تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون قال حقت عليهم سخطة الله بما عصوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/298]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين وجبت عليهم يا محمّد كلمة ربّك، وهي لعنته إيّاهم بقوله: {ألا لعنة اللّه على الظّالمين} فثبتت عليهم، يقال منه: حقٌّ على فلانٍ كذا يحقّ. عليه: إذا ثبت ذلك عليه ووجب.
وقوله {لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كلّ آيةٍ} لا يصدّقون بحجج اللّه، ولا يقرّون بوحدانيّة ربّهم ولا بأنّك للّه رسولٌ، ولو جاءتهم كلّ آيةٍ ولو جاءتهم كلّ آيةٍ وموعظةٍ وعبرةٍ فعاينوها حتّى يعاينوا العذاب الأليم، كما لم يؤمن فرعون وملؤه، إذا حقّت عليهم كلمة ربّك حتّى عاينوا العذاب الأليم، فحينئذٍ قال: {آمنت أنّه لا إله إلاّ الّذي آمنت به بنو إسرائيل} حين لم ينفعه قيله، فكذلك هؤلاء الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك من قومك، من عبدة الأوثان وغيرهم، لا يؤمنون بك فيتّبعونك إلاّ في الحين الّذي لا ينفعهم إيمانهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون} قال: حقّ عليهم سخط اللّه بما عصوه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون} حقّ عليهم سخط اللّه بما عصوه). [جامع البيان: 12/289-290]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون (96)
قوله تعالى: إنّ الّذين حقّت عليهم كلمت ربّك لا يؤمنون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: حقت عليهم كلمت ربّك يقول: سبقت كلمة ربّك.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ عن قتادة: إنّ الّذين حقت عليهم كلمت ربّك لا يؤمنون: حقّ عليهم سخط اللّه بما عصوه). [تفسير القرآن العظيم: 6/1986]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 96 - 97.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون} قال: حق عليهم سخط الله بما عصوه). [الدر المنثور: 7/704-705]
تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله {لا يؤمنون (96) ولو جاءتهم كلّ آيةٍ} لا يصدّقون بحجج اللّه، ولا يقرّون بوحدانيّة ربّهم ولا بأنّك للّه رسولٌ، ولو جاءتهم كلّ آيةٍ ولو جاءتهم كلّ آيةٍ وموعظةٍ وعبرةٍ فعاينوها حتّى يعاينوا العذاب الأليم، كما لم يؤمن فرعون وملؤه، إذا حقّت عليهم كلمة ربّك حتّى عاينوا العذاب الأليم، فحينئذٍ قال: {آمنت أنّه لا إله إلاّ الّذي آمنت به بنو إسرائيل} حين لم ينفعه قيله، فكذلك هؤلاء الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك من قومك، من عبدة الأوثان وغيرهم، لا يؤمنون بك فيتّبعونك إلاّ في الحين الّذي لا ينفعهم إيمانهم). [جامع البيان: 12/289] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم (97)
قوله تعالى: ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم
قد تقدم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 6/1987]
تفسير قوله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إلا قوم يونس لما آمنوا قال بلغنا أنهم خرجوا فنزلوا على تل وفرقوا بين كل بهيمة وولدها فدعوا الله تعالى أربعين ليلة حتى تاب عليهم وفي حرف ابن مسعود فلولا يقول فهلا). [تفسير عبد الرزاق: 1/298]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن طاوس عن أبيه أن يونس لما نبذ بالعراء أنبت الله عليه شجرة من يقطين قال فأيبسها الله تعالى قال فحزن قال فقال أتحزن على شجرة أيبستها ولا تحزن على مائة ألف أم يزيدون أردت أن أهلكهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/298]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال: قال رسول الله لا ينبغي لأحد أن يقول إني خير من يونس بن متى نسبه إلى أمه أصاب ذنبا ثم اجتباه ربه). [تفسير عبد الرزاق: 1/299]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ}.
يقول تعالى ذكره: فهلاّ كانت قريةٌ آمنت وهي كذلك فيما ذكر في قراءة أبيٍّ.
ومعنى الكلام: فما كانت قريةٌ آمنت عند معاينتها العذاب ونزول سخط اللّه بها بعصيانها ربّها واستحقاقها عقابه، فنفعها إيمانها ذلك في ذلك الوقت، كما لم ينفع فرعون إيمانه حين أدركه الغرق بعد تماديه في غيّه واستحقاقه سخط اللّه بمعصيته. {إلاّ قوم يونس} فإنّهم نفعهم إيمانهم بعد نزول العقوبة وحلول السّخط بهم. فاستثنى اللّه قوم يونس من أهل القرى الّذين لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم، وأخرجهم منه، وأخبر خلقه أنّه نفعهم إيمانهم خاصّةً من بين سائر الأمم غيرهم.
فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمر على ما وصفت من أنّ قوله: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها} بمعنى فما كانت قريةٌ آمنت بمعنى الجحود، فكيف نصب قوم وقد علمت أنّ ما قبل الاستثناء إذا كان جحدًا كان ما بعده مرفوعًا، وأنّ الصّحيح من كلام العرب: ما قام أحدٌ إلاّ أخوك، وما خرج أحدٌ إلاّ أبوك؟
قيل: إنّ ذلك إنّما يكون كذلك إذا كان ما بعد الاستثناء من جنس ما قبله؛ وذلك أنّ الأخ من جنس أحدٍ، وكذلك الأب.
ولكن لو اختلف الجنسان حتّى يكون ما بعد الاستثناء من غير جنس ما قبله كان الفصيح من كلامهم النّصب، وذلك لو قلت: ما بقي في الدّار أحدٌ إلاّ الوتد، وما عندنا أحدٌ إلاّ كلبًا أو حمارًا، لأنّ الكلب والوتد والحمار من غير جنس أحدٍ، ومنه قول النّابغة الذّبيانيّ:
...................... = عيّت جوابًا وما بالرّبع من أحد
ثمّ قال:
إلاّ أواريّ لأيًا ما أبيّنها = والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فنصب الأواريّ إذ كان مستثنى من غير جنسه، فكذلك نصب قوم يونس لأنّهم أمّةٌ غير الأمم الّذين استثنوا منهم من غير جنسهم وشكلهم وإن كانوا من بني آدم، وهذا الاستثناء الّذي يسمّيه بعض أهل العربيّة الاستثناء المنقطع. ولو كان قوم يونس بعض الأمّة الّذين استثنوا منهم كان الكلام رفعًا، ولكنّهم كما وصفت.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها} يقول: لم تكن قريةٌ آمنت فنفعها الإيمان إذا نزل بها بأس اللّه، إلاّ قرية يونس.
قال ابن جريجٍ: قال مجاهد: فلم تكن قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها كما نفع قوم يونس إيمانهم إلاّ قوم يونس.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ} يقول: لم يكن هذا في الأمم قبلهم لم ينفع قريةٌ كفرت ثمّ آمنت حين حضرها العذاب فتركت، إلاّ قوم يونس لمّا فقدوا نبيّهم وظنّوا أنّ العذاب قد دنا منهم، قذف اللّه في قلوبهم التّوبة ولبسوا المسوح وألهوا بين كلّ بهيمةٍ وولدها، ثم عجّوا إلى اللّه أربعين ليلةً. فلمّا عرف اللّه الصّدق من قلوبهم، والتّوبة، والنّدامة على ما مضى منهم، كشف اللّه عنهم العذاب بعد أن تدلّى عليهم. قال: وذكر لنا أنّ قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {إلاّ قوم يونس} قال: بلغنا أنّهم خرجوا فنزلوا على تلٍّ وفرّقوا بين كلّ بهيمةٍ وولدها يدعون اللّه أربعين ليلةً حتّى تاب عليهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى الثّوب القبر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن صالحٍ المرّيّ، عن قتادة، عن ابن عبّاسٍ إنّ العذاب كان هبط على قوم يونس، حتّى لم يكن بينهم وبينه إلاّ قدر ثلثي ميلٍ، فلمّا دعوا كشف اللّه عنهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وإسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لمّا آمنوا} قال: كما نفع قوم يونس. زاد أبو حذيفة في حديثه قال: لم تكن قريةٌ آمنت حين رأت العذاب فنفعها إيمانها، إلاّ قوم يونس متّعناهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: حدّثنا رجلٌ، قد قرأ القرآن في صدره في إمارة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه فحدّث عن قوم يونس حين أنذر قومه فكذّبوه، فأخبرهم أنّ العذاب يصيبهم ففارقهم، فلمّا رأوا ذلك وغشيهم العذاب لكنّهم خرجوا من مساكنهم وصعدوا في مكانٍ رفيعٍ، وإنّهم جأروا إلى ربّهم ودعوه مخلصين له الدّين أن يكشف عنهم العذاب وأن يرجع إليهم رسولهم. قال: ففي ذلك أنزل: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ} فلم تكن قريةٌ غشيها العذاب ثمّ أمسك عنها إلاّ قوم يونس خاصّةً؛ فلمّا رأى ذلك يونس، لكنّه ذهب عاتبًا على ربّه وانطلق مغاضبًا وظنّ أن لن نقدر عليه، حتّى ركب في سفينةٍ فأصاب أهلها عاصف الرّيح. فذكر قصّة يونس وخبره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: لمّا رأوا العذاب ينزل فرّقوا بين كلّ أنثى وولدها من النّاس والأنعام، ثمّ قاموا جميعًا فدعوا اللّه وأخلصوا إيمانهم، فرأوا العذاب يكشف عنهم. قال يونس حين كشف عنهم العذاب: أرجع إليهم وقد كذبتهم؟ وكان يونس قد وعدهم العذاب بصبح ثالثةٍ، فعند ذلك خرج مغضبًا وساء ظنّه.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا أرسل يونس إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، وترك ما هم عليه، قال: فدعاهم فأبوا، فقيل له: أخبرهم أنّ العذاب مصبّحهم فقالوا: إنّا لم نجرّب عليه كذبًا فانظروا، فإن بات فيكم فليس بشيءٍ، وإن لم يبت فاعلموا أنّ العذاب مصبّحكم. فلمّا كان في جوف اللّيل أخذ مخلاته فتزوّد فيها شيئًا، ثمّ خرج. فلمّا أصبحوا تغشّاهم العذاب كما يتغشّى الإنسان الثّوب في القبر، ففرّقوا بين الإنسان وولده وبين البهيمة وولدها، ثمّ عجّوا إلى اللّه، فقالوا: آمنّا بما جاء به يونس وصدّقنا فكشف اللّه عنهم العذاب، فخرج يونس ينظر العذاب، فلم ير شيئًا، قال: جرّبوا عليّ كذبًا. فذهب مغاضبًا لربّه حتّى أتى البحر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، قال: حدّثنا ابن مسعودٍ، في بيت المال، قال: إنّ يونس عليه السّلام كان قد وعد قومه العذاب وأخبرهم أنّه يأتيهم إلى ثلاثة أيّامٍ، ففرّقوا بين كلّ والدةٍ وولدها، ثمّ خرجوا فجأروا إلى اللّه واستغفروه فكفّ عنهم العذاب، وغدا يونس ينظر العذاب فلم ير شيئًا، وكان من كذب، ولم تكن له بيّنةٌ قتل. فانطلق مغاضبًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا صالحٌ المرّيّ، عن أبي عمران الجونيّ، عن أبي الجلد جيلان، قال: لمّا غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخٍ من بقيّة علمائهم، فقالوا له: إنّه قد نزل بنا العذاب فما ترى؟ فقال: قولوا يا حيّ حين لا حيّ، ويا حيّ محيي الموتى، ويا حيّ لا إله إلاّ أنت فكشف عنهم العذاب ومتّعوا إلى حينٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: بلغني في حرف ابن مسعودٍ: فلولا يقول فهلاّ.
وقوله: {لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا} يقول: لمّا صدّقوا رسولهم، وأقرّوا بما جاءهم به بعد ما أظلّهم العذاب، وغشيهم أمر اللّه ونزل بهم البلاء، كشفنا عنهم عذاب الهوان والذّل في حياتهم الدّنيا. {ومتّعناهم إلى حينٍ} يقول: وأخّرنا في آجالهم ولم نعاجلهم بالعقوبة، وتركناهم في الدّنيا يستمتعون فيها بآجالهم إلى حين مماتهم ووقت فناء أعمارهم الّتي قضيت فناءها). [جامع البيان: 12/291-297]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلّا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ (98)
قوله تعالى: فلولا
- حدّثنا موسى بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها يقول: فما كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: فلولا كانت قريةٌ آمنت قال: فلم تكن قريةٌ آمنت.
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن نصرٍ، ثنا عبيد بن عقلٍ، ثنا سهلٌ، عن ابن كثيرٍ: فلولا كانت قريةٌ آمنت أي فلم تكن قريةٌ آمنت إلا قوم يونس ويوسف.
قوله تعالى: كانت قريةٌ آمنت
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها قال: كان يونس بن متّى عليه السّلام من أنبياء اللّه عزّ وجلّ بعثه اللّه إلى قريةٍ يقال لها نينوى على شاطئ دجلة.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: وكان من حديث يونس بن متّى فيها بلغني أنّ اللّه تبارك وتعالى بعثه إلى أهل قرية أهل نينوى، وهي من بلاد الموصل.
قوله تعالى: آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا هدبة بن خالدٍ، ثنا أبان العطّار، ثنا يعلى ابن عطاءٍ، ثنا أبو علقمة الهاشميّ أو رجلٌ آخر أن علي ابن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه قال: إنّ الحذر لا يردّ القدر، وإنّ الدّعاء يردّ القدر وذلك في كتاب اللّه: إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم الآية.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أحمد بن الأشقر عن قيس بن الرّبيع عن حجّاجٍ عن عمير بن سعيدٍ عن عليٍّ قال: تيب على قوم يونس يوم عاشوراء.
- حدّثنا أبي عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ميمونٍ، ثنا عبد اللّه بن مسعودٍ أنّ يونس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعد قومه العذاب وأخبر أنّه يأتيهم إلى ثلاثة أيّامٍ ففرّقوا بين كلّ والدةٍ وولدها ثمّ خرجوا وصاروا إلى اللّه واستغفروا فكشف اللّه عنهم العذاب.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا خليدٌ، عن قتادة في قول اللّه: فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم قال: لم تكن قريةٌ آمنت من الأمم قبل قوم يونس كفرت ثمّ آمنت حين عاينت العذاب إلا قوم يونس فاستثنى اللّه قوم يونس.
- وذكر لنا أنّ قوم يونس كانوا ببعض أرض الموصل، فلمّا فقدوا نبيّهم قذف اللّه في قلوبهم، فلبسوا المسوح وأخرجوا المواشي من كلّ بهيمةٍ وولدها فعجّوا إلى اللّه أربعين صباحًا فلمّا عرف اللّه عزّ وجلّ منهم الصّدق بقلوبهم والتّوبة والنّدامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد أن تدلّى عليهم، لم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميلٌ.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيروتيّ قرأةً، ثنا محمّد بن سعيد بن شابور أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، في قول اللّه: فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إذا نزل بها بأس اللّه ولم نفعل ذلك بقريةٍ إلا قرية يونس.
قوله تعالى: كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيادٍ الهاشميّ، عن عبد اللّه بن أبي سلمة عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال بعثه اللّه إلى أهل قريةٍ فردّوا عليه ما جاءهم به فامتنعوا منه فلمّا فعلوا ذلك أوصى اللّه إليه إنّي مرسلٌ عليهم العذاب في يوم كذا، فاخرج من بين أظهرهم فأعلم قومه الّذي وعده اللّه من عذابه إيّاهم فقالوا: ارمقوه فإن هو خرج من بين أظهركم فهو واللّه كأين ما وعدكم، فلمّا كانت اللّيلة الّتي وعدوا العذاب في صبيحتها اندلج فرأه القوم فحذروا فخرجوا من القرية إلى برازٍ بين أراضيهم وفرّقوا بين كلّ دابّةٍ وولدها ثمّ عجّوا إلى اللّه وأنابوا واستقالوا فأقاله، وتنظر يونس الخبر عن القرية وأهلها حتّى مرّ به مارٌّ فقال: ما فعل أهل القرية قال: فعلوا أنّ نبيّهم لمّا خرج من بين أظهرهم عرفوا أنّه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب فخرجوا من قريتهم إلى برازٍ من الأرض ثمّ فرّقوا بين كلّ ذات والدٍ وولدها ثمّ عجّوا إلى اللّه وتابوا إليه فقبل منهم وأخّر عنهم العذاب.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن أبي زيادٍ القطونيّ، ثنا سيّار بن حاتمٍ، ثنا صالح المزي، عن أبي عمران الجونيّ، عن أبي الجلد قال: إنّ العذاب لمّا هبط على قوم يونس جعل يحور على رءوسهم مثل قطع اللّيل المظلم فمشى ذو العقول منهم إلى شيخٍ من علمائهم فقالوا: إنّا قد نزل بنا ما ترى فعلّمنا دعاءً ندعو اللّه به عسى أن يرفع عنّا عقوبته قال: قولوا يا حيّ، يا حيّ ويا حيّ محي الموتى ويا حيّ لا إله إلا أنت فكشف عنهم العذاب.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن سعيد بن جبيرٍ قال: غشى قوم يونس العذاب كما يغشى الثّوب بالقبر.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا خليل بن علجٍ، حدّثني معروفٌ الموصليّ أنّ سحابةً غشيتهم تنضح عليهم شرر النّار.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا خليدٌ عن قتادة: كشفنا عنهم عذاب الخزي قال: كشف عنهم العذاب بعد أن تدلّى عليهم لم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميلٌ.
قوله تعالى: ومتّعناهم إلى حينٍ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبد اللّه بن موسى، ثنا إسرائيل عن السّدّيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: ومتاعٌ إلى حينٍ قال: الحياة.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ، ثنا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن حميدٍ المدنيّ، عن كريبٍ مولى ابن عبّاسٍ: عن ابن عبّاسٍ قوله تعالى: إلى حينٍ قال: حتّى نصير إلى الجنّة أو إلى النّار.
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد الدّشتكيّ، ثنا أبي، حدّثني أبي عن أبيه، عن إبراهيم الصّائغ، عن يزيد النّحويّ قال: قال عكرمة إلى حينٍ قال: الحين: الّذي لا يدرك.
قوله تعالى: متعناهم إلى حينٍ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ عن سفيان عن عاصمٍ عن أبي رزينٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الحين حينان فحينٌ يعرف وحينٌ لا يعرف فأمّا الّذي لا يعرف: ولتعلمنّ نبأه بعد حينٍ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر ابن الفرات عن أسباطٍ، عن السّدّيّ يقول: فآمنوا فمتّعناهم إلى حينٍ يقول إلى أجلهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1987-1990]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فلولا كانت قرية آمنت أي كما آمن قوم يونس فنفعها إيمانها أي كما نفع قوم يونس إيمانهم فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس). [تفسير مجاهد: 298]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 98 - 99.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: بلغني أن في حرف ابن مسعود رضي الله عنه فهلا كانت قرية آمنت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله {فلولا كانت قرية آمنت} يقول: فما كانت قرية آمنت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه قال: كل ما في القرآن فلولا فهو فهلا إلا في حرفين في يونس {فلولا كانت قرية آمنت} والآخر (فلولا كان من القرون من قبلكم) (هود الآية 116).
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {فلولا كانت قرية آمنت} قال: فلم تكن قرية آمنت.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه {فلولا كانت قرية آمنت} الآية، يقول: لم يكن هذا في الأمم قبل قوم يونس لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين عاينت العذاب إلا قوم يونس عليه السلام فاستثنى الله قوم يونس وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل فلما فقدوا نبيهم عليه السلام قذف الله تعالى في قلوبهم التوبة فلبسوا المسوح وأخرجوا المواشي وفرقوا بين كل بهيمة وولدها فعجوا إلى الله أربعين صباحا فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد ما تدلى عليهم لم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فلولا كانت قرية آمنت} الآية، قال: لم تكن قرية آمنت فنفعها الإيمان إذا نزل بها بأس الله، إلا قرية: يونس.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في قوله {إلا قوم يونس لما آمنوا} قال: لما دعوا.
وأخرج ابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن الحذر لا يرد القدر وإن الدعاء يرد القدر وذلك في كتاب الله: {إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي}.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الدعاء ليرد القضاء وقد نزل من السماء اقرأوا إن شئتم {إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم} فدعوا صرف عنهم العذاب
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إن يونس دعا قومه فلما أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب فقال: إنه يأتيكم يوم كذا وكذا، ثم خرج عنهم - وكانت الأنبياء عليهم السلام إذا وعدت قومها العذاب خرجت - فلما أظلهم العذاب خرجوا ففرقوا بين المرأة وولدها وبين السخلة وأولادها وخرجوا يعجبون إلى الله علم الله منهم الصدق فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب وقعد يونس في الطريق يسأل عن الخبر فمر به رجل فقال: ما فعل قوم يونس فحدثه بما صنعوا فقال: لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم، وانطلق مغاضبا يعني مراغما.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن العذاب كان هبط على قوم يونس حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشف الله عنهم.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى القبر بالثوب إذا أدخل فيه صاحبه وأمطرت السماء دما.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد، وابن جرير عن قتادة في قوله {إلا قوم يونس لما آمنوا} قال: بلغنا أنهم خرجوا فنزلوا على تل وفرقوا بين كل بهيمة وولدها فدعو الله أربعين ليلة حتى تاب عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه قال: تيب على قوم يونس عليه السلام يوم عاشوراء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: بعث يونس عليه السلام إلى قرية يقال لها نينوى على شاطئ دجلة.
وأخرج أحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي الخلد رضي الله عنه قال: لما غشي قوم يونس عليه السلام العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له: ما ترى قال: قولوا يا حي حين لا حي ويا حي محيي الموت ويا حي لا إله إلا أنت، فقالوا فكشف عنهم العذاب.
وأخرج ابن النجار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينجي حذر من قدر وإن الدعاء يدفع من البلاء وقد قال الله في كتابه {إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين}.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما دعا يونس على قومه أوحى الله إليه أن العذاب مصبحهم، فقالوا: ما كذب يونس وليصبحنا العذاب فتعالوا حتى نخرج سخال كل شيء فنجعلها مع أولادنا فلعل الله أن يرحمهم فأخرجوا النساء معهن الولدان وأخرجوا الإبل معها فصلانها وأخرجوا البقر معها عجاجيلها وأخرجو الغنم معها سخالها فجعلوه أمامهم وأقبل العذاب فلما أن رأوه جأروا إلى الله ودعوا وبكى النساء والولدان ورغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وعجاجيلها وثغت الغنم وسخالها فرحمهم الله فصرف عنهم العذاب إلى جبال آمد فهم يعذبون حتى الساعة). [الدر المنثور: 7/7.5-709]
تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: {ولو شاء} يا محمّد {ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} بك، فصدّقوك أنّك لي رسولٌ وأنّ ما جئتهم به وما تدعوهم إليه من توحيد اللّه، وإخلاص العبودة له حقٌّ، ولكن لا يشاء ذلك؛ لأنّه قد سبق من قضاء اللّه قبل أن يبعثك رسولاً أنّه لا يؤمن بك ولا يتّبعك فيصدّقوك بما بعثك اللّه به من الهدى والنّور إلاّ من سبقت له السّعادة في الكتاب الأوّل قبل أن يخلق السّماوات والأرض وما فيهنّ، وهؤلاء الّذين عجبوا من صدق إيحائنا إليك هذا القرآن لتنذر به من أمرتك بإنذاره ممّن قد سبق له عندي أنّهم لا يؤمنون بك في الكتاب السّابق.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} {وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه} ونحو هذا في القرآن، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يحرص أن يؤمن جميع النّاس، ويتابعوه على الهدى، فأخبره اللّه أنّه لا يؤمن من قومه إلاّ من قد سبق له من اللّه السّعادة في الذّكر الأوّل، ولا يضلّ إلاّ من سبق له من اللّه الشّقاء في الذّكر الأوّل.
فإن قال قائلٌ: فما وجه قوله: {لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} فالكلّ يدلّ على الجميع، والجميع على الكلّ، فما وجه تكرار ذلك، وكلّ واحدةٍ منهما تغني عن الأخرى؟
قيل: قد اختلف أهل العربيّة في ذلك، فقال بعض نحويّي أهل البصرة: جاء بقوله جميعًا في هذا الموضع توكيدًا كما قال: {لا تتّخذوا إلهين اثنين} [النحل] ففي قوله: {إلهين} دليلٌ على الاثنين.
وقال غيره: جاء بقوله {جميعًا} بعد {كلّهم}، لأنّ جميعًا لا تقع إلاّ توكيدًا، وكلّهم يقع توكيدًا واسمًا؛ فلذلك جاء بـ {جميعًا} بعد كلّهم. قال: ولو قيل إنّه جمع بينهما ليعلم أنّ معناهما واحدٌ لجاز ههنا.
قال: وكذلك: {إلهين اثنين} العدد كلّه يفسر به، فيقال: رأيت قومًا أربعةً، فما جاء باثنين وقد اكتفى بالعدد منه لأنّهم يقولون: عندي درهمٌ ودرهمان، فيكفي من قولهم: عندي درهمٌ واحدٌ ودرهمان اثنان، فإذا قالوا دراهم، قالوا ثلاثةً، لأنّ الجمع يلتبس والواحد والاثنان لا يلتبسان، لم يثن الواحد والتّثنية على تنافي الجمع، لأنّه ينبغي أن يكون مع كلّ واحدٍ واحدٌ، لأنّ درهمًا يدلّ على الجنس الّذي هو منه، وواحدٌ يدلّ على كلّ الأجناس، وكذلك اثنان يدلاّن على كلّ الأجناس، ودرهمان يدلاّن على أنفسهما، فلذلك جاء بالأعداد لأنّه الأصل.
وقوله: {أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين} يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّه لن يصدّقك يا محمّد ولن يتّبعك ويقرّ بما جئت به إلاّ من شاء ربّك أن يصدّقك، لا بإكراهك إيّاه ولا بحرصك على ذلك، أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين لك مصدّقين على ما جئتهم به من عند ربّك؟ يقول له جلّ ثناؤه: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} و{إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك أنّهم لا يؤمنون}). [جامع البيان: 12/297-299]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين (99)
قوله تعالى: ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا الآية
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة، ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: مؤمنين يقول مصدّقين). [تفسير القرآن العظيم: 6/1990]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: وما كان لنفسٍ خلقتها من سبيلٍ إلى تصديقك يا محمّد إلاّ بإذن آذنٌ لها في ذلك، فلا تجهدنّ نفسك في طلب هداها، وبلّغها وعيد اللّه وعرّفها ما أمرك ربّك بتعريفها، ثمّ خلّها، فإنّ هداها بيد خالقها.
وكان الثّوري يقول في تأويل قوله: {إلاّ بإذن اللّه} ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، في قوله: {وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه} قال: بقضاء اللّه.
وأمّا قوله: {ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون} فإنّه يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه يهدي من يشاء من خلقه للإيمان بك يا محمّد، ويأذن له في تصديقك فيصدّقك ويتّبعك، ويقرّ بما جئت به من عند ربّك، ويجعل الرّجس، وهو العذاب، وغضب اللّه على الّذين لا يعقلون؛ يعني الّذين لا يعقلون عن اللّه حججه، ومواعظه، وآياته الّتي دلّ بها جلّ ثناؤه على نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وحقيقة ما دعاهم إليه من توحيد اللّه وخلع الأنداد والأوثان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ويجعل الرّجس} قال: السّخط). [جامع البيان: 12/299-300]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلّا بإذن اللّه ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون (100)
قوله تعالى: وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا بإذن الله الآية
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: حينٍ يقول: سخطٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة، ثنا عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: الرّجس يعني: إثمًا.
الوجه الثّالث:
- ذكر حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد الرجس ما لا خير فيه.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، أبو الجماهر، ثنا سعيدٌ، عن قتادة ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون قال: الرّجس: الشّيطان.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: رجسٌ من عمل الشّيطان قال: الرّجس: الشّرّ من عمل الشّيطان). [تفسير القرآن العظيم: 6/1990-1991]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 100 – 106
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ويجعل الرجس} قال: السخط.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله {ويجعل الرجس} قال: الرجس الشيطان والرجس العذاب). [الدر المنثور: 7/709]