللّه إنّني لكم منه نذير وبشير}.
المعنى {أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيم خبير}.
أي من عند حكيم خبير، لـ أن لا تعبدوا إلا اللّه.
وموضع أن نصب على كل حال.
(وقوله: (إنني) مقول قول مقدر، أي قل يا محمد لهم إنّني لكم منه.
أي من جهة اللّه " نذير " أي مخوّف من عذابه لمن كفر.
و" بشير " بالجنة لمن آمن). [معاني القرآن: 3/38-37]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت}
المعنى هو كتاب أحكمت آياته
قال الحسن أحكمت بالأمر والنهي ثم فصلت بالثواب والعقاب
وقال قتادة أحكمها والله من الباطل ثم فصلها بعلمه وبين حلالها وحرامها والطاعة والمعصية
وقال مجاهد فصلت فسرت
وقيل أحكمت فلا ينسخها شيء بعدها ثم فصلت أنزلت شيئا بعد شيء
ومن أحسنها قول قتادة أي أحكمها من الخلل والباطل
ثم قال جل وعز: {من لدن حكيم خبير}
قال قتادة أي من عند حكيم خبير). [معاني القرآن: 3/328-327]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} لم تنسخ كلها، {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بالحلال والحرام. وقيل: أنزلت شيئا بعد شيء.
{مِن لَّدُنْ} من عند). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 105]

تفسير قوله تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير}
يجوز أن يكون المعنى بأن لا تعبدوا إلا الله
ويجوز أن يكون المعنى لئلا تعبدوا
ويجوز أن يكون المعنى أمرتم أن لا تعبدوا إلا الله). [معاني القرآن: 3/328]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ثم قال {وأن استغفروا ربّكم...}
أي فصّلت آياته ألاّ تعبدوا وأن استغفروا. فأن في موضع نصب بإلقائك الخافض). [معاني القرآن: 2/3]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يمتّعكم متاعاً حسناً} أي يعمّركم. وأصل الإمتاع: الإطالة.
يقال: أمتع اللّه بك، ومتّع اللّه بك إمتاعا ومتاعا. والشيء الطويل: ماتع.
ويقال: جبل ماتع. وقد متع النّهار: إذا تطاول). [تفسير غريب القرآن: 201]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمّى ويؤت كلّ ذي فضل فضله وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يوم كبير} أي وأمركم بالاستغفار.
{ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعا حسنا}أي يبقيكم ولا يستأصلكم بالعذاب كما استأصل أهل القرى الذين كفروا.
{ويؤت كلّ ذي فضل فضله}أي من كان ذا فضل في دينه فضله اللّه بالثواب، وفضله بالمنزلة (في الدنيا) بالدين كما فضل أصحاب نبيه (عليه السلام) ). [معاني القرآن: 3/38]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى}
يمتعكم: يعمركم، وقيل لا يهلككم
وأصل الإمتاع الإطالة ومنه أمتع الله بك ومتع
قال قتادة إلى أجل مسمى أي إلى الموت
وقوله جل وعز: {ويؤت كل ذي فضل فضله} أي من كان له عمل صالح أوتي ثوابه). [معاني القرآن: 3/329-328]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا} أي يعمركم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 105]

تفسير قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه...}
نزلت في بعض من كان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم بما يحبّ، وينطوي له على العداوة والبغض. فذلك الثنى هو الإخفاء.
وقال الله تبارك وتعالى: {ألا حين يستغشون ثيابهم} يعلم الله ما يخفون من عداوة محمّد صلّي الله عليه وسلم...
- وحدثني الثقة عبد الله بن المبارك عن ابن جريج رجل أظنّه عطاء عن ابن عبّاس أنه قرأ (تثنوني صدورهم) وهو في العربيّة بمنزلة تنثني كما قال عنترة:
وقولك للشيء الذي لا تناله = إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا
وهو من الفعل: افعوعلت). [معاني القرآن: 2/3-4]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم} والعرب تدخل ألا توكيداً وإيجاباً وتنبيهاً). [مجاز القرآن: 1/285]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور}
قال: {ألا إنّهم يثنون صدورهم} وقال بعضهم (تثنوني صدورهم) جعله على "تفعوعل" مثل "تعجوجل" وهي قراءة الأعمش). [معاني القرآن: 2/39]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن والأعرج ونافع وعاصم والأعمش وأبو عمرو {ألا إنهم يثنون صدورهم} .
وقال ابن عباس {يثنون صدورهم} يكتمون ما في صدورهم من العداوة.
ابن عباس رحمه الله ويحيى بن يعمر "تثنوني صدورهم" تفعوعل من ثنيت). [معاني القرآن لقطرب: 671]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {يستغشون ثيابهم} وقال في السورة الأخرى {واستغشوا ثيابهم} والمعنى في {استغشوا}، تغشوا ثيابهم؛ وكان ابن عباس يقول في {يستغشون ثيابهم} يلبسونها ليلاً.
قالت الخنساء:
[معاني القرآن لقطرب: 683]
أرعى النجوم وما كلفت رعيتها = وتارة أتغشى فضل أطماري
فجاءت على: تغشيت). [معاني القرآن لقطرب: 684]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يثنون صدورهم} أي يطوون ما فيها ويسترونه {ليستخفوا} بذلك من اللّه.
{ألا حين يستغشون ثيابهم} أي يستترون بها ويتغشّونها). [تفسير غريب القرآن: 202-201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(ألا) تزاد في الكلام للتنبيه.
كقوله: {أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} و: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ}.
وقال الشاعر:
ألا أيّهذا الرّاجزي أحضرَ الوغى = وأن أشهد اللّذَّاتِ: هل أنت مُخْلِدِي
أراد أيّها الزاجري أن أحضر الوغى فزاد (ألا) وحذف (أن) ). [تأويل مشكل القرآن: 248-247]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (ألا) : تنبيه: وهي زيادة في الكلام، قال تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ}.
وقال: {أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}.
وتقول: ألا إنّ القوم خارجون: تريد بها: افهم اعلم أنّ الأمر كذا وكذا). [تأويل مشكل القرآن: 560]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليم بذات الصّدور}
(ألا) معناها التنبيه ولا حظّ لها في الإعراب، وما بعدها مبتدأ.
ومعنى {يثنون صدورهم ليستخفوا}، أي يسرون عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل إن طائفة من المشركين قالت: إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا.
واستغشينا ثيابنا، وثنينا صدورنا على عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - كيف يعلم بنا، فأعلم
- عز وجل - بما كتموه فقال جلّ ثناؤه: {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون}.
وقرئت {ألا إنّهم يثنوني صدورهم}.
قرأها الأعمش ورويت عن ابن عباس " تثنوني " صدورهم.
على مثال تفعوعل ومعناها المبالغة في الشيء، ومثل ذلك قد احلولى الشيء إذا بلغ الغاية في الحلاوة). [معاني القرآن: 3/39-38]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه}
قال عبد الله بن شداد كان أحدهم يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فيثني صدره ويتغشى ثوبه كراهة أن يراه النبي صلى الله عليه وسلم
وقال أبو رزين كان الرجل يضطجع على شقه ويتغشى ثوبه ليستخفي
وقال مجاهد يثنون صدورهم شكا وامتراء ليستخفوا منه أي من الله إن استطاعوا
وقال الحسن يعني حديث النفس فأعلم الله جل وعز أنهم حين يستغشون ثيابهم في ظلمة الليل وفي أجواف بيوتهم يعلم تلك الساعة ما يسرون وما يعلنون
قال أبو جعفر وهذه المعاني متقاربة أي يسرون عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ويطوون
ومن صحيح ما فيه ما حدثناه علي بن الحسين قال: قال الزعفراني حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس يقرأ ألا إنهم تثنوني صدورهم
قال سألته عنه فقال كان ناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم
ويروى أن بعضهم قال أغلقت بابي وأرخيت ستري وتغشيت ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي فأعلم الله جل وعز أنه يعلم ما يسرون وما يعلنون
ونظيره {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم}
ومن قرأ (تثنوني صدورهم) وهي قراءة ابن عباس ذهب إلى معنى التكثير كما يقال احلولى الشيء وليست تثنوني حتى يثنوها فالمعنى يؤول إلى ذاك). [معاني القرآن: 3/331-329]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} أي يطوون ما فيها ويسترونه ليستخفوا بذلك من الله.
و{يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} أي يستترون بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 105]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 10:21 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) }

تفسير قوله تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وروى الهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: " أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم فقال: يا بني هاشم، ألا تحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم أبالرضا بكم أم بالاجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعًا؟ فإن كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتت حقًا ولا أسّست ملكًا، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما منع العباس عمّ النبي ووارثه وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعًا فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة لا تكون الإمامة بها وحدها وأنتم تدّعونها بهم وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بهم من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليهم ونقلوا أقدامهم إليه الرغبة وطارت إليه أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجههم. إن أمركم لأمرٌ تضيق به الصدور، إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه من غيركم قلتم حقٌّ. فإن كانوا اجتمعوا على حقّ فقد أخرجكم الحقّ من دعواكم. انظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن كانوا أخذوا حقّهم فسّلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم. فقال ابن عباس: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا عليّنا حقًّا ضيعوه وحظًّا حرموه، وقد اجتمعوا على ذي فضل لم يخطئ الورد والصّدر، ولا ينقص فضل ذي فضلٍ فضل غيره عليه. قال اللّه عز وجل: {ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله}، فأما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ودنّا بتأويله، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهانا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارًّا، انتهت القضية إلى داود وسليمان فلم يفهّمهم داود وفهّمهم سليمان ولم يضرّ داود. فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه: ((أنت عمّي وصنو أبي ومن أبغض العباس فقد أبغضني، وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوّتي آخر النبوّة)) وقال لأبي طالب عند موته: ((يا عم قل لا إله إلا اللّه أشفع لك بهم غدًا)) وليس ذاك لأحد من الناس. قال اللّه تعالى: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} ). [عيون الأخبار: 1/6]

تفسير قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) }

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
ألا انعم صباحًا أيها الطلل البالي = وهل ينعمن من كان في العصر الخالي
...
وقال: (ألا) كلمة يستفتح بها الكلام.
قال أبو حاتم: في كتاب الله جل وعز: {ألا إنهم يثنون صدورهم} ويقال للأعرابي: هل رأيت فلانا؟ فيقول: ألا لا!! فقوله: (ألا) زائدة، مفتاح كلام.
وكان الحسن يقول في خطبة النكاح: ألا وإن فلانا قد خطب إليكم ...
وأما قول الله جل وعز: {ألا يعلم من خلق} فهذه (لا) أدخلت عليها ألف الاستفهام، كما يقال: أليس تعلم؟ فليس للنفي، وكذلك (لا) للنفي أدخلت عليها ألف الاستفهام، وكذلك (ألم)؟). [شرح ديوان امرئ القيس: 301-302]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 10:22 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 10:22 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 01:59 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:00 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ (1) ألاّ تعبدوا إلاّ اللّه إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ (2) وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ (3) إلى اللّه مرجعكم وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (4)
تقدم استيعاب القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وتختص هذه بأن قيل إن الرحمن فرقت حروفه فيها وفي حم [غافر: 1، فصلت: 1، الشورى: 1، الزخرف: 1، الدخان: 1، الجاثية: 1، الأحقاف: 1] وفي ن والقلم [القلم: 1].
وكتابٌ مرتفع على خبر الابتداء، فمن قال الحروف إشارة إلى حروف المعجم كانت الحروف المبتدأ، ومن تأول الحروف غير ذلك كان المبتدأ «هذا كتاب» والمراد بالكتاب القرآن.
وأحكمت معناه أتقنت وأجيدت شبه تحكم الأمور المتقنة الكاملة، وبهذه الصفة كان القرآن في الأزل ثم فصل بتقطيعه وتنويع أحكامه وأوامره على محمد صلى الله عليه وسلم في أزمنة مختلفة ف ثمّ على بابها، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل إذ الإحكام صفة ذاتية، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له، والكتاب بأجمعه محكم مفصل والإحكام الذي هو ضد النسخ والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك. وحكى الطبري عن بعض المتأولين: أحكمت بالأمر والنهي وفصلت بالثواب والعقاب وعن بعضهم: أحكمت من الباطل، وفصلت بالحلال والحرام ونحو هذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى ولكن لا يقتضيه اللفظ، وقال قوم: فصّلت معناه فسرت، وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري وابن كثير- فيما روي عنه-: «ثم فصلت» بفتح الفاء والصاد واللام، ويحتمل ذلك معنيين:
أحدهما: «فصلت» أي نزلت إلى الناس كما تقول فصل فلان لسفره ونحو هذا المعنى. والثاني فصلت بين المحق والمبطل من الناس.
ومن لدن معناه من حيث ابتدئت الغاية، كذا قال سيبويه وفيها لغات: يقال: لدن ولدن بسكون الدال: وقرئ بهما. من لدن، ويقال: «لد» بفتح اللام وضم الدال دون نون، ويقال «لدا»، بدال منونة مقصورة. ويقال: «لد» بدال مكسورة منونة، حكى ذلك أبو عبيدة.
وحكيمٍ أي محكم، وخبيرٍ أي ذو خبرة بالأمور أجمع). [المحرر الوجيز: 4/ 536-537]

تفسير قوله تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ألّا تعبدوا أن في موضع نصب إما على إضمار فعل وإما على تقدير ب «أن» وإسقاط الخافض، وقيل على البدل من موضع الآيات، وهذا معترض ضعيف لأنه موضع للآيات، وإن نظر موضع الجملة فهو رفع: ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير: تفصيله ألا تعبدوا وقيل: على البدل من لفظ الآيات.
وقوله تعالى: إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ أي من عقابه وبثوابه: وإذا أطلقت هاتان اللفظتان فالنذارة في المكروه والبشارة في المحبوب وقدم النذير لأن التحذير من النار هو الأهم). [المحرر الوجيز: 4/ 537-538]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (
وأن معطوفة على التي قبلها، ومعنى الآية: استغفروا ربكم أي اطلبوا مغفرته لكم وذلك بطلب دخولكم في الإسلام ثم توبوا من الكفر أي انسلخوا منه واندموا على سالفه. وثمّ مرتبة لأن الكافر أول ما ينيب فإنه في طلب مغفرة ربه فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه.
وقرأ الجمهور «يمتّعكم» بشد التاء، وقرأ ابن محيصن «يمتعكم» بسكون الميم وتخفيف التاء، وفي كتاب أبي حاتم: «إن هذه القراءات بالنون»، وفي هذا نظر. ومتاعاً مصدر جار على غير الفعل المتقدم مثل قوله واللّه أنبتكم من الأرض نباتاً [نوح: 17] وقيل نصب بتعدي يمتّعكم لأنك تقول: متعت زيدا ثوبا. ووصف المتاع «بالحسن» إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفترضاته والسرور بمواعيده والكافر ليس في شيء من هذا، وأما من قال بأن «المتاع الحسن» هو فوائد الدنيا وزينتها فيضعف بين الكفرة يتشاركون في ذلك أعظم مشاركة والأجل المسمى»: هو أجل الموت معناه إلى أجلٍ مسمًّى لكل واحد منكم، وهذا ظاهر الآية: «واليوم الكبير» - على هذا- هو يوم القيامة.
وتحتمل الآية أن يكون التوعد بتعجيل العذاب إن كفروا، والوعد بتمتيعهم إن آمنوا، فتشبه ما قاله نوح عليه السلام، و «اليوم الكبير» - على هذا- يوم بدر ونحوه والمجهلة في أي الأمرين يكون إنما هي بحسب البشر والأمر عند الله تعالى معلوم محصل والأجل واحد.
وقوله تعالى: ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله أي كل ذي إحسان بقوله، أو بفعله، أو قوته، أو بماله، أو غير ذلك، مما يمكن أن يتقرب به وفضله، يحتمل أن يعود الضمير فيه على الله عز وجل أي يؤتي الله فضله كل ذي فضل وعمل صالح من المؤمنين، وهذا المعنى ما وعد به تعالى وتضعيف الحسنة بعشر أمثالها ومن التضعيف غير المحصور لمن شاء، وهذا التأويل تأوله ابن مسعود وقال: ويل لمن غلبت آحاده عشراته. ويحتمل أن يكون قول ابن مسعود موافقا للمعنى الأول.
وقرأ جمهور «وإن تولّوا» بفتح التاء واللام، فبعضهم قال الغيبة، أي فقل لهم: إني أخاف عليكم، وقال بعضهم معناه فإن تتولوا فحذفت التاء والآية كلها على مخاطبة الحاضر، وقرأ اليماني وعيسى بن عمر:
«وإن تولوا» بضم التاء واللام وإسكان الواو.
وقوله تعالى: فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ، توعد بيوم القيامة: ويحتمل أن يريد به يوما من الدنيا كبدر وغيره). [المحرر الوجيز: 4/ 538-539]

تفسير قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إلى اللّه مرجعكم توعد، وهو يؤيد أن «اليوم الكبير» يوم القيامة لأنه توعد به، ثم ذكر الطريق إليه من الرجوع إلى الله، والمعنى إلى عقاب الله وجزائه رجوعكم وهو القادر الذي لا يضره شيء ولا يجير عليه مجير ولا تنفع من قضائه واقية. وقوله: على كلّ شيءٍ عموم يراد به الخصوص، دون ما لا يوصف الله بالقدرة عليه من المحالات وغيرها التي هي أشياء. والشيء في اللغة الموجود وما يتحقق أنه يوجد كزلزلة الساعة وغيرها). [المحرر الوجيز: 4/ 539]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور (5) وما من دابّةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ (6)
قيل إن هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمستتر وردوا إليه ظهورهم وغشوا وجوههم بثيابهم تباعدا منه وكراهة للقائه، وهم يظنون أن ذلك يخفى عليه وعلى الله عز وجل فنزلت الآية في ذلك.
وصدورهم منصوبة على هذا ب يثنون. وقيل: هي استعارة للغل والحقد الذي كانوا ينطوون عليه كما تقول: فلان يطوي كشحه على عداوته، ويثني صدره عليها.
فمعنى الآية: ألا إنهم يسرون العداوة ويتكتمون بها لتخفى في ظنهم عن الله، وهو تعالى حين تغشيهم بثيابهم وإبلاغهم في التستر يعلم ما يسرون.
وقرأ سعيد بن جبير «يثنون» بضم الياء والنون من أثنى، وقرأ ابن عباس «ليثنوه»، وقرأ ابن عباس أيضا ومجاهد وابن يعمر وابن بزي ونصر بن عاصم والجحدري وابن إسحاق وابن رزين وعلي بن الحسين وأبو جعفر محمد بن علي ويزيد بن علي وجعفر بن محمد وأبو الأسود والضحاك «تثنوني صدورهم» برفع الصدور وهي تحتمل المعنيين المتقدمين في يثنون، وزنها تفوعل على بناء مبالغة لتكرار الأمر، كما
تقول اعشوشبت الأرض واحلولت الدنيا ونحو ذلك. وحكى الطبري عن ابن عباس على هذه القراءة أن هذه الآية نزلت في أن قوما كانوا لا يأتون النساء والحدث إلا ويتغشون ثيابهم كراهية أن يفضوا بفروجهم إلى السماء. وقرأ ابن عباس- فيما روى ابن عيينة- «تثنو» بتقديم الثاء على النون وبغير نون بعد الواو، وقال أبو حاتم هذه القراءة غلط لا تتجه، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق «ينثوي» بتقديم النون على الثاء، وقرأ عروة وابن أبي أبزى والأعشى «تثنون» بثاء مثلثة بعدها نون مفتوحة بعدها واو مكسورة، وقرأ أيضا هما ومجاهد فيما روي عنه «تثنان» بهمزة بدل الواو وهاتان مشتقة من الثن وهي العشب المثني بسهولة، فشبه صدورهم به إذ هي مجيبة إلى هذا الانطواء على المكر والخدع: وأصل «تثنون» تثنونن سكنت النون المكسورة ونقلت حركتها إلى الواو التي قبلها وأدغمت في النون التي بعدها، وأما «تثنان» فأصلها تثنان مثل تحمار ثم قالوا: اثنانت كما قالوا احمار وابياض، والضمير في منه عائد على الله تعالى، هذا هو الأفصح الأجزل في المعنى
وعلى بعض التأويلات يمكن أن يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، ويستغشون معناه يجعلونها أغشية وأغطية ومنه قول الخنساء: [البسيط]
أرعى النجوم وما كلّفت رعيتها = وتارة أتغشّى فضل أطماري
وقرأ ابن عباس «على حين يستغشون» ومن هذا الاستعمال قول النابغة: [الطويل]
على حين عاتبت المشيب على الصبا = وقلت ألمّا أصح والشيب وازع
وذات الصّدور: ما فيها، والذات تتصرف في الكلام على وجوه هذا أحدها كقول العرب الذيب مغبوط بذي بطنه أي بالذي فيه من النفخ وكقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: إنما هو ذو بطن بنت خارجة، والذات التي هي حقيقة الشيء ونفسه قلقة في هذا الموضع ويحتمل أن يفرق بين ذي بطنه وبين الذات وإنما يجمع بينهما المعنى). [المحرر الوجيز: 4/ 539-542]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:00 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:00 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ (1) ألّا تعبدوا إلّا اللّه إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ (2) وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ (3) إلى اللّه مرجعكم وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (4)}
قد تقدّم الكلام على حروف الهجاء في أوّل سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا، وباللّه التّوفيق.
وأمّا قوله: {أحكمت آياته ثمّ فصّلت} أي: هي محكمةٌ في لفظها، مفصّلةٌ في معناها، فهو كاملٌ صورةً ومعنًى. هذا معنى ما روي عن مجاهدٍ، وقتادة، واختاره ابن جريرٍ.
وقوله: {من لدن حكيمٍ خبيرٍ} أي: من عند اللّه الحكيم في أقواله، وأحكامه، الخبير بعواقب الأمور). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 303]

تفسير قوله تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({ألا تعبدوا إلا اللّه} أي: نزّل هذا القرآن المحكم المفصّل لعبادة اللّه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25]، قال: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل:36].
وقوله: {إنّني لكم منه نذيرٌ وبشيرٌ} أي: إنّي لكم نذيرٌ من العذاب إن خالفتموه، وبشيرٌ بالثّواب إن أطعتموه، كما جاء في الحديث الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صعد الصّفا، فدعا بطون قريشٍ الأقرب ثمّ الأقرب، فاجتمعوا، فقال يا معشر قريشٍ، أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلًا تصبّحكم، ألستم مصدّقي؟ " فقالوا: ما جرّبنا عليك كذبًا. قال: "فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٌ شديدٌ"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 303]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتّعكم متاعًا حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله} أي: وآمركم بالاستغفار من الذّنوب السّالفة والتّوبة منها إلى اللّه عزّ وجلّ فيما تستقبلونه، وأن تستمرّوا على ذلك، {يمتّعكم متاعًا حسنًا} أي: في الدّنيا {إلى أجلٍ مسمًّى ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله} أي: في الدّار الآخرة، قاله قتادة، كقوله: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل:97]،
وقد جاء في الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لسعدٍ: "وإنّك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه اللّه، إلّا أجرت بها، حتّى ما تجعل في في امرأتك".
وقال ابن جريرٍ: حدّثت عن المسيّب بن شريكٍ، عن أبي بكرٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن مسعودٍ في قوله: {ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله} قال: من عمل سيّئةً كتبت عليه سيّئةٌ، ومن عمل حسنةً كتبت له عشر حسناتٍ. فإن عوقب بالسّيّئة الّتي كان عملها في الدّنيا بقيت له عشر حسناتٍ، وإن لم يعاقب بها في الدّنيا أخذ من الحسنات العشر واحدةٌ وبقيت له تسع حسناتٍ. ثمّ يقول: هلك من غلب آحاده أعشاره.
وقوله: {وإن تولّوا فإنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ كبيرٍ} هذا تهديدٌ شديدٌ لمن تولّى عن أوامر اللّه تعالى، وكذّب رسله، فإنّ العذاب يناله يوم معاده لا محالة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 304]

تفسير قوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إلى اللّه مرجعكم} أي: معادكم يوم القيامة، {وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: وهو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه، وانتقامه من أعدائه، وإعادة الخلائق يوم القيامة، وهذا مقام التّرهيب، كما أنّ الأوّل مقام ترغيبٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 304]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور (5) }
قال ابن عبّاسٍ: كانوا يكرهون أن يستقبلوا السّماء بفروجهم، وحال وقّاعهم، فأنزل اللّه هذه الآية. رواه البخاريّ من حديث ابن جريج، عن محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ؛ أنّ ابن عبّاس قرأ: "ألا إنّهم تثنوني صدورهم"، فقلت: يا أبا عبّاسٍ، ما تثنوني صدورهم؟ قال: الرّجل كان يجامع امرأته فيستحيي -أو: يتخلّى فيستحيي فنزلت: "ألا إنّهم تثنوني صدورهم".
وفي لفظٍ آخر له: قال ابن عبّاسٍ: أناسٌ كانوا يستحيون أن يتخلّوا، فيفضوا إلى السّماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السّماء، فنزل ذلك فيهم.
ثمّ قال: حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرٌو قال: قرأ ابن عبّاسٍ "ألا إنّهم يثنوني صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم".
قال البخاريّ: وقال غيره، عن ابن عبّاسٍ: {يستغشون} يغطّون رءوسهم.
وقال ابن عبّاسٍ في روايةٍ أخرى في تفسير هذه الآية: يعني به الشّكّ في اللّه، وعمل السّيّئات، وكذا روي عن مجاهدٍ، والحسن، وغيرهم: أي أنّهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئًا أو عملوه، يظنّون أنّهم يستخفون من اللّه بذلك، فأعلمهم اللّه تعالى أنّهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة اللّيل، {يعلم ما يسرّون} من القول: {وما يعلنون إنّه عليمٌ بذات الصّدور} أي: يعلم ما تكنّ صدورهم من النّيّات والضّمائر والسّرائر. وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلّقته المشهورة:
فلا تكتمنّ اللّه ما في نفوسكم = ليخفى، فمهما يكتم اللّه يعلم
يؤخر فيوضع في كتابٍ فيدخر = ليوم حسابٍ، أو يعجل فينقم
فقد اعترف هذا الشّاعر الجاهليّ بوجود الصّانع وعلمه بالجزئيّات، وبالمعاد وبالجزاء، وبكتابة الأعمال في الصّحف ليوم القيامة.
وقال عبد اللّه بن شدّادٍ: كان أحدهم إذا مرّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثنى صدره، وغطّى رأسه فأنزل اللّه ذلك.
وعود الضّمير على اللّه أولى؛ لقوله: {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون}.
وقرأ ابن عبّاسٍ: "ألا إنّهم تثنوني صدورهم"، برفع الصدور على الفاعلية، وهو قريب المعنى). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 304-305]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة