تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قومًا مّجرمين}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ بعثنا من بعد هؤلاء الرّسل الّذين أرسلناهم من بعد نوحٍ إلى قومهم موسى وهارون ابني عمران إلى فرعون مصر {وملئه} يعني: وأشراف قومه وسادتهم، {بآياتنا} يقول: بأدلّتنا على حقيقة ما دعوهم إليه من الإذعان للّه بالعبودة، والإقرار لهما بالرّسالة. {فاستكبروا} يقول: فاستكبروا عن الإقرار بما دعاهم إليه موسى وهارون. {وكانوا قومًا مجرمين} يعني: آثمين بربّهم بكفرهم باللّه تعالى). [جامع البيان: 12/237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ثمّ بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين (75)
قوله تعالى: ثمّ بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون الآية
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو يحيى الرّازيّ، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن المنكدر قال: عاش فرعون ثلاثمائة سنةٍ، مائتان وعشرون لم ير فيها ما يقذي عينه، ودعى موسى ثمانين سنةً.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ أبو أسامة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال كان فرعون فارسيًّا من أهل إصطخرٍ.
- قرأه على يونس بن عبد الأعلى ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة أنّ فرعون كان من أبناء سحرةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1972-1973]
تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا قالوا إنّ هذا لسحرٌ مبينٌ (76) قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم أسحرٌ هذا ولا يفلح السّاحرون}.
يقول تعالى ذكره: {فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا} يعني: فلمّا جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى وهارون، وذلك الحجج الّتي جاءهم بها، وهي الحقّ الّذي جاءهم من عند اللّه؛ {قالوا إنّ هذا لسحرٌ مبينٌ} يعنون: أنّه يبين لمن رآه وعاينه أنّه سحرٌ لا حقيقة له). [جامع البيان: 12/238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا قالوا إنّ هذا لسحرٌ مبينٌ (76)
قوله تعالى: فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا الآية.
- حدّثنا أبو زرعة، عمرو بن حمّادٍ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ قال: لمّا جاءهم رسولٌ من عند اللّه عارضوه وحاصروه). [تفسير القرآن العظيم: 6/1973]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({قال موسى} لهم: {أتقولون للحقّ لمّا جاءكم} من عند اللّه: {أسحرٌ هذا}
واختلف أهل العربيّة في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله: {أسحرٌ هذا} فقال بعض نحويّي البصرة: أدخلت فيه على الحكاية لقولهم لأنّهم قالوا: أسحرٌ هذا؟ فقال: أتقولون: أسحرٌ هذا؟
وقال بعض نحويّي الكوفة: إنّهم قالوا هذا سحرٌ، ولم يقولوه بالألف، لأنّ أكثر ما جاء بغير ألفٍ. قال: فيقال: فلم أدخلت الألف؟ فيقال: قد يجوز أن تكون من قيلهم وهم يعلمون أنّه سحرٌ، كما يقول الرّجل للجائزة إذا أتته: أحقٌّ هذا؟ وقد علم أنّه حقٌّ. قال: قد يجوز أن تكون على التّعجّب منهم: أسحرٌ هذا، ما أعظمه.
وأولى ذلك في هذا بالصّواب عندي أن يكون المقول محذوفًا، ويكون قوله: {أسحرٌ هذا} من قيل موسى منكرًا على فرعون، وملئه قولهم للحقّ لمّا جاءهم سحرٌ، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ: قال موسى لهم: {أتقولون للحقّ لمّا جاءكم} وهي الآيات الّتي أتاهم بها من عند اللّه حجّةً له على صدقه، سحرٌ، أسحرٌ هذا الحقّ الّذي ترونه؟ فيكون السّحر الأوّل محذوفًا اكتفاءً بدلالة قول موسى {أسحرٌ هذا} على أنّه مرادٌ في الكلام، كما قال ذو الرّمّة:
فلمّا لبسن اللّيل أو حين نصّبت = له من خذا آذانها وهو جانح
يريد: أو حين أقبل، ثمّ حذف اكتفاء بدلالة الكلام عليه، وكما قال جلّ ثناؤه: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} والمعنى: بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم، فترك ذلك اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، في أشباهٍ لما ذكرنا كثيرةٍ يتعب إحصاؤها.
وقوله: {ولا يفلح السّاحرون} يقول: ولا ينجح السّاحرون ولا يبقون). [جامع البيان: 12/238-239]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم أسحرٌ هذا ولا يفلح السّاحرون (77)
قوله تعالى: قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم الآية
....... ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1973]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (الكبرياء الملك). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الكبرياء الملك هو قول مجاهدٍ وصله عبد بن حميدٍ من طريق بن أبي نجيحٍ عنه وقال الفرّاء قوله وتكون لكما الكبرياء في الأرض لأنّ النّبيّ إذا صدق صارت مقاليد أمّته وملكهم إليه). [فتح الباري: 8/347]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد الكبرياء الملك
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 78 يونس {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} قال الملك). [تغليق التعليق: 4/224]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الكبرياء الملك
أشار بهذا إلى قوله: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين} (يونس: 78) وتفسير: الكبرياء، بالملك قول مجاهد، قال محمّد: حدثنا حجاج حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، وفي رواية عنه الكبرياء في الأرض العظيمة، وأول الآية. (قالوا أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء) أي: قال فرعون وقومه لموسى عليه السّلام، أجئتنا لتلفتنا أي: لتصرفنا. عمّا وجدنا عليه آبائنا؟ يعنون عبادة الأصنام. وتكون لكما الخطاب لموسى وهارون. قوله: (في الأرض) أي: في أرض مصر. قوله: (بمؤمنين) أي: بمصدقين لكما فيما جئتما به). [عمدة القاري: 18/285]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الكبرياء}) قال مجاهد في قوله تعالى: {وتكون لكما الكبرياء} [يونس: 78] هو (الملك) بضم الميم لأن النبي إذا صدق صارت مقاليد أمته وملكهم إليه). [إرشاد الساري: 7/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: قال فرعون وملؤه لموسى: {أجئتنا لتلفتنا} يقول: لتصرفنا وتلوينا، {عمّا وجدنا عليه آباءنا} من قبل مجيئك من الدّين.
يقال منه: لفت فلانٌ عنق فلانٍ إذا لواها، كما قال ذو الرّمّة:
لفتًا وتهزيعًا سواء اللّفت
التّهزيع: الدّقّ، واللّفت: اللّيّ.
- كما حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {لتلفتنا} قال: لتلوينا {عمّا وجدنا عليه آباءنا}.
وقوله: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} يعني العظمة، وهي الفعلياء من الكبر. ومنه قول ابن الرّقاع:
سؤددًا غير فاحشٍ لا يدا = نيه تجباره ولا كبرياء
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} قال: الملك.
- قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهدٍ: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} قال: السّلطان في الأرض.
- قال: حدّثنا محمّد بن بكرٍ، عن ابن جريجٍ، قال: بلغني عن مجاهدٍ، قال: الملك في الأرض.
- قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} قال: الطّاعة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} قال: الملك.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، قال: السّلطان في الأرض.
وهذه الأقوال كلّها متقاربات المعاني، وذلك أنّ الملك سلطانٌ، والطّاعة ملكٌ؛ غير أنّ معنى الكبرياء هو ما ثبت في كلام العرب، ثمّ يكون ذلك عظمةً بملكٍ وسلطانٍ وغير ذلك.
وقوله: {وما نحن لكما بمؤمنين} يقول: وما نحن لكما يا موسى وهارون بمؤمنين، يعني بمقرّين بأنّكما رسولان أرسلتما إلينا). [جامع البيان: 12/239-241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالوا أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين (78)
قوله: قالوا أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ عن قتادة: لتلفتنا: لتلوينا عمّا وجدنا عليه آباءنا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان عن الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ قوله: لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا يقول: لتصدّنا عن آلهتنا.
قوله تعالى: وتكون لكما الكبرياء في الأرض
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: الكبرياء في الأرض: الملك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ إسماعيل بن إبراهيم ثنا سعيد بن محمّد الثّقفيّ عن الأعمش، عن مجاهدٍ وتكون لكما الكبرياء في الأرض قال: العظمة في الأرض.
قوله تعالى: وما نحن لكما بمؤمنين
- حدّثنا عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: بمؤمنين قال: بمصدّقين). [تفسير القرآن العظيم: 6/1973]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وتكون لكما الكبرياء في الأرض يعني الملك). [تفسير مجاهد: 295]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 75 - 82
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {لتلفتنا} قال: لتلوينا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه {لتلفتنا} قال: لتصدنا عن آلهتنا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} قال: العظمة والملك والسلطان). [الدر المنثور: 7/690]